هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

.................................................................................................

__________________

في المقام ، فقاعدة نفي الضرر لا تنفيه ليثبت الجعل الشرعي كالضمان.

ولكن يمكن دفع هذه المناقشة بأنّ العدم تارة يراد به العدم الواقعي كعدم الوجوب وعدم الحرمة. وأخرى يراد به إنشاء عدمهما ، كأن يقول الشارع «لا يجب أو لا يحرم».

فإن أريد بالعدم المعنى الأوّل لم يرتفع بقاعدة الضرر ، لعدم كونه حكما حتى يرفعه دليل نفي الضرر.

وإن أريد به المعنى الثاني كان مجعولا مشمولا لقاعدة نفي الضرر ، والأعدام بعد تشريع الأحكام تكون مجعولة ولو بالإمضاء ، لأنّ إبقاء الشارع لها مع تشريع الأحكام جعل لها بقاء ، لا إخبار ببقاء الأعدام الواقعية على حالها كما تخيّله بعض. وهذا المقدار من الجعل كاف في نفيها بقاعدة الضرر ، لأنّ إمضاء تلك الأعدام ـ ولو بمثل أصالة عدم الضمان ـ من الإسلام أيضا ، فيشمله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» أو «في الدين». فعدم ضمان المنافع المستوفاة حكم ضرريّ ينفى بقاعدة الضرر.

والحاصل : أنّ إبقاء عدم ضمانها حكم ضرريّ ينفى بقاعدته.

هذا بناء على كون مفاد قاعدة نفي الضرر نفي نفس الحكم الضرري كما عليه المصنّف قدس‌سره.

وأمّا بناء على كون مفادها نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فالأمر أوضح ، لأنّه يقال : إنّ استيفاء المنافع مجّانا ضرريّ ، أو تفويت منافع العين المملوكة للغير بإمساك العين ضرريّ ، فيرتفع حكمه أعني عدم الضمان ويثبت الضمان.

لا يقال : إنّ المقام يكون من تعارض الضررين ، لأنّ اشتغال ذمّة القابض ضرر أيضا كتضرّر الدافع.

فإنّه يقال : إنّ الضرر ـ وهو النقص ـ لا يرد على الدافع ، لأنّه يدفع بدل المنفعة التي استوفاها ، لا أنّه يتضرّر حتى يندرج في تعارض الضررين ، فإنّ دفع عوض المال الذي دخل في كيسه ليس نقصا في المال ، بل دفع لمال الغير ، كأداء الثمن.

ومنها : قاعدة الاستيفاء ، فإنّ استيفاء مال الغير من دون إذن المالك في استيفائه مجّانا موجب للضمان إجماعا ، وعليه السيرة العقلائيّة التي لم يردع عنها الشارع.

وهذه الوجوه لو نوقش في بعضها ففي البعض الآخر منها كفاية.

٢٢١

خلافا للوسيلة (١) ، فنفى الضمان ، محتجّا بأنّ «الخراج بالضمان» كما في النبويّ المرسل (٢). وتفسيره (٣) : أنّ من ضمن شيئا وتقبّله لنفسه فخراجه له. فالباء

______________________________________________________

(١) قال ابن حمزة قدس‌سره : «فإذا باع أحد بيعا فاسدا وانتفع به المبتاع ، ولم يعلما بفساده ، ثم عرفا ، واستردّ البائع المبيع ، لم يكن له استرداد ثمن ما انتفع به ، أو استرداد الولد إن حملت الأمّ عنده وولدت ، لأنّه لو تلف لكان من ماله ، والخراج بالضمان» (١).

وصريح كلامه قدس‌سره اختصاص عدم ضمان المنافع المستوفاة في المبيع بالعقد الفاسد بصورة جهلهما بالفساد ، مع أنّ عنوان البحث في المتن شامل لصورة علمهما أو علم أحدهما بالفساد.

وكيف كان فيكفي للتعرّض لكلام ابن حمزة قوله بعدم الضمان موجبة جزئيّة وهي صورة الجهل بالبطلان. ومحصّل استظهاره من الحديث النبويّ هو : أنّ من أقدم على ضمان شي‌ء وتقبّله لنفسه بتضمين المالك فالخراج ـ أي : ما يخرج من ذلك الشي‌ء من الفوائد والمنافع ـ له مطلقا ، سواء أمضى الشارع هذا الضمان أم لا. ومن المعلوم أنّ المشتري في المقام أقدم على ضمان المبيع بتضمين البائع إيّاه على أن يكون خراجه له مجّانا ، فضمان المبيع عليه ومنافعه له ، حتى على تقدير فساد المعاملة.

(٢) قال ابن أبي جمهور الأحسائيّ «وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه قضى بأنّ الخراج بالضمان» ثم قال : «ومعناه : أنّ العبد مثلا يشتريه المشتري ، فيغتله حينا ، ثم يظهر على عيب به ، فيردّ بالعيب أنّه لا يردّ ما صار إليه من غلّة وهو الخراج ، لأنّه كان ضامنا له ولو مات» (٢).

(٣) هذا التفسير إلى قوله : «والفائدة بإزاء الغرامة» استظهار المصنّف من كلام ابن حمزة قدس‌سرهما ، وتوجيه استدلاله بالحديث.

__________________

(١) الوسيلة (ضمن الجوامع الفقهية) ص ٧٤٤ ، السطر ٣٣.

(٢) عوالي اللئالي ، ج ١ ، ص ٢١٩ ، الحديث ٨٩.

٢٢٢

للسببيّة (١) أو المقابلة (٢) (*). فالمشتري (٣) لمّا أقدم على ضمان المبيع وتقبّله (٤) على نفسه بتقبيل البائع وتضمينه إيّاه على (٥) أن يكون الخراج له مجّانا كان (٦) اللازم

______________________________________________________

(١) لأنّ ضمان المبيع سبب لملكيّة المنافع. وجه تسمية «الباء» بالسببيّة أنّها تدخل على الأسباب ، كقوله تعالى (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

(٢) «باء» المقابلة هي التي تدخل على الأعواض ، مثل «اشتريته بألف ، وكافيت إحسانه بضعف» ففي المقام إذا ثبت الخراج كان ضمان العين عوضا عنه ، فتدبّر.

(٣) قد عرفت في توضيح ما استدلّ به شيخ الطائفة على قاعدة «ما لا يضمن» من قاعدة الإقدام : أنّ كل واحد من البائع والمشتري أقدم على الضمان المعاوضيّ ، فالبائع يضمّن المشتري المبيع ، ويجعله على عهدته ويتقبّله المشتري ، ويضمّن البائع الثمن ويتقبّله هو. وبعد هذا الاقدام لو كان نماء للمبيع كان ملكا للمشتري في قبال ضمانه للمبيع.

(٤) أي : تقبّل المشتري المبيع على نفسه وضمنه ـ بعد تمليك البائع وتضمينه ـ مبنيّا على أن تكون منفعته للمشتري مجّانا ، فلو استوفاها لم يلزمه عوضها.

(٥) يعني : أنّ الشرط الارتكازيّ المبنيّ عليه البيع هو كون النماء للمشتري سواء صحّ البيع أم فسد.

(٦) جواب الشرط في قوله : «لمّا أقدم».

__________________

(*) قد يقال : إنّ «الباء» كما يحتمل أن تكون للسببيّة ، يحتمل أن تكون للمقابلة ، فيكون الكلام مجملا ، والاستدلال بالحديث على عدم الضمان مبنيّ على السببيّة ، فلا يصحّ.

لكنّه مندفع بأنّ الأصل في الباء السببية ، بل يمكن إرجاع المقابلة ـ بنحو من العناية ـ إلى السببيّة أيضا.

٢٢٣

من ذلك (١) أنّ خراجه له على تقدير الفساد (٢). كما أنّ الضمان عليه (٣) على هذا التقدير أيضا.

والحاصل (٤) : أنّ ضمان العين لا يجتمع (٥) مع ضمان الخراج. ومرجعه (٦) إلى أنّ الغنيمة والفائدة بإزاء الغرامة.

وهذا المعنى (٧) مستنبط من أخبار كثيرة متفرّقة ، مثل قوله ـ في مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري ـ : «ألا ترى أنّها

______________________________________________________

(١) أي : من الاقدام على ضمان المبيع على أن يكون خراج المبيع له مجّانا.

(٢) كما أنّ الخراج للمشتري مجّانا على تقدير الصحة ، لوحدة الدليل وهو الاقدام على تضمين العين بشرط مجّانيّة المنفعة.

(٣) أي : كما أنّ ضمان العين يكون على المشتري على تقدير فساد العقد ـ ولو ببدله الواقعيّ لا الجعليّ ـ إذ ليس مدار ضمان العين على صحّة البيع شرعا ، بل على جعل المتعاملين وإقدامهما ، وهو موجود في كلتا صورتي إمضاء الشارع وعدمه.

(٤) يعني : حاصل تفسير ابن حمزة للحديث النبويّ هو عدم اجتماع ضمان العين والمنفعة في باب البيع.

(٥) إذ المفروض كون ضمان العين سببا لملكيّة المنافع للضامن ، فلا يجتمع الضمانان ـ أي : ضمان العين والمنافع ـ على ضامن العين ، كالمشتري ، فلا بدّ أن يكون ضامنا للعين فقط ، لأنّ ضمان العين عوض المنافع.

(٦) أي : ومرجع عدم اجتماع ضمان العين مع ضمان الخراج هو : أنّ الغنيمة تكون بإزاء غرامة العين وبدلا لها.

(٧) أي : كون ضمان العين سببا لملك الخراج ، بحيث يكون ضامن العين مالكا لمنافعها ـ المعبّر عنها بالخراج ـ ليترتّب عليه عدم ضمان المنافع التي استوفاها من المقبوض بالعقد الفاسد.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وغرض المصنّف قدس‌سره من هذا بعد نقل تفسير الحديث على رأي ابن حمزة قدس‌سره هو تأييد هذه المقالة بما ورد في غير واحد من الأخبار ، مثل ما دلّ على أنّ منفعة الدار المبيعة ببيع خياريّ تكون ملكا للمشتري في الزمان المتخلّل بين البيع والأخذ بالخيار.

ففي موثّقة إسحاق بن عمار ، قال : «حدّثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام وسأله رجل وأنا عنده ، فقال : رجل مسلم احتاج الى بيع داره ، فجاء إلى أخيه ، فقال له :

أبيعك داري هذه ، وتكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك ، على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ؟ فقال : لا بأس بهذا ، إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه ، قلت : فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة ، لمن تكون الغلة؟ فقال : الغلّة للمشتري ، ألا ترى أنّها لو احترقت لكانت من ماله» (١).

وفي رواية معاوية بن ميسرة : «قال : سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باع دارا له من رجل ، وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر ، فشرط أنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك ، فأتاه بماله ، قال :

له شرطه. قال له أبو الجارود : فإنّ ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين ، قال : هو ماله. وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أرأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون الدار دار المشتري» (٢).

وتقريب دلالتهما على مدّعى ابن حمزة قدس‌سره هو : أنّ الامام عليه‌السلام حكم بدخول منافع الدار ـ في مدّة الخيار ـ في ملك المشتري المستوفي لها ، ولا يكون ضامنا لعوضها للبائع بعد فسخ العقد. والوجه في عدم ضمانها هو ضمانه لنفس المبيع وبذل الثمن بإزائه ، وهذا المطلب هو مفاد حديث «الخراج بالضمان».

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٥٥ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث ١ ، والمراد بالحاصر هو الجدار.

(٢) المصدر ، الحديث ٣.

٢٢٥

لو أحرقت كانت من مال المشتري» (*).

ونحوه في الرهن (١) وغيره (٢).

______________________________________________________

(١) كموثق إسحاق بن عمّار ، قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الرّجل يرهن الغلام والدار فتصيبه الآفة ، على من يكون؟ قال عليه‌السلام : على مولاه ، ثم قال : أرأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟ قلت : هو في عنق العبد. قال عليه‌السلام : ألا ترى فلم يذهب مال هذا ، ثم قال : أرأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد وبلغ مأتي دينار لمن كان يكون؟ قلت : لمولاه ، قال عليه‌السلام : كذلك يكون عليه ما يكون له» (١).

(٢) لعلّ مراده قدس‌سره ما ورد في باب الإجارة من أنّه يجوز لمن استأجر أرضا أن يؤجرها بأكثر ممّا استأجرها بشرط أن تكون الأجرة الثانية مغايرة للأجرة الاولى في الجنس ، أو أن يحدث في الأرض ما يقابل التفاوت بأن يحفر فيها نهرا ونحو ذلك. فيقال في تقريب دلالتها على مدّعى ابن حمزة : إنّ المستأجر الأوّل لمّا ضمن الأجرة للمالك أو للسلطان أو لمن بيده أمر الأرض كانت الفائدة الحاصلة بالإجارة الثانية عائدة له ، لا لمالك الأرض.

__________________

(*) الظاهر عدم ارتباطهما بهذا المعنى أي كون ضامن العين مالكا لخراجها لأجل ضمان العين. بل هي في مقام بيان كون العين في مدة الخيار ملكا للمشتري ، وأنّ ملكيّة المنفعة لقاعدة تبعيّتها في الملكيّة للعين.

وبعبارة أخرى : قاعدة تبعية المنافع للعين في الملكيّة سارية في جميع موارد ملكيّة العين مطلقا وإن لم يكن ضمان للعين بإزاء مال كالمجّانيّات من الهبة ونحوها ، فإنّ ملكيّة العين مطلقا تقتضي ملكيّة المنفعة.

فليس المقصود سببيّة ضمان العين لملك المنفعة وخراجها. ولا قاعدة «من له الغنم فعليه الغرم» فالأخبار المشار إليها أجنبيّة عن مدّعى ابن حمزة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ١٢٦ ، الباب ٥ من أبواب الرهن ، الحديث ٦.

٢٢٦

وفيه (١) : أنّ هذا الضمان ليس هو ما أقدم عليه المتبايعان حتى يكون

______________________________________________________

ففي معتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرّجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى ، ثم آجرها ، وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل ، أيصلح له ذلك؟ قال : نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك» الحديث (١).

هذا ما يتعلّق بالجهة الثانية وهي تأييد مقالة ابن حمزة الطوسي أعلى الله مقامه.

(١) هذا شروع في الجهة الثالثة مما يتعلّق بكلام ابن حمزة ، وهو المناقشة فيه ، والمذكور في المتن وجوه ثلاثة من الإيراد ، أفاد أوّلها المصنف ، ثم تعرّض للوجهين الآخرين وردّهما.

أمّا مناقشة المصنف في كلام ابن حمزة فتوضيحها : أنّه قد تقدم (في ص ١١٦) الإيراد على استدلال شيخ الطائفة بالإقدام على الضمان في البيع الفاسد بما محصّله : أنّ ما أقدما عليه من العوض المسمّى لم يسلم لهما ، ولم يقدما على البدل الواقعي حتى يضمناه. وكذلك يقال في المقام ، حيث إنّ ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ضمان قهريّ شرعيّ ، وليس ضمانا اختياريّا للمتبايعين حتى يستلزم ملكيّة المنافع لضامن العين. والمفروض أنّ الضمان الموجب لملكيّة المنافع هو الضمان المعاوضيّ الذي أقدم عليه المتعاقدان وأمضاه الشارع.

وبالجملة : الضمان المستلزم لملكيّة الخراج هو الضمان المقيّد بقيد الاقدام والإمضاء ، دون الضمان القهريّ الذي يكون من باب الغرامة المعبّر عنها بالضمان الواقعيّ ، والمفروض أنّ الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد ليس من الضمان المعاوضيّ الاختياريّ الذي أقدم عليه المتعاقدان وأمضاه الشارع ، بل من الضمان القهريّ الذي لا يوجب ملكيّة المنافع.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٣ ، ص ٢٦١ ، الباب ٢١ من أحكام الإجارة ، الحديث ٣.

٢٢٧

الخراج بإزائه (١) ، وإنّما هو أمر قهريّ حكم به الشارع كما حكم (٢) بضمان المقبوض بالسّوم والمغصوب. فالمراد بالضمان (٣) الذي بإزائه الخراج التزام (٤) الشي‌ء على نفسه وتقبّله له مع إمضاء الشارع له (*).

وربّما ينتقض ما ذكرنا (٥) في معنى الرواية بالعارية المضمونة ،

______________________________________________________

(١) بمقتضى «الخراج بالضمان» وجه عدم الاقدام على ضمان المبيع فاسدا هو : أنّه مضمون بالبدل الواقعيّ مع أنّ المقدم عليه ضمان جعليّ.

(٢) بإطلاق «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

(٣) يعني : في حديث : «الخراج بالضمان» وغرضه قدس‌سره ـ بعد أن نفى كون ضمان المقبوض بالعقد الفاسد من الضمان المعاوضيّ الاختياريّ الممضى شرعا ـ أنّ المراد بالضمان الموجب لملكية المنافع هو معناه المصدريّ أي التزام الشي‌ء على نفسه وتقبّله له ، مع إمضاء الشارع له. والضمان بهذا المعنى مفقود في المقبوض بالعقد الفاسد ، فلا يكون ضمان العين فيه موجبا لملكيّة المنافع حتى لا يضمنها.

(٤) خبر قوله : «فالمراد».

(٥) من كون الضمان في الحديث هو الضمان الاختياريّ الممضى شرعا الذي نبّه عليه بقوله : «فالمراد بالضمان الذي بإزائه الخراج ..» دون الضمان القهري الجاري في المقبوض بالبيع الفاسد.

وتوضيح النقض الوارد على إرادة الضمان الاقداميّ الاختياريّ هو : أنّ المستعير إذا أقدم على ضمان العارية ـ بأن شرطه المعير عليه ـ وأمضاه الشارع لم يوجب هذا الإقدام مالكيّة المستعير لمنافعها ، لما تقرّر عندهم من أنّه لا يملك منافع العارية ، وإنّما يملك الانتفاع الذي عيّنه المالك له. وبهذا يشكل جعل مدلول الحديث

__________________

(١) لكنه لا قرينة عليه ، فيحتمل أن يراد به اسم المصدر ، يعني كونه في العهدة ، كما يحتمل إرادة معان أخر منه سيأتي بيانها.

٢٢٨

حيث إنّه (١) أقدم على ضمانها ، مع أنّ خراجها ليس له (*) لعدم تملّكه للمنفعة ، وإنّما تملّك الانتفاع الذي عيّنه المالك (٢) ، فتأمّل (٣).

______________________________________________________

مخصوصا بالضمان الاقداميّ الممضى شرعا ، فإنّ الشارع الممضى للعارية المضمونة لم يحكم بمالكيّة المستعير لخراجها.

(١) أي : أنّ المستعير أقدم على ضمان العين ولم يتملّك الخراج.

(٢) كما في الشرائع ، حيث قال : «ويقع بكل لفظ يشتمل على الاذن في الانتفاع» وقال أيضا : «ولا يجوز إعارة العين المستعارة إلّا بإذن المالك ، ولا إجارتها ، لأنّ المنافع ليست مملوكة للمستعير وإن كان استيفاؤها» (١).

(٣) لعلّه إشارة إلى كفاية جواز استيفاء الخراج ـ بلا ضمان له مع ضمان العين ـ في صدق «الخراج بالضمان» إذ حاصل المعنى حينئذ : أنّ ضمان العين رافع لضمان المنافع ، سواء صارت ملكا لضامن العين أم لا.

أو إلى : فقدان تملّك الانتفاع في العارية أيضا ، بل تباح المنافع له بإذن مالك العين ، فكأنّ معناه : أنّ ضمان العين يمنع عن ضمان المنافع وإن لم تصر مملوكة لضمان العين ، فلا ينتقض ـ إرادة الضمان الاختياريّ ـ بالعارية.

أو إلى : أنّ معنى «الخراج بالضمان» هو كون الخراج في مقابل ضمان العين بعنوان كونها ملكه في حال الانتفاع بالعين ، ومن المعلوم أنّ العارية المضمونة ليست كذلك ، لأنّها لم تضمن بعنوان كون العين ملكا للمستعير ، فلا نقض.

__________________

(*) المعروف في العارية أنّها إباحة الانتفاع بمنافع ملك الغير مجّانا مع بقاء المنفعة على ملك مالك العين ، نظير إباحة الطعام للضيف ونثار الأعراس. قال في التذكرة : «ليس للمستعير أن يعير». وقال في وجهه : «إنّه غير مالك للمنفعة ، ولهذا

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧١ و ١٧٣.

٢٢٩

والحاصل (١) : أنّ دلالة الرواية لا تقصر عن سندها في الوهن ، فلا يترك

______________________________________________________

(١) هذا ملخّص ما أورد به المصنف على ابن حمزة قدس‌سرهما النافي لضمان المنافع المستوفاة مستدلّا بالحديث النبويّ. ومحصّل الكلام : أنّ الحديث موهون سندا ودلالة. أمّا سندا فلأنّه مرويّ بطرقنا مرسلا ، ولا عبرة بالمراسيل ما لم تنجبر بعمل المشهور ، وقد عرفت إعراض المشهور عن المدلول الذي استظهره ابن حمزة ، بل ادّعى الإجماع على ضمان المنافع المستوفاة. وهذا الحديث وإن روي مسندا بطرق العامّة لكنّه مرميّ بضعف بعض رجاله كما سيأتي في التعليقة.

وأمّا دلالة فلأنّ محتملات الحديث كثيرة ، ولا معيّن لما استظهره ابن حمزة منه ، ويكفي في ردّه ما أفاده المصنف من اختصاصه بموارد الاقدام المضمّن الممضى شرعا.

وعليه فلا معارض لما يدلّ من القواعد الجارية في ضمان مطلق الأموال

__________________

لا يجوز أن يؤجر» (١).

ويحتمل ـ كما قيل : ـ أن تكون العارية تمليك المنفعة مجّانا ، كالهبة التي هي تمليك العين مجّانا ، كما أنّ الإجارة تمليك المنفعة بعوض ، في مقابل البيع الذي هو تمليك العين بعوض. ففي التذكرة في مقام الاستدلال على مشروعيّة العارية ما لفظه : «أما الإجماع فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جوازها والترغيب فيها. ولأنّه لمّا جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ، ولذلك صحّت الوصيّة بالأعيان والمنافع جميعا» (٢) وهو صريح في كون العارية من هبة المنافع.

لا يقال : إنّه على هذا يجوز للمستعير إجارة العين المستعارة ، مع أنّ من المسلّم عدم جوازها.

فإنّه يقال : إنّ عدم جواز إجارتها إنّما هو لأجل شرط انتفاع المستعير بنفسه ، ولو شرطا ضمنيّا مبنيّا عليه عقد العارية.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٢٠٩ ، السطر ١٤.

(٢) المصدر ، السطر ٢٧.

٢٣٠

لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم واحترامه وعدم حلّه (١) إلّا عن طيب النفس.

وربّما يردّ هذا القول (٢)

______________________________________________________

ـ سواء أكانت أعيانا أم منافع ـ كقاعدة الاحترام.

(١) هذا عطف تفسير للاحترام ، وليس دليلا آخر على ضمان مال المسلم.

(٢) أي : قول ابن حمزة قدس‌سره بعدم ضمان المنافع المستوفاة ، ويستفاد هذا الرّدّ من العلّامة وغيره حيث استدلّوا على ضمان منافع المبيع فاسدا بالروايات المتقدّمة في الأمر الأوّل ـ وهو ضمان المقبوض بالبيع الفاسد ـ المتضمنة لحكم الامام عليه‌السلام بضمان منافع الأمة المسروقة. قال السيد العاملي قدس‌سره في بيع الفضولي : «إذا لم يجز المالك رجع في عين ماله ونمائه متصلا أو منفصلا ، وعوض منافعه المستوفاة وغيرها .. وفي رواياتهم ما يدل عليه ..» (١). وقال في موضع آخر : «ويرجع به ـ بالمبيع فاسدا ـ وبزوائده متّصلة كالسمن ومنفصلة كالولد ، وبمنافعه المستوفاة وغيرها كما في المبسوط وغيره ، والمخالف ابن حمزة» (٢).

وحاصل الرّدّ : أنّ الجارية المسروقة كما تكون بنفسها مضمونة على المشتري الجاهل بالحال. كذلك تكون منافعها من الولد والخدمة واللبن مضمونة عليه. ولو كان ضمان العين ـ في البيع الفاسد ـ موجبا لحلّيّة المنافع للمشتري لم يكن وجه لحكم الشارع بضمان نماءاتها.

وعليه فضمان المنافع مناف لما استظهره ابن حمزة من حديث «الخراج بالضمان» فلا بدّ من حمله ـ بعد فرض اعتباره سندا ـ على البيع الصحيح كما صنعه العلّامة (٣) قدس‌سره ، هذا تقريب الرّدّ على ابن حمزة ، وستأتي خدشة المصنف فيه.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٨.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦٩.

(٣) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٣١٩.

٢٣١

بما ورد (١) في شراء الجارية المسروقة : من ضمان قيمة الولد (٢) وعوض اللبن ، بل عوض كلّ ما انتفع.

وفيه (٣) : أنّ الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين (٤) من

______________________________________________________

(١) كخبر زرارة ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل اشترى جارية من سوق المسلمين ، فخرج بها إلى أرضه ، فولدت منه أولادا ، ثم أتاها من يزعم أنّها له ، وأقام على ذلك البيّنة. قال : يقبض ولده ، ويدفع إليه الجارية ، ويعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها» (١).

(٢) لا يخفى أنّ ضمان قيمة الولد واللبن وسائر المنافع لم يرد في رواية واحدة ، بل تضمّنتها نصوص متفرقة ، ففي صحيحة جميل «ويدفع إليه المبتاع ـ وهو المشتري ـ قيمة الولد» وفي رواية زرارة المتقدّمة ضمان عوض اللبن والخدمة ، وفي خبر آخر ضمان كل ما انتفع ، فمقصود الرّادّ على ابن حمزة ورود ضمان هذه في الأخبار المتفرّقة.

(٣) هذه مناقشة المصنّف قدس‌سره في التمسك بهذه الروايات لردّ ابن حمزة. وحاصل المناقشة : أنّ مورد الأخبار المتقدّمة أجنبيّ عن مسألة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ، وعدمه ، لأنّ الكلام بين ابن حمزة وبين المشهور إنّما هو في المقبوض بالعقد الفاسد ، من غير جهة الغصب ، كما يدلّ عليه قوله في ذيل عبارته في الوسيلة : «فإن غصب إنسان أو سرق مال غيره .. الى قوله : وإن لم يكن عارفا كان له الرجوع عليه بالثمن وبما غرم للمالك» حيث إنّه يدلّ على غرامته للمالك غير الثمن من عوض المنافع ، ولا وجه له إلّا ضمانها للمالك.

(٤) وهذا أجنبيّ عن أخبار ضمان منافع الجارية المسروقة ، إذ ليس بائعها مالكها ، بل هو غاصب ، ولا ملازمة في الضمان بين منافع المغصوب المبيع ، وبين منافع

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٤ ونحوه الحديث ٢.

٢٣٢

جهة (١) أنّ مالك العين جعل خراجها له (٢) بإزاء ضمانها بالثمن ، لا (٣) ما كان فساده من جهة التصرّف في مال الغير (*).

______________________________________________________

المبيع فاسدا لاختلال شرط صحّته.

(١) متعلّق ب «الكلام» يعني : أنّ وجه البحث في مسألة ضمان منافع المقبوض بالبيع الفاسد هو : أنّ البائع أقدم على جعل منافع المبيع ملكا للمشتري في قبال الثمن ، فإمضاء هذا الاقدام وعدم إمضائه غير مرتبط بضمان نماء الجارية المسروقة التي يكون ضمانها من جهة الغصب.

(٢) أي : للمشتري ، في قبال الثمن الذي يدفعه إلى البائع.

(٣) معطوف على «جهة» يعني : ليس كلامنا في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد شاملا لمطلق موارد الفساد حتى من ناحية مغصوبيّة العوضين أو أحدهما ، حتى نستدلّ على ضمان المنافع بنصوص الجارية المسروقة ، بل محلّ الكلام فساد العقد من غير ناحية الغصب ، بأن كان العوضان مملوكين.

__________________

(*) قد يشكل هذا الجواب بمنافاته لما تقدّم منه من الاستدلال بفحوى أخبار ضمان منفعة الجارية المسروقة على ضمان نفس الجارية لو تلفت بيد المشتري.

وجه المنافاة : أنّ الاستدلال بالفحوى منوط باتّحاد المقبوض بالعقد الفاسد والمغصوب حكما ، سواء أكان منشأ فساد العقد اختلال شرط الصيغة أو العوضين أو المتعاملين ، كما أنّ إطلاق عنوان المسألة شامل لجميع مناشئ الفساد. ومن المعلوم أنّ ما أفاده هنا من قوله : «لا ما كان فساده من جهة التصرّف في مال الغير» يقتضي اختصاص مدلول هذه الأخبار بما كان منشأ بطلان العقد عدم تملّك العوضين خاصّة ، ومعه كيف يتّجه الاستدلال بفحواها على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد مطلقا؟ وجعلها في عداد حديث اليد وغيره ممّا يدل على ضمان المبيع بالبيع الفاسد؟

٢٣٣

وأضعف من ذلك (١) ردّه بصحيحة أبي ولّاد المتضمنة لضمان منفعة

______________________________________________________

(١) المشار إليه هو ردّ قول ابن حمزة بنصوص ضمان منافع الجارية المسروقة. وهذا إشارة إلى وجه آخر لردّ مقالة ابن حمزة قدس‌سره. وتوضيحه : أنّه ورد في صحيحة أبي ولّاد الحناط السؤال عن اكتراء بغل من الكوفة إلى مسافة معيّنة ـ وهي قصر بني هبيرة ـ لاستيفاء دين من غريم ، فلمّا خرج من الكوفة ووصل إلى قنطرتها أخبر بخروج الغريم إلى مكان آخر ، وهو النيل ، فتابعه أبو ولّاد إلى أن ظفر به ببغداد ، وفرغ ممّا بينه وبينه ، ورجع إلى الكوفة ، وقد طال سفره من مبدئه إلى منتهاه خمسة عشر يوما ، وهي أزيد بكثير من المدّة المتعارفة للسير من الكوفة إلى قصر بني هبيرة والرجوع منه إلى الكوفة. فأراد أبو ولّاد التحلّل من المكاري ببذل اجرة أخرى زائدة على الأجرة المعيّنة أوّلا ، فلم يرض بها صاحب البغل ، فتراضيا بالترافع إلى قاضي الجور ، فحكم ببراءة ذمّة أبي ولّاد من الأجرة الزائدة ، مستدلّا بحديث الخراج بالضمان ، فاسترجع صاحب البغل من هذا القضاء الجائر.

إلى أن تشرّف أبو ولّاد للحجّ وزار الامام الهمام أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين ، وقصّ عليه قصّته ، فقال عليه‌السلام : «في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركاتها» وحكم على أبي ولّاد بضمانه لاجرة البغل في جميع المدّة التي خرج به من الكوفة حتى عوده إليها ، لأنّه استوفى منفعته بإجارة فاسدة ، لإخلاله بالشرط ، فصار البغل مغصوبا ، فيضمنه كما يضمن ما استوفى من منافعه.

وعليه تكون هذه الصحيحة ردّا على ابن حمزة القائل بأنّ ضمان العين لا يجتمع مع ضمان منافعها ، هذا.

وناقش المصنّف قدس‌سره في هذا الرّدّ مقتصرا على قوله : «وأضعف منه ذلك» وجه الأضعفيّة : أنّه ليس في الغصب ـ الذي هو مورد صحيحة أبي ولّاد ـ عقد فاسد ، بخلاف ما قبلها ، فإنّ فيه عقدا بين المشتري وغير المالك ، ومن المعلوم أنّ الغصب

٢٣٤

المغصوب المستوفاة (١) ، ردّا على أبي حنيفة القائل بأنّه إذا تحقّق ضمان العين ـ ولو بالغصب ـ سقط كراها ، كما يظهر (٢) من تلك الصحيحة.

نعم (٣) لو كان القول المذكور موافقا لقول أبي حنيفة في إطلاق (٤) القول بأنّ الخراج بالضمان انتهضت الصحيحة وما قبلها (٥) ردّا عليه.

هذا كله في المنفعة المستوفاة.

______________________________________________________

أجنبيّ عن العقد الفاسد الذي هو مورد كلام ابن حمزة ، إذ الغصب خال عن العقد.

(١) صفة للمنفعة ، والمراد بالمنفعة المستوفاة في هذه الصحيحة هو الركوب على الدابّة والسّير بها.

(٢) يعني : كما يظهر قول أبي حنيفة ـ بسقوط ضمان الأجرة بسبب ضمان العين ـ من تلك الصحيحة ، وسيأتي متن صحيحة أبي ولّاد إن شاء الله تعالى في (ص ٤٨٢ إلى ٤٨٨).

(٣) استدراك على عدم كون الصحيحة ردّا على ابن حمزة ، وحاصله : أنّ الصحيحة تنهض للردّ على ابن حمزة إذا كان قائلا بإطلاق «الخراج بالضمان» بحيث يشمل الغصب كما يقول به أبو حنيفة. وأمّا إذا لم يقل بذلك ، وكان قائلا باختصاص «الخراج بالضمان» بالعقود المعاوضيّة وعدم شموله للغصب لم تنهض الصحيحة للرّدّ عليه.

(٤) المقصود من إطلاق «الخراج بالضمان» أنّ كلّ مورد تحقّق فيه ضمان العين كان منفعته مجّانا وبلا عوض ، سواء أكان بالعقد الصحيح كما يقول به أصحابنا ـ عدا ابن حمزة ـ أم أعمّ منه ومن العقد الفاسد كما هو رأي ابن حمزة ، أم أعمّ منهما ومن الأعيان المغصوبة كما يقول به أبو حنيفة ، لعدم تضمينه أبا ولّاد عوض انتفاعه بالبغل الذي صار مغصوبا بيده من قنطرة الكوفة إلى النيل ، ثمّ إلى بغداد ، ثمّ إلى الكوفة.

(٥) وهو نصوص الجارية المسروقة ، فإنّها أيضا صالحة لردّ مقالة أبي حنيفة ، لما تقدم من صراحتها في ضمان اللبن والخدمة وسائر منافعها. فكما تكون نفس الجارية مضمونة فكذا نماؤها ، وهذا معارض بالتباين لما استفاده أبو حنيفة من

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

حديث «الخراج بالضمان» (*).

هذا ما يتعلّق بتوضيح المتن في ردّ استدلال ابن حمزة بالحديث النبويّ ، وبقيت مباحث أخرى تأتي في التعليقة إن شاء الله تعالى.

__________________

(*) وربّما ينتقض قاعدة «الخراج بالضمان» بالمنافع التي تملك بالإرث تبعا للأعيان ، أو بالأصالة ، حيث إنّها ليست بسبب ضمان العين وتعهّدها ببذل مال بإزائها.

وفيه : أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخراج بالضمان» ليس في مقام حصر سببيّة ضمان الأعيان لملكيّة المنافع ، بل في مقام نفي الضمان عن المنافع فيما إذا حصل تعهّد ببذل عوض بإزاء العين. فكأنّه قيل : كلّ من ضمن عينا ملك منافعها ، وهو لا يدلّ على تسبّب ملكيّة المنافع عن ملكيّة العين على وجه الحصر ، فيمكن أن تكون ملكية المنافع بسبب آخر.

وهذا نظير أن يقال : «البيع سبب للنقل والانتقال» وهو لا ينافي سببيّة الصلح والهبة مثلا لهما ، ولا ينفي سببيّة غير الضمان لملكيّة المنافع ، لأنّ «الخراج بالضمان» قضية لقبيّة لا مفهوم لها ، فلا تدلّ على الحصر أصلا.

ثمّ إنّه لا بأس بعطف عنان البحث إلى النبويّ «الخراج بالضمان» سندا ودلالة ، فنقول وبه نستعين وبوليّه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجّل فرجه الشريف نتوسّل ونستجير : ينبغي البحث في مقامين ، أحدهما : في السند ، والآخر في الدلالة.

أمّا المقام الأوّل فمحصّله : أنّه لم يرو هذا الحديث في جوامعنا الروائيّة ، وإنّما روي مرسلا في بعض الكتب الفقهية كالخلاف والمبسوط والوسيلة والسرائر وغيرها ، فالاعتماد عليه منوط بإحراز عمل المشهور به.

٢٣٦

.................................................................................................

__________________

نعم روي بسندين في كتب العامّة ، واختلفوا في صحّة كلا الطريقين ، وروايتهم له تارة بعنوان قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخراج بالضمان» أو «قضى بالخراج الضمان» وأخرى مع ذكر السبب. فعن السيوطي : «القاعدة الحادية عشر ، قال : الخراج بالضمان حديث صحيح أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حيّان من حديث عائشة. وفي بعض طرقه ذكر السبب ، وهو : أنّ رجلا ابتاع عبدا فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ، ثمّ وجد به عيبا ، فخاصمه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فردّه عليه ، فقال الرجل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد استعمل غلامي ، فقال : الخراج بالضمان» (١).

والسند الأوّل هو ما عن سنن ابن ماجة «بالإسناد عن مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : إن رجلا اشترى عبدا .. إلخ». والسند الثاني : «مخلّد بن خفاف عن هشام بن عروة عن أبيه .. إلخ».

واختلفوا في صحّة الطريقين ، فعن تاج العروس نقل تصحيح جماعة. وعن ابن حزم : «لا يصح حديث الخراج بالضمان ، لانفراد مخلّد بن خفاف ومسلم بن خالد الزنجي به» وعن الزبيدي : «ضعّف البخاري حديث مخلّد بن خفاف».

وأمّا السند الآخر فعن الحاكم تصحيحه ، إلّا أنه حكي عن الذهبي : «اختلاف كلام ابن معين فيه ، فتارة يقول : لا بأس به. وأخرى : إنّه ثقة. وثالثة : إنّه ضعيف. وعند السّاجي : كثير الغلط ، ويرمى بالقدر».

فالمتحصّل من كلماتهم بعد التتبّع فيها : أنّ هذا الحديث ليس ممّا اتفق الكلّ على صحّته ، بل اعتباره عند العامّة مورد الخلاف. هذا ما يرجع إلى سنده الذي لا يحصل

__________________

(١) الأشباه والنظائر ، ص ١٢١ ، نقلا عن هامش تقريرات السيد المحقق الخويي ، محاضرات في الفقه الجعفري ، ج ٢ ، ص ١٧١ و ١٧٢.

٢٣٧

.................................................................................................

__________________

الوثوق بصدوره عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا من ناحية عملهم به فالعاملون به كثيرون من المذاهب الأربعة ، إلّا أنّه لمّا لم يكن جدوى في وثوقهم به عندنا ، فالأولى الاقتصار على ذكر من عمل به من فقهائنا الأبرار رضوان الله تعالى عليهم. وإن شئت الوقوف على أقول العامة وعملهم بالحديث فراجع ما تتبّعه العلّامة السيد المقرم في تعليقه على تقريرات السيد الخويي قدس‌سرهما (١).

وأمّا الإمامية أعلى الله كلمتهم فقد أسنده شيخ الطائفة قدس‌سره إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلاف والمبسوط.

فقال في الخلاف : «إذا اشترى جارية حاملا ، فولدت في ملك المشتري عبدا مملوكا ، ثم وجد بالأمّ عيبا ، فإنّه يردّ الامّ دون الولد ، وللشافعي فيه قولان : أحدهما : مثل ما قلناه ، والثاني : له أن يردّهما معا ، لأنّه لا يجوز أن يفرّق بين الأمّ والولد فيما دون سبع سنين. والأوّل أصحّ عندهم. دليلنا : عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الخراج بالضمان» (٢).

وقال في المبسوط : «فصل في أنّ الخراج بالضمان : إذا كان لرجل مال فيه عيب فأراد بيعه وجب عليه أن يبيّن للمشتري عيبه ، ولا يكتمه ، أو يتبرّء إليه من العيوب. والأوّل أحوط. فإن لم يبيّنه واشتراه إنسان فوجد به عيبا كان المشتري بالخيار إن شاء رضي ، وإن شاء ردّه بالعيب واسترجع الثمن. فإن اختار فسخ البيع وردّ المبيع نظر ، فإن لم يكن حصل من جهة المبيع نماء ردّه واسترجع ثمنه ، وإن كان قد حصل نماء وفائدة فلا يخلو من أن يكون كسبا من جهته أو نتاجا وثمرة. فإن كان كسبا مثل أن يكتسب بعمله

__________________

(١) محاضرات في الفقه الجعفري ، ج ٢ ، ص ١٦٩ الى ١٧٤.

(٢) الخلاف ، ج ٣ ، ص ١٠٨ ، المسألة : ١٧٦ من كتاب البيع.

٢٣٨

.................................................................................................

__________________

أو تجارته أو يوهب له أو يصطاد شيئا أو يحتطب أو يحتش ، فإنّه يردّ المعيب ولا يردّ الكسب بلا خلاف ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخراج بالضمان. فالخراج اسم للغلّة والفائدة التي تحصل من جهة المبيع» إلى أن قال : «وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الخراج بالضمان معناه : أنّ الخراج أن يكون المال يتلف من ملكه ، ولمّا كان المبيع يتلف من ملك المشتري ، لأنّ الضمان انتقل إليه بالقبض كان الخراج له» (١).

واستند قدس‌سره الى هذا الحديث في بيع المصرّاة ، فقال : «ولا يردّ اللبن الحادث ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى أنّ الخراج بالضمان» (٢).

وقال في السرائر في عدم ضمان العين المرهونة : «ويحتجّ على المخالف بقوله عليه‌السلام : الخراج بالضمان ، وخراجه إذا كان للراهن بلا خلاف ، وجب أن يكون من ضمانه» (٣).

وقال العلّامة في المختلف ـ بعد نقل كلام ابن حمزة في الوسيلة ـ ما لفظه : «والمعتمد أنّ النماء للبائع ، لأنّ الملك باق عليه ، والنماء يتبع الملك. وقوله عليه‌السلام :

الخراج بالضمان محمول على الصحيح ، وإلّا لكان الغاصب مالكا للمنافع ، لدخول الأصل تحت ضمانه» (٤).

وظاهر العبارتين اعتمادها على الحديث. ولو كان في سنده غمز لكان المناسب التخلّف منه بطرحه كلّيّة ، لا بحمله على العقد الصحيح.

نعم يحتمل في كلام ابن إدريس إيراده احتجاجا على المخالفين لا استنادا ، وإن

__________________

(١) المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٢ ، ص ١٢٦.

(٢) المصدر ، ص ١٢٥.

(٣) السرائر الحاوي ، ج ٢ ، ص ٤٢٠.

(٤) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٣١٩.

٢٣٩

.................................................................................................

__________________

أمكن التخلّص عن هذا الاحتمال بمخالفته للظاهر ، ولو كان الغرض الاحتجاج عليه بما هو مسلّم عندهم كان الأولى أن يقول : «ويحتج على المخالف بما يرويه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» مع أنّه قدس‌سره أسنده إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد تقدم نظيره في حديث «على اليد».

نعم يشكل تعليل العلّامة : «وإلّا لكان الغاصب مالكا للمنافع ..» بعدم صلاحيّة هذا الوجه لأن يكون منشأ لحمل «الخراج بالضمان» على خصوص الصحيح ، ضرورة قابليّة عمومه للتخصيص بأدلّة الغصب كصحيحة أبي ولّاد.

وقال في الجواهر : «المشهور نقلا وتحصيلا ـ بل في ظاهر التذكرة الإجماع ـ على أنّ المبيع يملكه المشتري في زمن الخيار بالعقد» إلى أن قال : «وقيل به وبانقضاء مدة الخيار» واستدلّ عليه بأمور ، إلى أن قال : «والنبويّ الخراج بالضمان الذي معناه أنّ الربح في مقابلة الخسران ، فإنّ الخراج اسم للفائدة الحاصلة في المبيع ، والمراد أنّها للمشتري ، كما أنّ الضرر الحاصل بالتلف عليه ، فهو دالّ على المطلوب ، وإن كان مورد الحديث خيار العيب» (١).

أقول : الغرض ممّا ذكرناه من سند الحديث وعمل الفقهاء به من العامّة ـ كما حكي ـ وبعض الخاصّة هو : أنّه هل يوجب ذلك السند والعمل وثوقا بصدور الحديث حتى يصحّ الركون إليه والاعتماد عليه أم لا؟ فإن حصل ذلك وصلت النوبة إلى البحث عن معنى الحديث.

وقد حكي عن شيخ الشريعة الأصفهاني قدس‌سره : «انّا تتبعنا غاية التتبّع فلم نجدها في كتب الإمامية رضوان الله تعالى عليهم صحاحها وغير صحاحها ، بل وجدناه في كتب العامّة بطرق متعدّدة في موارد عديدة». ولعلّ غرضه قدس‌سره عدم الظفر به مسندا في جوامعنا

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٣ ، ص ٧٨.

٢٤٠