هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

.................................................................................................

__________________

ومع عدم الإمكان من هذه الجهة لا بدّ من ضمان قيمتها ، لأنّها سدّ لخللها في هذا الحال بالمقدار الممكن ـ فلا بدّ حينئذ من اعتبار قيمة يوم تلف العين أيضا.

وعلى القول باشتغال العهدة مع التعذّر الطاري بالمثل فلا بدّ من الخروج عن عهدته ، لا عهدة العين ، إذ المفروض عدم اشتغال الذمّة بها ، بل بالمثل ، فلا وجه لاعتبار قيمتها ، فالعبرة حينئذ بقيمة المثل يوم التعذّر.

هذا بناء على ضمان المثل في المثليّ. وأمّا بناء على كون العين على العهدة إلى زمان تعذّر المثل ثم انقلابها إلى القيمة ، فالمدار على قيمة يوم تعذّر المثل ، لأنّه وقت انقلابها إلى القيمة.

فالمتحصّل : أنّه بناء على وقوع العين على العهدة تكون العبرة بقيمة يوم الأداء.

وبناء على وقوع المثل في الذمّة ففي تعذّره البدويّ تكون العبرة بقيمة يوم تلف العين ، لأنّه زمان انقلاب العين بالقيمة ، فيكون كتلف القيميّ في كون العبرة بقيمة يوم التلف.

وفي تعذّره الطاري تكون العبرة أيضا بقيمة يوم تلف العين بناء على كون المثل والقيمة كليهما غرامة نفس العين. وبقيمة يوم تعذر المثل بناء على اشتغال الذمّة بالمثل ، لا قيمة العين التالفة ، لعدم اشتغال الذمّة بالعين ، فلا وجه لاعتبار قيمتها ، هذا.

تتمة : اعلم أنّ من الأقوال اعتبار أعلى القيم من حين أخذ العين إلى زمان التلف. ووجهه ما أشير إليه سابقا من كون العين بجميع أوصافها الدخيلة في الرغبات مضمونة ، فالقيمة العالية الناشئة من الأوصاف الثابتة له حال الأخذ مضمونة ، لوقوع الأوصاف تبعا للعين تحت اليد ، فلو تنزّلت قيمتها بعد الأخذ كان الضمان باقيا ، فمع تلف العين تصير قيمتها العالية مضمونة.

وأمّا بعد التلف فلا وجه لضمان زيادة قيم الأمثال إلى حين تعذّر المثل أو الأداء ، لأنّ العين التالفة خرجت عن تحت اليد ، ووقوعها على العهدة على القول به ـ أو وقوع

٤٠١

.................................................................................................

__________________

مثلها على القول الآخر ـ مغاير لكونهما تحت اليد الذي هو الموجب للضمان ، فلا وجه لضمان زيادة قيم أمثال العين في صورة وقوع المثل على الذمّة ، أو العين المفروضة الوجود في صورة وقوع العين بوجودها الاعتباري على الذمّة ، فيسقط كثير من الاحتمالات كأعلى القيم من حين الأخذ إلى حين الإعواز أو المطالبة أو الأداء ، أو من حين التلف إلى زمان الإعواز ، أو غيره مما ذكر.

فما قيل من : «أن الانقلاب إلى القدر المشترك بين العين والمثل أي أعلى القيم من زمان الأخذ إلى زمان إعواز المثل وجيه ، لأنّ القول بضمان القيميّ بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف ينتج في المقام ضمانه بأعلى القيم من زمان أخذ العين إلى زمان إعواز المثل ، لأنّ معنى الضمان بأعلى القيم هو استقرار مراتب القيمة السوقيّة في عهدة الضامن بشرط تلف المضمون ، فإذا تعذّر ردّ المثل بقي ارتفاع قيمته على العهدة ، كما أنّ ارتفاع قيمة العين أيضا عليها» (١).

ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، لما مرّ آنفا من أنّ الموجب للضمان هو كون الشي‌ء تحت اليد. وأمّا كونه على العهدة فهو مغاير لما يوجب الضمان ، ولذا لو كان عليه صاع من الحنطة بسبب القرض أو البيع ولم يؤدّ مع المطالبة لم يضمن ارتفاع قيمته ، إذ لا وجه للضمان بعد عدم كون ما على العهدة تحت اليد. فالقول بضمان أعلى القيم في الغصب إلى زمان التلف لا ينتج ما ذكر من ضمان أعلى القيم من زمان الأخذ إلى زمان إعواز المثل.

وتوهّم شمول آية الاعتداء لذلك بتقريب : أنّ عدم أداء العين والمثل حين ارتفاع قيمته اعتداء يعتدى فيه بالمثل ، وهو القيمة ، فاسد ، لأنّ الاعتداء مع المطالبة اعتداء في تأخير أداء ما في ذمّته ، لا اعتداء في قيمته.

مضافا إلى عدم دلالة الآية الشريفة على الضمان كما مرّ مرارا.

والحاصل : أنّ ما ذكر ليس له وجه ، فضلا عن كونه وجيها.

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ١٤٢.

٤٠٢

ثمّ إنّ في هذه المسألة (١) احتمالات أخر (٢) ، ذكر أكثرها في القواعد (٣) ، وقوّى بعضها في الإيضاح ، وبعضها بعض الشافعيّة.

______________________________________________________

الوجوه المحتملة في قيمة المثل المتعذّر ، ومبانيها

(١) أي : مسألة تعذّر المثل.

(٢) أي : غير اعتبار القيمة يوم تعذّر المثل الذي نسبه إلى الحلّيّ في البيع ، وإلى التحرير في باب القرض.

(٣) قال العلّامة قدس‌سره فيه : «ولو تلف المثليّ في يد الغاصب والمثل موجود فلم يغرمه حتى فقد ، ففي القيمة المعتبرة احتمالات : الأوّل : أقصى قيمته من يوم الغصب إلى التلف ، ولا اعتبار بزيادة قيمة الأمثال. الثاني : أقصى قيمته من وقت تلف المغصوب إلى الإعواز. الثالث : أقصى القيم من وقت الغصب إلى الإعواز. الرابع : أقصى القيم من وقت الغصب إلى وقت دفع القيمة. الخامس : القيمة يوم الإقباض» (١).

وأضاف إلى هذه احتمالات أخرى في غصب التذكرة ، فراجع.

ولا يخفى أنّ الاحتمال الخامس هو مذهب المشهور الذي اختاره المصنّف ، وقد تقدّم وجهه ومبناه ، وهو عدم سقوط المثل عن الذّمّة بمجرّد الإعواز ، بل يتوقف سقوطه على أداء ثمن المثل ، ولذا تكون العبرة بقيمة يوم الدفع والإقباض. ويبتني عليه الاحتمال الرابع أيضا كما سيأتي.

وأمّا سائر الاحتمالات فمبنيّة على استقرار القيمة في عهدة الضامن بأحد أنحاء ثلاثة :

الأوّل : انقلاب العين المثليّة التالفة إلى القيمة بسبب إعواز المثل.

الثاني : انقلاب نفس المثل إلى القيمة.

الثالث : انقلاب الجامع المشترك بين العين التالفة والمثل المتعذّر إلى القيمة.

وهذا المبنى الثالث لم يشر إليه المصنّف قدس‌سره هنا ، ولكنّه أشار إليه في تفصيل مباني

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ص ٧٩ (الطبعة الحجرية).

٤٠٣

وحاصل جميع الاحتمالات (١) في المسألة مع مبانيها : أنّه إمّا أن نقول باستقرار المثل في الذّمّة إلى أوان الفراغ منه بدفع القيمة ، وهو الذي اخترناه (٢) تبعا للأكثر من اعتبار القيمة عند الإقباض ، وذكره في القواعد خامس الاحتمالات.

وإمّا (٣) أن نقول بصيرورته (٤) قيميّا عند الإعواز.

______________________________________________________

الاحتمالات بقوله : «وإن قلنا : إنّ المشترك بين العين والمثل صار قيميّا» وكان المناسب التنبيه على إجماله هنا كما نبّه على إجمال سائر المباني.

وكيف كان فكلام المصنّف قدس‌سره حول مباني الاحتمالات المذكورة في قواعد العلّامة قدس‌سره يقع في مقامين :

أحدهما : مقام الثبوت ، وبيان ما يمكن أن يكون وجها لكلّ واحد من الاحتمالات.

ثانيهما : مقام الاثباب ، وهو الاستظهار من أدلّة الضمانات.

(١) أي : جميع الاحتمالات المتصورة في هذه المسألة ممّا تقدّم وغيره ممّا سيأتي.

(٢) يستفاد اختياره له من بيانه وعدم المناقشة فيه ، حيث قال : «ان المشهور أنّ العبرة في قيمة المثل المتعذّر بقيمته يوم الدفع .. إلخ».

(٣) معطوف على قوله : «إمّا أن نقول» وقد أشرنا آنفا إلى أنّ : منشأ ما عدا الاحتمال الخامس ـ من الاحتمالات المذكورة في القواعد ـ هو هذا الشّقّ من القضيّة المنفصلة أعني استقرار القيمة في ذمّة الضامن عند الإعواز.

(٤) مقتضى السياق رجوع الضمير إلى «المثل» الذي تقدّم في قوله : «إمّا أن نقول باستقرار المثل في الذّمّة إلى أوان الفراغ منه» فالمراد بقوله : «وإمّا أن نقول» هو : أن نقول بصيرورة المثل المتعذّر قيميّا ، أي انقلاب المثل إلى القيمة.

ولكن يشكل هذا الإرجاع من جهة أنّ المصنف رتّب عليه احتمالين :

أحدهما : انقلاب المثل إلى القيمة ، وهذا يلتئم مع إرجاع الضمير إلى المثل.

٤٠٤

فإذا صار كذلك (١) ، فإمّا أن نقول : إنّ المثل المستقرّ في الذّمّة (٢) قيميّ فيكون القيميّة صفة للمثل بمعنى : أنّه لو تلف وجب قيمته. وإمّا أن نقول : إنّ المغصوب انقلب قيميّا بعد أن كان مثليّا.

فإن قلنا بالأوّل (٣) ، فإن جعلنا الاعتبار في القيميّ

______________________________________________________

ثانيهما : انقلاب نفس العين المثليّة التالفة إلى القيمة ، لما سيأتي من قوله : «وإمّا أن نقول : إنّ المغصوب انقلب قيميّا بعد أن كان مثليّا» ومن المعلوم أنّ انقلاب نفس العين التالفة إلى القيمة أجنبيّ عن صيرورة المثل قيميّا ، لأنّ المدار على قيمة العين لا قيمة المثل المتعذّر ، وإن كان تعذّره واسطة ثبوتيّة لتبدّل ضمان العين بالثمن.

وكيف كان فمراد المصنّف من قوله : «وإمّا أن نقول بصيرورته قيميّا» هو تبدّل ضمان المثل بضمان القيمة ، إمّا قيمة المثل ، وإمّا قيمة العين التالفة أو المتلفة.

إلّا أن يوجّه إرجاع الضمير إلى «المثل» بأنّ المثليّ يصير قيميّا ، سواء أكانت القيمة قيمة المثل أم قيمة العين المضمونة ، فيصحّ جعله مقسما لقسمين ، فتدبّر.

(١) يعني : فإذا صار قيميّا عند إعواز المثل ، لا عند دفع القيمة الذي نسبه المصنّف إلى المشهور واختاره كما عرفت.

(٢) كما فهمه المحقّق الثاني (١) من قول العلامة قدس‌سرهما. وعليه فتكون القيمة بدلا عن المثل الذي هو بدل عن العين ، فتصير القيمة بدل البدل ، في قبال الاحتمال الآخر وهو كون القيمة بدلا عن العين ، نظير بدليّة المثل عنها ، فيكون للعين بدلان : المثل والقيمة ، لكنّهما ليسا بدلين عرضيّين بل طوليين ، وبدلية القيمة مشروطة بتعذّر المثل. أمّا بدليّة المثل فمطلقة.

(٣) المراد بالأوّل هو أوّل الاحتمالين المبنيين على انقلاب المثل قيميّا عند الإعواز ، وقد أفاده بقوله : «فإمّا أن نقول : إنّ المثل المستقرّ في الذّمّة قيميّ ..» وليس المراد بالأوّل بقاء المثل في الذّمّة إلى أوان أداء القيمة ، لما عرفت من أنّه لو قلنا

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٢٥٤.

٤٠٥

بيوم التلف (١) ـ كما هو أحد الأقوال (٢) ـ كان (٣) المتعيّن قيمة المثل يوم الإعواز ، كما صرّح به (٤) في السرائر في البيع الفاسد ، والتحرير في باب القرض ، لأنّه (٥) يوم تلف القيميّ.

وإن جعلنا الاعتبار فيه (٦) بزمان الضمان ـ كما هو القول

______________________________________________________

ببقاء المثل في عهدة الضامن إلى يوم الإقباض تعيّنت قيمته في ذلك اليوم ، ولا مجال لسائر الاحتمالات.

(١) وهو الموافق للمرتكز العرفيّ في الضمان بالقيم من تدارك الخسارة الماليّة ـ الواردة على المالك بتلف العين ـ بما يساوي تلك الخسارة حين التلف.

(٢) بل في الدروس والروضة نسبته إلى الأكثر ، كما نقله المصنف في الأمر السابع. والوجه فيه : أنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو يوم التلف ، إذ الواجب قبله إنّما هو ردّ العين.

(٣) جواب الشرط في «فإن جعلنا» وجملة الشرط والجزاء جواب لقوله : «فإن قلنا ..».

(٤) أي : كما صرّح ابن إدريس والعلّامة قدس‌سرهما ـ في بعض المواضع ـ بتعيّن قيمة المثل يوم إعوازه. وقد تقدّم كلامهما وكلام الشهيد الثاني في بيع المسالك ، فراجع (ص ٣٨٤ و ٣٨٥).

(٥) يعني : لأنّ يوم إعواز المثل هو يوم تلف القيميّ ، فلا بدّ من رعاية قيمة المثل يوم تعذّره.

ولا يخفى أنّ تعيّن قيمة المثل يوم الإعواز ليس من الاحتمالات المذكورة في القواعد ، وإنّما ذكره العلّامة قدس‌سره في التذكرة سابع الاحتمالات ، ونبّه المصنّف قدس‌سره عليه ، لترتّبه على القول بالانقلاب وبضمان القيميّ يوم تلفه.

(٦) أي : وإن جعلنا الاعتبار في القيميّ بزمان الضمان ـ لا يوم التلف ـ اتّجه القول بضمان قيمة زمان تلف العين ، لأنّ زمان تلف العين هو أوّل أزمنة ثبوت المثل في

٤٠٦

الآخر في القيميّ (١) ـ كان (٢) المتّجه اعتبار زمان تلف العين (٣) ، لأنّه (٤) أوّل أزمنة وجوب المثل في الذّمّة المستلزم (٥)

______________________________________________________

الذّمّة ، لأنّ الذّمّة لا تشتغل بالمثل ما دامت العين موجودة ، فإذا تلفت انتقل الضمان إلى البدل وهو المثل ، وحيث إنّ المفروض إعواز المثل ضمنه بقيمته يوم تلف العين.

وبعبارة أخرى : إنّ اشتغال الذّمّة بقيمة المثل زمان تلف العين منوط بأمرين :

أحدهما : القول بأنّ القيميّ المغصوب يضمن بقيمة يوم غصبه ، ضرورة أنّ وضع اليد على مال الغير مقتض لاشتغال العهدة به. ولا عبرة بقيمته في سائر الأزمنة كيوم تلفه أو يوم مطالبة الملك ببدل التالف.

ثانيهما : أنّ المثليّ انقلب يوم إعوازه بالقيميّ.

وبناء عليهما يتّضح وجه ضمان قيمة المثل يوم تلف العين ، وذلك لأنّ تلفها يوجب استقرار المثل في الذّمّة ، فالمضمون في يوم التلف هو المثل ، وحيث تعذّر الوصول إلى المثل ـ كما هو المفروض ـ وانقلب قيميّا ، فلا بدّ من رعاية قيمته يوم استقراره في العهدة وهو يوم تلف العين.

(١) هو لشيخ الطائفة في موضع من المبسوط ، ولغيره أيضا كما سيأتي في الأمر السابع.

(٢) جواب الشرط في قوله : «وإن جعلنا ..».

(٣) يعني : اعتبار ثمن المثل في يوم تلف العين المضمونة بالغصب أو بالقبض بالبيع الفاسد كما في المقام.

(٤) يعني : لأنّ زمان تلف العين أوّل أزمنة ثبوت المثل في الذّمّة ، فانقلب ضمان العين بضمان المثل ، وحيث إنّ المثل متعذّر ، ضمن ثمنه يوم تعذّره ، كما إذا تلفت العين في أوّل الشهر ، وتعذّر المثل في آخر الشهر ، فيضمن ثمن المثل في أوّل الشهر الذي تلفت العين فيه ، لا ثمنه في يوم إعواز المثل كما كان في الاحتمال السابق على هذا الاحتمال.

(٥) صفة ل «وجوب المثل» والمراد بالوجوب هو الثبوت.

٤٠٧

لضمانه بقيمته عند (١) تلفه (٢). وهذا (٣) مبنيّ على القول بالاعتبار في القيميّ بوقت الغصب كما عن الأكثر.

وإن جعلنا (٤) الاعتبار فيه بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان التلف ـ كما حكي عن جماعة من القدماء (٥) في الغصب ـ كان المتّجه الاعتبار بأعلى

______________________________________________________

(١) متعلّق ب «ضمانه» لا «بقيمته» وظرف القيمة ـ وهو زمان تلف العين واشتغال الذّمّة بالمثل ـ محذوف.

(٢) هذا الضمير راجع إلى العين ، وضميرا «لضمانه ، بقيمته» راجعان إلى المثل ، فكأنّه قيل : وجوب المثل في الذّمّة مستلزم لضمان خصوص قيمة المثل الثابتة عند تلف العين ، لا سائر قيمة.

(٣) أي : ضمان قيمة يوم التلف مبنيّ على القول بكون العبرة في القيميّ بزمان الغصب ، لأنّه وقت الضمان كما عن الأكثر ، والمفروض أنّ زمان اشتغال الذّمّة بالمثل هو زمان تلف العين.

(٤) معطوف على «وإن جعلنا» ومقصوده قدس‌سره بيان مبنى الاحتمال الثاني المتقدّم عن القواعد ، وهو ضمان أعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان إعواز المثل ، فأفاد : أنّه لو قلنا في القيميّ المغصوب بمقالة جماعة من قدماء الأصحاب ـ من ضمان أعلى القيم من زمان الغصب إلى زمان التلف ـ اتّجه الاحتمال الثاني وهو ضمان المثليّ المتعذّر وجوده بأعلى القيم من تلف العين إلى الإعواز ، وذلك لأنّ زمان الضمان بالمثل هو زمان تلف العين ، كما إذا تلفت أوّل الشهر وتعذّر المثل في آخره ، فإنّ المثل المنقلب إلى القيميّ صار مضمونا في تمام الشهر ، فلو ارتفعت قيمته وسط الشهر وانخفضت في يوم إعواز المثل ضمن تلك القيمة العليا.

(٥) قال السيّد العامليّ قدس‌سره : «هو خيرة الخلاف والمبسوط والنهاية في موضع منهما ، والوسيلة والغنية والسرائر والإيضاح واللمعة والمقتصر والتبصرة ـ على إشكال ـ وكذا شرح الإرشاد للفخر ، وفي بيع المختلف نسبته إلى علمائنا ، وفي

٤٠٨

القيم من يوم تلف (١) العين إلى زمان الإعواز.

وذكر هذا (٢) الوجه في القواعد ثاني الاحتمالات.

وإن قلنا (٣) : إنّ التالف

______________________________________________________

غصبه : انّه أشهر. واستحسنه في الشرائع ، وكأنّه قال به أو مال إليه. وفي الكفاية والمسالك : أنّ في خبر أبي ولّاد ما يدلّ على وجوب أعلى القيم بين الوقتين ، وكأنّه قال به وقوّاه في الروضة أيضا .. إلخ» (١).

(١) لما عرفت من أنّ يوم تلف العين أوّل زمان ضمان المثل بقيمته عند تلفها ، وآخر زمانه زمان تلف المثل أعني به زمان إعوازه.

(٢) أي : اعتبار أعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان إعواز المثل.

هذا تمام الكلام في الاحتمالات الثلاثة المبتنية على انقلاب المثل إلى القيمة بالإعواز.

أوّلها : اعتبار قيمة المثل يوم الإعواز ، وهو مبنيّ على القول بضمان القيميّ بقيمة يوم تلفه.

ثانيها : اعتبار قيمة المثل يوم تلف العين ، وهو مبنيّ على القول بضمان القيميّ بقيمة يوم ضمانه ودخوله في العهدة. وحيث إنّ ضمان المثل تحقّق في يوم تلف العين اعتبر ثمنه فيه ، لا في يوم إعوازه وتعذّره.

ثالثها : اعتبار أعلى قيم المثل من زمان تلف العين إلى زمان إعواز المثل ، وهذا مبنيّ على ضمان القيميّ المغصوب بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان التلف.

وسيأتي الكلام فيما يبتني من الوجوه على القول الآخر في المثليّ المتعذّر ، وهو ضمان قيمة نفس العين لا قيمة المثل.

(٣) معطوف على قوله : «فان قلنا بالأوّل» يعني : وإن قلنا بالثاني ـ وهو انقلاب التالف المثليّ قيميّا ، لا انقلاب المثل المعوز إلى القيمة ـ ففيه احتمالان :

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٤٤.

٤٠٩

انقلب (١) قيميّا احتمل (٢) الاعتبار بيوم الغصب

______________________________________________________

أحدهما : كون العبرة بقيمة يوم الغصب.

والآخر : كون العبرة بأعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف. وسيأتي توضيحهما.

(١) ليس المراد بالانقلاب اتّحاد المثليّ المتعذّر مع القيميّ حقيقة ، لما تقدّم في الأمر الرّابع من التقابل بينهما وتباينهما ، فالمثلي ما تساوت أجزاؤه ، والقيميّ ما لا تتساوى أجزاؤه. بل المراد إجراء حكم القيميّ في المثليّ المتعذّر. فكما أنّ الضامن للتالف القيميّ مخاطب بتفريغ ذمّته بأداء القيمة ، فكذا في المضمون المثليّ الذي كان موجودا حين تلف العين ثم طرأ عليه التعذّر ، فإنّه مخاطب بأداء قيمة التالف بعد أن كان مخاطبا بأداء المثل.

(٢) وجه هذين الاحتمالين واضح ، وهو اتّحاد حكم المثليّ المتعذّر المنقلب إلى القيميّ مع حكم القيميّ بالأصالة. فإن قلنا بضمان الأعيان القيميّة بقيمة يوم غصبها تعيّن ضمان العين المثليّة ـ التي طرأ التعذّر على أمثالها ـ بقيمة يوم ضمانها ودخولها في العهدة. فكأنّ هذه العين المثليّة قيميّة من أوّل الأمر ، فتضمن بما تضمن به الأعيان القيميّة.

وإن قلنا بضمان القيميّ بأعلى القيم من الغصب ـ أو الضمان ـ إلى يوم التلف اتّجه القول بضمان المثليّ المتعذّر بأعلى قيمته من حين غصبه إلى تلفه.

ولا يخفى أنّ المصنّف قدس‌سره اقتصر ـ بناء على الانقلاب ـ على احتمالين ، وأهمل الاحتمال الأوّل الذي رتّبه على ضمان القيميّ بقيمة يوم تلفه.

والوجه في إهمال ذكره ـ كما في حاشية الشيخ المامقاني قدس‌سره ـ وجود المانع عن جريانه بناء على مفروض البحث وهو انقلاب المثليّ قيميّا ، وذلك لأنّ الكلام في المثليّ الذي تعذّر مثله ، ومن المعلوم أنّ الضامن كان مخاطبا يوم تلف العين بأداء المثل دون قيمة العين ، ولهذا لم يمكن إلزام المالك بقبول القيمة لو دفعها الغاصب يومئذ.

٤١٠

كما في القيميّ (١) المغصوب ، والاعتبار بالأعلى منه (٢) إلى يوم التلف. وذكر هذا أوّل الاحتمالات في القواعد.

وإن (٣) قلنا : إنّ المشترك بين العين والمثل صار قيميّا

______________________________________________________

وعليه فلا يصحّ أن يكون المناط قيمة العين عند تلفها (١).

(١) أي : القيميّ بالأصالة ، وهو ما لا تتساوى أجزاؤه. والمراد بيوم الغصب يوم القبض.

(٢) أي : من يوم غصب العين إلى يوم تلفها بوصف كونها قيميّة ، وهو يوم إعواز المثل.

(٣) معطوف على «فإن قلنا بالأوّل» وهذا مبنى الاحتمال الثالث المذكور في القواعد ، وهو ضمان القيمة العليا من حين الغصب إلى التلف.

وحاصل هذا المبنى : أنّ المدار في ضمان المثليّ الذي تعذّر مثله ليس هو العين بخصوصها حتى تضمن بقيمة يوم غصبها أو يوم تلفها ، ولا هو المثل بخصوصه حتى يضمن بقيمة يوم تلف العين الذي هو زمان اشتغال الذّمّة بالمثل ، ولا بيوم إعوازه الذي هو كتلفه. بل المدار على قيمة الجامع بين العين والمثل ، بمعنى : أنّ المنقلب قيميّا هو القدر المشترك بينهما أي الصفات الكلّيّة والجهات النوعيّة والصنفية الموجبة لماليّة الشي‌ء ، إذ هي الأمر المشترك الموجود في العين التالفة ومثلها اللذين هما من مصاديق الكلّيّ المثليّ. وتعذّر هذا الأمر المشترك منوط بتلف العين وتعذّر المثل ، ضرورة توقّف تعذّر الكلّيّ وتلفه على تلف جميع أفراده.

مثلا إذا وضع يده على صاع من الحنطة المملوكة لزيد وتلفت عنده ، اشتغلت ذمّته بما يماثلها في الصفات الدخيلة في ماليّتها ، فلو أهمل حتى تعذّر المثل تبدّل الضمان بصنف الحنطة الكلّيّة الجامعة للعين والمثل.

والمناسب لهذا المبنى احتمالان مما احتمله العلّامة قدس‌سره.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣١٠.

٤١١

جاء (١) احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان (٢) إلى يوم تعذّر المثل ، لاستمرار (٣) الضمان فيما قبله (٤) من (٥) الزمان إمّا للعين ، وإمّا للمثل. فهو (٦) مناسب لضمان الأعلى من حين الغصب إلى التلف.

______________________________________________________

أحدهما : الاحتمال الثالث ، وهو ضمان أعلى القيم من يوم الضمان والقبض إلى يوم إعواز المثل ، فإذا كانت قيمة الحنطة زمان الغصب دينارا ، ثم صارت يوم تلفها نصف دينار ، ويوم تعذّر المثل دينارا ونصف دينار ، كان المضمون به هو الأخير ، لأنّ المستقرّ في العهدة ليس خصوص العين ولا خصوص المثل ، بل كلّيّ الحنطة إلى زمان إعوازها. ولا ريب في أنّ ارتفاع القيمة من حالات العين المضمونة ، فيكون مضمونا.

ثانيهما : الاحتمال الرابع ، وهو ضمان أعلى القيم من يوم الضمان إلى يوم أداء القيمة ، لأنّه يوم تفريغ الذّمّة من الكلّيّ المثليّ المستقرّ في العهدة من يوم الضمان ، ويتوقّف الفراغ عنه على أداء قيمته.

(١) وجه مجي‌ء هذا الاحتمال ما ذكرناه من استقرار الكلّيّ في ذمّة الضامن ، لا خصوص العين التالفة ، ولا خصوص المثل المتعذّر.

(٢) المراد بيوم الضمان هو يوم الغصب ، ويوم قبض المبيع بالبيع الفاسد.

(٣) تعليل لتوجّه احتمال الضمان بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان إعواز المثل الذي هو يوم سقوط خصوصيّة المثل عن الذّمّة ، وتبدّله بضمان الجامع بين العين والمثل.

(٤) أي : قبل يوم تعذّر المثل.

(٥) بيان ل «ما» الموصولة ، يعني : أنّ الضمان مستمرّ من يوم الضمان إلى يوم الإعواز.

(٦) الظاهر رجوع الضمير إلى استمرار الضمان قبل تلف المغصوب إلى زمان تعذّر المثل ، وعليه فلا بدّ من حمل «التلف» على إعواز المثل لا تلف العين ، إذ لو أريد تلف العين لم يتّجه ضمان ارتفاع قيمة الأمثال من هذا اليوم ـ الذي هو مبدأ استقرار المثل في الذّمّة ـ إلى زمان الإعواز ، وذلك لفرض كون المضمون خصوص العين من يوم غصبها إلى يوم تلفها ، لا الماليّة المشتركة بين المثل والعين.

٤١٢

وهذا (١) ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات.

واحتمل (٢) الاعتبار بالأعلى من يوم الغصب إلى دفع المثل (٣).

ووجهه (٤) في محكيّ التذكرة والإيضاح : بأنّ المثل لا يسقط بالإعواز ، قالا : «ألا ترى أنّه لو صبر المالك إلى وجدان المثل استحقّه (٥) ، فالمصير إلى القيمة عند تغريمها» والقيمة الواجبة على الغاصب أعلى القيم.

______________________________________________________

(١) المشار إليه قوله : «احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان إلى يوم تعذّر المثل» وهو ثالث الاحتمالات المتقدمة في عبارة القواعد.

(٢) معطوف على قوله : «جاء احتمال» وغرضه قدس‌سره أنّه لو قلنا بضمان الماليّة الجامعة بين العين التالفة والمثل المتعذّر احتمل القول بضمان القيمة العليا من حين الضمان إلى زمان أداء الغرامة ، وهي قيمة المثل.

والوجه في هذا الاحتمال : أنّ ذمّة الضامن مشغولة بالجامع بين العين والمثل ، والمسقط هو أداء القيمة إلى المالك ، فلو ارتفعت قيمة المثل بعد زمان تعذّره كان هذا الارتفاع مضمونا أيضا.

(٣) الصواب أن يقال : «إلى دفع القيمة» كما هو صريح عبارة القواعد والتذكرة.

إلّا أن يلتزم بتقدير مضاف ، بأن يقال : «دفع قيمة المثل المفروض تعذّره» فيكون دفع القيمة أداء للمثل المتعذّر من جهة ماليّته ، لا من جهة مثليّته ، هذا.

(٤) أي : وجّه العلّامة وفخر المحقّقين ضمان أعلى القيم ـ من يوم الغصب إلى أداء القيمة ـ بأنّ المثل لا يسقط .. إلخ.

(٥) هذه العبارة منقولة بالمعنى ، وإلّا فعبارة التذكرة والإيضاح هي : «ملك المطالبة به» ثم زاد في التذكرة قوله : «وإنّما المصير إلى القيمة عند تغريمها».

وهذا الاحتمال الرابع مختار فخر المحققين ، لقوله بعد ذكر مآخذ الاحتمالات الخمسة : «والأصحّ الرابع» (١).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٨٣ ؛ إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٧٥.

٤١٣

وحاصله (١) : أنّ وجوب دفع قيمة المثل يعتبر (٢) من زمن وجوبه (٣) إلى وجوب مبدله أعني العين ، فيجب أعلى القيم منها (٤) ، فافهم (٥).

______________________________________________________

وكيف كان فالحاكي لعبارتي التذكرة والإيضاح هو السيّد العامليّ ، وعبارة المتن نصّ كلامه (١).

(١) هذا الحاصل مذكور في مفتاح الكرامة أيضا ، فراجع. يعني : حاصل توجيه العلّامة وفخر الدين للاحتمال الرابع هو : أنّ وجوب دفع قيمة المثليّ الذي بقي مثله في الذّمّة إلى يوم غرامة القيمة ـ وسقط بدفع القيمة إلى المالك ـ إنّما يعتبر بنحو القهقرى من أوّل زمان وجوب قيمة المثليّ ، وهو زمان دفعها ، وينتهي إلى زمان ثبوت مبدل القيمة أعني نفس المال المثليّ المغصوب ، وهو زمان غصب العين.

وعليه فيكون هنا وجوبات عديدة بعدد القيمة إن اختلفت في أجزاء هذا الزمان المتخلّل بين المبدء والمنتهى ، فيجب دفع الأعلى من هذه القيم ، إذ المفروض أنّ القيمة الواجبة على الغاصب هي أعلى القيم.

والأولى : أن يعبّر هكذا : «وحاصله : أنّ إسقاط وجوب دفع قيمة المثل يلاحظ من زمن ثبوت القيمة .. إلخ».

(٢) أي : يلاحظ من زمن وجوب القيمة ـ أي ثبوتها ـ إلى ثبوت مبدل القيمة وهو نفس المال المثليّ المغصوب.

(٣) الوجوب بمعنى الثبوت في الذّمّة ، وضميره وكذا ضمير «مبدله» راجعان إلى القيمة ، فالمناسب تأنيث الضميرين ، وإن صحّ تذكيرهما أيضا باعتبار الرجوع إلى البدل المستفاد من قوله : «إلى وجوب مبدله». والأمر سهل.

(٤) الأولى إسقاط كلمة «منها» بأن يقول ـ كما في مفتاح الكرامة ـ : «فيجب الأقصى» أو «أقصى القيم».

(٥) لعلّه إشارة إلى ضعف القول بصيرورة القدر المشترك قيميّا ، الذي هو أحد

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٥٢.

٤١٤

إذا عرفت هذا (١) فاعلم : أنّ المناسب لإطلاق كلامهم لضمان المثل في المثليّ هو أنّه مع تعذّر المثل لا يسقط المثل عن الذّمّة ، غاية الأمر يجب إسقاطه مع

______________________________________________________

جزأي هذا الاحتمال الرابع. وأمّا الجزء الآخر ـ وهو ثبوت المثل إلى زمان دفع القيمة ـ فقد قوّاه سابقا.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل وهو بيان مآخذ الاحتمالات الخمسة.

وقد تحصّل مما أفاده المصنّف قدس‌سره من أوّل الأمر السادس إلى هنا وجوه في ضمان قيمة العين المثليّة التالفة مع إعواز المثل.

الأوّل : اعتبار ضمان قيمة يوم الدفع والمطالبة ، وهو المنسوب إلى المشهور ، وهو خامس الاحتمالات المذكورة في القواعد ، وقد عبّر عنه بقيمة يوم الإقباض.

الثاني : اعتبار قيمة يوم تعذّر المثل. واختاره ابن إدريس والعلّامة والشهيد الثاني ، في بعض المواضع.

الثالث : اعتبار قيمة يوم تلف العين ، الذي هو زمان استقرار المثل في العهدة.

الرابع : اعتبار أعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان إعواز المثل.

الخامس : اعتبار قيمة يوم ضمان العين.

السادس : اعتبار أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم تلف العين.

السابع : اعتبار أعلى القيم من يوم ضمان العين إلى زمان أداء قيمة المثل. وقد عرفت مبنى كلّ واحد منها.

استظهار بعض الوجوه المتقدّمة من أدلّة الضمان

(١) هذا شروع في المقام الثاني ، وهو بيان ما يستفاد من الأدلّة وكلمات الأصحاب. ومحصّله : أنّ الدليل على ضمان المثليّ بالمثل إمّا هو الإجماع أو المتبادر من إطلاقات الضمان الدالة على التغريم بما هو أقرب إلى التالف. فإن اعتمدنا على الإجماع قلنا باقتضائه لضمان قيمة يوم أدائها ، وذلك لاستقرار المثل على عهدة الضامن بمجرّد تلف العين ، ولم يقيّد اشتغال الذّمّة بالمثل بعدم تعذّره وإعوازه ، فلا يوجب تعذّره

٤١٥

مطالبة المالك. فالعبرة بما هو إسقاط حين الفعل (١) ، فلا عبرة بالقيمة إلّا يوم الاسقاط وتفريغ الذّمّة.

وأمّا بناء (٢) على ما ذكرنا (٣) من أنّ المتبادر من أدلّة الضمان التغريم بالأقرب إلى التالف فالأقرب كان (٤) المثل مقدّما مع تيسّره. ومع تعذّره ابتداء

______________________________________________________

انتقال الضمان إلى القيمة حتى يكفي أداء ثمنه يوم إعوازه ، بل يبقى المثل في الذّمّة إلى إسقاطه بمطالبة المالك ، فتكون العبرة بقيمته يوم أدائها. وقد تقدّم وجهه عند بيان رأي المشهور ، وهكذا في مبنى الاحتمال الخامس.

وإن اعتمدنا على المتبادر من أدلّة الضمان انقلب الضمان إلى القيمة ، وسيأتي.

(١) أي : حين الإسقاط ، إذ المفروض بقاء المثل على عهدة الضامن ، ولا يسقط إلّا بدفع القيمة. فالعبرة بقيمة يوم الاسقاط ، لا يوم إعواز المثل.

(٢) هذا في مقابل ما ذكره بقوله : «فاعلم أنّ المناسب لإطلاق كلامهم لضمان المثل في المثليّ .. إلخ» وإطلاق كلامهم إنّما هو لعدم تقييدهم ذلك بصورة التمكّن من المثل ، فأطلقوا ضمان المثل في المثليّ ، ولم يقيّدوه بصورة التمكّن من دفع المثل ، وهذا الإطلاق يقتضي بقاء المثل في الذّمّة ولو مع إعوازه.

وأمّا بناء على ما ذكرنا ـ من أنّ المتبادر من أدلّة الضمان التغريم بالأقرب إلى التالف ، فالأقرب ـ كان المثل مقدّما مع التمكّن من دفعه إلى المالك ، ومع عدم التمكّن منه كان المتعيّن دفع القيمة. فالاعواز يوجب انقلاب المثليّ إلى القيميّ ، فالقيمة قيمة للمثل حال الإعواز ، فيكون عدم التمكّن العارضيّ من دفع المثل كعدم التمكّن بالأصالة كما في القيميّات. فالمثل الثابت في الذّمّة ينقلب إلى القيمة من زمان الإعواز.

(٣) أي : في كلّ من الأمر الرابع والسادس ، فقال في السادس : «ولكن لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلى ما تقدّم سابقا من الآية ومن أنّ المتبادر من إطلاقات الضمان .. إلخ» فراجع (ص ٣٨٨).

(٤) جواب «وأمّا بناء». و «فالأقرب» بالجرّ معطوف على «بالأقرب».

٤١٦

كما في القيميّ أو بعد التمكّن كما فيما نحن فيه كان (١) المتعيّن هو القيمة ، فالقيمة (٢) قيمة للمغصوب من حين صار قيميّا وهو حال الإعواز ، فحال الإعواز معتبر من حيث إنّه أوّل أزمنة صيرورة التالف قيميّا ، لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل دون العين.

فعلى القول باعتبار يوم التلف في القيميّ توجّه ما اختاره الحلي رحمه‌الله (٣).

ولو قلنا (٤) بضمان القيميّ بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف (٥) ـ كما عليه جماعة من القدماء (١) ـ توجّه (٦) ضمانه فيما نحن فيه بأعلى القيم من حين الغصب إلى زمان الإعواز (٧) ،

______________________________________________________

(١) جواب «ومع تعذّره» المتضمن للشرط.

(٢) يعني : أنّه بناء على المتبادر من إطلاقات الضمان يتعيّن القول في المثليّ ـ المتعذّر مثله ـ بضمان قيمته يوم الإعواز ، لأنّه يوم صيرورة العين المثليّة قيميّة.

(٣) من الاعتبار بقيمة يوم تعذّر المثل وإعوازه ، لأنّه يوم تلف العين بوصف القيمية ، إذ قبل هذا الزمان كان التالف مثليّا ، وإنّما صار قيميّا بسبب الإعواز

(٤) هذا مقابل قوله : «فعلى القول باعتبار يوم التلف» والأولى لرعاية المشاكلة أن يقال : «وعلى القول بضمان القيميّ بأعلى القيم .. إلخ».

وكيف كان فتوضيح كلامه قدس‌سره : أنّه بناء على القول بضمان القيميّ بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف توجّه ضمان المثليّ فيما نحن فيه ـ أعني به إعواز المثل ـ بأعلى القيم من حين الغصب في المغصوب ، ومن زمان القبض في المقبوض بالعقد الفاسد ، وكان هذا هو الاحتمال الثاني في عبارة القواعد.

(٥) وهو الوجه لما حرّرناه في التعليقة بقولنا : «تتمة اعلم أنّ من الأقوال اعتبار أعلى القيم .. إلخ.

(٦) جواب الشرط السابق.

(٧) الذي هو بمنزلة تلف العين القيميّة ، لكن قد ذكرنا في التتمّة المشار إليها خلافه.

__________________

(١) نقلنا أسماءهم عن مفتاح الكرامة ، فراجع ص ٤٠٨.

٤١٧

إذ (١) كما أنّ ارتفاع القيمة مع بقاء العين مضمون بشرط تعذّر أدائه المتدارك (٢) لارتفاع (٣) القيم ، كذلك بشرط تعذّر المثل في المثليّ ، إذ مع ردّ المثل يرتفع ضمان القيمة السوقيّة (٤).

وحيث كانت العين فيما نحن فيه مثليّا كان أداء مثلها عند تلفها كردّ عينها في إلغاء ارتفاع القيم ، فاستقرار (٥) ارتفاع القيم إنّما يحصل بتلف العين والمثل.

فإن قلنا (٦) : إنّ تعذّر المثل يسقط المثل ـ كما أنّ تلف العين يسقط العين ـ

______________________________________________________

(١) تعليل لاعتبار تعذّر المثل في ضمان ارتفاع القيمة ، المستفاد من تقييد «الأعلى» بغاية الإعواز. يعني : أنّ ارتفاع القيمة إنّما لا يضمن إذا أمكن دفع العين ، ولم ينته الأمر إلى دفع القيمة ، بل كان ارتفاع الضمان بسبب دفع العين أو مثلها. وأمّا إذا انتهت النوبة إلى دفع القيمة لتلف العين وتعذّر المثل فارتفاع القيمة يكون حينئذ مضمونا ، وهذا الارتفاع المضمون يكون من زمان الضمان إلى زمان تعيّن القيمة وثبوتها في الذّمّة ، أو إلى زمان أدائها بناء على ثبوت المثل في الذّمّة إلى زمان الأداء.

(٢) باسم الفاعل صفة ل «أدائه» يعني : أنّ أداء العين كان جابرا لارتفاع القيمة ، لكن حيث تعذّر أداؤها ـ لفرض تلفها ـ صار الغاصب ضامنا لارتفاع القيمة.

(٣) اللام للتعدية ، مثل «خرجت لزيد من الدار» بمعنى : أخرجته من الدار.

(٤) لتفرّع ضمان القيمة السوقيّة ـ في الأعيان المثليّة ـ على إعواز المثل.

(٥) هذا متفرّع على كون ردّ المثل ـ في الأعيان المثليّة التالفة ـ بمنزلة ردّ نفس التالف ، في عدم اشتغال الذّمّة بأعلى القيم. فإذا لم يتحقّق ردّ العين لتلفها ولا ردّ المثل لاعوازه ضمن أعلى قيمتيهما. وهل المضمون ارتفاع القيمة من زمان الغصب إلى زمان الإعواز ، أم هو من حين الغصب إلى حين أداء القيمة؟ فيه خلاف سيأتي مأخذ كلّ منهما في المتن.

(٦) هذا تفصيل لقوله : «فاستقرار ارتفاع القيم ..».

٤١٨

توجّه القول بضمان القيمة من زمان الغصب إلى زمان الإعواز (١) ، وهو أصحّ الاحتمالات في المسألة عند الشافعيّة على ما قيل (٢).

وإن قلنا (٣) : إنّ تعذّر المثل لا يسقط المثل وليس كتلف العين (٤) كان (٥) ارتفاع القيمة فيما بعد تعذّر المثل أيضا مضمونا (٦) ، فيتوجّه ضمان القيمة من حين الغصب إلى حين دفع القيمة ، وهو المحكيّ عن الإيضاح. وهو أوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع القيمة مراعى بعدم ردّ العين أو المثل (٧).

______________________________________________________

(١) أي : إعواز المثل الذي هو كتلف العين في كونه سببا لسقوط المثل.

(٢) القائل هو العلّامة في التذكرة ، قال قدس‌سره : «وللشافعيّة في القيمة المعتبرة عشرة أوجه .. ثالثها : وهو الأصح عندهم ، القيمة المعتبرة أقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم الإعواز ، لأنّ وجود المثل كبقاء عين المغصوب من حيث إنّه كان مأمورا بتسليم المثل ، كما كان مأمورا بردّ العين ، فإذا لم يفعل غرم أقصى قيمته في المدّتين. كما أنّ المتقوّمات تضمن بأقصى قيمتها لهذا المعنى ، ولا نظر إلى ما بعد انقطاع المثل ، كما لا نظر إلى ما بعد تلف المغصوب من المتقوّم» (١).

(٣) هذا عدل قوله : «فإن قلنا : إنّ تعذّر المثل يسقط المثل».

(٤) حتى يسقط المثل بالإعواز كسقوط العين بتلفها.

(٥) جواب الشرط المتقدّم أعني به «وإن قلنا : انّ تعذر .. إلخ».

(٦) إذ المفروض بقاء المثل في العهدة وعدم سقوطه بتعذّره ، فارتفاع قيمته بعد تعذّره مضمون كضمانه قبل تعذّره ، فيتوجه حينئذ ضمان القيمة من حين الغصب إلى زمان دفع القيمة كما حكي عن الإيضاح.

(٧) يعني : بأن يكون ضمان ارتفاع القيمة مشروطا بعدم إمكان ردّ العين أو المثل ، فمع إمكانهما وردّهما لا يضمن ارتفاع القيمة.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٨٣.

٤١٩

ثمّ اعلم : أنّ العلّامة ذكر في عنوان هذه الاحتمالات «أنّه لو تلف المثليّ والمثل موجود ، ثم أعوز» (١) وظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما إذا طرء تعذّر المثل بعد تيسّره في بعض أزمنة التلف (٢) ، لا ما تعذّر فيه المثل ابتداء.

وعن جامع المقاصد : «أنّه يتعيّن حينئذ (٣) قيمة يوم التلف» (٤)

______________________________________________________

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية المتكفلة لتعيين قيمة العين المثليّة المضمونة عند إعواز المثل. وسيأتي التنبيه على أنّ مورد البحث وموضوعه هو التعذّر الطارئ لا البدويّ. وقد جعلناه في صدر الأمر السادس جهة ثالثة ممّا يتعلّق بتعذّر المثل.

وإن أمكن جعله تتمة للجهة الثانية ، والأمر سهل.

اختصاص انقلاب الضمان إلى القيمة بالتعذّر الطارئ

(١) هذا منقول بالمعنى ، وإلّا فعبارة القواعد هكذا : «ولو تلف المثليّ في يد الغاصب والمثل موجود ، فلم يغرمه حتى فقد ففي ..» وقريب منها عبارة التذكرة (١).

وكيف كان فالمقصود أنّ موضوع كلامهم بانتقال الضمان من المثل المتعذّر إلى القيمة هو التعذّر الطاري على المثل ، لا ما كان متعذّرا حين تلف العين أو قبله ، فإنّه مضمون بالقيمة حين التلف ، كما يظهر من المحقّق الثاني قدس‌سره وسيأتي كلامه.

(٢) أي : أزمنة تلف العين ، والظرف متعلّق ب «تيسّره».

(٣) أي : حين تعذّر المثل ابتداء ، أي : حين تلف العين.

(٤) الحاكي لكلامه السيّد العاملي قدس‌سره (٢). واعتبار قيمة يوم التلف يستفاد من ضمّ كلاميه في موضعين :

أحدهما : قوله في ضمان القيميّ المغصوب ـ في تضعيف رأي المبسوط ـ : «وإنّما

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ص ٧٩ ، (الطبعة الحجرية) ؛ تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٨٣.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٥٠.

٤٢٠