هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

.................................................................................................

______________________________________________________

قرائن داخليّة على مدّعاه ، وكان المناسب توضيحها تسهيلا للأمر على إخواننا المشتغلين أيّدهم الله تعالى. لكن لخوف الإطالة والخروج عن حدود التوضيح نقتصر على شرح ما لخّصه المصنّف في المتن ، فنقول وبه نستعين :

إنّ المراد بالحلف في قوله عليه الصّلاة والسّلام : «إمّا أن يحلف هو ..» ليس الحلف الذي يكون ميزانا لفصل الخصومة حتى يلزم مخالفة قاعدة «اليمين على المنكر والبيّنة على المدّعي» بل المقصود بالحلف هنا هو اليمين المتعارفة عند عامّة الناس بداعي تصديق الطرف الآخر وإذعانه بالمحلوف عليه ، كما يشاهد في مقام المعاملة ، فيحلف البائع مثلا على أنّ المبيع كلّفه كذا دينارا ، أو أنّه صرف عليه كذا مبلغا ، فيصدّقه المشتري ، ويرضى بالثمن ، ولولا اليمين بالأسماء المقدّسة لم تقنع نفس المشتري بما يدّعيه البائع.

وكذا الحال في حلف الموجر على الأجرة التي يجعلها على داره أو دكّانه.

ومن هذا القبيل اختلاف أبي ولّاد والمكاري في قيمة البغل ، فلو ادّعى المكاري قيمة عليا وحلف عليها رضي أبو ولّاد بها ، واحتمل عدم تصديقه إيّاه بدون الحلف.

وعلى هذا فلا ربط للحلف المذكور في الصحيحة بباب القضاء حتى تنخرم قاعدة «اليمين على من أنكر» إذ لا أثر في الصحيحة من الترافع إلى القاضي في خصوص معرفة قيمة البغل ، هذا.

فإن قلت : لو كان المراد من الحلف هو المتداول في مقام المماكسة عند المعاملة لم يكن وجه لتعبير الامام عليه الصّلاة والسّلام : «فان ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه» لأنّ ظاهر «الرّدّ» هو كون الحلف حقّا للمالك ابتداء ، وأنّ الحاكم الشرعيّ يأمر المالك بالحلف ، فإن أبى منه وجّهه الحاكم إلى الغاصب ، ومن المعلوم أنّ «ردّ اليمين» من شؤون القضاء وفصل الخصومة عند الحاكم والترافع إليه ، فلا وجه لحمل «الحلف» على ما يتداول بين عامّة الناس في مقام المعاملة ، هذا.

٥٢١

ويصدّقه (١) فيه من دون (٢) محاكمة. والتعبير (٣) بردّ [بردّه] اليمين على الغاصب من جهة أنّ المالك أعرف بقيمة بغله ، فكان الحلف حقّا له ابتداء خلاف (٤) الظاهر.

______________________________________________________

قلت : التعبير ب «ردّ اليمين» لا ينافي إرادة الأيمان المتعارفة بين الناس ، وذلك لخصوصيّة في هذه القصّة ، وهي أنّ تقديم قول المكاري ـ بضميمة حلفه على القيمة ـ ناش من كونه أعرف بقيمة بغلة من غيره ، فلذا حكم الامام عليه الصّلاة والسّلام بتوجّه اليمين إليه أوّلا ، فإن حلف ثبتت القيمة العليا في ذمّة أبي ولّاد ، وإن ردّ اليمين عليه ، فحلف على القيمة النازلة لزم على المكاري قبولها.

والحاصل أنّه : لا مانع من حمل الحلف في الصحيحة على الحلف المتعارف بين الناس ، ولا يراد به الحلف المعتبر في فصل الخصومة حتى يشكل استظهار قيمة يوم الغصب من الصحيحة.

(١) الضمير المستتر راجع إلى المحلوف له وهو أبو ولّاد ، والضمير البارز راجع إلى الحالف وهو المكاري. وضمير «فيه» راجع إلى «المحلوف عليه» المستفاد من العبارة ، والمراد به قول المكاري.

(٢) متعلّق ب «يرضى» يعني : أنّ الطرف الآخر يرضى بما يحلفه الحالف ، ولا حاجة إلى مراجعة المحكمة للحلف فيها.

(٣) مبتدأ خبره قوله : «من جهة» وتقدّم توضيح الدخل وجوابه بقولنا : «إن قلت .. قلت».

(٤) خبر قوله : «وحمل» وردّ له. وحاصل الرّدّ : أنّ شأن الإمام عليه الصّلاة والسّلام بيان الحكم الشرعيّ الكلّيّ ، والقانون العامّ لحلّ المنازعة بين المكاري وأبي ولّاد ، وليس عليه‌السلام بصدد إرجاعهما إلى ما تعارف بين الناس لحلّ المرافعة ، إذ لا عبرة بها لو لم تنطبق على الموازين الشرعيّة. هذا ما أفاده المصنف قدس‌سره وقد بيّن في التعليقة ما يتعلّق به ، فراجع.

فتحصّل : أنّ المؤيّد الثاني لضمان قيمة يوم التلف ـ دون قيمة يوم المخالفة ـ سليم عن الخدشة المتقدّمة.

٥٢٢

وهذا (١) بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف ،

______________________________________________________

(١) هذا مرتبط بقوله : «فإنّ العبرة لو كانت بخصوص يوم المخالفة» وتتمّة للمؤيّد الثاني ، وحاصله : أنّ مدلول الصحيحة إن كان ضمان قيمة يوم التلف لم يلزم خرق قواعد باب القضاء أصلا ، لإمكان حمل حكمه عليه الصّلاة والسّلام «بتقدّم قول المكاري بيمينه» على صورة من صور نزاعهما في قيمة البغل ، وحمل حكمه صلوات الله وسلامه عليه بقبول بيّنته على صورة أخرى.

توضيحه : أنّ اختلاف المكاري وأبي ولّاد في قيمة البغل يفرض تارة فيما إذا اتّفقا على قيمته يوم المخالفة بأن كانت خمسين درهما مثلا ، وادّعى أبو ولّاد نقصان ثمنه يوم التلف بأن صارت أربعين درهما ، وأنكر المكاري هذا النقص ، فيحمل قوله عليه الصّلاة والسّلام : «إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك» على هذه الصّورة ، وهو مطابق لقاعدة «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» وحيث إنّه لا بيّنة لأبي ولّاد على دعوى نقصان القيمة يتجه قبول قول المكاري بيمينه ، لموافقته لاستصحاب بقاء قيمة البغل على حالها.

وأخرى فيما إذا اتّفقا على عدم تغيير قيمته السوقيّة من زمان الغصب إلى زمان التلف ، وإنّما اختلفا في قيمته السابقة ، فالمكاري يدّعي أنّها خمسون درهما ، والغاصب ينكره ويقول إنّها أربعون درهما. ويحمل قوله عليه الصّلاة والسّلام : «أو يأتي صاحب البغل بشهود ..» على هذه الصّورة ، لكون الغاصب منكرا للزيادة ، ويطابق قوله للأصل ، والمكاري مدّعيا للزيادة ، وعليه إقامة البيّنة على أنّ قيمة البغل خمسون درهما ، وليس في هذا مخالفة لقانون القضاء «البيّنة على المدّعي» بل هو مصداق للقاعدة المسلّمة.

وثالثة فيما إذا اتّفقا على قيمة البغل يوم الغصب وأنّها خمسون درهما مثلا ، وادّعى المالك ارتفاعها إلى ستّين درهما يوم التلف ، وأنكر الغاصب هذا الارتفاع ، وأنّ القيمة لم تزدد على الخمسين. وهذه الصّورة وإن لم تذكر في الصحيحة ، لكن يعلم

٥٢٣

فإنّه (١) يمكن أن يحمل توجّه اليمين على المالك على (٢) ما إذا اختلفا في تنزّل القيمة يوم التلف ، مع اتّفاقهما أو الاطّلاع (٣) من الخارج على قيمته سابقا. ولا شكّ حينئذ (٤) أنّ القول قول المالك.

ويكون سماع البيّنة (٥) في صورة اختلافهما في قيمة البغل سابقا مع

______________________________________________________

حكمها من حكم الصّورة الأولى ، فيحلف الغاصب على نفي زيادة القيمة ، وإن نكل وردّ اليمين على المكاري وحلف على ارتفاع القيمة ، استقرّ على عهدة الغاصب حينئذ.

فالنتيجة : أنّ الصحيحة إن دلّت على اعتبار قيمة يوم الغصب لزم إمّا مخالفة قواعد القضاء كما عرفته مفصّلا ، وإمّا حمله على فرد نادر من موارد النزاع كما سيأتي توضيحه قريبا. وإمّا على التعبّد كما سيأتي أيضا. وإن دلّت على ضمان قيمة يوم التلف كان قبول قول المكاري بيمينه وقبول بيّنته مطابقا لموازين القضاء ، بعد حمل مورد الحلف على صورة ، ومورد البيّنة على صورة أخرى ، هذا.

(١) هذا تقريب مطابقة الصحيحة لموازين باب القضاء بناء على أمرين :

أحدهما : كون العبرة بقيمة يوم التلف.

ثانيهما : التفكيك بين موردي تقدّم قول المالك بيمينه ، وبين قبول يمينه ، كما عرفت.

(٢) متعلّق ب «أن يحمل».

(٣) يعني : أنّ اتّفاقهما على القيمة السابقة إمّا لعلمهما بها ، وإمّا لاستعلام القيمة من الخبراء والمقوّمين.

(٤) أي : حين اتّفاقهما على قيمته سابقا. والوجه في تقديم قول المالك حينئذ هو إنكاره لما يدّعيه الغاصب من نقصان قيمة المعيب.

(٥) هذه صورة ثانية من صور نزاعهما في قيمة البغل. وفي هذا الفرض تكون وظيفة المالك إقامة البيّنة ، ولا مورد ليمينه ولا ليمين الغاصب ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «واخرى فيما إذا اتفقا على عدم تغيير قيمته السّوقيّة .. إلخ».

٥٢٤

اتّفاقهما على بقائه عليها إلى يوم التلف ، فيكون (١) الرّواية قد تكفّلت بحكم صورتين من صور تنازعهما. ويبقى بعض الصور ، مثل : (٢) دعوى المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة (٣). ولعلّ حكمها ـ أعني حلف الغاصب ـ يعلم من حكم عكسها (٤) المذكور في الرّواية.

وأمّا على تقدير كون العبرة في القيمة بيوم المخالفة فلا بدّ (٥) من حمل

______________________________________________________

(١) هذا متفرّع على ما تقدّم من حمل مورد قبول حلف المالك على الصّورة الاولى ، وحمل مورد قبول بيّنته على الصّورة الثّانية.

(٢) هذه هي الصّورة الثّالثة من صور النزاع ، وقد تقدّم توضيحها أيضا.

(٣) يعني : عن قيمة يوم المخالفة ، المتّفق عليها بينهما.

(٤) أي : الصّورة الاولى ، وهي اختلافهما في تنزّل القيمة ـ يوم التلف ـ عن قيمتها السّابقة المتّفق عليها.

هذا كلّه في توجيه الصّحيحة بناء على كون العبرة بقيمة يوم التلف.

(٥) غرضه من هذا الكلام إلى الشروع في استفادة ضمان أعلى القيم هو توجيه الصّحيحة بناء على دلالتها على ضمان قيمة يوم المخالفة ، بذكر وجهين ، والمناقشة فيهما.

توضيح الوجه الأوّل : أنّه يمكن تطبيق الصحيحة على قاعدة «الحلف وظيفة المدّعى عليه ، والبيّنة وظيفة المدّعي» بحمل قوله عليه الصّلاة والسّلام : «إما أن يحلف هو فيلزمك» على صورة من صور النزاع ، وهي ما إذا اتّفقا على قيمة البغل في اليوم السابق على يوم المخالفة ، بأن كانت خمسين درهما ، ثم اختلفا في قيمته يوم المخالفة ، بأن ادّعى الغاصب نقصانها يوم المخالفة إلى أربعين درهما ، وادّعى المالك بقاءها على الخمسين درهما ، إذ يكون المالك حينئذ منكرا ، لموافقة قوله لأصالة عدم النقصان ، فيتّجه قبول قوله مع يمينه.

وكذا الحال لو اتّفقا على قيمة البغل في اليوم اللاحق ليوم المخالفة ، وهي خمسون درهما ، ولكن الغاصب يدّعي كونها في يوم المخالفة أربعين ، فيتّجه قبول يمينه ، لموافقة قوله للاستصحاب القهقرائيّ الدالّ على كون قيمته يوم المخالفة خمسين درهما.

٥٢٥

الرّواية على ما إذا اتّفقا على قيمة اليوم السّابق على يوم المخالفة ، أو اللاحق له (١) ، وادّعى الغاصب نقصانه عن تلك (٢) يوم المخالفة. ولا يخفى بعده (٣).

وأبعد منه (٤) حمل النّصّ على التّعبّد ، وجعل حكم خصوص الدابّة

______________________________________________________

والحاصل : أنّه بناء على حمل الصحيحة على هذه الصورة من صورة النزاع لا يلزم مخالفة قاعدة القضاء. لكن ردّه المصنّف قدس‌سره بالبعد ، وسيأتي توضيحه كما سيأتي توضيح الوجه الثاني إن شاء الله تعالى.

(١) أي : ليوم المخالفة.

(٢) أي : عن تلك القيمة المتّفق عليها ، والظرف منصوب ل «نقصانه» أي : وقع النقصان في يوم المخالفة.

(٣) لعلّ وجهه عدم ابتلاء الغاصب بالبغل قبل المخالفة ليتمشّى منه موافقة المكاري على قيمته قبل الاكتراء ، فيلزم حينئذ حمل الصحيحة على فرد نادر ، لأنّهما لو اتّفقا على قيمة البغل قبل المخالفة بيوم ـ أو بعدها كذلك ـ كانت دعوى الغاصب نقصان القيمة في يوم المخالفة بعيدة جدّا ، إذ ليست البغال كسائر أموال التّجارة التي تتغيّر أسعارها وأثمانها تغييرا فاحشا في يوم أو يومين.

وحيث كان هذا الحمل بعيدا كان الأولى حملها ، على الصّورتين المتقدّمتين المبتنيتين على ضمان يوم التلف.

(٤) أي : من حمل الرّواية على ما إذا اتّفقا .. وهذا التّوجيه الثاني يستفاد من فتوى شيخ الطائفة قدس‌سره في موضعين من النهاية ، ولا بأس بنقل كلامه فيهما تسهيلا للأمر على إخواننا أعزّهم الله تعالى.

فنقول : قال ـ في باب بيع الغرر والمجازفة وما يجوز بيعه وما لا يجوز ـ ما لفظه : «ومن غصب غيره متاعا ، وباعه من غيره ، ثمّ وجده صاحب المتاع عند المشتري كان له انتزاعه من يده. فإن لم يجده حتى هلك في يد المبتاع رجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه إيّاه .. فإن اختلف في قيمة المتاع كان القول قول صاحبه مع يمينه بالله تعالى» (١).

__________________

(١) النهاية ، ص ٤٠٢.

٥٢٦

أو مطلقا مخالفا للقاعدة المتّفق عليها نصّا وفتوى من «كون البيّنة على المدّعي

______________________________________________________

ووجّهه المحقّق بقوله : «إنّما كان القول قول المالك ، لأنّ الثابت في الذّمّة هو الشي‌ء المغصوب ، فإذا ادّعى الغاصب أنّ القدر المدفوع هو قيمته ، وأنكر المالك ، كان القول قوله ، لأنّ الغاصب يدّعي خلاص ذمّته ممّا هو ثابت فيها بالقدر المدفوع ، وأنّ القدر هو قيمة ما في الذّمّة. وعلى هذا التخريج لا تكون هذه الصورة خارجة عن الأصل» (١).

هذا كلّه فيما اختاره شيخ الطائفة في بيع المغصوب في كتاب المتاجر.

وقال في باب الإجارة ـ في من اكترى دابّة على أن يركبها إلى موضع مخصوص ، فتجاوزه ـ ما لفظه : «ومتى هلكت الدابّة ـ والحال ما وصفناه ـ كان ضامنا لها ، ولزمه قيمتها يوم تعدّى فيها. فان اختلفا في الثمن كان على صاحبها البيّنة ، فإن لم تكن له بيّنة كان القول قوله مع يمينه. فإن لم يحلف وردّ اليمين على المستأجر منه لزمه اليمين ، أو يصطلحان على شي‌ء. والحكم فيما سوى الدّابّة فيما يقع الخلف فيه بين المستأجر والمستأجر منه ، كانت البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» (٢).

وهذا الكلام صريح في اختصاص الدّابّة المغصوبة بحكم ، وهو الجمع بين مطالبة البيّنة من المالك ، ثم قبول قوله مع اليمين. والوجه فيه ـ كما صرّح به المحقّق في نكت النهاية (٣) ـ العمل بصحيحة أبي ولّاد. فتكون مخصّصة لقاعدة «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» وأمّا غير الدّابّة مما يقع الخلاف في ثمنه فمشمول لعموم القاعدة.

وقد ظهر بما نقلناه من كلمات الشيخ والمحقّق قدس‌سرهما اختلاف كلامي الشيخ في بابي البيع والإجارة ، ففي بيع المغصوب حكم بتقديم قول المالك مطلقا ، سواء أكان المغصوب دابّة أم غيرها. وفي باب الإجارة خصّ الحكم بالدّابّة المغصوبة

__________________

(١) النهاية ونكتها ، ج ٢ ، ص ١٧٩.

(٢) النهاية ، ص ٤٤٦.

(٣) النهاية ونكتها ، ج ٢ ، ص ٢٨٠ و ٢٨١.

٥٢٧

واليمين على من أنكر» كما حكي عن الشيخ في بابي الإجارة والغصب (١).

______________________________________________________

عملا بصحيحة أبي ولّاد. ولأجل هذا الاختلاف عبّر المصنّف ب «أو» فقال : «خصوص الدّابّة أو مطلقا».

إذا اتّضح ما ذكرناه ـ من صحّة نسبة هذا الحمل إلى شيخ الطائفة قدس‌سره ـ قلنا في توضيحه : إنّ الأصل المقرّر في باب القضاء من «أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» حكم شرعيّ كلّيّ كسائر القواعد الشرعيّة العامّة القابلة للتخصيص كقاعدة التجاوز والفراغ ولا ضرر ولا تعاد ونحوها. وليست أحكاما كلّيّة آبية عن التخصيص.

وحيث كانت صحيحة أبي ولّاد جامعة لشرائط الحجّيّة تعيّن تخصيص القاعدة المقرّرة في باب القضاء بها ، ويقال : إنّ النزاع في ثمن الدّابّة المغصوبة مختصّ بحكم تعبّديّ ، وهو تقديم بيّنة المالك وقبول يمينه ، ولا يندرج في عموم «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه» هذا.

وقد ناقش المصنف قدس‌سره في هذا الحمل بأنّه أبعد من الحمل السابق. ولعلّ وجه الأبعديّة عدم ذهاب أحد إلى التعبّد وتخصيص قاعدة «البيّنة على المدّعي ..» مع كون تخصيص العامّ جمعا عرفيّا واضحا. ويكفي لإثبات عدم عرفيّة هذا التخصيص إعراض جماعة ممّن نقل فتوى الشيخ عنه ، واعتراضهم عليه كابن إدريس والمحقّق والعلّامة وغيرهم (١) قدّس الله أسرارهم.

(١) المراد من الغصب هو بيع المغصوب ، لا باب الغصب.

هذا تمام الكلام في ترجيح استظهار ضمان المغصوب بقيمة يوم التلف من صحيحة أبي ولّاد ، وعدم وفائها بإثبات ضمان يوم الغصب. وسيأتي الكلام في استظهار ضمان أعلى القيم من الصحيحة.

__________________

(١) راجع : السرائر ، ج ٢ ، ص ٤٦٥ ؛ شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٨٧ ، المسألة الثانية ؛ مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ١٥٠ ؛ مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٢٢١.

٥٢٨

وأضعف من ذلك (١) الاستشهاد بالرواية على اعتبار أعلى القيم من حين

______________________________________________________

ج : القول الثالث : ضمان أعلى القيم

(١) المشار إليه هو الاستشهاد بالصحيحة على كون العبرة بقيمة يوم الغصب. وقد نبّه على ضعفه بقوله : «نعم يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة بأنّه لا يبعد .. إلخ».

واستدلّ على ضمان أعلى القيم من يوم الغصب إلى التلف بوجوه :

أوّلها : صحيحة أبي ولّاد ، على ما صرّح به الشهيد الثاني قدس‌سره وإن لم يذكر تقريب دلالة الصحيحة على ذلك. قال في المسالك في عدّ الأقوال المذكورة في ضمان القيميّ : «وثانيها : ضمان القيمة يوم التلف .. وهذا القول قويّ. إلّا أنّ في صحيحة أبي ولّاد ـ فيمن اكترى البغل وتجاوز به محلّ الشرط ـ ما يدلّ على وجوب أعلى القيم بين الوقتين. ولولاها لما كان عن هذا القول عدول» (١).

وقوّى هذا القول في شرح اللمعة «لمكان هذا الخبر الصحيح».

ولكنّه قدس‌سره استدلّ بالصحيحة ـ قبل سطر ـ على ضمان قيمة يوم الغصب ، حيث قال : «وفي صحيح أبي ولّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في اكتراء البغل ومخالفة الشرط ما يدلّ على هذا القول» (٢).

وكيف كان فيمكن أن يكون نظره ـ في دلالة الصحيحة على قيمة زمان الغصب ـ إلى الظهور البدويّ في جملة «نعم قيمة بغل يوم خالفته» كما في مفتاح الكرامة (٣).

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ١٨٦ ؛ الروضة البهية ، ج ٧ ، ص ٤٣ و ٤٤ ؛ وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ج ٦ ، ص ٢٤٤.

(٢) الروضة البهية ، ج ٧ ، ص ٤٢.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٤٤.

٥٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد تقدّم بيان المصنّف قدس‌سره في كيفيّة الدّلالة.

وأمّا دلالة الصحيحة على ضمان أعلى القيم من زمان الغصب إلى التلف فلم يبيّنها الشهيد الثاني قدس‌سره ويمكن توجيهما بوجهين.

أحدهما : استفادة الحكم من جملة «نعم قيمة بغل يوم خالفته» بإلغاء المعنى الحدثي ، وإرادة المعنى الاسمي على ما سيأتي توضيحه في التعليقة. ولعلّ هذا الوجه ظاهر الجواهر ، حيث قال قدس‌سره : «اللهم إلّا أن يقال : إنّه بناء على تعلّق الظرف بالفعل المستفاد من قوله : نعم ، يكون المراد أنّ ابتداء الضمان من ذلك اليوم إلى يوم التلف ، فيضمن الأعلى منه حينئذ. بل إن جعل متعلقا بالقيمة يكون المراد منه ذلك أيضا ، لعدم معقولية ضمان القيمة مع وجود العين ، فيكون الحاصل : أنه تلزمه القيمة مع العطب من يوم المخالفة» (١).

ثانيهما : استفادة الحكم من مجموع الجملتين ، وهما : قوله عليه‌السلام : «قيمة بغل يوم خالفته» وقوله عليه‌السلام : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه». بتقريب : أنّ القيمة المضمونة ليست خصوص قيمة يوم الغصب ، بل المستقرّ على ذمّة أبي ولّاد ـ عند تعيّب البغل ـ هو إحدى القيم من زمان الغصب إلى زمان التلف ، أو إلى ردّه معيبا إلى المكاري. ومن المعلوم اقتضاء إطلاق القيمة بين هذين الوقتين ضمان الجامع بين القيم ، وأداء هذا الجامع منوط بدفع الأعلى.

فلو كان ثمن البغل يوم المخالفة خمسين درهما مثلا ، ثم ارتفع إلى ستّين ، وتنزّل إلى أربعين ، وكان في يوم تلفه أو يوم ردّه معيبا خمسا وأربعين كان على عهدة الضامن ستّون درهما ، لإطلاق قوله عليه‌السلام «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب» لاستقرار القيمة العليا بمجرّد ارتفاع القيمة في الفترة بين الغصب والرّد ، أو بين الغصب والتلف. ولا تفرغ الذّمّة بأداء القيمة النازلة ، لعدم كونها جامعة بين القيم المختلفة في المدة التي كانت العين تحت يد الغاصب.

__________________

(١) جواهر الكلام ؛ ج ٣٧ ، ص ١٠٤.

٥٣٠

الغصب إلى التلف كما حكي عن الشهيد الثاني ، إذ (١) لم يعلم لذلك وجه صحيح ، ولم أظفر بمن وجّه دلالتها على هذا المطلب (٢).

نعم استدلّوا على هذا القول (٣) بأنّ العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته.

وفيه (٤) أنّ ضمانها

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «وأضعف» والتعبير به إنّما هو لعدم الظفر بوجه دلالة الصحيحة على ضمان أعلى القيم ، وهذا بخلاف دلالتها على ضمان يوم الغصب ، فإنّها ليست ببعيدة ، ولذا استظهره جماعة كالفاضل النراقي وغيره ، وكذا المصنّف في بادئ الأمر ، وإن عدل عنه إلى ترجيح اعتبار قيمة يوم التلف.

(٢) قد وجّهه صاحب الجواهر قدس‌سره كما أشرنا إليه آنفا ، لكنه ضعّفه لكونه ضمانا تقديريا لا تحقيقيّا ، فراجع.

(٣) كذا في مفتاح الكرامة والجواهر (١) أيضا ، والمستدلّ بهذا الوجه جماعة ، منهم الفاضل المقداد وابن فهد الحلّي قدس‌سرهم. وكذا الشهيد الثاني (٢) ، إلّا أنّه ناقش فيه واعتمد على صحيحة أبي ولّاد ، فراجع المسالك.

وكيف كان فحاصل هذا الوجه الثاني القول بضمان أعلى القيم بين الغصب والتلف هو : أنّ العين مضمونة في جميع أزمنة الغصب والمخالفة ، ومن تلك الأزمنة زمان ارتفاع قيمتها ، ولا تفرغ الذّمّة بدفع قيمة يوم الغصب أو يوم التلف لو كانت أقلّ القيم في هذه المدّة ، لفرض اشتغال الذّمّة بالقيمة العليا.

(٤) هذا ردّ الوجه المزبور لإثبات ضمان أعلى القيم بين الغصب والتلف ، وهو مذكور ـ مختصرا ـ في كلام الشهيد الثاني والسيّد العامليّ وصاحب الجواهر (٣) قدس‌سرهم ،

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٤٤ ؛ جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٠٤.

(٢) لاحظ : التنقيح الرائع ، ج ٤ ، ص ٧٠ ، المهذّب البارع ، ج ٤ ، ص ٢٥٢ ، مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ١٨٧.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٤٤ ، جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٠٤ ، مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ١٨٧.

٥٣١

في تلك الحال (١) إن أريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه فمسلّم ، إذ تداركه لا يكون إلّا بذلك ، لكن المفروض أنّها (٢) لم تتلف فيه.

وإن أريد به استقرار قيمة ذلك الزمان (٣) عليه فعلا (٤) وإن تنزّلت بعد ذلك ، فهو (٥) مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع ردّ العين.

______________________________________________________

وحاصله : أنّه إن أريد بضمان العين في أزمنة الغصب وجوب قيمة ذلك الزمان على تقدير تلفها فيه ، فهو مسلّم ، إذ تداركها حينئذ منحصر بذلك. لكنّه خلاف المفروض ، لأنّها لم تتلف ، وهذا الضمان التقديريّ لم يصر فعليّا.

وإن أريد به أنّ قيمة ذلك الزمان قد استقرّت عليه وثبتت على عهدته فعلا ـ وإن لم تتلف العين وتنزّلت قيمته بعد ذلك ـ فهو مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع ردّ العين.

وإن أريد به استقرار القيمة على الغاصب بمجرّد الارتفاع مراعى بالتلف ، ـ يعني : إن تلفت العين كان ارتفاع القيمة مضمونا ، وإن لم تتلف وردّها على صاحبها لم يضمن تلك القيمة العليا ـ قلنا : إنّ هذا الاحتمال وإن لم يخالف اتّفاقهم على عدم ضمان ارتفاع القيمة لو ردّ العين ، إلّا أنّ الموهن للالتزام به هو مخالفته لأصالة براءة الذّمّة عن القيمة المرتفعة ، والمفروض عدم وجود حجّة على اشتغال الذّمّة بتلك القيمة العليا.

وبهذا ظهرت الخدشة في استدلال الجماعة على ضمان أعلى القيم.

(١) أي : في حال ارتفاع القيمة.

(٢) أي : أنّ العين لم تتلف في زمان ارتفاع قيمتها حتى تضمن بتلك القيمة المرتفعة ، وعليه فضمان هذه القيمة تقديريّ ، يعني : لو تلفت العين في ذلك الزمان لكانت مضمونة بتلك القيمة العليا.

(٣) أي : الزمان الذي ارتفعت فيها قيمة العين المضمونة.

(٤) هذا و «عليه» متعلّقان ب «استقرار» أي : استقرار القيمة العليا على الضامن لمجرّد ارتفاع القيمة في بعض الأزمنة وإن تنزّلت بعده.

(٥) جواب قوله : «وإن أريد به».

٥٣٢

وإن أريد استقرارها (١) عليه بمجرّد الارتفاع مراعى بالتلف ، فهو (٢) وإن لم يخالف الاتّفاق ، إلّا أنّه (٣) مخالف لأصالة البراءة من غير دليل شاغل (٤) عدا ما حكاه في الرياض (١) عن خاله العلّامة قدّس الله تعالى روحهما من قاعدة نفي الضرر الحاصل (٥) على المالك.

وفيه (٦) نظر ، كما اعترف به بعض من تأخّر.

______________________________________________________

(١) أي : استقرار القيمة المرتفعة على الضامن لمجرّد الارتفاع ، لكنّها منوطة بالشرط المتأخّر ، وهو التلف في زمان تنزّل القيمة.

(٢) أي : فاستقرار القيمة العليا وإن لم يخالف الاتّفاق ـ إذ معقد الاتّفاق على عدم ضمان ارتفاع القيمة إنّما هو مع ردّ العين ، وأمّا مع التلف فلا اتفاق على عدم ضمانه ـ إلّا أنّ وجوب أعلى القيم مخالف لأصالة البراءة.

إلّا أن يقال ـ كما عن الوحيد البهبهاني قدس‌سره ـ بجريان قاعدة نفي الضرر عن المالك ، الحاكمة على أصل البراءة.

(٣) أي : أنّ استقرار ارتفاع القيمة مخالف لأصالة البراءة المقتضية لعدم اشتغال الذّمّة بالقيمة العليا.

(٤) أي : شاغل لذمّة الضّامن.

(٥) صفة للضرر ، ووجه تضرّر المالك هو عدم تمكّنه من العين في زمان ارتفاع قيمتها ، ومن المعلوم أنّ الضرر منفيّ في الشريعة.

(٦) أي : وفي كون نفي الضرر شاغلا للذّمّة بأعلى القيم نظر ، كما اعترف صاحب الجواهر بهذا النظر ، حيث قال ـ في ذيل بيان وجه تردّد المحقّق قدس‌سره في اعتبار زيادة القيمة ونقصانها بعد التلف ـ ما لفظه : «ولعلّه لذا قيل : إنّ وجه القول قاعدة الضرر ، وذلك لأنّ عدم تمكينه منها حين ارتفاع القيمة ضرر عليه ، وتفويت لتلك المنفعة العليا ، ومن هنا كان خيرة العلّامة الأكبر الآغا محمد باقر البهبهاني قدس‌سره فيما

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٤.

٥٣٣

نعم (١) يمكن توجيه الاستدلال المتقدم من كون العين مضمونة في جميع

______________________________________________________

حكي عنه. إلّا أنّك قد عرفت فيما تقدّم اقتضاء القاعدة المزبورة ضمان الأعلى مع فواته وإن ردّ العين نفسها ، وهو مخالف للإجماع بقسميه ، بل قد عرفت عدم الضّمان فيما لو منعه من بيع ماله بقيمة عالية» (١).

وحاصله : أنّ الضامن مكلّف بأداء العين ما دامت موجودة مهما كانت قيمتها ، ولم تشتغل ذمّته بالبدل حتى تقتضي قاعدة نفي الضرر الاشتغال بأعلى القيم.

هذا تمام الكلام في الوجه الثاني مما استدلّ به على ضمان أعلى القيم من زمان الغصب إلى زمان التلف ، وسيأتي تقريبه بوجه آخر يمكن جعله وجها ثالثا للحكم.

(١) هذا استدراك على مناقشته في الوجه الثاني بقوله : «وفيه أنّ ضمانها في تلك الحال ..» وغرضه تقريب الوجه المزبور ببيان آخر يسلم عن المناقشة ، وحاصله : وحدة مناط الضّمان في الحيلولة والتلف ، توضيحه : أنّ العين المضمونة لو تلفت حين ارتفاع قيمتها تضمن قيمتها العليا ، لكون زمان التلف وقت اشتغال الذّمّة بالبدل بعد ما كانت مشغولة بالعين.

والوجه في الضّمان حرمان المالك عن العين وعدم تمكّنه من الانتفاع بماله. وهذا المناط موجود في صورة بقاء العين في يد الضامن حين ارتفاع قيمتها ، فإنّها وإن لم تتلف ، لكنّ حيلولة الضامن بين المالك وملكه ، ومنعه عن التّصرّف فيه موجبة لضمان القيمة المرتفعة وإن كان تلفها في زمان تنزّل قيمتها.

نعم لا يقتضي هذا الوجه ضمان أعلى القيم لو ردّ الضامن العين إلى المالك في زمان تنزّل القيمة ، وذلك لأنّ ردّ العين يوجب تدارك تلك القيمة العليا ، ولو لا هذا التدارك لزم ردّ التفاوت ـ بين القيمة الفعليّة وأعلى القيم ـ عند ردّ العين. هذا محصّل التوجيه ، وسيأتي في المتن مزيد توضيح له.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٠٥.

٥٣٤

الأزمنة ـ بأنّ (١) العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان وصار ماليّتها مقوّمة بتلك القيمة (٢) ، فكما أنّه إذا تلفت حينئذ (٣) يجب تداركها بتلك القيمة ، فكذا إذا حيل بينها (٤) وبين المالك حتى تلفت ، إذ (٥) لا فرق ـ مع عدم التمكّن منها ـ بين أن تتلف أو تبقى.

نعم (٦) لو ردّت تدارك تلك الماليّة بنفس العين. وارتفاع (٧) القيمة السوقيّة أمر اعتباريّ لا يضمن بنفسه ، لعدم كونه مالا ، وإنّما هو مقوّم لماليّة المال ، وبه تمايز الأموال كثرة وقلّة.

______________________________________________________

(١) متعلّق ب «توجيه» وبيان له.

(٢) أي : القيمة المرتفعة.

(٣) أي : حين صيرورة ماليّة العين مقوّمة بتلك القيمة العليا.

(٤) أي : بين العين وبين المالك.

(٥) تعليل لوجوب تدارك العين بالقيمة العليا.

(٦) استدراك على ضمان القيمة العليا ، يعني : أنّ مناط ضمان أعلى القيم وإن كان موجودا في صورة بقاء العين عند الغاصب ، إلّا أنّ ردّ العين ـ في زمان تنزّل القيمة ـ جابر لتلك القيمة العليا.

(٧) هذا دفع دخل ، حاصله : أنّ القيمة المرتفعة لو كانت مضمونة لم يختلف الحال بين بقاء العين ـ وردّها بعد ذلك ـ وبين تلفها ، فكيف حكم الماتن بتدارك القيمة العليا بردّ العين وعدم ضمانها؟

وحاصل الدّفع : أنّ ارتفاع القيمة السوقيّة أمر اعتباريّ غير مضمون ، وإنّما المضمون هو العين المتموّلة التي استولى عليها الضامن. وهذا الأمر الاعتباريّ ليس بمال حقيقة ، بل يكون مقوّما لماليّة العين ، ولهذا حكموا بفراغ ذمّة الضامن بردّ نفس العين ما لم تسقط عن الماليّة ، كما تقدّم في التنبيه السادس في مثال الماء على الشاطئ

٥٣٥

والحاصل (١) : أنّ للعين في كلّ زمان من أزمنة تفاوت قيمته مرتبة من الماليّة أزيلت يد المالك منها ، وانقطعت سلطنته عنها ، فإن ردّت العين فلا مال سواها يضمن (٢). وإن تلفت استقرّت عليها تلك المراتب ، لدخول الأدنى تحت الأعلى (٣). نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة متضادّة ، حيث إنّه يضمن الأعلى منها (٤).

______________________________________________________

والثلج في الشتاء.

ففي المقام يفصّل بين تلف العين وبقائها ، فإن تلفت في زمان ارتفاع قيمتها ضمن قيمتها حين التلف. وإن بقيت ونقص قيمتها وردّها إلى المالك لم يضمن ارتفاع قيمتها ، وإن كان مناط الضمان ـ وهو حرمان المالك عن ماله في زمان أعلى القيم ـ موجودا في حالتي البقاء والتلف.

(١) يعني : وحاصل توجيه الاستدلال على ضمان أعلى القيم هو : أنّ للعين .. إلخ.

(٢) لما تقدّم من أنّ ارتفاع القيمة ورغبة العقلاء وإن كان مقوّما لماليّة المال ، إلّا أنّ المضمون هو المال ، لا الماليّة ، فلا يضمن أعلى القيم لو ردّ العين إلى مالكها.

(٣) فلا يلزم الجمع بين القيمة العليا والمتوسطة والنازلة ، بل يكفي دفع القيمة الجامعة بين تمام القيم ، وهي أعلى القيم خاصّة.

(٤) ولا يضمن جميع تلك المنافع الفائتة ، قال في الجواهر : «إنّما الكلام فيما لو تعدّدت منافعه كالعبد الخيّاط الحائك ، ففي القواعد في موضع منها : والمنافع المباحة مضمونة بالفوات تحت اليد والتفويت. ولو تعدّدت المنافع كالعبد الخيّاط الحائك لزمه أجرة أعلاها ، ولا تجب اجرة الكلّ ..» (١) والمسألة لا تخلو من بحث ، فراجع الجواهر. وإلى هنا تمّ توجيه المصنّف قدس‌سره للاستدلال ، وسيأتي الاستشهاد عليه بكلام العلّامة قدس‌سره.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٦٧.

٥٣٦

ولأجل ذلك (١) استدلّ العلّامة في التحرير للقول باعتبار يوم الغصب بقوله : «لأنّه زمان إزالة يد المالك» (٢).

ونقول في توضيحه : إنّ كلّ زمان من أزمنة الغصب قد أزيلت فيه يد المالك من العين على حسب ماليّته (٣) ، ففي زمان أزيلت من مقدار درهم ، وفي آخر عن درهمين ، وفي ثالث عن ثلاثة ، فإذا استمرّت الإزالة إلى زمان التلف وجبت غرامة أكثرها ، فتأمّل (٤).

______________________________________________________

(١) أي : لأجل كون الحيلولة سببا للضمان استدلّ .. إلخ ، لأنّ إزالة يد المالك حيلولة حقيقة بين المال ومالكه ، ومانعة عن سلطنة المالك على ماله.

والظاهر أنّ نظر المصنّف في قوله : «ولأجل ذلك» إلى جعل إزالة يد المالك وقطع سلطنته عن ماله موجبة للضمان ، ولذا جعل العلّامة انقطاع السلطنة سببا له ، لأنّ يوم الغصب زمان انقطاع السلطنة. فنظر المصنّف قدس‌سره منحصر في أصل الضمان من ناحية إزالة يد المالك عن ماله ، لا في كيفيّته ، وإلّا كان عليه الالتزام بأعلى القيم كما قرّبه في المتن.

وبعبارة أخرى : تعليل العلّامة ناظر إلى ضمان يوم الغصب ، مع أنّ المصنّف في مقام الاستدلال على ضمان أعلى القيم ، فالاستشهاد بعبارة التحرير لإثبات ضمان أعلى القيم منوط بتقريب آخر ، وهو ما أفاده المصنّف بقوله : «إن كل زمان من أزمنة الغصب ..».

(٢) قال في التحرير : «فالأكثر على ضمان القيمة يوم الغصب ، لأنّه الوقت الذي أزال يده عنه» (١).

(٣) أي : ماليّة العين في كل زمان من أزمنة الغصب ، فالأولى تأنيث الضمير.

(٤) الظاهر أنّه إشارة إلى ما ذكرناه من عدم ابتناء قول العلّامة ـ بضمان قيمة يوم الغصب ـ على ما أفاده المصنّف ، بل على خصوص كون سلب سلطنة المالك موجبا للضمان.

أو إشارة إلى : عدم كون الحيلولة عن القيمة كالحيلولة عن العين ، بكون حيلولة

__________________

(١) تحرير الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٣٩.

٥٣٧

واستدلّ في السرائر وغيرها على هذا القول (١) بأصالة الاشتغال ، لاشتغال ذمّته بحقّ المالك ، ولا يحصل البراءة إلّا بالأعلى.

وقد يجاب (٢) بأنّ الأصل في المقام البراءة ، حيث إنّ الشكّ في التكليف بالزائد.

______________________________________________________

العين موجبة لضمان القيمة العليا ، بخلاف الحيلولة عن القيمة مع بقاء العين ، فإنّها لا توجب ضمان ارتفاع القيمة.

(١) أي : على القول بضمان أعلى القيم من حين الغصب إلى التلف ، وهذا إشارة إلى وجه ثالث يظهر من كلام ابن إدريس ، قال قدس‌سره : «فإن لم يردها ـ أي العين المغصوبة ـ حتى هلكت العين لزمه ضمان قيمتها بأكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف ، لأنّه إذا أدّى ذلك برئت ذمّته بيقين ، وليس كذلك إذا لم يؤدّه» (١).

وعلّله في باب البيع «ببقاء المال على ملك صاحبه ، ما انتقل عنه» (٢). وظاهره وجود الدليل على ضمان أكثر القيم ، فراجع.

وكيف كان فتقريب اقتضاء قاعدة الاشتغال الضمان بالقيمة العليا هو : أنّ ذمّة الضامن اشتغلت بماليّة المغصوب في جميع المدّة من القبض إلى التلف ، ومنها زمان ارتفاع القيمة ، ويشكّ في فراغ الذّمّة بدفع القيمة النازلة أو المتوسّطة ، وقد تقرّر اقتضاء الاشتغال اليقينيّ للفراغ كذلك.

(٢) الظاهر أنّ المجيب هو صاحب الجواهر قال قدس‌سره : «ودعوى أنّه ـ أي الوجه ـ قاعدة الاشتغال .. يدفعها ما تحقّق في الأصول من أنّ مثله يجري فيه أصل البراءة ، ضرورة رجوعه إلى الشّكّ في التكليف بين الأقلّ والأكثر» (٣).

ومحصّله : أنّ الشكّ في ضمان القيمة السفلى أو العليا يكون من موارد الشكّ في الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين ، وهو مجرى أصالة البراءة لا الاشتغال.

__________________

(١) السرائر الحاوي ، ج ٢ ، ص ٤٨١.

(٢) المصدر ، ص ٣٢٦.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٠٦.

٥٣٨

نعم (١) لا بأس بالتّمسّك باستصحاب الضّمان المستفاد من حديث اليد (*).

______________________________________________________

(١) استدراك على عدم صغرويّة المقام لقاعدة الاشتغال ، وغرضه قدس‌سره إثبات وجوب أعلى القيم بوجه رابع وهو الاستصحاب ، بتقريب : أنّ حديث «على اليد» يدلّ على الضمان بمجرّد الاستيلاء على مال الغير إلى زمان أدائه أو أداء بدله ، فالحالات الطارئة على العين مضمونة ، ومنها ارتفاع قيمتها ، فلو تلفت العين حين نقص قيمتها ، ودفع تلك القيمة النازلة إلى المالك يشكّ في فراغ ذمّته عمّا اشتغلت به قطعا ، ومن المعلوم أنّ مقتضى الاستصحاب وجوب دفع أعلى القيم. هذا.

ولا يخفى أنّه لو جرى الاستصحاب كان حاكما على كلّ من أصالة الاشتغال المثبتة لأعلى القيم ، وأصالة البراءة النافية له. وظاهر سكوت المصنّف قدس‌سره ارتضاؤه له ، إلّا أن يستفاد مبناه ممّا تقدّم من تسالمهم على عدم ضمان ارتفاع القيمة لو كان التلف حين نقصها.

__________________

(*) لا يخفى أنّه قد استدلّ على اعتبار أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف بوجوه :

الأوّل : ما أفاده الشهيد الثاني في المسالك والروضة ، وتقدّم كلامه في التوضيح.

وقيل في توجيه الاستدلال على ذلك : بأنّ المغصوب مضمون على الغاصب في جميع أزمنة الغصب التي منها زمان ارتفاع القيمة ، إذ يصدق على ذلك زمان المخالفة أيضا ، ضرورة أنّ المراد من يوم المخالفة في الصحيحة إنّما هو طبيعي يوم المخالفة الذي يصدق على كلّ يوم من أيّام الغصب ، لا اليوم الخاصّ.

وعليه فإن ردّ الغاصب نفس المغصوب فهو ، وإلّا فإن ردّ أعلى القيم فقد ردّ قيمة يوم المخالفة بقول مطلق ، لدخول القيمة السفلى في القيمة العليا ، ضرورة أنّه لا يجب على الغاصب قيم متعدّدة بتعدّد أيّام المخالفة. كما أنّه لو ردّ القيمة النازلة لما ردّ قيمة يوم المخالفة بقول مطلق ، بل أدّى قيمة بعض أيّام المخالفة.

٥٣٩

.................................................................................................

__________________

وبالجملة : مبنى هذا التوجيه إرادة معنى اسم المصدر من المخالفة ، بحيث ينسلخ عن المعنى المصدري أي إحداث المخالفة ، وإرادة الجنس أو الاستغراق من «اليوم» فيعمّ جميع أيّام المخالفة التي منها يوم أعلى القيم. لأنّ علّة الضمان ـ وهي الغصب ـ ما دامت موجودة لاقتضت الضمان ، فلا اختصاص لآن حدوث الغصب. فتدلّ على لزوم قيمة كلّ يوم تكون المخالفة فيه موجودة حتى يوم أعلى القيم ، ولازمه ضمان أعلى القيم الجامع لقيم تمام أيّام المخالفة ، هذا.

وفيه : أنّه خلاف الظاهر من المخالفة حدوثا ، وهو منحصر بوقت واحد. والظاهر أنّه اشتبه الضمان التعليقيّ بالتنجيزيّ ، فإنّ القيمة العليا مضمونة مع التلف. وأمّا بدونه فلا ، فلو تنزّلت قيمته لأجل السوق ـ لا لزوال صفة دخيلة في الماليّة ـ لم يضمن الغاصب تلك القيمة المرتفعة.

وبالجملة : ضمان أعلى القيم فعلا منوط بالتلف في يوم أعلى القيم ، والضمان المعلّق على التلف لا يثبت فعليّة الضمان في غير حال التلف.

وعليه فالاستدلال بالصحيحة على الضمان الفعلي لأعلى القيم غير وجيه ، لأنّ ضمان قيمة العين في أزمنة الغصب وإن كان ثابتا ، لكنّه تعليقيّ ، لكونه معلّقا على التلف. ومع بقاء العين وردّها إلى المالك لا ضمان لأعلى القيم إجماعا.

الثاني : ما حكاه السيّد صاحب الرياض عن خاله الوحيد البهبهانيّ قدس‌سرهما : من قاعدة الضرر الوارد على المالك (١). ولكن تنظّر فيه الجواهر بما مرّ في التوضيح (٢).

ويرد على الجواهر : أنّ الإجماع على عدم جريان قاعدة الضرر في صورة ردّ نفس العين لا يقتضي سقوط القاعدة في غيره من الموارد التي لا إجماع على خلافها ، فلا مانع من إجراء القاعدة في صورة تلف العين.

فالعمدة في عدم جريان قاعدة الضرر في مورد تلف العين هي : أنّ القاعدة تنفي

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٤.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٠٥.

٥٤٠