الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٦

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٤

الكافر موته خير مهما كانت حياته أيضا خيرا؟ نعم موته خير حين يزداد بإملائه شرا ، وحياته خير حين يزداد خيرا ، والرواية القائلة بان موته خير (١) مؤولة على الحالة السائرة بين المؤمنين أنهم ـ في الأكثر ـ لا يزدادون باملاءهم إيمانا ، بل إثما ، وعلى حد المروي عن سيد الساجدين (عليه السلام) «اللهم إن كان عمري بذلة في طاعتك فعمرني وإن كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك قبل ان يسبقني مقتك وغضبك».

(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ١٧٩.

«ما كان» من شأن الله (لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) الصالحين الواقعيين (عَلى ما أَنْتُمْ) المتظاهرين بالإيمان «عليه» أن يدع صفّ الإيمان مختلطا دون تمييز حيث يتوارى المنافقون وضعفاء الإيمان فيه وراء دعوى الإيمان ومظهره ، فالدور الإيماني العظيم يقتضي الصفاء والتجرد والوفاء والتميّز والتماسك والتحيز ، فلا يكون في صف الإيمان خلل ولا في بنائه بلبناته دخل.

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤١٣ في تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال قلت له : اخبرني عن الكافر الموت خير له ام الحياة؟ فقال : الموت خير للمؤمن والكافر ، قلت : ولم؟ قال : لان الله يقول : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) ويقول (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ..). أقول : صحيح ان (ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) ولكن الحياة الايمانية الموفقة لصالح الايمان وتقدمه تزيد خيرا فيما عند الله ، فالتأويل الصالح ما ذكرناه في المتن.

وفيه عن مقتل الحسين (عليه السلام) لابي مخنف قال الضحاك بن عبد الله مرت بنا خيل ابن سعد لعنه الله تحرسا وكان الحسين (عليه السلام) يقرأ (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ...).

١٠١

(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ ... وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (١٤٠ : ١٤٢).

فالعلم هنا هو الميز هناك يعنيان ميز الخبيث من الطيب أن يعلم كلا بعلامته ، فيصهر الصف ليخرج منه الخبث ، وان يضغط لتتهاوى اللبنات المتهاوية ، وان تسلط عليه الأضواء لتكشف الدخائل والضمائر : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٨ : ٣٧).

وان لميز الخبيث عن الطيب أدوارا متدارجة متدرجة حتى يصل الدور الى ميز مطلق مطبق زمن القائم المهدي (عليه السلام) ، و «لا تمضي الأيام والليالي حتى ينادي مناد من السماء يا أهل الباطل اعتزلوا فيعزل هؤلاء من هؤلاء ويعزل هؤلاء من هؤلاء ...» (١).

وإن لزمن الغيبة دورا عاليا لذلك الميز المبين حتى تبين اهل الحق عن اهل الباطل فيحكم الحق بصالحي اهله دون خلط ولا خبط ف «لتغربلن غربلة ولتبلبلن بلبلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم».

ذلك (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) المختص بربوبيته او بوحيه (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) أن يطلعه على غيب وحيه قضية رسالته

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤١٤ في تفسير العياشي عن عجلان بن صالح قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : ... قال : قلت أصلحك الله يخالط هؤلاء هؤلاء بعد ذلك النداء؟ قال : كلا انه يقول في الكتاب : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).

١٠٢

(فَآمِنُوا بِاللهِ) عالم الغيب طليقا «ورسله» عالمي غيب الوحي حقيقا (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) بالله ورسله «وتتقوا» الله حق تقاته ما استطعتم (فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).

وهنا تناسب سلبية الاطلاع على الغيب ميز الخبيث من الطيب ، فليس كما الله يعلم

الخبيث من الطيب بالغيب ، ان يطلعكم على هذا الغيب كما لا يطلعكم على سائر الغيب (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) فيوحي إليه بشطر الغيب من وحي الأحكام وميز الخبيث من الطيب ، أحيانا بما يطلعهم الله عليها ، وأخرى بما يوحي إليهم بسرّ البليات ومنه (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ، فذلك من الغيب المستور ، كيف ينهزم المؤمنون ـ أحيانا ـ وجاه الكافرين ، وهم موعودون بالنصر؟ فيوحي إلى رسله ما يكشف الستار عن هذا الغيب (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ..).

ذلك ، إضافة إلى أن الميز بالامتحان أميز من الميز بالاطلاع دون امتحان ، فقد يتبلور الإيمان في خضمّ الامتحان كما يتعور أخرى فيمن يدعيه خاويا ، فليعلم غيب سرّ الهزيمة بذلك الوحي ، ثم يعلم غيب واقع الإيمان واللّاإيمان بذلك الابتلاء ، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ١٨٠.

كما أن إملاء الذين كفروا شر لهم ، في أموالهم وأحوالهم ، كذلك إملاء البخلاء في أموالهم ، فرغم أنهم يحسبون بخلهم بما آتاهم الله من فضله خيرا لهم ، إذ لا ينقص من أموالهم ، فتصبح ركاما من المال ، (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) هنا حيث يحرّض عليهم المحاويج فيقضون عليهم يوما مّا ، ويعيشونه أعداء طول حياتهم ، ثم هو شر لهم في الأخرى حيث (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ)

١٠٣

طوق النار (١) كما طوقوا أنفسهم بها في الأولى بخلا عن إنفاقها في سبيل الله «ولله» لا سواه (مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بعد تقضّي الحياة الدنيا ، فلما ذا ـ إذا ـ البخل بما آتاهم الله من فضله؟ فلو كانت هذه الأموال حصيلة مساعيهم ـ فقط ـ دون فضل من الله ، لكان إنفاقها مفروضا بأمر الله ، فضلا عن أنها ـ كواقع لا مردّ له ـ من فضل الله ، كما أنّ طاقاتهم ومساعيهم أيضا من فضل الله ، ف (أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)!

وترى (بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) تخص فضل الأموال؟ وليس فضل الله خاصا بالمال ، بل إن فضل الحال علما وعقلا وما أشبه ، إنه أفضل من فضل المال كما «وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك كبيرا» تجعله الفضل الأفضل الكبير ، ثم البخل به ، المعني بالتهديد هنا ، هو بخل بواجب الإيتاء والعطاء ، مقدرا بأقدار الحاجات فردية وجماعية ، فلا يختص ماله بالزكاة المصطلحة ، اللهم إلا إذا عني بالزكاة طليق واجب الإنفاق من مال أو حال

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٠٥ ـ أخرج البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من آتاه الله ما لا فلم يؤد زكاته مثّل له شجاع اقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بهزمتيه يعني شدقه فيقول انا مالك انا كنزك ثم تلا هذه الآية.

وفيه اخرج ابن أبي شيبة في مسنده وابن جرير عن حجر بن بيات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا خرج له يوم القيامة من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه ثم قرأ هذه الآية.

وفي نور الثقلين ١ : ٤١٤ في الكافي بسند متصل عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فقال : يا محمد ما من احد منع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله عز وجل ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ثم قال هو قول الله عز وجل «سيطوقون ..» يعني ما بخلوا به من الزكاة.

١٠٤

وقيلة القائل (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ) دليل على اختصاصه بالمال حيث العلم لا يطوق به ، مردودة بان طوق العلم المتخلف أطوق من متخلف المال ، مهما اختلف طوق عن طوق ، أو تخلّف طوق العلم عن طوق علم القيل ، حيث الأعمال الشريرة كلها أطواق : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (١٧ : ١٣) ، وقد يروى عن رسول الله الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) «من سئل عن علمه فكتمه ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة».

وهنا تجاوب عام بين آية الطوق وسائر آيات الإنفاقات المفروضة ، وآخر خاص بينها وبين آية الكنز : (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (٩ : ٣٥).

ومن الملاحم الغيبة في آية الطوق هي حشر عوامل الشر كما يحشر العامل بعمله ، فهناك مثلث من الحشر تحضيرا حذيرا لثالوث الشرير (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) لا يعزب عنه مثقال ذرة.

وانما «هو خيرا» لا «هو خير» حيث «هو» ضمير فصل عن المفعول المحذوف المعروف من (يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) فلا يحسبنه خيرا (١).

__________________

(١) فلان للمبتدء حقيقة وللخبر حقيقة وكون المبتدء موصوفا بحقيقة الخبر امر زائد على حقيقة المبتدء وحقيقة الخبر فلا بد من صيغة ثالثة دالة على هذه الموصوفية وهي هنا «هو» ، والبصريون يسمون «هو» هذه فصلا والكوفيون عمادا والثاني احسن اعتمادا فالعماد هنا عماد الفعل لوقوعه عليه فهو مفعول.

١٠٥

وردا على زعم ان الله فقير ، وإلا فلما ذا يأمر بالإنفاق وله أن ينفق إذا يشاء؟ يقول:

(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) ١٨١.

هؤلاء الأغبياء (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) هم اليهود وكما قالوا (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) حيث حسبوا أنفسهم أغنياء في ذوات أنفسهم وأغنياء عن الله ، فلا حاجة لهم إلى جزائه ولا إلى أضعاف مضاعفة يعدها الله لمن ينفق في سبيله ، ولقد قالوا بكل قحة مقالتهم هذه وأنه : ما بال الله يطلب إلينا أن نقرضه من أموالنا فيضاعفه لنا وهوربا شدد النهى عنها والنكير عليها؟! (١).

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٠٥ عن ابن عباس قال دخل ابو بكر بيت المدارس فوجد يهود قد اجتمعوا الى رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم فقال ابو بكر ويلك يا فنحاص اتق الله واسلم فو الله انك لتعلم ان محمدا رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فقال فنحاص والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وانه إلينا لفقير وما نتضرع اليه ما يتضرع إلينا وانا عنه أغنياء ولو كان غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا عنا ما أعطانا الربا فغضب ابو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص فتخلص الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا محمد انظر ما صنع صاحبك بي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي بكر ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله قال قولا عظيما يزعم ان الله فقير وانهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه فوجد فنحاص فقال ما قلت ذلك فأنزل الله الآية.

وفيه ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث أبا بكر الى فنحاص اليهودي يستمده وكتب اليه وقال لابي بكر لا تفتت علي بشيء حتى ترجع إلي فلما قرأ فنحاص الكتاب قال قد احتاج ربكم ، قال ابو بكر فهممت ان امده بالسيف ثم ذكرت قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تفتت علي بشيء فنزلت (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ ... وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً).

١٠٦

حاسبين بسوء تصورهم ان الله بحاجة الى ما آتاهم من فضله ، رأوا اولياء الله فقراء فقالوا : «لو كان غنيا لأغنى أولياءه ففخروا على الله بالغنى» (١) ، ورأوا أن أفضلهم وهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد يستقرضهم وسواهم لسد جوعته ، فقد تقولوا قيلات وتفعلوا افتعالات لا نجدها بين سائر الأقوام حتى المشركين رغم أنهم أولاء أهل كتاب.

(سَنَكْتُبُ ما قالُوا) نسخة طبق الأصل عما قالوا (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) و (سَنَكْتُبُ ... قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) ، وترى هذه الكتابة إن كانت هي ذلك الاستنساخ فلما ذا «سنكتب» مستقبلا عن نزول هذه الآية وبينها وبينهم أمة من الزمن؟.

القصد من الكتابة هنا هو واقعها العذاب بعد واقع الكتاب ، وكما تلمح له (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) فان هذا القول لا دور لواقعه إلّا بعد الموت حيث هو بداية العذاب.

فكتابة قولتهم هذه وقتلهم الأنبياء بغير حق هي كتابة الملكوت ان تظهر القولة والقتلة وسائر القيلة والغيلة بمظهر الواقع المستور هنا المشهور هناك ف (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).

ولقد حفظ تاريخ بني إسرائيل سلسلة عظيمة أثيمة من قتلهم الأنبياء بغير حق ، آخرها محاولة اغتيال المسيح (عليه السلام) زاعمين انهم قتلوه ، متباهين بذلك الجرم العظيم (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ).

__________________

(١) في تفسير العياشي في الآية عن الصادق (عليه السلام) قال : والله ما رأوا الله حتى يعلموا انه فقير ولكنهم رأوا اولياء الله فقراء فقالوا : لو كان غنيا لأغنى أولياءه ففخروا على الله بالغنى.

١٠٧

ذلك ومن قتلهم الأنبياء إذاعة أسرارهم المسبّبة لقتلهم (١) حيث المسبب للقتل قاتل مهما اختلف قاتل عن قاتل.

(سَنَكْتُبُ ... وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) وهو نفسه المكتوب عليهم من أقوالهم وأعمالهم المسجلة في مختلف سجلّات الكون.

وترى كيف يتفوه عاقل مهما كان جاهلا بهذه القولة القاحلة الجاهلة مهما كان مشركا فضلا عن اليهود وهم أهل كتاب؟.

قد تكون هذه منهم على سبيل الهزء والإلزام ، أن لو كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيا وكان القرآن كتابا من الله لما تطلّب إلى ربه قرضا من عبيده ، ولا نبيّه قرضا منا ، ولا أمته فقراء ، ثم وليس بذلك البعيد جدّ هذه القولة ممن يقتلون الأنبياء بغير حق ، وكما قالوا قيلات مثلها ينقلها القرآن ك (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) واضرابها.

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١٨٢).

«ذلك» العذاب وكتابة قولتهم وفعلتهم (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) منهما ، فأصبحتا منسوختين في سجلات الأقوال والأفعال ، ثم ظاهرتين يوم الحساب بواقعهما ، فليس العذاب ـ إذا ـ إلا ما قدمت أيديكم كما قدمت ف (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

ف (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ) ب (أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فلو كان ظلّاما للعبيد لما عذبكم بما عذبتموهم ، فترك العذاب عمن عذب العبيد ليس ظلما ، بل التارك ظلام للعبيد ، فإنهم ظلموا على علمه وقدرته ، وقد وعد

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤١٦ في اصول الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية فقال : اما والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن كانوا أذاعوا أمرهم وأفشوا عليهم فقتلوا.

١٠٨

الظالم ان يعذبه والمظلوم ان يرحمه و (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٥٠ : ٢٩) ، فترك العذاب إذا ليس ظلما بسيطا ، بل التارك ـ إذا ـ ظلام للعبيد علما وعملا وقولا.

ومن ناحية طليقة لهذه الجملة الجميلة ليس الله بظلام للعبيد الظالمين كما ليس بظلام للعبيد المظلومين ، أما الظالمين ف (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ولا تظلمون نقيرا ، واما المظلومين فلانه لا يترك الظالمين سدى يفلّون ، هضما لحقوق المظلومين وعطفا على الظالمين!.

وكضابطة ثابتة من عدل الله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٤١ : ٤٦).

ثم (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) هي من دلائل الإختيار ، ف (أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) يحلّق سلب الظلم على كافة حقول الجزاء ، فلو كان العبد مسيّرا غير مخيّر لكان الله ظلاما بأمره او نهيه فيما لا يستطيع العبد وهو تعالى فاعله! ، ثم بعقابه على العصيان المسيّر فيه ، ولو أن الله لم يعاقب الظالم بما قدّمت يداه لكان ظلاما بالنسبة للمظلومين ، ولو عاقب دون ظلم لكان ظلاما ، ولو عاقب بأكثر مما قدمت يداه لكان ظلاما ، فمربع الظلم عبر عنه ب «ظلام» وما أحسنه تعبيرا!.

(الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٨٣).

أتراهم صادقين في ذلك العهد؟ فكيف يؤمنون بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأضرابه من رسل لم يأتوا بقربان تأكله النار! أم كاذبين؟ فما هو ـ إذا ـ دور (بِالَّذِي قُلْتُمْ) وما قولهم هنا إلّا (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ

١٠٩

حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ)!.

(بِالَّذِي قُلْتُمْ) ينقسم إلى طليق العهد وأصله ، فطليقه مكذوب لمكان (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وان كثيرا من الرسل المزودين بسائر الآيات لم يأتوا بهذه الآية ، وأصله بالنسبة لبعض النبيين صادق لمكان (بِالَّذِي قُلْتُمْ) لا كأصل تتبناه الرسالة ، فلولاه لما تثبت رسالة أبدا ، فإنما كان (بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) من عديد الآيات الرسالية دون أن تحصرها بنفسها ، وإلا فما هي الحاجة إلى سائر الآيات الرسالية ، وكثير من المرسلين لم يأتوا بقربان تأكله النار.

فانما القصد من الآية الرسالية دلالتها على الرسالة المدّعاة ، سواء أكانت قربانا تأكله النار ام أية آية من آياتها كيفما كانت وأينما حصلت.

ثم لو كانت «قربان (تَأْكُلُهُ النَّارُ) هي الآية الوحيدة المثبتة للرسالات وسائر الآيات وهيدة ، فلا يصدّق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ لم يأت بها ، فلم كذبتم وقتلتم رسلا جاءتكم بالبينات وبالذي قتلتم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في ذلك العهد المدعى.

وتراهم هؤلاء الحضور المخاطبين زمن نزول أمثال هذه الآيات ، هم أنفسهم شاركوا سابقيهم القتلة في قتل النبيين؟ ولمّا يولدوا وقتئذ إلّا بعد آلاف من السنين!.

انهم برضاهم قتلهم وعدم براءتهم من قتلتهم يحسبون في عدادهم ويحاسبون بحسابهم اللهم إلا في حكم القود وما أشبه (١).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤١٦ في اصول الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لعن الله القدرية لعن الله الخوارج لعن الله المرجئة لعن الله المرجئة قال قلت : لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتين؟ قال : ان هؤلاء يقولون : ان قتلنا مؤمنون فدمائنا متلطخة بثيابهم الى يوم القيامة ان الله حكى عن قوم في كتابه (أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ..) قال : كان بين ـ

١١٠

ثم ترى «قربان (تَأْكُلُهُ النَّارُ) تسمح لقرابين الأضحى في منى ان تأكلها النار أو الأرض اتّباعا للسنة الرسالية السابقة وإن لم تحلق على كل الرسالات؟.

كلّا ، حيث النار التي كانت تأكل قربان الرسالة كانت ربانية تدليلا على صدق الرسالة ، فلم يكن يسمح وقتذاك ان تحرق القرابين فضلا عن شرعة القرآن المصرحة ب «فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير» (٢٢ : ٢٨) ف «قد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها» (١).

ثم ان «قربانا تأكله النار» لم يأت في في القرآن إلا مرة يتيمة هي هذه ،

__________________

ـ القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا وفي تفسير العياشي مثله إلا ان بعد (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قال : فكان بين الذين خوطبوا بهذا القول وبين القاتلين خمسمائة عام فسماهم الله قاتلين برضاهم بما صنع أولئك.

وفيه عن محمد بن هاشم عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما نزلت هذه الآية .. وقد علم ان قالوا : والله ما قتلنا ولا شهدنا؟ قال : وانما قيل لهم ابرؤا من قتلتهم فأبوا. وفيه عن محمد بن الأرقط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لي تنزل الكوفة؟ قلت : نعم ، قال : فترون قتلة الحسين (عليه السلام) بين أظهركم؟ قال قلت جعلت فداك ما بقي منهم احد ، قال : فإذن أنت لا ترى القاتل الا من قتل او من ولى القتل؟ الم تسمع الى قول الله (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ ... فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ) فأي رسول قبل الذي كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أظهركم ولم يكن بينه وبين عيسى رسول ، انما رضوا قتل أولئك فسموا قاتلين.

(١) نور الثقلين ١ : ٤١٧ في كتاب الاحتجاج للطبرسي عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن آبائه عن الحسين بن علي عن امير المؤمنين (عليهم السلام) حديث طويل وفيه : قال الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري به وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها الى بيت المقدس فمن قبلت ذلك منه أرسلت اليه نارا فأكلته فرجع مسرورا ومن لم اقبل ذلك منه رجع مثبورا وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقراءها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك أضعافا مضاعفة ومن لم اقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا وقد رفعت ذلك عن أمتك وهي من الإصار التي كانت على الأمم قبلك.

١١١

ثم لا ثانية لها إلا قربان ابني آدم (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) (٥ : ٢٧).

ذلك مع إتيان الكثير الوفير من سائر الآيات البينات ، مما يدل على أصالتها دون القربان ، فهو ـ إذا ـ آية هامشية جانبية لبعض المرسلين ، دون أن يحتل القمة او يساوي ام يسامي سائر الآيات الرسالية ، وقد تلمح له مقابلة (بِالَّذِي قُلْتُمْ) ب «البينات» وكأنه ليس من البينات ام هي بيّنة هامشية مقترحة ، فلم تكن آية أصيلة ، وانما هي آية أحيانية مقترحة على سبيل التعنّت دون الاسترشاد ، فكما لم يؤمنوا بمن أتى بها من الرسل السابقين كذلك لم يؤمنوا بهذا الرسول حيث لم يأت بها ـ على سواء ـ.

كما ومن العجاب أننا لا نجد «قربانا تأكله النار» في التورات ـ على تحرّفها ـ كآية رسالية لرسول فضلا عن كونها عهدا مستمرا مع الرسالات كلها ، فأين ذلك العهد المدعى ، الحاجب بينهم وبين تصديق هذه الرسالة السامية؟!.

ذلك! ومن ثم فهذه الدعوى في نفسها باطلة ، فان دلالة سائر الآيات المعجزات هي لأقل تقدير كدلالة قربان تأكله النار ، فكيف يعهد الله الى بني إسرائيل ألا يؤمنوا لرسول إلّا أن يأتيهم ـ فقط ـ بهذه الآية ، وقد أرسل رسلا بغير هذه الآية ، أم وأرسلهم بهما ، والآية الرسالية ذات دلالة ذاتية على رسالة الآتي بها ، فكيف يبعث الله بها ثم يعهد إلى قوم ألّا يؤمنوا لرسول أتى بها ، وذلك جمع بين متناقضين!.

فيا لها من مجابهة قوية تكشف عن اتجاهة غوية لهم ، وعن كذب وافتراء منهم على الله وإصرارهم على كفرهم ، وهنالك تأتي تسلية حنونة لخاطر الرسول الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) ان تكذيب الرسل يحلق على كل الأدوار

١١٢

الرسالية فليس هو بدعا من الرسل ان يكذّب :

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (١٨٤).

فالمصيبة إذا عمت طابت وخفت كما إذا خصت هابت وثقلت ، و «كذبوك» هنا تعم اصل الرسالة المحمدية ، وأن جمعا من الرسل لم يأتوا بتلك الآية المقترحة ، وأنهم كذبوا جمعا منهم أتوا بها ، فقد تشمل «كذبوك» ذلك الثالوث كله مهما كان أصل النبوة رأس الزاوية.

ثم «البينات» المزوّد بها كل الرسل هي الآيات البينات الرسالية التي أتت بها الرسل ، والزبر جمع الزبور من الزبر وهو الزجر بحكمة وموعظة وتخويف وتحذيركما نراها في زبور داود (عليه السلام).

واما (الْكِتابِ الْمُنِيرِ) فقد يعني كتاب الشرعة الأصيلة المنيرة على البينات وعلى الزبر ككتاب نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) وفوق الكل القرآن العظيم ، ولكن «من قبلك» يخرجه عن هذا المجال.

وقد تلمح وحدة «الكتاب» أمام جمعية (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) انه أصل الزبور والبينات ، وكما أتى مفردا في (٢٣٠) موضعا ولم يأت جمعا إلا في ثلاث.

ثم الفصل بين البينات والزبر والكتاب المنير مما يدل على فصل الآيات المعجزات لسائر المرسلين عن زبرهم وكتاباتهم ، والقرآن بما يجمع هذه الثلاث يمتاز عن كل كتب السماء بهذه الجمعية البارعة ، لحد أصبح آية رسالية قبل كونه كتاب الرسول ، حيث يثبت رسالة من جاء به ، ومن ثم هو تبيان لكل شيء تحتاج إليه الامة إلى يوم القيامة! : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ..).

١١٣

(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (١٨٥).

«كل نفس» مهما شملت كل النفوس ـ الانسانية والجنية والملكية وسواها من الأحياء ، رسولا وسواه وملك الموت بمن سواه (١) ـ ولكنها ليست لتشمل

__________________

(١) وهذا خلافا لزعم الخليفة عمر حيث كان يهدد القائل ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مات وقد مات. وفي الدر المنثور اخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : لما توفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاءت التعزية جاءهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم يا اهل البيت ورحمة الله وبركاته (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ان في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا فان المصاب من حرم الثواب فقال علي (عليه السلام) : هذا الخضر ، أقول وفي نور الثقلين مثله عن أبي عبد الله (عليه السلام) بألفاظ عدة حفاظا على اصل المعنى.

وفي نور الثقلين ١ : ٤١٩ عن الكافي محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن أبي المعزا قال حدثني يعقوب الأحمر قال دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) نعزيه بإسماعيل فترحم عليه ثم قال : ان الله عز وجل نعى الى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه فقال : انك ميت وانهم ميتون ، وقال (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ثم انشأ يحدث فقال : انه يموت اهل الأرض حتى لا يبقى أحد ثم يموت اهل السماء حتى لا يبقى أحد الا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل (عليهم السلام) قال : فيجيء ملك الموت حتى يقوم بين يدي الله عز وجل فيقال له : من بقي؟ وهو اعلم ـ فيقول : يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل فيقال له : قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا ، فيقول الملائكة عند ذلك يا رب رسوليك وأمينيك؟ فيقول : اني قد قضيت على كل نفس فيها روح الموت ثم يجيء ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيقال له : من بقي؟ ـ وهو اعلم ـ فيقول : لم يبق الا ملك الموت وحملة العرش فيقول : قل لحملة العرش فليموتوا ، قال : ثم يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقال : من بقي؟ ـ وهو اعلم ـ فيقول : يا رب لم يبق الا ملك الموت فيقال له مت يا ملك الموت فيموت ثم يأخذ الأرض بيمينه والسماوات بيمينه ويقول : اين الذين كانوا يدعون معي شريكا؟ اين الذين كانوا يجعلون معي إلها آخر؟.

١١٤

الذات القدسية الإلهية مهما يطلق عليها «نفس» حيث لم تأت له سبحانه إلّا مضافة «نفسك ـ نفسي» تعنيان ذاته تعالى وتقدس ، واما النفس دون اضافة فلا تطلق عليه ابدا ، كما «هو الحي الذي لا يموت» وسائر البراهين عقلية ونقلية هي مجندة لاستحالة موته تعالى (١).

وذوق الموت يختلف عن الموت الفوت ، فانه ذوق لانفصال الروح عن البدن وهي حية في بدن آخر في البرزخ ، ولولا حياة النفس الإنسانية حين الموت لما كان لذوقها الموت من معنى فانما النفس ـ وهي الروح ـ تذوق موت البدن وموتها عن البدن انفصالا عنه دون فوت.

(وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) تحصر توفية الأجور بيوم القيامة ، فطليق الأجر يرى في الأولى بسيطا وفي البرزخ وسيطا : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ، ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى).

(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) إزالة عن معرة فيها إذا (إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) (١٩ : ٦٨) (وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ) بعد زحزحته عن النار ، (فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) حياة (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) حيث يزينها لأهليها الغرور كأنها أصل الحياة لحد يشترى بها الحياة الأخرى معاكسة ظالمة وقسمة ضيزى ، أم ولان الغرور لا متاع له على الحقيقة ، وإنما يراد به ان ما يستمتع به الإنسان المغرور من حطام الدنيا ظل زائل وخضاب ناضل ، زيّنه له الغرور كأنه متاع يقصد وحياة تعتمد ، وهو متاع يشرى به الحياة الآخرة لمن أبصر بها فبصرته ولم يبصر إليها فأعمته.

وقد يدل التحليق العام في ذوق الموت لكل نفس ان القتيل ميت مهما كان

__________________

(١) لنا قول فصل على ضوء نظيرة الآية في الأنبياء (٣٥) فراجع.

١١٥

شهيدا او سواه ، فبين الموت والقتل عموم مطلق.

ثم والزحزحة عن نار البرزخ والاخرى تبدأ من نيران الشهوات في الدنيا وكما يروى عن رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) ان موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرأ وإن شئتم فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة .. (١) و «من أحب أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب ان يؤتى إليه» (٢).

ويقول حفيده الصادق (عليه السلام) «خياركم سمحاءكم وشراركم بخلاءكم ومن خالص الايمان البر بالإخوان والسعي في حوائجهم وان البار بالإخوان ليحبه الرحمن وفي ذلك مرغمة للشيطان وتزحزح عن النيران ودخول الجنان» (٣).

والزحزحة عن النار تصور لنا جاذبية لتلك النار ، جاذبية منهومة تجذب إليها ناهمة الأخفّاء ، أفليست لأصل النار ـ وهي الشهوة والمعصية ـ جاذبية ، أفليست النفس بحاجة الى ما يزحزحها عن نار الشهوة ، فكذلك نار البرزخ والقيامة طبقا عن طبق فإنهما من خلفيات نار الدنيا ، فكل زحزحة عن نار هي إدخال في جنة على قدرها (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

وقد تكون قضية الصبر والتقوى السكوت أمام الأمور الهاجمة ، فالسكوت ،

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٠٧ اخرج جماعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ... واخرج ابن مردويه مثله عن سهل بن سعد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) واخرج عبد بن حميد عن انس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا بما عليها ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا بما عليها.

(٢) المصدر اخرج احمد عن ابن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ...

(٣) نور الثقلين ١ : ٤٢٠ في الكافي سهل بن زياد عمن حدثه عن جميل بن دراج قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : خياركم ..

١١٦

كما قال علي بن الحسين (عليهما السلام) «لوددت أنه اذن لي فكلمت الناس ثلاثا ثم صنع الله بي ما أحب ـ قال بيده على صدره ـ ثم قال : ولكنها عزمة من الله أن نصبر ثم تلا هذه الآية (١).

وأخرى تكون قضيتها الكلام ردا على شطحات وشبهات جدالا بالتي هي أحسن إن أمكن ، وثالثه قتالا بكل صمود حفاظا على هالة الايمان وحالته فرديا او جماهيريا.

ولقد أتى عزم الأمور في حقل الدفاع عن الدين ، امرا بالمعروف ونهيا عن المنكر : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٣١ : ١٧) ، ام ـ بالنهاية ـ قتالا في سبيل الله.

إذا فالصبر في حقل المواجهة لأذى الأعداء هو عدم التغلّت عما أنت عليه من إيمان ، وعدم التلفت عما يتوجب عليك في المواجهة سلبا وإيجابا من قضايا الايمان ، فليس هو صبر الفشل والبتل والكسل! ، فانما هو صبر البطل كما تقتضيه بطولته الايمانية.

(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦).

هذا توطين لخاطر النبي الأقدس ، القريح الجريح ـ والذين معه ـ من أذى الكافرين ، أنه لا يختص بانهزام أحد وقيلات المنافقين والذين في قلوبهم مرض وويلات ضعفاء الايمان ، بل هو مستمر على مدار الزمن.

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤٢١ في تفسير العياشي عن أبي خالد الكابلي قال قال علي بن الحسين (عليهما السلام) : ..

١١٧

فالبلاء النازل فجأة فجيعة لا تحمل ، ولكن النازل على علم به وترقب له ليس بتلك الصعوبة الفاجعة ، وهكذا يوطن الله قلوب المؤمنين على النوازل ، لكي يستعدوا لها ، حين تتناوشهم الذئاب بالأذى ، وتعوى حولهم بالدعايات المضللة ، وحين يصيبهم الابتلاء منهم والفتنة.

ف «لتبلون» أيها المؤمنون حسب قابلياتكم وفاعلياتكم ودرجاتكم (فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) ـ «أموالكم» التي حصلتم عليها في تحصيلها وصرفها وإنفاقها ، و «أموالكم» التي تجاولون في تحصيلها «أنفسكم» في ذواتكم ثم «وأنفسكم» فيمن يتصلون بكم بقرابة او نسبة او اتصال أخوي ايماني (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) كاليهود والنصارى «ومن الذين أشركوا لتسمعن .. أذى كثيرا» من لغو القول الزور والغرور ، ومن ألوان التهم والشبهات المفتّتة لعضد الايمان والدعايات الهارفة الخارفة الخواء الهادفة القضاء على الإسلام ، وكما نراها ونسمعها من المبشرين المسيحيين ومن الصهاينة المجرمين ، سلسلة موصولة مع الزمن لكي ينالوا من شرعة القرآن والمتشرعين بها كل نيل ويميلوا بهم كل ميل.

تلك الدعايات الواسعة من كتاباتهم وابواقهم الجهنمية ضد الإسلام ومعهم استعمار الشرق والغرب ، ولهم طائلة الأموال والعدة والعدة المديدة ، ولكن :

(وَإِنْ تَصْبِرُوا) على أذاهم صبرا جميلا فلا تتفلتوا عن صامد الإيمان ولا تظنوا بالله ظن الجاهلية ، صبرا فيه الحفاظ على صالح الإيمان والجدال على طالح الكفر ، لا صبر التخاذل والتحمل وأنتم قادرون على الدفاع ، بل هو صبر أمام التعاضل «وتتقوا» في صبركم محاظيره ، وتتقوا الله في ذلك الموقف الحرج المرج «فان ذلك» الصبر والتقوى (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) : عزم في الأمور الخطرة وعزم لها وعزم إليها ، فالعزم على آية حال هو للموطن نفسه على الأمور

١١٨

العازمة ، أن يتغلب الإنسان على كل حادثة وكارثة دون ان تتغلبه ، أم هما ككفتي الميزان تتجاوبان ، فالأمور التي تقصد الإنسان لتنال منه صالح الايمان عقيدة وعملا ، لا بد من العزم والصمود أمامها لكي لا تتغلب عليه لأقل تقدير ، أو يتغلب عليها لاكثر تقدير ، لا أن يغلب متفلتا عن الصبر أمامها والتقوى في خضمها.

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ

١١٩

فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥) لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ

١٢٠