هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

كونه في عهدته يقتضي (١) جواز مطالبة الخروج عن عهدته (٢) عند تعذّر نفسه. نظير ما تقدّم (٣) في تسلّطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذّر في المثليّ.

نعم (٤) لو كان زمان التعذّر قصيرا جدّا ـ بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة والتدارك على أداء القيمة ـ أشكل الحكم (٥).

ثم الظاهر (٦) عدم اعتبار التعذّر المسقط للتكليف ،

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «انّ تسلّط» وضمير «عهدته» راجع إلى الضامن.

(٢) مرجع هذا الضمير وضميري «كونه. نفسه» هو «مال الناس».

(٣) حيث قال في الأمر السادس : «انّ دفع القيمة علاج لمطالبة المالك ، وجمع بين حقّ المالك بتسليطه على المطالبة ، وحقّ الضامن بعدم تكليفه بالمتعذّر أو المعسور».

(٤) استدراك على إطلاق حكمهم بضمان بدل الحيلولة حتّى في ما إذا كان زمان تعذّر الوصول إلى العين المضمونة قصيرا. والوجه في الاستدراك : أنّ بدل الحيلولة غرامة على الضامن لأجل تدارك حرمان المالك عن ماله مدّة التعذّر ، ومن المعلوم أنّ صدق عنوان «الغرامة» يتوقّف على حصول النقص والفوت على من له الغرم ، ومع قصر المدّة لا يصدق فوت مال المالك ولا نقصه عليه ، فلا موجب للغرامة.

(٥) منشأ الاشكال أمران ، يقتضي أحدهما الضمان ، والآخر عدمه ، فقاعدة السلطنة تقتضي جواز المطالبة حين التعذّر الموجب للانتقال إلى القيمة حتّى في المدّة القصيرة. وصدق التمكّن عرفا من ردّ العين ـ لقصر الزمان ـ يقتضي عدم الانتقال إلى القيمة.

ب : المراد بالتعذّر هو العرفيّ لا العقليّ

(٦) غرضه تحديد التعذّر الموجب للبدل ، وحاصله : أنّ الانتقال إلى بدل الحيلولة لا يناط بسقوط التكليف بوجوب ردّ العين ، فلو لم يصل التعذّر إلى هذا الحدّ

٥٦١

بل لو كان ممكنا (١) بحيث يجب عليه السعي في مقدماته لم يسقط القيمة (٢) زمان السعي.

لكن (٣) ظاهر كلمات بعضهم التعبير بالتعذّر.

______________________________________________________

وجب دفع بدل الحيلولة أيضا ، كما تقتضيه فتاواهم بالانتقال إلى القيمة في اللوح المغصوب ، مع إمكان الوصول إليه ولو بالسعي مقدّمات الإيصال إلى الساحل.

وبعبارة أخرى : المراد بالتعذّر ليس هو الامتناع الذي يعدّونه من مسقطات التكليف ، نظير الامتثال وانتفاء الموضوع ، كسقوط أحد المتزاحمين ـ المتساويين ملاكا ـ عن الوجوب الفعليّ التعيينيّ ، والتخيير في الامتثال. فلو كان التعذّر في المقام بهذا المعنى لم يبق موضوع لبدل الحيلولة ، لفرض بقاء صورتها النوعيّة على ما كانت عليه ، كالعبد الآبق واللوح المدرج في السفينة. فالمراد بالتعذّر هنا ما يجتمع مع التكليف بأداء العين ، حتى لو توقّف الوصول إليها على تمهيد مقدّمات والسعي إليها.

وقد ظهر أنّ تعبير المصنف قدس‌سره بالتعذّر ليس مساوقا للوجه الأوّل ـ وهو اليأس عن الوصول ـ حتى يكون ذلك تكرارا ، إذ التعذّر العقليّ المسقط للتكليف أخص من اليأس ، فإنّ عدم القدرة فعلا على تحصيل العين لا ينافي القطع بحصوله فيما بعد ، فضلا عن رجاء حصوله. كما أنّ اعتبار التعذّر العرفيّ في سقوط التكليف بردّ العين لا يساوق الصورة الأخيرة ، وهي الحكم ببدل الحيلولة بمجرّد التعذّر الفعليّ ، بل التعذّر العرفي أعمّ من التعذّر الفعلي والتعذّر في مدّة قصيرة.

(١) يعني : لمّا كان الوصول إلى العين ممكنا في نفسه ـ ولو بتمهيد مقدّمات ـ وجب السعي إليها ليظفر بها.

(٢) يعني : بدل الحيلولة.

(٣) هذا استدراك على إرادة التعذّر العرفيّ في المقام ، وحاصله : أنّ ظاهر كلمات بعضهم اعتبار التعذّر المسقط للتكليف ، كقول المحقّق قدس‌سره : «وإذا تعذّر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل» وقريب منه عبارة القواعد والدروس.

٥٦٢

وهو (١) الأوفق بأصالة عدم تسلّط المالك على أزيد من إلزامه بردّ العين ، فتأمّل (٢).

ولعلّ المراد به (٣) التعذّر في الحال

______________________________________________________

(١) غرضه قدس‌سره الاستدلال لما هو ظاهر تعبير جماعة بالتعذّر الذي يلوح منه سقوط التكليف بأداء العين. وتقريبه : أنّ الدليل على استحقاق البدل هو سلطنة المالك على ماله ، ولا ريب في اقتضائها جواز مطالبة البدل في مورد تعذّر الوصول إلى العين. أمّا لو لم يتعذّر الوصول إليها فقاعدة السلطنة تقتضي مطالبة العين ، لا بدل الحيلولة. ولو شكّ في ثبوت سلطنته على مطالبة كلّ من المبدل والبدل كان مقتضى أصالة عدم تسلّط المالك على أزيد من إلزامه بردّ العين عدم سلطنته على مطالبة البدل ، هذا.

(٢) الظاهر أنّه إشارة إلى الخدشة في الأصل المذكور ، إمّا لأنّه قد يفضي إلى تضرّر المالك بحرمانه عن ماليّة ماله ، فلو ثبتت له سلطنة المطالبة بالبدل لم يتضرّر بذلك ، وإن لم تصل إليه خصوصيّات ماله. وإمّا لأنّ السلطنة على مطالبة بدل الحيلولة لا تنافي سلطنته على العين ، لاختصاص زمان وجوب البدل بتعذر الوصول إلى العين ، وهو وقت السعي في مقدّمات تحصيل العين ، واختصاص وجوب ردّ العين بزمان حصولها عنده ، فلا تكليف بردّها قبل حصولها حتى يقال بنفي الزائد ـ وهو وجوب البدل ـ بأصالة عدم السلطنة.

(٣) غرضه توجيه أخذ «التعذّر» في الحكم ببدل الحيلولة ، وبيانه : أنّ ظاهر التعذّر وإن كان هو التعذّر المطلق ، يعني التعذّر في الحال والاستقبال ، بأن يحصل اليأس من الظفر بالعين ، لكن يحتمل إرادة التعذّر الفعليّ أي حين السعي في مقدّمات تحصيل العين ، فيكفي هذا التعذّر في جواز مطالبة بدل الحيلولة من الضامن ، لأنّ نفس تأخير تسليم المال إلى مالكه ضرر عليه ينبغي تداركه بالبدل ، هذا.

٥٦٣

وإن كان (١) لتوقّفه على مقدّمات زمانيّة يتأخّر لأجلها ذو المقدّمة.

ثم (٢) إنّ ثبوت القيمة مع تعذّر العين ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقّا للضامن ، فلا يجوز (٣) للمالك الامتناع ، بل (٤) له أن يمتنع من أخذها ، ويصبر إلى زوال العذر ، كما صرّح به الشيخ في المبسوط (٥).

______________________________________________________

(١) يعني : وإن كان هذا التعذّر الفعليّ مستندا إلى استلزام مقدّمات تحصيل العين لزمان طويل.

ج : جواز امتناع المالك من أخذ بدل الحيلولة

(٢) هذا فرع آخر ممّا يتعلّق ببدل الحيلولة ، وغرضه إبداء الفرق بين ثبوت القيمة مع بقاء العين ، وتعذّر ردّها إلى المالك ، وبين ثبوتها مع تلفها.

وحاصل الفرق أنّه في صورة التلف يجب على المالك أخذ القيمة ، لأنّ للضامن إبراء ذمّته بدفع القيمة ، لامتناع تكليفه بردّ العين ؛ فليس للمالك الامتناع من الأخذ. وفي صورة التعذّر يجوز للمالك الامتناع من الأخذ ، والصبر إلى زوال العذر وإمكان ردّ العين.

(٣) هذا متفرّع على المنفيّ ، وهو كون دفع القيمة ـ عند التلف ـ حقّا للضامن يجب على المالك قبولها.

(٤) معطوف على «ليس» يعني : أنّ للمالك الامتناع من أخذ بدل الحيلولة ، بأن يصبر إلى زوال العذر من ردّ العين. وهذا هو الفارق بين تلف العين حقيقة بذهاب صورتها النوعيّة ، وبين تلفها حكما بالتعذّر.

(٥) حيث قال قدس‌سره : «إذا غصب ملكا لغيره ، فخرج عن يده ، مثل أن غصب عبدا فأبق ، أو فرسا فشرد ، أو بعيرا فندّ ، أو ثوبا فسرق ، كان للمالك مطالبته بقيمته ، لأنّه حال بينهما بالغصب ..» (١). وغرض المصنّف من نسبة التصريح إلى الشيخ قوله «كان للمالك» لدلالته على كون المطالبة بالقيمة حقّا له ، وليس للغاصب الإلزام

__________________

(١) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٩٥.

٥٦٤

ويدلّ عليه (١) قاعدة تسلّط الناس على أموالهم.

وكما أنّ (٢) تعذّر ردّ العين

______________________________________________________

بأخذها ، فيجوز الصبر إلى الظفر بالعين المضمونة.

(١) يعني : ويدلّ على جواز امتناع المالك من أخذ القيمة ـ أي بدل الحيلولة ـ قاعدة السلطنة ، لاقتضائها جواز كلّ من مطالبة البدل الموقّت ، ومن الامتناع عنه ، بأن يصبر حتى الظفر بالعين ، أو إحراز تلفها ، فيأخذ بدلها الدائميّ المستقرّ على عهدة الضامن. وهذا بخلاف ما إذا تلفت العين ، لانقطاع سلطنته عليها من أوّل الأمر ، واستقرار بدلها في ذمّة الضامن ، فله تفريغها بأداء المثل أو القيمة ، ولا يجوز للمالك الامتناع من أخذ البدل.

د : خروج العين عن الماليّة

(٢) ظاهره بيان مورد آخر مما يجب فيه بدل الحيلولة ، وهو خروج المال عن التقويم ، توضيحه : أنّ المناط في ضمان بدل الحيلولة ـ كما تقدّم ـ أمران ، أحدهما : بقاء العين وعدم ذهاب صورتها النوعيّة ، وثانيهما : تعذّر إيصالها إلى المالك.

وبناء على اعتبار هذين يتّجه البحث عمّا إذا أمكن إيصال العين إلى مالكها ، لكنّها سقطت عن الماليّة ، فيحتمل لحوق هذا الفرض ببدل الحيلولة ، كما اختاره المصنّف قدس‌سره ويحتمل كونه من موارد التلف الحقيقيّ ـ لأنّ التموّل صفة مقوّمة لضمان العين ـ فالواجب حينئذ دفع البدل الدائميّ إلى المالك ، ولا ربط له ببدل الحيلولة الذي هو بدل محدود ومغيّا بالوصول إلى العين.

فإن قلت : مختار المصنف هنا ربما ينافي ما تقدّم في التنبيه السادس من حكمه بأنّ سقوط المثل عن الماليّة يوجب الانتقال إلى القيمة كالماء على الشاطئ والجمد في الشتاء. فتشتغل ذمّة الضامن بالقيمة ـ التي تكون بدلا دائميّا لا محدودا ـ ويسقط المثل عن العهدة.

٥٦٥

في حكم التلف (١) ، فكذا خروجه (٢) عن التقويم.

ثمّ إنّ (٣) المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف ،

______________________________________________________

وجه المنافاة : أنّ خروج المثل عن الماليّة لو اقتضى انقلاب ضمانه بالقيمة فليكن خروج العين عن التموّل مثله ، فكيف حكم المصنّف : بأنّه كتعذّر العين في أنّ البدل محدود من باب الحيلولة بين المال ومالكه؟

قلت : يمكن دفع التنافي بأنّ خروج المال عن التقويم على نحوين ، فتارة لا يرجى عود الماليّة إليه ، كاللحم المتعفّن والفاكهة الفاسدة ، فالواجب فيهما المثل أو القيمة من باب التلف الحقيقيّ ، لكون تلف الماليّة كتلف العين. واخرى يرجى عود الماليّة ، كما إذا ضمن ماء في المفازة ولم يتلف حتى وصل الشاطئ ، وأراد اجتيازه إلى مفازة أخرى ، فيقال : بأنّ للمالك مطالبة بدل الحيلولة عند الشاطئ ، ولو بقي الماء بحاله إلى الوصول إلى المفازة الأخرى وجب على الضّامن دفعه إلى المالك.

ولعلّ هذا الفرض الثّاني محطّ نظر الماتن هنا ، حيث عدّ سقوط المال عن التقويم من موارد بدل الحيلولة. مضافا إلى فرق آخر بين المقام والمثليّ ، بأنّ العين واجدة لخصوصيّتها الشخصيّة المضمونة ، ولا ينتقل إلى البدل إلّا بالتلف الحقيقيّ ، والمفروض عدمه. بخلاف المثليّ ، المشارك للعين في الصنف ، هذا.

(١) في وجوب البدل المحدود ، وهو بدل الحيلولة.

(٢) أي : خروج العين عن الماليّة ، فالأولى تأنيث الضمير.

ه : هل البدل ملك المضمون له أم مباح له؟

(٣) هذا فرع آخر ممّا يتعلّق ببدل الحيلولة ، والغرض منه بيان حكمه من حيث صيرورته ملكا لمن له الغرم أو أنّه يباح له التصرّف فيه. وأثبت المصنّف قدس‌سره كونه ملكا له بنفي الخلاف بين المسلمين ، واستوجهه بأنّ التدارك لا يحصل إلّا بصيرورة بدل الحيلولة ملكا للمغصوب منه ، حيث إنّ فوات المال عنه لا ينجبر إلّا بذلك.

٥٦٦

كما في المبسوط (١) والسرائر والخلاف والغنية. وظاهرهم (٢) إرادة نفي الخلاف بين المسلمين.

______________________________________________________

ولولا هذان الوجهان ـ وهما الإجماع واقتضاء الغرامة والتدارك الملكيّة ـ أمكن القول ببقاء بدل الحيلولة على ملك الغارم ، غاية الأمر أنّه يباح لمالك العين الانتفاع به والتصرّف فيه حتى بما يتوقّف على الملك ، ويشترط دخوله في ملكه بتلف العين.

وعليه فيكون بدل الحيلولة كالمعاطاة ـ بناء على نظر من تقدّم على المحقّق الثاني قدس‌سره من كونها مفيدة للإباحة ـ بلا فرق بين ما لا يتوقّف على الملك ، وما يتوقّف عليه كالعتق والبيع والهديّة ، وقد جزم بهذا الاحتمال المحقّق القمّيّ قدس‌سره على ما حكي عنه.

(١) حيث قال ـ بعد ما نقلناه عنه في (ص ٥٦٤) ما لفظه : «فإذا أخذ القيمة ملكها بلا خلاف ، لأنّه أخذها لأجل الحيلولة» (١). والغرض أنّ دعوى «عدم الخلاف» مصرّح بها في كلام السيد أبي المكارم ، وابن إدريس أيضا.

(٢) وفي مفتاح الكرامة أيضا : «وظاهرهما ـ يعني كلام الخلاف والغنية ـ نفيه بين المسلمين» (٢). يعني : أنّ الحكم ليس مجمعا عليه بين الإماميّة خاصّة ، بل هو متّفق عليه بين المسلمين. ومنشأ استظهار نفي الخلاف بين المسلمين هو قول شيخ الطائفة ـ بعد العبارة المتقدّمة ـ : «فإذا ملك القيمة فهل يملك المقوّم أم لا؟ فعندنا أنّه ما يملكها ، وأنّها باقية على ملك المغصوب منه» لظهور قوله : «فعندنا» في إجماع الإماميّة على بقاء العين في ملك المغصوب منه ، وإذا ظفر بالعين وجب ردّ بدل الحيلولة إلى الغاصب ، لخروجه عن ملك المغصوب منه حينئذ.

وربّما تكون نسبة الحكم إلى أصحابنا في هذه المسألة قرينة على أن مراده بنفي

__________________

(١) المبسوط ، ج ٣ ، ص ٩٥ ؛ الخلاف ، ج ٣ ، ص ٤١٢ ، كتاب الغصب ، المسألة ٢٦ ؛ غنية النزوع ، ص ٥٣٨ ، (ضمن الجوامع الفقهية) ؛ السرائر ، ج ٢ ، ص ٤٨٦.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٥٤.

٥٦٧

ولعلّ الوجه فيه (١) أنّ التدارك لا يتحقّق إلّا بذلك (٢).

ولو لا ظهور الإجماع (٣) وأدلّة الغرامة في الملكيّة لاحتملنا أن يكون مباحا له (٤) إباحة مطلقة وإن لم يدخل في ملكه. نظير الإباحة المطلقة في المعاطاة على القول بها فيها (٥) ، ويكون دخوله في ملكه مشروطا بتلف العين (٦).

______________________________________________________

الخلاف في المسألة السابقة نفي الخلاف بين المسلمين ، ولولاه لم يكن وجه للتعبير تارة بنفي الخلاف ، وأخرى ب «عندنا».

(١) اي : ولعلّ الوجه في تملّك المغصوب منه لبدل الحيلولة هو : أنّ تدارك حرمان المالك عن العين المتعذّرة إنّما هو بدخول البدل في ملكه حتى يتسلّط على التصرّف فيه ، كما كان يتصرّف في المبدل لو كان حاضرا عنده.

وهذا الوجه يستفاد من كلام الجواهر أيضا ، كقوله : «بل أدلّة الضمان التي منها ـ على اليد ـ شاملة لذلك قطعا فهي حينئذ مقتضية لملك المالك القيمة .. فالقيمة حينئذ مملوكة ، والعين باقية على الملك للأصل» (١).

(٢) أي : بكون المال المبذول ـ المسمّى ببدل الحيلولة ـ ملكا للمغصوب منه.

(٣) أي : على القول بالإباحة في المعاطاة ، غرضه : أنّه بالإباحة يتحقّق التدارك. ولا يتوقف ذلك على القول بالملكية ، فالموجب له هو ظهور الإجماع وأدلّة الغرامة.

(٤) أي : لمالك العين ، والمراد بالإباحة المطلقة ما يشمل التصرّف المشروط بالملك كالبيع.

(٥) أي : على القول بالإباحة المطلقة في المعاطاة ، لتحقّق التدارك بهذه الإباحة ، ولا موجب لدخول بدل الحيلولة في ملك مالك العين : فدليل القول بالملكيّة هو الإجماع وأدلّة الغرامة.

(٦) كما أنّ تملّك المأخوذ بالمعاطاة مشروط بتلف العوض.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٣١.

٥٦٨

وحكي الجزم بهذا الاحتمال (١) عن المحقّق القمي رحمه‌الله في أجوبة مسائله (٢).

وعلى أيّ حال (٣) فلا ينتقل العين إلى الضامن ،

______________________________________________________

(١) أي : احتمال الإباحة المطلقة.

(٢) الموجود في جامع الشتات كون بدل الحيلولة نوعا من الملك ، ولم يرد في كلامه التصريح بالإباحة ، ولكن الظاهر إرادة الإباحة ، لأنّه قدس‌سره أراد التفصّي عن إشكال الشهيد الثاني ـ الآتي قريبا ـ من أنّه يلزم الجمع بين العوض والمعوّض لو قلنا بصيرورة بدل الحيلولة ملكا لمالك العين ، والالتزام بالملك المتزلزل. فتخلّص المحقّق القمّيّ عنه بقوله : «فلا مانع من أن يكون ذلك نوعا من التملّك ، وحاصله : أنّ للمالك التصرّف [في البدل] للبدل حتى بالإتلاف والبيع وغير ذلك. وذلك مراعى إلى حين ظهور العين المغصوبة ، فإن ظهر العين والبدل باق فللغاصب استرداد ماله إذا كان باقيا ، بخلاف ما لو أتلفه» (١).

و : دفع بدل الحيلولة لا يقتضي انتقال العين الى الغارم

(٣) يعني : سواء قلنا بدخول بدل الحيلولة في ملك المضمون له أم بالإباحة المطلقة ، فلا ينتقل العين .. إلخ. وهذا فرع آخر ، وهو أنّ الغرامة التي يدفعها الضامن إلى المالك ـ بسبب الحيلولة ـ لا توجب دخول العين المضمونة في ملك الضامن ، للفرق بين العوض في العقود المعاوضيّة ، وبين بدل الحيلولة الذي هو غرامة ، وليس أداء للعين من حيث ماليّته حتى يستلزم دخول العين في ملكه من جهة امتناع اجتماع العوض والمعوّض عند واحد.

والحاصل : أنّ بدل الحيلولة غرامة يبذلها الضامن ، ولا تقتضي دخول العين في ملكه معاوضة ، كما أنّ البدل الدائميّ الذي يبذله الضامن لا يوجب صيرورة العين التالفة ملكا له ، هذا.

__________________

(١) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٥٢ ، السطر : ٦.

٥٦٩

فهي غرامة (١) لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه ، ودخول العين في ملكه ، وليست معاوضة ليلزم الجمع بين العوض والمعوّض ، فالمبذول هنا (٢) كالمبذول مع تلف العين في عدم البدل له.

وقد استشكل في ذلك (٣) المحقّق والشهيد الثانيان.

قال الأوّل في محكيّ جامعه : «إنّ هنا إشكالا ، فإنّه كيف يجب القيمة ويملكها الآخذ ، ويبقى العين على ملكه؟ وجعلها (٤) في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه» انتهى.

وقال الثاني : «إنّ هذا لا يخلو من إشكال من حيث اجتماع العوض

______________________________________________________

وقد تقدّم في عبارة المبسوط التصريح بعدم دخول العين في ملك الغارم ، ولكن استشكل فيه المحقّق والشهيد الثانيان ، وسيأتي.

(١) لا أداء للعين من حيث الماليّة حتى يلزم دخول العين في ملك الغاصب ببذل البدل.

(٢) هذه نتيجة كون بدل الحيلولة غرامة لا أداء للعين من حيث الماليّة ، يعني :

أنّ المبذول بعنوان بدل الحيلولة كالمبذول مع تلف العين.

(٣) يعني : في صيرورة بدل الحيلولة ملكا لمالك العين.

(٤) مبتدء خبره «لا يكاد» وغرض المحقّق الثاني قدس‌سره دفع دخل ، حاصله : أنّ بدل الحيلولة ليس في قبال نفس العين المضمونة حتى يلزم إشكال الجمع بين العوض والمعوّض في ملك المضمون له ، بل يكون البدل عوضا عن حيلولة الغاصب ـ بين العين ومالكها ـ المفوّتة لسلطنته عليها ، فلا إشكال حينئذ (١).

ودفعه المحقّق الثاني بأنّ بدليّة المثل أو القيمة عن الحيلولة ـ لا عن نفس العين ـ غير متّضحة ، إذ لو تلفت لزم عوضها وسقط التكليف بردّ العين ، وإن بقيت ـ كما هو الفرض ـ فما الدليل على استحقاق بدل محدود لأجل الحيلولة؟.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٢٦١.

٥٧٠

والمعوّض على ملك المالك من دون دليل واضح (١) (*).

ولو قيل (٢) بحصول الملك لكلّ منهما متزلزلا (٣) ، وتوقّف تملّك المغصوب منه للبدل على اليأس (٤) من العين ـ وإن جاز له التصرّف ـ كان وجها (٥) في المسألة» (١).

واستحسنه في محكي الكفاية (٦).

______________________________________________________

(١) يعني : لو دلّ دليل على جواز اجتماع العوض والمعوّض في ملك واحد أمكن الالتزام بمالكيّة المضمون له ـ هنا ـ لكلّ من العين وبدل الحيلولة ، ولكن حيث لا دليل عليه إثباتا يشكل المصير إليه.

(٢) غرض الشهيد الثاني التخلّص من محذور اجتماع العوض والمعوّض ـ بالقول بالملك المتزلزل لا المستقرّ ، فالمضمون له يملك بدل الحيلولة ، كمالكيّة ذي الخيار للمبيع متزلزلا ، واستقرار الملك مراعى باليأس من العين ، وقبل اليأس يجوز للمالك التصرّف في البدل بأنحاء التصرّف.

ولا يخفى عليك أنّ هذا الملك المتزلزل قول ثالث في المسألة في قبال كلّ من الملك المستقرّ ، والإباحة المطلقة.

(٣) أي : التزلزل مستمر إلى اليأس ، وبه يستقرّ الملك.

(٤) بل على التلف ، ويمكن أن يكون اليأس طريقا إليه.

(٥) إذ به يندفع إشكال الجمع بين العوض والمعوّض.

(٦) يعني : استحسن الفاضل السبزواري قدس‌سره القول بالملك المتزلزل لحلّ إشكال الجمع بين العوض والمعوّض.

__________________

(*) ظاهره كظاهر المستند عدم كون محذور اجتماع العوض والمعوّض عقليّا ، مع أنّ محذورة عقليّ ، لأنّ العوض في الملكيّة عبارة عن كون مال بدلا عن مال آخر ، بحيث تكون إضافة الملكيّة قائمة بمال لم يكن ملكا له.

__________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي قدس‌سره في مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٥٥ ؛ مسالك الافهام ، ج ١٢ ، ص ٢٠١ كفاية الأحكام ، ص ٢٥٩.

٥٧١

أقول : الذي ينبغي أن يقال (١) هنا : إنّ معنى ضمان العين ذهابها من مال الضامن ، ولازم ذلك (٢) إقامة مقابله من ماله مقامه (٣) ، ليصدق ذهابها من كيسه.

ثم (٤) إنّ الذّهاب إن كان على وجه التلف الحقيقيّ أو العرفيّ المخرج للعين

______________________________________________________

(١) ناقش المصنّف في كلام المحقّق والشهيد الثانيين والفاضل السبزواري قدس‌سرهم من جعل محذور اجتماع العوض والمعوّض مانعا من دخول البدل في ملك المضمون له ، ثم تخلّص الشهيد الثاني عنه بالملك المتزلزل.

وحاصل المناقشة : اقتضاء الدليل دخول البدل في ملك المضمون له ، وذلك لأنّ معنى ضمان العين ـ وكون عهدتها على الضامن ـ هو كون ذهابها من كيس الضامن ، بحيث يرد نقصان في ماله ، ولازم ذلك جعل مقابله من ماله مقام التالف في الملكيّة ، بمعنى : إقامة إضافة الملكيّة بما يبذله للمالك ، فما يدفعه إلى المالك يقوم مقام ماله التالف في الملكيّة. هذا في التلف الحقيقيّ.

وأمّا في تعذّر الوصول إلى العين كالمقام ـ وفوات الانتفاع بها ـ فمعنى الضمان تدارك السلطنة الفائتة ، وهذا المقدار وإن كان يتحقّق بإباحة البدل للمالك ، لتمكّنه من التصرّف فيه مطلقا ، إلّا أنّ الموجب للقول بمالكيّة المضمون له هو عدم جواز بعض التصرّفات للمباح له ، كالعتق والبيع والوقف ونحوها ، فيلزم قصر سلطنة المالك حينئذ ، ولا سبيل لتدارك تلك السلطنة المطلقة على ماله إلّا بدخول البدل في ملكه ، هذا.

وعليه فما أفادوه ـ من عدم دليل واضح على اجتماع العوض والمعوّض عند المالك ـ قد عرفت منعه ، لاقتضاء أدلّة الضمان جبر السلطنة الفائتة وتداركها ، ولا يكون إلا بالملك.

(٢) أي : ولازم ذهاب العين من مال الضامن هو إقامة مقابلها من ماله مقامها.

(٣) أي : مقام العين ، فالأولى تأنيث الضمير.

(٤) هذا تفصيل لقوله : «إنّ معنى ضمان العين ذهابها من مال الضامن»

٥٧٢

عن قابليّة الملكيّة (١) [الملك] عرفا وجب قيام مقابله من ماله مقامه (٢) في الملكيّة. وإن كان (٣) الذهاب بمعنى انقطاع سلطنته عنه وفوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكيّة وجب قيام مقابله مقامه (٤) في السلطنة ، لا في الملكيّة (٥) ليكون (٦) مقابلا وتداركا للسلطنة الفائتة. فالتدارك لا يقتضي ملكيّة المتدارك (٧) في هذه الصورة (٨).

______________________________________________________

وحاصله : أنّ لذهاب العين صورتين ، إحداهما : التلف الحقيقيّ أو العرفيّ ، والأخرى انقطاع السلطنة ، وهو التلف الحكمي ، وتقدّم بيانهما آنفا ، وسيأتي أيضا.

(١) الظاهر أنّ الصواب «الماليّة» لقيام المنافع بالشي‌ء من حيث كونه مالا ، لا ملكا. ويمكن توجيه «الملكيّة» بأنّها ـ في المقام ـ غالبا لا تنفكّ عن الماليّة ، فتتحد قابليّة الملكيّة والماليّة ، والأمر سهل.

(٢) أي : مقام العين في إضافة الملكيّة ، فيكون البدل الدائميّ ملكا لمالك العين التالفة. والأولى تأنيث الضمير ، كما مرّ.

(٣) معطوف على «إن كان» وهو بيان مورد بدل الحيلولة ، وأنّ حكمه الإباحة المطلقة ، وحاصله : أنّ المراد بالذهاب انقطاع سلطنة المالك عن ماله ، فاللازم جعل مال في مقابل السلطنة الفائتة عن ماله ، لا في مقابل الملكيّة ، فالتدارك لا يقتضي ملكية البدل المبذول لتدارك السلطنة ، إذ لا يتوقّف تداركها على ملكيّة البدل ، بل يحصل بالإباحة والسلطنة المطلقة عليه.

(٤) هذا الضمير وضمائر «عنه ، به ، مقابله» راجعة إلى «العين» فالأولى تأنيثها.

(٥) يعني : أنّ الفارق بين التلف الحقيقيّ وفوات السلطنة هو لزوم كون تدارك الأوّل بدخول البدل في ملك المضمون له ، بخلاف الثاني ، لكفاية إباحته له.

(٦) أي : ليكون هذا المقابل مقابلا للسلطنة الفائتة وتداركا لها.

(٧) بالكسر ، أى : البدل الموجب للتدارك.

(٨) أي : صورة انقطاع سلطنة المالك وفوات الانتفاعات.

٥٧٣

نعم (١) لمّا كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقّفة على الملك ، لتوقّف بعض التّصرّفات عليها ، وجب ملكيّته للمبذول ، تحقيقا لمعنى التدارك والخروج عن العهدة.

وعلى أيّ تقدير (٢) فلا ينبغي الإشكال في بقاء العين المضمونة على ملك مالكها (٣).

إنّما الكلام في البدل المبذول ، ولا كلام أيضا في وجوب الحكم بالإباحة (٤) وبالسلطنة المطلقة عليها.

______________________________________________________

(١) استدراك على أنّ التدارك لا يقتضي ملكيّة المتدارك ـ بالكسر ـ لكن لمّا كانت السلطنة المطلقة الجابرة للسلطنة الفائتة منوطة بالملك ، لتوقّف بعض التّصرّفات عليه ، وجب الحكم بكون البدل ملكا للمالك ، وذلك لأنّ التدارك يقتضي ذلك حيث إنّ السلطنة المطلقة الفائتة لا تتدارك إلّا بسلطنة مثلها ، فنفس انقطاع سلطنة المالك وإن لم يقتض ملكيّة بدل الحيلولة ، إلّا أنّ كيفية السلطنة الفائتة تقتضي كون السلطنة الجابرة لها مثلها.

(٢) يعني : سواء قلنا بملكيّة بدل الحيلولة للمالك ، أم قلنا بإباحتها المطلقة.

(٣) لعدم موجب لخروجها عن ملك مالكها ، ومع الشكّ يجري الاستصحاب ، وقد تقدّم أيضا بقوله : «وعلى أيّ حال فلا ينتقل العين إلى الضامن».

(٤) كما اختاره المحقّق القمّي قدس‌سره لكفاية هذه الإباحة المطلقة في جبر فوات سلطنة المالك على ماله ، ولا يتوقّف التدارك على دخول بدل الحيلولة في ملك المضمون له. نعم هذه الإباحة تستلزم الملك من أوّل الأمر ، أو تنتهي إليه عند التّصرّف ، حتى تصحّ التّصرّفات المشروطة بالملك فيه. وقد تقدّم تفصيل الكلام في رابع تنبيهات المعاطاة. لكن الذي تحصّل من كلامه هناك الإشكال في الإباحة المطلقة فراجع (١).

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٩٤ إلى ص ١٢٠.

٥٧٤

وبعد ذلك فيرجع محصّل الكلام حينئذ (١) إلى أنّ إباحة جميع التّصرّفات ـ حتى المتوقّفة على الملك ـ هل يستلزم الملك من حين الإباحة أو يكفي فيه حصوله من حين التّصرّف؟ وقد تقدّم في المعاطاة بيان ذلك.

ثم (٢) إنّه قد تحصّل ممّا ذكرنا (٣) أنّ تحقيق ملكيّة البدل (٤) أو السلطنة (٥)

______________________________________________________

(١) أي : حين وجوب الحكم بإباحة البدل والسلطنة المطلقة عليه.

ز : اشتراط وجوب البدل بفوات معظم منافع العين

(٢) هذا البحث يتعلّق بكون بدل الحيلولة ملكا أو مباحا لمالك العين ، والغرض منه تحديد موضوع البحث وحصر مورده بما إذا كان الفائت على المالك معظم الانتفاعات حتّى يتصف البدل بكونه غرامة. فلو كان الفائت منفعة غير مقوّمة لماليّة العين فمقتضى ما تقدّم عدم كون بدل الحيلولة ملكا ولا مباحا للمالك.

إلّا إذا حكم الشارع بغرامة العين ، فإنّها تكشف عن انتقال العين إلى الغارم ، كما في البهيمة الموطوءة ، فإنّ الشارع ضمّن الواطي قيمة الحيوان وأوجب نفيه عن البلد ، ولكن لا يسقط به عن الماليّة والتقويم ، وإنّما هو حيوان معيب ، فإيجاب دفع البدل يدلّ على تحقّق مبادلة شرعيّة بينه وبين الحيوان.

وهذا بخلاف سقوط العين عن الماليّة ، فلا يكون وجوب دفع البدل مقتضيا لخروج المبدل عن الملك ، لكون البدل غرامة للسلطنة الفائتة وللخروج عن الماليّة. وسيأتي مزيد بيان للمطلب.

(٣) يعني : من بقاء العين على ملك مالكها ، وكون دفع البدل غرامة عمّا فات من سلطنة المالك.

(٤) بناء على دخوله في ملك المضمون له.

(٥) بناء على إباحته له.

٥٧٥

المطلقة عليه مع بقاء العين على ملك مالكها إنّما (١) هو مع فوات معظم الانتفاعات به ، بحيث يعدّ بذل البدل غرامة وتداركا (٢). أمّا لو لم يفت إلّا بعض ما ليس به قوام الملكيّة (٣) ، فالتدارك لا يقتضي ملكه (٤) ولا السلطنة على البدل.

ولو فرض (٥) حكم الشارع بوجوب غرامة

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «أن تحقيق».

(٢) لأنّ التدارك عبارة عن «قيام شي‌ء مقام آخر فيما زال عنه من الأوصاف» ومقتضاه تعنون الشي‌ء الثاني بالعنوان الزائل عن الأوّل ـ من الملكيّة ـ في مورد الانتفاع بجميع وجوه المنافع.

(٣) الأولى تبديل الملكيّة بالماليّة ، لأنّ الانتفاع يدور مدار الماليّة لا الملكيّة كما هو ظاهر.

(٤) أي : ملك البدل ، ولو قال : «لا يقتضي ملك البدل ولا السلطنة المطلقة عليه» كان أقرب إلى السلاسة.

(٥) هذا حكم صورة بقاء معظم الانتفاعات مع وجوب البدل شرعا كالحيوان الموطوء ، وتوضيحه : أنّ الحيوان المقصود ظهره ـ كالخيل والبغال والحمير ـ إذا وطأه غير المالك لا يفوت معظم الانتفاعات به بمجرّد وطئه ، لأنّه يحرم بيعه في خصوص بلد الوطي ، لا مطلقا ، فلا يصدق التدارك هنا ، لأنّ المناط في صدقه بقاء الانتفاعات التي بها قوام الماليّة ، وهي باقية بعد الوطء أيضا ، لأنّ وجوب نفيه في بلد الوطي وبيعه في آخر لا يرفع مناط الماليّة ، فلا يصدق التدارك حتى يحكم بوجوبه على الواطئ. فحكم الشارع بغرامة القيمة ودخولها في ملك مالك الحيوان كاشف عن مبادلة شرعيّة بين الحيوان وقيمته ، فينتقل الحيوان إلى ملك الغارم تعبّدا ، وهذا تخصيص في ما تقدّم من قيام الإجماع على عدم خروج العين من ملك المضمون له في موارد بدل الحيلولة ، هذا.

ثمّ إنّ الشارع حكم حقيقة ـ لا فرضا ـ بوجوب التدارك في فوات بعض

٥٧٦

قيمته حينئذ (١) لم يبعد كشف ذلك عن انتقال العين إلى الغارم. ولذا (٢) استظهر غير واحد (٣) أنّ الغارم لقيمة الحيوان الذي وطأه يملكه ، لأنّه (٤) وإن وجب بالوطي نفيه عن البلد وبيعه في بلد آخر ، لكن هذا لا يعدّ فواتا لما به قوام الماليّة.

هذا (٥) كلّه مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها على ملكيّتها السابقة.

______________________________________________________

الانتفاعات مع عدم تقوّم الماليّة بها ، كالبهيمة الموطوءة المقصود ظهرها ، لقول الباقر عليه‌السلام في حسنة سدير : «وإن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها ، وجلد دون الحدّ ، وأخرجها من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد أخرى حيث لا تعرف ، فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها» (١). فالقيمة يملكها المالك ، كما أنّ الحيوان الموطوء يصير مملوكا للغاصب ، مع أنّه لم يفت ما به قوام ماليّته.

(١) أي : حين عدم فوات معظم المنافع التي تدور الماليّة مدارها.

(٢) أي : ولأجل كشف الغرم ـ مع بقاء معظم الانتفاعات ـ عن المبادلة التعبّديّة استظهر غير واحد مالكيّة الغارم للحيوان الموطوء.

(٣) كالشهيدين والسيّد الطباطبائي ، قال في الرياض : «وإن كان غيره ـ أي وإن كان الفاعل غير المالك ـ فالظاهر أن تغريمه القيمة يوجب ملكه للبهيمة .. وبذلك صرّح الشهيدان في النكت والروضة» (٢).

(٤) تعليل لدخول الحيوان الموطوء في ملك الفاعل ، وأنّ مجرّد نفيه عن البلد وبيعه في بلد آخر لا يسقطه عن الماليّة.

(٥) المشار إليه قوله : «ثم إنّ تحقيق ملكيّة البدل أو السلطنة المطلقة عليه» وحاصله : أنّ محطّ البحث عن مالكيّة المضمون له للبدل أو إباحته له إنّما هو في صورة بقاء العين على ماليّتها ، وكون الغرامة عوضا عن السلطنة الفائتة ، ففي مثله يقال بملكية البدل أو بالسلطنة المطلقة عليه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٥٧١ ، الباب ١ من أبواب نكاح البهائم ، الحديث : ٤.

(٢) رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٤٩٩ ، السطر ٩ ، الروضة البهية ، ج ٩ ، ص ٣١١.

٥٧٧

أمّا لو خرج (١) عن التقويم مع بقائها على صفة الملكيّة (٢) فمقتضى قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة مع بقاء العين على ملك المالك ، لأنّ (٣) القيمة عوض الأوصاف والأجزاء التي خرجت العين لفواتها عن (٤) التقويم ، لا عوض (٥) العين نفسها ، كما (٦) في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب ، فإنّ بقاءها على ملك مالكها لا ينافي معنى الغرامة ،

______________________________________________________

وأمّا لو خرجت العين عن التقويم ـ مع كونها باقية على ملك مالكها ـ فمقتضى قاعدة الضمان وجوب تمام القيمة ، لأنّ الغارم فوّت ماليّتها على مالكها. وقد تقدّم عدم التنافي بين كون كلّ من العين وغرامتها ملكا للمضمون له. فلو كسر إناء الغير وجب عليه دفع قيمته مع عدم خروج رضاضه عن ملكه ، وعدم انتقالها إلى ملك الغارم.

(١) الأولى أن يقال : «خرجت».

(٢) كالظروف المكسورة ، والدّهن الذي تنجّس بإلقاء القذر فيه ، بناء على عدم جواز الانتفاع به ، فيجب على الكاسر والملقي دفع تمام القيمة ، مع بقاء الظرف والدهن المتنجّس على ملك المالك.

(٣) تعليل لوجوب تمام القيمة مع عدم انتقال العين إلى ملك الغارم.

(٤) متعلّق ب «خرجت» و «لفواتها» علّة للخروج عن التقويم.

(٥) معطوف على «عوض الأوصاف» وبيانه : أنّه لو كانت القيمة عوض نفس العين لزم دخولها في ملك الغارم لئلّا يجتمع العوض والمعوّض عند واحد ، ولكن حيث كانت القيمة عوض الأوصاف أو الأجزاء لم يلزم الاجتماع.

(٦) هذا مثال لخروج العين عن التقويم لفوات أجزائها.

ويمكن أن يكون مثالا لفوات الأوصاف أيضا ، لأنّ وصف الاجتماع لأجزاء الماء دخيل في ماليّته ، والمفروض فوات ذلك الوصف الموجب لخروجه عن التقويم.

٥٧٨

لفوات (١) معظم الانتفاعات ، فيقوى عدم جواز المسح بها إلّا بإذن المالك (٢) ولو (٣) بذل القيمة. قال في شرح القواعد فيما لو (٤) خاط ثوبه بخيوط مغصوبة : «ولو طلب المالك نزعها وإن أفضى إلى التلف وجب ، ثم يضمن الغاصب النقص ، ولو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة» انتهى (٥).

وعطف (٦) على ذلك في محكيّ جامع المقاصد قوله : «ولا يوجب ذلك

______________________________________________________

وكيف كان فالمراد برطوبة الماء المغصوب ـ مع اعتبار إباحة الماء ـ هو الالتفات إلى غصبيّة الماء بعد الغسلتين وقبل المسحتين ، إذ لو أحرز غصبيّته قبل الوضوء لم يصحّ وضوؤه من أوّل الأمر.

(١) تعليل لصدق معنى الغرامة ، وحاصله : صدق الغرامة هنا ، لفوات معظم الانتفاعات المقوّم لصدق الغرامة.

(٢) إذ المفروض بقاء الرطوبة على ملك مالكها ، والمسح بها تصرّف فيها ، فجوازه منوط بإذنه ، لأنّ حرمة التصرّف من آثار الملك ، لا المال ، فلا يضرّ عدم صدق المال على الرطوبة.

(٣) وصليّة ، يعني : يقوى بطلان المسح بدون إذن المالك حتى إذا بذل القيمة.

(٤) هذه العبارة نصّ كلام القواعد ، وفيه أيضا : «وجب نزعها مع الإمكان ، ولو خيف تلفها لضعفها فالقيمة» (١).

(٥) هذا نصّ كلام المحقّق الثاني في شرح العبارة (٢). ومراده بالتلف بقرينة قوله بعده : «النقص» أنّ الخيوط تارة تتلف بالنزع ، لكونها ضعيفة تتقطّع وتخرج عن حيّز الانتفاع بها ثانية ، فلا تقابل بالمال. واخرى تنقص قيمتها. فعلى الأوّل يجب دفع تمام قيمة الخيوط إلى مالكها ، وعلى الثاني يجب دفع نقص ماليّتها.

(٦) هذا ظاهر في كون العبارة السابقة لغير جامع المقاصد ، مع أنّها عين كلامه

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ص ٨١ ، السطر ٦ (الطبعة الحجرية).

(٢) الحاكي هو السيد العاملي ، مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٨٥ ؛ جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٣٠٤ و ٣٠٥.

٥٧٩

خروجها عن ملك المالك كما سبق من أنّ جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين ، ولو استوعب القيمة أخذها (١) ولم تدفع العين» انتهى.

وعن المسالك في هذه المسألة : «أنّه إن (٢) لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة ، ولا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق ، فيجمع بين العين والقيمة» (١) (٣)

______________________________________________________

كما عرفت ، فالأولى أن يقال : «وعطف على ذلك قوله».

(١) يعني : لو كانت الجناية مستوعبة للقيمة أخذ المالك تمام القيمة ، مع بقاء العين على ملكه ، فيجتمع لديه العين والقيمة ، ولا يدفع العين إلى الضامن.

كما إذا غصب عبدا فجنى عليه بقطع يده ، فالدية المقدّرة نصف قيمة العبد ، لكن يفصّل في المسألة بين ما لو تنزّلت قيمة العبد ـ بهذه الجناية ـ عن نصف قيمته ، فيجب دفع أكثر من نصف قيمته ، وبين ما لو تنزّلت قيمته أقلّ من النصف تعيّن المقدّر الشرعيّ. مثلا إذا قوّم العبد المغصوب سليما بألف دينار ، كانت دية قطع يده خمسمائة دينار ، ولكن يلاحظ قيمة العبد مقطوع اليد ، فإن كانت خمسمائة كفى دفع الدية المقدّرة. وإن كانت قيمته أربعمائة دينار وجب دفع ستمائة ، ولا يجزي دفع خمسمائة دينار ، وهي الدية المقدّرة. هذا.

ولو جنى عليه جناية أخرى بحيث صار دية المجموع ألف دينار وجب دفع الألف ـ مع العبد المجنيّ عليه ـ إلى مالكه. والشاهد في جواز اجتماع العبد وقيمته في ملك مالكه.

(٢) عبارة المسالك : «وإن لم يبق ..».

(٣) يعني : فلا يدخل العين في ملك الضامن بدفع البدل ، بل كلّ من المبدل والبدل ملك للمالك.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ١٧٨.

٥٨٠