نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٨

التي يطول شرحها ومقاطعة أراضي مقر الأنبياء وقد شهدوا بأن غلته تصرف لجماعة بأيديهم براءات من أهل العلم والقرآن وغيرهما وهم سبعة نفر من العلماء الشافعية ورجل فاضل حنفي ورجلان مالكي وحنبلي يدرسون في الجامع في الأوقات المعتادة وواحد وعشرون محدثا وأربعة عشر قارئا وثمانية قراء يقرون بالدور المعتاد وخمسة عشر مؤذنا وغير ذلك من الخدمة والموقتين والمبخرين وثلاثة جباة وأربعة كتاب يكتبون الدخل والخرج ومعماران ومتول وناظر وخطيب والقاضي الناظر وسبعة أئمة واحد أصيل والباقي فروعه. أما مطاهر الجامع فهي أربع :

الأولى : محلها الصف الغربي من سوق المسامرية غربي الجامع وجنوبي الحلاوية على مقربة منها وقد ذكرها ابن شداد في الكلام على تقسيم قناة حلب كما ألمعنا إليه هناك وهي مطهرة الجامع الأصلية وكانت أشرفت على الخراب واتفق أن محمد باشا المعروف بالنيشانجي عمر بالقرب منها خانا فأدخلها في بناء الخان وعمر عوضها المطهرة الحالية : مكتوب فوق نجف بابها (جدد هذا المكان صاحب الخيرات محمد باشا نشانجي بمعرفة فرهاد جاويش سنة ١٠٠٣) والمشهور أن لها نحو ثلاث دكاكين موقوفة عليها وكانت تجبى مع وقف الجامع ثم لما وضعت الحكومة يدها على وقف الجامع بقيت الدكاكين المذكورة في يد بعض الناس يجبيها ويصرف الحكومة يدها على وقف الجامع بقيت الدكاكين المذكورة في يد بعض الناس يجبيها ويصرف غلتها عليها ويدخل إلى هذه المطهرة من دهليز ذو ثنيتين طول الأولى ١٠ ع وعرضها ١ ع و ٨ ط وطول الثانية ٨ ع و ١٢ ط وعرضها ٢ ع وصحنها مربع يبلغ أحد عشر ذراعا في مثلها ويدخل في هذه المسافة مساحة الأخلية والمغطس الكائن في شماليها ويشتمل صحنها على حوض مغطى يؤخذ ماؤه بواسطة مباذل وسقفها قبة عالية.

الثانية : هي الكائنة في الباب الشمالي للجامع وهي التي أنشأها (سيياي بن عبد الله الجركسي) كافل حلب في حدود التسعمائة وكان غرضه من إنشائها أن ينتفع بها أيضا من بات في الجامع وهي تشتمل على بضعة عشر خلاء في آخر جهتها الشرقية قسطل مستور يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل في أسفله وبابها في الدهليز الخارجي للباب الشمالي المذكور وسقفها قبة والنفقة عليها من وقف الجامع وهي أعمر مطهراته وكان لها باب يفتح إلى الرواق الشمالي المتجه إلى الجنوب في الجامع كما أشرنا إليه في الكلام على هذا الرواق وقد سد منذ عهد قديم.

٢٠١

الثالثة : في الصف الشمالي الموجه قبلة من سوق الطيبيه وهي مطهرة عظيمة سقفها قبة متهدمة وفي وسطها حوض مغلق يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل ينفق عليها من غلة دكان بقربها ويقال إنها من آثار أزدمر صاحب خان الصابون.

الرابعة : في أوائل سوق العطارين على يسرة الداخل إليه من جنوبيه مكتوب على بابها (جدده الفقير إليه تعالى مجد الدين الحنفي بتاريخ ربيع الأول سنة ٨٩٠ وهي مطهرة كبيرة لها حق من ماء القناة وفيها مغطس وسقفها قبو مكشوف وسطه وكانت عطلت وأغلق بابها منذ ثلاثين سنة لأنبعاث الروائح الكريهة منها ثم في سنة ١٣٢٥ أهتم رجل من التجار المحسنين بتحويلها إلى مسجد فصرف عليها مبلغا وجعلها مسجدا تصلى فيه السرية والمشهور أن لها ثلاث دكاكين في سوق الضرب وهي مربعة الشكل تبلغ عشرة أذرع في مثلها.

تنبيه : في هذه السنة وهي سنة ١٣٤١ سعى مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي بإحداث سبيل في جانب باب الجامع في رأس الرواق المتجه إلى الشرق يرفع إليه الماء بواسطة مضخة من قسطل وراء حائط الجامع تجاه باب المدرسة الحلوية يجري فيه ماء عين التل وهو سبيل جميل المنظر بديع الصنعة يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل تصب في كؤوس جميلة نظيفة.

المدرسة الشرقية

الشافعية أنشأها الشيخ الإمام شرف الدين أبو طالب (عبد الرحمن العجمي) وزوجته وأقاربه وصرف على عمارتها ما ينيف عن أربع مائة ألف كذا قال ابن شداد وكان بشماليها قبل فتنة تيمور صندوق من الخشب يسع مكاكيك (١) من الحنطة ، ذكر أقارب واقفها أنه أنفق ملئه دراهم برسم مؤنة الخضر لطعام الفقراء قال الذهبي في هذه المدرسة : هي حسنة مليحة غاية بالارتفاع وحسن البناء والصنعة وبوابتها لم ينسج على مثالها وإيوانها فرد في بابه ومحرابها غاية في الجودة ورخام أرضها محكم وبركتها من أعاجيب الدنيا عشرة أحجار مركبة في بعضها تركيبا غريبا وعمقها قامة وبسطة وكان يأتي إليها الماء في زمن واقفها من دولاب تجاه باب المدرسة الكبير وصنع لها واقفها سربا لأجل الخلاء من المدرسة إلى

__________________

(١) مكيال كانت الحنطة تكال به. والمفرد : مكّون.

٢٠٢

خارج البلدة لا يشاركه أحد فيه وهي مبنية بالحجارة الهرقلية واسم معلم بنائها مكتوب على محرابها وهو (أبو بكر النصيفه).

واسم النحات مكتوب على بابها واسمه أبو الثناء بن ياقوت وصنع لها طرازا على حائطها الأعظم ليكتب عليه ما أراد وكذلك على إيوانها فلم يتفق ذلك لأن واقفها اخترمته المنية ولم يكملها وكانت مدة عمارتها أربعين سنة وكان بها ثلاثة أدوار من الخلاوي المحكمة البناء والأبواب والخزاين وبها بأعلى الإيوان مع أعلى حاصلها المعروف بالمغارة قاعة مليحة للمدرس ولهذه القاعة باب للإيوان وآخر لصحن المدرسة وبصدر هذا الإيوان بادهنج (١) له ثلاثة أبواب وفيها بئران وصهريجان وعلى بئر منها قنطرة من الحديد عجيبة الصنعة كتب عليها (وقف هذه القنطرة واقف هذه المدرسة عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن العجمي على مصالح الجب في شهر ربيع الأول سنة ٦٤٠ واسم صانعها علي بن أبي بكر بن مسلم وعليها خط بالكوفي لم أتمكن من قراءته. وإلى جانب هذه المدرسة تربة الواقف دفن فيها بوصيته ولها وقف على حدته وإلى جانب قبلية هذه المدرسة مسجد قديم عمره الواقف وفتح له بابا آخر إلى قبلية مدرسته.

وإلى جانب هذا المسجد بيت كان إصطبلا للعجول التي كانت تجر الحجارة إلى المدرسة وكان الواقف إذا عاقه في طريق العجول بناء اشتراه من أهله وهدمه وكان تخشيب هذه المدرسة كالأبواب وغيرها من عجائب صنعة التبخير وقد وقف واقفها على مدرسته كتبا نفيسة من كل فن ووقف لها أوقافا عظيمة من جملتها القرشية في طريق مسكنة وحصة من قرية دادحين وشرط أن لا يتعرض لناظرها وإن اعترض أحد عليه يغلق بابها ويعود وقفها لأهله وقد شرط لها مؤذنين على بابها وشرط لهم حصة من قرية حريبل وكان لها باب من جنوبيها إلى بيوت الخطيب هاشم وقد درس بها العلماء ورحل إليها للأخذ عنهم الحفاظ المشهورون كشيخ الإسلام ابن حجر وشمس الدين ابن ناصر الدين. قلت هذه المدرسة الآن مشرفة على الخراب قد عمر في مكان إيوانها مكتب للأطفال من وقف أحمد موتياب باشا كما ألمعنا إلى ذلك في الكلام على معارف حلب ولم يبق بها سوى المسجد المتقدم ذكره والقبلية بجانبه وهي متشعثة البناء وأما بركتها فلم تزل موجودة إلا أنها مختلفة الوضع عديمة

__________________

(١) بادهنج وصحيحها باذاهنج وهي كلمة فارسية مكونة من قطعتين «باذ» بمعنى سحاب و «أهنج» بمعنى الهواء ، وهي عبارة عن نافذة للتهوية.

٢٠٣

النفع خالية من الماء والدولاب الذي كان يؤخذ منه الماء إلى هذه البركة قد جهل محله ودخل في خان تجاهها لبعض التجار ولم يزل يوجد فيها بعض خلاو يسكنها الفقراء وقنطرة الحديد على بئرها سرقت من عهد غير بعيد ومطهرتها مائلة للخراب قال ابن شداد وإذا تذكرت ما كانت عليه هذه المدرسة من كثرة الفضلاء وتردادهم إليها للعلوم والفنون وما هي عليه الآن تذكرت قول الشاعر :

هذي منازل قوم قد عهدتهم

في ظل عيش رغيد ماله خطر

صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا

إلى القبور فلا عين ولا أثر

وقد عزم مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي على أن يقتطع من جهتها المتجهة إلى الغرب وجهتها الأخرى المتجهة إلى الشمال قطعة يبني عليها مخازن وحوانيت ذات أجرة وافرة. وفقه الله لذلك وجزاه خيرا.

الخانقاه الزينية

محلها في رأس زقاق الفرن وكان يعرف هذا الزقاق بدرب السيد حمزة أنشأها (مظفر الدين كوكبوري) المتوفي سنة ٦٣٠ وفي سنة ٧٩٦ وقف عليها الزيني عمر عدة مزارع وكانت هذه الخانقاه معمورة مشهورة جدا أما الآن فقد استولى الجيران عليها وركبوا ظهرها وأغلق بابها وكادت تكون مجهولة العين.

زاوية بيت الكيالي

هي الآن زاوية عامرة وللناس اعتقاد حسن بمن دفن فيها فيقصدونها للاستشفاء من الأدواء وينذرون لها النذور. وهي سماوي يبلغ خمسة عشر ذراعا في مثلها تقريبا في غربيه قبور أساتذة الطريق من هذا البيت وفي جنوبيه إيوان بجانبه حجرتان وفي شرقي شماليه قبلية معدة للصلاة وإقامة الذكر. وفي جنوبي القبلية حجرة فيها ضريح (عبد الجواد بن أحمد الكيالي) واقف القبلية. ثم جاء ولده الشيخ علي فضم إليها بقية الزاوية سنة ١٢٠٢ : مكتوب على بابها بعد البسملة :

ضريح أبي الجود الرفاعيّ نسبة

عبيد الجواد القطب فرد زمانه

٢٠٤

هو السيد الكيال دونك رمسه

أضاء على الشهباء وقت بيانه

وليّ كبير نسل آل محمد

ينال به ذو الخوف كل أمانه

لقد أظهر القبر المقدس نجله

على له المقدار أكرم بشأنه

يدوم له الاقدام والسعد والهنا

عطاء من المولى بجود امتنانه

فبشراه إذ تم البناء مؤرخا

يطيب لذكر الله حال مكانه

ومكتوب على شباك خلوة الضريح مما يلي صحن الزاوية :

جدث عليه مهابة ووقار

وجلالة تغشى لها الأبصار

إذ كان روضة سيد لجماله

بمقامه تتلألأ الأنوار

كم من كرامات له قد شوهدت

للناظرين وكم بدت أنوار

سبيل الجزماتي

محله في رأس البوابة المنسوبة إليه أنشأه (أحمد بن خليل الخباز التونسي) المعروف بالجزماتي سنة ١١٨٦ وقد وقف عليه خمس دكاكين بسوق البوادقجية قرب الجامع الكبير وواحدة قرب دار الوكالة داخل باب الجنان وواحدة بزابوق سوق البالستان و ٢ في سوق الصياغ قرب الجامع الكبير و ٢ في سوق العقادين قرب الجامع الكبير و ٤ بسوق القوافين و ٢ بالسوق المذكور و ٢ بسوق داخل باب النصر و ١ بسوق المراياتية داخل باب الحديد و ١ بسوق بحسيتا و ١ بسوق البياضة و ٢ بسوق زقاق المنزول في البياضة و ٢ بسوق السويقة قرب قهوة نور العين و ١ بسوق داخل باب النصر قرب الخندق و ٢ بسوق خارج باب بانقوسا قرب قسطل الجاويش فالجملة ٢٩ دكانا.

شروطه

شرط أن يصرف كل يوم من الأقجيات (١) ٣٠ لعشرة قراء كل واحد منهم يقرأ جزءا في سبيله المذكور و ٤٠ تدفع عن أحكار الدكاكين المذكورة و ٣ إلى نقطجي على القراء وعليه أن يقرأ كل يوم جمعة سورة الكهف في سبيله و ٣ لرجل يقرأ فيه الدلائل في يوم

__________________

(١) مفردها آقجه وهي لفظ تركي وتعني عملة فضية صغيرة سكت في عهد اورخان بن عثمان.

٢٠٥

الجمعة و ١٢ لخادمه ومحافظ أدواته و ٥ للجابي و ٣٠ لشعال قناديل السبيل و ٣ قيمة زيت له و ٣ لتصليح الطاسات والزناجير (١) والسطل و ٣ لبقية لوازمه و ٨ للمتولي وما فضل بعد ذلك فإلى أولاده ومن بعدهم فإلى عتقائه الذكور ثم الاناث ثم الحرمين.

بقية آثار هذه المحلة

زاوية في زقاق فرن جقجوقة في شمالي صفة يقال لها الجعفرية نسبة إلى حمزة الجعفري أنشأها سنة ٧٩٦ كما يفهم من الحجر الكائن فوق شباكها مما يلي الجادة وكان هذا الشباك هو الباب وهي الآن عبارة عن صحن يبلغ عشرة أذرع في مثلها في جنوبيه إيوان في صدره محراب ليس إلا ، مدرسة تعرف بالأرغونية على يمين السالك بعد أن يجتاز سبيل الجزماتي في الجادة الآخذة إلى سوق هذه المحلة الكائن في شمالي الجامع الكبير ولهذه المدرسة باب عظيم إلا أنها ليست بذات بال قد اشتملت على مخدعين يسكنهما بعض الفقراء وعلى قبلية في غربيها متهدمة وفي هذه السنة وهي سنة ١٣٤١ هدما هذه المدرسة عن آخرها وبني في محلها حوانيت عظيمة وبني فوقها شبه مدرسة وذلك بسعي مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي ، مدرسة تجاه زاوية بيت الكيال متهدمة مغلقة الباب لم يشتهر لها في أيامنا اسم يسكنها بعض الفقراء ، مسجد في رأس زقاق الزهراوي الجنوبي ، مسجد في زقاق الزهراوي من آثار بني زهير تعلم فيه الأطفال ، دار الحديث تجاه مسجد البكفالوني بميلة إلى الغرب أنشأها المتولي على وقف (أحمد موتياب باشا) الجندي سنة ١٣١١ بدل دار الحديث التي شرطها في كتاب وقفه وقد كتب على بابها :

أعد لأحمد الجندي أجرا

عطاء الله مولانا المغيث

فقد رفعت بشرط منه دار

مشيدة بإنشاء حديث

فبادر إن ترم فوزا وأرخ

مقاما طيبه نشر الحديث

سبيل قسطل محله في الصف الشمالي شرقي القهوة الكائنة في السوق الكائن في شمالي الجامع الكبير ، وسبيل قسطل في زقاق الفرن ، وسبيل قسطل تجاه سبيل الجزماتي من غربيه داخل في وقفه ، وسبيل قسطل في فم زقاق الزهراوي.

__________________

(١) جمع زنجير وهي السلسلة ، فارسية ، يسميها العامة جنزير.

٢٠٦

تنبيه : لفقراء هذه المحلة وقف وقفه كور وزير المتوفى سنة ١١٥٥ وهو فرن جقجوقة ودار في شماليه ودار في بوابة النقلى ودكان في أواخر سوق الصابون ودكان تجاه الواساني شرقي فندق خان الصابون المعروف بالأوتيل وأخرى في شرقيها على جادة السوق وفي المحلة غير ذلك من الآثار الدينية والعلمية المعطلة التي استولى الناس عليها ودخلت في دورهم.

مكتب للأيتام من إنشاء الشيخ شرف الدين (عبد الرحمن العجمي) صاحب المدرسة الشرفية المتقدم ذكرها وكان محل هذا المكتب تجاه باب المدرسة والآن صار في محله دار مملوكة ، وفيها بيمارستان على باب الجامع الكبير الشمالي وينسب لابن خرخاز ولما تعطل صار يجلس فيه الكحالون فعرف بدار الكحالة وهو من آثار دولة الأتراك وهو الآن محل يسكنه إمام الأحناف في الأموي ولم يبق فيه سوى ثلاث مخادع صغيرة لا يعبأ بها ومنها المدرسة الرواحية كانت مدرسة مشهورة شافعية أنشأها زكي الدين أبو القاسم هبة الله ابن عبد الواحد بن رواحة الحموي سنة ٦٢٢ وشرط أن لا يتولاها حاكم ولا متصرف وأن يكون مدرسها عالما بالخلاف العالي والنازل وقد تولاها فحول العلماء والأفاضل إلى أن انهدمت في حادثة تمرلنك ثم رممت ثم استولى عليها الناس وأدخلوها في دورهم وهي قرب المدرسة الشرفية من شماليها بينهما الطريق وكان وقفها حصة من تل عرن من عمل الجبول قدرها ١٤ فدانا وأخرى من قرية تفيحين وأخرى من قرية مشقانين وكان في قرب المدرسة الرواحية خانقاه تعرف بالشمسية جهل الآن محلها : والأسر الشهيرة في هذه المحلة أسرة آل الجمالي وأسرة الخانجي وكانتا من الأسر العلمية التجارية وأسرة آل الميسر وأسرة آل السباعي وأسرة آل الجزماتي من التجار وأسرة آل الكيالي وفيها العلماء والأدباء وأولو الوجاهة وسنتكلم على بعض هذه الأسر في مقدمة باب التراجم. اه. الكلام على هذه المحلة.

٢٠٧

محلة الكلاسة (خ)

عدد بيوتها ٣٥٣

يحدها قبلة وغرباً الفلاة وشرقا مقبرة الكليماتي المعروفة بالكليباتي وهو كليب العابد وشمالاً بالبساتين وحارة جسر السلاحف المعروفة بالوارقة. عدد سكانها :

الذکور

الإناث

المجموع

الأقوام

١٥٨٢

١٨٣٩

٣٤٢١

كلهم مسلمون

 وقد تجدد في جنوبيها منازل كثيرة لم تدخل في عدد بيوتها وهي محلة جيدة الهواء ماء آبارها قليل الملوحة يستعمل ويشرب حين فقد الماء العذب عمقها أربعة أبواع وماؤها العذب الجاري يأتي إليها في قناة رأسها تجاه الكتاب وبستان إبراهيم آغا. وقد تقدم الكلام عليها في الكلام على قناة حلب. وسميت هذه المحلة بالكل اسة لأن فيها أتانين الكلس وهي تبلغ اثني عشر أتونا وأكثر سكانها يعانون حرفة الكلس وقطع الحجارة من مقاطعها ونحتها وبناءها وكانت أتانين الكلس قبل القرن السابع في شمالي حلب قرب مقابر اليهود وكان اسم هذه المحلة قبل القرن المذكور الحاضر السليماني وكان فيها قصر بناه سليمان بن عبد الملك في أيام ولايته وقد تأنق في بنايته وزخرفه وإليه صار ينسب هذا الحاضر وكان قبل ذلك يعرف بحاضر كلب يجمع أصنافا من العرب من تنوخ وغيرهم وكان فيه بعد أن فتح المسلمون حلب مائة وعشرة مساجد. ذكر ذلك ابن العديم قال : وكان لها وال مستقل وفيها عدة أسواق.

آثارها

جامع الشيخ عبد الرحيم المصري أنشأه الحاج أبو بكر المصري سنة ٨٥٩ وجدد فيه حفيدة عبد الرحيم بعض جهات فنسب إليه وهو جامع معمور بالشعائر وله من الأوقاف

٢٠٨

ما يقوم بلوازمه وفي سنة ١٢٧٤ اشترى الشيخ محمد خير الدين ابن الشيخ (أحمد الهبراوي) دارا وسع ببعضها صحن الجامع وأنشأ ببقيتها تكية غربي جنوبيه باتصال قبليته وأعدها لإقامة أذكار خلفاء الأسرة الهبراوية المتصدين للإرشاد في هذا الجامع الجاري تحت توليتهم وقد وقف الحاج خليفة بن محمد ابن الحاج محمود المعروف بابن الجربان من أهل محلة الكلاسة بستانا وكرما في أرض الأنصاري سنة ١١٣١ ويعرف بوقف بيت صهريج شرطه بعد انقراض ذريته للجامع المذكور وللقسطل الآتي ذكره في آخر الكلام على هذه المحلة.

بقية آثارها

مسجد الشيخ حسن الراعي مستعمل زاوية لأحد خلفاء الأسرة الهبراوية وجدد فيه أحدهم سنة ١٣١١ إيوانا جميلا ، ومسجد الشيخ شهاب الدين تجاه البوابة الصغيرة على الجادة الكبرى أنشئ في القرن التاسع وفيه مزار لبعض أهل الله ، ومسجد الزقاق العالي أنشئ جديدا وتربة الشيخ صانط ، ومسجد أبي الرجاء في المقبرة جنوبي المحلة وهو صحن صغير في جنوبيه قبلية وفي شرقيها حجرة فيها مدفن الشيخ أبي الرجاء مكتوب على باب حجرة الضريح إنها عمرت سنة ٦٩٤ وعلى باب المسجد(أمر بعمارة هذا المسجد المبارك في أيام مولانا السلطان الملك العزيز غياث الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبي المظفر محمد ابن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب خلد الله ملكه العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى علي ابن أبي الرجاء في مستهل رمضان سنة ٦٦٦).

قلت : هذه العمارة كانت مدرسة تدعى بالمدرسة العلائية نسبة لمنشئها علاء الدين علي ابن أبي الرجاء شادّ ديوان الملكة ضيفة خاتون ابنة الملك العادل صاحبة الفردوس ، وجامع حسان يعرف بجامع السلطان خارج المحلة في جنوبيها بميلة إلى الشرق قديم أنشأه سنة ٦٠٦ علي بن سليمان بن حيدر وجدده أهل المحلة سنة ١٢٩٩ وهو جامع فسيح نير ، وفي هذه المحلة سبيل عليه عمارة أنشأه (محمد راجي بن محمد علي بيازيد) سنة ١٢٥٩ ، وفيها قسطل ينزل إليه بدركات قديم عمر سنة ٤٢٠ وله دكان في المحلة وحصة من طاحون الحاج. ومما يلحق بهذه المحلة مشهد محسن ومشهد الحسين. فأما مشهد محسن فيعرف بمشهد الدكة ومشهد الطرح وهو غربي حلب سمي بهذا الاسم لأن سيف الدولة بن حمدان كان

٢٠٩

له دكة على الجبل المطل على موضع المشهد يجلس عليها لينظر إلى حلبة السباق فإنها كانت تقام بين يديه هناك وعن تاريخ ابن أبي طي أن مشهد الدكة ظهر في سنة ٣٥١ وأن سبب ظهوره هو أن سيف الدولة كان في إحدى مناظره التي بداره خارج المدينة فرأى نورا ينزل على مكان المشهد وتكرر ذلك فركب بنفسه إلى ذلك المكان وحفره فوجد حجرا عليه كتابة «هذا قبر المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب» فجمع سيف الدولة العلويين وسألهم هل كان للحسين ولد اسمه المحسن فقال بعضهم ما بلغنا ذلك وإنما بلغنا أن فاطمة كانت حاملا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم في بطنك محسن فلما كان يوم البيعة هجموا على بيتها لإخراج علي إلى البيعة فأحدجت وفي صحة هذا نظر. وقال بعضهم إن سبي نساء الحسين لما مروا بهن على هذا المكان طرحت بعض نسائه هذا الولد فإنا نروي عن آبائنا أن هذا المكان سمى بجوشن لأن شمر ابن ذي جوشن نزل عليه بالسبي والرءوس وكان معدنا يستخرج منه الصفر وإن أهل المعدن فرحوا بالسبي فدعت عليهم زينب بنت الحسين ففسد ذلك المعدن فقال سيف الدولة «هذا الموضع قد أذن الله بإعماره فأنا أعمره على اسم أهل البيت».

قال ابن أبي طي : ولحقت هذا المشهد وهو عليه باب صغير وحجر أسود تحت قنطرته مكتوب عليها بخط أهل الكوفة كتابة عريضة «عمر هذا المكان المشهد المبارك ابتغاء لوجه الله وقربة إليه على اسم مولانا المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب» الأمير الأجل سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان وذكر التاريخ المتقدم. ثم قال : وفي أيام بني مرداس بنى المصنع الشمالي من المشهد ثم بنى قسيم الدولة آق سنقر سنة ٥٨٢ في ظاهره قبلي المشهد مصنعا للماء وكتب عليه اسمه وبنى الحائط القبلي وكان قد وقع ووقف عليه رحا جندبات وعمل للضريح طوقا وعرائش من فضة وجعل عليه غشاء ثم بنى نور الدين في صحنه صهريجا وميضأة فيها بيوت كثيرة ينتفع بها المقيمون فيه وهدم الرئيس صفي الدين طارو بن علي النابلسي رئيس حلب المعروف بابن الطريرة بابه الذي بناه سيف الدولة ورفعه وحسنه ولما مات ولي الدين أبو القاسم علي رئيس حلب وهو ابن أخي صفي الدين المتقدم ذكره دفن إلى جانب المصنع ونقض أيضا باب المصنع الذي عليه اسم قسيم الدولة وبناه وكتب عليه اسمه وذلك في سنة ٦١٣ وكان في المكان المذكور بين الجبل والمشهد ضريح كبير ذكر أنه ضريح إبراهيم الممدوح المنتقل من العراق إلى حلب والله أعلم.

٢١٠

ثم في أيام الملك الظاهر غياث الدين غازي بن صلاح الدين يوسف وقع الحائط الشمالي فأمر ببنائه. وفي أيام الناصر يوسف بن عبد العزيز محمد ابن الظاهر وقع الحائط القبلي فأمر ببنائه وعمل الروشن الدائر بقاعة الصحن. ولما ملك التتار حلب قصدوا هذا المشهد ونهبوا ما كان فيه من الأواني والبسط وخربوا الضريح والجدار ونقضوا الأبواب فلما ملك السلطان الملك الظاهر حلب أمر بإصلاح المشهد ورمه وجعل فيه إماما وقيما ومؤذنا. وأما مشهد الحسين فهو في سفح جبل الجوشن وعن يحيى ابن أبي طي في تاريخه أن راعيا يسمى عبد الله يسكن في درب المغاربة كان يخرج كل يوم يرعى غنمه فأتفق أنه نام يوما بعد صلاة الظهر في المكان الذي بني فيه المشهد فرأى كأن رجلا أخرج نصفه من شقيق الجبل المطل على المكان ومد يده إلى أسفل الوادي وأخذ عنزا فقال له يا مولاي لأي شيء أخذت العنز وليست لك فقال قل لأهل حلب يعمروا في هذا المكان مشهدا ويسموه مشهد الحسين فقال إنهم لا يرجعون إلى قولي فقال قل لهم يحفروا هناك ورمى بالعنز من يده إلى المكان الذي أشار إليه فاستيقظ الراعي فرأى العنز قد غاصت قوائمها في المكان فجذبها فظهر الماء من المكان فدخل حلب ووقف على باب الجامع القبلي وحدّث بما رأى فخرج جماعة من أهل البلد إلى المكان الذي ظهرت فيه العين وهو في غاية الصلابة بحيث لا تعمل فيه المعاول وكان فيه معدن النحاس قديما فخطوا المشهد المذكور.

قال ابن أبي طي : ومقتضى هذه الحكاية أن هذا المكان هو المشهد المعروف بمشهد النقطة وهو قبلي المشهد المعروف بمشهد الحسين وهو إلى الخراب أقرب وأما مشهد الحسين فهو عامر آهل مسكون قال وتولى عمارته الحاج أبو النصر ابن الطباخ وكان ذلك في أيام الملك الصالح ابن الملك العادل نور الدين وكان الأمير محمود بن الختلو إذ ذاك شحنة حلب فساعدهم في بنائه ولما شرعوا في البناء جاء الحائط قصيرا فلم يرض بذلك الشيخ إبراهيم بن شداد وعلاه من ماله وتعاضد الناس في البناء فكان كل أهل حرفة يفرض على نفسه عمل يوم وفرض أهل الأسواق عليهم دراهم تصرف في المؤن والكلف وبنى الإيوان الذي في صدره الحاج أبو غانم ابن سويق من ماله فجاء قصيرا فهدمه الرئيس صفي الدين طارو ابن علي النابلسي ورفع بناءه وانتهت عمارته في سنة ٥٨٥.

ولما ملك الظاهر غازي حلب اهتم به ووقف عليه رحى تعرف بالكاملية وفوض النظر فيه إلى نقيب الأشراف الإمام شمس الدين ابن أبي علي الحسين والقاضي بهاء الدين بن

٢١١

أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب. ولما ملك ولده العزيز استأذنه القاضي بهاء الدين في ابتناء حرم إلى جانبه وبيوت يأوى إليها من انقطع إلى هذا المشهد فأذن له فشرع في بنائه واستولى التتار على حلب قبل أن يتم ودخلوا إلى هذا المشهد ونهبوا ما كان الناس قد وضعوا عليه من الستور والبسط والفرش والأواني النحاس والقناديل الذهب والفضة والشمع وكان شيئا كثيرا وشعثوا بناءه ونقضوا أبوابه. ولما ملك الظاهر جدد ذلك ورمه. اه.

قلت : الذي فهمته من عبارة ابن أبي طي على ما فيها من الاضطراب أن المشهد الذي نسميه الآن بالشيخ محسن بتشديد السين هو مشهد الدكة وأن الذي نسميه هو مشهد الحسين يؤيد هذا الكتابة الموجودة في صدر إيوان المشهد وهي (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمل هذا الإيوان المبارك العبد الفقير إلى رحمة الله أبو غانم بن أبي الفضل عيسى البزاز الحلبي رحمه الله وذلك في شهور سنة ٥٧٩) فهذه الكتابة ربما تعضد قول ابن أبي طي (وبنى الإيوان الذي في صدره الحاج أبو غانم سويق) على أن مشهد الشيخ محسن لا إيوان فيه. ومعلوم أن كلا من المشهدين قائم على سفح جبل الجوشن بينهما مسافة غلوة بالقبلي منهما الشيخ محسن والشمالي المشهد ويؤخذ من كلام ابن أبي طي أنه كان يوجد بينهما مشهد آخر يعرف بمشهد النقطة وهو مما لا أثر له قلت ذكر أن سبب بناء مشهد النقطة هو أن رأس الحسين لما وصلوا به إلى هذا الجبل وضعوه على الأرض فقطرت منه قطرة دم فوق صخرة بني الحلبيون عليها هذا المشهد وسمي مشهد النقطة. ولعل هذه الصخرة نقلت من هذا المشهد بعد خرابه إلى محراب مشهد الحسين فبنى عليها.

وكان هذا المشهد مهملا ثم منذ نصف قرن أخذت تقام فيه يوم عاشوراء حفلة دينية تتلى فيها قصة المولد النبوي ويطبخ فيه طعام الحبوب وغيره من الأطعمة الفاخرة ويجلس على موائدها المدعوون من رجال الحكومة والعلماء والأعيان والوجهاء وفي اليوم السابع والعشرين من رجب تتلى قصة المعراج ويفرق على الحاضرين المذكورين الملبس وغيره من أنواع الحلوى اليابسة وفي سنة ١٣٠٢ جددت فيه الجهة الشمالية من القبلية وبعد بضع سنين أهدى السلطان عبد الحميد ستارا حريريا مزركشا بآيات قرآنية وضع على المحراب وفرشت أرض قبلته بالطنافس الجميلة وجدد ترخيم أرض الصحن ورتب له إمام ومؤذن وخادم وموظفون يقرءون كل يوم أجزاء شريفة والنفقات على ذلك كله من صندوق أملاك

٢١٢

السلطان عبد الحميد في حلب. وبعد الانقلاب الدستوري العثماني أهملت هذه الحفلات وأبطلت الشعائر وفي أيام الحرب العامة استعمل مستودعا للذخائر الحربية النارية واستمر على ذلك إلى أواخر سنة ١٣٣٧ وذلك حين خروج الانكليز من حلب ودخول الفرنسيس إليها وكان الحرس الذين يحرسونه من قبل الانكليز قد انصرفوا عنه فهجم عليه جماعة من رعاع الناس وغوغائهم ونهبوا ما فيه من الذخائر والسلاح وبينما كان بعض أولئك الغوغاء يعالج قنبلة لإستخراج ما فيها من البارود إذ أورت نارا فلم يشعر إلّا وقد انفجرت وسرت منها النار بأسرع من لمح البصر إلى غيرها من الأعتاد النارية المتفرقعة فانفجرت جميعها انفجار بركان عظيم سمع له دوي من بعد ساعات وشعرنا ونحن في منازلنا بحلب كأن الأرض قد تزلزلت مصحوبة بدوي كهزيم الرعد القاصف وقد تهدم بنيان هذا المشهد كله سوى قليل منه وتطايرت أنقاضه في الهواء وسقط بعضها على ما فيه من الذعار والشطار فهلكوا عن آخرهم ويقدر عددهم بثلاثين انسانا على أقل تقدير أخرج بعضهم من تحت الردم أمواتا وترك الباقون فيه خشية أن يفاجئ الباحثين عنهم انفجار ما بقي من الذخائر النارية.

هذا وإن أوقاف هذا المسجد أراض عشرية تكلمنا عليها في مقدمة الكتاب في فصل تكلمنا فيه عادات الحلبين المسلمين التابعة الأشهر القمرية والأشهر الشمسية فراجعها ولأحمد أفندي وبهاء الدين أفندي الزهراوي وقف عظيم جعلا نهايته إلى هذا المشهد تاريخه ١٠٦٤ : كان مكتوبا في جبهة إيوان هذا المشهد : بسم الله الرحمن الرحيم : اللهم صل على محمد المصطفى وعلى المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى والحسين الشهيد وعلى زين العادين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلى الرضى ولد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري ومولانا محمد بن الحسن القائم بأمر الله تعالى. وعلى رأس المحراب صنعه أبو عبد الله وأبو الرجاء ابنا يحيى الكناني. وعلى نجفة الباب الداخلي المؤدي إلى الصحن : (بسم الله الرحمن الرحيم عمر مشهد مولانا الحسين بن على ابن أبي طالب عليهما السلام في أيام دولة مولانا الملك الظاهر العالم العادل سلطان الإسلام والمسلمين سيد الملوك والسلاطين أبي المظفر الغازي ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب ناصر أمير المؤمنين سنة ٥٧٢). وعلى دهليز الباب بعد البسملة : (اللهم صل على محمد النبي وعلى الوصي والحسن المسموم والحسين الشهيد المظلوم وعلى زين العابدين ومحمد الباقر علم الدين وجعفر الصادق الأمين وموسى الكاظم الوفي وعلى الطاهر الرضى ومحمد

٢١٣

البر التقي وعلى الهادي النقي والحسن العسكري وصاحب الزمان الحجة المهدي واغفر لمن سعى في هذا المشهد بنفسه ورأيه وماله). وعلى نجفة الباب في ثلاث أنصاف دوائر : (اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد وسلم. وارض اللهم عن سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وارض اللهم عن أصحاب رسول الله أجمعين).

قلت : المفهوم مما كتب على جبهة الإيوان وعلى دهليز الباب أن الساعين في بناء هذا المشهد شيعة إمامية اثنا عشرية مع أن الذي أمر ببنائه وهو الملك الظاهر غازي سنّي ابن سني. فلعل الذي حمله على بنائه مجرد مواساة للشيعة واسترضاء لهم ليكونوا من نصرائه أو ليكفي شرهم فقد كان الشيعة في حلب تلك الأثناء مرهوبي الجانب. والمفهوم من قصة مشهد النقطة أنه كان بين مشهد الحسين ومشهد الشيخ محسن عين ماء بني في مكانها مشهد النقطة المذكور وهي الآن مما لا أثر له ولعلها كانت فنضبت والله أعلم. أما مشهد الشيخ محسن فهو ما زال معمورا ولكن شعائره مهملة وقبل بضع سنين رخمت أرضه وأجريت فيه بعض المرمات. مكتوب على بابه بعد البسملة(جدد عمارته في دولة مولانا الملك الظاهر غياث الدنيا والدين ابن الملك الناصر يوسف بن أيوب الفقير إلى رحمة الله تعالى ..) وعلى حائط القبلية(بسم الله أمر بعمارة هذا الموضع المبارك مولانا السلطان الملك الظاهر غياث الدنيا والدين أبو المظفر الغازي ابن يوسف خلد الله ملكه سنة ٦٠٩) ولحسن أفندي ابن أحمد أفندي الكواكبي وقف كبير شرط فيه لهذا المشهد في كل سنة ١٨٦ قرشا لأربعة قراء و ١٢ لخادمه و ١٥ لطبخ طعام الحبوب يوم عاشوراء تاريخ هذا الوقف سنة ١٢٢٠.

ومما يلحق بهذه المحلة أيضا مشهد في قرية الأنصاري التي كانت تسمى ياروقية قال الهروي في كتاب الاشارات : في هذا المشهد قبر عبد الله الأنصاري كما ذكروا. وقال ابن العديم نقلا عن والده : إن امرأة من نساء أمراء الياروقية (١) رأت في المنام قائلا يقول ههنا قبر الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبشوا فوجدوا قبرا فبنوا عليه مشهدا ثم دثر فجددته نيلوفر عتيقة الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن حيدر ولما تولى معتقها سنة ٦٢٢ انقطعت إليه ولما استولى التتار على حلب دخل هذا المشهد في جملة

__________________

(١) الياروقية نسبة إلى الأمير ياروق التركماني من أمراء نور الدين وسميت البقعة التي نزل بها أتباع هذا الأمير بالياروقية.

٢١٤

ما تشعث من أبنية حلب ولما ولى نيابة حلب الأمير سيف الدين قصروه سنة ٨٣٠ شرع بتوسيع هذا المشهد وبناه بالحجارة الكبار وعقد على الضريح قبة ووسع الصحن وبنى له بابا حسنا بالحجارة الكبار وجعل شماليه إيوانا بشبابيك مطلة إلى جهة الشمال ولما توفيت ابنته دفنها هناك على يمنة الداخل بالقرب من الباب وعقد عليه قبة ووقف عليه وقفا وسبب اعتنائه بهذا المشهد أنه كان قدم إلى حلب قبل ذلك وهو خاصكي بتقليد نائبها فاعتراه قبل دخوله البلد وجع شديد وكانت عادة من يرد من الخاصكية إلى حلب أن يبيت هناك ليدخل البلد بكرة النهار فبات تلك الليلة وهو في غاية الألم فرأى في منامه إن صاحب الضريح وهو شيخ حسن الشكل مسح عليه ودعا له وبشره بأنه يصير نائب هذه البلدة فأصبح معافى وعاهد الله أنه إن ولي حلب أن يجدد بناء هذا المكان ففعل وقف له وقفا.

وهذا المشهد الآن يعرف بسعد الأنصاري في قرية الأنصاري. قال ابن الشحنة : ولا أعرف المستند في ذلك إلا أن يكون الاشتباه فإن الجبل الذي هو تجاه هذا الجبل من جهة الشرق والقبلة عليه مشهد يقال له مشهد سعد الأنصاري (في قرية الشيخ سعيد). وكان هذا المشهد صغيرا جدا وبه صريح صغير فلما ولى نيابة حلب الأمير خيري بك الطويل وسع هذا المشهد وبنى به دارا وقبلية وإيوانا وقبة فيها شبابيك مطلة غربا وقبلة وشمالا ووسع الصحن وبنى له بابا حسنا ومنارة ووقف عليه وصار يخرج إليه في كل سنة ويقرئ به قصة المولد الشريف ويحضر معه الأمراء والأكابر وأعيان البلد.

ومن المشاهد أيضا المشهد الأحمر وهو في رأس جبل الجوشن يقصده أهل البلد في مهماتهم ويدعون فيه فيستجاب لهم وهو قبلي المشهد المتقدم ذكره بينهما رمية حجر وقد بنى فيه بعض أهل البلد قبة جليلة عالية البناء وبنى فيها صهريجا. قلت : مشهد الأنصاري ومشهد الشيخ سعيد ما زالا باقيين معروفين أحدهما في قرية الأنصاري والآخر في قرية الشيخ سعيد أما المشهد الأحمر فلا أثر له ولا يعرفه أحد منا ولا حدثنا به أحد شيوخنا.

تنبيه : كان يوجد قرب مشهد محسن مدرسة تعرف بمدرسة النقيب متاخمة دار المعز وهي غاية في العمارة يقال لها تاج حلب وكانت كثيرة المساكن والمنافع وهي منتزه حلب وفيها بئر ماء يستقي منه من صحنها ومن درجها ومن أعلاها ولها صف خلاوي في أعلاها وتجاهها رواق وبه قناطر مطلة على قويق وحلب وبساتينها وكانت غاية في السعة والإتقان والزخرفة

٢١٥

وهي الآن مما لا يعرف مكانها والنقيب المنسوبة إليه هو (النقيب الإمام الشريف المرتضى). ومما كان يوجد في شمالي الفيض مدرسة تعرف بالمدرسة الدقاقية أنشأها مهذب الدين أبو الحسن علي بن عبد الله ابن الدقاق في حدود سنة ٦٠٠ وهي الآن غير معروفة. وفي المشهد وخارجه عدة قبور لبني الزهراء نقباء حلب وأشرافها منها قبر أبي المكارم حمزة الذي تكلمنا عليه في ترجمة أحمد بن عبد الله بن حمزة فراجعه. وفي هذه المحلة أعني محلة الكلاسة أسرة آل الهبراوي وهم وجهاء المحلة ومرشدوها وفيهم العالم والأديب والتاجر وقد ترجمنا عدة رجال منهم في باب التراجم. اه. الكلام على محلة الكلاسة.

٢١٦

لا آثار فيها سوى جامع ومسجد لا يستحقان الذكر وقسطل يهبط إليه ببضع وعشرين درجة مكتوب على حجر في صدره بعد البسملة (إن الأبرار يشربون إلى قوله تعالى تفجيرا.

أنشأ هذا السبيل المبارك العبد الفقير إليه تعالى الحاج عبد الله ابن الحاج حسن بن العاجي غفر الله له ولوالديه في أيام السلطان الأمجد أبي المكارم السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم خان خلد الله ملكه). ماء هذه المحلة من آبار عميقة ماء بعضها نبع وماء بعضها الآخر من قناة الكلاسة المتقدم ذكرها وهي جيدة الهواء جميلة المناظر والمغاير التي في شرقيها واسعة يقال إنها متصلة بمغاير حارة المعادي التي سنتكلم عليها.

٢١٧

حارة الفردوس (خ)

عدد بيوتها ١٥

محلها خارج باب المقام عدد سكانها :

الذکور

الإناث

المجموع

الأقوام

٤٢

٥٠

٩٢

كلهم مسلمون

 محل هذه الحارة في جنوبي المعادي منقطعة عنها وكانت بعد القرن السادس من أعمر محلات حلب وأعظمها آثارا دينية كالمساجد والمدارس والربط والزوايا والترب.

آثارها

تربة بني الشحنة : شمالي الفردوس وهي قبة عامرة لها باب موجه شمالا مكتوب عليه البيتان المشهوران اللذان أولهما إذا أمسى فراشي من تراب إلخ وفي جهتها الجنوبية محراب حسن من النحيت وفي وسطها قبور لبني الشحنة.

عمارة ضيفة خاتون بنت الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد زوجة الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب والدة الملك العزيز ابن الملك الظاهر بنتها جامعا ومدرسة وتربة ورباطا سنة ٦٣٣ ووقفت عليها أوقافا عظيمة جميعها أراض من جملتها قرية كفر زيتا وثلث طاحون من النهريات وجامعها حافل عظيم متقن البناء واسع الأرجاء معدود في حلب من الآثار القديمة العظيمة يقصده السواح لما اشتمل عليه من عظمة البناء وضخامة الحجارة والأعمدة وبداعة الطراز صحنه يبلغ ستين ذراعا في مثلها تقريبا وفيه حوض واسع جميل الصنعة على شاكلة حوض السلطانية وفي شماليه إيوان كسروي وعلى جانبيه المدرسة والمطبخ وفي شرقي الصحن وغربيه الرباط والتربة كلاهما الآن مملوءان من قبور جماعة لا تعرف تراجمهم وفي جنوبي الصحن قبلية واسعة على طول الصحن في عرض نحو ثلاثين

٢١٨

ذراعا ومنبر هذا الجامع حادث جدد بعد واقفته ومن أجمل ما فيه المحراب فإنه عديم النظير لما اشتمل عليه من حسن الصنعة والنقوش والإتقان والإحكام فيه عدة ألواح من حجر اليشم النادر الوجود وهذه اللفظة فارسية أصلها أشباد جشم قال ابن العديم وهو من أعاجيب الدنيا يرى الناظر إليه وجهه فيه من صفاء معدنه وفي شرقي القبلية حجرة مقتطعة منها فيها قبران يزعمون أن الشمالي منهما مدفون فيه سيدنا علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه حتى إنه مكتوب على رقعة في ثوب الضريح هذا قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نقل صندوقه سيف الدولة أيام دولته من النجف سنة ٣١٧.

وهذا كذب ظاهر فقد نص المؤرخون على أن قبر علي رضي الله عنه خفي لا يعرف موضعه. ومنهم من قال إنه دفن في دار الإمارة في الكوفة وأخفي قبره كي لا ينبشه الخوارج.

وقيل حملوه على جمل ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هم في السير ليلا إذ ندّ الجمل الذي هو عليه فلم يدروا أين ذهب ولم يقدر على رده أحد فلذلك ، يقول غلاة الشيعة إنه في السحاب وقيل وقع في بلاد طيىء فأخذوه ودفنوه. وقيل : كان أوصى أن يخفى قبره كيلا يمثل به بنو أمية لعلمه أن الأمر لهم على أن مجيء سيف الدولة إلى حلب كان سنة ٣٣٣ فكيف يأتي بالصندوق من النجف إلى حلب قبل مجيئه إليها. ثم إن عمارة الفردوس كما قال ابن شداد بناؤها عظيم مرتفع بالحجارة الهرقلية وهي كثيرة الأماكن وبها خشخاشة للموتى وبركة ماء تشبه بركة الظاهرية يأتي إليها الماء من بستانها من دولاب خارجها وفي جانب هذا البستان إيوان عظيم بالحجارة العظيمة وفي هذه المدرسة أعمدة ضخمة من الرخام الأصفر ملقاة في صحنها وفيها قاعة عظيمة لمدرسها وللمدرسة من جهاتها الأربع مناظر وشبابيك إلى بستانها وفيها إيوان مكتوب عليه في طرازه وطرازها (لله در أقوام إذا جن عليهم الليل سمعت لهم أنين الخائف وإذا أصبحوا رأيت عليهم تغير ألوان :

إذا ما الليل أقبل كابدوه

ويسفر عنهم وهم ركوع

أطار الشوق نومهمو فقاموا

وأهل الأمن في الدنيا خشوع

أجسادهم تصبر على التعبد وأقدامهم ليلها مقيمة على التهجد لا يرد لهم صوت ولا دعا تراهم في ليلهم سجدا ركعا قد ناداهم المنادي وأطربهم الشادي :

يا رجال الليل جدوا

رب صوت لا يرد

٢١٩

ما يقوم الليل إلا

من له حزم وجد

لو أرادوا في ليلتهم ساعة أن يناموا أقلقهم الشوق إليه فقاموا وجذبهم الوجد والغرام فهاموا وأنشدهم مريد الحضرة وبثهم وحملهم على المناجاة وحثهم :

حثوا مطاياكم وجدوا

إن كان لي في القلوب وجد

قد آن أن تظهر الخبايا

وتنشر الصحف فاستعدوا

الفرش مشتاقة إليهم والوسائد متأسفة عليهم النوم قرم إلى عيونهم والراحة مرتاحة إلى جنوبهم الليل عندهم أجل الأوقات في المراتب ومسامرهم عند تهجدهم يرعى الكواكب :

وزارني طيفك حتى إذا

أراد أن يمضي علقت به

فليت ليلي لم يزل سرمدا

والصبح لم أنظر إلى كوكبه

هجروا المنام في الظلام وقلدوا بطول المقام وناجوا ربهم بأطيب كلام وأنسوا بقرب الملك العلام لو احتجبوا عنه في ليلهم لذابوا ولو تغيبوا عنه لحظة لما طابوا يديمون التهجد إلى السحر ويتوقعون ثمر اليقظة والسهر. بلغنا أن الله تبارك وتعالى يتجلى للمحبين فيقول لهم : من أنا. فيقولون : أنت مالك رقابنا فيقول : أنتم أحبتي أنتم أهل ولايتي وعنايتي ها وجهي فشاهدوه ها كلامي فاسمعوه ها كأسي فاشربوه وسقاهم ربهم شرابا طهورا إذا شربوا طابوا ثم طربوا إذا طربوا قاموا إذا قاموا هاموا إذا هاموا طاشوا إذا طاشوا عاشوا لما حملت ريح الصبا قميص يوسف لم يفضض ختامه إلا يعقوب ما عرفه أهل كنعان ومن عندهم خرج ولا يهودا وهو الحامل. اه. ومكتوب على الباب سطر جيد جدا مدحه الشعراء وهو (أمرت بإنشائه ضيفة خاتون في أيام السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن السلطان الملك الظاهري غازي بتولي عبد المحسن العزيزي الناصري في سنة ٦٣٣) ومن جملته :

يطاف عليهم بصحاف من ذهب

ومما قاله فيه الشعراء :

في باب فردوس حلب

سطر من الدر عجب

فيه صحاف من ذهب

هن صحاف من ذهب

٢٢٠