الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٤

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٦

تساوي الحقوق بأي مجال ، وليس تفضيل الرجال على النساء في بعض الحقوق أجرا لفضل الرجولة ، كما وليس تفضيل النساء على الرجال في بعض آخر لفضل الأنوثة ، وإنما لكلّ حق كما عليه في واجبات الزوجية كما تتطلبه العدالة والحكمة ، ولا تعني مماثلة الحقوق بينهما تماثلا في المادة والصورة ، بل تماثلا في ميزان العدل يناسب كلّا بوظائفه وقابلياته وفاعلياته.

فكما ان البعولة أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ، كذلك الزوجات هن أحق برد أنفسهن في ذلك وعدمه ان لم يريدوا إصلاحا.

وكما عليهم إذا ردوهن الإصلاح ، كذلك عليهن الإصلاح ، تصالحا من الجانبين حتى يتحقق حق الإصلاح في هذا البين ، تحكيما لعرى الحب والوداد في بيت الزوجية الحنونة (١).

وكما على المطلقات أن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء حفاظا على حقوق بعولتهن ، كذلك على المطلّقين تربص الإصلاح تفكيرا دائبا لردهن صالحا إلى حقل الزوجية دون إحراج ولا إخراج ، وكما (لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) كذلك لا يحل لهم مضارتهن حالة العدة ام مضارة بردهن دون إصلاح.

وهكذا الأمر في كل ما لهن وعليهن وما لهم وعليهم في ذلك المثلث من حالات الزوجية سلبية وإيجابية ، المقررة في شرعة الله ، وكما قررها الكتاب والسنة المباركة الإسلامية في كافة المجالات الثلاث من الصلات والمواصلات أو المفاصلات (٢).

__________________

(١) راجع تفسير آية الطلاق ج ٢٨ الفرقان ص ٤٠١ ـ ٤٠٢.

(٢) ففي الدر المنثور ١ : ٢٧٦ ـ أخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ألا ان لكم على نساءكم حقا ولنسائكم ـ

٤١

ف «بالمعروف» معرّفا تعني المعروف من العشرة الواجبة ، المكتوب في كتاب التكوين : فطرة وعقلية انسانية سليمة ، وفي كتاب التشريع حيث يعرفنا ربنا تكملة المعروف فطريا وعقليا ، فمثلت المعروف بدرجاته ، هو المعروف لنا من «بالمعروف» دون الأعراف المتخلفة عن شرعة الإنسانية السليمة ، المفرطة في تلك العشرة والمفرّطة!.

ولقد شرحنا القول في قوامية الرجال على النساء على ضوء آيتها في النساء بما يعرفنا ان ليست القوامية فضيلة يتفرعن بها الرجال استبدادا على النساء ، بل هي حمل وعبء يثقل على كواهل الرجال ـ كما على النساء ـ إحقاق حقوق

__________________

ـ عليكم حقا فأما حقكم على نساءكم فلا يوطن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون ، ألا وحقهن عليكم ان تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن.

وفيه اخرج احمد وابو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري انه سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما حق المرأة على الزوج؟ قال : ان تطعمها إذا طعمت وان تكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت.

أقول : فكل ما يروى خلاف المماثلة المفروضة لهما وعليهما يعرض عرض الحائط كما في الصحيح عنمحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهما السلام) انه قال : جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على الزوجة؟ فقال لها : تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدقن من بيتها إلا باذنه ولا تصوم تطوعا إلّا باذنه ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها ألا باذنه فان خرجت بغير اذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها ، فقالت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أعظم الناس حقا على الرجل؟ قال : والداه ، قالت : فمن أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال : زوجها قالت : فما لي من الحق عليه بمثل ما له عليّ؟ قال : لا ولا من كل مأة واحدة فقالت : والذي بعثك بالحق نبيا لا يملك رقبتي رجل ابدا.(الفقيه ٣ : ٢٧٦ والمجمع ١ : ٣٢٧ والكافي ٣ : ٦٠) أقول : والذي بعثه بالحق ان هذا الا اختلافا عليه وفرية فانه خلاف نص الآية (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

٤٢

الولاية في الجانبين ، فعلى كلّ بما عنده من طاقة نفسية وبدنية أمّاهيه ان يجاهد في سبيل إصلاح الآخر وصلاحه بصورة مماثلة ، فمثلا على ذلك قضاء الشهوة الجنسية حيث قضى الله بواقع المماثلة بينهما كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا جامع أحدكم أهله فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها كما يحب أن يقضي حاجته» (١) وكذلك سائر الحاجيات المشتركة في حقل الزوجية حتى الزينة المحللة المناسبة لكلّ قدر المستطاع والحاجة المتعوّدة (٢).

(وَاللهُ عَزِيزٌ) فيما قدر وأمر «حكيم» فيما امر وقدر ، فبعزته وحكمته أمر ما أمر قدّر ما قدر.

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ٢٢٩.

لقد كان الطلاق قبل نزول آية الطلاق هذه غير محدد بحدّ ولا معدود بعدّ ، مما يحير الزوجة المظلومة ، فكان للرجل ان يراجع مطلقته في عدتها ثم يطلقها ويراجعها لغير ما حدّ ، فتطلّب الجو المحرج نزول حكم يحكم ، آخذا بحكمة الرجال بحكمة الطلاق ، محددا حريتهم لحد المصلحة المشتركة بينهم

__________________

(١) المصدر اخرج ابن عدى عن قيس بن طلق عن أبيه ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ... وفيه اخرج عبد الرزاق وابو يعلى عن أنس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها فان سبقها فلا يعجلها ـ ولقط عبد الرزاق ـ : فان قضى حاجته ولم تقض فلا يعجلها.

(٢) المصدر عن ابن عباس قال : إني لأحب ان أتزين للمرأة كما أحب ان تتزين المرأة لي لان الله يقول : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وما أحب ان استوفي جميع حقي عليها لأن الله يقول : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).

٤٣

وبين أزواجهم (١) فنزلت هذه الآية بما لها من أبعاد شاسعة عميقة المدى ، بالغة الصدى ، كاملة الهدى.

وترى «الطلاق» هنا تعم كل طلاق رجعيا وبائنا؟ وجو نزول الآية كرات الرجعات ، وقد سبقتها آية المطلقات ، الخاصة بالرجعيات.

أم تراه خاصا بالرجعيات لذلك؟ وليس مورد النزول ، ولا سابقة الرجعيات ، بالتي تخصص الآية الطليقة في (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) بالرجعيات ثم (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) ليست لتختص بإمساك الرجعة في العدة ، بل والرجعة بعقد جديد ايضا بعد مضي العدة ، فالإمساك أعم من ردهن وبالرجعة إليهن ، ومن عقد جديد عليهن ، لأنه إمساك بحالة الزوجية الأولى دون ان تنتقل إلى زوجية ثانية أمّاهيه من حرية ، فلو كان القصد هنا إلى خصوص الرجعيات ، ام وخصوص الرجعة إليهن في العدة ، لكان صحيح التعبير ما مضى من «ردهن» او الرجوع إليهن ، والإمساك أعم من ذلك ومن عقد جديد.

فالقصد من «الطلاق» هنا هو الذي يصح بعده الرجوع في عدة كالرجعية أم بعدها بعقد جديد بائنة او رجعية ، ثم لا إمساك بعد الثالث برجوع في العدة أم بعقد جديد بعدها.

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٧٧ ـ أخرج الترمذي وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق هشام بن عروة عن أبيه ان عائشة قالت كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء الله ان يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وان طلقها مائة مرة او اكثر حتى قال رجل لامرأته والله لا أطلقك فتبيني ولا آويك ابدا ، قالت وكيف ذلك؟ قال : أطلقك فكلما همت عدتك ان تنقضي راجعتك فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عاشة حتى جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نزل القرآن (الطَّلاقُ مَرَّتانِ ...) قالت عائشة : فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا من كان طلق ومن لم يطلق.

٤٤

إذا ف «الطلاق» بائنا ورجعيا يشمله الإطلاق ، كما والرجعي أعم مما يرجع في العدة ام بعقد جديد بعدها ، وهذه الثلاثة ايضا أعم من ان يجامع بعد الرجعة او العقد الجديد ام لا يجامع ، فالآية طليقة بالنسبة لكل قيد لم يذكر هنا ، اللهم إلّا أن تقيد بآية أخرى أم سنة ثابتة مقبولة.

فالصحيحان المتعارضان في اشتراط الدخول في تحريم الطلقة الثالثة معروضان على اطلاق الآية الطليقة بالنسبة لذلك الشرط وسواه (١) كما المتعارضان في اشتراط الرجوع في العدة لتحريم الثالثة (٢) ، معروضان على

__________________

(١) من الصحاح الموافقة لإطلاق الآية صحيحة عبد الحميد ومحمد بن مسلم سألا أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل طلق امرأته واشهد على الرجعة ولم يجامع ثم طلق في طهر آخر على السنة ثبتت التطليقة الثانية بغير جماع؟ قال : «نعم إذا هو اشهد على الرجعة ولم يجامع كانت الطلقة ثابتة» (التهذيب ٣ : ٢٦٢ والاستبصار ٣ : ٢٨١) وصحيحة البزنطي سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته بشاهدين ثم راجعها ولم يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ثم طلقها على طهر بشاهدين أيقع عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يجامعها؟ قال : نعم (المصدر) ، وموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) قلت له: رجل طلق امرأته ثم راجعها بشهود ثم طلقها ثم بدا له فراجعها بشهود ثم طلقها فراجعها بشهود تبين منه؟ قال : نعم ، قلت : كل ذلك في طهر واحد؟ قال : تبين منه. وفي الدر المنثور ١ : ٢٨٠ ـ اخرج البيهقي عن الحسن قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): طلاق التي لم يدخل بها واحدة ومما يخالفها ويخالف اطلاق الآية موثقة إسحاق بن عمار عن أبي ابراهيم (عليه السلام) سألته عن رجل يطلق امرأته في طهر من غير جماع ثم يراجعها في يومه ذلك ثم يطلقها أتبين منه بثلاث تطليقات في طهر واحد؟ فقال : خالف السنة قلت : فليس ينبغي له إذا هو راجعها ان يطلقها الا في طهر آخر؟ قال : نعم ، قلت : حتى يجامع؟ قال : نعم الكافي ٦ : ٧٤) أقول : وفي معناها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما في الكافي ٦ : ٦٦ والتهذيب ٣ : ٢٥٧ والاستبصار ٣ : ٢٦٨).

ثم أقول هذان المتخالفان متساقطان أوّلا ، ثم يرجح الاول بموافقة الاول اطلاق الآية.

(٢) الصحيح الموافق لإطلاق الآية ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال ـ

٤٥

اطلاق الآية المؤيدة لعدم هذا الاشتراط ، فالأشبه انه لا يهدم استيفاء العدة تحريم الثلاثة كما لا يهدمها عدم المواقعة.

ثم (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) تصريحة باثنين من الثلاث ، ومن ثم (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) تصريح بالثالث (١) ، بفارق انه البينونة الوسطى التي لا تعالج (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) وهو في الأولين بينونة صغرى تزول بالرجوع إليها دون عقد

__________________

ـ امير المؤمنين (عليه السلام) إذا أراد الرجل الطلاق طلقها في قبل عدتها بغير جماع فإنه إذا طلقها واحدة ثم تركها حتى يخلو أجلها إن شاء أن يخطب مع الخطاب فعل فان راجعها قبل ان يخلو أجلها او بعده كانت عنده على تطليقة ، فان طلقها الثانية ايضا فشاء ان يخطبها مع الخطاب ان كان تركها حتى يخلو أجلها وان شاء راجعها قبل ان ينقضي أجلها فان فعل فهي عنده على تطليقتين فان طلقها الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وهي ترث وتورث ما كانت في الدم من التطليقتين الأولتين (التهذيب ٣ : ٢٥٨ والكافي ٦ : ٦٩ واللفظ له) ورواه مثله في الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبي جعفر (عليهما السلام) (الكافي ٦ : ٧٦ والتهذيب ٢ : ٢٥٩) والصحيح المعارض ما رواه ابن بكير عن زرارة سمعت أبا جعفر (عليهما السلام) يقول : الطلاق الذي يحبه الله تعالى والذي يطلقه الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل ان يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وارادة من القلب ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء فإذا رأت الدم في أول قطرة من الثالثة وهو آخر قرء لان الأقراء هي الإظهار فقد بانت منه وهي املك بنفسها فان شاءت تزوجت وحلت له بلا زوج فان فعل هذا بها مأة مرة هدم ما قبله وحلت بلا زوج وان راجعها قبل ان تملك نفسها ثم طلقها ثلاث مرات يراجعها ويطلقها لم تحل له الا بزوج.(التهذيب ٣ : ٢٥٩) وحكى عن ابن سماعة ان الحسين بن هاشم سأل ابن بكير هل سمعت فيما ذكرته شيئا؟ فقال : رواية رفاعة روى إذا دخل بينهما زوج فقال : الزوج وغير الزوج عندي سواء فقال له : هل سمعت في هذا شيئا؟ فقال : لا هذا مما رزق الله من الرأي (الكافي ٦ : ٧٨) أقول : ولذا قال سماعة وليس لأحد ان يأخذ بقول ابن بكير فان الرواية «إذا كان بينهما زوج» ويقرب منه المحكي عن ابن المغيرة.

(١) الدر المنثور ١ : ٢٧٧ اخرج جماعة عن أبي رزين الأسدي قال قال رجل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرأيت قول الله عز وجل : الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ قال : التسريح بإحسان.

٤٦

جديد في العدة الرجعية وبعقد جديد بعدها وبعد البائن ، وكما التاسع بمحللين بينونة كبرى حيث تحرم ابدا ، ففي الطلاق بينونات بين زائلة بالرجوع ام بعقد جديد وهي البينونة الصغرى ام بعد محلّل وهي الوسطى او غير زائلة ابدا كالتاسع بشروطه فانه من المحرّمات الأبدية فهي البينونة الكبرى.

إذا ف «الطلاق» الذي يصح فيه الرجوع بلا محلّل «مرتان» دون مطلق الطلاق حيث الثالث مسموح فيه كما الأولان ، وقد تعني «الطلاق» هنا الرجعي منه فلا رجعة في الثالث ، وصحة الرجوع حسب اطلاق «الطلاق» تعم الرجعي بحاليته والبائن الذي فيه رجوع ام بعقد جديد ، ثم الثالث المعبر عنه ب (تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) فيه البينونة الوسطى ، إذ لم يكن في الصغرى تسريح طليق ، لجواز الرجوع بشروطه دون محلل ، ولكنها بعد الثالث مسرّحة مطلقة «لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره».

وهل يصح او يعقل إجراء الطلقات الثلاث لوقت واحد وبصيغة واحدة دون أية رجعة؟ إن الطلاق ـ وهو فراق عن نكاح ـ ليس له معنى ولا واقع إلّا عن نكاح ، فكما لا يعقل تطليق الأجنبية ، كذلك تطليق المطلّقة مهما كان بصيغة بعد أخرى ك : أنت طالق ـ أنت طالق ـ أنت طالق ، حيث الثاني تطليق للمطلقة والثالث مثله وأبعد.

ذلك ، فضلا عن الطلقات الثلاث بصيغة واحدة ك : «أنت طالق ثلاثا» فالطلقات الثلاث مستحيلة في بعديها عقليا ، فضلا عن صحتها شرعيا ، فهل يمكن فصل المفصول مرة أخرى وثالثة دونما وصل بعد كل فصل ، حتى يمكن فصله مرات عدة بصيغة مثلثة الجهات ك : «أنت طالق ثلاثا» ولئن قلت ان الطلاق الأول فك ناقص والثاني فك أكثر والثالث فك بات ، فليس الطلاق بعد الطلاق من فك المفكوك؟ قلنا انه على اختصاصه بالطلقات المتتابعة

٤٧

بصيغ ثلاث ، إن الثاني لا يفك اكثر من الأول ، حيث السماح في الرجعة مشترك بينهما ، فهو إذا من فك المفكوك ، والثالث كالثاني ليس فكا قاطعا فإنه كالثاني ، فالثلاث إذا واحدة ، وأما الثلاث بصيغة واحدة فواضح الاستحالة في بعدين ثانيهما انه ثلاث فكّات في آن واحد! ثم وهل تبرئ ذمتك عن مائة دينار إذا أعطيت دينارا واحدا بقولك أعطيتك دينارا مائة مرة ، ام تصلي صلاة الفجر قضاء عما فاتك قائلا مائة مرة ، فتجزئك عن مائة فائته؟ فليس لمجرد العدد عديد المعدود ما لم يتعدد فيما يمكن عديده ، ولا يعمل اللفظ إنشاء او إخبارا ، لمرة واحدة ، إلا عملا واحدا ، بل ولا لمرات كالطلقات المتتابعة دون رجعة فاصلة ، ثم وحتى لو أمكنت الطلقات الثلاث بصيغة واحدة ، لما أمكنت في الشرع حيث (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) والمرات الثلاث لا تقبل المرة الواحدة ، فلا تحمل الواحدة ثلاثا ، وكما لا يكون الثلاث مرة ، الا في العقلية الكنسية الثالوثية.

ثم السنة القاطعة الإسلامية تخطّئ هذه الهرطقة الجاهلة العمياء وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (١) وأئمة اهل بيته (عليهم

__________________

(١) هنا تنقل اضافة إلى ما سلف عن الدر المنثور ١ : ٢٧٩ ففيه اخرج عبد الرزاق وابو داود والبيهقي عن ابن عباس قال : طلق عبد يزيد ابو ركانة ام ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت ما يغني عني الا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه فأخذت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حمية فدعا بركانة واخوته ثم قال لجلسائه أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلان منه كذا وكذا؟ قالوا : نعم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعبد يزيد طلقها ففعل ، قال : راجع امرأتك ام ركانة فقال : إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله ، قال : قد علمت ارجعها وتلى : يا ايها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن. وفيه اخرج البيهقي عن ابن عباس قال : طلق ركانة امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف طلقتها؟ قال : طلقتها ثلاثا ـ

٤٨

__________________

ـ في مجلس واحد؟ قال ، نعم فانما تلك واحدة فارجعها ان شئت وفيه اخرج ابو داود عن ابن عباس قال : إذا قال : أنت طالق ثلاثا بفم واحدة فهي واحدة. وفيه أخرج الحاكم وصححه عن ابن أبي مليكة أن أبا الجوزاء أتى ابن عباس فقال : أتعلم أن ثلاثا كن يرددن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى واحدة؟ قال : نعم.

وفيه اخرج ابن عدي والبيهقي عن الأعمش قال بان بالكوفة شيخ يقول سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فانه يرد إلى واحدة والناس عنقا واحدا إذ ذاك يأتونه ويسمعون منه قال فأتيته فقرعت عليه الباب فخرج إلى شيخ فقلت له : كيف سمعت علي بن أبي طالب يقول فيمن طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد؟ قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فانه يرد إلى واحدة ، قال : فقلت له إني سمعت هذا من علي قال اخرج إلي كتابا فاخرج فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم قال سمعت علي بن أبي طالب يقول : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، قلت : ويحك هذا غير الذي تقول : قال : الصحيح هو هذا ولكن هؤلاء أرادوني على ذلك.

وفيه اخرج البيهقي عن مسلمة بن جعفر الأحمس قال قلت لجعفر بن محمد (عليهما السلام): يزعمون ان من طلق ثلاثا بجهالة رد إلى السنة يجعلونه واحدة يروونها عنكم؟ قال : «معاذ الله ما هذا من قولنا من طلق ثلاثا فهو كما قال» وفيه البيهقي عن بسام الصيرفي قال سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول : «من طلق امرأته ثلاثا بجهالة او علم فقد برئت منه» وفيه اخرج ابن ماجة عن الشعبي قال قلت لفاطمة بنت قيس حدثيني عن طلاقك ، قالت : طلقني زوجي ثلاثا وهو خارج إلى اليمن فأجاز ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

أقول : هذه مفتريات زور على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسبطيه الحسن والصادق (عليهما السلام) ، تخالف نص القرآن وثابت السنة ، وقد تكون «برئت منه» بصيغة المتكلم انه (عليه السلام) برئ ممن قال هكذا ، وكما ان اجازة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الطلقات الثلاث قد تعني الثلاث المتفرقات ، بل ليست لتعني إلا إياها فان الطلاق بصيغة واحدة ليس ثلاثا.

وفي آيات الأحكام للجصاص ١ : ٤٥٢ روى ابن سيرين عن علي (عليه السلام): «لو ان ـ

٤٩

السلام) وصحابتهم الناحين منحاهم الماشين ممشاهم ، مهما اختلق عليهم الطلاق المختلق ثلاثا مرة واحدة (١) ، فانه يعارض نص الكتاب وثابت

__________________

ـ الناس أصابوا حد الطلاق ما ندم أحد على امرأة ، يطلقها وهي طاهر من غير جماع او حاملا قد تبين حملها فإذا بدا له ان يراجعها راجعها وان بدا ان يخلى سبيلها خلى سبيلها» وفيه عن مجاهد قال : كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال له انه طلق امرأته ثلاثا قال : فسكت ابن عباس حتى ظننت انه رادها إليه ثم قال : يطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول : يا ابن عباس يا ابن عباس.

واخرج الطحاوي من طريق ابن عباس انه قال : لما كان زمن عمر قال : يا ايها الناس قد كان لكم في الطلاق أناة وانه من تعجل أناة الله في الطلاق ألزمناه إياه (ذكره العيني في عمدة القاري ٩ : ٥٣٧ وقال : إسناد صحيح) وفي بداية المجتهد ٢ : ٦١ روى ابن إسحاق في لفظ عن عكرمة عن ابن عباس قال : طلق ركانة زوجة ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف طلقتها؟ قال : طلقتها ثلاثا في مجلس واحد ، قال : إنما تلك طلقة واحدة فارتجعها.

(١) المصدر اخرج الطبراني والبيهقي عن سويد بن غفلة قال : كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي (عليهما السلام) فلما قتل علي (عليه السلام) قالت : لتهنئك الخلافة ، قال : يقتل علي (عليه السلام) وتظهرين الشماتة اذهبي فأنت طالق ثلاثا ، قال ، فتلفعت ثيابها وقعدت حتى قضت عدتها فبعث إليها بقية لها من صداقها وعشرة آلاف صدقة فلما جاءها الرسول قالت : متاع قليل من حبيب مفارق!

وفي آيات الأحكام للجصاص ١ : ٤٥١ بسند متصل عن ابن عمرانة طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد ان يتبعها بتطليقتين أخريين عند القرئين الباقيين فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله انك قد اخطأت السنة والسنة ان تستقبل الطهر فتطلق لك قرء فأمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فراجعتها وقال : «إذا هي طهرت فطلق عند ذلك او امسك فقلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرأيت لو كنت طلقتها ثلاثا أكان لي ان أراجعها قال : لا كانت تبين وتكون معصية» أقول : «وتكون معصية» قرينة على ان «لا» كانت «ما» فحرفت ، ثم امره بالطلاق لكل قرء دليل انه هو الصحيح دون الطلقات الثلاث مرة واحدة.

٥٠

السنة ، ولقد اختلقت الطلقات الثلاث منذ عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مواجهة بتهديده الحديد ، لحد كان من يطلق امرأته البتّة يحلف له (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أردت الا واحدة (١) و «انما كانت الثلاث تجعل واحدة».

وهنا (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) تحدد صالح الإمساك بعد التطليقتين انه «بمعروف» فطري وعقلي وشرعي ، التزاما على أضوائها بواجبات الزوجية ، وإلّا فهي منسرحة لا يجوز له الرجوع إليها في العدة الرجعية ، انقلابا للفرقة الصغرى إلى فرقة وسطى تأخذ الزوجة فيها حريتها دونما رجعة اليه ، إذ كانت مشروطة ب (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) وهو المعروف الواجب تحقيقه في حقل الزوجية على طول خطها ، ولا مورد ل (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) في الطلقات الثلاث متتابعة او مرة واحدة.

ثم (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) تحرير لها لتبنيّ حياة جديدة صالحة بعد انقضاء العدة ، فكما يحرم إمساك بغير معروف ، كذلك تسريح بغير إحسان ، وكما ان الإمساك الرجوع باطل بغير إحسان ، كذلك الإمساك بعقد جديد باطل.

فالطلقة الأولى محك وتجربة ، والأخرى تجربة أخرى هي أحرى أن ترجعه إلى عقليته الصالحة ، فإنها الأخيرة إذ ليس بعدها إلا «إمساك (بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) فإن صلحت الحياة بعد الثانية فذاك ، وإلّا فالطلقة الثالثة دليل على فساد عريق في حياة الزوجية لا تصلح معه حياة ، إلّا بمحلّل يثير غيرة المطلّق.

__________________

(١) المصدر اخرج الشافعي وابو داود والحاكم والبيهقي عن ركانة بن عبد يزيد انه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك وقال : والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان ، وفي نقل آخر عنه قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : هو ما أردت فردها عليه.

٥١

وتلك ـ إذا ـ محنة على الرجال ألّا يعبثوا باستخدام الطلاق طويلا ، فحين تقع الطلقة الأولى ـ مثلا ـ في الرجعية ، كان للزوج الرجعة في فترة العدة شريطة إرادة الإصلاح ، كما له أن يعقد عليها بعقد جديد بعد العدة فيها وفي البائنة ، ثم إذا طلقها ثالثة فهي منسرحة طليقة حتى تؤدبه بأن (تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ...).

هذه هي شرعة الحق التي تواجه الحالات المتخلفة بالحلول العملية ، علاجا صارما للمشاكل أم قطعا للعضو الذي لا تجدي معه حياة.

وليعرف البعولة ومعهم زوجاتهم أن «ابغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق» (١) و «لا تطلق النساء إلا عن ريبة ان الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات» (٢) لا فحسب بل و «ما خلق الله شيئا على ظهر الأرض أحب إليه من عتاق وما خلق الله على وجه الأرض ابغض إليه من الطلاق» (٣).

ولأن (الطَّلاقُ مَرَّتانِ ...) امر مؤكد بصيغة الإخبار ، مجتثّة واقع الطلاق ككل إلا (مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) فلييأس المكثرون من الطلقات إيذاء وتحريجا للزوجات ، إفراطا بحقهن ، ولييأس معهم المستعجلون بمن أمضى لهم الطلقات الثلاث بلفظة واحدة ، أنها ثلاث ، فالحكم هو الوسط بين الإفراط والتفريط بحق الزوجين ، ولا يسمح لأحد حتى الرسول (صلى الله

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٧٨ ـ اخرج ابو داود وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ...

(٢) المصدر اخرج البزاز عن أبي موسى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لا تطلق النساء ...

(٣) الدر المنثور ١ : ٢٧٨ ـ اخرج عبد الرزاق عن معاذ بن جبل قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ...

٥٢

عليه وآله وسلم) أن يحكم بغير ما أنزل الله فضلا عن مثل الخليفة عمر!. فقد خالف ـ في ابتداع الطلقات الثلاث دفعة واحدة ـ كلا العقل والشرع ، او انه قلد العقلية الكنسية الثالوثية جمعا بين نقيضي الواحدة والثلاث ، ثم تابع بولص في نسخ الشرعة الإلهية! ومن أفضح الفضيح اعتذار شيعته انها بدعة حسنة ، رغم انها قبيحة عقليا وشرعيا ، وليت شعري كيف تابعه جماهير من فقهاء الإسلام في بدعته خلافا للعقل والشرع ، وإنها لطامة كبرى وحدث هائل في تاريخ الفقه الإسلامي!.

وقد قال الله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ... فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ... فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٥ : ٤٤ ـ ٤٧ فكيف إذا حكم خلاف ما أنزل الله؟! وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من ادخل في أمرنا ما ليس منه فهو رد» (١).

ومن أغرب ما ورد عن الخليفة عمر سماح التشريع للناس كما سمح لنفسه : فألزم كل نفس ما لزم نفسه (٢).

وليت شعري كيف يجوز إلزام الناس بما لزموا أنفسهم كأنهم كلهم مشرعون لأنفسهم؟ خلافا لما ألزمهم الله إياه!.

هكذا كان يلعب بكتاب الله ، لا فحسب بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل وهو بين ظهرانيهم ، فقد «أخبر رسول الله (صلى الله عليه

__________________

(١) آيات الأحكام للجصاص ١ : ٤٤٩ عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).

(٢) وعن الحسن ان عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري : لقد هممت ان اجعل إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس ان اجعلها واحدة ولكن أقواما جعلوا على أنفسهم فألزم كل نفس ما لزم نفسه من قال لامرأته : «أنت علي حرام فهي حرام ومن قال لامرأته أنت بائنة فهي بائنة ومن طلق ثلاثا فهي ثلاث» (كنز العمال ٥ : ١٦٣ نقلا عن أبي نعيم).

٥٣

وآله وسلم) عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبانا ثم قال : أيلعب بكتاب الله وانا بين أظهركم؟ حتى قام رجل وقال : يا رسول الله ألا أقتله؟» (١) ، وترى كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينسخان بما يرتإيه ثاني الخلفاء وكأنه الله حيث يسمح لنفسه نسخ حكم الله ، ثم ينتصر له من يتبعه بقيلته الغيلة ما يستحي منه القلم ان يسجله (٢).

__________________

(١) أخرجه النسائي في السنن عن محمود بن لبيد (ج ٦ : ١٤٢) وذكر في تيسير الوصول (٣ : ١٦٠) وتفسير ابن كثير (١ : ٢٧٧) وارشاد الساري (٨ : ١٢٨) والدر المنثور (١ : ٢٨٣).

(٢) هي قيلة العيني في عمدة القارى ٩ : ٥٣٧ : ان الطلاق الوارد في الكتاب منسوخ ، فان قلت : ما وجه هذا النسخ وعمر لا ينسخ؟ وكيف يكون النسخ بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قلت : لما خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار صار اجماعا والنسخ بالإجماع جوزه بعض مشايخنا بطريق ان الإجماع موجب علم اليقين كالنص فيجوز ان يثبت النسخ به والإجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور ، فان قلت : «هذا اجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقهم؟ قلت : يحتمل ان يكون ظهر لهم نص أوجب النسخ ولم ينقل إلينا ذلك»!

أقول : ما هذا النص الذي غفل عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة والاصحاب حتى كشف عنه الخليفة عمر ، ثم هل هو نص في القرآن ونصوص القرآن معروفة ، ام نص في السنة والسنة ليست لتنسخ القرآن. ولم تسمع الآذان نبأ هكذا نسخ للقرآن إلى ان جاد الدر بالعيني فأتحفنا به ما يتمكن المسلمون في كل عصر ان يجمعوا خلاف الكتاب والسنة فينسخوهما ، رغم ان ما ادعى لم يكن اجماعا وانما سماعا لمقالة الخليفة دونما رد جماعي خوفة من سوطه ، وقد رد عليه جماعة من الصحابة ومنهم الذين روينا عنهم روايات بطلان الطلقات الثلاث.

ثم ان كان اجماعا متبعا فكيف ذهب كبار أئمة الفقه مثل أبي حنيفة ومالك والاوزاعي والليث وأئمة اهل البيت وكثير أمثالهم إلى بطلان الطلقات الثلاث ، ثم قال الشافعي واحمد وابو ثور ليس بحرام لكن الاولى التفريق وقال السندي ظاهر الحديث التحريم كما في حاشية الامام السندي عن سنن النسائي ٦ : ١٤٣؟ وكيف أجمعت الأمة على النقيضين في يوميها وهي حسب ما يروى لن تجتمع على الخطاء؟!.

٥٤

وحصيلة البحث حول (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) استقلال كل تطليقة عن الأخرى شرط وقوعها في طهر غير المواقعة ، ولا يشترط في تحريم الثالثة (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) لا المواقعة بعد كل رجعة او عقد جديد ، ولا الرجوع في العدة ، انما هو الطلاق في طهر غير المواقعة ، فتصح إذا تطليقات ثلاث في طهر واحد لم يواقعها فيه ثم «لا (تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ).

(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ...).

ترى «آتيتموهن» تختص بصدقاتهن المؤتاة ، فيحل ـ إذا ـ أخذ ما سوى الصدقات المعطاة من نفقات او هبات وسائر العطيات ، كما يحل عدم إعطائهن غير المعطاة من الصدقات!.

(مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَ) تعم الصداق وسواه من هبات وهديات ونفقات ، فان لفظه الخاص «من صدقاتهن» ولا يختص الإيتاء للنساء بالصداق ، بل والنفقات وهي أوجب من الصدقات ، وكذلك سائر العطيات المتعودة مهما كانت غير واجبة ، ولا يحل نقص شيء من صدقاتهن المؤتاة وسواها لآية النساء : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤) وكل ذلك يعم ما إذا كان عين المؤتى موجودا ام لا ، والمؤتى صداقا ام سواه من عطيات مؤتيات ، وغير المؤتى من صدقات (١) ومهما خصت آية البقرة حرمة الأخذ ب (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ) فآية النساء تأمر بإيتاء صدقاتهن ، فما بقي

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٢٣ عن التهذيب احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال : ولا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته ولا المرأة فيما تهب لزوجها حيز او لم يحز أليس الله تعالى يقول : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) وقال : فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً. وهذا يصدق في الصداق والهبة. وفي الكافي مثله سواء.

٥٥

لهن على ذممهم يجب رده عند مطالبتهن ، فلا يحلّ إلا عند إحلالهن : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) (٢ : ٢٣٧) وقد يعني (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ) سنة الصداق ، انه يؤتى عند العقد وكما في آيات عدة (١) إذا ف (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ) منصرفة الى واجب الإيتاء بداية العقد ، منصبة على واقعه المسنون حسب الآيات ، فما لم يؤتين من صدقاتهن هو في حكم المؤتى انه واجب الإيتاء حيث (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) اللهم إلّا ان يرضين بتأخيره او طاب لكم منهن منها شيء منها هبة (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).

وحين لا يحلّ ما أوتين او ما يحق لهن أن يؤتين وهنّ في مسرح الطلاق ، فبأحرى الّا يحل في مسرح الوفاق ، فلا يختص عدم الحل هنا مورده وهو حال الطلاق ، إضافة إلى اطلاق آية النساء (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ...).

إذا ف «لا يحلّ» تعم كل حق لهن عليهم أن يأخذوه ام لا يؤتوه ، مهما كان الحق الغائب خاصا بصدقاتهن الغائبة وسائر مطالباتهن ، ولكن (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ) تعم الموتى فرضا ام هبة وهدية ما صدق انه موتى لهن.

وعدم الحلّ في ذلك الأخذ ليس إلّا فيما لا يرضين ، فما طابت أنفسهن لهم من شيء فهو حل لهم ، وما لا تطيب لا يحل لهم (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) إذ تفوت حقا منهم : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ... وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً. وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى

__________________

(١) ك (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (٦٠ : ١٠) (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) (٣٣ : ٥٠) (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٤ : ٢٥) (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (٤ : ٢٤) (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) (٥ : ٥).

٥٦

بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (٤ : ١٩ ـ ٢١.

فلا يحل أخذ ما أوتين ام هو حقهن من صداق وسواه (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) و : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ٢٢٩.

حالات الخلاف بين الزوجين التي لا تقام فيها حدود الله ثلاث ، هما متكارهان ، هو يكرهها دونها ، هي تكرهه دونه ، والأخيرة هي القدر المعلوم من الآية لمكان (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) حيث الافتداء هنا ليس إلّا ذريعة للخلاص ، بديلة عنه ، والطلاق فيه خلع حيث تختلع الزوجة الكارهة بما تفتدي به.

وأما إذا هو يكرهها دونها فلا معنى لافتداءها لأنها ترغب في بقاء نفسها دونه ، وفيما يتكارهان فالتفادي ، أن تفتدي هي ببعض حقها ويعطيها هو البعض الآخر.

ولماذا (إِلَّا أَنْ يَخافا) وهي الكارهة فحسب؟ لان كراهتها له تحملها على ترك بعض الحدود المقررة بين الزوجين ام وسواها ، ثم الزوج قد يحمل في كراهتها على ترك بعضها ، فطبيعة الحال في كراهتها ان يحصل جو الخوف لهما (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ).

وليست كراهة بعضهما البعض هي الموضوع الأصيل لجواز الفدية خلعا أو مباراتا ، بل هي الكراهة المخيفة ، فقد تكون كراهة ولا خوف ، ام يكون خوف ولا كراهة ، والمهم حسب النص هو خوف عدم اقامة حدود الله بكراهة بينهما وسواها.

وذلك الخوف قد يعم حالة التعمد إذا نشرت الزوجية ، ام الخطأ غير

٥٧

العامد المتفلت اوتوماتيكيا ، فالمعيار هو الخوف سواء أكان بسوء الاختيار ام سواه.

فحين يدور الأمر بين البقاء في علقة الزوجية خوفا لترك حدود الله في حقل الزواج ام الطلاق انطلاقا عن ذلك الترك فلا بد إذا من الطلاق.

فإذا كان الخوف من قبلهما فالفدية منهما تخلصا عن ترك حدود الله ، او من قبلها فالفدية منها مهما سبب تركه ايضا لحدود الله حيث هي السبب فالفدية كلها عليها ، واما إذا كان من قبله فقط فالفدية منه فلا يأخذ منها شيئا بل يؤديها حقوقها كاملة ، ومهما كانت فوارق بين هذه الثلاثة ولكنها متشابهة في وجوب الطلاق انطلاقا عن ترك حدود الله ، فعلى الزوجة الفدية كلا او بعضا في خلع او مبارات وعلى الزوج الطلاق ، وإلّا فرق الحاكم بينهما ، كما وعلى الزوج الخائف الطلاق دون فدية منها.

ولقد نزلت الآية بشأن شائن من امرأة كارهة زوجها لحد قولها له (صلى الله عليه وآله وسلم) «وإني أكره الكفر بعد الإسلام» (١) تهديدا بارتدادها عن الإسلام ان بقيت تحت الزواج المكروه لها ، فهنا الزوج إذا أبقاها عنده فقد ساعدها في ارتدادها.

وقد يستفاد حكم المباراة من الخلع ، ان الافتداء فيها ـ بطبيعة الحال ـ هو اقل من الخلع ، قضية أنه كاره كما هي كارهة فلا يجوز له أخذ كل ما دفع (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢٨٠ ـ أخرج جماعة عن ابن عباس أن جميلة بنت عبد الله بن سلول امرأة ثابت بن قيس قالت : ما اعتب عليه في خلق ولا دين ولكني لا أطيقه بغضا واكره الكفر في الإسلام قال : أتردين عليه حديقته؟ قالت : نعم قال : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ـ ولفظ ابن ماجة ـ فأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يأخذ منها حديقته ولا يزداد.

(٢) المصدر اخرج عبد الرزاق وابو داود وابن جرير والبيهقي من طريق عمرة عن عائشة ان حبيبة بنت ـ

٥٨

وهنا (إِلَّا أَنْ يَخافا ...) كما (وَإِنْ خِفْتُمْ) موجه إلى حكام الشرع ، حيث يتحدث أولا لهم عن الأزواج ، ثم يخاطبهم في جو الخوف : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ).

ولماذا (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما)! وانما الجناح كان على الزوج الآخذ منها! علّه لأن إعطاء ما في اخذه جناح جناح ، معاونة ام مسايرة على الإثم والعدوان ، فلا جناح عليها افتداء لسراحها عن عبء هذه الزوجية ، ولا جناح عليه تسريحا لها.

وتراه يسمح له أخذ الزائد عما آتاها قضية الإطلاق : (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)؟ ام لا اطلاق فيها لأنها تنصبّ على (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ) فله أخذ ما أتاها كلا او بعضا حسب التراضي ، وأما الزائد فخارج عما دار بينهما ، ولماذا ـ بعد ـ أخذ الزائد عما آتاها إلّا أكلا بالباطل ، فانما يحل له افتداء لها ما آتى ، ثم الزائد بائد مائد في كل حقل من حقول المعاملات ، وقد منع الرسول الكارهة المختلعة عن دفع الزائد عما أخذت قائلا لها : «اما الزيادة فلا ولكن حديقته ...» (١).

__________________

ـ سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فضربها فكسر يدها فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الصبح فاشتكته إليه فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثابتا فقال خذ بعض مالها وفارقها قال : ويصلح ذلك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : نعم قال : فاني أصدقتها حديقتين فهما بيدها فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خذهما وفارقها ... وفي موثقة سماعة ... وليس له ان يأخذ من المبارئة كل الذي أعطاه.(الكافي ٦ : ١٤٠) وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال : المبارأة يؤخذ منها دون المهر ... (الكافي ٦ : ١٤٢).

(١) المصدر اخرج البيهقي عن عطاء قال أتت امرأة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت إني ابغض زوجي وأحب فراقه فقال : أتردّين عليه حديقته التي اصدقتك وكان أصدقها حديقة قالت نعم وزيادة قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أما زيادة فلا ولكن الحديقة قالت : نعم ـ

٥٩

أجل ـ انه يرتجع ـ لأكثر تقدير ـ الصداق كله ، بديلا عن انسراحها كارهة للمقام عنده ، ولماذا بعد الزيادة ، أبدلا عما أنفق عليها والنفقة الواجبة لا ترجع ، فلا بديل ـ إذا ـ عن الزيادة إلا اكلا بالباطل ، لا سيما بالنسبة إلى من يسرح بإحسان ، وهو إعطاء زيادة عما يحق لها ، وقد استثني مورد الفاحشة

__________________

ـ فقضى بذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرجل فأخبر بقضاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : قد قبلت قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وفيه اخرج البيهقي ـ وساق الحديث إلى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) جوابا عن قولها : نعم وزيادة : اما الزيادة فلا ولكن حديقته ...

وفي آيات الأحكام للجصاص (١ : ٤٦٦) عن ابن عباس ان رجلا خاصم امرأته إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال النبي تردين إليه ما أخذت منه؟ قالت نعم وزيادة فقال : «اما الزيادة فلا».

وفي الدر المنثور ١ : ٢٨٢ ـ اخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عطاء ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كره ان يأخذ من المختلعة اكثر مما أعطاها. أقول : الكراهة تعني الحرمة بل وأغلظها وكما قال الله تعالى في الإسراء : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) وقد ذكر قبل القتل والعقوق وما أشبه من المحرمات الكبيرة. وفيه اخرج النسائي عن ربيع بنت معوذ بن عفراء ان ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأرسل إلى ثابت فقال له : خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال نعم ...

واما قوله في الموثقة : «فإذا هي اختلعت فهي بائن وله ان يأخذ من مالها ما قدر عليه» وفي الصحيحة : «والمختلعة يؤخذ منها ما شاء لان المختلعة تعتدي في الكلام وتكلم بما لا يحل لها» ورواية زرارة : فإذا قالت ذلك فقد حلّ له ان يخلعها بما تراضيا عليه من قليل او كثير(التهذيب ٣ : ٢٧٥ والاستبصار ٣ : ٣١٨).

فلا صراحة في شيء منها في الزيادة على الصداق ، وغاية الأمر هو الإطلاق المقيد بالآية ، بل والنص حيث لا يعارض الآية ـ ساقط امام الآية الظاهرة كالنص في عدم الزيادة ، المبينة بما روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

٦٠