نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٨

منهم نوبة وثلاثون لمؤذنين يوم الجمعة ومائة وثلاثون لفراش الجامع وخدامه وقيمة خمسة أرطال زيت في كل شهر للجامع وعشرة لقنوي الجامع وأربعون للجابي وتسعون للناظر وشرط التولية بعده على أرشد أولاده وأعقابهم وبانقراضهم فعلى أرشد واحد من المنتسبين إليه بالتربية والتسليك ثم على نائب القلعة إلى آخره في غرة رمضان سنة ٨٦٢.

ويوجد على باب هذا الجامع مكتب لتعليم الأطفال تجاه المالح من إنشاء شهاب الدين أبي العباس أحمد بن حمزة الزهراوي صاحب الوقف المسجل سنة ٧١٥.

مسجد الطرسوسي

محله في الصف الغربي على يسرة الداخل من باب قنسرين قبالة الكريمية بميلة إلى الجنوب وهو مسجد قديم يسكن فيه بعض الفقراء جدده أحمد بن التاجر سنة ٧٠٨ وهو فسيح في قبليته قبر يزعمون أن المدفون فيه زين العابدين وفي شرقي صحنه حجرة فيها سبيل ماء لها نافذة على الطريق العام وقد انهدمت وعمرها أهل الخير. ومن أوقافه دار قرب جامع الكختلي وبضع دكاكين في سوق هذه المحلة والمشهور بين أهل المحلة أنه كان كثير الأوقاف.

المدرسة الأسدية

محلها قرب جامع الطرسوسي المتقدم ذكره وهي مدرسة قديمة بناها أسد الدين شير كوه (بن شادي) بن مروان في حدود الستمائة وقد درس فيها الأفاضل وخرج منها جمع غفير من العلماء ، وكان لها وقف بدمشق ووقف بحلب ، وهو حصة بقرية سارد وحوانيت خارج بانقوسا استبدلها أحد الأغنياء بحانوت في سويقة حاتم ولها غير ذلك ولم يبق منها الآن سوى القليل ويوجد في دهليزها على يمنة الداخل مطهرة عمرت جديدا بسعي مدرسها الفرضي الشهير الشيخ عبد الله بن الأستاذ الشيخ معطي وفي الجهة الغربية من الصحن قبلية واسعة وفي الشمالية والشرقية حجر للمجاورين عددها ست وفي وسط الصحن حوض كبير مربع فوق عشر بعشر عمر سنة ١٣١١.

جامع صفي الدين

قديم في الزقاق الكائن تجاه المدرسة الأسدية المذكورة بميلة إلى الجنوبي غربي جامع

٨١

منكلي بغا بينهما الطريق ، فيه قبلية تعلم فيها الأطفال ولها شباك مطل على بوابة الديري ، وهو معطل لا وقف له وكان يعرف قديما بالتربة الصفوية.

جامع الشيخ حمود

حافل تقام فيه الجهرية. ومحله الجادة الكبرى والمعروفة قديما بدرب البنات قرب البيمارستان الكاملي من قبليه وله شيء من الأوقاف. وكان يعرف بمسجد منتخب الدين أحمد بن الإسكافي. على بابه دائرة بها كتابة كوفيه هي : عمر هذا المسجد منتخب الدين أحمد بن الإسكافي سنة ٥٤١).

البيمارستان الكاملي

ويقال له البيمارستان الجديد بناه (أرغون الكاملي) سنة ٧٥٥ ووقف عليه وقفا حافلا من جملته قرية بنّش العظمى (١) من ناحية سرمين وطاحونا ومزرعة في العمق. واجتهد في أمره ومهد بماله وإيوانه وأعد له الآلات والخدم ورتب لحفظ الصحة فيه أطباء وأباحه لكل وارد وصادر وأرواه بالمياه وشرط فيه قراء يقرءون طرفي النهار وخبزا يتصدق به. ورتب له جميع ما يحتاج إليه من الأشربة والكحل والمراهم والدجاج وغير ذلك وكان في محله دار لأمير فتوصل إليها بطريق شرعي ولم يغير بوابتها عن حالها إنما كتب عليها وهي عامرة. وهو بالحقيقة بيمارستان عظيم لا نظير له في ديارنا وغيرها من جهة سعته وإتقان عمارته وزخرفته. أحد بابيه تجاه خان القاضي وهو الآن متوهن البناء (٢) وأوقافه ما بين مضبوط وضائع وقد أدركناه كحبس للمجانين يعين لأحدهم من الجراية المعينة للمسجونين في سجن الحكومة رغيفان صباحا ومثلها مساء وله خادم يقوم بحراسة المجانين له راتب جزئي من جهة الأوقاف قد سكن فيه هو وأهله والعمارة الداخلية فيه وهي محل المجانين باب صغير إلى بوابة في جنوبيه وهو الآن مغلق وكأن المجانين كانوا يدخلون إليه من هذا الباب ثم في سنة ١٣٣٨ نقل أحد المجانين منه إلى مستشفى الغرباء وأغلق بابه ولم يبق فيه سوى

__________________

(١) وهي اليوم بلدة كبيرة بالقرب من مدينة إدلب وتقع بالقرب منها قرية الفوعة.

(٢) قامت مديرية الآثار بترميمه وإحيائه على أحسن وجه وعرض على مديرية الصحة بحلب لجعله متحفا طبيا ، والدراسات جارية بشأنه. استعارته دائرة السياحية مؤخرا لتقوم الفرقة الشعبية التابعة لها بالتدريب فيه.

٨٢

بعض الفقراء لحراسته. مكتوب على بابه الكبير(بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا البيمارستان الملك الناصر مولانا السلطان الملك الصالح بن السلطان الملك الناصر محمد ابن قلاون خلد الله ملكه الفقير إلى ربه أرغون الكاملي نائب السلطنة العظيمة بحلب المحروسة غفر الله له وأثابه الجنة في شهور سنة ٧٥٥) ، وعليه : «لما كان بتاريخ ربيع سنة ٨٢٥ اطلع مولانا المقر الأشرفي السيفي الملكي الصالحي مولانا الملك الآمر عز نصره وهو الناظر الشرعي على البيمارستان السيفي أرغون الكاملي بحلب المحروسة على ما شرطه الواقف أثابه الله في كتاب وقفه فمنع ما هو بغير شرط الواقف وملعون من يحدث فيه بغير ما شرط الواقف أثابه الله تعالى وغفر له ولمن كان السبب فيه وللناظر فيه بإحسان ، وبجانبه : «بحسب المراسم الشريفة العالية السلطانية الملكية الناصرية خلد الله ملكه وأدام اقتداره وملعون بن ملعون من يتعرض إلى وقفه أو يجدد عليه مظلمة ويكون خصمه رسول الله بتاريخ جمادى الأولى سنة ٨١٠ ه‍».

مسجد ميرو

على الجادة الآخذة إلى البيمارستان المذكور للمقبل عليه من جهة سوق النحاسين على صفه وكانت هذه الجادة تعرف بدرب بني سوادة. وهو مسجد منتظم تجاه قبليته رواق قائم على سود وصفر عظيمة وبابه ثلاثة أحجار عظيمة سود وهو مسجد قديم جدد سنة ١٢٣٨.

مسجد داخل بوابة خان القاضي

تجاه الخان المذكور في الصف الموجه جنوبا من هذه البوابة والمسجد قديم متوهن تقام فيه الجهرية وأظنه من بناء بني شنقس. وكانت هذه البوابة تعرف قديما ببوابة بيت دريهم ونصف.

سبلانها وقساطلها

قسطل بحضرة باب جامع الكريمية موجه جنوبا ملاصق اقميم حمام الجوهري : قسطل يعرف ببيت ميرو لصيق قاساريتهم من شماليها موجه جنوبا : سبيل يعرف بكور وزير شرقي

٨٣

جامع الأصفر المتقدم ذكره في الكلام على محلة الجلوم وهو جرن من الرخام الأصفر : قسطل باتصال خان الصابون شرقيه في جانبه دكان وقف عليه.

بقية مبانيها العظيمة

خان القاضي : تجاه باب البيمارستان معد لنزل المكارية وهو من إنشاء قاضي حلب كمال الدين المعري المدفون عند الفردوس أنشأه مدرسة فجاءته رسالة من انسان يطلب فيها منه أن يقرر شخصا في إمامتها فقال إنما أسسته خانا ورجع عن نيته وكان إنشاؤه سنة ٨٥٤ وكان في شمالي البيمارستان الكاملي خانقاه مكتوب على بابها (هذا ما وقفته ست العراق ابنة نجم الدين أيوب بن شادي عن ولدها سيف الدين في سنة ٥٧٤).

قارسارية بيت ميرو : باتصال الخان من شماليه معدة لبيع الغلات التجارية.

(خان الصابون قرب الحمام المالح تباع فيه الغلات). (الحمام المالح): تجاه جامع الكختلي. وحمام الجوهري نسبة إلى (أقبغا الجوهري) لأنه هو الذي بناه. مكتوب على نجفة بابها بعد البسملة (أنشأ هذا السبيل المبارك بباب الحمام الأشرفي العلائي أقبغا الجوهري الذي ماؤه من فائض الحمام الواصل من قناة حيلان ...) فالظاهر أن المراد بهذا السبيل هو السبيل المتصل باقميم هذا الحمام المتقدم ذكره في هذه المحلة (مصبغتان إحداهما وراء خان القاضي والأخرى في زقاق حمام المالح وفرنان أحدهما جار في وقف المدرسة الأسدية ومداران أحدهما فيه عرصة واسعة عليها حكر معلوم للقسطل الملاصق خان الصابون المذكور آنفا. ويلحق بهذه المحلة مقبرة كليب العابد الذي ينتسب إليه بنو طه المعروفون ببني الجلبي وتعرف المقبرة بمقبرة الكليماتي أو الكليباتي وهي مقبرة شهيرة فسيحة المساحة.

الأسر في هذه المحلة

أسرة بني فنصة التي ترجم المرادي أحد رجالها وسمى أسرته قنصة بالقاف المثناة. والغالب على رجال هذه الأسرة الامتهان بالتجارة وفيهم ذوات محترمون. ومن الأسر القديمة التي

٨٤

كانت في هذه المحلة أسرة بني ميرو وكان فيهم القضاة والعلماء والمؤرخون وقد تتابعت وفياتهم فلم يبق منهم باقية وأقدم أسرة في هذه المحلة كانت بيت دريهم ونصف وكانوا في زمانهم من أشهر الأسر الحلبية علما وثروة ووجاهة فعمهم الفناء عن آخرهم. وكان في هذه المحلة عدة دور عظام تبدلت معالمها ولم يبق منها ما يستحق الذكر.

٨٥

محلة ساحة بزه (د)

عدد بيوتها ٣٢٨

الذكور

الإناث

المجموع

الأقوام

٩٦٩

٩٨٤

١٩٥٣

المسلمون

٢٦

٠

٢٦

الأرمن

١٧

٢٤

٤١

اليهود

١٢٥

٥٠

١٧٥

الأجانب

١١٣٧

١٠٥٨

٢١٩٥

الجمع

 هذه محلة واسعة تعتبرها الحكومة محلة واحدة ، والرعية تعتبرها محلتين الثانية منهما السفاحية. ونحن جرينا على اعتبار الحكومة فوحدناهما ، يبتدئ خط حدّهما قبلة من حمام ساحة بزه الكائن في جنوبي ساحة بزه ماشيا إلى الغرب حتى يصل إلى قسطل الكبيسي إلى رأس بوابة قلعة الشريف مما يلي الجادة النازلة إلى باب قنسرين ومنه أي من الرأس المذكور يأخذ شمالا مارا من غربي جامع منكلي بغا المعروف بجامع الرومي وشرقي مسجد المحصب المعروف بالكريمية حتى ينفذ من المفارق الأربعة الكائنة عند جنينة جامع العدلية منعطفا من شمالي السوق الجديد المعروف بسوق الجوخ ماشيا شرقا حتى يطلع من وراء قاسارية الفرايين أي من شرقيها نافذا من قرب مستشفى الغرباء في سراي منقار (١) حتى يصل إلى السلطانية ومنها إلى الغوثية ومنها ينعطف جنوبا إلى الغرب إلى حمام الجرن الأسود المعروف بحمام الذهب ومنها يأخذ جنوبا إلى الغرب حتى يصل إلى حمّام ساحة بزة الذي هو أول

__________________

(١) سراي منقار اتخذتها الحكومة دارا لها وكانت تسمى دار العدل.

٨٦

هذا الخط فالمحلات المحيطة به على الترتيب محلة قلعة الشريف وداخل باب قنسرين والجلوم الكبرى والفرافرة. وحارة التونبغا المعروف بالمزوق وحارة الأعجام داخل باب النيرب والمغازلة. وكان في هذه المحلة درب يقال له الأسفريس (١) فيه مسجد نزله ولي الله العارف إبراهيم بن أدهم الذي ترجمه في فوات الوفيات وغيرها.

آثارها

جامع البق في زقاق الشيخ حسن ، على كتف الخندق في شماليه ملاصق من شرقيه اقميم حمام ساحة بزة. وهو مسجد عامر تقام فيه الصلوات والجمعة وله منارة وفي شمالي صحنه إلى الغرب حوض مربع مساحته فوق عشر بعشر ، بني الجامع محمد بن محمود سنة ١٠٤٧ كما يفهم من أبيات مكتوبة على حجرة فوق قنطرة باب قبليته مطلعها جزى الله خيرا من بنى مسجد التقى وعامله في كل أمر بلطفه.

وأوقافه داران أحدهما في هذه المحلة والأخرى في محلة تراب الغرباء كلمة البق يطلقها الحلبيون على البعوض وذكر قدماء مؤرخي حلب في عداد خواصها وعجائبها أن البق ما كان يوجد في حلب إلى أن اتفق عمارة بعض أسوارها ففتح فيه طاقة أفضت إلى مغارة كانت مسدودة فخرج منها بق عظيم عند فتحها وكانت في باب قلعة الشريف فحدث البق وقد كان الإنسان إذا أخرج يده عن السور سقط عليها البق فإذا أعادها إلى داخله ارتفع. اه. قلت لعل باب قلعة الشريف المذكورة كانت في موضع هذا المسجد فسمي جامع البق.

جامع الشيخ زين الدين

محمد بن الحاج حسن العجمي في الجادة الواسعة النازلة إلى محلة داخل باب قنسرين وهو سماوي مستطيل شرقا وغربا في شرقيه فيها قبران وبجانبها الجنوبي دكة فيها قبر يقال إنه قبر عز الدين العجي وفيه قبلية متوهنة يصلى فيها الجهرية وتعلم بها الأطفال وله وقف يبلغ دخله سنويا بضع آلاف قرش قد تغلب عليه بعض الناس وتاريخ وقفيته سنة ٩٧٢.

__________________

(١) لم نقف على سبب هذه التسمية ، ويعتقد بعضهم أنها ربما كانت رتبة عسكرية عثمانية.

٨٧

جامع منكلي بغا

المعروف بجامع الرومي وهو جامع حافل واسع له منارة عالية تصلى فيه الجهرية والجمعة ولا يعرف الآن له وقف مع ضخامته وحسنه وقد بناه (منكلي بغا الشمسي) سنة ٧٧٨ وهو غاية بالبهاء والاتقان ومحرابه من الرخام الملون والفسيفساء معتدل على القبلة ومنبره نهاية في الحسن من الرخام الأبيض وكذا سدته. وهو شرقي التربة الصفوية المعروفة الآن بمسجد الشيخ صفي الدين وكانت محلته قبل بنائه مكانا يباع فيه الخمر يقال لها محلة الأرمن فقيض لها هذا الرجل وبناه جامعا وصرف عليه من حلال ماله وكان (الحاج أحمد الصابوني ابن الحاج عبد الله) أنفق عليه مبلغا وافرا وعزم على تجديد ما توهن منه فأعجلته المنية قبل إدراك الأمنية وبقى هذا المسجد العظيم متوهن البنيان في عدة جهات منه. مكتوب على بابه (بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ هذا الجامع المعمور المبارك الفقير إلى الله تعالى المقر الأشرفي العالي المولوي المالك المخدومي السيفي أبو عبد الرحيم منكلي بغا الأشرفي كافل المملكة الحلبية حين كسر الأفرنج على إياس في غرة شهر صفر الخير سنة ٧٦٧ وهو يومئذ أتابك الجيوش المنصورة بالديار المصرية أدام الله مالكها مولانا السلطان الملك الأشرف أعز الله أنصاره) قلت ذكرت خبر كسرة الافرنج في حوادث السنة المذكورة فراجعه.

المسجد العمري

قرب الحدادية تجاهها بميلة إلى الجنوب بينهما عرض الطريق وأظن أن هذا المسجد هو الذي ذكرنا أنه نزله إبراهيم بن أدهم وأنه هو الذي كان يعرف بمشهد علي.

المدرسة الحدادية

محلها في السفاحية وراء قاسارية راغب آغا كجك زاده ، على يمنة السالك في الجادة إلى سراي إسماعيل باشا ولم أظفر بالاطلاع على محل هذه المدرسة إلا بعد الفحص الطويل وهي التي حول أصلها ابن الخشاب إلى مسجد ثم هدمها حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين ابن أخت صلاح الدين وصيرها مدرسة وبناها بناء وثيقا وهي الآن عرصة ضيقة لها باب مسدود بالحجارة المبنية وقد استولى جيرانها على قبليتها وسائر مرافقها وعاد اسمها

٨٨

مجهولا ومحلها مبهما. وكان على باب هذه المدرسة حوض فوقه مسجد جدده أقجا وكان في هذا الزقاق المعروف قديما بدرب الحدادين مسجد آخر جددته زوجة الحمزاوي كافل حلب ثم جدده بعض التجار وهو المعروف بمشهد علي المتقدم ذكره.

المدرسة السفاحية

قال ابن الخطيب : أنشأها (أحمد بن صالح بن أحمد السفاح) ورتب فيها مدرسا وخطيبا على مذهب الإمام الشافعي. وقال ابن الشحنة : بناها القاضي شهاب الدين سبط بني السفاح ووقفها على الشافعية وشرط أن لا يكون لحنفي فيها حظ إلا في الصلاة. أقول : الأصح ما ذكره ابن الخطيب فقد رأيت كتاب وقفها باسم الأول. وهكذا يفهم من الكتابة التي على بابها وهي (أنشأ هذا المكان المبارك ووقفه جامعا ومدرسة وشرط أن يكون إمامها وخطيبها شافعي المذهب الفقير إلى رحمة الله أحمد ابن السفاح الشافعي في شهور سنة ٨٢٨) ووقف هذه المدرسة حافل جدا مشتمل على طواحين وقاساريات وحمامات وأراض ومصابن وغير ذلك موقوفة على هذه المدرسة وجامعها وذرية الواقف المذكور وذكرنا في ترجمة (أبي بكر بن عمر بن أحمد بن عمر بن أحمد بن صالح) أن عمر ابن الواقف هو الذي وقف مدرسة أبيه بحلب والجملة فإن هذه المدرسة معطلة ومسجدها معمور تقام فيه الصلاة والجمعة وهو رحبة متوسط في السعة في شماليها حوض ولها قبلية عامرة ولها فوق باب الرحبة منارة جميلة الصنعة غير إنها متشعثة مائلة للخراب لا يصعد إليها أحد وفي جانب القبلية من شرقيها مدفن فيه قبور من جماعة من بني السفاح ورأيت في مسودة تاريخ ابن الملا أنه كان يوجد قبلي السفاحية مدرسة أقجا مملوك يشبك اليوسفي قال وتعرف الآن بالأدهمية. قلت الموجود الآن قبلي السفاحية دار يسكنها الناس.

جامع العادلية

قريب من المدرسة السفاحية لصيق أقميم حمام ميخان من شرقيه الشمالي بناه (محمد باشا ابن أحمد باشا ابن دوقه كين) في حدود سنة ٩٦٣ واشتهر هذا الجامع بالعادلية لأنه كان في جوار دار العدل التي هي دار الحكومة في ذلك الزمن وهي سراي منقار وهذا الجامع من مشاهير جوامع حلب فخامة وإتقانا وبهاء وأوقافه على كثرتها لا نظير لها من جهة

٨٩

قربها من بعضها وشرف بقاعها وهو مبني على نسق جوامع الروم رحبة متسعة في وسطها حوض مدور مسقوف برفرف ومحاط بشباك من الحديد والماء يؤخذ منه بواسطة (مباذل) في أسفله وفي الجهة الجنوبية من هذه الرحبة رواقان ممتدان من الشرق إلى الغرب على عرض القبلية الداخلي منها مسقوف بقباب محمولة على قناطر معقودة على عمد غليظة من الرخام الأصفر وهكذا الخارجي منها سوى أنه مسقوف بالأخشاب ويقطع هذين الرواقين من وسطيهما مسلك يؤدي إلى باب القبلية وهي واسعة جميلة تشبه قبلية البهرامية وصنعة بابها جميلة ولها شبابيك من جهاتها الثلاث الشرقية والجنوبية والغربية مطلة على جنينة محيطة بها في شرقيها قبور جماعة من ذرية الواقف وقد تجدد في الجهة الغربية من الرحبة حوض مربع فوق عشر بعشر.

وللجامع بابان غربي تجاه خان البرغل وفي دهليزه الأسفل ميضأة للجامع ، ثم في سنة ١٣٢٢ سد باب الميضأة من الدهليز وفتح عوضه لها باب من رحبة الجامع قرب حوضه المكشوف ، ثم يصعد من الدهليز المذكور بدرج إلى الجامع والباب الشرقي منه مساو لسطح الأرض تجاه عرصة المدرسة الأتابكية وقد رأيت كتاب وقف هذا الجامع موقعا بتوقيع أبي السعود أفندي مفتتحة بقوله تعالى بعد البسملة (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) وكأنه افتتح كتاب وقفه بهذه الآية تحدثا بنعمة الإسلام وقف في هذا الكتاب خانا قريبا من المدرسة السفاحية (هو خان الفرايين) شمالي دار السعادة (سراي منقار) وغربي سوق العطارين (سوق العبي) وقف اليشبكية وشرقي سوق الواقف (سوق الفرايين). وهذا السوق مشتمل على صفين شرقي وغربي وعدد دكاكينه خمسة وسبعون دكانا يحده قبلة الطريق وشرقا الخان المذكور وعمارة القاسارية وشمالا سوق الأبارين (سوق العطارين) وغربا حمام الدلبه (محلها سوق الحمام) وتلة عائشة وقاسارية شمالي الخان المتقدم ذكره (هي قاسارية الفرايين) قبلة دار السعادة شمالا سوق العطارين وغربا سوق الواقف وإليه الباب وخانا ثانيا تجاه حمام الست (حمام النحاسين) بالقرب من الجامع الكبير قبلة بيت الكنادي وشرقا السوق الجديد الذي أنشأه الواقف وإليه الباب وشمالا سوق النحاسين وغربا الطريق ومسجد بيت بني الحلفاء (وكان هذا السوق يعرف قديما بسوق الخراطين) وسوقا لصيق هذا الخان مشتملا على ستة عشرة دكانا سوى الدكاكين الأربع في مدخل الخان قبلة الطريق وشرقا حمام الست وشمالا السوق

٩٠

العتيق وغربا الخان المذكور وخانا ثالثا (هو خان العلبية) قبلة الطريق وشرقا سوق جار في الوقف وشمالا سوق جار في الوقف وغربا حمام الست والطريق وسوقين أحدهما (سوق الجوخ) صفين قبلي وشمالي وعدد دكاكينه اثنتان وأربعون دكانا قبلة تلة عائشة وحمام الست وشرقا حمام الدلبة وشمالا قاسارية الواقف والسوق العتيق وغربا سوق الواقف وثانيهما (هو عطفة سوق الجوخ بحضرة خان العلبية) صفين أيضا شرقي وغربي وعدد دكاكينه عشرون قبلة خان الوقف وشرقا دكاكين يدخل إليها من سوق الأبارين (هو سوق القبان) وشمالا سوق الأبارين وغربا قاسارية الوقف وقاسارية (هي قاسارية العلبية) قبلة سوق الوقف وشمالا سوق الأبارين وغربا السوق العتيق وسوق الوقف وشرقا السوق الثالث وإليه الباب (هو سوق العطفة المذكورة) وقاسارية يلاصق طرفها الشمالي حمام الست قبلة حمام الست وشرقا خان الوقف وشمالا سوق الوقف وغربا سوق الوقف وحصة من قرية هيلانة من أعمال حلب تشتمل على أرض معتملة ومعطلة ووعرة وسهلة ومبلغا من النقود قدره ثلاثون ألف دينار ذهب لتكمل بها بعض عمارات شرع بها أو يعمر بها ما أراد ويلحق بالوقف.

شروطه

شرط التولية بعده لأرشد أولاده الذكور ، وبانقراضهم فلأرشد أولاده الإناث وبانقراضهن فلأرشد عتقائه ، وبانقراضهم فلرجل دين أمين مستقيم ، وأن تصرف غلة وقفه أولا على جامعه الذي يعمره ثم يدفع منها يومية للمتولي خمسون درهما فضة وللكاتب أربعة وللجابي خمسة وللخطيب خمسة وأن يعين ستة حفاظ وسابع رئيسا عليهم يبتدئ بقراءة عشر يوم الجمعة قبل النداء ثم يقرأ كل واحد منهم عشرا ويعطى كل واحد منهم درهم ونصف ولرئيسهم درهمان وأن الرياسة لخطيب جامعه ورتب إمامين يصليان على التناوب يحضر كل منهما عند أداء الصلاة يومية كل واحد منهما أربعة دراهم وثلاثة مؤذنين يومية كل واحد منهم ثلاثة دراهم ورجلا مجودا يقرأ بعد صلاة الظهر والعصر عشرا يوميته درهم ورجلا يدعو بالدعاء المأثور المعروف بعد اختتام الأعشار ويفرق الأجزاء على من يحضر من أهل القرآن يوميته درهم ونصف وفراشين يقومان بخدمة الجامع يوميتهما درهمان وبوابا يوميته درهم ونصف وخادما لبيت الخلاء يوميته درهم وأن يصرف في كل يوم من الدراهم خمسة لزيت قناديل الجامع ودرهمان لحصره وألفا درهم في السنة لشمعتين كافوريتين يحرقان في السنة وشمعتين معمولتين بالدهن يحرقان ليلة البراء وخمسة آلاف درهم

٩١

في السنة لترميم الجامع وأوقافه. وشرط إن وجد من ذريته عجزة عن قوت يومهم يعطى لهم بالتوزيع من زوائد وقفه كل يوم عشرون درهما وإن وجد منهم واحدة أو اثنتان يدفع لهما قدر الكفاية من العشرين المذكورة وشرط إن ما فضل عن مصالح جامعه وتعمير أوقافه يقتسمه أولاده الذكور بالسوية فإذا انقرضوا ، فلأولاده الإناث وهكذا على ترتيب التولية حتى يؤول إلى رجل دين فيصرف الفضلة على الخيرات تحريرا في مستهل ذي الحجة ختام سنة ٩٦٣.

تنبيه : كان محل أكثر مباني هذا الوقف العظيم ميدانا يعرف بفندق عائشة ، قال الصاحب ابن العديم (ويغلب على ظني أنه منسوب إلى عائشة بنت صالح بن علي بن عبد الله بن العباس. اه.) ، وكانت عائشة هذه بارعة في الجمال تزوج بها موسى الهادي.

المدرسة الأتابكية

هذه المدرسة غير معروفة الآن لأنها ساحة خالية من البناء ومحلها تجاه باب جامع العدلية وباب قاسارية العلبية الذي فتح حديثا في جانب الجامع المذكور وكلا البابين يوجهان شرقا. وفي شماليها خان الفرايين بينهما زقاق ضيق أنشأها شهاب الدين طغريل بك الأتابك عتيق الملك الظاهر غياث الدين غازي نائب السلطنة بالقلعة الحلبية ومدبر الدولة بعد وفاة معتقه انتهت عمارتها في سنة ٦١٨ وأول من درس بها العلامة جمال الدين خليفة بن سليمان ابن خليفة القرشي الحوراني الأصل وبعده مجد الدين عبد الرحمن بن كمال الدين بن العديم ولم يزل بها إلى أن خرج من حلب فرارا من أيدي التتار أسوة بمن خرج من بلدته مع من كتب عليهم الجلاء من أهل حلب. واحترقت في زمن التتار ودرست ثم رممت بعد ذلك وكملت عمارتها واستقر في تدريسها العلامة شهاب الدين أحمد بن البرهان وكان مجتهدا في مذهب أبي حنيفة ثم تنازل عنها لكمال الدين أبي الفضل محمد بن الشحنة وقرية كمنون وقف عليها. وهي الآن ساحة خالية عن البناء.

مدفن كوهر ملك شاه

هذه عمارة تتصل بالأتابكية المتقدم ذكرها من جهتها الجنوبية وهي تشتمل على مدفن فيه (كوهر ملك شاه بنت عائشة السلطانة) وعلى مسجد لصيق مدفنها وكانت عمارته

٩٢

سنة ٩٥٩ وهو الآن متوهن والنفقة عليه من غلة أوقاف العادلية لأن الدفينة فيه جدتهم. وبقية الكلام عليه في ترجمتها فارجع إليها.

الخسروية

هذه عمارة عظيمة جدا تشتمل على جامع عظيم ومدرسة وتكية ومطبخ ومحلتها في غربي السلطانية وجنوبي سراي منقار وشرقيها. وكانت محلتها تعرف بمحلة البهائي أوصى بعمارتها (خسرو باشا) مولاه (فروخ بن عبد المنان الرومي) ودخل بعمارتها عدة أوقاف ومدارس ومساجد كما يعلم من ترجمة المذكورين. وكان انتهاء بنائها سنة ٩٥١ ، وهي أول جامع ومدرسة وتكية بنيت في أيام الدولة العثمانية بحلب من قبل رجالها على النسق الرومي ولم يبق الآن من هذه العمارة سوى جامعها ومدرستها. أما كتب وقف هذه العمارة فهي أربعة :

الأول : مفتتح بقوله بعد البسملة الحمد لله المحسن القريب السميع المجيب الذي من عامله لا يخيب إلخ. والواقف فيها هو الشيخ عمر ابن الشيخ عمر الإمام بقلعة حلب وكالة عن مصطفى باشا بن سنان أخي المرحوم خسرو باشا وقف فيها بستانا وثلاثة طواحين على نهر عمّر بمزرعة أرتاح من أعمال العمق وطاحونا بقرية تودل من أعمال عينتاب على نهر الساجور وشرط فيها أن يبتدأ من غلة الوقف بعمارته ثم يقبض الناظر لنفسه في كل شهر مائة وخمسين قطعة فضية سليمانية ويصرف في كل شهر خمسة وأربعين قطعة لكاتب على الوقف ومثلها للجابي و ٢٢٠ لشيوخ ثلاثة في أيامه مسلكين ذكرهم بأسمائهم ليدعوا له في خلواتهم ومن بعدهم فلمن يكون أهلا لذلك و ٣٠٠ لعشرة حفاظ يجتمعون في كل ضحوة بجامعه ويقرأ كل واحد منهم سورة الأنعام بالترتيل و ٣٠ لحافظ يقرأ سورة يس بعد صلاة الصبح و ٣٠ لحافظ يقرأ سورة النبأ بعد العصر على كرسي بالجامع المذكور و ٣٠ لحافظ يقرأ سورة الملك بعد صلاة العشاء و ٦٠٠ لثلاثين رجلا يختمون كل يوم بعد صلاة الصبح ختمة بجامعه ويجهرون بصيغة الختم على الطريقة المعروفة و ٣٠ لرجل يفرق الأجزاء عليهم وينقط تحت اسم المقصر منهم و ٢٠ للمؤذنين بالجامع المذكور ليدعوا له بعد الصلاة وشرط النصب والعزل وحساب الوقف لنفسه ثم من بعده فعلى من يكون ناظرا على وقفه وهو الناظر على جامعه أيضا تحريرا في أواخر جمادى الأخيرة سنة ٩٦٥.

٩٣

الوقفية الثانية : أولها بعد البسملة الحمد لله الذي شرع الأحكام وجعلها وسائل الانتظام إلخ. وقف فيها مصطفى باشا المشار إليه طاحونا على الساجور في قرية معرنا من أعمال عينتاب وطاحونا بقرية حريص من أعمال منبج على الساجور أيضا وأربعة حوانيت بمدينة عينتاب وشرط أن يصرف بعد التعمير والترميم كل شهر ٦٠ قطعة لأحد المشايخ المتقدم ذكرهم علاوة و ٣٠ لحافظ يقرأ عشرا بعد صلاة الظهر على الكرسي في جامعه وما فضل يصرفه الناظر على أمور شرعية معينة بما في ظاهر الكتاب الشرعي تحريرا في أواخر ربيع الأول سنة ٩٦٧.

الوقفية الثالثة : مفتتحة بعد البسملة بقوله الحمد لله الذي أجرى على يد من شاء من عباده المتصدقين ثوابا إلخ الواقف فيها خسرو باشا ابن سنان وقف فيها المكان الكائن تحت القلعة بحلب بمحلة ساحة بزه بالقرب من دار السعادة الذي هو جامع في قبليه بستان ومدفن فيه قبران أحدهما لقورد بك ابن الواقف وثانيهما لزوجة الواقف والدة ابنه المذكور وفي الجهة الشرقية ميضأة ومطهر لتغسيل الموتى وست حجرات من شمالي هذه إصطبل للجامع. وفي الجهة الغربية مدرسة فيها عشر حجرات ثمان للمجاورين الداشمندين وواحدة للمدرس وأخرى للبواب والجهة الشمالية عشر حجرات معدة للمسافرين وفي شرقي صحن الجامع من خارجه مطبخ بست قباب وكوانين وأثاف قبلة إصطبل الجامع وشرقا بيت المؤنة المخصوص بالجامع وشمالا قاسارية وقف الجامع وغربا رحبة الجامع وفي سماوي هذا المطبخ حجرتان هما بيت المؤنة المذكور ووقف لذلك إصطبلين في غربي الجامع وست دكاكين غربي قبلية الجامع وخمس دكاكين فوقها وست دكاكين مقابلة لها وفوقها خمس دكاكين أخرى وستة بيوت متلاصقات للدكاكين الست المذكورة وعشر غرف فوقها وست حجرات مقابلة لها وقاسارية (هي المعروفة في زماننا باسم الشونة) بعشرين مخزنا سفليا وثلاثين علويا جنوبي السروجيين وشرقي حوش الجوامع وحوانيت معدة للصباغين وفرنا وبيوتا عشرة علو ذلك وعشرة حوانيت ثمانية معدة للنشابين واثنان للسراجين وخانا مجاورا دار السعادة فيه أربعون مخزنا سفليا وخمسة وخمسون علويا وإصطبلا ودكاكين بالجانب الشرقي من باب الخان وثلاث دكاكين من الجانب الآخر ملاصقة بابه وفي وسط الخان رحبة بأدناها حوض ماء وهي مصلى بمحراب وفي شمالي الخان من ظاهره دكاكين تجاه باب دار السعادة وبالجملة فإن أوقاف هذه العمارة كانت مالئة جميع الفضاء المجاور من

٩٤

جهاتها الأربع بحيث كانت ممتدة من قرب البستان المعروف في زماننا بجنينة الفريق الكائن قبلي الجامع إلى قرب المدرسة السلطانية دائرة على دار السعادة وحمام الشيباني (محلها الآن مستشفى الغرباء) إلى سوق الضرب وهي ما بين دكاكين وقاساريات وخانات وكلها دثرت ولم يبق منها سوى المحل المعروف بالشونة الكائن شمالي الجامع المذكور.

ومن جملة أوقاف هذه العمارة خان قورد بك في محلة الفرافرة وهو من الخانات العظيمة في حلب وكأنه منسوب إلى ولد الواقف وحدده في الوقفية جنوبا بمسجد المدرسة الأزدمرية وشرقا الطريق وشمالا بيت ابن السفاح وغربا الطريق. ومن جملة أوقافها أيضا حمام الست ولم تزل جارية فيها وعدة دكاكين ودور في الفرافرة وغيرها ومزارع بناحية الجبول وجبل سمعان وطاحون بأرض قرية هيلانة وأرض في قضاء أنطاكية وقضاء حارم وناحية الجوم وعزاز ودكاكين بمدينة عينتاب وثلاثة طواحين وجنينة على نهر الصاروج في قضاء عينتاب ولها في ذلك القضاء عدة مزارع وكان لها على العاصي عدد عظيم من الطواحين والبساتين والمزارع والقرى وغير ذلك من الأوقاف التي يطول الكلام عليها وكان لهذه العمارة أربعة أبواب من كل جهة باب وكان الشمالي منها مسدودا داخلا في الشونة إلى أن كانت سنة ١٣٢٣ سعى جماعة من أهل الخير بفتحه بعد أن أخذ له من الشونة طريق خاص به.

شروطه

شرط أن يكون الإمام حنفيّا وأن يقرأ بعد فراغه من صلاة الجمعة صيغة الختم المعروفة وأن يكون المدرس في مدرسته حنفيّا والتولية بعده على الأرشد فالأرشد من ذريته وبانقراضهم فللأرشد فالأصلح من عتقائه وذريتهم وبانقراضهم فلمن يختاره الحاكم الشرعي بحلب وشرط أنه إذا لم يوجد من ذريته أهل للتولية فيولى واحد من عتقائه الموقوف عليهم وأنه متى وجد من ذريته وعتقائه أهل لأي وظيفة كانت من وظائف الوقف وشعائره فإنه يقدم على غيره ويعين بها وتؤول بعده إلى ولده إن كان أهلا وأن يصرف في كل يوم من القطع الفضية خمسون لأولاده تقسم بينهم على الفريضة الشرعية ثم من بعدهم فإلى أولادهم فإذا انقرض أولاد الذكور وذريتهم فلمن يوجد من أولاد البطون ومن العتقاء وذرياتهم وبانقراضهم يصرف ذلك في مصالح الوقف وأن يصرف كل يوم اثنتا عشرة ونصف قطعة لمتولي الوقف و ٤ لمباشر النظر على الوقف و ٢٥ لمدرس حنفي و ٨ لثمانية رجال من

٩٥

طلاب العلم يقرءون على المدرس بالمدرسة المذكورة و ٢ ١ / ١ لخطيب جامعه و ٢ ١ / ٢ لإمام الجهرية وهو الخطيب و ٢ لإمام السرية وأحد عشر درهما عثمانيا لشعرة يقرءون ما تيسر من القرآن في سدة جامعه قبل صلاة الجمعة ويختمون بالصيغة المعلومة درهمان لرئيسهم وتسعة بينهم و ٢ ١ / ٨ القطعة لأربعة مؤذنين بمنارة جامعه ٢ ١ / ٣ لرئيسهم والبقية بينهم وواحدة لرجل يدعو بعد قراءة السر محفل بسدة جامعه ويختم بالصيغة المعروفة و ٤ لكاتب على الوقف و ٣ لرجلين يقومان بجميع خدمة جامعه وأن يصرف في كل سنة قيمة مائة وثمانين رطلا من الزيت بالوزن الحلبي (١) لتنوير الجامع وسائر مرافقه وقيمة حصر وبسط وكراسي وأوان وما هو من لوازم الجامع وقيمة شمعتين توضعان بطرفي المحراب ويصرف كل يوم نصف قطعة لمبخر بجامعه وقطعة لبواب قبليته و ٢ ١ / ٦ لأربعة جباة اثنان يباشران جباية الجهات الخارجية ولكل واحد منهما قطعة ونصف والثالث يجبي المسقفات وله قطعتان والرابع يكون كاتبا له وله قطعة ونصف و ١٢ درهما لخمسة عشر قارئا يقرءون ما تيسر من القرآن بالأجزاء في جامعه ويختمون بالصيغة المعروفة وقطعة لرجل يباشر تفريق الأجزاء عليهم وجمعها منهم وحثهم على مباشرة قراءتهم ومن قطع منهم نقط تحت اسمه وقطعتان لكاتب كيلارتكيته ذكرها وقطعتان لبواب إصطبل التكية وقطعة لمباشر مرمات مسقفات وقفه وقطعة لقنوي جامعه ومطهرته ومدرسته وميضأته وبقية مرافقه ونصف قطعة لقنوي الخان الثاني وقطعة ونصف لطباخين بالتكية قطعة ونصف للمعلم وقطعة للتلميذ وقطعتان لرجلين ينقلان الطعام من المطبخ إلى التكية ويخدمان الأواني ونصف قطعة لمن يباشر تنقية الأرز وقطعتان لخبازين بفرن التكية للمعلم قطعة ونصف ونصف للتلميذ وقطعة لبواب مخزن الحطب وشرط أن يكون للقاضي بحلب تقرير المدرس والخطيب والكاتب على حكم ما شرط وأن يخبز في كل يوم مائتان وستون رغيفا وزن كل رغيف ٧٢ درهما كل عشرة رطل من دقيق الحنطة وأن يشتري كل يوم أربعة أحمال حطب كل حمل بقطعتين ونصف وأربعة أواق ملح للخبز وأربعة عشر رطلا من لحم الضأن تطبخ في كل يوم في العشاء وفي الغداء وعشرة أرطال من اللحم المذكور في كل ليلة من ليالي رمضان ويصرف كل يوم ثمانية أرطال من الأرز يطبخ شوربة مع اللحم المذكور ويؤخذ كل يوم ثمن كيلة

__________________

(١) الرطل الحلبي نحو ٤ ١ / ٣ أواقيّ ، والأوقية نحو ٣٠٠ غرام.

٩٦

من القمح الجيد يطبخ غداء مع اللحم المذكور ولكل يوم أربعة أحمال حمير حطبا ثمن كل حمل قطعة ونصف وقطعتان برسم توابل الطعام ويصرف علاوة على ما ذكر في كل ليلة جمعة عشرة أرطال أرز يطبخ حلوى وهكذا في كل ليلة من ليالي رمضان وأن يصرف في كل ليلة تطبخ فيها الحلوى المذكورة خمسة أرطال عسلا جيدا لطبخ الحلوى وثمن حملي حمار من الحطب بقطعتين وقطعة ثمن زعفران وأن تكون التكية ثلاث عشرة حجرة للمسافرين إلى آخر ما شرط تحريرا في أوائل جمادى الأولى سنة ٩٧٤.

قلت : ضاع أكثر أوقاف هذه العمارة وتعطل معظم شروطها وأشرفت سوى الجامع والمدرسة منها على الخراب وأصبحت حجرات الجامع مأوى للغرباء والفقراء وسكن في حجرات المدرسة خدمة المسجد مع عيالهم واستمرت الحالة على ذلك مدة تزيد على قرن وفي سنة ١٢٦٦ التي كانت فيها فتنة حلب (١) قصدها الثوار وصعدوا أسطحتها ونزعوا ما كان على قبابها من الرصاص وهو شيء كثير ربما يبلغ مائة قنطار بالوزن الحلبي فصبوه بندقا لأجل الرمي.

وفي سنة ١٣٣٠ نصب متوليا عليها المرحوم الشيخ رضا مفتي الألاي الدمشقي المعروف بابن الزعيم فجمع مقدارا من غلة وقفها وصرفه على تعمير الرواق والحجرات الموجهة إلى الجنوب وعلى تعمير المدرسة الكائنة في شرقيها الشمالي وبعد رحيله من حلب وضعت مديرية الأوقاف يدها عليه. وفي سنة ١٣٣٨ أهتم مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي بشأنها فرتب فيها مدرسين ومجاورين وجعل لكل واحد منهم معلوما يقوم بكفايته واعتنى بإعمار ما بقى من أوقافها فزادت غلاتها وربما تبلغ بعد قليل ألف ذهب عثماني بعد أن كانت لا تزيد على مائتي ذهب فعاد لهذه العمارة انتعاشها وأمنت على حياتها بعد أن وصلت إلى دور الاحتضار. هذا وإن الوقفيات التي أثبتنا خلاصتها هنا مما سجل في دمشق الشام بمواجهة محمد بك ابن عبد الله بك الوصي على مصطفى جلبي ابن قورد بك لأن الواقف كان قد توفي قبل التاريخ المذكور بعهد طويل ووقفه هذا كان بالإيصاء منه كما أشرنا إليه.

__________________

(١) وتسمى قومة حلب وهي في عام ١٢٦٦ ه‍ / ١٨٥٠ م.

٩٧

المدرسة الظاهرية

هي السلطانية تجاه باب القلعة من الجهة الجنوبية. وكان الملك الظاهر قد أسسها وتوفي سنة ٦١٣ ولم تتم وبقيت مدة بعد وفاته حتى شرع بإتمامها شهاب الدين طغريل بك أتابك الملك العزيز ابن الملك الظاهر فعمرها وكملها سنة ٦٢٠ وقد نشأ بهاجم غفير من العلماء الأعلام. وكان لها شهرة عظيمة في القرن السابع وما بعده إلى العاشر ثم اضمحل حالها وضاعت أوقافها ومعظمها أراض عشرية وآل أمر المدرسة إلى التعطيل والإهمال ومرت عليها الأيام والليال فتوهنت وتهدمت حجراتها وأكثر جدرانها داخلا وخارجا وكادت تعود ركاما إلى أن سعى بعض أهل الخير بترميم بعض جدرانها فصرف عليها نحو عشرين ألف قرش أخذها من الحكومة. قال ابن العديم وكانت مبنية بالحجارة الهرقلية المحكمة ومحرابها من أعاجيب الدنيا في حسنه وإتقانه وأراد تيمور أن يأخذه فقيل له لا يتركب على حالته الأولى فأبقاه وهي كثيرة الخلاوي للفقهاء وبركتها ينزل إليها بدرج. اه. ولها أوقاف غزيرة من جملتها عين دقنا من بلد عزاز العجم (١) وأخرى في خربتا من سرمين ولها جهات في حلب. وهي الآن سماوي يحيط به من جهاته الثلاث حجرات للمجاورين داخل أروقة كلها متهدمة لم يبق منها غير رسومها وفي الجهة الجنوبية من هذا السماوي قبلية عامرة وفي جانبها الشرقي مدفن فيه قبران أحدهما للملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين بن أيوب والآخر فيه بعض أخصائه ولها منارة صغيرة مشرفة على السقوط مشادة فوق بابها ومحرابها لم يزل باقيا على حسنه. لا يقام فيها صلاة مطلقا لأنها في محل خال من السكان : مكتوب على بابها بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين هذه المدرسة قد أمر بعمارتها وإنشائها في أيام السلطان الملك العزيز غياث الدنيا والدين محمد بن السلطان الملك المظفر غازي بن السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا والدين منقذ بيت الله المقدس من أيدي الكافرين أسكنه الله مجال رضوانه وفسائح جنانه وخلد سلطان الملك العزيز بالهمة والعدل والإنصاف وأنشأها تكية وتربة ولي أمره وكافل دولته القائم بقوانين حفظه العبد الفقير إلى رحمة ربه الجليل شهاب الدين أبو سعيد طغريل بن عبد الله الملكي الظاهري عفى الله عنه وجعله مدرسة للفريقين ومقرا للمشتغلين بعلوم الشريعة من الطائفتين الشافعية والحنفية والمجتهدين

__________________

(١) ربما قصد الغزي بها «نبل» الحالية وهي مركز ناحية تبعد عن حلب نحو ٢٤ كم على الطريق بينها وبين اعزاز.

٩٨

في الأشغال السالكين طريقة الأخيار الأمثال الذين يعينهم المدرس بها من الفريقين مشتملة على مسجد لله تعالى مشيد فيه مدفن السلطان الملك الظاهر قدس الله روحه ليناله ثواب قراءة العلم ودراسته وبركة القرآن وتلاوته فجزاه الله أفضل الأجر عليه وشرط فيها أثابه الله تعالى أن يكون المدرس شافعي المذهب والإمام للصلاة في مسجدها شافعي المذهب وكذا المؤذن غفر الله لهم أجمعين سنة ٦٢٠. مكتوب على شباك مدفنها(هذه تربة السلطان الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين منقذ بيت المقدس من أيدي الكافرين قدس الله روحهما ورحم من ترحم عليهما).

وظهر من كتاب وقف أن دار المرحوم السلطان صلاح الدين الأيوبي كانت في محلة ساحة بزة قرب جامع السلطانية وقد ذكرنا أن دور بني الشحنة كانت تحت القلعة قرب السلطانية ، ومن جملة ما كان في هذا الفضاء خانقاه تعرف بالخانقاه الشمسية في رأس درب هناك كان يعرف بدرب البازيار أنشأها شمس الدين أبو بكر أحمد أخو صاحب الشرفية في حدود سنة ٦٢١ وكان في ذلك السمت عدة خانقاهات ومدارس جهل محلها ولم يبق لها أثر من جملتها خانقاه جمال الدولة إقبال الظاهري برأس الدرب تجاه تربة الظاهر بالسلطانية ومن وقفها ربع الحمام العتيق ببانقوسا.

الغوثية

محلها شرقي السلطانية بميلة إلى الجنوب بينهما عرض الطريق وهي معدودة من زيارات حلب ، أدركناها سماويا في جهته الجنوبيه حجرة فيها مزار وبجانبه قطعة عامود حجر في طول ذراع وغلظ نصف ذراع. مكتوب فيه حفرا (علي) وفي جانب هذه الحجرة من شرقيها قبلية صغيرة فيها محراب من النحيت والسماوي يرقى إليه من بابه بدرج والباب كوة متسعة قليلا غلقها حجرة واحدة سوداء كثيفة وفي هذا السماوي أيضا خلوتان عامرتان يسكنهما أسرة تنتسب إلى الطريق نظمت هذا المحل وجعلت في وسط سماويه حديقة وحوضا صغيرا فصار موضعا نزها مفرحا يسمر فيه في ليالي الصيف جماعة من أهل العلم والأدب.

ثم في سنة ١٣٣٢ قررت الحكومة التركية أن تبني في تلك البقعة دارا للحكومة فهدمت الغوثية عن آخرها ونسفت تلال التراب التي كانت حولها وبدأت بالأسس ثم حدثت الحرب العامة ووقف العمل وكان نصب عليها متول واستدعى من الحكومة صرف مبلغ عليها

٩٩

فرخصت له بنحو أربعة آلاف قرش من دخل بعض أراضيها العشرية فصرفها على ترميم القبلية والمزار وجدرانها الظاهرة كل ذلك هدم ولم يبق له أثر.

وقد ذكر المؤرخون أن العمود الذي ذكرناه قد خطه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسنان رمحه. قال ابن شداد : (وله حكاية وهي أن أتابك زنكي لما أخذ المدينة وعاد إلى الشام أتفق أنه مر بصفين فاعترته حمى منعته القرار ثم زالت عنه في آخر الليل فنام فرأى في النوم كأن عليا يصف له دواء للحمى ودله على حجر هناك كتبه فلما أصبح استعمل الوصفة وسأل عن الحجر فدل عليه وسأل عن القصة فذكروا له أن عليا لما نزل الرقة شكا إليه أهلها ما يلقونه من السباع وكثرتها فجاء إلى هذا الحجر وكتب عليه شيئا ووضعه خارج الرقة فأمر أتابك بحمل الحجر إلى حلب فحمل على ناقة فلما وصلت به إلى مدينة حلب أرادوا رفعه إلى القلعة فأدخلوا الناقة من باب العراق وأخذوا بها في الطريق المعروف بالمبلط فبركت قريبا من رأسه فأثاروها فلم تقم فضربوها فعجت وأمتنعت من القيام فطرحوا عنها الحجر هناك فأمر أتابك بعمارة مسجد هناك ووضع الحجر فيه في بيت غربيه وذلك سنة ٥٣٦). وقيل إن الغوثية منسوبة إلى غوث بن سليمان بن زياد قاضي مصر وكان قدم حلب مع صالح بن علي بن عبد الله بن العباس والله أعلم.

مسجد النبي

محله في الصف الموجه شمالا في وسط البوابة المنسوبة إليه المعروفة ببوابة النبي تجاه سراي إسماعيل باشا من شرقيها والمشهور أن الدفين في هذا المسجد نبي الله كالب بن يوفنا من سبط يهوذا ولم أر من ذكره من مؤرخي حلب (١) ، وهذا المسجد عمارة ينزل إليها بدركات تشتمل على سماوي صغير في شرقيه بعض قبور في جنوبيه قبلية عامرة في غربيها مزار مفصول عنها بشبكة من حديد داخله ضريح عظيم وفي شرقي السماوي إلى جنوبيه دار صغيرة مشتملة على بيت يسكنه بعض الفقراء الموكلين بخدمة المسجد. مكتوب على صمدية تحت رجلي الضريح قصيدة طويلة غراء من نظم العلامة الشيخ (علي بن مصطفى الميقاتي) وهي :

__________________

(١) من الأخبار التي لا تستند إلى أي حقيقة علمية.

١٠٠