هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

.................................................................................................

______________________________________________________

جامع المقاصد : «لم أظفر إلى الآن بمخالف» (١) وإن تأمّل هو فيه. قال العلّامة قدس‌سره : «لا يحل للمحرم استعارة الصيد من المحرم ولا من المحلّ ، لأنّه يحرم عليه إمساكه ، فلو استعاره وجب عليه إرساله ، وضمن للمالك قيمته. ولو تلف في يده ضمنه أيضا بالقيمة لصاحبه المحلّ ، وبالجزاء لله تعالى ، بل يضمنه بمجرّد الإمساك» (٢).

فلو قلنا بعدم وجوب تخلية سبيله وجواز ردّه إلى المالك المعير لم يتّجه ضمان القيمة حتى يكون مبنى النقض على قاعدة «ما لا يضمن». ويلوح من الشهيد الثاني قدس‌سره عدم تعيّن وجوب الإرسال ، قال قدس‌سره بعد التأمل في فساد عارية الصيد ما لفظه : «فعلى تقدير قبضه له ـ أي قبض المستعير للصيد ـ إن ردّه على المالك لزمه الفداء لله تعالى ، وبري‌ء من حق المالك. وإن تلف في يده فلا شبهة في ضمانه لله تعالى ، لأنّه ثابت عليه بمجرّد الإمساك ، كما في الصيد الذي ليس بمملوك» (٣). فإنّ قوله : «وبري‌ء من حقّ المالك» ظاهر بل صريح في عدم ضمان القيمة بمجرّد الاستعارة ، فلا ضمان على تقدير ردّ الصيد إلى مالكه ، وإنما يجب عليه الفداء والكفّارة.

والحاصل : أنّ مبنى التوجيه المذكور في المتن هو استقرار القيمة على عهدة المحرم المستعير بمجرّد قبض الصيد من المحلّ.

الثاني : أنّ كون المستعير ضامنا لقيمة الصيد لمالكه مع فرض بقاء عينه ـ وعدم إرساله بعد ـ لا بدّ أن يكون للجمع بين دليلين ، أحدهما : حرمة مال المسلم المقتضية لضمان ماله بماله من الخصوصيّات الشخصيّة والصنفيّة والنوعيّة. وثانيهما : وجوب إرسال الصيد وتخلية سبيله وحرمة تسليمه إلى المعير ، فإنّه أمر بإعدام خصوصيّته وشخصيّته.

فمقتضى الجمع بينهما القول بإلغاء احترام الصيد ـ بعينه ـ رعاية لحقّ

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٦٠

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٢٠٩

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ١٤٩

١٦١

ـ بعد البناء (١) على أنّه يجب على المحرم إرساله وأداء قيمته ـ أنّ المستقر عليه (٢) قهرا (٣) بعد العارية هي القيمة ، لا العين (*). فوجوب دفع القيمة ثابت

______________________________________________________

الخالق جلّت آلاؤه ، وبقاء ماليّته على عهدة المستعير رعاية لحق المخلوق.

إذا اتّضح ما مهّدناه قلنا في تقريب توجيه المصنّف قدس‌سره : انّ ضمان الصيد ثابت بمجرّد استيلاء المحرم على العين ، حيث إنّه مأمور بالإرسال الذي هو إتلاف ـ ولو تنزيلا ـ ومورد قاعدة «ما لا يضمن» هو التلف لا الإتلاف. فلا ينتقض القاعدة بضمان الصيد المستعار ، لخروجه عن القاعدة موضوعا ، لما عرفت من أنّ موردها التلف ، لا الإتلاف الذي هو المفروض في عارية الصيد.

(١) كما هو المشهور. وأمّا بناء على تخيير المستعير بين الرّد إلى المالك ، وبين الإرسال وضمان قيمة الصيد لم يتم هذا التوجيه. وهذا إشارة الى الأمر الأوّل الذي مهّدناه لتوضيح المتن.

(٢) أي : على المحرم.

(٣) يعني : بحكم الشارع ، وهذا كأنّه خرق لقانون ضمان مال الغير ، إذ لم يعهد اشتغال الذمّة بالبدل من المثل أو القيمة مع بقاء العين ، والتمكّن من إيصالها إلى المالك. ولا بدّ أن يوجّه بأنّ الشارع أبقى ماليّة العين وألغى حرمة خصوصيّتها ، بالأمر بإرساله ، كما أوضحناه في الأمر الثاني.

__________________

(*) هذا غير ظاهر ، إذ لازمه عدم براءة ذمّة المستعير بدفع العين ، لفرض كون ذمته مشغولة بالقيمة. ولا يظنّ من أحد أن يلتزم بذلك. ولعلّه لهذا حمل صاحب الجواهر حكمهم بالضمان على الإرسال ، لا على مجرّد العارية. قال قدس‌سره شارحا لكلام المحقق : «لا يجوز للمحرم أن يستعير من محلّ صيدا ، لأنّه ليس له إمساكه ، بل يجب عليه إرساله. وحينئذ فلو أثم وأمسكه ثم أرسله ضمنه ..» (١).

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٧ ، ص ١٦٤.

١٦٢

قبل التلف (١) بسبب وجوب الإتلاف الذي (٢) هو سبب لضمان ملك الغير في كلّ عقد (٣) ،

______________________________________________________

(١) يعني : فلا تنقض قاعدة «ما لا يضمن» بعارية الصيد ، لأنّ ضمان قيمته ثابت قبل التلف ومستند إلى الأمر بإرساله ، الذي هو بمنزلة إتلافه ، ومن المعلوم أنّ الضمان المنفيّ في قاعدة «ما لا يضمن» إنّما هو بعد التلف ، ولا منافاة بين ثبوت الضمان بالإتلاف وما هو بحكمه ، وبين نفيه بالتلف.

(٢) صفة للإتلاف ، لا للوجوب ، لأنّ المضمّن هو الإتلاف لا الأمر به ، لقولهم : «من أتلف مال الغير فهو له ضامن».

(٣) المراد بالعقد هو الذي يكون موضوعا لقاعدة «ما لا يضمن» فإنّ الإتلاف مضمّن فيه. وأمّا العقد الموضوع لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فالضمان بالقيمة الواقعيّة ثابت بمجرّد التلف. ولمّا كانت العارية مندرجة في «ما لا يضمن» توقّف الضمان فيها على الإتلاف. هذا توضيح ما أفاده المصنّف قدس‌سره.

ولا يخفى أنّ توجيه الضمان بالإتلاف قد أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره وإن خصّ الضمان بما إذا خلّى سبيل الصيد ، قال قدس‌سره : «ووجوب ذلك ـ أي إرسال الصيد ـ عليه لا ينافي ضمانه لمالكه وإن أقدم ـ أي المالك ـ على إعارته لمن يكون تكليفه إتلافه بالإرسال ، فإنّ ذلك لا يقتضي ذهاب حرمة ماله ، كما لا يقتضي إبطال

__________________

ويظهر منه عدم وجود مصرّح بالضمان لو تلف الصيد بآفة سماويّة بيد المستعير قبل إرساله. ومن العجب أنّ السيد قدس‌سره حكى عبارة الشرائع هكذا قوله : «فلو أمسكه ثم أرسله ضمنه وإن لم يشترط عليه» (١). ولعلّه اعتمد على ما في الجواهر من مزج الشرح بالمتن ، وإلّا فعبارة الشرائع خالية عن ترتّب الضمان على الإرسال ، وإنّما يترتب على الإمساك ، فراجع (٢).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٩٤.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧٢.

١٦٣

لا بسبب التلف (*).

______________________________________________________

سببيّته ـ أي الإتلاف ـ للضمان ، الحاصلة من عموم قوله : من أتلف مال غيره فهو له ضامن ..» (١).

__________________

(*) فيه : أنّ الثابت على المستعير المحرم وجوب الإرسال تكليفا ، وهو بنفسه لا يستلزم الوضع أعني به الضمان واستقرار القيمة في الذمّة ، بحيث يكون نفس وجوب الإرسال ـ كالإتلاف ـ موجبا لاشتغال الذمة بالقيمة ، فإنّ سببيّة وجوب الإرسال للضمان محتاجة إلى دليل. ووجوب إيجاد سبب الضمان ليس من أسباب الضمان ، بشهادة عدم ضمان من يجب عليه أكل طعام الغير حفظا لنفسه عن التلف لو لم يؤكل منه حتّى مات ، فإنّه لا يضمن قيمة ذلك الطعام الذي أمر بإتلافه وأكله ، ولذا لو لم يرسلها بل ردّها إلى المالك لم يضمن له شيئا وإن كان آثما لتركه الإرسال الواجب.

وعليه فالضمان لا يتحقق إلّا بعد التلف ، ويكون مستندا إليه ، فينتقض به القاعدة.

وكيف كان فالنقض بعارية الصيد موقوف على أمور :

الأوّل : فساد العارية ، إذ على فرض صحتها لا يكون الضمان فيها نقضا لقاعدة «ما لا يضمن» بل يكون تقييدا لأدلة عدم ضمان العارية الصحيحة ، كما لا يخفى.

الثاني : التلف ، إذ الإتلاف خارج موضوعا عن مفروض البحث ، فلا بدّ من إثبات كون المقام من التلف.

الثالث : الضمان لو تلف الصيد عند المستعير ، إذ بدونه لا يكون نقضا على القاعدة.

الرابع : عدم زوال ملكيّة المعير المحلّ بتسليم العين إلى المحرم المستعير ، إذ مع زوالها كان الضمان ـ بناء على ثبوته ـ غير مرتبط بالعارية الفاسدة ، لأنّ نفس التسليم إلى المحرم وتسلّم المحرم له بأيّ نحو كان موجب لسقوط ملكه. وهذا أجنبيّ عن الإعارة وعقدها.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٧ ، ص ١٦٥.

١٦٤

.................................................................................................

__________________

أمّا الأوّل : فيمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (١) بعد ظهور الصيد في المصيد أي الحيوان الوحشي ، لا في معناه المصدري ، وذلك بقرينة إضافته في الآية الشريفة المتقدمة عليها إلى البرّ والبحر. وبقرينة قوله تعالى (مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ) (٢) وقوله تعالى في الآيتين المتقدمتين ، وهما : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) (٣) و (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (٤). وقد أطلق على الحيوان الصيد باعتبار كونه في معرض الاصطياد ، ولا بأس به ، لأنّه إطلاق شائع.

وتحريم ذات الصيد كغيره من التحريمات المضافة إلى الذوات ـ بقرينة حذف المتعلّق ـ ظاهر في حرمة جميع تقلّباته اصطيادا وحيازة وتملّكا وبيعا وشراء وإعارة واستعارة واستئمانا وإمساكا وغيرها ، بتقريب : أنّ الحرمة بمعنى المنع الشامل للتكليفي والوضعي. وعلى هذا فلا يصح كل تصرف اعتباري وخارجي يتعلّق بالعين التي أضيفت إليها الحرمة ، فلا تصح إعارتها ، إذ لا يصح الانتفاع بها بعد حرمة كل تصرف يتعلق بها. ومن المعلوم اعتبار حليّة الانتفاع بها في صحة العارية.

وبالجملة : فيمكن الاستدلال على فساد عارية الصيد للمحرم بحرمته على المحرم ، بتقريب : أنّ قوله تعالى (حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) ظاهر في حرمة جميع التصرفات المتعلقة به من الاصطياد والإمساك والانتفاع به ، كشرب لبنه وأكل بيضه ونحوهما ، وبطلان بيعه وشرائه وعاريته ووديعته وإجارته ونحوها ، فإنّ حرمة الانتفاع بالصيد تهدم قوام العارية وهو جواز الانتفاع بالعين المستعارة.

إلّا أن يقال : إنّ التحريم المضاف إلى العين ناظر إلى الفعل المناسب لها ، كالتحريم

__________________

(١) سورة المائدة (٥) الآية ٩٦.

(٢) سورة المائدة (٥) الآية ٩٦.

(٣) سورة المائدة (٥) الآية ٩٤.

(٤) سورة المائدة (٥) الآية ٩٥.

١٦٥

.................................................................................................

__________________

المضاف إلى الأمّهات. وعليه فالمراد بحرمة الصيد حرمة أكله ، لأنّ الفعل المناسب هنا هو الأكل. نعم يراد بحرمة الصيد بقرينة النصوص حرمة جميع التقلبات.

وكيف كان فالظاهر فساد عارية الصيد لفقدان شرط صحتها وهو حلّيّة الانتفاع به.

وأمّا الثاني : ـ أعني به صدق التلف ـ فالظاهر ذلك وعدم صدق الإتلاف على الحكم بالإرسال ، فلا موضوع عرفا لقاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن». ولا شرعا ، إذ لم يظهر دليل على تنزيل الإرسال الواجب منزلة الإتلاف حتى يخرج إعارة الصيد عن موضوع قاعدة «ما لا يضمن» ويندرج في قاعدة «من أتلف» الحاكمة على قاعدة «ما لا يضمن» بعد توسعة موضوع قاعدة «من أتلف» ليشمل الإتلاف الحقيقي والتنزيلي.

هذا مضافا إلى : أنّ الإتلاف التنزيلي منوط بوجوب الإرسال ، وهو غير مسلّم ، لذهاب صاحب الحدائق إلى وجوب ردّ الصيد الى مالكه. وعلى هذا فالنقض وارد.

وأمّا الثالث : ـ وهو الضمان ـ فقد عرفت الخلاف فيه ، ومناقشة الشهيد الثاني في ذلك ، وكلام الجواهر ، وهو عدم وجود مصرّح بالضمان في صورة التلف السماوي الذي هو مورد البحث ، فراجع. ومع الخلاف في الضمان لا وجه لجعله من موارد النقض.

وأمّا الرابع : ـ وهو عدم زوال ملكية المعير ـ فقد يستدل له بالآية الشريفة : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) بالتقريب المشار إليه من أنّ حرمة ذات الصيد بنحو الحقيقة الادّعائيّة إنما هي بلحاظ حرمة جميع التقلبات تكليفا ووضعا ، ومنه حرمة الاصطياد مباشرة وتسبيبا ، بل ودلالة وإشارة ، ومنه حرمة إرجاع الصيد إلى بيت مغلق وإلى الصيّاد ، وذلك يستلزم وجوب إرساله الذي لازمه الخروج عن ملك صاحبه.

لكن فيه أوّلا : أنّ استفادة وجوب إرسال مال الغير ـ وحرمة إرجاعه إلى صاحبه ـ من الآية المباركة مشكلة جدّا ، لعدم إطلاق لها يشمل كون الصيد مال الغير.

وثانيا : ـ بعد تسليم الوجوب ـ أنّ كونه ملازما لخروجه عن ملكه ممنوع ، نظير

١٦٦

.................................................................................................

__________________

وجوب أكل مال الغير في المخمصة ، في عدم استلزامه للخروج عن ملك مالكه.

ومثل الاستدلال المزبور في الضعف ما قيل : من كون إيجاب الإرسال مساوقا لسلب جميع الانتفاعات ، وهو ملازم لسلب الملكية التي تعتبر بلحاظ الآثار ، فما لا أثر له لا يعتبر ملكيّته ، كأمر الشارع بإهراق الخمر الكاشف عن عدم مملوكيّتها. وأمره بإرسال المحرم صيده الكاشف عن سلب ملكيّته.

وجه الضعف بعد التسليم في المثالين ـ وهما الأمر بإهراق الخمر وإرسال الصيد ـ أنّه لا وجه له في المقام ، إذ الحكم بالإتلاف مع الضمان مؤكّد للملكية لا مزيل لها. نعم لو نهض دليل على عدم ضمانه بالإرسال كان لما ذكر من سلب الملكيّة وجه.

وما قيل من : «أنّ الأمر في المقام دائر بين التخصيص والتخصص ، وأصالة العموم تقتضي عدم التخصيص ، لأنّ جواز التصرف والإرسال مع بقاء الملكية تخصيص لدليل حرمة التصرّف في مال الغير ، فأصالة الإطلاق تكشف عن خروجه عن ملكه ، وأنّ جواز الإرسال إنّما هو لخروج الصيد عن ملك مالكه» ضعيف.

وجه الضعف أوّلا : أنّ الخروج عن الملك قهرا تقييد لدليل الملكية.

وثانيا : أنّ أصالتي العموم والإطلاق لا تجريان مع العلم بمراد المتكلم كالمقام ، والشك في التخصيص والتقييد كما قرّر في محله.

فالمتحصّل : أنّ عدّ عارية الصيد للمحرم من نقوض قاعدة «ما لا يضمن» غير ظاهر. وعلى تقدير تماميّة النقوض لا يرد طعن على القاعدة عكسا أو أصلا على فرض تماميّتها في نفسها ، لكونها من العمومات القابلة للتخصيص.

بقي التعرّض لإشكال أورده السيد قدس‌سره على المتن ، ومحصّله : أنّ سببيّة الإتلاف لضمان قيمة الصيد مبنيّة على وجوب إرساله على المحرم حتى يكون إتلافا لمال الغير. وليس الأمر كذلك ، إذ المستفاد من النصوص حرمة إمساكه ، وهي لا تستلزم وجوب الإرسال ، لإمكان التخلص من حرمته بردّه إلى المعير ، ومعه لا موجب لضمانه بمجرد

١٦٧

.................................................................................................

__________________

تسلّم الصيد من المعير ، (١) هذا.

أقول : لا ريب في اختلاف مضامين نصوص الباب ، ففي بضعها الأمر بالتخلية. كقوله عليه‌السلام في رواية : «فإذا استوى جناحاه خلّى عنه» (٢) ونحوه قوله عليه‌السلام في رواية «فخلّ سبيلها» (٣) ونحوهما ممّا هو ظاهر جدّا في وجوب الإرسال.

وفي بعضها النهي عن إمساك الصيد ، كرواية شهاب بن عبد ربّه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «حرّم عليك ذبحه وإمساكه» (٤) وإليه نظر السيد قدس‌سره ، لإمكان امتثال هذا النهي بكلّ من الإرسال والرّد إلى المعير إن كان عارية.

ولا ريب في أنّ المجعول شرعا في حقّ المحرم أمر واحد ، وهو إمّا مطلوبية الإرسال ، فتكون مبغوضية الإمساك والحبس بالعرض ، وإمّا بالعكس. ولا يبعد استظهار الاحتمال الأوّل من مجموع النصوص الواردة في الصيد المملوك وغيره ، وأنّه بمجرّد الإحرام يرسله ، وأنّه لا يغلق الباب عليه ولا يؤذيه ، لأنّ من دخله كان آمنا.

مضافا إلى فهم الأصحاب وتعبيرهم بوجوب الإرسال أو التخلية كما يظهر بمراجعة المتون الفقهية كالنهاية وفقه القرآن والشرائع والسرائر والقواعد والمختصر النافع وغيرها ، ونحوها الوسائل أيضا ، فإنّه عنون الباب الثاني عشر من أبواب الصيد بقوله : «انّ الحمام ونحوه حتى الأهليّ إذا دخل الحرم وجب على من هو معه إطلاقه» (٥) ثم ذكر بعض النصوص الناهية عن إمساك الصيد في هذا الباب.

وعليه فتعبير المصنّف قدس‌سره بوجوب الإرسال أقرب إلى مضامين النصوص الآمرة بتخلية سبيل الصيد وإرساله ، خصوصا مع تأييدها بفهم الفقهاء ، وحيث إنّ الأمر بالإرسال أمر بإتلافه كان ضمان قيمته ضمان الإتلاف لا التلف.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٩٤.

(٢ و ٣) وسائل الشيعة ، ج ٩ ، ص ١٩٩ ، الباب ٢ من أبواب كفارات الصيد وتوابعها ، الحديث ١.

(٤) المصدر ، ص ٢٠٠ ، الحديث ٢.

(٥) المصدر ، ص ٢٠٠.

١٦٨

ويشكل (١) اطّراد القاعدة أيضا في البيع فاسدا بالنسبة إلى المنافع التي لم يستوفها (٢) ، فإنّ هذه المنافع (٣) غير مضمونة في العقد الصحيح ، مع أنّها

______________________________________________________

ب : النقض على القاعدة بمنفعة المبيع فاسدا

(١) معطوف على «يشكل» وهذا نقض ثالث على قاعدة «ما لا يضمن» ومحصّله : منع الملازمة بين البيع الصحيح والفاسد في ضمان المنافع الفائتة ، مع أنّ مقتضى القاعدة تبعية العقد الفاسد للصحيح في عدم الضمان.

وتوضيحه : أنّ المشتري للمبيع ـ بالعقد الفاسد ـ إمّا أن يستوفي منافعه وينتفع به ، كما إذا اشترى دارا فسكن فيها أو سيّارة فركبها ، ولا ريب في ضمانها ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى في الأمر الثالث مما يترتّب على المقبوض بالبيع الفاسد. وإمّا أن لا يستوفي منافعها ، بل فاتت كما إذا لم يسكن في الدار مع قابليتها للسكنى. وهذه المنافع الفائتة غير مضمونة في العقد الصحيح ، ومضمونة في الفاسد ، فإذا فسخ العقد الصحيح بإقالة أو غيرها لم تكن منفعتها الفائتة مضمونة على المشتري ، وإنّما عليه تسليم الدار للبائع وله استرداد تمام الثمن منه.

وأمّا إذا كان البيع فاسدا فقد حكموا بأنّ المشتري كما يضمن العين ـ لو تلفت بيده ـ كذلك يضمن بدل منفعتها الفائتة في المدّة التي كانت الدار تحت يده وسلطنته. وهذا الحكم بالضمان مناف لقاعدة «ما لا يضمن» لأنّ عدم ضمان منافع المبيع بالبيع الصحيح يقتضي عدمه في البيع الفاسد أيضا. مع أنّهم فرّقوا بين البيع الصحيح والفاسد ، وحكموا بضمان المنفعة الفائتة في المقبوض بالبيع الباطل. وهذه التفرقة تكشف عن عدم كون «ما لا يضمن» قاعدة كلّية حتى يرجع إليها في كلّ عقد لم يضمن بصحيحه ، هذا.

(٢) قد تقدّم آنفا وجه تقييد المنافع بعدم استيفائها ، لوضوح أنّ المنافع المستوفاة مضمونة بقاعدة الاستيفاء لا باليد ، فلا مورد للنقض بها على قاعدة «ما لا يضمن».

(٣) أي : المنافع الفائتة.

١٦٩

مضمونة في العقد الفاسد.

إلّا أن يقال (١) : إنّ ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد (٢). وفيه نظر (٣) ، لأنّ نفس المنفعة غير مضمونة بشي‌ء في العقد

______________________________________________________

(١) هذا جواب النقض ، ومحصّله : أنّه لا موضوع للنقض بالمنافع الفائتة ، وذلك لأنّها مضمونة في عقد البيع سواء أكان صحيحا أم باطلا ، فهي داخلة في أصل القاعدة أعني به «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده». والوجه في ضمان المنافع مطلقا سواء استوفيت أم فاتت هو : أنّ البيع وإن كان «تمليك عين بعوض» وظاهره خروج منافع العين عن مورد المعاملة ، إلّا أنّ الصحيح ضمان منافعها أيضا. وذلك لكونها ملحوظة في مقام المعاوضة ومؤثّرة في رغبة المشتري عند شراء العين ، بل لزيادة المنفعة وقلّتها دخل في قيمة العين ، كما هو المشاهد من طريقة العقلاء في شراء الأعيان ذوات المنافع. وعلى هذا فنماءات المبيع مضمونة على المشتري ، ويجب عليه ردّ عوضها إلى البائع إذا تبيّن فساد البيع.

وهذا الجواب وإن لم أظفر به بهذا النحو ـ من استتباع ضمان العين لضمان المنفعة ـ في الجواهر وغيره ، لكن في بيان المحقق الكركي قدس‌سره ما يستفاد منه ضمان منافع المغصوب والمقبوض بالبيع الفاسد ، حيث قال قدس‌سره في جواب إشكال عدم ضمان المنفعة ما لفظه : «لمّا كان المجموع في مقابلة المجموع ، وفاتت المقابلة بفساد العقد كان كل منهما مضمونا بجميع أجزائه ، نظرا إلى مقتضى المقابلة» (١). وظاهره تقسيط الثمن على العين والمنفعة ، وهذا مغاير لما في المتن من الاستتباع الظاهر في كون الثمن بإزاء نفس المبيع وهو العين ، وإنّما تضمن المنافع بالاستلزام والاستتباع ، فلاحظ.

(٢) يعني : فلا يرد النقض ، إذ المفروض ضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد معا ، فهي من مصاديق أصل القاعدة لا عكسها.

(٣) هذا ردّ على استتباع ضمان العين لضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٣٢٤ ، واقتبسه منه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٣٠٤.

١٧٠

الصحيح (١) ، لأنّ (٢) الثمن إنّما هو بإزاء العين ، دون المنافع.

______________________________________________________

وحاصل وجه النظر : أنّ الثمن يبذل بإزاء العين في العقد الصحيح من دون أن يقع شي‌ء منه بإزاء المنافع حتّى تكون مضمونة في العقد الصحيح. وعلى هذا فالمنافع خارجة عن مورد العقد ، فالقاعدة غير متعرّضة لها ، بل يرجع في ضمانها إلى اليد أو قاعدة الاحترام أو غيرهما ، فالنقض غير متوجّه ، لخروج المنافع عن مورد العقد ، والقاعدة ناظرة إلى مورد العقد.

وبعبارة أخرى : انّ منفعة المبيع وإن كانت ملحوظة للمشتري ومتعلقة لغرضه ، إلّا أنّها داعية له على شراء العين ، ومن المعلوم الفرق بين الحيثية التقييدية كما إذا شرط في بيع الكتاب خياطة ثوبه ، وبين الحيثية التعليلية الخارجة عن مصبّ العقد ، كداعويّة برودة الهواء لاشتراء الألبسة الخشنة الحارّة لدفع برودة الشتاء.

والمناط في الضمان هو الحيثيّة التقييدية دون التعليلية ، ولذا قالوا بأنّ تخلّف الداعي عن المعاملة لا يوجب الخيار فيها ولا يبطلها. وعلى هذا فالمضمون في البيع الصحيح هو نفس العين ، كما أنّ المضمون في الإجارة هو نفس المنفعة. فالجواب المذكور غير واف بدفع النقض.

والصحيح في التخلّص عنه أن يقال : إنّ المدار على الضمان وعدمه هو مصبّ العقد ، لا ما يتعلّق به. ولمّا كان الثمن مقابلا بالمبيع لا بمنافعه لم تندرج المنافع في أصل قاعدة «ما يضمن» كما زعمه المجيب عن النقض ، ولا في عكسها كما زعمه الناقض. فإن قلنا بضمانها فبدليل آخر كقاعدة الاحترام. وإن قلنا بعدمه فللاقدام على تسليط المشتري على المبيع لينتفع به ، هذا.

(١) يعني : لا يقتضي نفس البيع الصحيح ضمان منفعة المبيع حتى يقتضيه فاسده ، فلو ضمنها المشتري في البيع الفاسد كان لدليل آخر.

(٢) تعليل لقوله «غير مضمونة» والمستفاد منه أمران ، أحدهما : المناقشة في جواب النقض ، والآخر : ردّ أصل النقض. وقد تقدم توضيحهما آنفا بقولنا : «وحاصل وجه النظر : أنّ الثمن يبذل بإزاء العين» وقولنا : «والصحيح في التخلّف عنه أن يقال ..».

١٧١

ويمكن نقض (١) القاعدة أيضا (٢) بحمل المبيع فاسدا (٣) ، على ما صرّح به (٤)

______________________________________________________

ج ـ النقض على القاعدة بحمل المبيع فاسدا

(١) هذا نقض رابع على قاعدة «ما لا يضمن» وتوضيحه : أنّه إذا تبايع زيد وعمرو حيوانا حاملا ـ كشاة مثلا ـ بعشرة دنانير ، فإمّا أن يكون المبيع مؤلّفا من الحمل والحامل بأن يقسّط الثمن على كليهما ، وإمّا أن يكون المبيع خصوص الأمّ ، ويبقى الحمل أمانة عند المشتري إلى أن يولد ، فيسلّمه إلى البائع.

فإن كان البيع صحيحا فلا كلام على كلا التقديرين. وإن كان فاسدا توجّه التفصيل بين الفرضين ، فبناء على الأوّل ـ وهو كون المبيع كليهما ـ يكون المشتري ضامنا لكلّ من الحمل والأمّ لو تلفا أو تلف أحدهما.

وبناء على الثاني ـ أي كون المبيع خصوص الأمّ ـ فمقتضى القاعدة عدم ضمان الحمل لو تلف عند المشتري ، لأنّه ممّا لم يضمن في البيع الصحيح ، فيلزم أن لا يضمن في البيع الفاسد أيضا ، مع أنّ جماعة حكموا بضمان هذا الحمل التالف. وهذا نقض على قاعدة «ما لا يضمن».

نعم بناء على عدم ضمان الحمل ـ كما ذهب إليه جمع ـ لم يرد نقض على القاعدة ، هذا.

(٢) يعني : كما أمكن نقض القاعدة بما تقدّم من الموارد الثلاثة.

(٣) متعلّق بالمبيع ، يعني : المبيع بالبيع الباطل.

(٤) اي : بضمان الحمل. قال شيخ الطائفة قدس‌سره : «من غصب جارية حاملا ضمنها وحملها معا. وولد المشتراة شراء فاسدا مثل ذلك» (١). والشاهد في قوله : «وولد المشتراة» حيث إنّه قدس‌سره حكم على الجارية المشتراة بالشراء الفاسد بالضمان ، سواء بالنسبة إليها وإلى حملها. وبهذا يتّجه النقض على قاعدة «ما لا يضمن».

__________________

(١) المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٣ ، ص ٦٥.

١٧٢

في المبسوط والشرائع (١) والتذكرة (٢) والتحرير «من كونه مضمونا على المشتري» خلافا للشهيدين (٣)

______________________________________________________

(١) قال المحقق قدس‌سره : «وغصب الأمة الحامل غصب لولدها ، لثبوت يده عليها وكذا يضمن حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد» (١).

(٢) قال العلّامة قدس‌سره فيها : «إذا اشترى شراء فاسدا وجب عليه ردّه على مالكه ، لعدم خروجه عنه بالبيع. وعليه مئونة الرّدّ كالمغصوب .. ولو زادت العين في يد المشتري زيادة منفصلة كالولد والثمرة ، أو متصلة كالسمن وتعلّم الصنعة وجب عليه ردّ الزيادة أيضا ، لأنّها نماء ملك البائع ، فيتّبع» (٢).

والشاهد في جعل الولد نماء مضمونا للمبيع بالبيع الفاسد. وكذلك جزم العلّامة بضمان الأمّ والحمل في التحرير والإرشاد (٣).

(٣) قال الشهيد قدس‌سره : «وغصب الحامل غصب الحمل. أمّا حمل المبيع فاسدا أو المستام فلا ضمان فيه. وقال الفاضل : يضمن الحمل في البيع الفاسد. ولعلّه أراد مع اشتراط دخوله» (٤).

أقول : وبهذا الاشتراط صرّح العلّامة في الإرشاد ، حيث قال : «ولو باع الحامل فالولد له ، إلّا أن يشترطه المشتري» (٥). فلعلّ الشهيد أراد إطلاق حكم العلّامة في التذكرة والتحرير بضمان الحمل في المبيع بالبيع الفاسد ، لا إطلاق كلامه في سائر كتبه. وكذا المحقق في الشرائع (٦).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٣٦.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٩٥.

(٣) تحرير الاحكام ، ج ٢ ، ص ١٣٧ ؛ إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦٢.

(٤) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٠٨.

(٥) إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٣٦٦.

(٦) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٥٧.

١٧٣

والمحقق الثاني (١) وبعض آخر (٢)

______________________________________________________

وقال الشهيد الثاني قدس‌سره في المسالك ـ بعد حكمه بضمان حمل الأمة المغصوبة ـ ما لفظه : «وأمّا ضمان حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد فإنّما يتم مع دخوله معها في البيع ، إمّا تبعا كما يقوله الشيخ ، أو مع الشرط. أمّا لو لم يكن داخلا لم يتّجه ضمانه ، لأنّه مقبوض بإذن المالك ، وليس مبيعا فاسدا حتى يضمن بفاسده كما يضمن بصحيحه .. وقد اختلف كلام العلّامة في المسألة. ففي التحرير جزم بضمان الأمة والحمل معا كما ذكره المصنّف ـ يعني المحقّق ـ وفي القواعد جزم بعدم ضمان الحمل. وهو الأصحّ. ولا إشكال مع دخوله في البيع» (١).

وقال في الروضة : «وغصب الحامل غصب للحمل ، لأنّه مغصوب كالحامل ، فالاستقلال باليد عليه حاصل بالتبعيّة لامّه. وكذلك حمل المبيع فاسدا حيث لا يدخل في المبيع ، لأنّه ليس مبيعا ، فيكون أمانة في يد المشتري ، لأصالة عدم الضمان ، ولأنّ تسلّمه بإذن البائع. مع احتماله ، لعموم على اليد» (٢).

واحتماله الضمان غير مذكور في عبارة المسالك المتقدمة.

(١) قال قدس‌سره في شرح قول العلّامة في القواعد : «ويضمن حمل الغصب لا حمل المبيع فاسدا» ما لفظه : «أمّا حمل الغصب فإنّه مغصوب كالأصل. وأمّا حمل المبيع فإنّه ليس مبيعا ، إذ لا يندرج الحمل في بيع الامّ ، فيكون أمانة في يد المشتري ، لأصالة عدم الضمان ، ولأنّ تسلّمه بإذن المالك الذي هو البائع» (٣).

(٢) كالمحقق الأردبيلي قدس‌سره (٤). وقال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره بعد سرد أسماء المذكورين في المتن : «ولعلّه ـ أي عدم الضمان ـ قضية كلام الباقين إلّا

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ١٥٥.

(٢) الروضة البهية ، ج ٧ ، ص ٢٤ و ٢٥.

(٣) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٢٢٠.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ١٠ ، ص ٥١١.

١٧٤

تبعا للعلّامة قدس‌سره في القواعد (١). مع أنّ (٢) الحمل غير مضمون في البيع الصحيح بناء على أنّه للبائع (٣). وعن الدروس (٤) توجيه كلام العلّامة بما إذا اشترط الدخول في البيع. وحينئذ لا نقض على القاعدة (٥).

______________________________________________________

من ستعرفه» (١).

(١) تقدّمت عبارة القواعد آنفا. وبالجملة فبناء على القول بعدم ضمان الحمل في بيع الحامل ببيع فاسد لا يتّجه النقض على قاعدة «ما لا يضمن».

(٢) هذا هو النقض على القاعدة بناء على قول شيخ الطائفة والمحقّق وغيرهما من ضمان حمل المبيع فاسدا كضمانه بالغصب ، مع عدم ضمانه في البيع الصحيح ، لكون تمام الثمن بإزاء الحامل ، وعدم تقسيطه عليها وعلى الحمل.

(٣) إذ لو كان الحمل للمشتري ـ في البيع الصحيح ـ كان مضمونا عليه ببعض الثمن ، لكونه جزءا للمبيع.

(٤) غرضه قدس‌سره من نقل توجيه الشهيد قدس‌سره هو سلامة قاعدة «ما لا يضمن» عن النقض بحمل المبيع فاسدا ، ومحصّل التوجيه : أنّ مورد حكم العلّامة ـ في ما عدا القواعد من كتبه ـ بضمان الحمل في بيع الحامل فاسدا هو ما إذا اشترط المشتري على مالك الامّ بجزئيّة الحمل لها ، كما إذا قال : «أشتري هذه الشاة الحامل على أن تكون سخلتها لي» وقبل البائع ، فإنّ المشتري يضمن كلّا منهما بالضمان المعاوضي ، بمعنى وقوع بعض الثمن بإزاء الأم وبعضه بإزاء الحمل. وإذا تبيّن فساد العقد كان الضمان لأجل تخلف الشرط ، لا لاقتضاء ذات العقد.

(٥) لأنّ الحكم بالضمان مع الشرط إنّما يكون لأجل الشرط ، لا لاقتضاء ذات العقد. ومن المعلوم أنّ مورد القاعدة هو اقتضاء نفس العقد للضمان وعدمه ، لا لأمر خارج عن حقيقته كالشرط ، فيخرج عن موضوع القاعدة أصلا وعكسا. فلا نقض.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٢٣.

١٧٥

ويمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة (١) (*) ،

______________________________________________________

د ـ النقض على القاعدة بالشركة الفاسدة

(١) هذا نقض خامس على قاعدة «ما لا يضمن» وهو الفرق بين الشركة الصحيحة والفاسدة. وتقريبه : أنّ الشركة الفاسدة توجب الضمان وحرمة التصرف في المال المشترك ، مع أنّ الشركة الصحيحة لا توجب الضمان ، فينتقض قاعدة «كلّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» بالشركة الفاسدة.

لكن هذا النقض إنّما يتوجّه بناء على عدم جواز التصرّف بسبب الشركة الفاسدة في المال المشترك ، لانتفاء الاذن في التصرّف مع فساد الشركة. كما أنّ الوجه في جواز التصرف بقاء الاذن فيه.

ومنشأ الوجهين أنّ تقييد الإذن بالشركة هل هو بنحو وحدة المطلوب أم تعدده؟ فعلى الأوّل لا يجوز ، وعلى الثاني يجوز ، فلا نقض ، لوجود الاذن الرافع للضمان ، كعدم الضمان في الشركة الصحيحة.

__________________

(*) الظاهر عدم ورود هذا النقض ، لأنّ الشركة إن كانت مقتضية لجواز التصرّف لم يكن فرق بين الشركة الصحيحة والفاسدة في عدم الضمان ، لكون الشريك أمينا ، ولا ضمان على الأمين. وإن لم تكن مقتضية له لم يجز التصرّف مطلقا ، سواء صحّ عقد الشركة أم فسد ، ويثبت الضمان مطلقا ، لعموم «على اليد» من دون مخصّص. فهذا النقض غير وارد.

وقد يقال : بانتقاض أصل القاعدة ـ أعني به : كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ـ بالنكاح الفاسد ، مع علم المرأة بالفساد ، لأنّها حينئذ زانية ، ولا مهر لبغيّ ، فإنّ النكاح الصحيح يوجب ضمان الصداق للمرأة ، دون فاسده.

لكن فيه ما لا يخفى ، لأنّ النكاح خارج عن القاعدة موضوعا ، إذ ليس المهر بإزاء الاستمتاع بالزوجة حتّى يضمن على كلا تقديري صحة العقد وفساده ، بل المهر بإزاء

١٧٦

بناء (١) على أنّه لا يجوز التصرّف بها ، فأخذ المال المشترك حينئذ (٢) عدوانا (*) موجب للضمان (٣).

______________________________________________________

(١) إذ بناء على إذن كلّ واحد من الشركاء لغيره في التصرّف في المال المشترك مطلقا ـ حتّى مع العلم بفساد الشركة ـ لم يرد نقض على القاعدة ، فالنقض مبني على وحدة المطلوب وتقيّد الاذن في التصرّف بخصوص الشركة الصحيحة شرعا.

(٢) أي : حين فساد الشركة وانتفاء الاذن.

(٣) فتنقض قاعدة «ما لا يضمن» إذ لا ضمان في الشركة الصحيحة ، مع أنّ في فاسدها الضمان.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية ممّا يتعلق بقاعدة «ما لا يضمن» وسيأتي الكلام في الجهة الأخيرة ، وهي دليل الاعتبار.

__________________

الزوجية الاعتبارية ـ سواء أكانت دائميّة أم انقطاعيّة ـ الثابتة بنفس العقد ، لأنّ استحقاق المرأة للمهر إنّما هو بنفس العقد المحقّق للزوجية وإن لم يكن هناك استمتاع ، كما إذا ماتت قبل مباشرة الزوج لها والتمتّع بها.

والحاصل : أنّه ليس هنا شي‌ء يضمنه الزوج بالتلف أو الإتلاف. ومورد القاعدة كون الضمان مسبّبا عن أمر آخر غير العقد كالقبض في العقد ، فإنّ التلف بعده يوجب الضمان ، وقبله لا يوجبه ، بل هو من مال بائعه.

وبالجملة : البضع وسائر الاستمتاعات لا ماليّة لها شرعا ، فلا تقابل بالمال. نعم قد ثبت مهر المثل في بعض الموارد كالوطي بالشبهة ، لاحترام الأعراض.

فالمتحصّل : أنّ ثبوت المهر في النكاح الصحيح ، وعدمه في الزنا أجنبي عن مورد القاعدة.

(*) هذا متّجه في صورة العلم بفساد الشركة دون الجهل به ، فالدليل أخصّ من المدّعى ، فالأولى التمسّك بقاعدة اليد.

١٧٧

ثم إنّ مبنى هذه القضية السالبة (١) ـ على ما تقدّم من كلام الشيخ في المبسوط ـ هي الأولويّة (٢).

______________________________________________________

الجهة الثالثة : مستند قاعدة «ما لا يضمن»

أ : الأولويّة

(١) أي : قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وقد أحسن المصنّف قدس‌سره في التعبير بالقضيّة السالبة الموافق للصناعة ، دون العكس لما مر من كون التعبير بالعكس مبنيّا على المسامحة. وكيف كان فهذا شروع في الجهة الثالثة ـ والأخيرة ـ مما يتعلّق بالقاعدة ، وهي مدركها والدليل عليها. والمذكور في المتن أمران : أحدهما الأولويّة التي استظهرها من عبارة المبسوط ، وثانيهما الأخبار المتفرّقة الواردة في عدم ضمان الأمين ، وسيأتي الكلام فيهما إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا هو الدليل الأوّل ، وقد نقل المصنّف كلام شيخ الطائفة قدس‌سرهما إجمالا في صدر المسألة وحكيناه هناك بألفاظه ، فراجع (ص ٦٠) والمقصود منه هو استدلاله على عدم ضمان العين المرهونة في الرّهن المتضمن لشرط فاسد ـ مثل كونها مبيعة من المرتهن لو لم يؤدّ الراهن دينه ، قال في المبسوط : «لأنّ صحيح الرهن غير مضمون عليه ـ أي على المرتهن ـ فكيف فاسده» (١).

وهذه العبارة الموجزة يحتمل أن يراد بها التعجّب من الضمان في العقد الفاسد الذي لا يؤثّر صحيحه في الضمان. ويحتمل أن يراد بها أولويّة عدم الضمان في العقد الفاسد من عدمه في العقد الصحيح منه ، كالرهن الصحيح والفاسد. واستظهر المصنّف قدس‌سره هذا الاحتمال.

كما أنّه يحتمل أن يريد شيخ الطائفة ـ بناء على الأولويّة ـ أولويّة عدم ضمان العقد الفاسد ممّا لا يضمن بصحيحه كالرهن ـ من عدم ضمان نفس هذا العقد الذي لا يضمن بصحيحه. ولعلّ هذا ظاهر العبارة. ويحتمل أن يريد قدس‌سره ما استظهره

__________________

(١) المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٢ ، ص ٢٠٤.

١٧٨

وحاصلها : أنّ الرّهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده؟ وتوضيحه (١):

______________________________________________________

المصنّف من أولويّة العقد الفاسد مما لا يضمن بصحيحه من فاسد العقد الذي يضمن بصحيحه كالبيع.

والانصاف عدم خلوّ المتن من اندماج ، فلا بدّ أوّلا من بيان ما أفاده الماتن في توضيح عبارة المبسوط ، وثانيا من التعرّض لما أفاده في تقريب الأولويّة.

(١) أي : توضيح انتفاء الضمان في الرهن الفاسد ونحوه من العقود التي لا تضمن بصحيحها ، وأمّا كون عدم الضمان في الفاسد للمساواة مع الصحيح أو للأولويّة فسيأتي في المتن بقوله : «وجه الأولويّة».

ومحصّل ما أفاده بقوله : «وتوضيحه» هو : أنّ سبب الضمان الجعليّ في العقود الصحيحة المضمّنة كالبيع والصلح المعاوضيّ والإجارة إمّا أن يكون إقدام المتعاقدين على صيرورة مال كلّ منهما مضمونا بمال الآخر. وإمّا أن يكون السبب إمضاء الشارع لما أقدما عليه ، وحكمه بوجوب الوفاء بما التزما به.

وكلا السببين منتف في مثل الرّهن. أمّا انتفاء الاقدام على الضمان بالمسمّى فواضح ، لأنّ تسليم العين إلى المرتهن ليس بقصد تمليكها له بعوض ، بل بقصد كونها وثيقة عنده ، فتكون أمانة كالعين في الوديعة والعارية والوكالة. وأمّا انتفاء الضمان الناشئ من حكم الشارع بصحّة العقد فلأنّ المراد بالصحة في باب المعاملات إمضاء ما التزم به المتعاقدان ووجوب الوفاء به ، فالإمضاء يكون على طبق الممضى ومماثلا له. ولمّا كان الممضى هو البناء على تسليم العين إلى المرتهن وتسلّمها بلا عوض كان معنى صحة الرّهن شرعا إمضاء ما أقدما عليه من عدم ضمان العين لو تلفت بيد المرتهن.

هذا إذا كان عقد الرّهن صحيحا. وكذا الحال لو كان فاسدا ، فلا ضمان فيه ، لا من جهة الإقدام على الضمان ولا من جهة حكم الشارع وإمضائه. أمّا انتفاء الاقدام فلأنّ الرهن الفاسد فرد من طبيعيّ الرّهن المبنيّ على كون العين المرهونة وثيقة

١٧٩

أنّ الصحيح من العقد (١) إذا لم يقتض (٢) الضمان ـ مع إمضاء الشارع له ـ فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثّر (٣) في الضمان. لأنّ أثر الضمان (٤) إمّا من الاقدام على الضمان (٥) ،

______________________________________________________

وأمانة بيد المرتهن. وأمّا انتفاء الضمان من ناحية الإمضاء فلأنّ المفروض فساد العقد وكونه بمنزلة العدم ، فكيف يؤثّر في الضمان؟ بل عدم الضمان في الرّهن الفاسد يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

والمتحصّل : أنّ علّة عدم الضمان مشتركة بين الرّهن الصحيح والفاسد ، فلا بدّ أن يكون المعلول ـ وهو عدم الضمان ـ كذلك. هذا تقريب عدم اقتضاء العقد الفاسد ممّا لا يضمن بصحيحه للضمان. وأمّا أنّه للمساواة أو لأولويّة الفاسد بعدم الضمان فسيأتي إن شاء الله تعالى.

(١) أي : عقد الرّهن ونحوه مما لا يضمن بصحيحه.

(٢) قد تقدّم آنفا وجه عدم اقتضاء الصحة والإمضاء الشرعي للضمان ، ومحصّله : أنّ الإمضاء لا بدّ أن يكون على طبق الممضى ، ولمّا كان الممضى هو الاقدام على الاستيمان لا المعاوضة ، كان حكم الشارع بالصحة تثبيتا لهذا الاقدام ، فيمتنع استناد الضمان إلى الإمضاء.

(٣) هذه العبارة تدلّ على أنّ العقد الفاسد من الرّهن لا يكون مضمّنا ، وأمّا أنّه لمساواته للعقد الصحيح أو لأولويّته منه في عدم الضمان فلا يستفاد منها.

(٤) الإضافة بيانيّة ، وغرضه أنّ الضمان ـ الذي هو أثر الصحة أو الإقدام ـ منتف في العقد الفاسد. وقد عرفت توضيحه آنفا. ولو قال : «لأنّ الضمان ..» كان أسهل تناولا.

(٥) مقصوده قدس‌سره انتفاء المقتضي للضمان. ولا يخفى أنّ استناد عدم الضمان إلى عدم الاقدام على المعاوضة لم يذكر في كلام شيخ الطائفة هنا ، إذ المذكور فيه هو انتفاء الصحّة شرعا ، ولكنّ المصنّف قدس‌سره أضاف إليه انتفاء الاقدام هنا ، لأنّه استفاده من

١٨٠