الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٦

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٤

ذلك لأن الذكر ـ كما قدمناه ـ ينفق في مثلث الأحوال أبا وابنا وزوجا ، والأنثى منفق عليها فيها كلها ، اللهم إلّا ما شذ فيهما بمعاكسة ام مساوات في الإنفاق منه أو عليه أماذا؟.

فالذكر ينفق ضعفه على أية حال ولا سيما في صداق ونفقة فهو ـ إذا ـ ضعيف ، والأنثى لا تنفق نصفها على أية حال فهي ـ إذا ـ قوية ، فالذكر أحوج الى المال من الأنثى على أية حال.

ثم الثروة الزائدة على النصف للنساء بلاء في أكثرية الأحوال ، سلطة لهن وسلاطة على أزواجهن قضية عدم الحاجة ـ إذا ـ إليهم ، مما يسبب نشوزهن عن الواجبات الأنثوية ام وسائر الواجبات فردية وجماعية.

ثم النتيجة في (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) غنى الأنثى وحاجة الذكر في كثير من الأحوال ، والحالات الاستثنائية التي تكون الأنثى فيها أحوج ، إنها تجبر بالوصية من الثلث قضية العدل في أقدار الحاجات للورثة ومنهم الأناث بنات وأزواجا وأخوات وأمهات.

ذلك ، والقول إن التسوية في الأشغال والنفقات ـ كما هي سنة الحضارة الحاضرة ـ تقضي بواجب التسوية في الميراث ، لا يناسب البيئة الإسلامية السامية التي فرضت على الرجال تحصيل النفقات دون النساء رعاية لقوتهم من ناحية ، وضعفهن والحفاظ على عفافهن من أخرى.

وقد قررت طبقات الميراث على ثلاث حسب الأقربية وقضية الفطرة ، فالاولى الوالدان من غير ارتفاع والأولاد ، ثم أولاد الأولاد ـ ما نزلوا ـ هم قبل الدرجة الثانية بعد آباءهم ، مهما كانوا من الطبقة الاولى حيث لا ترث الطبقة الثانية معهم ، والثانية الإخوة والأخوات من الأبوين او أحدهما ثم أولادهم

٢٨١

والجدود والجدات من الأبوين او أحدهما ثم آباءهم وأمهاتهم فإنهم قبل الطبقة الثالثة.

والثالثة إخوة الآباء والأمهات وأخواتهما وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات ، ثم أولادهم ما نزلوا.

(وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ).

ان النصف هو فرض البنت الواحدة ، وحدة عن أخ أو أخت دون سائر الطبقة الوارثة معها كالزوجين والوالدين حيث ان «كن وكانت» بعد «أولادكم» تعني الكينونة في «أولادكم» دون سواهم ، فإذا لم يكن لها أي شريك رد عليها الباقي فإن (أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ولا ريب أن البنت أقرب إلى الميت ممن ليس في طبقتها ، فهي أولى في أخذ الباقي ممّن سواها عصبة وسواهم.

فالبنت الواحدة ان لم يكن معها وارث سواها رد الباقي عليها ، وان كان معها وارث سواها وهوذ وفرض رد الباقي عليهما بحساب الفرض.

وانما (إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) مع أن لها النصف الباقي ايضا بالرد حيث لا وارث سواهما؟ لأنها لا يرد عليها النصف الباقي ان كان معها ذو فرض آخر ، فالقدر المعلوم من نصيبها ـ إذا ـ النصف ثم الباقي كما فرض الله ، وفرض النصف فرض لها في الصورتين ، فليكن هو المصرح به.

ذلك ، وهنا تبرز السيدة الصديقة الزهراء ، سلام الله عليها سيدة الموقف زاهرة في الإحتجاج بالقرآن لحقها ، ظاهرة أمام الخليفة أبي بكر وجمهرة المسلمين ، دفاعا صارما عن حكم الله ، وعن حقها ـ وهو بلغة أهلها ـ وعما يساندها فيما يتوجب عليها في جهادها بعد أبيها تثبيتا ـ وبأحرى ـ لإمرة بعلها.

٢٨٢

فقد قامت خطيبة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ما غصب حقها ـ وكما اتفق النقل القاطع من محدثي الفريقين (١) ـ فقالت فيما قالت : «ويها أيها المسلمون أأغلب على إرثي ، يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا ، أفعلى عمد تركتم كتاب الله

__________________

(١) في ملحقات أحقاق الحق للعالم الحجة المرجع الديني السيد شهاب الدين المرعشي النجفي ١٠ : ٢٩٦ ـ ٣٠٥ ، أخرج خطبة الزهراء سلام الله عليها من جماعة من أعلام السنة منهم أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر البغدادي في بلاغات النساء ـ والمذكور في المتن منقول عنه ـ ينقله بسنده عن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام عن عمته زينت بنت الحسين (ع) قالت : ...

ومنهم الشيخ عز الدين عبد الحميد بن هبة الله البغدادي الشهير بابن أبي الحديد في شرح النهج (٤ : ٧٨) القاهرة بأربعة أسناد عن زينب بنت علي (ع) وعن الحسن بن علي عليهما السلام وعن محمد بن علي عليهما السلام وعن عبد الله بن الحسن ، وبسند خامس عن عروة عن عائشة.

ومنهم العلامة عمر رضا كحالة في أعلام النساء ٣ : ١٢٠٨ ، والحافظ أبو بكر الجوهري في كتابه ـ على ما في تظلم الزهراء ـ ص ٣٨ بسند عن زينب بنت علي عليهما السلام وبسند آخر عن الحسين بن علي عليهما السلام وثالث عن محمد بن علي عليهما السلام ورابع عن عبد الله بن الحسن. وفي ج ١٩ : ١٦٣ ملحقات الأحقاق ومنهم العلامة توفيق أبو علم في «أهل البيت» ص ١٥٨.

وفيه قال العلامة المولدي اللاهوري في فلك النجاة ١ : ٣٧٧ : السابع أن الأنبياء السابقين قد ورثوا آباءهم كما قال الثعلبي في عرائس المجالس (٤٠٠) ورث سليمان داود يعني نبوته وحكمته وعلمه وملكه ، وفي البيضاوي والكشاف وبحر المعاني والموارد والمعالم وربيع الأبرار للزمخشري تحت قوله تعالى «إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ ..» ورث سليمان من أبيه ألف فرس ، قال النووي في ٤٣٤ عن الحسن البصري : يرثني ويرث من آل يعقوب والمراد وراثة المال ولو أراد وراثة النبوة لم يقل : وإني خفت الموالي من ورائي ـ إذ لا يخاف الموالي على النبوة.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح وابن جرير : خاف زكريا أن يرثوا ماله ، وقال ابن جرير في قوله تعالى : (هب لي من لدنك وليا يرثني) ـ يقول زكريا فارزقني من عندك ولدا وارثا ومعينا يرثني من بعد وفاتي مالي ويرث من آل يعقوب النبوة.

٢٨٣

ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا (عليهما السلام) إذ يقول : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وقال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وقال : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وقال : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).

وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان ، أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي فدونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) «ما وعيتم ووسعتم الذي تسوغتم (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) ...

هذه الفقيهة الزاهرة الزهراء تحتج على الخليفة وسائر الحضور بكتاب الله ، وهو يحتج عليها بحديث مختلق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لا نورث ما تركنا صدقة» وهو لو دل على ما يخالف القرآن لكان مضروبا عرض الحائط ، وليس ليدل إلا على احتمال مرفوض بين محتملات (١).

__________________

(١) من المحتملات «لا نورث ما تركنا صدقة» بل نورث ما تركنا ميراثا ، أم ما تركناه صدقة لا نورثه ، ثم أضعف الاحتمالات «لا نورث ما تركناه صدقة» وهذا المعنى بحاجة إلى عطف «وما تركناه صدقة ..» والاحتمال الأول أرجح أدبيا حيث الظاهر كون «ما تركنا» مفعولا ل «لا نورث».

٢٨٤

ولو أنه يحرم الصديقة الزهراء عن ميراثها لكانت هي المخصوصة بحديثه (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك المسرح دون الخليفة ، فكيف خص بذكره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إياه دون بضعته؟!.

حديث الخليفة ـ لو دلت على ما يشتهيه ـ عام معلّل لا يخصّص أبدا حيث يقول : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ...» حرمانا لورثتهم عن ميراثهم بحساب النبوة ، أفلم يكن كل من سليمان ويحيى نبيا ونص القرآن يورّثهما من أبويهما ، وإذا ورّث نبي واحد نتأكد ان النبوة ليست من موانع الإرث خلافا للحديث المختلق (١).

ولا تخصص آيات الإرث بمثل هذا الحديث إلّا إذا حرم كافة ورثه النبيين عن ميراثهم وهو خلاف نص القرآن في سليمان ويحيى.

وقيلة القائل إن عموم آيات الإرث لا تشمل النبي (صلى الله عليه وآله

__________________

(١) قال في المنار ليس هذا الخبر واحدا بل قد رواه أيضا حذيفة بن اليمان والزبير بن العوام وأبو الدرداء وأبو هريرة والعباس وعلي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص أخرج البخاري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال بمحضر من الصحابة فيهم علي والعباس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن عوام وسعد بن أبي وقاص : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله (ص) قال : لا نورث ما تركنا صدقة؟ قالوا : اللهم نعم ثم أقبل علي والعباس فقال : أنشدكما بالله تعالى هل تعلمان أن رسول الله (ص) قد قال ذلك؟ قالا اللهم نعم فالقول بأن الخبر لم يروه إلّا أبو بكر لا يلتفت إليه.

أقول : إنما عول في هذا على خبر رواه مالك بن أوس بن الحدثان فكيف يعتبر متواترا أو خارجا عن الآحاد ، وليكن مالك ثاني أبي بكر في نقل هذا الخبر ، فلم يثبت بعد أن هؤلاء الصحابة صدقوا عمرا في إنشاده ، وحتى لو ثبت تصديقهم إياه فلا دلالة فيه لاحتماله معان أخر ، ثم لو دل على ما يفتون فهو مخالف لنصوص القرآن فمضروب عرض الحائط.

٢٨٥

وسلم) لأنها نزلت عليه ووردت على لسانه فكيف تشمل نفسه (١).

إنها منقوضة مرفوضة بأن القرآن كله نازل عليه ووارد على لسانه فليستثن عن كل أحكامه وذلك إخراج له عن شرعة القرآن لكي يصدّق الحديث المختلق ضد القرآن!.

فعموم آيات الإرث ـ كسائر الآيات ـ تشمله قبل غيره ، وخصوص آيات الإرث لبعض الأنبياء تعارض حرمان النبي كنبي عن الإيراث ، ف «نحن معاشر الأنبياء ولا نورث ما تركناه صدقة» لو دلت على حرمانهم عن الإيراث يعارض عموم القرآن وخصوصه!.

فكيف تكذّب رواية الصديقة الطاهرة ، الموافقة للآية ومتواتر الرواية عن الائمة الطاهرة ، لحديث مختلق هو على فرض دلالته خلاف نصوص من القرآن عموما وخصوصا؟!.

ثم إذا تحرم الصديقة الزهراء عن نحلتها وميراثها عن أبيها ، فكيف يؤتى أزواج النبي حجراتهن فيدفن فيها أبو بكر وعمر ، فإذا وهبها اياهن فقد نحل فدكا الزهراء ، وهن لم يدعين الهبة والزهراء ادعت النحلة وقد كان في فدك عمّالها ثم توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!.

فهل تصدّق زوجاته دون دعوى ولا تشملهن آية التطهير ، ثم تكذب الطاهرة الزهراء بدعوى وقد شملتها آية التطهير ، وهناك متواتر النصوص عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدقها وعصمتها وبراءتها عن كل مزرئة هي بالإمكان لغير المعصوم.

ولقد كانت لخطبة الزهراء الزاهرة على حشد المسلمين أبعادها العميقة

__________________

(١) قاله في المنار (٤ : ٤٠٨.

٢٨٦

لصالح المسلمين انتباها وعظة.

فقد أثبتت أن هذه الخلافة الخلاعة لها تخطيطات ضد القرآن أولا ، وضد نبي القرآن ثانيا ، إذ يختلق عليه حديثا يضاد القرآن وهو في العمق ينسبه الى الكفر والظلم والفسق بل وأضل سبيلا ، إذ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤) وَ (١) مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٥ : ٤٧) فقد جمع ابو بكر في نسبته المختلقة الى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بين هذه الثلاث له (صلى الله عليه وآله وسلم) بأشدها!.

هذا وان الذي يطمع في نحلة الزهراء وإرثها فهو أطمع في تلك الخلافة البائدة.

ذلك ، وما كان لها ولبعلها علي (عليهما السلام) مطمع ومطمح في حطام الدنيا وكما يروى عنه (عليه السلام) «بلى كانت في أيدينا فدك فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين ـ وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس في مظانها ...».

ولقد كانت فتوى الخليفة الخليعة في استلاب فدك فتوى سياسية صدرت عنه تضعيفا لساعد أهل بيت الرسالة (عليهم السلام) وتقوية لصالح الخلافة ولكي يجمد أهل البيت عن كل حراك ضد حكمهم.

والصديقة الطاهرة يحتج على الخليفة لا رغبة في حطام الدنيا ، بل حفاظا على ما آتاها أبوها وحفظ المال كسائر النواميس فرض ، ولكي يعرف المسلمون مدى رعاية الخليفة للحقوق الإلهية فلا يستثقلوا عن أن الخليفة كيف اغتصب الخلافة ، إذ من لا يغض النظر عن أموال من له حق الخلافة كيف يغضه عن نفس الخلافة والملك عقيم؟!.

٢٨٧

وحين تظلم الصديقة الزهراء (عليها السلام) في نحلتها وإرثها ، كذلك نرى البنت الواحدة تظلم في رد النصف الباقي عليها تعصيبا لا برهان له إلّا تعصبات «وليست العصبة من دين الله» ولقد تكفي آية أولو الأرحام حجة صارمة على ان النصف الآخر يرد على الواحدة لأنها أقرب رحما ممن سواها الذين ليسوا في طبقتها ، والوارثون في طبقتها يرثون الباقي كما فرض الله.

(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ..).

لأبوي الميت ذكرا كان أو أنثى ، والتذكير باعتبار الميت او تغليب الذكر على الأنثى.

وهنا «ولد» دون ابن او بنت ، تعم كل المواليد ذكرانا وإناثا ، فثلث بين الوالدين سويا والباقي ل «ولد» بعد سهم الزوج إن كان حسب التفاصيل المسرودة من قبل لسهام الأولاد.

وهل يشترط في سدسهما كونهما معا؟ النص حرر السدسين لهما إن كان له ولد ، فلكلّ السدس كان مع الآخر ام لم يكن والباقي للولد ، كما وبعد الزوج ان كان له زوج.

وترى «ولد» هنا تعنيه دون وسيط؟ قد يكون ، لظاهر «ولد» ولكن ولد الولد ايضا ولد يرث الجد مع الوالدين ، و «ولد» منكرا يحلق على كل ولد قريبا ام بعيدا.

ذلك إلا أن الأقرب يمنع الأبعد ثم (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ) نص في الاستغراق لمكان النكرة في سياق النفي ، فانما لا يرث ولد الولد مع وجود الولد ، ثم يرث عند فقده حيث ينتقل الى الطبقة الأولى شرط ألا يكون معه ولد دون وسيط مهما كان معه أبوان.

وهنا الولد يعم الذكر والأنثى ومجموعهما فالباقي بينهما للذكر مثل حظ

٢٨٨

الأنثيين ، وللذكر الواحد كل الباقي كما لعديدهم هو بالسوية ، وللبنتين فصاعدا الثلثان وان كانت واحدة فلها النصف فرضا والباقي ردا عليها وعلى الأبوين بالنسبة لسهامهما لآية أولو الأرحام ، ان لم يكن له زوج ، فلا رد بالتعصيب إلى الأب كما لا رد على سواه ان كان ، وإنما هو على اصحاب الفروض وهم هنا البنت والأبوان.

وعلّ تساوي الأبوين ان كان له ولد اعتبارا بان على الولد نفقتهما على سواء ، واما ان لم يكن له ولد فلا منفق عليهما ، ولينفق الأب على الأم دون العكس ، إذا فلأمه الثلث والثلثان الباقيان للأب ان لم يكن زوج.

وهنا (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) دون «لهما» كيلا يشتبه نصيب كل بنصيب المجموع ، كما ودون «لهما الثلث» كيلا يزعم اختلاف نصيبهما ، او اشتراط اجتماعهما في نصيب السدس.

(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ).

هنا وورثه أبواه تعني ورثا المال كله حيث لا شريك لهما في طبقتهما ، ففي انحصار الوارث فيهما يقتسمان بالثلث والثلثين ، إلا إذا كان له اخوة ، ولا تعني «ورثه» صلاحية الإرث ألا يكونا كافرين او قاتلين لعدم ذكره في «لأبويه» فإنما (لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ) ثم (وَرِثَهُ أَبَواهُ) ان لم يكن وارث في الطبقة كالزوجين ، كما وان «أبواه» دليل اشتراط حياتهما بعد الولد دون واحد منهما ، حيث الواحد ـ إذا ـ يرث المال كله.

فلا ترث الأم إلا السدس كضابطة إلا إذا لم يكن له ولد وورثه معها أبوه وكان له اخوة فلها الثلث ، فبفقد كل من هذه الشروط ترجع الأم إلى السدس.

٢٨٩

كما إذا لم يكن معها أبوه ، او كان ولم يرثه لكفر او قتل أمّا أشبه ، او ورثه معها أبوه ولم يكن له إخوة.

ول (وَرِثَهُ أَبَواهُ) أبعاد أخر ، منها وجود الأبوين ، فعند فقدهما أو أحدهما يفقد هذا الفرض ، وكذلك إذا كانا موجودين ولكنهما أو أحدهما كافران ، أو قاتلان للمورث فكذلك الأمر ، ثم إن ورثته أمه فقط فلها المال كله لا الثلث فقط ، كما إذا انفرد الأب فله المال كله ، وإذا كان معها زوج او زوجة فثلثها ثابت من صلب المال حسب طليق النص ، فلا حاجب عن الثلث إلا الإخوة دون الزوجين.

إذا ف (وَرِثَهُ أَبَواهُ) تقيّد (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) بكونهما وارثين منه بالفعل ، شرط ألا تكون له إخوة ، فإن لم يرثاه لاستغراق الدين كل التركة ، أم لاسباب أخرى فلا ثلث لأمه.

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ).

«فان كان» تفريع على (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) ففي فرض انهما ـ فقط ـ يرثانه وكان له اخوة (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) والباقي للأب ، وان كان له ولد ـ كان له زوج او لم يكن ـ فلكل واحد منهما السدس.

صحيح أن إخوته لا يرثونه مع والديه ولكنهم يحجبون الأم عن نصف فرضها ، وعلّه لمضاعفة تكليف الأب نفقة على هؤلاء الإخوة وهم ولده ، إضافة إلى نفقة الأم.

و (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) تحدد كل الفرائض المذكورة هنا ، فلتفرض الوصية والدين ثم تقسم باقي التركة بين الوارثين أيا كانوا.

و (يُوصِي بِها) تشعر بواجب الوصية كما كتبتها آيتها في البقرة : (كُتِبَ

٢٩٠

عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) فكما الدين فرض أداء كذلك الوصية أصلا وأداء.

فالوصية والدين هما من صلب المال ، وليس الميراث إلا من باقي التركة إلا إذا لم تكن وصية او دين.

إذا فللأم فرضان السدس والثلث ، وللأب فرض واحد هو السدس إن كان له ولد ، ثم له المال كله إن كان واحدا او الباقي إن كان مع الأم شرط عدم الزوج والولد ، و «إخوة» جمعا تحصر الحجب بجمعهم ذكرانا ام إناثا أم ذكرانا وإناثا ، وأما من دون الثلاث فقد لا يصدق عليهم «إخوة» فلا حجب إذا في اثنين فضلا عن ثنتين او واحدة اللهم ، إلّا أن يقال : إن أقل الجمع اثنان ، وهو هنا يعم الذكرين والأنثيين ، وذكرا وأنثى ، الى جمع الذكور فقط او الأناث.

صحيح ان «إخوة» لا تستعمل في خصوص الأختين او الأخوات فإن لكل اسمه ، ولكنها في طليق الإطلاق كما هنا تعم كلّ هذه الجموع ذكرا وأنثى ، او ذكرين او انثيين ، او جمعا بينهما ، تغليبا لجانب الذكر في عناية الجمع الشامل على الأبدال.

ومما يدل على دخول الاثنين في الجمع (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) حيث القلوب هنا تعني القلبين ، كما (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) تعني من «كن» ما يعم الأنثيين فان لم تشملها لم تكن عنايتهما واردا في الآية وقد اثبتنا ورودهما ، كما وأن هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب .. (خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) حيث عني «خصمان» المثناة من «الخصم» الجمع إذ تسوروا المحراب ، وكذلك (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ

٢٩١

الْأُنْثَيَيْنِ) وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «اثنان فما فوقهما جماعة»(١).

فشمول الاخوة للأخوات هو قضية التغليب ، فلو قال : «أخوات» لم تشمل إلا إياهن ولكن «إخوة» تشملهن ضمن الاخوة ، وفي عدم الحجب بالاخوة من الأم رواية (٢) لا تستطع ان تقيد طليق الآية.

وفي حجب الاخوة شروط تالية :

حياة الأب لمكان (وَرِثَهُ أَبَواهُ) و ٢ إيمان الأخوة (٣) ، ف (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ

__________________

(١) أحكام القرآن للجصاص ١ : ٩٩ عنه (ص) وفي حسنة ابن أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) قال : إذا ترك الميت أخوين فهم اخوة مع الميت حجبا الأم وإن كان واحدا لم يحجب.

(٢) هي موثقة عبيد بن زرارة لابن فضال وبكير عنه قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : «إن الاخوة من الأم لا يحجبون الأم عن الثلث» (الكافي ٧ : ٩٣) ورواية زرارة قال قال لي أبو عبد الله (ع) يا زرارة ما تقول في رجل ترك أبويه وأخويه من أمه؟ قال : قلت : السدس وما بقي فللأب فقال : من أين قلت هذا؟ قلت : سمعت الله عز وجل يقول في كتابه (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) فقال لي ويحك يا زرارة أولئك الاخوة من الأب فإذا كان الاخوة من الأم لم يحجبوا الأم عن الثلث (التهذيب ٢ : ٤٤٣).

أقول ويحا لمن يستند إلى هذه الرواية في عدم حجب الاخوة من الأم والائمة عليهم السلام كانوا يوجهون أصحابهم فيما يفتون إلى كتاب الله ولا سيما فيما يخالفهم فقهاء العامة فضلا عن مثل هذه المسألة التي اتفقت آراء العامة على الحجب فيها ، وإذا كان زرارة على خطأ في استناده إلى الآية فبماذا يحتج على العامة فيما يخالف الكتاب ويوافقونه ، اللهم إلّا بسنة قطعية مقبولة بين الأمة ، فقد يعني «ويحك» التنديد بمن يفتي بعدم الحجب من الصحابة.

(٣) كما في صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (ع) قال : سألته عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال : لا.

٢٩٢

إِخْوَةٌ) وكما ان ولد نوح ليس من أهله لكفره كذلك الاخوة الكافرون ليسوا اخوة الميت المؤمن ، ٣ وكون الجمع مؤمنين مهما كان ثلاثة منهم او اثنان فقط لكي يصدق الإخوة ٤ وكونهم أحياء عند موت المورث لمكان (كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) ٥ وكونهم منفصلين بالولادة فان كانوا أجنة عند موته أم بعضهم والباقون ليسوا جمعا فلا حجب إذا إذ لا يصدق على الجنين الأخوّة ، ولكن الأشبه انحساب الجنين في حساب الميراث ، ولا يظهر من «اخوة» كونهم من الأبوين ، فتشملهم منهما ومن أحدهما قضية الإطلاق.

واما الأخوات الثلاث وما فوقهن فقد يقال : لا تشملهن «إخوة» إلا بتغليب لا دليل عليه هنا ، والظاهر شمولها لمجموع مشترك بينهما ان كانوا ثلاثة وما فوقها ، ولكن الأظهر كما سبق شمول الاخوة لأختين فصاعدا كما شملت أخوين فصاعدا.

و (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) تتعلق بكل السهام المذكورة ، فلا ميراث إلّا بعد وصية أو دين ، وعل تقديم الوصية رغم أهمية الدين لأنها مكتوبة أصلا وتنفيذا ، والدين مكتوب ـ فقط ـ تنفيذا ، وانهم كانوا يتهاونون بها فيهما دون الدين ، فقدمت تأشيرا إلى اهميتها كما الدين وأحرى في أصلها ، فالباقي بعدهما يقسم كما فرض الله.

ذلك فلا ينتقل من التركة قدر الوصية والدين الى الورثة ، فإنهما حق لأهليهما وكما في موثقة (١) ، وكما لا نصيب للورثة إطلاقا إذا استغرق الدين كل التركة.

__________________

(١) هي موثقة عباد بن صهيب عن أبي عبد الله (ع) في رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما كان فرط فيه مما يلزمه من الزكوة ثم أوصى به أن يخرج من ماله فيدفع إلى من يحجب له؟ قال : جائز يخرج ذلك من جميع المال إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه ، ليس للورثة شيء حتى يؤدوا ما أوصى له من الزكوة(الكافي ١ : ١٥٤ باب قضاء الزكاة عن الميت).

٢٩٣

(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً).

هذه التنبيهة تقرر ضابطة أخرى في أولوية الميراث بعد الأقربية الرحمية ، هي (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) وقد يعم الخطاب كلا الورثة والمورثين أنه كما الآباء أقرب نفعا للأولاد أحياء فليكونوا أقرب لهم نفعا أمواتا ، إذا فميراث الأولاد من الآباء أكثر من ميراث الآباء من الأولاد ، فكما يرث الولد من أبويه اكثر مما يرث منهما والدهما ، كذلك لا يرث أولاد الأولاد مع وجود الأولاد بنفس السند مهما اختلفا في أصل الإرث وقدره.

وفي تقديم الآباء على الأبناء تقديم لهم في الأقرب نفعا وكما ورد «قدموا ما قدمه الله» وذلك رغم زعم الأبناء أنهم اكثر نفعا للآباء حيث يكفلونهم إذا بلغوا الكبر ، ولكن اين كفالة الآباء للأولاد وكفالتهم للآباء؟.

ومن ثم فتقدم الأولاد على الجدود وعلى أولاد الأولاد داخل في هذه الضابطة (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) كما هم أقرب لكم ممن سواهم رحما ، فهذه ضابطة ثابتة أن كل من هو أقرب نفعا كما هو أقرب صلة فهو المورث لقريبه والمنتفع منه دون من سواه.

وهنا «آباءكم» تشمل الأبوين ، فكما أن الوالد أب كذلك الوالدة هي أبة ، فإنهما شريكان في الأبوة كما الوالدية مهما لا يقال للوالدة أبة.

وقد تعني «لا تدرون» إضافة إلى الإخبار إنشاء ، إخبار تنبيه للغافلين عن ان الآباء أقرب لكم نفعا في الدنيا ، كسؤال تأنيب بهؤلاء الأغفال الذين يزعمون المعاكسة في تلك الأقربية نفعا فيختصون الميراث بالأبناء ، ألا تدرون أيهم اقرب لكم نفعا؟.

ثم إخبار بأنهم أقرب لهم نفعا في الآخرة فإن حرمة الوالدين من أهم

٢٩٤

الحرمات ، فأدعيتهم للأبناء هي خير الدعوات.

ومن ثم حكم بكونهم أقرب لهم نفعا بعد موتهم في البرزخ حيث الأبناء أحياء ، انهم يرثون آباءهم اكثر من أبناءهم.

ففي ذلك الإنشاء الإخبار والإخبار الإنشاء قضاء على زعم حرمان الآباء عن المواريث كما كانوا محرومين في الجاهلية ، وزعم آخر أن الأبناء هم أقرب نفعا للآباء فليورثوهم اكثر مما يورثون الأبناء.

فالمحور في اكثرية الميراث هو الأقربية نفعا اضافة الى الأقربية رحما.

فهذه لفتة بارعة لتطييب النفوس تجاه ما فرض الله ، فانها بين إيثار الأبناء على الآباء قضية الضعف الفطري تجاه الأبناء ، وبين مغالبته بالمشاعر الأخلاقية والأدبية فالمعاكسة إيثارا للآباء على الأبناء وعوان بينهما تحيّرا في التخيّر ، فيسألون ـ إذا ـ ويخبرون (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ ...).

وقد يستفاد منه أنه لا يرث قاتل المورث لزوال النفع من البين ، ثم «لا تدرون» قد يعني كلا الإخبار وسؤال التنديد ، فمن لا يعلم فليعلم ، ومن يعلم فكيف يعامل كأنه لا يعلم؟!.

وهنا أسباب اخرى لتفضيل الأولاد على الآباء في نصيب الإرث ، منها أن حاجة الأولاد أكثر من الآباء حيث الأولاد هم بعد في بناء المعيشة ، والآباء بالغون ما بلغوا فيها ، فأولئك ـ إذا ـ أحوج من أولاء ، وان الأولاد ليس لهم من يكفلهم بعد الآباء ، والآباء مكفولون بالأولاد ومكفيون بما حصلوا عليه ، كما الآباء أقل مؤنة لقربهم إلى الموت دون الأبناء ، فليكن الآباء أقرب نفعا للأولاد بعد موتهم كما هم أقرب لهم نفعا في حياتهم.

وبصيغة أخرى هنا نشآت ثلاث : ١ الدنيا ٢ والبرزخ ٤ والآخرة ، ونفع

٢٩٥

الآباء حال حياتهم أكثر للأبناء وكذلك في الآخرة ، فليكونوا ـ كذلك ـ اكثر لهم نفعا في البرزخ بعد موتهم وهم أولاء أحياء.

ومن واجهة أخرى لما كان الآباء أكثر نفعا في مثلثة النشآت ، فليكن الأبناء نافعين لهم لأقل تقدير في الميراث ، وقد كانوا يحرمون الوالدين ، فندد بهم ذلك الحرمان الظالم.

(فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (١١).

هذه السهام كلها فريضة من الله وهي فوق الواجب ، فلا حول عنها ولا تحويل ، سواء في هذه المواريث ام في وصية يوصون بها او دين (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) ، (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) وأنتم لا تعلمون «حكيما» وأنتم تتبعون الأهواء والرغبات (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ).

ملحوظات حول المستفاد من مقاطع الآية :

الأولى : لا تعني (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) حصر الإرث فيهما حيث العبارة الصالحة له «وأبواه هما الوارثان ـ او ـ ولم يرثه إلا أبواه» كما لم تعن عدم حجبهما بكفر او قتل ، وانما تعني اجتماعهما في الميراث خروجا عن إطلاق (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) الشاملة لافتراقهما.

إذا فقد يجتمع معهما احد الزوجين ، فللأم الثلث وللزوج النصف أو الربع والباقي للأب ، فقد يبقى للأب الثلثان وأخرى إلا النصف من الأصل وثالثه إلا الربع منه ، فكما ينقص نصيبه إن كان معه زوج كذلك يزيد إن لم يكن معه زوج.

الثانية : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) تشمل الأجنّة إلى المنفصلين ولكن يصبر

٢٩٦

حتى الوضع لزوال احتمال عدم الوضع فلا إخوة فلا حجب ، ذلك وكما (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) يشمل الجنين ، و «كان» يعني كينونة الولد عند موته.

الثالثة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) لا تدل على سلب الأخوة بين الكافرين فانما تحصر تحليق الاخوة في حقل الإيمان.

الرابعة : «إخوة» هنا تعمهم من الأب أو الأم إلى الأبوين ، والحكمة في حجبهم الأم لزوم انفاق الأب عليهم ، ولا يلزم إذا كانوا من أم؟ منقوضة بما له أخ من أبوين وهو واجب النفقة للأب مع انه لا يحجب ، والحكمة لا تحلق على كل الموارد.

الخامسة : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) تعم ما إذا كان هناك زوج ، فللأم السدس وللزوج النصف والباقي للأب ، فان (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) لا تحصر الإرث فيهما.

(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ..)

ان ضابطة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) جارية ـ في الأكثر ـ في كل طبقات الإرث ، فهنا لك للأولاد ، وهناك للأبوين إلّا إذا كان له ولد ، وهنا للزوجين ، سواء خلفا ولدا أم لم يخلفا فلهم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) حيث الزوج له النصف أو الربع ثم الزوجة لها الربع أو الثمن ، ومن ثم الأعمام والأخوال والإخوة والأخوات ، اللهم إلّا فيما شذ بدليل.

فهذه الضابطة هي سيدة الموقف إلّا ما استثنى لحكم وأدلة قاطعة ، ففيما

٢٩٧

نشك في نصيب الذكر والأنثى حكمنا بنفس الضابطة.

والزوجان هما شريكان مع سائر الورثة في كل الطبقات الثلاث ، دون من سواهما فإن كلا طبقة لا تشاركها التالية لها.

وهنا معركة الآراء في : هل يستثنى عن نصيب الزوجات غير المنقول من التركة عينا أو قيمة ، أم لا يستثنى ، أم إن في الاستثناء تفصيلا؟.

وهنا (مِمَّا تَرَكْتُمْ) كسائر صيغها : «ترك ـ تركن» المذكورة بمختلف صيغها ستّا هي سيدة الموقف ، تحليقا على كل المتروكات أعيانا وأثمانا ، مع العلم أن هذه الآيات بصدد بيان حدود المواريث ولا سيما بالنسبة للنساء اعتبارا بأنهن كن مظلومات مهضومات الحقوق.

فلو أن في نصيبهن استثناء لكان هو الجدير بالذكر بين الست ـ التي اربع منها تعني كل ما ترك ـ بيانا لما يخالف الضابطة الثابتة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وما يخالف ظاهر القسط ، استثناء من الربع والثمن ، وحفاظا للأمة عن تضارب الآراء نتيجة تضارب الروايات ، ثم المرجع بعد كل ذلك هو نص «ما تركتم» تعميما لكل المتروكات ، فيصدق ما وافقه ويترك ما خالفه.

والى لفتة واسعة دون أية فلتة حول هذه الآية :

«ولكم» تعني ـ فقط ـ البعولة بدليل «لهن» فأزواجكم هنا هن الزوجات وهي بطليق الجمع المحلى باللام تعم المنقطعات الى الدائمات.

وفي تخصيص «أزواجكم» بالدائمات تردد لاختلاف الروايات (١)

__________________

(١) لقد تضاربت الروايات حول توارث الزوجين في النكاح المنقطع تضاربا مخمسة الزوايا :

١ فمنها المعممة للميراث في الانقطاع كما الدوام ، كما رواه محمد بن مسلم في الصحيح قال سمعت أبا جعفر عليهما السلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة أنهما يتوارثان إذا لم يشترطا وإنما الشرط بعد ـ

٢٩٨

__________________

ـ النكاح ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب ورواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب عبد الله بن بكير.

٢ ومنها المخصصة ثبوت التوراث إذا اشترطا ، كصحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله (ع) في حديث المتعة : وإن اشترطا الميراث فهما على شرطهما ، وعن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن علي بن أبي طالب (ع) كان يقول : من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلّا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ، وصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : «تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث فإن اشترطت الميراث كان وإن لم تشترط لم يكن» (الكافي ٥ : ٤٦٥).

٣ ومنها النافية له بشرط دون شرط ، كما في صحيحة أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث إن اشترطت كان وإن لم تشترط لم يكن ، ومثله صحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث؟ قال : ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط.

٤ ومنها المطلقة لعدم الميراث ، كمرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) في حديث المتعة قال : إن حدث به حدث لم يكن لها ميراث ، ورواه مثله عمر بن حنظلة عنه (ع) وليس بينهما ميراث.

وعن عبد الله بن عمر قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : حلال لك من الله ورسوله ، قلت : فما حدها؟ قال : من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك ، وعن زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام في حديث قال : لا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل (وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٥ ـ ٤٨٨).

وفيه ٤٤٦ : ٤ عن أبي جعفر (ع) في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث وإنما هي مستأجرة.

ومثله رواية هشام عن أبي عبد الله (ع) أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة؟ فقال : ذاك أشد عليك ترثها وترثك ..(المصدر ٧٤٠ ح ٣).

٥ ومنها الشارطة لعدم الميراث حتى لا يتوارثها كما رواه ابان بن تغلب قال قلت لأبي عبد الله (ع) كيف أقول إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارثة ولا ـ

٢٩٩

والأشبه هو العموم لقاعدة العرض ، ولو كانت الروايات متواترة على التخصيص ، ولا نجد لفظة الزواج ـ بمختلف صيغها في القرآن ـ تعني الدائم إلّا بقرينة قاطعة هي هنا منفية لا تجدها في القرآن ، وفيه ما هو صريح في الأعم ك (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) (٣٣ : ٣٧) و (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (٢٣ : ٦).

فأصل الزوجية مشترك بين الدائم والمنقطع ، ولا يصح نفي الزوجية عن المنقطع وإلّا أصبح محرما قضية الحصر في آية «المؤمنين».

صحيح أن تخصيص «أزواجكم» هينّ بقاطع الكتاب أو السنة حيث الدائم هو الأظهر ، ولكنه ليس انصرافا يجعل المنقطع مغفولا عنه ، ولكن لا تخصيص قاطعا في السنة لاختلاف الروايات ، مما يجعل الدالة على اشتراط الدوام غير مقطوع الصدور فكيف يخصص به عموم الكتاب ، وقضية العرض على القرآن عموم الحكم للمنقطع.

ذلك ، وقد يعم «أزواجكم» المعتدة رجعيا فإنها زوجه حسب السنة

__________________

ـ موروثة كذا أو كذا يوما ..(الوسائل ١٤ : ٤٦٦).

وفيه عن الأحوال قال : سألت أبا عبد الله (ع) قلت ما أدنى ما يتزوج الرجل به المتعة؟ قال : كف من بر يقول لها : زوجيني نفسك متعة على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير سفاح على أن لا أرثك ولا ترثيني.

وخبر عبد الله بن عمر قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال : «حلال لك من الله ورسوله ، قلت فما حدها؟ قال : من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك» (الإستبصار ٣ : ١٥٠).

وصحيح عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن شروط المتعة فقال (ع) يشارطها على ما شاء من العطية ويشترط الولد لمن أراد وليس بينهما ميراث (التهذيب ٢ : ١٩١).

وموثق ابن مسلم في الرجل تزوج المرأة متعة «أنهما يتوارثان إذا لم يشترطا» (الكافي ٥ : ٤٥٧ والتهذيب ٢ : ١٩٠).

٣٠٠