الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٤

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٦

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٢٧)

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ٢٢٤.

العرضة فعلة من العرض بمعنى المفعول ، والعرض للشيء هو اراءة لما يراد منه ويقصد كعرض المال للبيع وعرض البنت للنكاح ، وقد تأتي بمعنى المانع والعارض يقال عرض لي عارض واعترضني في كلامي ، او الهمة والحيلة في المصارعة.

وكل هذه الثلاثة تناسب النهي هنا ، فلا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم حلفا به في كل قليل وجليل (١) : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (٦٨ : ١٠) ـ

__________________

(١) اللام في «لايمانكم» في هذا الوجه لام العلة ، لسبب ايمانكم ، ان تصبح مانعة عن ان تبروا ... وفي الوجه الاول لام التعدية.

٧

(وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) (٥ : ٨٩) فان جعله تعالى عرضة للإيمان مهانة لساحة الربوبية وهو أن للحلّاف ، فلا يصدّق قوله بما يكثر من حلفه دونما داع ولا قلب واع.

إذا ف (أَنْ تَبَرُّوا ...) هي كغاية لذلك النهي ، لأن تبروا إلى الناس وتتقوا كل محظور وتصلحوا بين الناس ، حيث يصدقكم الناس حين تحترمون ساحة الربوبية إذ تجعلون الله عرضة لأيمانكم.

ام هي بتقدير النفي : ألّا تبروا ك (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) فلا تكثروا الحلف بالله في ترك هذه الخيرات كما كانوا يكثرون ، ومهما كان القليل من الحلف ايضا محظورا بهذا الصدد ، فالنهي هنا متجه إلى الإكثار كمرحلة اولى لترك هذه الجريمة النكراء : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً).

ثم ولا تجعلوا الله مانعا لأيمانكم بالله عن ان تبروا .. (١) إذ كانوا يحلفون بالله في ترك البر والتقوى والإصلاح بين الناس وما أشبه من معروف ليتخلصوا بذلك ـ كحيلة شرعية ـ عما يتوجب عليهم من معروف ، همة وحيلة في مصارعة الحياة ليكونوا في راحة ورحمة عن زحمة من مفروضات الحياة الجماعية ، كأن يحلف ألّا يكلم أخاه وما أشبه ذلك أو لا يكلم أمه (٢) فالله الذي يأمر بكل بر وتقوى وإصلاح بين الناس كيف يجعل باليمين به مانعا محتالا لترك هذه الخيرات الثلاث

__________________

(١) في تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام) في الآية قال : هو قول الرجل لا والله وبلى والله.

(٢) في تفسير العياشي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) في الآية : يعني ان الرجل ... وفيه ايضا عنهما (عليهما السلام) قالا : هو الرجل يصلح بين الرجلين فيحمل ما بينهما من الإثم والله يغفر له.

وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام) في الآية «إذا دعيت لتصلح بين اثنين فلا تقل علي يمين أن لا أفعل.»

٨

فانه من أحمق الحمق وأجهل الجهالة بالله ان يجعل عرضة لتلك الأيمان القاحلة الجاهلة.

هؤلاء الحماقى الأنكاد ، الجاعلون الله عرضة لأيمانهم ، حيث (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٦٣ : ٢) ـ (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٥٨ : ١٦).

وكما ان سبيل الله درجات فالصد عن سبيل الله ايضا دركات ، فمن يجعل الله عرضة لأيمانه صدا عن سبيل الله ، إيمانا بالله وتصديقا بشرعة الله (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).

ومن يجعله عرضة لأيمانه مانعا عن البر والتقوى والإصلاح بين الناس جهلا او جهالة أو علما ولكنه مؤمن ، فعليه ما عليه من عقوبة إن لم يتب.

ثم الحلف بالله ـ ككل ـ لا ينجز على الحالف أمرا غير صالح في شرعة الله كما الله لا ينجزه في شرعته ، فإنما الحلف على راجح صالح ليلتزم به إن أمكن ، فلا دور للحلف إلّا إيجاب الراجح في شرعة الله ، إذا لم يكن معسورا او محرجا ، ف «لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة الرحم ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها» (١) وقد كان الرجل يحلف عن الشيء من البر

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٦٨ ـ أخرج احمد وابو داود وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ... وفيه اخرج ابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حلف على يمين قطيعة رحم او معصية فبره ان يخث فيها ويرجع عن يمينه ، وفيه اخرج مالك ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خيره وفيه عن أبي موسى الاشعري قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله

٩

والتقوى والإصلاح بين الناس ألّا يفعله فنزلت الآية تنديدا به (١).

فهذه الآية تخطّئ فيما تخطّئ كلّ خطأ في الأيمان أيّا كان ، نهيا هنا عن أن يجعل الله عرضة لهذه الإيمان ، وفرضا في غيرها تحلّلها : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) (٦٦ : ٢) اللهم إلّا تحولا من فضيل إلى أفضل فانه أفضل ، ويحلّ تحلته دون فرض ، واما اليمين على الحرام او ترك الواجب او الالتزام بترك الراجح ، عالما او جاهلا فهي مرفوضة في شرعة الله فتحلّتها مفروضة.

وحتى إذا حلفت بالله ألّا تبرّ من لا يستحق البر كمن شارك في حادثه الإفك ، فعليك تحلّته إن تاب وكما كان من الخليفة أبي بكر بحق المسطح فانزل الله : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) فرجع ابو بكر عن يمينه.

اليمين الواجب تحلتها لا كفارة فيها إلا تحلتها ، واما الراجح فيكفر عنها في تحلتها ولا مؤاخذة فيها.

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ٢٢٥.

(بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) قد تعني الأيمان اللّاغية ، كأن تجعل الله عرضة

__________________

ـ وسلم): إني ان شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها ، وفيه اخرج النسائي وابن ماجة عن مالك الجشمي قال قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتيني ابن عمي فأحلف ان لا أعطيه ولا أصله قال كفر عن يمينك.

(١) المصدر اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله فنهى الله عن ذلك ، وفيه اخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية هو الرجل يحلف الا يصل رحمة ولا يصلح بين الناس فأنزل الله هذه الآية.

١٠

لأيمانك ومعرضا ، تقول ما لا تعقد عليه قلبك من قول : لا والله وبلى والله (١).

وأخرى لغو الأيمان ، كأن تحلف بترك الواجب او فعل الحرام ، او الالتزام بترك سنة شرعية ، وثالثة بإلغاء اليمين تحلة لها ، سواء أكانت التحلة مفروضة ام راجحة ام محرمة ، ورابعة أن يحلف على فعل او ترك مشروع ولا ينوى ما حلف فانه تعقيد لليمين.

ف «لا يؤاخذكم» في اللغو الأول لا تعني سلب المؤاخذة إطلاقا ، بل هي اصل المؤاخذة الواردة على «ما (كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) من الرين بما جعلتم الله عرضة لأيمانكم.

وهي في اللغو الثاني هي ، ولكن المؤاخذة بما كسبت قلوبكم فيه أقوى حيث الكسب فيه اشجى وهي في اللغو الثالث إذا كانت التحلة مفروضة في اليمين المرفوضة فلا مؤاخذة في تلك التحلة ، وانما (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) وفي الراجحة كذلك الأمر ، وفي المحرمة مؤاخذة في تحلتها ، ولكن المؤاخذة الأصيلة فيما يؤاخذ في حقل اللغو في الايمان هي (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) وفي اللغو الرابع كما في ما سوى الأول ، الكفارة لإطلاق «عقدتم» في آية المائدة.

__________________

(١)في الكافي عن مسعدة عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) قال : اللغو قول الرجل : لا والله وبلى والله ولا يعقد على شيء.

وفي الدر المنثور ١ : ٢٦٩ ـ اخرج جماعة عن عائشة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : هو كلام الرجل في يمينه كلا والله وبلى والله. وفيه اخرج ابن جرير عن الحسن قال : مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوم ينتصلون ومع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل من أصحابه فرمى رجل من القوم فقال أصبت اخطأت والله فقال الذي مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حنث الرجل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : كلّا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة.

١١

فالأيمان الصحيحة الصالحة هي واجبة الحفظ وفي تحلتها مؤاخذة وكفارة : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥ : ٨٩).

ف (بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) تعني العقد اللاغي كالأيمان اللاغية ، أو المتعلقة بغير الصالح ولا سيما ترك واجب او فعل محرم ، فكفارة اللغو هي ما ذكر في الآية ، وأما كفارة لغو اليمين الصحيح فقد تكون هي هيه ، توسيعا ل «اللغو (فِي أَيْمانِكُمْ) تاشيرا من (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) ان لا تلغوها ، فاللغو في الأيمان يشمل الثلاثة كلها.

ففي التحلة المفروضة كفارة كما في الظهار والإيلاء وما أشبه ، ولكن المهم في كل حقول اللغو في الإيمان هو «ما (كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) من ظلمة التخلف والعصيان ، فاللغو في الأيمان أيا كان لغو بساحة الربوبية ، عرضة له في أيمان ، او جنة بها عن واجبات الإيمان ، او تحلّة عن واجب الحفظ من الأيمان ، فانها ثالوث فيه سالوس القلوب ، ذهابا لعقليتها ، فهي كخشبة نحرت وبليت ، بعد ما كانت سلسلة منقادة.

فمكاسب القلوب سيئة وحسنة هي المحاور الأصيلة لكل الحسنات والسيئات ، حيث القلوب هي أئمة العقول والعقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة الحواس والحواس أئمة الأعضاء ، فهنالك تأثيرات متقابلة بين القلوب وسائر جنود الروح روحية وجسدية ، فحسنات الأقوال والأعمال والنيات وسائر الطويات ، كما السيئات ـ لها تأثيرات قوية على القلوب ، ثم القلوب لها أزمّة كل القوى خيّرة وشريرة ، فان كانت خيّرة بما كسبت فجنوده خيّرة ، وإن كانت

١٢

مظلمة شريرة فشريرة مظلمة.

ثم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) عن اللغو في أيمانك وما كسبت قلوبكم إن تبتم إليه واستغفرتم ، ولا ينافي غفره وحلمه كفارة اللغو في الايمان ، فانها من شروط الغفر.

والنهي عن جعل الله عرضة للايمان مما يدل على ألّا يمين إلّا بالله دون سواه قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من كان حالفا فليحلف بالله او فليصمت» (١) ف «لا أرى للرجل ان يحلف الا بالله» (٢) ف «إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه ان يقسموا إلا به» (٣).

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٢٢٦ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ٢٢٧.

الإيلاء قد يكون من «ألو» : اجتهد وبالغ ، وآخر من : ألى : قصر ، والائتلاء كما الإيلاء قد يعنيهما ، اجتهادا ومبالغة في التقصير ، وهكذا يكون الإيلاء من النساء اجتهادا ومبالغة بالحلف على التقصير في حقهن الأنثوي وهو الالتزام بترك مباضعتهن والابتعاد عنهن ، فأصل الترك تقصير ، والاجتهاد في الترك بحلف او سواه اجتهاد في التقصير.

وهو في الشرع بنفس المعنى إضافة إلى اشتراط كون زمنه اكثر من اربعة أشهر وإلا فيمين لا إيلاء ، وكون الزوجة دائمة لظاهر من (نِسائِهِمْ) ونص

__________________

(١) سنن البيهقي ١٠ : ٢٨.

(٢) هو صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): لا ارى ..(الوسائل كتاب الأيمان ب ٣٠.

(٣) هو صحيح محمد بن مسلم قلت لأبي جعفر (عليهما السلام) قول الله عز وجل : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) ـ (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) وما أشبه ذلك؟ فقال : ان الله ...(الكافي ٧ : ٤٤٩).

١٣

(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) (١) ثم ومدخولا بها (٢) إذ لو لم تكن مدخولا بها منذ العقد عليها لكانت بداية زمن الإيلاء ـ الأربعة أشهر ـ منذ العقد ، لا منذ الإيلاء ، وقد يوهن الشرط الثاني بعدم ذكر البداية هنا ، فللمدخول بها هي زمن الدخول ، ولغيرها زمن العقد ، وقد يقويه أن (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ليس إلا منذ الإيلاء وهو بعد العقد في الأكثرية الساحقة ، وقد يوهن مرة ثانية ان (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) هي الأمد الأقصى للسماح في ترك مضاجعة النساء ، فإن آلى بعد العقد دون فصل فاصل لكان أمره كمن يؤلي بعد الوطء بزمن بعد العقد وشرط آخر ان يكون بقصد الإضرار والا كان يمينا لا إيلاء.

ثم الإيلاء شرعا ان يقول : «والله لا أجامعك كذا وكذا والله لأغيضنك ثم يغاضبها فانه يتربص به اربعة أشهر»(٣).

فهو من الحلف المحرّم ـ لغوا في الأيمان ـ سواء أكان اقل من اربعة أشهر ام اكثر ، فانه في الأقل حلف على ترك الراجح وفي الأكثر على ترك الواجب ، ف (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) تسمح لهم ترك وطئ أزواجهم اربعة أشهر لأنه غير واجب فيها حلفوا ام لم يحلفوا ، فان زادوا على اربعة أشهر فليس لهم ذلك التربص ، فإما تحلة أيمانهم بكفارة مقررة في آية المائدة ، او الطلاق.

«من نسائهم» هنا ظاهرة في الدائمات ثم (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) نص

__________________

(١) كما في صحيح ابن أبي يعفور : «لا إيلاء على الرجل من المرأة التي تمتع بها» (التهذيب ٨ : ٨).

(٢) يدل على شرط الدخول صحيح ابن مسلم عن أحدهما في غير المدخول بها لا يقع إيلاء ولا ظهار(الوسائل ب ٨ من كتاب الظهار ح ٢).

(٣) الوسائل ب ١ من أبواب الإيلاء ح ١.

١٤

فيهن فلا تشمل سائر الحليلات ، مهما كان ايلاءهن محرما من جهات أخرى ، ولكن لا كفارة فيها ولا حمل على الوطي فيما زاد على اربعة أشهر ، ثم كما أن هذه الدائمة ليس لها قول ولا حق في الأربعة أشهر ولا اثم عليه في الكف عنها في الأربعة أشهر ، فان مضت الأربعة أشهر قبل ان يمسها فما سكتت ورضيت فهو في حل وسعة ، فان رفعت أمرها قيل له : إما ان تفئ فتمسها واما ان تطلق وعزم الطلاق ان يخلي عنها فإذا حاضت وطهرت طلقها وهو أحق برجعتها ما لم يمض ثلاثة قروء فهذا الإيلاء الذي انزل الله في كتابه وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (١).

وثم «للذين» المسامحة لهم تربص أربعة أشهر ينتهي أمدها عند مختتم الأربعة فإما أن يجبر على الوقاع أن تمكن ، او يطلق ، ام يطلق عنه الإمام ، فان حق الزوجة لا تفوت بتفويت الزوج ، فإن أعطاها إياه باختياره أو طلقها ، وإلّا فليعط غصبا عليه ام يحمل على الطلاق او يطلّق عنه فإن آخر الدواء الكيّ.

(فَإِنْ فاؤُ) فيئا إلى الله عما عصوه بالإيلاء ، وفيئا إلى نسائهم بالمقاربة منذ الأربعة ان استطاعوا (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ولكن غفره ورحمته هنا لا يستوجبان الغفر عن الكفارة المصرحة بها في آية المائدة : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ ..) ، اللهم إلّا ان يعني اللغو في الأيمان فيها الأيمان الصالحة الملغاة ،

__________________

(١) هو الصحيح في الكافي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) انهما قالا : إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها ... وفيه عن الصادق (عليه السلام) في حديث : والإيلاء ان يقول : والله لا أجامعك كذا وكذا او يقول : والله لأغيضنك ثم يغاضها.

وفي تفسير القمي حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «الإيلاء هو ان يحلف الرجل على امرأته ان لا يجامعها فان صبرت عليه فلها ان تصبر وان رافعته إلى الامام انظره اربعة أشهر ثم يقول له بعد ذلك اما ان ترجع إلى المناكحة واما ان تعلق فان أبى حبسه أبدا».

١٥

ولكن الإطلاق تقضي بالكفارة اللهم الا في الأيمان اللاغية ، أترى إن فاء قبل الأربعة تبتت الكفارة كما بعد الأربعة؟ ظاهر آية المائدة نعم ، اللهم إلا ان تعني (فَإِنْ فاؤُ) بعد الأربعة ، ولكنها رجوع عما آلى بصورة طليقة ، وان كان لاحتمال الإختصاص مجال.

(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وترى العزم على الطلاق فيه لفظ حتى يناسبه (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) ام هو بنفسه الطلاق دليلا على عدم لزوم الصيغة فالعزم كاف فيه؟ (عَزَمُوا الطَّلاقَ) ليس إلا عزما للطلاق دون نفسه ، والا كان التعبير «فان طلقوا» ثم «سميع» هو للطلاق المعزوم عند وقوعه ، وعلّ «عزموا» هنا دون «طلقوا» لأن من شرط الطلاق ان يكون في طهر لم يواقع فيه ، لا في حيض ولا في طهر المواقعة ، فكان ولا بد من (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) ثم (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) دليل على واجب الصيغة في الطلاق دون مجرد العزم هنا (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) يشعر بمدى اهمية حق الزوجة في حقل الممارسة الجنسية فضلا عما سواها من اركان العيشة الزوجية.

فهناك حالات نفسية تلم بنفوس بعض الأزواج بسبب من أسبابها تدفعهم إلى جفوة بحق أزواجهم ومنها الإيلاء ، ولا يجوز ترك المقاربة اكثر من اربعة أشهر بإيلاء وغير إيلاء إلّا بحق الناشزة : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ..) ام إذا كانت المواقعة فيها مضرة على الزوجين او أحدهما ام على الجنين.

فهجران الزوجة دون مبرر شرعي فيه ما فيه من إيذاء على الزوجة نفسيا وعصبيا ، وإهدار لكرامتها كأنثى وتعطيل للحياة الزوجية في أهم صلاتها ، جفوة جافة تمزّق أوصال العشرة وتحطّم بنيان الأسرة حين تطول عن أمد معقول محمول.

١٦

وقد قرر الله حدا أقصى لاحتمال تصبر الأنثى على ترك الممارسة الجنسية وهو أربعة أشهر ، كما وهي الحد الأقصى للعدة وهي عدة الوفاة (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) اللهم إلّا عدة الحمل الأطول قضية ضرورة الحفاظ على الأهم وهو امانة الجنين عن الخلط.

فالأربعة إذا هي أقصى مدى الاحتمال لقبيل الأنثى (١) نوعيّا وإلّا لزاد فيها او نقص عنها ، رعاية للحفاظ على الكرامة الأنثوية ، وكيلا تفسد المرأة فتتطلّع تحت ضغط الحاجة الفطرية إلى غير رجلها الذي هجرها ، ولذلك (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فقط ، ومن ثم إما الفيء أم الطلاق لتستمتع هي بحياة زوجية أخرى ، دون أن يفرض عليها الحرمان رغم أنفها لمجرد تهوّس رجولي قاحل جاهل بحقها.

وقد تلمح «للذين ..» ان ليس لمن سواهم ذلك التربص إلّا ان تقدر الزوجة ان تصبر على الشبق دونما إرهاق ، حيث الحياة الأليفة الزوجية لا تسمح بأي إرهاق فضلا عما فيه إزهاق وإدماغ بحق الأسيرة المسكينة.

وما أحراه قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مضاجعة الحليلة ان «في مباضعتك أهلك صدقة (٢) رغم أنها قضاء للشهوة».

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢١٩ عن العلل باسناده إلى أبي خالد الهيثم قال سألت أبا الحسن الثاني (عليه السلام) في حديث علة العدد «فأما ما شرط لهن فانه جعل لهن في الإيلاء اربعة أشهر لأنه علم ان ذلك غاية صبر النساء ...».

(٢) الدر المنثور ١ : ٢٧٤ ـ اخرج البيهقي في الشعب عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذهب الأغنياء بالأجر ، قال : ألستم تصلون وتصومون وتجاهدون؟ قلت : بلى وهم يفعلون كما نفعل يصلون ويصومون ويجاهدون ويتصدقون ولا نتصدق ، قال : ان فيك صدقة وفي فضل سمعك على الذي لا يسمع تعبر عن حاجته صدقة وفي فضل بصرك على الضرير تهديه إلى الطريق صدقة وفي فضل قوتك على الضعيف تعينه صدقة وفي إماطتك الأذى عن الطريق ـ

١٧

ويستفاد من «من نساءهم» أنهن المدخول بهن انصرافا إليهن ، ثم (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) هي الحد الفاصل بين عمل الجنس لحد أقصى ، فبداية الأربعة هي عمل الجنس الأول ، دون زمن الإيلاء ولا العقد ، حيث الفصل بين العقد وعملية الزواج في عرف المتشرعة جار سار ، فهل يصح أنه ترك وطئ زوجته أربعة أشهر ثم يؤلي منها في اليوم الأخير منها ثم له تربص أربعة أشهر أخرى بعد الأولى ، والأربعة هي أقصى زمن لسماح ترك مضاجعتهن؟!.

ويشترط في الإيلاء أن تكون المدة المقررة فيه أكثر من أربعة أشهر ، فان (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) وليس سماح التربص فيها سنة الإيلاء ، ثم «فان فاءوا» لا تختص بالفيء بعد الأربعة ، بل يعمه والفيء بعد الإيلاء ضمن الأربعة ثم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) غفر لذنب الإيلاء إن فاء في الأربعة ـ ذنب في بعد واحد هو الإيلاء ، وإن فاء في الأربعة فالغفر عن ذنبي الإيلاء والتأخير عن الأربعة ، وليس على أية حال غفرا عن واجب الكفارة.

__________________

ـ صدقة وفي مباضعتك أهلك صدقة ، قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر؟ قال : أرأيت لو جعلته في غير حلّة أكان عليك وزر؟ قلت : نعم قال : «أتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير» وفيه اخرج البيهقي عن أبي ذر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ولك في جماعك زوجتك أجر ، قلت كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ قال : أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره ثم مات أكنت تحتسبه؟ قلت : نعم ، قال : فأنت خلقته؟ قلت : بل الله ، قال : أفأنت هديته؟ قلت : بل الله هداه ، قال : أفأنت كنت ترزقه؟ قلت : بل الله يرزقه ، قال : فكذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه فأن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر.

وفيه اخرج ابن السني وابو نعيم معا في الطب النبوي والبيهقي في شعب الايمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيعجز أحدكم ان يجامع اهله في كل يوم جمعة فان له أجرين اثنين غسله وغسل امرأته.

١٨

ثم (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) تحديد فيه تهديد الزوج ، إذا فهي الحد الأعلى من سماح التربص إذا فقد يظهر من (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ان البداية هي منذ الوطء او العقد ، فان كان تاركا وطئها اربعة فلا دور ل (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) أخرى ، فانما هي كل زمن التربص.

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨) الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها

١٩

فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢٣٢)

٢٠