نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٣

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٣

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٤٠

فوسّع نطاقها حتى وصلت حدودها إلى نهر الألب من جهة ألمانيا ، وإلى مدينة رومية من جهة إيطاليا ، وإلى الأبير من جهة إسبانيا ، وإلى نهر الدانوب من جهة النمسا. وقد توّجه البابا لاون الثالث إمبراطورا في مدينة رومية سنة ٨٠٠ م / ١٨٤ ه‍ ، وكان النصر حليفه في أكثر حروبه. ونهضت مملكته في أيامه نهضة عظيمة فكثرت الإصلاحات الإدارية والمشاريع العلمية والأدبية. وكان صديق الخليفة هارون الرشيد العباسي.

وقد تلقى الامبراطور شرلمان من علماء العرب علوما جليلة. ثم مات سنة ٨١٤ م / ١٩٩ ه‍ وخلّف ثلاثة أولاد ، فانقسموا على بعضهم وحدث بينهم عدة معارك ، ثم اصطلحوا وقطعوا بواسطة الأساقفة عهودا بينهم في مدينة فردون سنة ٨١٦ م / ٢٠١ ه‍ على أن تكون البلاد ـ التي على الضفة الشرقية من الرين ـ إلى لويس ، وقد سميت بلاد جرمانيا. والبلاد الغربية بين البحر ومجرى نهر الرون ونهر السون والموز إلى أخيه كارلس الأصلع ، وسميت بلاد فرانسا. وبلاد إيطالية والرون والسون ـ وما هو كائن من البلاد بين الموز والرين ـ إلى أخيهما لوتير. وسميت بلاد اللوتير نجي ومنها اللورين.

ثم إن بلاد فرنسا التي يملكها كارلس الأصلع استولى عليها الضعف بعد هذا التقسم ، وطمع فيها النور منديون (١) وهم أسلاف سكان نرويج ودنمارك ، فهجموا عليها عدة مرات فلم يفلحوا. ثم مات كارلس الأصلع وولده لويس الالثغ ، وعادت مملكة شارلمان العظيمة إلى ما كانت عليه من القوة والمنعة وصارت كلها تحت راية واحدة يقبض عليها ملك واحد اسمه كرلس السمين. وفي ذلك الوقت عاد النورمنديون وزحفوا على هذه المملكة ، فعجز الشرلمانيون عن مقاومتهم ، واستمر النورمنديون على زحفهم حتى صاروا على أبواب العاصمة باريس وشددوا عليها الحصار. وحينئذ تجرد إليهم الكونت أود فدحرهم وولوا منهزمين.

وبعد أن توفي لويس الخامس ابن لوتير وحفيد لويس الرابع وكرلس البسيط رأى الأساقفة ووجوه أهل المملكة أن الشرلمانيين لم يقلعوا عن توانيهم ، فقرروا أن ينزعوا الملك منهم ويسلّموا صولجانه إلى حفيد الكونت أود ـ واسمه هوك كابه ـ وذلك سنة

__________________

(١) رسمت عند المؤلف في معظم المواضع «النورمندييون» بياءين قبل الواو ، خلافا للقاعدة المتبعة ، فصححناها.

٥٨١

٩٨٧ م / ٣٧٧ ه‍ وبذلك انتهت سلسلة الشرلمانيين الثانية من سلسلة ملوك فرانسة وابتدأت السلسلة الثالثة منهم.

السلسلة الثالثة :

هذه السلسلة تسمّى ملوكها بالملوك الكابيسيين الذين دام تملكهم على المملكة الفرنسية من سنة ٩٨٧ م / ٣٧٧ ه‍ إلى سنة ١٨٤٨ م / ٤٦٥ ه‍. وقد علمت أن أول ملك من ملوك هذه السلسلة هو الملك هوك كابه وإليه تنتسب هذه السلسلة.

على أن ملوك هذه السلسلة قد قصروا اهتمامهم في بدء أمرهم على مقاطعتهم الخصوصية ، وهي مقاطعة إيلدو فرانس ، ولم يتلفتوا إلى باقي المملكة الفرنسية ، فاستبد بها حكامها واستقلوا بأحكامها وصاروا مثل ملوك الطوائف (feodalite) في أيام ضعف الخلفاء العباسيين ، ولم يبق للملوك الكابيسيين سوى سلطة اسمية وأمور شرفية وبعض امتيازات لا فائدة في ذكرها.

وقد تعاقب ملوك هذه السلسلة على عرش فرانسا الخيالي ، وكانوا على التمادي يزدادون ضعفا ووهنا ومنهم الملك روتير التقي ، الذي كان ملكا من سنة ٩٩٦ م / ٣٨٦ ه‍ والملك هنريكيس الأول الذي كان ملكا من سنة ١٠٣١ م / ٤٢٣ ه‍ إلى سنة ١٠٦٠ م / ٤٥٢ ه‍ ، وفيلبوس الأول الذي ملك من سنة ١٠٦٠ م / ٤٥٢ ه‍ إلى سنة ١١٠٨ م / ٥٠٢ ه‍ وكرلس البسيط الذي أعطى النورمنديين مقاطعة فوستريا مع مدينتي (روان وكان) ، فسميت هذه المقاطعة باسمهم. وقد استفحل أمرهم حتى استولوا على بلاد إنكلترا وتتوج قائدهم الدوك (غليوم) الغازي ملكا في لوندرة فأصبح أعظم قدرة وصولة من ملك فرنسا ، مع أنه تحت حكم ملك فرانسا. ثم لما ملك لويس السادس ـ المسمى لويس الضخم أو لويس النبيه ـ بعد فيلپوس الأول باشر الحرب ضد ملوك الطوائف. وقد امتد ملكه من سنة ١١٠٨ م / ٥٠٢ ه‍ إلى سنة ١١٣٧ م / ٥٣٢ ه‍.

وكانت حروب الصليبيين قد بدأت منذ سنة ١٠٩٦ م / ٤٩٠ ه‍ وامتدت حتى سنة ١٢٧٠ م / ٦٦٩ ه‍ وعدد حملاتها ثمانية. وقد استولى الصليبيون في هذه المدة على القدس ونواحيها. ثم عادت إلى حكم المسلمين بسبب ضعف الصليبيين وانقسامهم على بعضهم. وقد نهض الصليبيون في تلك الأيام نهضة عظيمة في العلوم والفنون ولا سيما في فن الهندسة.

٥٨٢

وسبب ذلك أن الاعتقاد كان سائدا بين الأمم الغربية بأن العالم سينتهي في حدود سنة ١٠٠٠ م / ٣٩١ ه‍ فلما انقضت هذه السنة ولم يحدث شيء من ذلك ساء اعتقادهم في التكهّنات والتفتوا إلى الاهتمام بالعلوم والهندسة الكنائسية. وتولى الملك لويس السادس سنة ١١٣٧ م / ٥٣٢ ه‍ وخلفه ابنه البكر لويس السابع. وبقي في الملك إلى سنة ١١٨٠ م / ٥٧٦ ه‍. وكان في أثناء تملكه مجدا في الحروب الصليبية بدلا عن أن يستخلص بلاده من ملوك الطوائف.

ثم خلفه الملك (فيلبوس أغستوس) واستمر ملكه إلى سنة ١٢٢٣ م / ٦٢٠ ه‍ فاشترك مع إمبراطور ألمانيا (فريدريك باربروس) وملك الإنكليز (ريشار قلب الأسد) في الحرب الصليبية في الحملة الثالثة وتحاربوا مع صلاح الدين الأيوبي. ثم رجع الملك فيلبوس إلى فرنسا قبل ملك الإنكليز. وأخذ مقاطعتي (البواتو) والنورمنديين الذين كان الإنكليز قد طردهم من بلادهم واستولوا على أصل مقاطعتهم وكسر فيلبوس الإنكليز المتحالفين مع ألمانيا وذلك سنة ١٢١٤ م / ٦٢٥ ه‍. وهذه المعركة تعرف بمعركة (بووين). ومن آثار الملك فيلبوس أغستوس قصر اللوفر الشهير في باريس فهو الذي بناه وأسس فيها الكلية الشهيرة أو مجتمع المعلمين والطلبة.

ثم مات الملك فيلبوس سنة ١٢٢٣ م / ٦٢٥ ه‍ وخلفه الملك لويس الثامن فبقي ملكا من هذه السنة إلى سنة ١٢٢٦ م / ٦٢٣ و ٦٢٤ ه‍ فلم يمكّنه قصر مدته إلا من محاربة هرطقة الألبيجينيين الناكرين أهم العقائد المسيحية.

ثم مات وخلفه الملك لويس التاسع الذي يسمونه القديس لويس. ولما كان صغيرا تملكت عوضه أمه الشهيرة باسم (بلانشة دي كستيل) فربته أحسن تربية. ولما بلغ رشده تسلم زمام الملك وأقدم على الحملتين الأخيرتين من حملات الصليبيين فوصل إلى مصر ، واستولى على دمياط وعجّب الأتراك بشجاعته. ثم رجع إلى بلاده وحارب الإنكليز وانتصر عليهم في مدينتي (تيبرغ) و (سانت). ثم أرجع لهم مقاطعة (البواتو) على شرط ألّا يعودوا يتعدّون على مقاطعة (نورمنديا) وامتاز الملك لويس بعدله وانعطافه على الشعب. ثم باشر سنة ١٢٧٠ م / ٦٦٩ ه‍ الحملة الثامنة الأخيرة من حملات الصليبيين فدخل جهات تونس وقد تفشى الطاعون في عسكره. ثم أصيب به ومات في هذه السنة.

٥٨٣

وخلفه ولده فيلبوس الثالث المسمى بالجسور وملك حتى سنة ١٢٧٥ م / ٦٨٤ ه‍ فترك الحملة الصليبية وحمل جثة أبيه إلى فرنسا ولم يمتز عن غيره بشيء من الأعمال. أما خلفه ، وهو ولده حفيد فيلبوس ، الجميل الذي ملك من سنة ١٢٨٥ إلى سنة ١٣١٤ م / ٧٤٤ ه‍ فإنه أظهر اقتدارا عظيما في توطيد سطوة الملك وتوسيع نطاق المملكة ، وقاوم البابا (بونيفاس) الثامن فحرمه البابا ، فازداد مقاومة. ثم مات فخلفه ابنه لويس العاشر. ومات بعد سنتين ولم يخلف سوى بنت واحدة. ولما كان القانون الفرنسي المسمى (الساليك) يمنع تملّك النساء خلفه أخوه فيلبوس الخامس. وبعد ست سنوات مات عن غير ولد ذكر ، فخلفه أخوه كرلس الرابع الجميل بحكم القانون المذكور ، فمات بعد ست سنوات أيضا وذلك في سنة ١٣٢٨ م / ٧٢٩ ه‍ ولم يخلف ذكرا فخلفه ابن عمه فيلبوس السادس دي فالوا.

حرب فرنسا وإنكلترا مائة سنة وسنة :

ولما كان صولجان الملك قد خرج من يد الأسرة الملوكية ترشح للملك ملك إنكلترة (إدوار) الثالث ، الذي كان متوليا على أراضي واسعة في بلاد فرانسا وبثّ الدسائس وثارت الأحزاب ، فأعلن نفسه ملكا على فرنسا وإنكلترا ، وذلك في سنة ١٣٣٦ م / ٧٣٧ ه‍ فنشأ عن هذا العمل تلك الحرب الشهيرة التي دامت مدتها أكثر من مائة سنة بين الإنكليز والفرنسيس ، وهي تقسم إلى أربعة أقسام :

(١) وهو على عهد الملك فيلبوس السادس والملك يوحنا الصالح ، فكان في مدة هذين الملكين الانتصار للإنكليز.

(٢) وهو على عهد الملك كرلس الحكيم ، وكان فيه الانتصار للفرنسيين بواسطة القائد الشهير (دو كيكلان).

(٣) كان بعد جنون الملك كرلس السادس ، وانحاز فيه النصر إلى جانب الإنكليز.

(٤) على عهد الملك كرلس السابع ، وتحتم فيه النصر للفرنسيين بواسطة الشجاعة الشهيرة (جاندارك) القروية الراعية.

٥٨٤

وأشهر ما جرى في تلك الحرب الطويلة هو :

(١) معركة كربسى. وفيها استعملت المدافع أول مرة في العالم ، استعملها الإنكليز ، وكانت قنابلها من الحجارة ولها دوي وحفيف دون أن يحصل منها تأثير يذكر. وذلك سنة ١٣٢٨ م / ٧٢٩ ه‍ تقريبا.

(٢) انتصارات دو كيكلان ، فإنه لم يترك للإنكليز سوى بعض المواني ، أي مدينة (كاله) و (ستراسبورغ) و (بوردو) و (بايون).

(٣) انتصار جاندارك : انتصارات القروية الراعية الطائرة السمعة (جاندارك) فقد حداها سائق إلهي إلى أن تقصد الملك الإفرنسي كرلس السابع وأن تخرج الإنكليز ، ففعلت ذلك وطردت الأعداء عن آخرهم من مدينة أورليان في ٨ أيار سنة ١٤٢٩ م / ٨٢٣ ه‍. وقد أصبح هذا التاريخ عيدا رسميا للحكومة الفرنسوية علاوة على عيد ١٤ تموز الآتي ذكره. وبعد هذه الانتصارات الباهرة حضر الملك كرلس إلى مدينة (رانس) حيث مسح رسميا ملكا على فرنسا في ١٧ تموز سنة ١٤٢٩ م / ٨٣٣ ه‍.

ولما قصدت أن ترجع إلى قريتها وقطيع ماشيتها سمعت أن مدينة (كومبيانيا) في خطر عظيم فأسرعت إلى إنقاذها وتقدمت لقتال العدو ، فوقعت أسيرة بين يدي المحاصرين فباعوها إلى الإنكليز. وبعد محاكمتها حكم عليها بأن تحرق حية ، زاعمين أنها مهرطقة ساحرة. فنفذ الحكم عليها في مدينة (روان) في ٣٠ أيار سنة ١٤٣١ م / ٨٣٥ ه‍. وبعد وفاتها فسخ البابا ذلك الحكم وأعلن براءتها رسميا. وجميع المسيحيين الكاثوليك ـ حتى إنكلترة منهم ـ يحترمونها كقدّيسة ، ويقيمون لها احتفالا تكريميا في اليوم الثامن من أيار كل سنة.

أسماء التواريخ العالمية عند الأوروبيين :

انتهت تلك الحرب الطويلة سنة ١٤٥٣ م / ٨٥٧ ه‍ ، وهي السنة التي استولى فيها السلطان محمد الفاتح على مدينة قسطنطينية. فجعل المؤرخون الأوروبيون هذه السنة نهاية تاريخ القسم الثاني من تاريخ العالم العام ، وهو القسم المعروف عندهم بتاريخ الأجيال المتوسطة. وبعد هذه السنة يفتتحون القسم الثالث من تاريخ العالم العام وهو المسمى تاريخ

٥٨٥

الأزمنة الحالية ، وهو ينتهي سنة ١٧٨٩ م / ١٢٠٤ ه‍ أي في ابتداء الثورة الفرنسية العظيمة الآتية الذكر. وكان الفرنسيون قد تمكنوا بعد الحرب المذكورة من طرد الإنكليز من فرنسا كلها بحيث لم يبق لهم فيها سوى مدينة كالة التي استمرت تحت سيطرتهم مدة مائة سنة بعد ذلك. ومات الملك كرلس السابع بعد أن جهز أول مرة في فرنسا جيشا منظما مرابطا ووضع أول ضريبة ثابتة. وكانت وفاته سنة ١٤٦١ م / ٨٦٦ ه‍.

فملك بعده الملك لويس الحادي عشر ، وكانت عناية هذا الملك واهتمامه منصرفين إلى توحيد دولة فرنسا وتثبيت سلطة الملك وانتصاره على ملوك الطوائف. فتحالفت الطوائف عليه تحت رياسة كرلس الجسور ، فانتصر عليهم وانضمت مقاطعات (بوركونيو) و (آنجو) و (بروفانس) و (روسيون) إلى مقاطعات الملك ، ونشط فن الطباعة في فرنسا وكان قد تم اختراعه عن يد (غوتنبرغ) الألزاسي في مدينة (ستراسبورغ) سنة ١٤٥٠ م / ٨٥٤ ه‍. ومات الملك لويس الحادي عشر سنة ١٤٨٣ م / ٨٨٨ ه‍ وساست المملكة بعد موته ابنته حنّة دي بوجو ، لأن ابنه كرلس الثامن كان قاصرا. ثم لما كبر واستلم زمام الملك أضاع وقته وأفقد فرنسا مواردها في حروبه التي أقامها في بلاد إيطاليا ، فقد غزا مملكة (نابلي) ثم خسرها. ومات في سنة ١٤٩٨ م / ٩٠٤ ه‍.

وخلفه ابن عمه لويس الثاني عشر ، وكانوا يسمونه أبا الشعب أو الملك لويس اللطيف لفرط حلمه وعطفه على الجميع. وحارب في إيطاليا كسابقه فلم يفلح. ومات سنة ١٥١٣ م / ٩١٩ ه‍. وخلفه ابن عمه فرنسيس الأول فحارب أيضا في إيطاليا وانتصر في (مارينيان) واستولى على (ميلانو) وتعاهد مع البابا (لاوون) العاشر ، فسمح له الباب أن يعين أساقفة فرنسا. وفي أيامه اشتهر القائد العظيم (بايار). وحارب الملك فرنسيس الأول أيضا الإمبراطور كرلس الخامس ، الذي كان مستوليا على بلاد إسبانيا وبلجيكا وألمانيا والنمسا وعلى قسم عظيم من أراضي أميركا التي كان قد اكتشفها (خرستوف كولومبس) سنة ١٤٩٢ م / ٨٩٨ ه‍. وقد اتسع ملك الملك كرلس الخامس إلى درجة يمكنه أن يقول مفتخرا : إن الشمس لا تغرب عن ممالكي.

فقام الملك فرنسيس الأول يحارب ذلك الملك العظيم ودامت الحرب بينهما وبين

٥٨٦

حلفائهما ثلاثين سنة ، وانتهت في معاهدة (كاتو كامبريزبس) سنة ١٥٥٩ م / ٩٦٧ ه‍ وقد استولت فرنسا على مدينة (متس) و (تول) و (فردون) وأخذت مدينة كالة من الإنكليز ، وكانوا تحالفوا مع فيلبوس الثاني خلف كرلس الخامس. ومات الملك فرنسيس الأول سنة ١٥٤٧ م / ٩٥٤ ه‍.

وخلفه الملك هنريكوس الثاني. ومات سنة ١٥٥٩ م / ٩٦٧ ه‍ أي في سنة المعاهدة المذكورة. وفي هذا التاريخ نهضت فرنسا نهضتها العلمية الأدبية العظيمة التي كان أسسها الملك فرنسيس الأول حتى استحق أن يلقب بأبي الأدب. فكثر المؤلفون الفرنسيون والمتفننون والمهندسون في كل نوع من أنواع العلوم والفنون ، ومنهم (مارو) الشهير و (رونسار) و (ربله) و (مونتانيو) والأسقف (أميو) وغيرهم. وكان فرنسيس الأول على أحسن العلاقات مع السلطان سليمان القانوني ، وقد منحه عدة امتيازات في بلاد الشرق ولا سيما في سوريا ولبنان. وهنالك معاهدة طويلة ذات شأن بين الملكين في شأن مسيحيي هذه البلاد.

ظهور المذهب البروتستاني :

وظهرت في تلك الأيام أيضا الهرطقة العظيمة المسماة بالهرطقة البروتستانية التي ابتدعها الراهب (مرتان لوتير) الألماني وأعوانه : يوحنا كلويس الفرنسي وزونيكل السويسري ، و (هنريكوس) الثامن ملك إنكلترا. فخرج عن طاعة البابا أمم عظيمة. ولم يزل هذا المذهب منتشرا حتى اليوم في بلاد ألمانيا وإنكلترا وبعض الأقطار الأميريكية.

وقد استبدت ملوك فرنسا في ذلك التاريخ وثقلت وطأتهم على الشعب حتى سمي ذلك الدور دور السلطان المطلق. وملك بعد هنريكوس الثاني سنة ١٥٥٩ م / ٩٦٧ ه‍ فرنسيس الثاني. وفي سنة ١٥٦٠ م / ٩٦٨ ه‍ توفي وخلفه كرلس التاسع ، واستمر في الملك إلى سنة ١٥٧٤ م / ٩٨٢ ه‍. ثم مات وخلفه هنريكوس الثالث واستمر في الملك إلى سنة ١٥٨٩ م / ٤٩٨ ه‍ ومات ، فانطفأت بعده أسرة (فالوا) المالكة لأنهم لم يكن لهم خلف ذكر ، فقامت بدلا منها أسرة (البوربون) المتسلسلة عن الولد الأصغر للملك لويس التاسع القديس والمالكة إلى سنة ١٨٤٨ م / ١٢٦٥ ه‍. أما ملك فرنسا هنريكوس الثالث الذي اقترن بملكة (اسكتلانده) الكاثوليكية الشهيرة (بماري ستوار) فإنه لم يذكر له التاريخ

٥٨٧

أثرا سوى تجسم الأحزاب في فرنسا بين البروتستانت والكاثوليك. وكانت الملكة ستوار تشايع الكاثوليك وتقاوم البروتستان حتى إنها أحرقت أخيرا شهيدة الكثلكة.

وقد طالت الحرب بين أهل المذهبين وأريقت الدماء وقتل عدد من الوزراء ووجوه القوم من كلا الفريقين ، حتى تملك أخيرا على فرنسا هنريكوس الرابع سنة ١٥٨٩ م / ٩٩٨ ه‍ وكان بروتستانيا إلا أنه سنة ١٥٩٣ م / ١٠٠٢ ه‍ ترك مذهبه وصار كاثوليكيا ليرتضيه الفرنسيون ملكا عليهم. وفي ذلك التاريخ دخل باريس وقد تمهدت العقبات أمامه فحسم النزاع بين الكاثوليك والبروتستان وأصدر أمرا يعرف بمنشور (تنط) منح فيه حرية الدين للبروتستان ، وأنهى الحرب مع إسبانيا بمعاهدة (ويروين) وأجرى بواسطة وزيره (سولى) عدة إصلاحات تتعلق بالزراع والطبعة السفلى من الشعب. وفي أيامه بنيت في إمريكا المدينة الإفرنسية الأولى المعروفة باسم (كيبك). ثم قتل الملك أحد المتحزبين المتطرفين ، واسم القاتل فرنسيس رارايك في ١٤ أيار سنة ١٦١٠ م / ١٠١٩ ه‍.

وكانت حدود فرنسة في تلك السنة على هذه الصفة ، وهي : أن هذه المملكة كانت تمتد من الجهة الشمالية إلى نهر السوم عدا شاطىء البحر حيث كانت تصل إلى مدينة كاله.

أما المقاطعتان الحاليتان (فلاندره) و (أرتوا) فإنهما كانتا ملحقتين بإسبانيا. وكانت فرنسة تملك من الجهة الشمالية الشرقية مدينة (متس) و (تول). وأما بلاد الألزاس واللورين و (الفوج) فكانت تخص مملكة ألمانيا وفي الشرق كان نهر السون يحد فرنسة ومقاطعة (البرسمونيو) على يمينه ملحقة بفرنسه وعلى يساره مقاطعة (الفرانش كونتى) ملحقة بإسبانيا. وكانت مقاطعة (الساوا) و (كونتيته نيسى) في الجنوب الشرقي خاصة (دوك سارا). وكانت مملكة فرانسة في جهة الجنوب منفصلة عن جبال البيريين بمقاطعة (الروسيون) التي كانت بعد إسبانيولية. وكانت مقاطعتا (البيارن) و (النافار) مستقلتين. وكانت المستعمرات الفرنسية محصورة في بلاد الكندة من إمريكا لا غير.

ولما قتل الملك هنريكوس الرابع كان ابنه لويس الثالث عشر لا يتجاوز التاسعة من عمره فنابت عنه أمه (ماري دي ميدى) من أسرة إيطالية معروفة ، فالتفّ حولها حاشية إيطاليانية أضرت بمصالح فرنسة كثيرا ، وهذه الحاشية تعرف بأسرة كونسينى ، فاضطربت

٥٨٨

المملكة واجتمع المجلس العمومي المؤلف من ممثلي (الإكليروس) والطبقة الثالثة من طبقات الشعب فلم يحصل من اجتماعه فائدة. ولما بلغ لويس الثالث عشر رشده وتولى الأحكام بنفسه ؛ جعل وزيره الأول أسقفا حازما صاحب عزيمة يسمى (الكردينال دي ريشليو). أما كونسينى أبو الأسرة التي كانت ملتفة حول أم الملك فإنه اعتقل ثم قتل شر قتلة.

وكان أول عمل عمله (ريشليو) أنه أكره البروتستان على الخضوع إلى الملك وأخذ منهم مدينة (لاروشل) المحصنة وأرغم الأمراء ووجوه الأمة على الخضوع إلى القانون العام ، وقتل المتمردين والمخالفين أحكام الأوامر التي أصدرها الملك في شأن المبارزة مثل الكونت (مونمورانس بوتويل). وبعد أن جعل السلام سائدا في فرنسة هجم على الإسبانيوليين وعلى حلفائهم وأخذ منهم ثلاث ممالك عظيمة ، أي (الألزاس) و (الروسيون) و (الأرتوا) ، وأجرى إصلاحات عظيمة في داخلية البلاد ولا سيما في دائرة الشرطة ودائرة الضرائب ، وأنهض بحرية فرنسة وبنى الموانىء والمراكب والسفن الحربية ، واشترى عدة جزائر في الأنتيل الأميركية ، وتوصل إلى (مدغسكار) الإفريقية فبنى فيها مراكز مهمة ، ونشّط العلوم والآداب فأسس (الأكاديمية) القانونية. ومات سنة ١٦٤٢ م / ١٠٥٢ ه‍.

ومات بعده الملك سنة ١٦٤٣ م / ١٠٥٣ ه‍ فنابت عن الملك لويس الرابع عشر أمه (حنة) النمساوية الإسبانيولية الأصل ، لأن الملك الصغير لم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره ، فاختارت لنفسها وزيرا الكردينال (مازارين) صديق ريشليو وتلميذه. ومازارين هذا من مدينة رومية وكان لا يحسن التكلم بالفرنسية. وفي مدة نيابة حنّة عن ابنها انتصر الفرنسيون على الإسبان وغيرهم لحسن تدبير القائدين الشهيرين كونده وطورين. وفي سنة ١٦٤٨ تعاهد ملك إسبانيا مع فرنسة وتنازل لها عن بلاد الألزاس. وهذه المعاهدة تعرف بمعاهدة نسيتغالي. ثم في سنة ١٦٥٩ عقدت معاهدة أخرى تعرف بمعاهدة بيرين ربحت بها فرنسا مقاطعتي الأرتوا والروسيون. ومع هذا كله فإن مازارين كان منفورا من الشعب لطمعه ولأنه أثقل كاهله بالضرائب. ولذا قامت الثورة في المملكة ، المعروفة بثورة الضرائب ، وتفاقم الشر بين الملك ووزيره وبين وجوه أهل المملكة ومجلس البرلمان الذي تحزب إلى القائد. ثم اختلف الثوار مع بعضهم واغتنم مازارين فرصة اختلافهم ورجع إلى باريس بعد أن اعتزل الأعمال مدة سنتين ، وكان عوده إلى باريس سنة ١٦٥٣ فازدادت

٥٨٩

هيبته وعظمت صولته ، وانحطت المملكة انحطاطا زائدا ، إلى أن أنهضها من عثرتها القديس منصور دي بول المعروف بمحبة الفقراء.

وفي سنة ١٦٦١ مات مازارين ، وكانت فرنسا حينئذ أعظم دولة في أوربا ، وقام الملك لويس الرابع عشر بتدبير الملك بنفسه ولم يعيّن وزيرا. وكان جبارا عنيدا حريصا على كرسي الملك ، فكثر العصاة والمتمردون وقد عجز عن إخضاعهم ، واضطر إلى أن يعين يوحنا كولبير وزيرا للبحرية والمالية فأحسن القيام بهما ، واعتنى بشأن الزراع وأمد التجار وخفض الضرائب ، وأسس المعامل وقوى البحرية التجارية ، واجتهد بتحصين البحرية الملوكية ، وعين الملك أيضا (لوغوا) وزيرا للجهادية فنظم الجندية. ثم إن الملك بعد موت وزيره كولبير اضطهد البروتستان وسلبهم الحرية الدينية التي كانوا منحوها من قبل هنريكوس الرابع وريشليو ، ونادى الملك أيضا بإلغاء منشور «تنط» الشهير. وكان ذا عظمة في قصره قد حف به طائفة من الأدباء والخطباء والفلاسفة والقواد والوزراء ، حتى إنه كان يسمى الملك العظيم أو الملك الشمس ، وسميت أيامه أيام لويس الرابع عشر.

وفي سنة ١٧١١ مات ابنه ولي العهد ، ثم ماتت حفدته ولم يبق له وارث سوى ابن حفيده الدوك نورمنديا ، وقد استغرق في محاربة دول أوربا مدة ثلاث وثلاثين سنة وحاز انتصارات باهرة أفزعت أوربا ، وقامت فرنسا في وجهها كلها حتى سنة ١٦٦٨ إلا أن فرنسا بعد ذلك أنهكتها الحروب وأخذت ترجع إلى الوراء لا سيما لما تملك على إنكلترة غليوم دورانج عدوّ فرنسا العظيم ، فإن فرنسا قد تمكن منها الضعف وخسرت كثيرا من بلادها.

وفي سنة ١٧١٥ م / ١١٢٧ ه‍ و ١١٢٨ ه‍ توفي الملك لويس الرابع عشر وخلفه لويس الخامس عشر ، وهو ابن حفيده. وكان لويس الخامس عشر صغيرا فقام بإدارة الملك بالنيابة عنه جماعة من عظماء المملكة خدموا منافعهم الذاتية فعزلوا سنة ١٧٢٦ م / ١١٣٩ ه‍ وتعين بدلهم الكردينال فلوري ، فتوصل بدهائه إلى أن جعل فرنسا تربح مقاطعة اللورين. ثم مات الكردينال فلوري واستقل لويس الخامس عشر بإدارة الملك وكان منهمكا بالملذات غير ملتفت إلى الملك ، فانحطّت المملكة في زمانه ، ونشبت الحرب بين فرنسا وبروسيا مدة سبع سنوات ، أي من سنة ١٧٥٦ م / ١١٧٠ ه‍ إلى سنة ١٧٦٣ وكانت النتيجة انكسار فرنسا برا من قبل بروسيا ، وبحرا من قبل إنكلترا. وخسرت فرنسا

٥٩٠

أيضا بلادها في الهند التي كان استولى عليها دوبلكس ، وبلادها في كناده ولم يبق لها في الهند سوى خمسة بلدان. وانتهت هذه الحرب في معاهدة باريس سنة ١٧٦٣ م / ١١٧٧ ه‍. وفي سنة ١٧٦٨ اشترت فرنسا جزيرة كورس من جمهورية (جينوا) التي ولد فيها نابليون بانابرت سنة ١٧٦٩ م / ١١٨٣ ه‍.

وفي أيام هذا الملك قام البرلمان الفرنسي يعارض بابا رومية والرهبانية ، ويحمل عليها حملة شعواء حتى إنه حصل على أمر بإلغائها ، فأغلقت مدارسها. وكان ولتير وروسو وغيرهما من الفلاسفة يعضدون البرلمان بخطبهم ومؤلفاتهم. ومات الملك لويس الخامس عشر وخلفه حفيده لويس السادس عشر وكان محبا للخير لكنه كان ضعيفا.

وفي سنة ١٧٨١ م / ١١٩٦ ه‍ اتحدت فرنسا مع أميركا بغضا في إنكلترا التي تمردت عليها مستعمراتها في أميركا ، فانتصرت المستعمرات على إنكلترا واستقلّت وأعادت إنكلترة إلى فرنسا عدة مستعمرات كانت سلبتها منها سنة ١٧٦٣ م / ١١٧٧ ه‍. وختمت هذه الحرب بمعاهدة فرسايل سنة ١٧٨٣ م / ١١٩٨ ه‍. وقد كلفت هذه الحرب فرنسا نفقات عظيمة بحيث كان عجز موازنتها كل سنة ستة وخمسين مليونا ، وتعذر على الدولة جباية الضرائب. وفي سنة ١٧٨٩ م / ١٢٠٤ ه‍ اجتمع المجلس العمومي الذي لم يجتمع منذ سنة ١٦١٤ م / ١٠١٣ ه‍ فلم يحصل من اجتماعه فائدة.

وفي خامس أيار من هذه السنة ابتدأت الثورة الفرنسية. وفي هذه السنة ينتهي تاريخ الأزمنة الحالية ويبتدئ الجزء الرابع من التاريخ العالمي العام.

الثورة الفرنسية الشهيرة :

أسباب هذه الثورة سوء إدارة الملك وقلة اكتراثه بالرأي العام وعدم المساواة بين طبقات الشعب ، فإن جميع الامتيازات كانت محصورة بطبقة الأشراف والإكليروس والطبقة الثالثة من الشعب ، وكل الأثقال كانت مطروحة على عاتق الفلاحين.

مبدأ الثورة وتاريخها :

اجتمع في فرسايل مندوبو الفرق المتنوعة من أهل البلاد وقرروا أن يؤلفوا مجلسا مليا تسير فرنسا على ما يراه. وقد تحالفوا على أنهم لا ينفكون عن بعضهم إلا بعد تنفيذ ما

٥٩١

عولوا عليه وسمي هذا الحلف حلف ملعب البوم فلم يرض الشعب بذلك. وفي ١٤ تموز سنة ١٧٨٩ م / ١٢٠٤ ه‍ أعلن الشعب تمرده على الحكومة وهجم على سجن الباستيل وأطلق السجناء وعيّن عريفا لنفسه وأقام حرسا وطنيا ، وأرغم الحكومة على الاعتراف بأوامره وبقي هذا التاريخ يتخذ عيدا للجمهورية إلى اليوم. ثم حدث شقاق ديني اضطرب له الملك والمجلس الملّي وأصبح الملك لويس السادس عشر في خطر. غير أن المجلس تعهد بحمايته على شرط أن يكون حكمه بعد الآن مبنيا على ما يراه المجلس التشريعي.

وفي تلك الأيام اشتهر الخطيب (ميرابو). وظهر العلم الفرنسي الذي أضيف إليه اللون الأبيض رمزا لوقوع التراضي بين الملك والأمة ، واللون الأزرق شعار الملك ، والأحمر شعار باريس. وقد قسمت فرنسا في تلك الأيام إلى ٨٣ مقاطعة وبقيت هذه القسمة إلى اليوم. وفيها قرر المجلس التشريعي ضبط أوقاف الكنائس وأموالها على أن تقوم الدولة باحتياج الكهنة ، وأن تعم المساواة بين سائر الطبقات وتلغى الامتيازات القديمة. وذلك كله في سنة ١٧٩١ م / ١٢٠٦ ه‍ فشقت قضية ضبط الأوقاف على البابا وعارض بها ، فقام الاضطهاد على قدم ضد الكهنة ، فهاجر بعضهم وتبعهم عدد كبير من الأشراف وكثر الهرج والمرج ، وكانت النمسا تساعد المهاجرين فأعلنت فرنسا عليها الحرب وقد تطوع فيها مائة ألف فلم يظفروا من النمسا بطائل وأصبح الوطن في خطر.

وفي أواخر تموز سنة ١٧٩١ دخل البروسيون فرنسا وقامت الحرب بين حرس الملك السويسريين وبين الثوار ، وانجلت عن قتل الكثيرين من السويسريين وسجن منهم عدد عظيم ، وحكم المجلس التشريعي على الملك بالحبس ، وقرر أن يعقد اجتماع لتأليف حكومة فرنسية جديدة وأن يفرج عن الملك ، فرفض الثوار هذه المقررات وزجّوا العائلة الملوكية في سجن الهيكل. وكان البروسيون في ذلك الأثناء يتقدمون في فرنسا ، فما كان من الثوار سوى أن هجموا على الكهنة والحرس الملوكي وأحزاب الملك وأعملوا فيهم السيف مدة ثلاثة أيام وكان ذلك في أيلول ١٧٩٢.

وفي ٢٠ من هذا الشهر انتصر القائد الفرنسي (دوموريز) على البروسيين في فلمى ، فهدأت الأفكار قليلا وانعقد مجلس جديد سمي مجلس الاتفاق ، فقرر إلغاء الحكم الملكي في فرنسا وبدأ حكم الجمهورية في ٢٢ أيلول المذكور ، وهي الجمهورية الأولى. وقام

٥٩٢

الجميع على الملك لويس السادس عشر ، اتهموه بالمواطأة مع المهاجرين والنمسويين وأنه هو الذي كان سببا في إراقة الدماء وحكموا عليه بالقتل. وكان ذلك في ٢١ كانون الثاني سنة ١٧٩٣.

ثم اشتد الخلاف بين الجيروندنيين والجبليين ، وقتل عدد كبير من الجيروندنيين واضطربت العاصمة وقامت المدن على بعضها ، وسلمت مدينة طولون إلى الإنكليز ، وزحفت جيوش النمسا على الحدود ، وأريق في المملكة الفرنسية دماء غزيرة. وفي تلك الأثناء قام أحد الأحزاب وأجرى في كنيسة السيدة في باريس احتفالا سماه عيد العقل البشري ، وذلك بغضا بالديانة المسيحية ، وقد جعل تمثال العقل امرأة راقصة. وجرى غير ذلك من الشؤون التي يطول الكلام عليها.

ثم إن المجلس الاتفاقي عقد مع بروسيا وإسبانيا صلحا شريفا في مدينة (بال) وفتحت الكنائس وأعلنت حرية الأديان ، وبدأت النهضة العلمية. وحررت الأوزان والمقاييس والنقود على نسق جديد ، وأعلن القانون الجمهوري ، ثم انحلّ المجلس في ٢٦ تشرين الثاني سنة ١٧٩٥ وقد جعلوا مبدأ تاريخهم حادثة الثورة الكبرى التي كانت سنة ١٧٩٣ وذلك إلغاء لذكر المسيح ، حتى إنهم غيروا أسماء الأشهر. وفي سنة ١٧٩٥ المتقدم ذكرها كان الجيش الفرنسي يحارب جيوش النمسا فحطمها ذلك البطل الشهير نابليون بنابرت وشتت شملها ودوخ بلادها ، حتى بقي بينه وبين عاصمتها مسير ثلاثة أيام ، وذلك في سنة ١٧٩٦.

أخبار نابليون بنابرت :

ولد نابليون في مدينة برينا من جزيرة كورس سنة ١٧٦٩ وكان ضعيف البنية خفيف العارضين تلقى دروسه في مدينة برينا. ولما كسر النمسا تلك الكسرة العظيمة طلب ملك النمسا الصلح واعترف بأن الضفة الشمالية من نهر الرين حق فرنسا. ثم إن نابليون طلب أن يؤذن له بالسير إلى مصر للاستيلاء عليها والسير بعدها إلى الهند ليقاتل إنكلترا في مستعمراتها. فأذن له بذلك وسار إلى مصر واستولى في طريقه على جزيرة مالطة ، ثم استردها منه الإنكليز بعد سنة ، ونزلت عساكر نابليون في ميناء أبي قير وانتصر على فرسان المماليك الأتراك في سهل الأهرام ، ودخل القاهرة وكان الأسطول الفرنسي مرابطا في ميناء أبي قير فقصده الأسطول الإنكليزي وكسره كسرة شنيعة. وحاصرت جيوش نابليون

٥٩٣

عكا ففشلت ، وعاد نابليون إلى فرنسا خفية وأبقى القائد كليبر يدافع عن مصر. فاغتيل في سنة ١٨٠٠ م / ١٢١٥ ه‍ ، وعادت مصر إلى تركيا بعد أن حاربت جيوشها الفرنسيين بمساعدة الإنكليز. وقد استفاد العالم الإفرنسي شامبوليون من دخوله إلى مصر اكتشاف الخط الهيركليفي.

هذا ، وإن المجلس الإداري في فرنسا كان في تلك الأثناء يسيء الإدارة. فلما رجع نابليون انحاز إليه مجلس الخمسمائة بمساعدة أخيه لوسيان رئيس هذا المجلس ، فألغى المجلس الإداري والقانون الذي كان يتبعه وذلك في سنة ١٧٩٩ م / ١٢١٤ ه‍ ، وحصر إدارة الأحكام في ثلاثة قناصل ، هو أولهم. فكانت الإدارة جمهورية اسما ، بونابرتية عسكرية فعلا. وفي سنة ١٨٠١ م / ١٢١٦ ه‍ انتصرت جيوش فرنسا في (هوهن لن دن) واسترجعت فرنسا من إنكلترا جميع مستعمراتها.

وأمضى نابليون مع البابا بيوس السابع الاتفاق المعروف بالكونكرودا ، واهتم بتحسين أحوال الحكومة ، فأحبه الشعب. وفي سنة ١٨٠٤ م / ١٢١٩ ه‍ سمّوه إمبراطور فرنسا ومسحه البابا ، ولكنه هو الذي وضع التاج على رأسه بيده. وفي سنة ١٨٠٥ م / ١٢٢٠ ه‍ حارب النمسا وروسيا فكسرهما. وفي سنة ١٨٠٦ م / ١٢٢١ ه‍ حارب بروسيا واحتل جيشه مدينة برلين. ثم في سنة ١٨٠٧ م / ١٢٢١ ه‍ أعاد الكرّة على روسيا فكسرها ثم تصالح معها. واعتدى نابليون على البابا وأخذ منه رومية واعتقله في سابونه ثم في بلاط فوتنبلو ، فانحرفت عنه طوائف الكاثوليك ، وطرد ملك البرتقال من ليشبونه وضبط أملاكه ، وأكره ملك إسبانيا على الاستقالة وملّك بدله أخاه يوسف بنابرت ملك نابولي ، فقام عليه الإسبان فحاربهم وقهرهم. ثم أسرع إلى نهر الدانوب وحارب النمسا وقهرها. وفي سنة ١١٨١ م / ١٢٢٦ ه‍ بلغ سلطانه الغاية القصوى وأصبحت فرنسا تعدّ ١٣٣ مقاطعة بدل ٨٤.

وفي سنة ١٨١٢ م / ١٢٢٧ ه‍ مشى على روسيا بجيش لا يقل عن أربعمائة ألف مقاتل ، فانسحب الروس من أمامه وجرّوه إلى مدينة (موسكو) وكانوا أحرقوا جميع البلاد التي تركوها وراءهم. ومع هذا فقد كسرهم كسرة شنيعة. غير أن البرد والجوع لم يبقيا من جيشه سوى ١٥٠ ألفا. فرجع إلى بلاده وفي أثناء رجوعه عارضته معركة

٥٩٤

أمام نهر البيريزنا ، فهلك جيشه ولم يبق منه سوى ألف وخمسمائة جندي. فلما سمعت أوربا بانكساره تألبت ملوكها عليه وحاربوه في (ليبزيك) فكسروه واحتلوا باريس. فهرب إلى فوتنبلو وتمكن حزب الملكية من إجلاس لويس الثامن عشر على كرسي الملك ، وذلك في سنة ١٧١٤ م / ١٢٣٠ ه‍ وفي ٢٠ آذار هذه السنة رجع نابليون إلى باريس فانسحب لويس الثامن إلى (كان). وبعد مائة يوم من رجوعه مشت عليه جيوش إنكلترة وروسيا ، فكسروا جيوشه وعاد إلى باريس وقدّم استقالته فرجع الملك لويس إلى عرشه.

وأما نابليون الأول فإنه سلم نفسه إلى إنكلترا تخوفا من الشعب ، فنفته إنكلترا إلى جزيرة القديسة هيلانة ، فبقي فيها نحو خمس سنوات في ضنك شديد. وفي ٥ أيار سنة ١٨٢١ م / ١٢٣٧ ه‍ قضى نحبه وأوصى أن يكون قبره على ضفة السين. وهو معدود بين أشهر مشاهير أبطال المسكونة ، وكان عدوا للحرية مضطهدا للدين ، ضرّ فرنسا أكثر مما نفعها.

ثم إن وزراء الملك لويس الثامن عشر عملوا على الانتقام من أحزاب الجمهورية وأحزاب نابليون بنابرت وفتكوا بهم ، وقتلوا في مرسيليا عددا كبيرا من المماليك الذين كان نابليون أحضرهم معه من مصر ، وسمي عمل أولئك الوزراء طور الهول الأبيض.

في سنة ١٨٢٤ م / ١٢٤٠ ه‍ مات الملك لويس الثامن عشر وخلفه أخوه كرلس العاشر. وفي أيامه في سنة ١٨٢٧ م / ١٢٤٣ ه‍ انتصر اليونانيون على العثمانيين بمساعدة فرنسا فنالوا استقلالهم. وفي سنة ١٨٣٠ م / ١٢٤٦ ه‍ ثار حزب الجمهورية فاستقال الملك وخلفه لويس فيلبوس الأول. وفي أيامه استولت فرنسا على بلاد الجزائر بعد حرب طويلة انتهت بخضوع الأمير عبد القادر. وكان هذا الملك محبا للعدل والعلم. وفي سنة ١٨٤٨ م / ١٢٦٥ ه‍ ثار حزب الجمهورية وخلع الملك وأعلنت الجمهورية التي تدعى الجمهورية الثانية ، وانتخب الأمير لويس نابليون ـ ابن أخي الإمبراطور ـ رئيسا للجمهورية بتصويت خمسة ملايين و ٤٠٠ ألف ضد مليون و ٤٠٠ ألف.

وفي سنة ١٨٥٢ م / ١٢٦٩ ه‍ أعلن الرئيس إمبراطوريته على فرنسا وملك ١٨ سنة ، وكان عالي الهمة واستفادت فرنسا من وجوده. وفي أيامه اتحدت فرنسا وإنكلترا وساعدتا تركيا في إخراج روسيا من مدينة سباستبول وذلك في ٨ أيلول سنة ١٨٥٦ م / ١٢٧٣ ه‍.

٥٩٥

وفيها تقررت حماية مسيحيّي تركيا على فرنسة ، ومنعت روسيا من أن يكون لها أسطول في البحر الأسود. وفي سنة ١٨٥٩ م / ١٢٧٦ ه‍ استولت فرنسة على مدينة (نيس) ومقاطعة (البابوا) من النمسا بعد حرب طاحنة. وربحت أيضا من إمبراطورية أنان في الصين مقاطعة كوشاشين الست التي صارت بعد مستعمرة لها ، وبسطت حمايتها على بلاد كامبورج في جهات الصين.

وفي سنة ١٨٦٠ م / ١٢٧٧ ه‍ استعمرت فرانسة كاليدونيا الجديدة في بلاد أوقيانيا. وفيها وصلت جيوشها إلى سوريا على أثر اضطرابات حدثت فيها ، فوسّعت نفوذها الإفرنسي. وفيها أقامت فرنسة الحرب في بلاد المكسيك من إمريكا متفقة مع إسبانيا وإنكلترة ، فلم تجدهم هذه الحرب نفعا. وفيها قاومت فرنسة روسيا التي أرادت أن تملّك ابن عم ملكها على بلاد إسبانيا. وفيها كان الوزير الألماني بسمارك يرمي إلى توحيد الممالك الألمانية تحت سيطرة بروسيا ، وإلى نزع بلاد الألزاس واللورين من يد فرنسا. وحينئذ اشتد النزاع بين الدولتين وكانت النتيجة إعلان الحرب المعروفة بحرب السبعين.

أسباب هذه الحرب :

أعظم أسباب هذه الحرب اتساع مملكة بروسيا وعزمها على أخذ بلاد الألزاس واللورين ، وقوة نفوذها في أوروبا ، وإصرار الإمبراطور غليوم الأول على ترشيح ابن عمه الأمير (ليوبلدي هوهنزلرن) إلى عرش إسبانيا ، وإصرار وزير ألمانيا الأمير بسمارك على محاربة فرنسا. ولما بدأت المفاوضة بين فرنسا وألمانيا ـ بقضية ترشيح الأمير المذكور إلى عرش إسبانيا ـ منع بسمارك سفير فرنسا عن مواجهة الإمبراطور غليوم. فعظم هذا الأمر على الفرنسيين وقاموا وقعدوا من أجله ، ثم أعلنوا الحرب على ألمانيا فكان الفشل حليف الجيوش الفرنسية في بلاد الألزاس واللورين. وزحف الألمان على مدينة سوسدان وحصروها وكان الإمبراطور نابليون فيها فوقع هو وجيشه أسراء في قبضة الألمان ، وقامت الثورة في باريس.

وفي ٤ أيلول سنة ١٨٧٠ م / ١٢٨٧ ه‍ خلع الإمبراطور وأعلنت هيئة حكومة وقتية سميت حكومة الدفاع الوطني ، فجهزت الجيوش إلى جميع الجهات فكسرتها الجيوش البروسية لأنها كان أحسن انتظاما. ثم اتحد البروسيون مع باقي البلاد الألمانية وزحفت

٥٩٦

جيوشهم على باريس ودخلوا إليها بعد حصار أربعة أشهر ونصف. وفي باريس أعلن غليوم الأول نفسه إمبراطورا على سائر البلاد الألمانية المتحدة. وكان ذلك في ٢٨ كانون الثاني سنة ١٨٧١ م / ١٢٨٨ ه‍ ، وأبرمت معاهدة الصلح في مدينة فرانكفور في شهر أيار من هذه السنة وغرمت فرنسة خمسة مليارات على أن تسلّم مقاطعة الألزاس ، سوى مدينة بلفور وما جاورها ، وسوى ثلث مقاطعة اللورين التي تضم من السكان مليونا ونصفا.

وفي سنة ١٨٧٥ م / ١٢٩٢ ه‍ اجتمع المجلس الفرنسي الدولي في مدينة بوردو ثم في فرسايل ، وسن قانون الجمهورية الحالي ، فثار الحزب الاشتراكي في باريس فنكلت به الحكومة.

أسماء رؤساء الجمهورية مرتبة على السنين

السنة

١٨٧١

المسيو تيرس

١٨٧٣

المارشال ماكماهون

١٨٧٩

الموسيو جول كيريني

١٨٨٧

الموسيو سادي كرنو

١٨٩٤

كازيمير بيري

١٨٩٥

فيلكس فور

١٨٩٩

إميل لوبه

١٩٠٦

أرمان فالير

١٩١٣

ريمون بونكاري

١٩٢٠

بول دي شانيل

١٩٢٠

الكساندر ميلران

أهم ما كان من الشؤون في مدة هؤلاء الرؤساء :

أهم الشؤون التي كانت في مدة هؤلاء الرؤساء هي : الاتحاد الفرنسي الروسي ، وسن قانون التعليم الابتدائي المجاني الإجباري ، ونقض معاهدة الكونكرده التي كان عقدها نابليون

٥٩٧

الأول بين فرنسا والبابا ، واستيلاء فرنسا على مستعمرات في أفريقيا وآسيا ، فاستولت على تونس سنة ١٨٨٠ م / ١٢٩٨ ه‍ وعلى مراكش سنة ١٩٠٧ م / ١٣١٥ ه‍ وعلى بلاد سنيكاك والكونغو ومدغسكر في أفريقيا والهندوشين الفرنسية وطوكين وأنام في آسيا سنة ١٩١٠ م / ١٣٢٨ ه‍. وتحسنت العلاقات بين فرنسا وإنكلترة سنة ١٨٩٨ وفي سنة ١٩٠٤ م / ١٣٢٢ ه‍ قصدت التقوّي على ألمانيا المنتصرة في حرب السبعين.

نوابغ الرجال في مدة هؤلاء الرؤساء :

نوابغ الفرنسيين الذين اشتهروا في مدة هؤلاء الرؤساء من الشعراء : ويكتور هوغو. ومن المؤلفين والممثلين : ألكسندر دوماس ، وإميل أوجيه. ومن الروائيين : كوستاف فلوبر ، وألفونس دودي. ومن المصورين : كوربه ، وكوره ، وهيبرو ، وميه ، وشافان. ومن النقاشين : كربو ، وفلكير. ومن المهندسين : كارنيه. ومن الموسيقيين : كونو. والكيماويين والأطباء : كلود برنار ، ودي شوفرل ، وبستور ، وبرتلو.

حالة فرنسا قبل الحرب العالمية :

كانت فرنسا قبل هذه الحرب أغنى جميع الدول ؛ بما كان عندها من الذهب. وكانت على غاية النجاح في صناعتها وتجارتها الخارجية بحيث زادت مداخيلها على عشرة مليارات. إلا أنها مع ذلك كله كانت قليلة المواليد ، إذ لم تزد مواليدها منذ سنة ١٨٧١ م / ١٢٨٨ ه‍ حتى أول الحرب على ثلاثة ملايين ، بينما زادت مواليد ألمانيا في هذه المدة على خمسة وعشرين مليونا.

الحرب العالمية العامة وأسبابها :

لهذه الحرب أسباب أهمها تضخم مملكة ألمانيا وطمعها بالاستيلاء على العالم ووعدها في سنة ١٩٠٥ م / ١٣٢٣ ه‍ حكومة مراكش بالمساعدة على فرنسا ، وطلبها سنة ١٩٠٦ من فرنسا أن تتخلى عن حقوقها في تلك البلاد ، ومحاولتها في مؤتمر الجزيرة المنعقد سنة ١٩٠٧ بأن تخرج فرنسا من مراكش ، ومساعدتها سنة ١٩٠٨ النمسا على اغتصاب البوسنة وهرسك ، ونقضها معاهدة برلين وتحرشها سنة ١٩١٠ م / ١٣٢٨ ه‍ بالفرقة التونسية وتعديها عليها ، وإرسالها سنة ١٩١١ إلى فرنسا إنذارا ثانيا ، وأسطولا إلى أغادير محتجة

٥٩٨

عليها بهجوم جيشها على مدينة فاس.

ومن تلك الأسباب أيضا أن ألمانيا اتفقت سنة ١٩١٢ م / ١٣٣١ ه‍ مع بعض الوزراء الخونة في فرنسا على أن تأخذ ألمانيا مائتي ألف كيلومتر من الأراضي الفرنسية في الكونغو. ثم في سنة ١٩١٣ قصدت ألمانيا تقسيم المستعمرات البريطانية وزادت عدد عساكرها إلى ٩٠٠ ألف في وقت السلم ، وحينئذ اضطر باقي الدول إلى أن يكونوا على أهبة الاستعداد وأن تحذو حذوها.

وكانت دولة النمسا في سنة ١٩٠٨ قد طمعت بأن تستولي على ممالك البلقان واغتصاب بلاد بوسنه وهرسك. وفي سنة ١٩١٢ احتجت النمسا على زحف جيوش سربيا المتحدة مع اليونان والبلغار على بلاد تركيا. وفي سنة ١٩١٣ م / ١٣٣٢ ه‍ بينما كان ولي العهد الأرشيدوق فرنسيس فردينان يزور ممالك السلاف ـ التي كان اغتصبها وألحقها بدولته ـ إذ فاجأه الاغتيال فقتل. وكانت هذه الحادثة سببا ظاهريا للحرب العالمية الساحقة.

رجال العلم في فرنسا :

من رجال القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر : كرتيزيوس وولتير الشهير في الفلسفة العصرية ، ولا بروويير المعروف بالفلسفة الأدبية. ودي مولان ، ودي لابيتال في علم الحقوق. ومابيون الراهب البندكتيان ، وأفلوري وبرجيه وكينه وغيرهم في التاريخ. وبسويت المنفرد في الخطابة ، وماليرب ، وكونيل ، وراسين في الشعر. ولا بواري الكيماوي الشهير ، وبوفون في علم النبات والحيوان. ومن رجال القرن التاسع عشر : توبريان في التاريخ ، ودي ميستر في الفلسفة ، وكوفيه بفن الجيولوجيا (فن طبقات الأرض) وأمبير في العلوم الرياضية ، وكوشي في الهندسة ، ودوما وباستور الشهير مكتشف الميكروب وداء الجرب ، وترديلون المتشرع. وغيرهم من الخطباء والشعراء والفلاسفة والصحافيين الذين يضيق المقام بعدهم.

انتهى الكلام على التاريخ الفرنسي.

٥٩٩

[جدول في بيان الأعمال العمرانية

التي تجدّدت في حلب وأعمالها](١)

وهذا جدول في بيان الأعمال العمرانية التي تجددت في حلب وأعمالها ، بعد أن دخلت إليها الحكومة الفرنسية المنتدبة على سوريا. أخذنا هذا الجدول من دائرة مصلحة النافعة (٢) بواسطة وجيه بك الجابري رئيس مهندسي النافعة :

(١) طريق معبدة مفروشة بالرّضاض (٣) ، مدحرجة بالدّحروجة ، أولها من محلة السليمانية بحلب وآخرها مقبرة المسيحيين والفرنسيين الحديثة ، طولها نحو ١٥٠٠ متر وعرضها عشرون مترا.

(٢) جسر على هذا الطريق مرفوع على نهر قويق ، عرضه عشرة أمتار ، قواعده بناء بالحجارة وظهره من الحديد والخشب.

(٣) طريق محطة قرية المسلمية ، طوله خمسة آلاف متر ، أوله في شمالي قرية حيلان من طريق البيرة (بيره جك) الأصلي ، ثم يأخذ غربا إلى المحطة المذكورة.

(٤) طريق معبدة ، أولها قرب نهر الفيض في محلة الجميلية بحلب ، آخذا إلى حارم وأنطاكية ، مارا على قرية منيان وخان العسل وأورم الكبرى وأورم الصغرى والأثارب وعين دلفي والبركة ودير الرهبان. وهناك يخرج منه فرع يمتد إلى مدينة حارم ، ثم يأخذ الطريق الأصلي إلى جسر الحديد ثم إلى أنطاكية. وقد تم انتظام هذا الطريق إلى حارم. والهمة مبذولة بإتمامه إلى أنطاكية.

__________________

(١) هذا العنوان إضافة من عندنا للتوضيح.

(٢) تسمى اليوم «مديرية الأشغال العامة».

(٣) الرّضاض : الحجارة الصغيرة التي رضّت ودقّت. والدحروجة : يريد بها الآلة الثقيلة المسماة عند العامة بالمدحلة.

٦٠٠