نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٨

قورص (١) وكانت من عجائب الدنيا حتى قيل إن ملك الروم بذل في ثلاثة أعمدة كانت فيها سبعين ألف دينار للوليد فلم يسمح له بها وقيل إن بني العباس نقضوا ما كان فيه من الزخارف والآلات ونقلوه إلى جامع الأنبار لما نقضوا آثار بني أمية من بلاد الشام وعفوها ولم يزل على هذه الصفة حتى دخل نيقفور حلب سنة ٣٥١ وأحرقها وأحرق جامعها ورحل عنها وعاد سيف الدولة إليها فرم بعض المسجد المذكور ثم لما تولى ولده سعد الدولة بنى فيه قرعويه قبة الفوراة التي في وسطه طول كل عمود منها سبعة أشبار وفي هذه القبة جرن رخام أبيض في غاية الكبر والحسن يقال أنه كان مذبحا في بعض الكنائس التي بحلب وفي حافة الجرن مكتوب (هذا ما أمر بعمله قرعويه غلام سيف الدولة ابن حمدان في سنة ٣٥٤).

وبنى فيه الجهة الشرقية القضاة بنو عمّار الذين كانوا أصحاب طرابلس الشام فلما كانت ليلة الأربعاء سابع وعشرين شوال سنة ٥٦٤ في أيام نور الدين بن زنكي أحرقته الإسماعيلية (٢) مع الأسواق التي حوله فاجتهد نور الدين بعمارته وقطع الأعمدة الصفر من بعادين ونقل إليه عمد سور قنسرين لأن العمد التي كانت فيه قد تفطرت من الحريق وكانت قواعد العمد في صحن الجامع مع شيء من الرءوس وهي في أرضه فجمعت وبنى بعضها فوق بعض في الغربية التي فيه وكان الصف القبلي من الشرقية التي في قبلي الجامع الآن الملاصقة سوق البز عن يمين الداخل من الباب القبلي سوقا موقوفا على الجامع ولم يكن المسجد على التربيع فأحب نور الدين أن يجعله مربعا فاستفتى في ذلك الفقيه علاء الدين أبا الفتح عبد الرحمن بن محمود الغزنوي فأفتاه بجوازه فنقض السوق المذكور وأضافه إلى الجامع فاتسع به وحسن مرآه.

وفي سنة ٦٧٩ ه‍ أحرقه صاحب سيس (٣) فلما كان قرا سنقر نائب حلب عمره بتولي القاضي شمس الدين بن صقر الحلبي وفرغ منه في رجب سنة ٦٨٤ ه‍ ويقال إن الحائط الشمالي من القبلية التي تلي الصحن كان إذ ذاك من بقايا عمارة نور الدين وفي

__________________

(١) قد تكون كورش (سيرهوس) وهو موقع النبي هوري اليوم ، وكورش كانت مدينة مزدهرة في العهدين الروماني والبيزنطي.

(٢) ربما قصد المؤلف بهم الفاطميين حين أخذوا حلب.

(٣) سيس بلدة تبعد عن أضنه نحو ٦٥ كم بنيت فوق منحدر صخري أجرد من قبل أحد ملوك الأرمن حسب الرواية التاريخية ، لها قلعة وأسوار يمر بجوارها نهر وحولها بساتين حسب قول أبي الفداء.

١٨١

سنة ٨٢٤ ه‍ وقعت الغربية وكان سقفها جملونا خشبا فعزم الأمير يشبك اليوسفي نائب حلب على عمارتها قبوا وشرع في ذلك ثم توفى فعمرت من مال الجامع وعقد سقفها قبوا وكان في صحن الجامع صهريج واسع عظيم جدا يحكى أن السبب في عمارته هو أنه كان بعض السلف من أهل حلب متوليا على أوقافه بحلب فأتاه انسان لا يعرفه فطرق عليه الباب ليلا ودفع له ألف دينار وقال له إصرفها في جهة بر ، فأخذها وخطر له أن يصرفها في عمارة مصنع يخزن فيه الماء من القناة فإن منابع حلب مالحة وكان العدو يطرق مدينة حلب كثيرا فإذا قطع عنها ماء القناة تضرر أهلها فرأى أن يعمل مصنعا في صحن الجامع المذكور مدفونا تحت أرضه فشرع في ذلك وحفر حفيرة عظيمة واسعة واشترى الحجارة والكلس وعقد المصنع وفرغ الذهب المحمول إليه فضاق صدره واضطرب مدة في إتمام المشروع فطرق عليه الباب الطارق الأول ودفع له ألف دينار أخرى وقال له أتمم عملك فأخذها وأتم العمل وجاء المصنع واسعا متقنا بحيث كان يكفي السقائين والناس ولا يفرغ من الماء فجعل أهل حلب يطعنون على المتولي المذكور ويقولون إنه أضاع من مال الوقف جملة في عمارة مصنع فطلب منه الحاكم الحساب فرفعه إليه ولم يذكر فيه درهما واحدا في نفقات المصنع المذكور فسأله عن نفقة المصنع فأخبره بالقصة.

ويقال إن هذا المتولي هو ابن الأيسر ويحكى أن هذا المصنع وجد في حفرته تمثال أسد من حجر قد وضع مستقبلا بوجهه القبلة ، قال ابن الخطيب : «وهذا المصنع اليوم مردوم» ، وفي سنة ٤٨٢ كان تأسيس منارة الجامع وعمرت على يد القاضي أبي الحسن محمد بن يحيى بن محمد الخشاب عوضا عن منارة كانت قبلها وكان بحلب معبد للنار قديم قد تحول إلى أن صار أتون حمام فأخذ القاضي حجارته لعمارة هذه المنارة فوشى به بعض حساده لأمير البلد قسيم الدولة فاستحضره وقال له قد هدمت معبدا هو ملكي فقال أيها الأمير كان معبدا للنار وقد صار معبدا يذكر عليه اسم الله تعالى وقد كتبت اسمك عليه وجعلت الثواب لك فإن رسمت أن أغرم ثمن الحجارة ويكون الثواب لي فعلت فأعجب الأمير كلامه واستصوب رأيه.

وقيل إن المنارة أسست في زمن سابق محمود بن صالح على يد القاضي المذكور والمعمار الذي بناها من سرمين وبلغ بأساسها إلى الماء وعقد حجارتها بكلاليب الحديد والرصاص وأتمها في أيام قسيم الدولة آق سنقر وطول هذه المنارة إلى الدرابزين بذراع اليد سبعة وتسعون

١٨٢

ذراعا وعدد مراقيها مائة وأربع وسبعون درجة ولما كانت ليلة الاثنين ثاني عشر شوال سنة ٥٧٥ زلزلت حلب زلزلة عظيمة هدمت أكثر دورها وأهلكت جماعة من أهلها وحركت المنارة فدفعت هلالا كان على رأسها مقدار ستمائة قدم وشققت ولما استولى التتار على حلب في عاشر صفر سنة ٦٥٨ دخل صاحب سيس إلى الجامع وقتل خلقا كثيرا وأحرق الجاني القبلية منه وأخذ الحريق قبلة وغربا إلى المدرسة الحلاوية واحترق سوق البزازين فعرف عماد الدين القزويني هولاكو ما اعتمده السيسيون من إحراق الجامع وتركهم كنائس النصارى فأمر هولاكو برفع ذلك وأطفئت النار بسبب مطر صادف وقوعه في تلك الأثناء ثم اعتنى نور الدين يوسف بن أبي بكر عبد الرحمن السلماسي الصوفي بتنظيف الجامع ودفن ما كان فيه من قتلى المسلمين في جباب كانت بالجامع للغلة في شماليه ولما مات عز الدين أحمد الكتبجي أي الكتبي خرج عن جميع ماله فقبضه أخوه وتصدق ببعضه وعمر حائط الجامع منه فأنفق عشرين ألف درهم منها ثمانية عشر لبنائه وألفان لحصره ومصابيحه ولما ملك السلطان الملك الظاهر حلب أمر بتكليس الحائط القبلي وكذا الغربي من جهة صحن الجامع وعمل له سقفا متقنا وكان المحراب الأصفر يعرف بمحراب الحنابلة والمحراب الكبير الكائن في يمين الحضرة ويسار المنبر مختصا بالشافعية والمحراب الغربي الكائن في أواخر قبلية الحنفية مختصا بالحنفية ومحراب الغربية مختصا بالمالكية وفي سنة ٩٣١ أمر القاضي عبيد الله بن محمد بن يعقوب أن يصلي الحنفي بالمحراب الكبير ثم يصلي الشافعي بعده وكان يوجد على الباب الشمالي من الجامع مارستان (١) ينسب إلى ابن خرخاز وله بوابة عظيمة وقد أغلق بابه وأدخل في الدور المجاورة له (أظنه الآن مدرسة موقوفة على إمام الأحناف بالجامع وتعرف بدار الكحالة).

حالته الحاضرة : موقع الجامع في غربي القلعة بينها وبينه مسيرة نصف ميل تقريبا على خط مستقيم وهو عمارة عظيمة طولها من الغرب إلى الشرق مع ثخانة جدران الجهتين الخاصتين بها مائة وثلاثون ذراعا وعرضها كذلك من الجنوب إلى الشمال مائة واحد عشر ذراعا واثنا عشر قيراطا فإذا ضربت ذرع الطول والعرض ببعضهما يبلغ المجموع أربعة عشر ألفا وأربعمائة وخمسة وتسعين ذراعا مربعا ثم إن هذه العمارة لها أربعة أبواب.

__________________

(١) المقصود «بيمارستان».

١٨٣

أولها : موجه قبلة ويعرف بباب النحاسين لأنه كان يخرج منه إلى سوق النحاسين الكائن في قبليه وعلى يمنة الداخل إلى هذا الباب سوق باعة النعال والمعروف بسوق القوافين وعلى يسار الداخل سوق باعة حبال القنب المعروف بسوق الحبالين وهذان السوقان ملاصقان ظهر الجامع وترتفع أرض الزقاق الكائنة تجاه هذا الباب عن أرض صحن الجامع ذراعين.

الباب الثاني : موجه شرقا ويعرف بباب سوق الطيبية لأنه يخرج منه إليه وعلى يمين الداخل منه سوق الصرمايتية ويعرف بسوق المروبصين وكان يعرف قديما بسوق الطواقين وعلى يساره سوق إستانبول الجديد ويعرف أيضا بسوق الصياغين وترتفع أرض الزقاق الكائنة تجاه هذا الباب عن أرض صحن الجامع ثلاثة أذرع وتسعة قراريط.

الباب الثالث : متجه إلى الشمال ويعرف بباب الجراكسية قد اكتنفه من جانبيه دور تابعة حارة سويقة حاتم ويرتفع زقاقه عن أرض صحن الجامع ذراعين وسبعة عشر قيراطا مكتوب في أعلاه (إنشاء الملك المظفر في عصر السلطان مراد خان عزّ نصره) مكتوب تحته :

حضرة الباشا سميّ المرتضى

نسل الوند ملاذ القاصدين

جدد الجامع من غير ريا

مخلصا لله رب العالمين

ولهذا في الورى تاريخه

صار حقا نعم أجر العاملين

الباب الرابع : موجه غربا ويعرف بباب المسامرية لأن في حضرته الحدادين الذين يصنعون المسامير وتجاه هذا الباب باب المدرسة الحلاوية ليس بينهما سوى عرض الطريق وليس على يمين هذا الباب سوق إنما اتصل بيمينه جداره الخالي من الدكاكين وتجاه هذا الجدار صف من الدكاكين يطلق عليها سوق المسامرية وكان يعرف قديما بسوق السلاح ثم بسوق المتعة وعلى يسار الباب المذكور دكاكين تابعة حارة سويقة حاتم وترتفع أرض صحن الجامع ذراعا وخمسة قراريط ثم إن هذا الجامع المعمور قد اشتمل داخله على أربع جهات في كل منها عمارة نورد بها كلاما على حدته فنقول : الجهة الأولى جنوبيه تتجه إلى الشمال وظهرها لصيق سوق الحبالين والقوافين المتقدم ذكرهما يستوعب هذه الجهة من أولها إلى آخرها قبلية السادة الحنفية والشافعية البالغ طولهما مائة وثلاثين ذراعا سوى

١٨٤

ثخانة جداريهما الشرقي والغربي يفصل بينهما ممر من الباب القبلي إلى صحن سقفهما قبو عظيم محمول على ثمانين عضادة مصطفة من الغرب إلى الشرق أربعة صفوف كل صف منها عشرون عضادة مربعة محيط كل واحدة منها ٥ ع و ٨ ط وتبعد عن التي تليها من صفها ٥ ع و ٢ ط وبعد ما بين العضادتين من الصف الأول قبالة وجه المصلي وبين العضادة التي تليها من الصف الثاني ٥ ع و ١٤ ط وما بينها من الصف الثاني وما يليها من الصف الثالث ٥ ع و ٦ ط وما بينها وبين ما يليها من الصف الرابع ٦ ع و ١٥ ط.

والأول من هذه الصفوف الملتصقة ظهور عضاداته بجدار القبلية الذي يوجه المصلي وجهه إليه بين العضادة الرابعة والخامسة منه محراب كان مختصا بالحنفية ويعرف في زماننا بمحراب العلمين لأن على جانبيه علمين من أعلام الطريق وبين العضادة السادسة والسابعة مقصورة الوالي وهي حجرة مكشوفة من الخشب المصنع يرقى إليها بدرجتين مكتوب على بابها(بسم الله الرحمن الرحيم جددت هذه المقصورة في أيام مولانا السلطان الملك الناصر عماد الدنيا والدين محمد خلد الله ملكه) وقد جدد في هذه المقصورة خزانة مملوءة من الكتب وقفها على الجامع محمود أفندي ابن الحاج أحمد الجزار ابن عبد الرحمن آغا السياف وفي سنة ١٣٣٦ هدمت هذه المقصورة وألحقت بأرض القبلية فصارت من جملتها : مكتوب في أعلى الجدار ما بين العضادة السابعة والثامنة ما صورته (جددت هذه المقصورة المباركة في أيام المقر العالي المولوي الملكي الشمسي قرا سنقر المنصوري كافل المملكة الحلبية عز نصره) ويوجد فيما بين العضادة الثامنة والتاسعة حجرة سعتها من الداخل نحو ذراعين في مثلهما وكان لها باب ينفذ من سوق الحبالين المتقدم ذكره فكان الوالي أو الخطيب يدخل منه إلى الحجرة كيلا يتخطى رقاب الناس ثم في حدود سنة ١٢٦٠ سد هذا الباب وبقي للحجرة باب واحد يلي القبلية وهذا الباب عضادتاه ونجفته من خشب مصنع جميل جدا دائرة عليه كتابة في البسملة وآية الكرسي وغلق هذا الباب فيه رقاع من نوع الرقاع الموجودة في المنبر الآتي ذكرها وفي أعلى نجفة الباب مكتوب (جددت هذه المقصورة في أيام مولانا السلطان الملك الصالح عماد الدنيا والدين أبي الفدا يلبغا بن محمد بإشارة المقر الأشرف العالي المولوي السيفي يلبغا كافل المملكة الثانية الحلبية عز نصره سنة ٧٤٦).

وبعد بضعة أذرع من هذه الحجرة يكون المنبر ومحله ما بين العضادة التاسعة والعاشرة وهو من الخشب المصنع الجميل العديم النظير في مساجد حلب قد اشتمل على رقاع مخمسة

١٨٥

ومسدسة محيطها بضعة قراريط بديعة صنعة التبخير قد نزل فيها قطع رقاق من العاج والصفر الذي يلمع كأنه الذهب ومن جملة خشب هذا المنبر الأبنوس المشهور وارتفاعه عن أرض القبلية إلى كرسيه الذي هو بعد آخر درجة منه ٣ ع و ١٢ ط ثم تكون قبته وقد كتب على تاج بابه (عمل في أيام مولانا السلطان الملك الناصر أبي الفتح محمد عز نصره) وتحت هذا(عمل العبد الفقير إلى رحمة الله محمد بن علي الموصلي) وعلى مصراعيه (بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن عثمان الحداد) وعلى صدر معبره (أمر بعمله المقر العالي الأمير الشمسي قرا سنقر الجو كندار الملكي المنصوري عز نصره) وكان هذا المنبر صنع مع منبر نظيره حمل إلى بيت المقدس بعد أن فتحت القدس على يد المرحوم السلطان صلاح الدين ويوسف بن أيوب) ثم يلي المنبر المحراب الكبير الذي كان مختصا بالشافعية ويعرف الآن بمحراب الحنفية ومحله فيما بين العضادتين المذكورتين وسعة فتحته عرضا ٢ ع و ٤ ط وهو من الحجر الأصفر البعاديني مكتوب عليه (أمر بعمارته بعد حريقه مولانا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاون) وعلى جانبيه (بالإشارة العالية المولية الأميرية الشمسية قرا سنقر الجو كندار الملكي المنصور كافل المملكة بحلب المحروسة أدامه الله وحرسه في رجب سنة ٦٨٤) وتجاه المحراب تقريبا توجد السدة مكتوب على بابها بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل المملكة الحلبية أعز الله أنصاره بإشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره.

الحضرة النبوية : محلها فيما بين العضادة العاشرة والحادية عشرة من الصف الأول في حجرة مربعة تبلغ ٤ ع وفي مثلها تقريبا يصعد إليها من أرض القبلية بدرجة واحدة سقفها قبة لها على سطح الجامع كوات بشبكات من الحديد وفي قاعدة القبة شبكة كالسقف مفتوحة من النحاس بعيون مربعة تبلغ واحدتها ثلاثة قراريط في مثلها ترتفع عن أرض الحجرة نحو ثمانية أذرع وجدران الحجرة الثلاثة التي هي الغربي والشرقي والجنوبي المقابل وجه المصلى ظهارتها من أرض الحجرة إلى الشبكة المذكورة مبنية بأجمل أنواع الخزف المعروف بالقاشاني وباب هذه الحجرة وهي الجهة الرابعة منها قنطرة مشادة عالية حجارتها سود وصفر محمولة على عمودين عظيمين وارتفاعها من ختمها إلى أرض القبلية ثمانية أذرع في عرض أربعة أذرع وهذه القنطرة العظيمة مع العمودين المحمولة عليهما لها غلق يستوعبها من أرض الحجرة إلى ختم القنطرة من نحاس أصفر مشبك ببعضه على شكل مربع وهو من رأس العمودين

١٨٦

إلى أرض الحجرة ذو مصراعين يفتح ويغلق وسعة عيون شبكاته قيراطان في مثلهما ومن رأس العمودين إلى ختم القنطرة واحدة لا تفتح ولا تغلق وسعة عيون شبكاته قيراط واحد في مثله وفي جانب كل من العمودين المذكورين لمعة ظهارتها من الخزف القاشاني المذكور مكتوب على زنار شبكة الباب شعر تركي لنابي الشاعر المشهور ذكره في ديوانه آخر مصراع منه يبلغ بالجمل ١١٢٠ هو تاريخ تجديد المرقد الشريف.

أما صندوق الجرن الشريف فهو في وسط الحجرة من الخشب على صفة ضريح عليه كسوة من مخمل مزركش بالقصب الفضي فيه بعض سورة مريم وهذه الكسوة أنعم بها المرحوم السلطان عبد العزيز خان سنة ١٢٩١ وكان قبلها كسوة سرقت قديمة بالية وضعت سنة ١٢٣٢ على إثر كسوة سرقت في السنة المذكورة وهذه الكسوة التي هي قبل الكسوة الحاضرة أرسلت إلى إستانبول ووضعت هناك في محل الآثار القديمة وعلى هذه الكسوة الجديدة فوق سنام الضريح عدة شالات ثمينة عجمية وهندية ومما يوجد في الحضرة مصحف شريف مكتوب على قفا أول صفحة منه (هذا المصحف الشريف بقلم المغيرة بن شعبة الصحابي رضي الله عنه بخط كوفي) ومكتوب تحتها (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين يقول كاتب هذه الأحرف حسين بن علي الشهير بابن البجاقجي الحلبي الحنفي بأنه وقف هذا المصحف الشريف بالجامع الكبير بحلب المحروسة ابتغاء لوجه الله تعالى وصلى الله على محمد وآله تحريرا في أواخر صفر الخير سنة ١٠٦٤) على أن خط هذا المصحف مغربي لا كوفي ولا دليل فيه يدل على أنه خط المغيرة ابن شعبة ويوجد في الحضرة عدة مصاحف بخطوط إستانبولية معتبرة وغيرها مع نسخة من صحيح البخاري خطية وعشرة قناديل فضة صغار وقنديلان كبيران من الفضة وقنديل ذهب وشمعدان فضة وقمقم ومبخرة فضة وغير ذلك من البلور والسجادات والبقج والشالات.

الدفين بهذه الحضرة : قال ابن شداد وابن الشحنة وابن الخطيب نقلا عن تاريخ ابن العظيمي أنه في سنة ٤٣٥ ظهر ببعلبك في حجر منقور رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فنقل إلى حمص ثم منها إلى مدينة حلب في هذه السنة ودفن بهذا المقام (يعنون المقام الأعلى في القلعة) في جرن من الرخام الأبيض ووضع في خزانة إلى جانب المحراب وأغلقت ووضع عليها ستر يصونها قال ابن الخطيب : وهو في هذا اليوم في التحتاني في القلعة. وقال علي بن

١٨٧

أبي بكر الهروي في كتابه الاشارات : إن في قلعة حلب في مقام إبراهيم عليه السلام صندوقا فيه قطعة من رأس يحيى ظهر في سنة ٤٣٤ ثم قال ابن الشحنة نقلا عن ابن بطلان : ولما احترق المقام في حادثة التتار سنة ٦٥٩ عمد سيف الدولة أبو بكر بن إيليا الشحنة بالقلعة المذكورة والناظر على الذخائر وشرف الدين أبو حامد بن النجيب الدمشقي الأصل الحلبي المولد إلى رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فنقلاه من القلعة إلى المسجد الجامع بحلب ودفناه غربي المنبر وقيل شرقيه وعمل له مقصورة وهو يزار.

قلت : هذه الحكاية لا تنطبق على ما قاله ابن الخطيب من أن الرأس الشريف في المقام التحتاني في أيامه التي هي القرن التاسع إذ مقتضى الحكاية المذكورة التي حكاها ابن الشحنة عن ابن بطلان أن الرأس الشريف في الجامع الكبير قبل ابن الخطيب بنحو مائتي سنة والأغرب من هذا ما ذكره ابن الوردي في تاريخه حيث قال وفي سنة ٧٣٨ في صفر توفى بدر الدين محمد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي ناظر الأوقاف بحلب وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالأموي شرقي المحراب الكبير لأنه سمع أن بمكانه رأس زكريا عليه السلام فارتاب في ذلك فأقدم على فتح الباب المذكور بعد أن نهى عنه فوجد باب عليه تأزير رخام أبيض ووجد فيه تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة فرفعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهرب الحاضرون هيبة لها ورد التابوت بغطائه إلى موضعه وسد عليه الباب ووضعت خزانة المصحف الشريف على الباب وقد أثرت هذه الهيبة بالناظر المذكور وابتلى بالصرع إلى أن عض على لسانه فقطع ومات. اه. كلام ابن الوردي ، فهذه الحكاية تفيد صراحة بأن المدفون بالجامع هو رأس زكريا عليه السلام لا يحيى مع أن كلام المتقدمين يدل على أن المدفون هو رأس يحيى وذكر المرادي في ترجمة علي بن شداد بن علي أنه في سنة ١١٢٠ ظهر في بعض جدران الجامع صندوق من مرمر مطبق ملحوم بالرصاص مكتوب عليه هذا عضو من أعضاء نبي الله زكريا عليه السلام فاتخذوا له هناك في ناحية القبلية في حجرة قبرا في مكانه الآن وحمل الصندوق إليه جميع العلماء والصالحين بالاحترام والتعظيم والتكبير وجدد عليه المرقد. اه. كلام المرادي وهو يؤيد ما قاله ابن الوردي وعليه الشهرة في زماننا وعلى كل حال فليس يخلو الجامع من أثر شريف نبوي جدير أن تفتخر حلب بوجوده ويوجد بين العضادتين الحادية عشرة والثانية عشرة من الصف الثاني مقصورة تعرف من قديم الزمان بمقصورة القاضي مكتوب عليها(جددت

١٨٨

هذه المقصورة المباركة في أيام المقر العالي المولوي الملكي الشمسي قرا سنقر المنصوري كافل المملكة الحلبية شمس الدين قرا سنقر الجوكندار) وبهذه العضادة التي هي العضادة الثانية عشرة من الصفوف الأربعة تنتهي قبلية الحنفية وطولها ٧٢ ع و ١٦ ط سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضها ٢٣ ع و ٩ ط سوى ثخانة عضادات الصف الأول وبين العضادة الثانية عشرة والثالثة عشرة من الصفوف الأربعة يكون دهليز الباب الجنوبي المتقدم ذكره وهو الباب الأول وفي شرقي هذا الدهليز وغربيه من آخره باب القبلية الحنفية وباب القبلية الشافعية.

وفي آخره يكون الباب الكبير الذي ينفذ إلى صحن الجامع وفي شرقي هذا الباب تكون قبلية الشافعية وطولها ٤٥ ع و ١٦ ط سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضها كعرض قبلية الحنفية ومبداها من العضادة الثالثة عشرة من الصفوف الأربعة وتنتهي بالعضادة العشرين من الصفوف المذكورة ولا يوجد في هذه القبلية من الآثار سوى المحراب الأصفر المختص في زماننا بالشافعية ومحله بنيت العضادة السادسة عشرة والعضادة السابعة عشرة. ثم إنه يوجد في قبلية الحنفية ست عضادات مربعة هي من جملة الثمانين لكنها أغلظ من قبلية العضادات إذ أن محيط كل واحدة منها ٦ ع و ١٢ ط ، وبعد ما بين الواحدة والتي تليها من صفها ٥ ع و ١٨ ط وهي العضادة العاشرة والحادية عشرة من الصفوف الثلاثة وقد عقد عليها في الصف الثاني والثالث قبة ويوجد فيما بين العضادة التاسعة والعاشرة من الصف الثالث سدة محمولة على أربعة أعمدة من الخشب مكتوب على بابها(بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل الممالك الحلبية أعز الله أنصاره بإشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره) وقد بدل شكلها بعد ذلك ورفعت الأعمدة من تحتها وحملت على أسطوانات من الحديد مغروسة في الجدار والصف الرابع من صفوف العضادات يوجد بين كل عضادتين منه في قبلية الحنفية والشافعية باب واسع له غلق ينتهي إلى قاعدة قنطرته ثم تكون شبكة جميلة الصنعة من الخشب ويوجد فيما بين التاسعة والعاشرة من هذا الصف باب صغير بالنسبة إلى بقية الأبواب مبني من ظاهره مما يلي الصحن بحجارة صفر وسود له تاج وشرافة قد كتب بأعلى جانبه على يمنة الداخل (جدد هذا الحائط في دولة السلطان مراد خان (ابن أحمد خان عز نصره) وعلى يسرة الداخل (بإشارة الصدر الأعظم خسرو باشا يسر الله له من الخيرات ما يشا) وعلى الجبهة بين هاتين الكتابتين :

١٨٩

لقد كان محمود المآثر ماجدا

وبابا لفعل المكرمات ومعدنا

بنى جامع الشهباء لله مخلصا

وطالب رضوان من الله موقنا

فعوضه الله الكريم بفضله

قصورا بجناب النعيم ومسكنا

بدولة ظلّ الله سلطان عصره

سليل بني عثمان ذي المجد والثنا

مراد سلاطين الوجود ومن غدا

مقام حماه كعبة الجود مأمنا

فطوبى له فيما بناه مؤرخا

بنى المسجد المشهور محمود محسنا

ومكتوب تحت الجبهة المذكورة فوق نجفة الباب :

من بنى معبدا

فاز بظل ممدود

رحم الرحمن أرخ

صاحب الخير محمود

وفي كل من جانبي هذا الباب شباك وراءه مصطبة يرقى إليها من أرض القبلية بدرجتين معدتين للصلاة وجلوس بعض الوعاظ وفي سنة ١٣٤٠ جعل أحد الشباكين المذكورين بابا إلى صحن الجامع يدخل منه الوالي توا ليصلي على المصطبة التي وراءه لأنها صارت مختصة بالوالي وأركان الولاية ثم إن كلا من قبلية الحنفية والشافعية قد قطعتا طولا شطرين بقاطع من الخشب المعمول شعرية ارتفاعه نحو ٣ ع وفيه عدة أبواب يدخل منها إلى الشقة الداخلة مكتوب بالدهان على الباب الكائن تحت السدة(بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل الممالك الحلبية أعز الله أنصاره باشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره) وعلى الباب الذي يليه غربا(الحمد لله الذي جعل أحياء هذا الجامع المعظم على أيادي الكرام من سكان حلب الشهباء ليجزيهم أحسن ما عملوا في سنة ١١١٠).

وفي سنة ١١٧٠ وعلى الباب الذي يليه ما معناه (إن أحياء الجامع كان على يد عثمان باشا سنة ١١٥٢ ثم في سنة ١٣٢٦ رفع هذا القاطع من القبليتين وصارت كل واحدة منهما شقة واحدة ويوجد مبنيا في أعلى الزاوية الكائنة في الجهة الغربية من جدار قبلية الحنفية الذي يلي صحن الجامع حجرتان سوداوان كل واحدة منهما في طول ٥ ط ومثلها عرضا يقال أن أصلهما من الكعبة المكرمة ويوجد في آخر قبلية الحنفية أيضا من جهتها الغربية الشمالية قسطل له مباذل معد للوضوء لكنه غير مستعمل والجهة الشرقية من هذا الجامع المتجهة إلى الغرب رواق طوله ٣٦ ع سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضه كذلك ١٧ ع

١٩٠

وسقفه قبو محمول على عضادات تشاكل عضادات الجهة الجنوبية المتقدم ذكرها وبين كل عضادتين من الصف الأخير منها الملاصقة ظهورها جدار الجامع الكائن وراءه سوق الصياغين حجرة مبنية بالحجارة معدة لجلوس بعض المدرسين والأئمة والموظفين بالجامع وفي جداره الجنوبي محراب في يمينه باب يدخل منه إلى قبلية الشافعية وفي يسار المحراب حجرة يسكنها بعض المدرسين وفي جداره الشمالي باب صغير ينفذ منه إلى دهليز الباب الثاني المتجه إلى الشرق وفي الزاوية الموجهة إلى الغرب من هذا الرأس حجرة يسكنها الميقاتي وعرض الدهليز كعرض ما بين العضادتين وطوله كعرض هذا الرواق وترتفع أرض هذا الرواق عن أرض صحن الجامع ١٦ ط ويصعد إلى هذا الرواق من وسطه مما يلي صحن الجامع بثلاث درجات الثانية منها محزوزة من جنوبيها إلى شماليها حزا مستقيما متى بلغته الشمس أذن الظهر قيل إن الخضر عليه السلام هو الذي حزها والصحيح أن الذي حزها هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الحنبلي الميقاتي وعرض الدرجة الأولى من هذه الدرجات ١ ع و ١٦ ط وطولها من الغرب إلى الشرق ١ ع و ٢٢ ط وثخانتها ٥ ط وفضلتها عن التي فوقها ١١ ط وعرض التي فوقها ٢٣ ط وطولها ذراع و ٢٢ ط وثخانتها خمسة قراريط ونصف القيراط والحجازية مصلى طوله من الشمال إلى الجنوب ٢٩ ع و ٦ ط سوى ثخانة جداري الجهتين وعرضه كذلك ١٨ ع وفيه من آخر جهته الغربية عطفة طولها من الجنوب إلى الشمال ١٤ ع و ١٧ ط وعرضها ٦ ط و ١٢ ط وهذا المصلى يشتمل في جهته الشمالية على حوض طوله من الشرق إلى الغرب ٧ ع و ٥ ط وعرضه ٥ ع و ٢٣ ط وعمقه ١٤ ط جدد من مال الجامع سنة ١٣٠٤ وجدد فيها تدفيف هذا المصلى جميعه وفي غربيه حوض آخر لخزن الماء وقد وجد تحت حفير الحوضين رمم أموات نقل منها مقدار أربعة أحمال إلى مقبرة العبارة خارج باب الفرج ووراء الحوض الصغير حجرة قديمة فيها رمم سد بابها بما فيها وصار الحوض المذكور قدامها والظاهر أن هذه الرمم هي رمم القتلى في حادثة تمرلنك كما أشرنا إليها في خبر حادثته وكان قبل هذا الحوض حوض في وسط هذا المصلى مساحته عشر بعشر بذراع اليد جدده أحد تجار حلب المعروف (بمحمد شيخ ابن عبد الوهاب السعديه) وكان في محله بركة صغيرة مدورة محيطها نحو ٨ ع كانت خاصة بالشرب ثم في سنة ١٣٢٦ أزيل هذا الحوض وجعل بدله حوض مستور يؤخذ منه الماء بواسطة مباذل وهذا المصلى يدخل إليه من بابين أحدهما في جانب دهليز الباب الثاني للجامع موجه غربا وثانيهما موجه غربا في صدر الرواق الشمالي الموجه جنوبا

١٩١

وفي يمين الداخل من هذا الباب شباكان لعطفة المصلى المذكور مطلان على هذا الرواق.

والجهة الثالثة الشمالية المتجهة إلى الجنوب رواق طول فضائه ٧٤ ع و ٩ ط وعرضه كذلك ١٤ ع و ٢١ ط وسقفه قبو محمول على عضادات محيط واحدتها وبعد ما بينها قريب من محيط عضادات القبلية وبعد ما بينها. وبين كل عضادتين من الصف الملاصق جداره الشمالي مما يليه حجرة من الخشب يسكنها خدمة الجامع وبين العضادة العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة من هذا الصف قسطل مختص بالوضوء له مباذل وهذا القسطل حادث عمره زين الدين الذي فرش أرض الجامع بالرخام كما سيأتي بيانه وبين العضادة الثانية والثالثة من هذا الصف أيضا يكون باب دار القراءة العشائرية الآتي ذكرها وفي يمين القسطل المتقدم ذكره حجر مكتوب فيه (أمر بإنشائه مولانا المقام الأعظم السلطان الملك الظاهر أبو سعيد برقوق عز نصره في أيام المقر السيفي تغرى بردى كافل المملكة الحلبية عز نصره بتولي العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى حمزة الجعفري الحنفي في شهور سنة ٧٧٧) وتحت الحجر المذكور أثر باب مسدود كان يخرج منه إلى الميضأة ويوجد بين العضادة السادسة والعضادة السابعة من الصف الثالث الذي يلي صحن الجامع إذا عددت عضاداته من جهته الغربية حجرة لها شبكة من الخشب إلى الرواق وأخرى إلى صحن الجامع فيها صهريج يأتي إليه الماء من قناة حلب وينتفع به حين انقطاع ماء القناة لتصليحها وفي الرأس الشرقي الموجه غربا من هذا الرواق باب الحجازية المتقدم ذكرها وفي الرأس الغربي منه باب إلى دهليز الباب الشمالي الذي هو الباب الثالث وطول هذا الدهليز كعرض الرواق وعرضه كبعد ما بين عضادتين وفي زلزلة سنة ١٢٣٧ سقط الحائط القبلي مما يلي الصحن من هذا الرواق ولم يبق منه سوى قليل في جانبه الغربي فبناه متولي الجامع إذ ذاك وهو أحمد بك آل إبراهيم باشا قطار اغاسي (١) متسلم البلد وكان يتولى الجامع من كان يتسلم البلد ولما بناه لم يعد إليه شرفاته المعروفة بالسجق وكان فوق سطح حجرة الصهريج المذكور قبة تقرأ فيها الأوامر والفرامين السلطانية فلم يعدها أيضا.

ومحل منارة هذا الجامع في أواخر الصحن المتجه إلى الجنوب من جهة غربيه لها باب صغير وهي مربعة الشكل يبلغ محيطها ٢١ ع و ٢١ ط إذا ذرعت من أسفلها مما يلي سطح

__________________

(١) قد يعني المسؤول عن القافلة.

١٩٢

الرواق وارتفاعها من أرض الجامع إلى موقف المؤذن ٥٢ ع و ٦ ومحيط مكبسها ١٤ ع و ٢١ ط وارتفاعها من موقف المؤذن إلى ختم القبة من الداخل ١٧ ع وموقف المؤذن مربع أيضا يبلغ ٦ ع و ٩ ط طولا في مثلها عرضا عدا الشرفات المتعلقة في حوافيه التي يبلغ عرضها نحو ٤ ط وإذا نزلت من باب المنارة وتوجهت غربا إلى الغرب دخلت في دهليز الباب الرابع من أبواب الجامع وهناك حجرة عظيمة يسكنها بعض شيوخ الجامع وكان فوق سطح هذا الدهليز حجرة يسكنها بعض المدرسين يرقى إليها بدرج بابه في جانب الحجرة الأولى المذكورة.

والجهة الرابعة من هذا الجامع متجهة إلى الشرق وهو أيضا رواق فضاءه ٥٣ ع و ١٧ ط وعرضه كذلك ٦ ع و ٢٢ ط وسقفه قبو محمول على عضادات محيط واحدتها وبعد ما بينها وبين التي تليها كمحيط وبعد عضادات القبلية تقريبا وارتفاع أرضه عن أرض صحن الجامع ١٧ ط ويوجد فيما بين كل عضادتين من عضادات الصف الملاصق الجدار الغربي منه حجرة من خشب يسكنها خدمة الجامع ومؤذنوه وفي الجدار القبلي منه باب قبلية الحنفية وفي جانب هذا الباب مما يلي الرواق على يمنة الداخل محراب وفي رأسه الشمالي باب ينفذ منه إلى دهليز الباب الرابع المتقدم ذكره وكان تجديد هذا الرواق من مال الجامع سنة ١٣٠٢ لأنه كان قد توهن وأشرف على السقوط فهدم وجدد : مكتوب في حجر مرصوف في وسط جداره مما يلي صحن الجامع (جدد هذا الإيوان بأمر وإرادة أمير المؤمنين حضرة مولانا السلطان الأعظم الغازي عبد الحميد خان الثاني عز نصره بسعي والي الولاية المشير الأفخم السيد حسين جميل باشا أدام الله إجلاله سنة ١٣٠٢) ثم إن ارتفاع جدران الأروقة وجدار القبليتين والحجازية عن أرض الجامع إلى السطح ١٠ ع و ١٨ ط ولم يدخل في هذا الذرع حافية هذه الجدران التي يبلغ ارتفاعها عن السطح ٣١ ط تقريبا.

وصحن الجامع يبلغ طوله من الغرب إلى الشرق ٩٨ ع و ٥ ط وعرضه ٦٠ ع و ١٨ ط وهذه المسافة كلها قد فرشت بالرخام الأصفر الذي يتخلله بلاط أسود على صفة جميلة من النقش إذا نظرت إليه أول وهلة تظنه كتابة كوفية مع أنها ليست كذلك والأروقة مفروشة بالبلاط الأصفر فقط وكان تبليط الصحن والأروقة على هذه الصفة سنة ١٠٤٢ تبرع به رجل من الأعيان اسمه زين الدين بك لم أظفر له بترجمة إنما رأيت في بعض المجاميع

١٩٣

أبياتا منسوبة للشيخ وفا العرضي ضمنها تاريخ التبليط سنة ١٠٤٢ عن يد المذكور فأثبتها وهي :

قد زان زين الدين ماجد عصره

آثار خير للقيامة باقيه

أنشا لجامعنا الكبير بلاطه

لله مولاه بنفس راضية

وبنى له الحوضين يجري منهما

للمسلمين عيون ماء صافيه

هذا له يوم الحساب ذخيرة

وذخائر الأعمال تبقى زاكيه

لقبولها نادى البشير مؤرخا

صدقات زين الدين يهنا جاريه

ورأيت لبعضهم :

صاحب الخيرات زين الدين بك

مذ تحقق أن إلى الله المصير

أسبل الخيرات في شهبائنا

جاره الرحمن من حر السعير

زين الجامع في ترخيمه

جاء في تاريخه خير كبير

ثم إن صحن الجامع يشتمل على حوض مدور عليه قبة من الخشب مضلع اثني عشر ضلعا محيطه ٨ ع و ١٥ ط وارتفاعه من أرض بالوعة الدائرة به إلى شفته العليا ٢ ع ووسط هذا الحوض قطعة واحدة وعلى حوض في شمالي الحوض المذكور بينهما ممر فقط مسدس الشكل يرتفع عن بالوعته الدائرة به ١ ع و ١٢ ط وثخانته ١٦ ط ومحيطه ٢٧ ع و ١٨ ط وسقفه قبة محمولة على ستة عواميد طول الظاهر من كل واحد منها ٣ ع و ١٤ ط وطول ما ظهر منها وما بطن ٥ ع و ٢ ط ومحيط كل واحد من العمودين الكائنين في الجهة القبلية من الحوض ١ ع و ١٤ ط والموجهين غربا ١ ع و ٢٣ ط والموجهين شرقا ١ ع و ٢٠ ط وفي وسط هذا الحوض جرن مرمر مضلع مدور محيطه نحو ٦ ع أظنه هو الذي كان يعرف بالفوارة التي أسسها قرعويه غلام سيف الدولة كما سبقت الإشارة إليه وفي سنة ١٣٠٢ هدمت القبة لتوهنها فعمرت من مال الجامع وطلب مني تاريخ يكتب على رفرف القبة فقلت :

قد شاد هذا الحوض بعد توهن

ملك بما يرضى الإله خبير

عبد الحميد العادل الغازي أمير

المؤمنين له الثنا الموفور

من آل عثمان الألى شاد العلى

للمسلمين لواهم المنصور

١٩٤

وبسعي والينا جميل من غدا

يحيي المحامد سعيه المشكور

هو قطب دائرة الوزارة وهو في

رتب الفضائل والفخار مشير

لما تكامل حسنه أرخته

حوض به للعالمين طهور

ويشتمل صحن الجامع أيضا على محراب في جانب الباب الصغير الذي هو أحد أبواب قبلية الحنفية مما يلي الصحن يقف به الإمام في الأوقات الجهرية في الصيف وتجاه هذا المحراب مصطبة طولها من الشرق إلى الغرب ٦ ع و ١ ط وعرضها ٤ ع و ١٦ ط وارتفاع أرضها عن أرض صحن الجامع ١ ع و ٥ ط ولها درابزين من الحجر وهي معدة لوقوف المؤذنين عوضا عن السدة ويشتمل أيضا على عمود من الحجر الأسود محيطه ٢ ع و ٨ ط وطول الظاهر منه ٥ ع و ١٤ ط وفي رأسه شبه قفص من أطواق حديدية تعلق بها القناديل قيل إن نور الدين زنكي كان يحرق به العود البخور في المواسم الدينية وتزعم العامة أن هذا العمود كان شجرة اختبأ فيها زكريا عليه السلام حينما أراد اليهود قتله فقفلت عليه وخرج ذيله من طرفها فعلمت به اليهود وأرادوا نشرها فاستحالت حجرا ويشتمل صحن الجامع أيضا على بسيط لمعرفة وقت الظهر والعصر وضعه على نفقة البلدية (عبد الحميد دده ابن حسن بن عمر الحلبي) في حدود سنة ١٣٠٠ كما تكلمنا عليه في ترجمة المذكور وهذا البسيط الآن مغلق بغطاء من النحاس لا ينتفع به ويشتمل صحن الجامع أيضا على بئر كبيرة معطلة تعرف بالدولاب عليها طابق من الحجر ومحلها في شمالي الصحن إلى غربيه يقال إنها كانت دولابا يسقى منه الجامع حينما كان بستانا وكان البلاط في قرب هذا البئر قد توهن فقلع للتصليح فخرج تحته قطعة أرض مفروشة بالفصوص المعروفة بالفسيفساء فاستبدل منها على أن أرض الجامع كانت مفروشة بالبلاط المتقدم ذكره أو على أن القطعة المذكورة كانت مجلسا في قرب الدولاب والله أعلم ويقال إن فم المصنع الكبير المتقدم ذكره في كلام قدماء المؤرخين كائن تحت درجات الرواق الموجه غربا التي يؤذن الظهر على حز الثانية منها كما أسلفناه ويوجد في صحن الجامع أيضا صفة أولها من تجاه باب الحجازية الموجه غربا الكائن في جانب دهليز الباب الثاني.

وفي الزاوية الغربية من هذه الصفة تجاه الباب المذكور حجرة مرصوفة في هذه الزاوية يقال إن عمر بن عبد العزيز كان يجلس عليها ويشارف عملة الجامع وقت عمارته وكان في وجه جدار قبلية الشافعية مما يلي الصحن ووجه جدار الرواق الشرقي الموجه غربا كتابات

١٩٥

كثيرة منقوشة في الحجر هي صور فرامين (١) وأوامر كفال (٢) حلب أيام الدولة الجر كسية أثبتنا جميعها في باب الحوادث ملحقة بسني تواريخها ثم في سنة ١٢٩١ أمر الوالي محمد رشدي باشا الشرواني بنحت وجه الجدران المذكورة ليعود إليها بهاؤها فنحتت وزالت تلك الكتابات وفي سنة ١٢٥٩ جدد تبليط أسطحة الجامع من غلة أوقافه والناس يمشون في صحن الجامع والأروقة حفاة يخلعون نعالهم متى دخلوا أحد أبوابه.

دار القرآن العشائرية : هي في غربي الرواق المتجه إلى الجنوب عمرها علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد الإمام علاء الدين أبو الحسن ابن الشيخ بدر الدين أبي عبد الله ابن عشائر الحلبي الشافعي المتوفي سنة ٧٨٨ وهي دار يدخل إليها من باب موجه شمالا كائن في بوابة تجاه المدرسة الشرفية قد اشتملت على إيوان في جهتها الشرقية موجه غربا وعلى غرفة في جهتها الغربية في طول ٨ ع وعرض ٤ ع مركبة فوق دهليز بوابة في الزقاق المذكور يرقى إليها بدرج في شرقي الدار مارا على سطح الإيوان المذكور وفي جهتها الشرقية قاعة عظيمة مفروشة بالبلاط الأصفر سقفها قبة عالية في وسطها بئر ولها شباك وثلاثة منافذ على صحن الدار ولها باب عظيم جميل على الرواق الشمالي من الجامع الكبير الأموي طول القاعة ١٢ ع و ١٥ ط وعرضها ١٠ ع و ١٠ ط وكانت تعرف بقاعة الحيشية نسبة إلى أبي بكر ابن محمد ابن أبي بكر الحيشي والظاهر من ترجمة المذكور أن بابها المفتوح إلى الرواق الشمالي من الجامع حادث وأنه كان في محله شباك كما أن هذه الدار لم تكن باقية على حقيقتها بل هي مأخوذ منها إلى البيوت المجاورة لها والله أعلم.

ولهذه القاعة مدرس يدرس في كل يوم له راتب شهري قدره مائة وخمسون قرشا وقد تواتر عندنا أن قريتي كرت وخيام في قضاء عينتاب موقوفتان على الدار المذكورة تصرف غلتهما على تعميرها وترميمها وعلى راتب المدرس وهما جاريتان الآن تحت تولية المتولي على وقف بيت الخطيب ولا نعلم واقفهما هل هو من بيت بني العشائر أم من بيت الخطيب أم من بيت الشيخ عبد الوهاب العرضي ويوجد في شرقي القاعة باب مسدود ينفذ منه إلى دار في جوارها يدعيها جماعة إنها وقف عليهم لأنهم من نسل الشيخ عبد الوهاب العرضي

__________________

(١) مفردها فرمان وهي المرسوم السلطاني.

(٢) وهي أوامر الإعالة والإنفاق.

١٩٦

الذي جعل القاعة سكنا له كما يفهم من ترجمته وبعض الناس يزعم أن الدار المذكورة وقف على القاعة والحقيقة مجهولة ورأيت في السجل كتاب وقف حافل وقفت فيه بانيها علاء الدين المتقدم ذكره شيئا كثيرا على الدار المذكورة سنة ٧٨٦.

أما مرتبات الجامع فهي : ثلاثة عشر ألفا وستمائة قرش أميرية باعتبار الذهب العثماني ١٠٠ قرش في كل شهر منها ألفان ومائة وأربعون قرشا تصرف للمدرسين وعددهم اثنا عشر وألفان وتسعون قرشا للمحدثين وعددهم ستة وعشرون وألف وسبعمائة وخمسة وسبعون قرشا للقراء والحفظة وعددهم سبعة عشر وألف وسبعمائة قرش للأئمة وعددهم أحد عشر للحنفي والشافعي ومنهم إمام قرية بنش وللخطباء وعددهم سبعة منهم خطيب جامع بنش وخطيب دارة عزة وألف وخمسة وسبعون قرشا للمؤذنين وعددهم أربعة عشر وألفان وستمائة وستون قرشا للخدمة وعددهم ثلاثون وباقي المبلغ المذكور يصرف على بقية لوازم الجامع وأقل راتب خمسة عشر قرشا وأكثره ثلاثمائة قرش سوى راتب نائب المتولي فإنه خمسمائة قرش ولشهر رمضان نفقات خصوصية قدرها ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعون قرشا ونفقات المولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ألف ومائة وخمسة وعشرون قرشا تنفق على الأشربة الحلوة والحلاوي وأجرة قارىء المولد والعشر ومنشد القصيدة والنفقات المتفرقة السنوية قدرها خمسة آلاف وخمسمائة وثمانية قروش تنفق على تنوير الجامع والمكانس والحصر وغير ذلك وقيمة الشمع العسلي الذي يحرق بالجامع أيضا سنويا ثمانمائة قرش فإذا ضربت رواتب الموظفين في اثني عشر شهرا بلغت مائة وثلاثة وستين ألفا ومائتي قرش فإذا جمعت هذا المبلغ إلى بقية النفقات المذكورة بعدها بلغت مائة وأربعة وسبعين ألفا ومائة وثلاثة وسبعين قرشا.

وكانت رواتب الموظفين المذكورين سنة ١٢٧٢ شهريا سبعة ألاف وخمسمائة وثمانية وسبعين قرشا وربع القرش كما يستفاد من دفتر اطلعت عليه ولم تكن فيه مقادير رواتب الموظفين متناسبة مع بعضها فقد كان يوجد بينهم موظف بالتدريس راتبه الشهري خمسة قروش ونصف القرش وموظف آخر مثله راتبه الشهري ثلاثمائة قرش ولا يوجد في هذا الدفتر راتب شهري أكثر من ثلاثمائة قرش ولا أقل من أربعة قروش ونصف القرش وهي وظيفة أحد الخطباء ثم عدلت المرتبات في السنة المذكورة فبلغت في الشهر ثلاثة عشر ألفا وخمسمائة قرش ثم عدلت مرة أخرى فاستقرت على ما قدمناه وفي سنة ١٢٤٢ كانت

١٩٧

المرتبات الشهرية كلها ثلاثمائة وواحدا وسبعين قرشا وثلاثة أرباع القرش وزيادة شهر رمضان مائتي قرش وفي أيام ولاية عصمت باشا سنة ١٢٧٦ تقريبا كتب إلى الباب الرابع العالي بقطع الوظائف كلها إلا ما لا بد منه وذلك بقصد جعلها منتظمة لأن أكثر الموظفين لم يكن ذا براءة بل كان الموظف يأخذ مرتبه بأمر المتولي فاستمرت مقطوعة إلى آخر أيام ثريا باشا في ولايته الأولى فعادت مرتبة على ما هي عليه الآن وقد زيد في بعضها ونقص من بعض ووظف من لم يكن له حق سابق.

أوقاف الجامع : أراض ومسقفات والأراضي منها قرى من أعمال حلب ومنها أراض في نواحي مدينة حلب فالقرى تبلغ نيفا وعشرين قرية تجبى من قبل الحكومة ولسنا نعرف منها سوى القليل وهو حصة من قرية بنش من عمل إدلب وأخرى من دارة عزة من عمل جبل سمعان وأما الأراضي التي في نواحي حلب فكلها خارج باب قنسرين إلى جسر الحاج وهي عشر كدنات خارج محلة المغاير محدودة قبلة باصطاب (١) الخيل وغربا بحد المحلة المذكورة وشمالا بالتلة السوداء وشرقا بدار الشيخ أزرق وثمان كدنات محلها ظهر إصطاب الخيل محدودة قبلة وغربا بالمقبرة التابعة محلة المغاير وشمالا بدار المرأة سالمة وشرقا بجورة الفردوس وكدنتان محلهما بين الدربين تجاه الرام بالقرب من مزار أسد الدين حدهما قبلة جسر الحاج وغربا أرض العليقة وشمالا الرام وشرقا الطريق ونصف كدنة محلها أسفل مأذنة أسد الدين محدودة قبلة بدور المغاير وغربا بالطريق وشمالا دور محلة الكلاسه وشرقا بكرم الحلاق وكدنات خارج باب قنسرين تعرف بأرض الدوار محدودة قبلة بأرض الفلاحة وغربا بالطريق وشمالا بمقبرة الشيخ نمير وشرقا بخندق باب المقام.

وأما المسقفات فقد قرأت في الدفتر المتقدم ذكره أن جميع الأسواق المحيطة بالجامع وكثيرا من أسواق المدينة القريبة من الجامع وقف عليه لكن الذي يجبى في زماننا من المسقفات لجهة الجامع هو سوق الصاغة وسوق الطواقين المحيطين بالجامع من جهته الشرقية سوى بضع دكاكين منهما فإنها مملوكة للغير وأكثر سوق الطيبية الكائن في شرقي الجامع أيضا يجبى لجهة الجامع وسوق الحبالين في جنوبي الجامع سوى بضع دكاكين منه وكان يجبي هذه المسقفات متولي الجامع المعروف باسم قائمقام أي نائب المتولي الذي هو السلطان

__________________

(١) لعله المكان المرتفع الذي تحذى به الخيل.

١٩٨

ثم في سنة ١٢٨٩ قام بعض الموظفين بالجامع والتمس من الحكومة أن تأخذ هذه المسقفات من المتولي وتدخلها في قلم محاسبة الولاية لتجبى بمعرفتها لأن المتولي يضيع غلتها فأجابت الحكومة إلى ذلك وصارت المحاسبة تجبي غلاتها تارة بواسطة ضامن يعرف بالملتزم وأخرى تجبيها مباشرة دون تضمين وكانت غلتها قبل الحرب العامة لا تزيد على ألف ذهب عثماني أما بعد هذه الحرب فقد أصبحت غلتها تربو على ألفي ذهب.

وللجامع أراض غير الأراضي التي تقدم ذكرها كان يؤخذ عليها أحكار معلومة محررة في الدفتر السابق ذكره فآثرت ذكرها أيضا وهي حكر أراضي أوقاف المدرسة الرضائية المعروفة بالعثمانية ثلاثة عشر قرشا وحكر بستان القبار ستة قروش ونصف وحكر أرض طاحون عريبه خمسة عشر قرشا وحكر أراضي خمس دكاكين جارية في وقف الجزماتي خمسة وثلاثون قرشا ونصف القرش وحكر مصبغة جارية في ملك ابن سويد في باب أنطاكية ستة قروش وحكر بستان الكشيفي خمسة وأربعون قرشا وحكر دكاكين في سوق الصاغة عشرة قروش ودكان في سوق العطارين ستة ودار قبالة طاحون عريبه ستة ودكان في سوق العطارين ستة وطاحون في السهلة اثنا عشر قرشا ودكان في الصاغة اثنا عشر ودكان في آخر القوافين ستة وطابونة شيخ الحارة اثنا عشر قرشا ودكان في جانبها ستة قروش ودكان في جانب جامع بانقوسا ستة ودكان خارج باب النصر عند سبيل محرم ستة وقاعة الساعاتي في خان القصابية ثلاثة قروش وجنينة الحصرم خارج باب أنطاكية ستة وجنينة العوفي وحكر سوق الذراع وحكر دكاكين في سوق الصياغ ستة قروش وثلاثة أرباع القرش ودكان أخرى فيه حكرها اثنا عشر قرشا وحكر خان العفص وهو جنينة الشيخ طه قرب الدباغة اثنا عشر قرشا والحكر المرتب على العادلية ستة قروش وثلاث بارات وبستان الشاهبندر اثنا عشر وحكر بستان الكلاب اثنا عشر وحكر التكية المولوية العتيقة اثنا عشر وسوق الجوخ القديم (الجاري الآن بتصرف بني الكتخدا) اثنا عشر قرشا وأرض اصطاب الخيل والتلة السوداء وكنز الشحادة خارج باب قنسرين خمسمائة قرش وأرض تجاه بستان حجازي إلى قبور النصارى إلى بستان القبار مع نصف التلة مائتا قرش والحكر المرتب على وقف إبراهيم خان اثنان وثلاثون قرشا وبستان اليهودية وقطعة أرض تجاهه وحكر قيصرية الحكاكين وحكر سوق القوافين وهو تسع وأربعون دكانا أربعمائة قرش تقريبا أقل ما على الدكان ستة قروش وأكثره اثنا عشر قرشا تقريبا معظم هذه الأوقاف من آثار نور الدين

١٩٩

محمود بن زنكي منها ما وقفه على الجامع ومنها ما وقفه على البيمارستان النوري الكائن تجاه مزار ومسجد الشيخ عبد الله في محلة الجلوم الكبرى بحلب ومنها ما وقفه على مشهد الحسين في سفح جبل الجوشن ومن أوقافه أيضا جميع المزارع المعروفة بمزارع أبي فضلون في جهة مقر الأنبياء خارج باب النيرب وهي ثلاثمائة وثمان عشرة كدنة كلها الآن في أيدي جماعة يطول بيان أسمائهم ويوجد في تلك الجهة أيضا نحو ثلاثة وخمسين بستان فستق في أيدي جماعة على كل حصة منها حكر سنوي معلوم وجميع ذلك من أوقاف نور الدين رحمه الله.

ورأيت في سجل مديرية الأوقاف صورة كتاب وقف هذا الجامع فأوردت هنا خلاصته أوله بعد البسملة : بسم الله المستوقف على سائر المستوقفين وهي خطبة طويلة ثم أن متولي الجامع إذ ذاك مصلح الدين بن مصطفى بك ابن عبد الله ادعى لدى الحاكم الشرعي وهو قاضي حلب محمد ابن المعمار إسحاق بأن الواقف سليمان بن عبد الملك بن مروان هو الذي بنى هذا الجامع ووقف عليه أوقافا عظيمة ثم بتوالي الأدهار والأعصار ضاعت تلك الأوقاف ونشأ بعدها الأوقاف الآتي بيانها ثم أثبت دعواه بشهود شهدوا تواترا يزيد عددهم على عشرين كلهم ثقاة علماء وإن وجوه البر التي تصرف عليها غلتها جار عليها التعامل القديم وحينئذ حكم القاضي بصحة الدعوى وتسجيل تلك الأوقاف بتاريخ غرة جمادى الأولى سنة ٩٢٤ والأوقاف المذكورة هي ١٨ دكانا في سوق الصياغين والخياطين والقلانسيين خياطي القلنسوة المعروفة بكوف بحلب و ٢٧ دكانا في السوق المذكور وغير ذلك من دكاكين هذا السوق التي تستوعب أكثره وبعض سوق الحرير وسوق زكريا وسوق الإسكافية وثمانية حوانيت في سوق السقطية وغير ذلك من الأسواق التي ذكرناها سابقا وبستان الأكشافي وجنينة المالح خارج باب الجنان وثلاثة أرباع قرية دارة عزة وكفرتين في جبل سمعان وعدة فدادين في قرية مجاورة لها وقرية حيلونة وأراض فسيحة من قرية كفر حمره وأخرى بعزاز وفدان في طعمع وآخر في جبرين وعدة فدادين في ناحية سرمين معروفة بوقف عبد الرحمن ومقاطعة في سوق العطارين ليشبك ومقاطعة سوق الدهشة والصابون لقيصر وجانيك ومقاطعة الحوانيت من أوقاف تمرتاش بك بسوق الأبارين ومقاطعة عرصة حوانيت سوق النحاسين لابن خطيب الناصرية ومقاطعة سوق السقطية لكمال الدين ابن بر مقسون ومقاطعة إصطبل بسوق حاتم في جنب المدرسة الرواحية وغير ذلك من المقاطعات

٢٠٠