هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

يوم اكتري كذا وكذا» فإنّ إثبات (١) قيمة يوم الاكتراء من (٢) حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه (٣) ،

______________________________________________________

فلا يكون مضمونا ، إذ الموجب للضمان هو اليد العدوانيّة المتحقّقة بالغصب ، والمفروض في هذه الصحيحة تحقّق المخالفة عند وصول أبي ولّاد إلى قنطرة الكوفة. وبما أنّ المسافة بين كوفة وقنطرتها قريبة ، فإمّا أن يكون وصوله إلى القنطرة عصر يوم الاكتراء لو خرج من الكوفة صباحا ، وإمّا أن يكون وصوله إليها بعد يوم. ومن المستبعد جدّا تغيّر قيمة البغل بعد ساعات أو بعد يوم واحد.

وعلى هذا يكون المناط في تقويم البغل المضمون هو يوم الغصب المعبّر عنه بيوم الاكتراء. والشاهد عليه أنّه لم يقل أحد باعتبار قيمة يوم الاكتراء حتى لو اختلفت مع قيمة يوم المخالفة والغصب. ولذا قال في الجواهر : «ثمّ إنّ الظاهر بناء قوله عليه‌السلام : حين اكتري على غلبة عدم التفاوت في هذه المدّة القليلة. وعلى الاستصحاب. وإلّا فلم يقل أحد باعتبار القيمة حين اكترى» (١).

(١) هذا تقريب دلالة الفقرة الثانية على ضمان قيمة وقت الغصب ، وقد عرفته آنفا. ويستفاد هذا التقريب من الفاضل النراقي قدس‌سره حيث قال : «فإنّ معناه : فيلزمك قيمة البغل حين اكتري. ولا يرد أنّه ليس حين المخالفة ، فيلزم القيمة قبل المخالفة ، وهو مخالف للإجماع. لأنّه لا فاصلة يعتدّ بها بين وقتي المخالفة والإكراء في المورد كما يدلّ عليه صدر الحديث» (٢).

(٢) يعني : لا من حيث إنّ قيمة يوم الاكتراء متحدة مع قيمة يوم المخالفة ، فإن الجدوى في القيمة بلحاظ الاتحاد موجودة.

(٣) أي : في إثبات قيمة يوم الاكتراء.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٠٣.

(٢) مستند الشيعة ، ج ٢ ، ص ٣٦٨.

٥٠١

لعدم (١) الاعتبار به ، فلا بدّ (٢) أن يكون الغرض منه (٣) إثبات قيمة يوم المخالفة ، بناء (٤) على أنّه يوم الاكتراء ، لأنّ الظاهر من صدر الرواية (٥) أنّه خالف المالك بمجرّد خروجه من الكوفة. ومن المعلوم (٦) أنّ اكتراء البغل لمثل تلك المسافة

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم الجدوى في إثبات قيمة يوم الاكتراء بالبيّنة. وجه عدم الاعتبار ما عرفته من أنّ يوم الاكتراء زمان حدوث اليد الأمانيّة غير الموجبة للضمان أصلا ، والموجب له إنّما هو اليد العدوانيّة المتحقّقة بالمخالفة في نفس يوم الاكتراء ، أو في اليوم اللاحق له ، ومن المعلوم عدم اختلاف قيمة البغل في هذه المدّة القليلة. فلو لم يكن المدار في الضمان على قيمة يوم الغصب لم يكن وجه لتعرّض قيمة يوم الاكتراء الذي هو زمان حدوث اليد الأمانيّة.

(٢) هذا متفرّع على عدم العبرة بقيمة يوم الاكتراء لو لم تكن متّحدة مع قيمة يوم المخالفة.

(٣) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى : إثبات قيمة يوم الاكتراء.

(٤) هذا البناء هو ظاهر الصحيحة ، لقرب المسافة بين كوفة وقنطرتها.

(٥) وهو قول أبي ولّاد : «فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل ، فتوجّهت نحو النيل» فقوله : «توجّهت نحو النيل» ظاهر في أنّ مخالفة أبي ولّاد ـ بعدوله عن طريق قصر أبي هبيرة إلى طريق النيل ـ كانت من يوم الاكتراء ، أو بعده بيوم واحد ، لا أكثر.

(٦) غرض المصنف : أنّ استظهار ضمان يوم الغصب ـ من تعبير الامام عليه‌السلام بيوم الاكتراء ـ مبنيّ على أمرين مسلّمين :

أحدهما : أنّ المسافة بين كوفة وقصر أبي هبيرة قريبة ، فلو أراد أبو ولّاد اكتراء بغل لهذه المسافة لم يستأجر بغلا قبل خروجه بأسبوع مثلا ممّا يمكن اختلاف قيمة البغل فيه ، بل كان يستأجر البغل قبل ساعات أو قبل يوم.

ثانيهما : أنّ قيمة البغل لا تتفاوت عادة في ساعات قلائل.

وبناء على هذين الأمرين يتّجه دلالة الفقرة الثانية على ضمان يوم الغصب.

٥٠٢

القليلة إنّما يكون يوم الخروج أو في عصر اليوم السابق. ومعلوم أيضا عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة.

وأمّا قوله عليه‌السلام (١) في جواب السؤال عن إصابة العيب : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه» فالظرف (٢) متعلّق به «عليك»

______________________________________________________

(١) بعد أن استظهر المصنّف قدس‌سره من الفقرة الثانية ضمان المغصوب بقيمة يوم الغصب تعرّض لما ينافي هذا الاستظهار. والمنافي فقرة أخرى في الصحيحة ، وهي قوله عليه‌السلام : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه».

وتوضيحه : أنّ أبا ولّاد سأل عن حكم تعيّب البغل وإصابة كسر أو عرج به ، فأجاب عليه‌السلام بقوله : «عليك قيمة ..» وظاهره وجوب أداء أرش العيب الحادث بقيمة يوم ردّ البغل الى مالكه ، بأن يقوّم البغل يوم ردّه صحيحا تارة ومعيبا اخرى ، فالتفاوت بين القيمتين مستقر في ذمّة أبي ولّاد. ومن المعلوم أنّ هذا الظهور مناف لما أفاده المصنّف قدس‌سره من استقرار قيمة يوم المخالفة على عهدة أبي ولّاد ، إذ لا فرق في ضمان قيمة يوم الغصب بين كون المضمون قيمة نفس البغل لو تلف بيد المستأجر ، وبين كونه أرش العيب ، فلو كانت العبرة بقيمة وقت الغصب لزم تقويم الأرش بذاك اليوم. ولو كانت العبرة بقيمة يوم ردّ العين المغصوبة لزم تقويم العين ـ لو تلفت ـ بقيمة يوم الأداء ، هذا.

(٢) جواب قوله : «وأمّا» ودفع المنافي المتقدّم ، وحاصل الدفع : أنّ التنافي المزبور مبنيّ على رجوع «يوم» إلى «قيمة ما بين الصّحّة والعيب» بأن يكون المعنى : «عليك قيمة يوم الردّ» وأنّ العبرة في الأرش بتقويم البغل يوم ردّه إلى المكاري.

ولكن هذا الاستظهار ممنوع ، لرجوع الظرف إلى «عليك» وتعلّقه به. يعني : «عليك يوم تردّ البغل قيمة ما بين الصّحّة والعيب» وعليه لا يكون الأرش مقيّدا بتقويم البغل صحيحا ومعيبا يوم ردّه ، حتى يستفاد منه ضمان قيمة وقت الأداء. بل مفاده وجوب ردّ الأرش ، بلاد دلالة على تعيين القيمة يوم الردّ أو يوم الغصب أو غيرهما.

٥٠٣

لا قيد للقيمة (١) ، إذ (٢) لا عبرة في أرش العيب بيوم الرّد إجماعا ، لأنّ (٣) النقص الحادث تابع في تعيين يوم قيمته لأصل العين. فالمعنى : عليك أداء الأرش يوم ردّ البغلة (*).

______________________________________________________

هذا كله بناء على النسخة التي عوّل عليها المصنف قدس‌سره. وأمّا بناء على سقوط كلمة «يوم» من الرواية ـ كما ادّعاه صاحب الجواهر قدس‌سره من أنّ نسخة التهذيب المصحّحة المحشّاة التي تحضره قد سقط منها لفظ اليوم ، وأنّ المذكور فيها : قيمة ما بين الصّحّة والعيب تردّه عليه ـ فالأمر أوضح ، ولا موضوع لتوهّم التنافي ، إذ لا توقيت في القيمة حتى يحتمل تعلّق «اليوم» بالقيمة ، بل المدلول وجوب أصل الأرش من دون تعيين مقداره بحسب الأزمنة ، هذا.

(١) حتى تتقيّد القيمة بخصوص يوم ردّ البغلة.

(٢) تعليل لعدم كون الظرف قيدا للقيمة. والمراد ب «يوم تردّه» يوم ردّ العين المغصوبة ، لا ردّ الأرش.

(٣) حاصل هذا التعليل : أنّ المناط في تعيين مقدار أرش العيب ـ الحادث في العين المغصوبة ـ ليس هو يوم ردّ العين ، حتى يكون قرينة على جعل «يوم تردّه» متعلّقا بالقيمة ، بل الأرش تابع الأصل العين ، فإن قلنا بضمان قيمة يوم الغصب تعيّن تقويم الأرش بقيمة ذاك اليوم. وإن قلنا بضمان أعلى القيم كان الأرش تابعا له في التقويم ، وهكذا وعلى هذا فلا خصوصيّة في أرش العيب توجب تقويمه بقيمة يوم ردّ العين حتى يكون الظرف قيدا للقيمة.

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا الاشكال بعينه جار في جعل الظرف وهو «يوم» قيدا ل «عليك» حيث إنّ يوم ردّ العين ليس زمان حدوث وجوب القيمة في الذّمّة إجماعا ، بل زمان ثبوت القيمة على العهدة يوم حدوث العيب ، لا يوم ردّ العين.

٥٠٤

ويحتمل (١) أن يكون قيدا للعيب ، والمراد (٢) العيب الموجود في يوم الرّدّ ، لاحتمال (٣) ازدياد العيب إلى يوم الردّ ، فهو المضمون ، دون العيب القليل الحادث أوّلا.

______________________________________________________

(١) هذا الاحتمال في قبال ما استظهره بقوله : «فالظرف متعلّق بعليك» وسيأتي تضعيف الاحتمال. والغرض من إبداء هذا الاحتمال تقوية ضمان الأرش بقيمة يوم الرّدّ ، لا تبعية الأرش لأصل العين في القيمة المضمونة.

وتوضيح الاحتمال : أنّ كلمة «يوم» قيد ل «العيب» فيكون المعنى على هذا : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب الموجود في يوم ردّ العين ، لا قيمة العيب السابق على الرّدّ». فلو كان أرش العيب وقت حدوثه دينارا ، فاتّسع الجرح وازداد العيب إلى يوم ردّ العين ، فبلغ التفاوت بين البغل الصحيح والمعيب دينارين وجب على أبي ولّاد دفع دينارين حين ردّ البغل إلى المكاري.

ونتيجة هذا الاحتمال مخالفة قيمة الأرش لقيمة نفس البغل ، فالعبرة في البغل بقيمة يوم المخالفة والغصب ، والعبرة في مقدار الأرش بقيمة العيب يوم ردّ العين.

وبناء على هذا الاحتمال يشكل ما أفاده المصنف قدس‌سره من جعل «يوم» متعلّقا ب «عليك» وجه الإشكال : دلالة هذه الجملة على اعتبار قيمة معيّنة ، وهي قيمة يوم ردّ البغل المعيب.

(٢) يعني : إذا كان «يوم» متعلّقا ب «العيب» كان المراد من القيمة قيمة العيب في يوم ردّ العين ، لا قيمة العيب في زمان حدوثه.

(٣) تعليل لإرادة العيب الموجود حين الرّدّ.

__________________

وقد نوقش في هذا الاستدلال بوجوه :

أحدها : دلالته على ضمان العين المستأجرة بدون شرط الضمان ، وهو مخالف للقواعد.

وقد دفع بأنّ المراد بيوم الإكتراء يوم المخالفة فلا يلزم الاشكال المزبور.

٥٠٥

.................................................................................................

__________________

ثانيها : منافاة قوله عليه‌السلام : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه» لضمان قيمة يوم المخالفة ، لمنافاة قيمة يوم الرّد ليوم الغصب. ولا فرق في ضمان القيمة من حيث الوقت بين قيمة العين إذا تلفت وبين قيمة صفاتها.

وقد دفع تارة بأنّ «يوم» متعلق ب «عليك» لا قيد للقيمة ، فمعناه حينئذ : عليك يوم الرّدّ قيمة ما بين الصّحّة والعيب من دون تعرّضه لزمان القيمة ، فلا ينافي ما استدلّ به على اعتبار قيمة يوم الغصب.

واخرى : بأن اعتبار تعيين الأرش بقيمة يوم الدفع مخالف للإجماع.

وفيه : أنّ الإجماع غير محقّق ، ولذا طلب السيّد والنائيني من المصنف قدس‌سرهم مدركه.

فالأولى أن يقال : إنّ تعيين الأرش بقيمة يوم الدفع مخالف للقواعد.

وثالثة بأنّ قاعدة «الأقرب يمنع الأبعد» تقتضي رجوع القيد أعني به «اليوم» إلى العيب دون القيمة ، فمعناه حينئذ وجوب ردّ قيمة العيب الموجود حين الرّد ، دون ما ارتفع ولم يبق إلى زمان ردّ العين. وهذا ما تقتضيه قاعدة «على اليد» الموافقة لسيرة العقلاء.

ورابعة بابتناء المناقشة على اشتمال الصحيحة على كلمة «يوم». وقد أنكر في الجواهر ذلك ، وقال : «إنّ الموجود فيما حضرني من نسخة التهذيب الصحيحة المحشاة (تردّه عليه) من دون لفظ اليوم. ومعناه : وجوب ردّ الأرش لا غير ، فلا توقيت فيه» لكن الصواب على هذا تأنيث ضمير «تردّه» لرجوعه إلى القيمة. إلّا أنّ الأمر سهل في التذكير والتأنيث.

ثالثها : أنّ قوله عليه‌السلام : «إمّا أن يحلف هو» ظاهر في ثبوت جميع الحقوق من الحلف والردّ والبيّنة للمالك ، وهو مخالف لقاعدة «البيّنة على المدّعى واليمين على المدّعى عليه». والمصنف قدس‌سره جعل هذه الفقرة مؤيّدة لكون المدار على قيمة يوم التلف ، وموهنة لكون المدار على قيمة يوم الغصب.

ومحصّل كلامه : أنّه إذا اختلف الغاصب والمالك في قيمة العين المغصوبة وكانت العبرة بقيمة يوم المخالفة كان المالك مدّعيا ، لدعواه زيادة القيمة المخالفة للأصل ، وكان الغاصب منكرا ، لإنكاره تلك الزيادة.

٥٠٦

.................................................................................................

__________________

وعليه فمقتضى القاعدة توجّه الحلف على الغاصب لا المالك. بل الواجب على المالك إقامة البيّنة على دعواه.

لكنّ الصحيحة تدلّ على كون كلّ من اليمين وإقامة البيّنة على المالك. وهذا خلاف المقرّر من كون البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر ، فإن كان المالك مدّعيا فوظيفته إقامة البيّنة ، لا اليمين. وإن كان منكرا فوظيفته الحلف. فتوجيه الوظيفتين إلى المالك خلاف موازين القضاء.

فعلى القول بكون العبرة بقيمة يوم الغصب تكون الصحيحة مخالفة للقواعد من جهتين :

الاولى : أنّ دعوى الزيادة من المالك مخالفة للأصل ، فلا تتوجّه إليه اليمين.

الثانية : أنّ اليمين إذا توجّهت إلى المالك لم تسمع منه البيّنة ، فكيف حكم الامام عليه‌السلام بقبول كلا الأمرين من المالك؟

فلا بدّ حينئذ من حمل الصحيحة على أنّ العبرة بقيمة يوم التلف ، لا يوم الغصب ، إذ يصحّ على مبنى يوم التلف توجّه كلا الأمرين إلى المالك. وذلك لأنّ الإمام عليه‌السلام تعرّض في الفقرة المزبورة لصورتين من صور التنازع بين المالك والغاصب.

الصورة الأولى : اتّفاق المالك والغاصب على أنّ قيمة يوم الاكتراء كذا وكذا ، ولكن اختلفا في تنزّله عن تلك القيمة يوم التلف ، وعدم تنزله عن تلك القيمة ، فإنّه حينئذ يجب الأخذ بقول المالك ، لأنّ الغاصب يدّعي نقصان القيمة ، والمالك ينكره ، فيقدّم قول المالك مع يمينه ، لكونه موافقا للأصل أي استصحاب قيمته السابقة.

مثلا إذا اتّفقا على أنّ قيمة البغل يوم الاكتراء عشرون دينارا ، لكن الغاصب يدّعي نقصانها إلى يوم التلف ، وادّعى المالك بقاءها على حالها. فلا شبهة في كون قول المالك موافقا للأصل ، فيقدّم مع يمينه. بخلاف قول الغاصب ، فإنّه مخالف للأصل ، فوظيفته إقامة البيّنة.

٥٠٧

.................................................................................................

__________________

الصورة الثانية : أنّ يتّفق المالك والغاصب على أنّ قيمة يوم التلف متّحدة إجمالا مع قيمة يوم المخالفة ، لكنّهما اختلفا في تعيين تلك القيمة ، بأن ادّعى المالك أنّ قيمته يوم المخالفة عشرون دينارا ، وادّعى الغاصب أنّها عشرة دنانير. ومن المعلوم أنّ المالك حينئذ يدّعي زيادة القيمة ، فيجب عليه إقامة البيّنة على ذلك. أمّا الغاصب فهو منكر لتلك الزيادة ، فيتوجّه عليه اليمين.

والحاصل : أنّه بناء على حمل الصحيحة على كون المدار في تعيين القيمة على قيمة يوم التلف أمكن تصوير التغاير بين إلزام المالك بالحلف ، وبين إلزامه بإقامة البيّنة.

وأمّا بناء على كون المناط قيمة يوم الغصب ، فتصوير التغاير بين الأمرين بعيد جدّا ، لأنّه على هذا لا بد من حملها على صورة اتّفاق المالك والغاصب على قيمة اليوم السابق على يوم المخالفة. أو على قيمة اليوم اللاحق ليوم المخالفة ، ثم ادّعى الغاصب نقصان القيمة السابقة.

لكنّه خلاف الظاهر من الصحيحة ، فلا يمكن الالتزام به ، مع عدم القرينة عليه.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلام المصنّف.

ويرد عليه : أنّ حمل الصحيحة على إرادة يوم التلف ، ثم فرض توجّه الحلف في صورة ، وتوجّه البيّنة على المالك في صورة أخرى ، خلاف الظاهر جدّا ، لاستلزامه فرض صورتين مغايرتين. مع أنّ ظاهر العطف ب «أو» هو التخيير في صورة واحدة بين الحلف وإقامة البيّنة. فجعل جملة «إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك. أو يأتي صاحب البغل بشهود .. إلخ» مؤيّدة لإرادة يوم التلف ـ دون يوم المخالفة والغصب ـ ممّا لا وجه له.

مضافا إلى : إمكان فرض هاتين الصورتين بناء على كون العبرة بقيمة يوم الغصب أيضا ، بأن يكون المالك في إحداهما مدّعيا عليه البينة ، وفي أخراهما منكرا عليه اليمين. كما إذا اتّفقا في قيمة يوم الاكتراء ، واختلفا في قيمة يوم الغصب ، فإنّ المالك حينئذ

٥٠٨

.................................................................................................

__________________

لادّعائه الزيادة إلى يوم الغصب مدّع ، والغاصب منكر. وإن ادّعى الغاصب تنزّل القيمة ، وأنكره المالك انعكس الأمر ، وصار المالك منكرا ، والغاصب مدّعيا.

لكن هذا الفرض أيضا خلاف ظاهر العطف بكلمة «أو» من التخيير في صورة واحدة ، لا في صورتين متغايرتين.

مضافا إلى : أنّه خلاف اتّحاد زماني الاكتراء والغصب. وقد ظهر من الأبحاث المتقدّمة وحدة زمانهما.

فمقتضى الجمود على هذا الظاهر لزوم تخصيص عموم ما ورد من «أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» بظاهر هذه الصحيحة من توجّه كلّ من الحلف والبيّنة على المالك في خصوص الدابة المغصوبة ، أو في مطلق القيميّ المغصوب.

لكنّه في غاية البعد ، إذ لم يعهد من أحد الالتزام بهذا التخصيص.

ولعلّه لأجل هذا البعد قال المحقق الايرواني : «إنّ قضيّة البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر قضيّة واردة في المخاصمات. وفي مورد الرواية لم تفرض مخاصمة. بل الراوي سأل عن أنّه من يعرف قيمة البغل وهو تالف؟ فقال عليه‌السلام : إمّا أنت أو هو ، فيكون الحلف من كلّ منهما لأجل أن يذعن الطرف المقابل الجاهل بالقيمة ، لا لأجل إلزام خصمه المنكر له» (١).

وهذا ما تقتضيه أصالة العموم فيما إذا شكّ في التخصيص ، بعد العلم بعدم كون شي‌ء محكوما بحكم العام ، والشك في كون خروجه عنه بالتخصص أو التخصيص ، فإنّه تجري أصالة العموم ، ويثبت لازمها أعني به عدم فرديّته للعامّ حتى يكون خروجه بالتخصيص. فإنّه لم يثبت في مورد الرواية الترافع إلى الحاكم حتى يندرج الحلف فيه في اليمين المعتبرة في ميزان القضاء ، بل اندراجه فيها مشكوك فيه ، فلا مانع من جريان أصالة العموم في دليل «كون اليمين على المنكر والبيّنة على المدّعى» وإثبات كون ما نحن فيه خارجا عن موضوع دليل العموم تخصّصا ، لاختصاص ذلك بباب الخصومات.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٠٢.

٥٠٩

.................................................................................................

__________________

فلا يرد : أنّ حمل الرواية على كون العبرة بقيمة يوم الغصب يستلزم مخالفة القواعد من ناحيتين : إحداهما : أنّ دعوى المالك زيادة القيمة مخالفة للأصل ، فلا تتوجّه إليه اليمين ، بل وظيفته البيّنة.

ثانيتهما : أنّه إذا توجّهت اليمين إلى المالك لم تسمع منه البيّنة. مع أنّ الامام عليه‌السلام حكم بقبول كلّ من البيّنة واليمين من المالك ، فلا بدّ من حمل الرواية على كون العبرة بقيمة يوم التلف.

ثم إنّ هذين الإشكالين إنّما يتوجّهان بناء على إرادة قيمة البغل من قوله : «فمن يعرف ذلك». وهو الذي أوقعهم في حيص وبيص من التخصيص أو التخصّص.

وأمّا بناء على إرادة قيمة ما بين الصّحيح والمعيب كما هو الظاهر ، لأنّ الجملة المتضمّنة للسؤال عن تلف العين وضمانها والجواب عنها قد تمّت ، والسائل بعد ذلك سأل عن ضمان عيب العين مع بقائها ، فأجاب عليه‌السلام عنه بضمان قيمة ما بين الصحيح والمعيب. فقوله عليه‌السلام : «من يعرف ذلك» ظاهر في الرجوع إلى قيمة البغل صحيحا ومعيبا ، لا قيمة البغل من حيث هو كما كان ذلك مبنى كلماتهم.

وعلى هذا الاحتمال يمكن أن يقال : إنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام : «إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك» هو الحلف على قيمة البغل المعيب الموجود بين أيديهما. ومن المعلوم أنّ في اختلاف قيمة المعيب يكون صاحب البغل منكرا ، لأنّه يريد جلب النفع إلى نفسه ، فينكر زيادة قيمة المعيب بخلاف الغاصب ، فإنّه يريد دفع الضرر عن نفسه ، فيدّعي زيادة قيمته.

مثلا إذا كان قيمة الصحيح أربعين درهما ، وادّعى الضامن أنّ قيمة المعيب ثلاثون درهما ، وأنكره المالك ، وقال : «بل قيمته عشرون درهما» فوظيفة المالك حينئذ اليمين ، لأنّه منكر للزيادة التي يدّعيها الضامن ، وهي العشرة ، فيحلف أو يردّ الحلف إلى صاحبه.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكترى كذا وكذا» فصريح في أنّ اختلافهما راجع إلى قيمة البغل حال الصّحّة لا حال العيب ، وإن كان هذا الاختلاف لتشخيص ما به التفاوت بينهما. ومن المعلوم أنّ القول في هذا

٥١٠

.................................................................................................

__________________

الاختلاف قول الضامن ، لأنّه ينكر الزيادة التي يدّعيها المالك. فإذا ادّعى المالك أنّ قيمة البغل صحيحا خمسون درهما ، وأنكر الضامن ، كان المالك مدّعيا والضامن منكرا ، فالرواية متعرّضة لصورتين من صور الدّعوى :

إحداهما : اختلاف قيمة المعيب بعد اتّفاقهما على قيمة الصحيح ، كما إذا اتّفقا على أنّ قيمة الصحيح أربعون درهما ، واختلفا في أنّ قيمة المعيب ثلاثون أو عشرون وحينئذ يكون المالك منكرا لما يدّعيه الضامن من كون قيمته ثلاثين ، ولذا يحلف أو يردّ الحلف إلى الضامن.

ثانيتهما : عكس الصورة الأولى ، وهي صورة اتّفاقهما على قيمة المعيب كعشرين درهما ، والاختلاف في قيمة الصحيح كما إذا ادّعى المالك أنّها أربعون ، وأنكر الضامن ، وقال : بل ثلاثون ، فحينئذ يكون المالك مدّعيا ، ولذا طولب بإقامة البيّنة.

فالمتحصّل : أنّه لا يلزم تخصيص قاعدة «البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه».

ويمكن حمل قوله عليه‌السلام : «إمّا أن يحلف هو .. إلخ» على بيان طرق معرفة القيمة على حسب اختلاف حالات المالك والغاصب ، لا على بيان طرق حكم الحاكم بمقدار القيمة ، كي يتعيّن حمل الكلام على بيان وظيفة الحاكم المنوطة بالبيّنة ، ثم يمين المنكر ، ثم اليمين المردودة.

فالغاصب إن كان جاهلا ـ مع علم المالك ـ فإخباره مع يمينه حجّة. وإن كان الغاصب عالما والمالك جاهلا فأخبار الغاصب مع يمينه حجّة وطريق إلى معرفة المالك بالقيمة. وإن كان كلاهما جاهلين بالقيمة فالبيّنة حجّة وطريق لهما. فلا تشمل الرواية صورة الترافع والتنازع إلى الحاكم حتى يلزم انخرام قاعدة : البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه.

كما أنّه قد تحصّل ممّا تقدّم : عدم دلالة الصحيحة ـ بفقرتيها ـ المزبورتين ـ على كون العبرة في ضمان القيميّات بقيمة يوم الغصب. فالعبرة إمّا بقيمة يوم التلف ، وإمّا بأعلى القيم.

٥١١

لكن (١) يحتمل أن يكون العيب قد تناقص إلى يوم الرّد ، والعبرة حينئذ (٢) بالعيب الموجود حال حدوثه ، لأنّ المعيب لو ردّ إلى الصّحّة أو نقص (٣) لم يسقط ضمان ما (٤) حدث منه وارتفع على (٥) مقتضى الفتوى.

فهذا الاحتمال (٦) من هذه الجهة (٧) ضعيف أيضا (٨) ،

______________________________________________________

(١) غرضه قدس‌سره تضعيف احتمال كون «اليوم» قيدا للعيب ، بتضعيف منشئه ، وهو احتمال ازدياد العيب إلى يوم ردّ العين.

ومحصّل التضعيف : أنّ احتمال ازدياد العيب ـ بعد حدوثه ـ معارض باحتمال نقصانه إلى يوم الرّدّ ، كما إذا تصدّى الغاصب معالجة البغل ومداواته ، فزال العيب أو نقص ، فلو كانت العبرة في الأرش بالعيب الموجود حال ردّ البغل لزم عدم ضمان الغاصب شيئا بإزاء العيب ، أو ضمانه قيمة أقلّ من قيمة العيب يوم حدوثه. مع أنّ المناط قيمة الأرش يوم حدوثه ، على ما يظهر من فتاواهم من ضمان العيب ، حتى إذا نقص أو زال بيد الضامن. ولأجل هذه الفتوى يشكل المصير إلى احتمال تعلّق «يوم» بالعيب ، بل المتعيّن تعلّقه ب «عليك» هذا.

(٢) أي : حين تناقص العيب وزواله تدريجا.

(٣) المراد بنقصان المعيب نقص عيبه.

(٤) المراد بالموصول هو العيب ، أي : العيب الذي حدث في المغصوب ، ثم ارتفع.

(٥) متعلّق ب «لم يسقط» يعني : أنّ الدليل على استقرار أرش العيب حال حدوثه على عهدة ضامن العين هو فتوى الأصحاب.

(٦) أي : احتمال كون «يوم» قيدا للعيب ، وهو الذي تقدّم بقوله : «ويحتمل أن يكون قيدا للعيب .. إلخ».

(٧) أي : من جهة فتوى الأصحاب بضمان العيب الحادث مطلقا حتى إذا زال أو نقص.

(٨) أي : كضعف ما تقدّم بقوله : «وأمّا قوله عليه‌السلام في جواب السؤال عن إصابة العيب».

٥١٢

فتعيّن (١) تعلّقه بقوله : «عليك» (٢). والمراد : بقيمة ما بين الصّحّة والعيب : قيمة التفاوت بين الصّحّة والعيب ، ولا تعرّض في الرواية ليوم هذه القيمة ، فيحتمل يوم الغصب (٣) ، ويحتمل يوم حدوث العيب (٤) الذي هو يوم تلف وصف الصّحّة ، الذي هو بمنزلة جزء العين في باب الضمانات والمعاوضات.

وحيث (٥) عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه (٦) واللاحقة له في (٧) اعتبار

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة بطلان كلّ من تعلّق «اليوم» ب «قيمة» وتعلّقه احتمالا ب «العيب».

(٢) فمعناه حينئذ «عليك يوم ردّ العين قيمة ما بين الصّحّة والعيب» من دون تعرّض لزمان هذه القيمة ، فيحتمل أن يكون زمان التقويم يوم الغصب ، ويحتمل أن يكون يوم حدوث العيب ، الذي هو يوم تلف وصف الصّحّة ، ومن المعلوم أنّ وصف الصّحّة جزء معنوي مقابل بجزء من الثمن ، كالأجزاء الخارجيّة.

(٣) لتبعية ضمان الأجزاء ـ التي منها وصف الصّحّة ـ لضمان يوم الغصب.

(٤) يعني : إذا قلنا بضمان العين المضمونة التالفة بقيمة يوم التلف ترتّب عليه ضمان العيب بقيمة يوم حدوثه ، لأنّه زمان تلف وصف الصّحّة الذي هو كالجزء الخارجيّ في الضمان

(٥) يعني : أنّ جملة «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه» لمّا كانت مجملة ، لدوران قيمة العيب بين قيمة يوم غصب العين وبين قيمة يوم حدوث العيب ، ولم تكن منافية لاستظهار قيمة يوم الغصب ، تعيّن رفع إجمالها بالرجوع إلى ما ورد في صدر الصحيحة وذيلها ممّا يدلّ على ضمان قيمة يوم الغصب.

(٦) أي : على قوله عليه‌السلام : «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه» والمراد من الجملة السابقة قوله عليه الصلاة والسلام : «قيمة بغل يوم خالفته». والمراد بالجملة اللاحقة قوله عليه‌السلام : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا وكذا» فإنّ ظاهر هاتين الجملتين اعتبار قيمة يوم الغصب.

(٧) متعلّق ب «ظهور الفقرة.».

٥١٣

يوم الغصب تعيّن حمل هذا (١) أيضا (٢) على ذلك (٣).

نعم (٤) يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة

______________________________________________________

(١) أي : جملة «عليك قيمة ما بين الصّحّة والعيب يوم تردّه» والوجه في التعيّن هو لزوم حمل المجمل على المبيّن.

(٢) أي : كما حملنا جملة «يوم الاكتراء» على يوم الغصب ، لعدم العبرة في باب ضمان العين المستأجرة بيوم الاكتراء.

(٣) أي : على يوم الغصب. وبهذا يظهر عدم وجود معارض للصحيحة لإرادة يوم الغصب من الصّدر والذيل.

هذا تمام الكلام في ما استظهره المصنف قدس‌سره من ضمان يوم الغصب. وسيأتي تعرّضه لاستظهار ضمان يوم التلف.

تضعيف دلالة الصحيحة على اعتبار قيمة وقت الضمان

(٤) استدراك على ما استظهره المصنّف قدس‌سره ـ من فقرتي الصحيحة ـ من ضمان المغصوب بقيمة يوم الغصب. وغرضه تضعيف هذا الظهور ، واستفادة ضمان قيمة يوم التلف وفاقا لجماعة.

وحاصل الاستدراك : أنّ الموهن لما استظهرناه من الصحيحة من اعتبار قيمة يوم الغصب هو : أنّ الحكم بضمان يوم المخالفة مبنيّ على ما هو الغالب في مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدّة خمسة عشر يوما ، لا لأجل خصوصيّة فيه ، فلا يبقى للرواية ظهور في دخل خصوصيّة ليوم المخالفة كما هو المدّعى.

لا يقال : على هذا فما الوجه في العدول عن التعبير ب «يوم التلف» إلى التعبير ب «يوم المخالفة» مع إخلاله بالمقصود ، لاحتمال كون المدار عليه.

فإنّه يقال : وجهه دفع توهّم أمثال صاحب البغل من العوام ، وهو كون العبرة بالقيمة التي اشترى بها البغل.

٥١٤

بأنّه (١) لا يبعد أن يكون مبنى الحكم (٢) في الرّواية ـ على ما هو الغالب في مثل مورد الرّواية ـ من (٣) عدم اختلاف قيمة البغل في مدّة خمسة عشر يوما. ويكون السّر (٤) في التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهّمه أمثال صاحب البغل من العوام أنّ (٥) العبرة بقيمة ما اشترى به البغل وإن نقص بعد ذلك ، لأنّه (٦) خسّره المبلغ الذي اشترى به البغلة.

______________________________________________________

(١) متعلّق ب «يوهن» وبيان لوجه توهين ما تقدم من استفادة ضمان يوم الغصب من الصحيحة.

(٢) وهو ضمان قيمة يوم الغصب ، المستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام : «قيمة بغل يوم خالفته» ومن قوله عليه الصلاة والسلام : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا وكذا» لدلالة الجملتين على كون العبرة بقيمة يوم الغصب ، كما تقدّم مفصّلا.

(٣) بيان ل «ما هو الغالب».

(٤) هذا دفع دخل مقدّر ، تقدّم بيانهما بقولنا : «لا يقال .. فإنه يقال ..» فغرض المصنّف إسقاط خصوصيّة «يوم المخالفة» عن دخله في تقويم المضمون.

(٥) الجملة في محلّ نصب على أنّها بيان للضمير المنصوب في قوله : «يتوهمه» أو أنّها مجرورة ب «من» البيانية المبيّنة للموصول في «ما ربما».

يعني : أنّ صاحب البغل وعوام الناس يتخيّلون ويتوهّمون ضمان التالف بثمنه الذي اشتروه حتى إذا نقص عنه بعده ، لصيرورة البغل فارضا قد ضعف عن السّير عليه مسافة مديدة ، فإنّهم لا يعتنون بهذا النقص ويطالبون بثمن الاشتراء. فأراد عليه الصلاة والسلام تنبيه المكاري على أنّه لا يستحقّ ثمن الاشتراء ، وإنّما يستحقّ قيمته الفعليّة في يوم المخالفة وإن كان أقلّ بكثير من قيمة الشراء.

(٦) تعليل لتوهّم المكاري استحقاق قيمة الاشتراء ، يعني : لأنّ أبا ولّاد ـ الذي اكترى البغل ـ أورد خسارة على المكاري ، قدرها الثمن الذي بذله المكاري لشراء البغل.

هذا أصل توهين استظهار قيمة يوم الغصب ، ثمّ أيّده المصنّف بأمرين ، كما يأتي

٥١٥

ويؤيّده التعبير (١) عن يوم المخالفة في ذيل الرّواية ب «يوم الاكتراء» (٢) فإنّ فيه إشعارا بعدم عناية المتكلّم بيوم المخالفة من حيث إنّه يوم المخالفة (٣).

إلّا أن يقال (٤) : إنّ الوجه في التعبير ب «يوم الاكتراء» مع كون المناط يوم المخالفة (٥) هو التنبيه على سهولة إقامة الشهود على قيمته في زمان الاكتراء ، لكون

______________________________________________________

وإن ناقش في أوّلهما.

(١) هذا هو المؤيّد الأوّل لإسقاط يوم المخالفة عن الموضوعيّة ، يعني : ويؤيّد كون الحكم ـ في الصحيحة ـ مبنيّا على الغالب التعبير عن يوم المخالفة ب «يوم الاكتراء» كما تقدّم في الفقرة الثانية. ولو كان الحكم مترتّبا على خصوص يوم المخالفة والغصب لم يكن وجه للتعبير ب «يوم الاكتراء» حتى لو فرض اتّحاده مع يوم المخالفة. فالتعبير «بيوم الاكتراء» مشعر بعدم اعتناء الامام عليه الصلاة والسلام بقيمة البغل في يوم المخالفة ، وأنّ تعبيره عليه‌السلام «بيوم المخالفة» في الجملة السابقة يكون لأجل وحدة قيمة البغل في يومي المخالفة والاكتراء. وعليه فلا سبيل لاستظهار ضمان قيمة البغل في يوم الغصب من الصحيحة.

(٢) أي : فإنّ في التعبير ب «يوم الاكتراء» إشعارا بعدم موضوعيّة قيمة البغل يوم الغصب.

(٣) بل من حيث كون القيمة في يوم المخالفة مساوية لها في يوم الاكتراء إلى يوم الرّد ، ومن هنا يصحّ التعبير عن قيمته بقيمة يوم الاكتراء والردّ والمخالفة.

(٤) غرضه الخدشة في التأييد والتحفّظ على كون «يوم المخالفة» ملحوظا على نحو الموضوعيّة ، وحاصله : أنّه مع كون العبرة بقيمة يوم المخالفة يكون النكتة في التعبير عنه ب «يوم الاكتراء» هي التنبيه على سهولة إقامة الشهود على قيمته في زمان الاكتراء ، لكون البغل في يوم الاكتراء بمحضر المكارين ، فيسهل الاطّلاع على قيمته.

بخلاف وقت المخالفة ، لعدم حضورهم عند قنطرة الكوفة حتى يتيسّر تقويم البغل بالمراجعة إليهم. وعليه فالعبرة بقيمة المضمون في زمان الغصب ، هذا.

(٥) كما استظهره المصنّف من قوله عليه الصّلاة والسّلام : «قيمة بغل يوم خالفته».

٥١٦

البغل فيه غالبا (١) بمشهد من الناس وجماعة من المكارين (٢). بخلاف زمان المخالفة من حيث (٣) إنّه زمان المخالفة.

فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة ، بل للتنبيه على سهولة معرفة القيمة بالبيّنة. كاليمين (٤) ـ في مقابل قول السائل (٥) : «ومن يعرف ذلك؟» فتأمّل (٦).

______________________________________________________

(١) أي : في يوم الاكتراء.

(٢) الّذين هم خبراء بثمن البغال والدّوابّ.

(٣) لمّا كان يوم الاكتراء والمخالفة واحدا في مورد الصحيحة ، وكانت العبرة بقيمة يوم المخالفة ، لزم تقييد «اليوم» عند ترتب حكم على حيثيّة المخالفة. فغرضه قدس‌سره من قوله : «من حيث إنّه زمان المخالفة» أنّ مناط معرفة قيمة البغل يوم الاكتراء لا زمان المخالفة ، فالعبرة في الضمان بيوم الغصب ، وطريق معرفة القيمة إخبار المكارين الّذين يسهل حضورهم في زمان الاكتراء ، ويصعب في زمان المخالفة.

(٤) يعني : كمعرفة القيمة باليمين في السهولة.

(٥) يعني : في جواب سؤال أبي ولّاد ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : «أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود ..».

(٦) لعلّه إشارة إلى : أنّ الخدشة في المؤيّد ـ المتقدمة بقوله : «إلّا أن يقال» ـ لا يوجب ارتفاع التوهين في أصل المطلب.

أو إلى : أنّ الخدشة في المؤيّد ممنوعة. وأنّ التعبير ب «يوم الاكتراء» موهن لاستظهار ضمان قيمة يوم المخالفة. وما ذكر من «سهولة معرفة القيمة بالبيّنة وصعوبتها في يوم المخالفة» غير وجيه ، لأنّه ـ بعد اقتران المخالفة زمانا بالاكتراء ـ يسهل معرفة قيمة البغل في كلّ من زمان الاكتراء والمخالفة ، فلو كانت العبرة بيوم المخالفة تعيّن التعبير به.

٥١٧

ويؤيّده (١)

______________________________________________________

وعليه فالتعبير ب «يوم الاكتراء» كاشف عن عدم موضوعيّة يوم المخالفة ، هذا.

(١) هذا مؤيّد ثان لكون الحكم في الرّواية ـ من ضمان قيمة يوم المخالفة ـ مبنيّا على الغالب ، لا لموضوعيته له. وحاصل وجه التأييد : أنّ قوله عليه‌السلام : «أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك .. إلخ» يدلّ على عدم خصوصيّة في تقويم البغل بيوم المخالفة ، إذ لو كانت العبرة بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون قول المالك مقدّما على قول المستأجر ، مع كون قوله مخالفا للأصل ، لأنّه يدّعي زيادة القيمة بعد الاكتراء ، وهذه الدعوى مخالفة لأصالة براءة ذمّة الضامن ، أو مخالفة لاستصحاب عدم الزيادة.

ولم يكن أيضا وجه لقبول بيّنته ، لأنّ من يقبل قوله فليس عليه البيّنة ، بل البيّنة على صاحبه.

وبالجملة : فهذا كلّه مخالف لموازين القضاء ، وموهن لظهور الصحيحة في كون العبرة بقيمة يوم الغصب.

وبتعبير آخر : أنّ الامام عليه الصّلاة والسّلام جعل طريق إثبات القيمة الزائدة التي يدّعيها المكاري ـ حتى تستقرّ على عهدة أبي ولّاد ـ أمرين ، أحدهما : الحلف ، والآخر : إقامة البيّنة. وجعل عليه‌السلام طريق إثبات القيمة التي يدّعيها أبو ولّاد خصوص اليمين المردودة.

وعليه نقول : لو كانت العبرة بقيمة البغل يوم الغصب ، أشكل تطبيق جواب الامام عليه الصّلاة والسّلام على موازين باب القضاء. أمّا أوّلا : فلأنّ مالك البغل مدّع لزيادة قيمته يوم الغصب على قيمته يوم الإكتراء بيمينه ، ومن المعلوم أنّ قوله مخالف لأصالة عدم الزيادة. ولا وجه لتقديم قوله بمجرّد يمينه ، لأنّ المتّبع في باب القضاء توجيه الحلف أوّلا إلى المنكر ، فإن حلف ثبت قوله ، وإن ردّها إلى المالك فحلف ثبت قوله.

٥١٨

أيضا (١) قوله عليه‌السلام فيما بعد (٢) في جواب قول السائل : «ومن يعرف ذلك؟» قال : أنت وهو ، امّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك. فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه. أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون على أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا وكذا ، فيلزمك» الخبر ، فإنّ (٣) العبرة لو كانت بخصوص يوم

______________________________________________________

مع أنّه عليه الصّلاة والسّلام قدّم قول المالك بحلفه على القيمة ، فقال : «إمّا أن يحلف هو على القيمة ..».

وأمّا ثانيا : فلأنّ المقرّر في باب القضاء «البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر» فالوظيفة الأوّليّة لكلّ منهما تغاير وظيفة الآخر ، فعلى المدّعي إقامة البيّنة لإثبات مقصوده ، وعلى المنكر اليمين للتخلّص من دعوى المدّعي. ومن المعلوم عدم صدق عنواني «المدّعي والمنكر» على شخص واحد حتى تثبت دعواه بكلّ من اليمين والبيّنة. مع أنّه عليه الصّلاة والسّلام جمع بين اليمين والبيّنة في حقّ المالك هذا.

ولا مخلص من هذين الإشكالين إلّا بجعل العبرة بقيمة يوم التلف ، إذ يمكن توجيه كلّ من تقديم قول المالك ، وتوجيه اليمين والبينة معا إلى المالك كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى.

(١) يعني : كما تأيّد الحكم ـ بضمان قيمة يوم التلف ـ بالمؤيّد الأوّل.

(٢) يعني : بعد الفقرة الأولى ، وهي قوله عليه الصّلاة والسّلام : «نعم قيمة بغل يوم خالفته».

(٣) هذا تعليل لقوله : «ويؤيّده أيضا» وبيان لوجه التأييد ، وحاصله ـ كما عرفت تفصيله ـ أنّه لو كانت العبرة بضمان قيمة يوم الغصب لزم مخالفة موازين باب القضاء من جهتين. إحداهما : قبول قول المالك المدّعي لزيادة قيمة البغل ، والمفروض مخالفة دعواه لأصالة عدم الزيادة.

ثانيتهما : الجمع بين قبول يمينه وقبول بيّنته ، مع امتناع كون شخص واحد مدّعيا ومنكرا.

٥١٩

المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك مع كونه مخالفا للأصل (١). ثم لا وجه لقبول بيّنته (٢) ، لأنّ من كان القول قوله ، فالبيّنة بيّنة صاحبه.

وحمل (٣) الحلف هنا على الحلف المتعارف الذي يرضى به المحلوف له

______________________________________________________

(١) أي : استصحاب عدم زيادة القيمة على قيمة ما قبل يوم المخالفة.

(٢) أي : بيّنة المالك ، ومن المعلوم أنّ قبول بيّنته مخالف لما تقرّر من أنّ من يقبل قوله لا تقبل بيّنته ، وإنّما تقبل من صاحبه.

(٣) مبتدأ خبره «خلاف الظاهر» والحامل هو صاحب الجواهر قدس‌سره وقد بسط الكلام لتثبيته ، ولئلّا يلزم طرح الصحيحة من جهة مخالفتها لموازين القضاء ، قال قدس‌سره : «قلت : لكن قد يقال : يمكن حمله على إرادة بيان أنّ ذلك طريق لمعرفة القيمة مع التراضي بينهما في ذلك ، لا أنّ المراد بيان تقديم قوله مع عدم التراضي. وإلّا لم يكن معنى لقوله عليه‌السلام : أو يأتي بشهود ، ضرورة عدم الحاجة إليهم في إثبات قوله ، بناء على أنّ القول قوله .. إلى أن قال : فلا دلالة في الصحيح المزبور على فرض المسألة بما عند الأصحاب من كون المراد شغل ذمّة الغاصب بالزائد وعدمه. بل إن لم يحمل على ما ذكرنا من التراضي بينهما على اليمين لم يكن معنى لقوله عليه‌السلام : تعرفها أنت وهو ، ضرورة كون المعرفة للمالك حينئذ ، بناء على أنّ القول قوله. وليس المراد من قوله عليه‌السلام ـ فإن ردّ اليمين عليك ـ اليمين المردودة المصطلحة ، إذ تلك إنّما هي على نفي ما يدّعيه المنكر ، لا على إثبات ما يدّعيه الغاصب. فلا محيص حينئذ عن حمل الصحيح المزبور على ما ذكرناه ، وإلّا نافى قواعد القضاء ، فتأمّل جيّدا ، والله العالم» (١).

وغرضه قدس‌سره من هذا الحمل توجيه العمل بهذه الصحيحة بنحو لا ينافي ما تقرّر في باب القضاء من «أن البينة على المدّعي واليمين على من أنكر» وادّعى صاحب الجواهر عدم دلالة الصحيحة على كون مورد تقديم قول المالك وقبول بيّنته ـ معا ـ هو إنكار الغاصب زيادة قيمة المغصوب ، بل مورده التداعي. وأقام

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ٢٢٤ و ٢٢٥.

٥٢٠