هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

١
٢

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيما الإمام المبين وغياث المضطر المستكين عجل الله تعالى فرجه الرشيف ، واللعن المؤبد على أعدائهم أجمعين.

٣
٤

مسألة : (١) لو قبض ما ابتاعه

______________________________________________________

المقبوض بالعقد الفاسد

(١) هذه المسألة ـ بما لها من الفروع ـ من مهمات مسائل المعاملات ، وقد تعرّض لها المصنف قدس‌سره بعد الفراغ من المقدمة الباحثة عمّا يعتبر في صيغة البيع مادّة وهيئة ، كالظهور الوضعي وتقديم الإيجاب على القبول والموالاة بينهما والتنجيز وغيرها ممّا تقدم البحث فيه تفصيلا. إذ يتّجه حينئذ البحث عن حكم المقبوض بالعقد المختلّ بعض شرائطه ، بحيث لم يؤثّر في النقل والتمليك.

ولا يخفى أنّ فساد العقد كما ينشأ من فقد شرط الصيغة ، كذلك ينشأ من خلل في ما اعتبره الشارع في المتعاقدين أو العوضين ، على ما استظهره المصنف في ثامن تنبيهات المعاطاة بقوله : «لأنّ مرادهم بالعقد الفاسد إمّا خصوص ما كان فساده من جهة مجرّد اختلال شروط الصيغة .. وإمّا ما يشمل هذا وغيره ، كما هو الظاهر» (١).

وكيف كان فالمقبوض بالبيع الفاسد موضوع لأحكام سيأتي بيانها بالترتيب إن شاء الله تعالى.

الأوّل : عدم دخوله في ملك القابض.

الثاني : كون القابض ضامنا له.

__________________

(١) راجع هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٢٨٠.

٥

بالعقد (١) الفاسد لم يملكه ، وكان مضمونا عليه (٢).

أمّا عدم الملك فلأنّه مقتضى فرض الفساد (٣).

______________________________________________________

الثالث : وجوب ردّه فورا إلى المالك مع بقائه. ووجوب ردّ بدله ـ من المثل أو القيمة على تقدير تلفه ـ إليه. ويتفرّع على هذا ـ بالنسبة إلى المثلي ـ حكم تعذر المثل ، أو وجوده لكن بأكثر من قيمته المتعارفة. وبالنسبة إلى القيميات يقع البحث عن تعيّن قيمة يوم التلف أو يوم الأداء أو غير ذلك على تقدير اختلاف قيم المقبوض بالبيع الفاسد.

الرابع : ضمان منافعه المستوفاة ، بل الفائتة أيضا. وغير ذلك ممّا سيأتي بالتفصيل إن شاء الله تعالى.

والمقصود بالبحث فعلا هو الأوّلان أعني بهما عدم الملك وضمان المقبوض بالبيع الفاسد.

(١) الباء للسببية ، يعني : أنّ القبض نشأ من البناء على سببية العقد للملكية وتأثيره فيها ، فيكون القبض بعنوان الوفاء بالعقد ، لا بعنوان إنشاء النقل ، إذ لو علما بفساد العقد وتقابضا بقصد إنشاء البيع كان معاطاة ، على ما سبق التصريح به في ثامن تنبيهات المعاطاة بقوله : «نعم إذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده ، تحقق المعاطاة» (١).

(٢) كذا عنون المسألة في الشرائع (٢). وقريب منه ما في قواعد العلّامة ، حيث قال : «ولو قبض المشتري بالعقد الفاسد لم يملك ، وضمن» (٣).

(٣) لأنّ فساد الناقل عبارة عن عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عليه ، كالملكية المقصودة من البيع ، فمقتضى عدم تحققه هو بقاء كلّ من المالين على ملك مالكه.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٢٧٤.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٣.

(٣) قواعد الأحكام ، ص ٤٧ (الطبعة الحجرية).

٦

وأمّا الضمان ـ بمعنى (١) كون تلفه عليه (٢) ، وهو أحد الأمور المتفرّعة على القبض بالعقد الفاسد ـ فهو المعروف (٣).

______________________________________________________

ولا حاجة إلى التمسك بأصالة عدم الانتقال ، وذلك لعدم الشك حتى يجري فيه الأصل ، فإنّه بعد العلم بفساد العقد واقعا يعلم بعدم انتقال المالين عن مالكيهما ، ومعه لا شك حتى يعالج بالأصل.

وادّعى صاحب الجواهر قدس‌سره عدم الخلاف في هذا الحكم ، واستدلّ عليه «بالإجماع بقسميه وبالأصل ، بعد فرض بطلان السبب الذي أريد التسبّب به إلى الانتقال ، وفرض عدم إرادة غيره من أسباب الملك حتى المعاطاة» (١) ، فراجع.

(١) هذا المعنى للضمان سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى قريبا في ما يتعلق بشرح مفردات قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

(٢) لا بمعنى كون إتلافه عليه ، لأنّه مما لا إشكال ولا خلاف فيه ، حيث إنّه مقتضى قاعدة الإتلاف ، فالضمان الذي اشتهر بين الأصحاب هو بمعنى كون تلف المقبوض ـ بالعقد الفاسد ـ عليه.

أدلة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد

أ : الإجماع

(٣) وفي الجواهر أيضا : «بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لعموم على اليد» (٢). ولا يخفى أن ما في المتن من «أن الضمان هو المعروف» لا ينافي الإجماع ـ المنقول عن شيخ الطائفة ـ على الضمان ، وذلك للفرق بين التعبير بالمعروف والمشهور ، فالمشهور مشعر بوجود قول آخر في المسألة ، بل هو ظاهر فيه. بخلاف المعروف ، فإنّه مساوق لتعبير الجواهر من عدم الظفر بالخلاف ، ومن المعلوم أنّ عدم وجدان الخلاف يلتئم مع الإجماع المدّعى في المبسوط.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٥٦

(٢) المصدر ، ص ٢٥٧

٧

وادّعى الشيخ في باب الرّهن ، وفي موضع من البيع الإجماع عليه (١) صريحا. وتبعه (٢) في ذلك فقيه عصره في شرح القواعد.

وفي السرائر : «أنّ (٣) البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في

______________________________________________________

(١) أي : على الضمان ، وهذا الإجماع هو الدليل الأوّل في المسألة ، وقد ادّعاه الشيخ قدس‌سره في مسألة ما إذا شرط أحدهما في الرّهن شرطا فاسدا ، ككون العين المرهونة مبيعا لو لم يؤدّ المديون الدّين إلى المرتهن ، قال في المبسوط : «إذا رهن رجل عند غيره شيئا بدين إلى شهر ـ على أنّه إن لم يقبض إلى محلّه كان بيعا منه بالدّين الذي عليه ـ لم يصح الرّهن ولا البيع إجماعا ، لأنّ الرّهن موقّت ، والبيع متعلق بزمان مستقبل. فإن هلك هذا الشي‌ء في يده في الشّهر لم يكن مضمونا عليه ، لأنّ صحيح الرّهن غير مضمون عليه فكيف بفاسده؟ وبعد الأجل فهو مضمون عليه ، لأنّه في يده بيع فاسد ، والبيع الصحيح والفاسد مضمون عليه إجماعا» (١) ولا يخفى صراحة الجملة الأخيرة في كون المقبوض بالبيع الفاسد مضمونا على القابض.

وقال أيضا في كتاب البيع ـ في حكم المقبوض بالعقد الفاسد ـ ما لفظه : «فإذا ثبت أنّ البيع فاسد ، نظر ، فإن كان المبيع قائما أخذه مالكه .. وإن كان تالفا كان له أن يطالب بقيمته كل واحد منهما ، لأنّ الأوّل لم يبرء بتسليمه إلى الثاني ، لأنّه سلّمه بغير إذن صاحبه ، والمشتري الثاني قبضه مضمون بالإجماع» (٢).

(٢) يعني : تبع الفقيه كاشف الغطاء ـ في شرح القواعد ـ شيخ الطائفة قدس‌سرهما في دعوى الإجماع صريحا على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد.

(٣) دلالة كلام ابن إدريس قدس‌سره على الإجماع من جهة أنه نسب إلى محصّلي الأحكام الشرعية ـ وهم الفقهاء ـ اتحاد المقبوض بالعقد الفاسد والمغصوب في الحكم بالضمان.

__________________

(١) المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٢ ، ص ٢٠٤.

(٢) المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٢ ، ص ١٥٠.

٨

الضمان» (١). وفي موضع آخر نسبه (١) إلى «أصحابنا» (٢).

ويدلّ عليه (٢) النبويّ المشهور «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (٣).

______________________________________________________

(١) نسبة الضمان إلى «أصحابنا» ظاهرة في الإجماع وإن لم تكن صريحة فيه ، قال في السرائر : «ومن ابتاع بيعا فاسدا ، فهلك المبيع في يده ، أو حدث فيه فساد كان ضامنا لقيمته أكثر ما كانت إلى يوم التلف والهلاك ، ولأرش ما نقص من قيمته بفساده ، لأنّه باق على ملك صاحبه ، ما انتقل عنه ، فهو عند أصحابنا بمنزلة الشي‌ء المغصوب ، إلّا في ارتفاع الإثم بإمساكه».

ب : الحديث النبوي «على اليد ..»

(٢) يعني : ويدلّ على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد ـ مضافا إلى تظافر نقل الإجماع عليه حديث «على اليد» وهذا هو الدليل الثاني. والاستدلال به يقع في مقامين أحدهما السند ، والآخر الدلالة. أمّا الأوّل فقد نبّه عليه المصنف قدس‌سره بتوصيف هذا النبوي ب «المشهور» ومقصوده : أنّ سنده وإن كان في غاية الضعف ـ بل من أردء الإسناد ، لكون راويه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو سمرة بن جندب لعنه الله ، وعناده للنبي وأهل بيته عليه‌السلام ووقوفه بوجهه في حديث نفي الضرر معلوم ، وكذلك افتراؤه واختلاق الأكاذيب عليه وحثّ الناس على قتال السبط الشهيد عليه‌السلام غير خفي على من راجع ترجمته ـ إلّا أن شهرة الحديث بين عامة الفقهاء وعملهم بمضمونه جابرة لضعف سنده ، بناء على ما هو الحق من عموم دليل حجيّة الخبر الواحد للوثوق الخبري ، وعدم اختصاصه بالوثوق المخبري.

__________________

(١) السرائر الحاوي ، ج ٢ ، ص ٢٨٥.

(٢) المصدر ، ص ٣٢٦.

(٣) عوالي اللئالي ، ج ١ ، ص ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦.

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فالغرض من «المشهور» هنا ليس مجرّد شهرة الرواية بين الأصحاب ، بل الشهرة العملية فإنّها الجابرة لضعف السند ، كما أنّ إعراضهم عن الرواية الصحيحة كاسر لصحتها. وقد نبّه المصنف على هذه الجهة في قاعدة ما يضمن بقوله : «وأمّا خبر اليد .. وسنده منجبرا» ومن المعلوم أنّ الجابر هو اشتهار الفتوى بمضمون الخبر. فلا وجه لطرحه بضعف رواته ـ بناء على كونه مسندا كما في كتب العامة وفي الخلاف ـ ولا بالإرسال.

وما في المتن من انجبار الضعف بالعمل ـ موافق لما عليه عدة من أساطين الفقه ، قال العلّامة الشيخ البلاغي قدس‌سره : «.. لكنّه قد شاعت روايته بين الفريقين ، وكثرت روايته والاعتماد عليه بين الأصحاب ، بل لم يخل من الاعتماد عليه في الاستدلال فيما رأيناه كتاب يتعرّض لمدارك الأحكام ، ووصفه في جامع الشتات بالمشهور المقبول ، بل ذكر في المضاربة وصفه بالرواية المجمع عليها. وكاشف الغطاء في شرح القواعد بالمستفيض المجمع على مضمونه. وفي الرياض بالمشهور المقبول. وفي غصب مفتاح الكرامة بالمشهور المعمول به في أبواب الفقه. وفي وديعة المقابيس بالقويّة المعروفة المجمع عليها. وفي العناوين بالمنجبر بالشّهرة المتلقّى بالقبول عند العامة والخاصة ، والملحق بالقطعيات في الصدور .. وفي الجواهر أنّه مجبور بالعمل» (١).

هذا بعض الكلام في سند الحديث ، وله تتمة تذكر في التعليقة إن شاء الله تعالى.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو دلالة النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد ـ فتوضيحه : أن هذه الجملة وإن كانت بظاهرها إخبارا عن كون الشي‌ء المأخوذ فوق يد الآخذ ، إلّا أنّ المناسب لشأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنشاء الحكم الشرعي ،

__________________

(١) العقود المفصلة ، المطبوعة مع تعليقة المكاسب ، ص ٢.

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

إمّا التكليفي كما نسب إلى جمع ، وإمّا الوضعي كما استظهره آخرون. ويتمّ ذلك ببيان أمرين :

الأوّل : أنّ المراد باليد ليس هو الجارحة الخاصة ، بل المراد صاحبها ، تسمية للكل باسم الجزء ، كما شاع تسمية الجاسوس عينا ، والترجمان لسانا ، والمستمع أذنا. وعليه فالمقصود باليد هو المستولي على الشي‌ء.

الثاني : أنّ المراد بالموصل هو الشي‌ء المأخوذ بما أنّه مال عرفا. ولمّا كان المال عينا خارجية كما هو الغالب ، أو ما بحكمها ـ كالمنفعة وبعض الحقوق ـ توقّف إسناد الحكم إليها على تقدير فعل مناسب يتعلّق بالمال ، كتقدير الأكل في حلية الطعام ، والشرب في حرمة الدم والخمر ، ونحوهما ممّا ورد في الكتاب والسّنة.

وفي هذا النبوي يدور الأمر بين إرادة التكليف والوضع. فعلى الأوّل إمّا أن يقدّر وجوب الرد والأداء بأن يكون المدلول : «يجب على ذي اليد أداء ما أخذه إلى مالكه» وإمّا أن يقدّر وجوب الحفظ ، بأن يكون المفاد : «يجب على ذي اليد حفظ ما أخذه إلى أن يؤدّيه إلى مالكه».

وعلى الثاني يكون معنى الجملة : «اليد الآخذة لمال الغير ضامنة له». ورجّح المصنف قدس‌سره هذا الاحتمال ، بدعوى ظهورها عرفا في الضمان ، من جهة إسناد الظرف إلى المال ، لا إلى سائر الأعيان والأفعال ، للفرق بين أن يقال : «لزيد عليّ دين» حيث لا يستفاد منه إلّا الإقرار بالدين واشتغال العهدة به ، وبين أن يقال : «كتب عليكم الحج أو الصوم» أو «حرّم عليكم الدّم» فإنّ الظرف ـ في المثال الأوّل ـ أسند إلى الفعل وهو الحج والصوم ، ولا يراد به إلّا الوجوب التكليفي ، وفي المثال الثاني أسند التحريم إلى عين خارجية ، وهو ظاهر في النهي عن الشرب والأكل.

والحاصل : أنّ ظهور الجملة في الحكم الوضعي ـ وهو الضمان ـ ممّا لا ينكر. وبه يتم الاستدلال بالنبوي على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد.

١١

والخدشة (١) في دلالته «بأنّ كلمة ـ على ـ ظاهرة في الحكم التكليفي ،

______________________________________________________

(١) ذكر هذه الخدشة في دلالة الحديث على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد شيخ الطائفة والعلامة والفاضل النراقي قدس‌سره حيث إنّهم استفادوا منه الحكم التكليفي لا الوضعي ، فالأوّلان ذهبا إلى أنّ مفاده وجوب ردّ المأخوذ ، والفاضل ذهب إلى أنّ مدلوله وجوب الحفظ عن التلف.

أمّا شيخ الطائفة قدس‌سره فيظهر منه ذلك في استدلاله بالنبوي على تحريم الغصب ووجوب ردّ المغصوب إلى مالكه. قال في غصب المبسوط بعد ذكر جملة من الآيات والروايات : «وروي عن الحسن عن سمرة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (١). وقال بعده : «فإذا غصب غاصب من هذا شيئا فإن كان قائما ردّه ، وإن كان تالفا فعليه مثله ، لقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٢)».

والظاهر أنه قدس‌سره استفاد من الحديث حكم بقاء العين المغصوبة ، فاستدلّ بالنبوي على وجود ردّها ، واستفاد وجوب ردّ المثل من الآية الشريفة.

وقال أيضا في الوديعة : «وإذا ثبت ذلك فالوديعة جائزة من الطرفين ، من جهة المودع متى شاء أن يستردّها فعل. ومن جهة المودع متى شاء أن يردّها فعل ، بدلالة ما تقدّم من الأخبار والآي. وروى سمرة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (٣). ومراده بالآيات والأخبار هو ما دلّ على وجوب ردّ الأمانات والودائع إلى أهلها ، فراجع.

وأمّا العلّامة قدس‌سره فقال في وجوب ردّ العين المغصوبة : «كلّ من غصب شيئا وجب عليه ردّه على المالك ، سواء طالب المالك بردّه أولا ، ما دامت العين باقية ،

__________________

(١) المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٣ ، ص ٥٩ و ٦٠.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٩٤.

(٣) المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٤ ، ص ١٣٢.

١٢

فلا يدلّ على الضّمان (١)» ضعيفة (٢) جدّا ،

______________________________________________________

بلا خلاف ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه» (١).

وقال في لقطة المختلف : «وقوله عليه‌السلام : على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه أوجب دفع العين» (٢).

وأمّا الفاضل النراقي قدس‌سره فقال ـ بعد المناقشة في استظهار كلّ من وجوب الأداء والضمان ـ ما لفظه : «فالأظهر تقدير الحفظ من الضياع والتلف ، أو نحوه .. فيكون معنى الحديث : يجب على ذي اليد حفظ ما أخذت إلى زمان أدائه ..» (٣).

وكيف كان فتقريب دلالة الحديث على مجرّد الحكم التكليفي ، واختصاص مدلوله بحال بقاء العين الواقعة تحت اليد هو : أنّ جعل شي‌ء على شخص ظاهر في التكليف ، كأن يقال : إذا بلغ الصغير فعليه الصوم والصلاة. فإنّ المراد بهذه العبارة هو الوجوب التكليفي. وعليه فلا يستفاد من الحديث النبوي حكم وضعي وهو استقرار المال المأخوذ في عهدة الآخذ حتى يجب عليه دفع المثل أو القيمة إذا تلف المال بيده.

(١) يعني : في مطلق موارد وضع اليد على مال الغير ، سواء في المقام وهو المقبوض بالبيع الفاسد ، أم غيره.

(٢) خبر قوله : «والخدشة» وتضعيف لها ، ومحصّله : أنّ ظهور «على» في التكليف مسلّم فيما إذا أسند حرف الاستعلاء إلى فعل كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، دون ما إذا أسند إلى مال من الأموال ، كقوله تعالى (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٤) فإنّه ظاهر حينئذ في استقرار النفقة على عهدة الوالد. وكذا الحال في الحديث النبوي ، إذ المراد بالموصول في «على اليد ما أخذت»

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٨٣ (الطبعة الحجرية).

(٢) مختلف الشيعة ، ج ٦ ، ص ٨٧.

(٣) عوائد الأيام ، ص ١١٠ ، العائدة الثالثة والثلاثون.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٣.

١٣

فإنّ (١) هذا الظهور إنّما هو إذا أسند الظرف إلى فعل (٢) من أفعال المكلّفين ، لا إلى مال من الأموال (٣) ، كما يقال (٤) : «عليه دين» فإنّ لفظة «على» حينئذ لمجرّد الاستقرار في العهدة (٥) ، عينا (٦) كان أو دينا (٧).

ومن هنا (٨) كان المتّجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير بل المجنون

______________________________________________________

هو المال ، فتكون عهدة المأخوذ على الآخذ ، فلو تلف ثبت بدله في ذمّته ، وهذا هو الضمان المبحوث عنه.

(١) هذا تقريب ضعف الخدشة ، وقد عرفته آنفا.

(٢) كالصلاة والصوم والزكاة والحجّ ونحوها من أفعال المكلّفين ، فإنّ إسناد «على» إلى الفعل ظاهر في التكليف.

(٣) كما في الحديث النبوي.

(٤) غرضه الاستشهاد بظهور إسناد حرف الاستعلاء إلى المال في استفادة الحكم الوضعي لا التكليف.

(٥) فيصح الاستدلال به على الضمان ، بناء على استقلال الأحكام الوضعية في الجعل ، وعدم انتزاعها من التكليف.

(٦) كما إذا كانت العين المأخوذة بالعقد الفاسد باقية لم يطرأ عليها التلف.

(٧) كما إذا تلفت العين ، أو كان المستقر في العهدة ـ من أوّل الأمر ـ دينا ، كالمبيع سلفا.

(٨) أي : ومن ظهور إسناد «على» إلى المال في الضمان ، يتجه الاستدلال بالنبوي المزبور على ضمان الصبي والمجنون كالبالغ والعاقل إذا كان لهما تميّز وشعور ، حيث إنّ الأخذ ظاهر في الإرادة والاختيار. فإن لم يكن لهما شعور لم يصدق «الأخذ» على فعلهما حتّى يصحّ الاستدلال به على الضمان. ولو كان مفاد الحديث الحكم التكليفي امتنع شموله للطفل والمجنون ، لحديث رفع القلم عنهما.

١٤

إذا لم تكن يدهما ضعيفة ، لعدم (١) التمييز [التميّز] والشعور.

______________________________________________________

(١) تعليل لتقييد ضمان الصبي والمجنون بعدم الضعف ، إذ لو كانت يدهما ضعيفة لم يصدق «الأخذ» على الاستيلاء على مال الغير ، وكان الحديث النبوي قاصرا عن إثبات ضمانهما حينئذ (*).

__________________

(*) تنقيح البحث في هذه المسألة المعروفة بالمقبوض بالعقد الفاسد يتوقف على بيان أمور :

الأوّل : في موضوعها ، وهو : أنّ مورد البحث على ما يستفاد من كلمات الأصحاب هو كون القبض بعنوان الوفاء بالعقد ومن لوازمه وآثاره. وعدم كونه بنفسه إنشاء للملك كالمعاطاة ، فإنّ الباء في قوله : «بالعقد الفاسد» للسببيّة ، فالقبض بعنوان الإنشاء خارج عن ظاهر كلامهم. إمّا لعدم سببيّة المعاطاة للملك عندهم ، وإمّا لعدم قصد المتعاقدين لها ، فمصبّ كلامهم هو القبض المترتب على العقد الفاسد ، ولذا قال في الجواهر : «نعم لو علم منهما ولو بالقرائن بعد ذكرهما العقد عدم إرادتهما ذلك ، بل قصد الإنشاء بتقابضهما وأرادا حصول الملك أو الإباحة جرى عليه حينئذ حكم المعاطاة ، وكان خارجا عمّا نحن فيه. وبذلك ظهر الفرق بين البيع الفاسد والمعاطاة. لكن قد عرفت سابقا أنّ قصد التملك العقدي غير مشخّص مع فرض تحقق البيع بالمعاطاة التي منها الصيغة الملحونة مثلا. على أنّ الأصحاب قد أطلقوا عدم الملك به وإن لم يكن قصد إلّا الى البيعية. فهذا شاهد على عدم صحة بيع المعاطاة عندهم. ومن هنا يتجه إطلاقهم عدم الملك» (١).

وأنت خبير بعدم شهادة إطلاق كلامهم عدم الملك بعدم صحة المعاطاة ، لتوقف هذه الشهادة على كون المعاطاة عبارة عن مطلق التقابض ولو كان حاصلا مع الصيغة الملحونة ونحوها من أفراد العقد الفاسد كما يراه الشهيد والمحقق الثانيان قدس‌سره. إذ على هذا الفرض يدلّ إطلاق كلامهم عدم الملك في المقبوض بالبيع الفاسد على عدم صحة

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٥٧.

١٥

.................................................................................................

__________________

المعاطاة ، حيث إنّها لو كانت صحيحة كانت مملّكة ، فيحصل الملك بها ، ولم يكن وجه لإطلاق القول بعدم الملك.

لكن المعلوم من كلماتهم أنّ المعاطاة عندهم عبارة عن التقابض الذي يكون آلة لإنشاء البيع ، سواء لم يكن لفظ في البين ، أم كان مع علم المتبايعين بفساده ، وإنشائهما البيع بالتعاطي مع الغضّ عن ذلك العقد الفاسد. وأمّا بدون إنشائهما البيع بالتقابض فلا يكون هنا معاطاة.

والحاصل : أنّ إطلاق كلامهم المزبور لا يدلّ على بطلان المعاطاة.

نعم يمكن أن تكون المعاطاة باطلة لفقدانها لبعض الشرائط ، لكنها لا تندرج تحت عنوان المقبوض بالعقد الفاسد. فالمراد هو المقبوض المترتب قبضه على البيع الفاسد ، لا المقبوض الذي نفس قبضه إنشاء للبيع.

نعم لا تختص الأحكام الآتية بالمقبوض بالعقد البيعي ، بل يعمّ المقبوض بكل عقد فاسد بيعا كان أم صلحا أم غيرهما. وقولهم : «لو قبض ما ابتاعه .. إلخ» إنّما هو لذكرهم هذه المسألة في كتاب البيع ، ولذا قالوا : «ما ابتاعه» وإلّا فالمناسب أن يقال : «لو قبض ما تملّكه أو أراد تملّكه بالعقد الفاسد».

فالمتحصل ممّا ذكرنا : عدم خصوصية بالبيع ، بل العنوان عام ، وهو المقبوض بالعقد الفاسد سواء أكان بيعا أم صلحا أم غيرهما.

الثاني : المراد بالمقبوض هو كون الشي‌ء تحت اليد والتصرف والاستيلاء ، بحيث لو ترتب عليه أثر كصحة عقد السلم والصرف والرّهن وغيرهما ممّا يتوقف عليه صحة العقد ، لترتّب عليه ، فالقبض هنا كالقبض في سائر الموارد.

والحاصل : أنّ المراد بالمقبوض معنى يصحّ الاستدلال على حكمه بقاعدة اليد الآتية.

الثالث : في الحكم المترتب على المقبوض بالعقد الفاسد ، وهو على قسمين تكليفي ووضعي.

١٦

.................................................................................................

__________________

أمّا الأوّل فحاصله : أنّ مقتضى القاعدة العقلية والنقلية حرمة التصرف وقبحه في المقبوض بالعقد الفاسد ، لإناطة جوازه بطيب نفس المالك ورضاه ، فيحرم على القابض التصرف فيه إلّا بإذن المالك ، والرّضا المعاوضي المتقوم بالعقد قد ارتفع ، فلا مسوّغ للتصرف ، إذ احتمال تجدّد الرضا ـ بعد ثبوت فساد العقد ـ منفي بالأصل وهو الاستصحاب. ولو نوقش فيه فلا مانع من جريان الاستصحاب الحكمي أعني به استصحاب الحرمة.

مضافا إلى كونه خلاف الفرض ، إذا الكلام في جواز التصرف في المقبوض لأجل الرضا المعاملي ، لا الرّضا الحادث بعد العلم بفساد العقد ، فإنّ الرضا الجديد غير محرز ، وهو منفيّ بالأصل.

فدعوى بقاء الاذن والرضا بالتصرف الذي كان في ضمن العقد ، لأنّ الجنس لا يتقوّم بفصل خاصّ ، غير مسموعة ، لأنّ الرضا ليس جنسا حتى يقال بعدم تقوّمه بفصل خاص ، بل هو أمر بسيط ما به امتيازه عين ما به اشتراكه.

والحاصل : أنّ التصرف في مال الغير حرام إلّا بطيب نفس المالك ورضاه ، ولا يجوز عقلا إلّا بعد إحراز الرضا ، هذا. فما عن المحقق الأردبيلي قدس‌سره من إباحة التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد مما لم يظهر له وجه (١).

وأمّا الثاني : وهو الحكم الوضعي أعني به الضّمان فيدلّ عليه ـ مضافا إلى الشهرة والإجماعات المحكيّة في المتن وغيره ـ «النبوي المشهور» كما في كلام المصنف وغيره ، و «المعمول به عند الفريقين» كما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدس‌سره (٢) ، وغيره من أساطين الفقه. وغرضهم من نحو هذا التعبير كفاية الوثوق الخبري في العمل بالحديث ، وهو متحقق في المقام ، وذلك لتماميّة أمرين :

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٩٢.

(٢) منية الطالب ، ج ١ ، ص ١١٦.

١٧

.................................................................................................

__________________

أحدهما : إحراز استناد المشهور إلى هذا النبوي والعمل بمضمونه ، وثانيهما : كون العمل برواية ضعيفة سندا جابرا لضعفها ، وإعراضهم عن رواية قويّة سندا كاسرا لصحتها وموهنا لاعتبارها. والأمر كما أفادوه.

تحقيق سند النبوي «على اليد»

لكن قد نوقش في كلا الأمرين ، أمّا في الكبرى فبمنع كون عمل المشهور جابرا ، وإعراضهم كاسرا ، كما تكرّر في كلمات بعض الأعاظم فقها وأصولا (١). وأمّا في الصغرى فلما في كلامه أيضا وكلام بعض الأجلّة من عدم إحراز عمل قدماء الأصحاب بهذا النبوي «فإنّ جمعا منهم لم يذكروه في كتبهم كما يظهر بمراجعة نكت النهاية والمقنع والهداية والمراسم والوسيلة وجواهر الفقه.

وجمعا منهم وإن أوردوا هذا الحديث في كتبهم كالسيدين وشيخ الطائفة ، بل وابن إدريس أيضا. إلّا أن الظاهر إيراده احتجاجا على المخالفين لا اعتمادا عليه. قال السيّد في الانتصار في مسألة ضمان الصّنّاع : «ومما يمكن أن يعارضوا به لأنّه موجود في رواياتهم وكتبهم ـ ما يروونه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قوله : على اليد ما أخذت حتى تؤديه» لظهور كلامه في الإيراد على المخالفين بما هو مسلّم عندهم ، ولا يستفاد منه استناد السيد إليه.

وقريب منه كلام السيّد أبي المكارم في غصب الغنية وإجارتها ، لقوله : «ويحتجّ على المخالف بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. إلخ».

وأورده شيخ الطائفة في غير مورد من الخلاف والمبسوط رواية واحتجاجا على القوم كما هو دأبه في كتابيه ، لا استنادا. ففي غصب الخلاف ، مسألة ٢٠ ، بعد عنوانها وذكر خلاف أبي حنيفة قال : «دليلنا أنه ثبت أنّ هذا الشي‌ء قبل التغيير كان ملكه ،

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٣ ، ص ٨٨ و ٨٩.

١٨

.................................................................................................

__________________

فمن ادّعى أنّه زال ملكه بعد التغيير فعليه الدلالة. وروى قتادة عن الحسن عن سمرة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : على اليد ما أخذت حتى تؤديه».

والظاهر أنّ مستنده هو الأصل خاصة. إذ لو كان مستنده هو الحديث لم يكن وقع للاستدلال بعدم الدليل على زوال ملكه ، وعليه فيكون إيراد الحديث لمحض الاحتجاج على أبي حنيفة.

نعم تمسّك به ابن إدريس في غصب السرائر ، ونسبه جزما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عدم عمله بالخبر الواحد ، ثم شاع الاستدلال به بين المتأخرين من زمن العلّامة. مع احتمال أن يكون ذكره احتجاجا عليهم كما يظهر من موضع آخر من غصب السرائر ، حيث قال : «ويحتجّ على المخالف بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : على اليد. وهذا يوجب حصول الاحتمال بأن سائر الموارد من قبيل الاحتجاج عليهم ، لا التمسك به ، وإن كان خلاف الظاهر.

ولم أر إلى الآن فيما حضرني من كتب العلّامة تمسّكه به لإثبات حكم ، وإنّما نقل عن ابن الجنيد وابن إدريس التمسك به على ما حكي. وحدوث الاشتهار بعده لا يفيد شيئا.

وعليه فالاعتماد على هذا الحديث مشكل ، وترك العمل به مشكل آخر ، مع جزم ابن إدريس بصدوره عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع طريقته في العمل بالأخبار. مع احتمال أن يكون ذلك لاجتهاد منه وقيام قرائن عنده ربما لا تفيدنا علما ولا عملا. واختلاف عبارات الحديث بحيث ربما يكشف عن تكرّره وتظافره واعتماد محققي أصحابنا من بعد ابن إدريس إلى عصرنا مع تورّعهم والتفاتهم الى ضعفه ، ولا بدّ من الجبر في مثله ، وهو لا يمكن إلّا باعتماد قدماء الأصحاب عليه ، مع إتقان متنه وفصاحته بما يورث قوّة الاحتمال بأنّه من كلمات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سمرة ولعلّ بناء العقلاء على مثله

١٩

.................................................................................................

__________________

مع تلك الشواهد لا يقصر عن العمل بخبر الثقة. لكن بعد اللتيّا والّتي في النفس تردد (١).

أقول : أمّا المناقشة في كبرى الجبر بالعمل فقد فرغنا من الجواب عنها بما علّقناه على بحث حجيّة الشهرة (٢) ، ومحصّله : أنّ عمل المشهور برواية ضعيفة مع تشتت آرائهم في حجية أخبار الآحاد ، وشدة ورعهم وعلمهم بضعف الراوي وخبثه يوجب الوثوق العقلائي بالصدور ، وهو المناط في سيرة العقلاء في العمل بالأخبار ، ولا مقيّد لها بالوثوق المخبري خاصة.

وأمّا المناقشة في الصغرى ـ بمعنى عدم إحراز استناد قدماء الأصحاب إلى هذا النبوي ـ فغير ظاهرة أيضا.

أمّا قوله : «والظاهر أنّ مستنده هو الأمر الأوّل .. إلخ» ففيه : أنّ كلمات قدماء الأصحاب ومتأخّريهم في مقام الاستدلال مشحونة بذكر الأصل والرواية والإجماع في عرض واحد ، فيقولون : «للأصل ولقول الصادق عليه‌السلام وللإجماع». مع أنّ الأصل ليس في رتبة الدليل ، فالشيخ في الخلاف يذكر الأصل وهو الاستصحاب بقوله : «دليلنا : أنّه ثبت أنّ هذا الشي‌ء قبل التغيير كان ملكه .. إلخ» ثم يعقّبه بحديث على اليد. وبقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحل مال امرء مسلم إلّا (بطيب من نفسه) عن طيب نفس منه». فهل يمكن التفكيك بين كلاميه قدس‌سره بأن يقال : إنّ الشيخ أورد الأوّل احتجاجا والثاني استنادا ، مع وحدة السياق ، وذكره لهما بعد قوله : «دليلنا» فإنّ هذه اللفظة قرينة واضحة على كون ما يذكر بعدها دليلا على الحكم ومستندا له. فإنّ الاحتجاج على الخصم وإلزامه بما ألزم به نفسه لا ينافي الاستناد. فظهور كلام الشيخ في الاستناد إلى كلا النبويّين ممّا لا ينبغي إنكاره.

__________________

(١) كتاب البيع ، ج ١ ، ص ٢٤٧ الى ٢٥٠.

(٢) منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٣٩٠.

٢٠