النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

من يوم فعل لقيل : " يمت" وإن كان لا يتكلم به ولا يبنى منه ، ألا ترى أن سيبويه والخليل قد أجازا أن يبنى الفعل من كل اسم يورده السائل.

فإن قال قائل : ابن لي من" يوم" فعل يفعل كان ممتنعا ؛ لأنه ليس في شيء من الأفعال ما عينه وفاؤه من حروف العلة ، وإنما يقع ذلك في الأسماء لأنها لا تتصرف ، وكذلك الفعل لا يبنى من آءة وهي نبت ؛ لأن عين الفعل واو ، وفاؤه ولامه همزتان.

ولو بني من شيء من هذا" فعل" لزمه ما يستثقل من الاعتلال ، ولو بني من" آءة" فعل للزمه تغير بعد تغير ؛ لأنه يلزمه في الماضي" آء" وفي المستقبل : " يؤوؤ" إن كان من ذوات الواو. وإن كان من ذوات الياء" يئيء" فإذا كان الفعل للمتكلم قلت : " أووت" أو" أييت" تقلب الهمزة التي هي لام الفعل واوا أو ياء لاجتماع الهمزتين لما سقط عين الفعل اجتمعت همزتان وهما فاء الفعل ولامه ، فيجتمع فيه إعلال بعد إعلال.

هذا باب ما تقلب فيه الياء واوا

أنشد في هذا الباب محتجّا ـ لقلب الياء واوا في فعلل من الكيل ـ بقول الشاعر :

* مظاهرة نيّا عتيقا وعوططا

فقد أحكما خلقا لها متباينا (١)

يصف ناقة بالسمن وتراكب الشحم وبالحبال وهو أن لا تحمل ، وذلك أقوى لها.

والظهار والمظاهرة : لبس ثوب على ثوب فالظاهر منهما يسمى ظهارة ، والباطن يسمى بطانة ، والني : الشحم. والعوطط : من اعتياط رحم الناقة والأتان.

وهو أن لا يحملا ، ويقال للناقة عائط.

قال أبو عبيدة : يجمع عائط : عوط وعيط.

والحجة لسيبويه فيمن قال عيط فجعلها من الياء. فاعلمه.

هذا باب ما الهمزة فيه في موضع اللام من بنات الياء والواو

قوله في هذا الباب : " واعلم أن ياء فعائل مهموزة أبدا .. ولم تزد إلا كذلك وشبهت بفعاعل".

يعني : أن فعائل ليست تكون إلا جمع فعول أو فعيل أو فعال أو نحو هذا مما يسكن ثالثة من الواو والياء والألف ، وإذا تحركت الياء في الواحد لم تهمز في الجمع كقولك : عثير وعثاير ، وحذيم وحذائم.

وقوله : " وشبّهت بفعاعل".

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٧٧ ، لم يشرحه ابن السيرافي ولا النحاس ـ شرح السيرافي ٣ / ٣٠٢ ، المنصف ٢ / ١٢ ، ٤٢ ، اللسان عوط ٧ / ٣٢٨.

٦٦١

مما اعتلت عينه نحو جمع : قولّ وبيّع يقال فيه : قوائل وبيائع مهموزتين لوقوع ألف الجمع بين واوين أو ياءين وقربهما من الطرف.

وذكر سيبويه قول الخليل في جاء وشاء وأنهما عنده مقلوبان ، واستشهد بقول العجاج :

* لاث بها الأشاء والعبريّ

يريد لائث به ، أي : قد التفّ بهذا الموضع الأشاء والعبريّ.

والأشاء : صغار النخل. والعبريّ : السدر المثاني.

وأنشد لطريف بن تميم العنبري :

* فتعرّفوني أنّني أنا ذاكم شاك

سلاحي في الحوادث معلم

أراد : شائك ؛ لأنه مأخوذ من شاك بتشديد الكاف. واستثقلوا التشديد ، فقلبوا أحد الحرفين ياء. والشاك مأخوذ من الشكة ، وهي السلاح ، وقد يكون أصل شاك شائك من الشوكة ، يريد بها حدة السلاح ونفوذها.

قوله : " وأما افعللت من صدئت فاصدأيت ، تقلبها ياء كما قلبتها في مفعلل" إلى قوله : " وهذا قول الخليل".

يعني : أن اصدأيت ، أصل هذه الياء همزة ؛ لأنه من الصدأة ، وهو افعللت فالهمزة مكررة لأنها لام الفعل ، وكان ينبغي أن تقول : اصدأأت فكرهوا اجتماع الهمزتين في كلمة فخففوا الثانية وجعلوا تخفيفها قلبها إلى الياء ولم يجعلوها بالألف كقولك : اخطأت وقرأت ، وكان قلبها إلى الياء أولى بها من قبل أن المستقبل على يفعلل ، فتقع الهمزة الثانية طرفا وقبلها كسرة فيقلبونها بانكسار ما قبلها ، ثم لزم هذا القلب في الماضى كما قالوا : غزيت وهو من الغزو ، فقلبوه ياء لأنه ينقلب في المستقبل بانكسار ما قبله ، فأتبعوا الماضي المستقبل.

وأنشد مستشهدا للقلب في شيء قدمه.

* مروان مروان أخو اليوم اليمي (١)

أراد : أخو اليوم اليوم.

كما قال :

* إن مع اليوم أخاه غدوا

فقدم الميم بضمتها إلى موضع الواو فصارت : اليمو ، فوقعت الواو طرفا وقبلها ضمة ، فقلبت ياء وكسر ما قبلها كما قيل في جمع دلو : أدل.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٧٩ ، شرح النحاس ٣٤٥ ، شرح ابن السيرافي ٤٢٧ ، المنصف (٢ / ١٠٢ ، ٣ / ٦٨) ، الخصائص (١ / ٦٤ ، ٢ / ٧٦) ، الممتع في التصريف ٢ / ٦١٥ ، اللسان كرم ١٢ / ٥١٢.

٦٦٢

قوله : " ومع هذا إن هذه الواو تعتل" إلى قوله : " فصار اليوم بمنزلة القووس".

يعني : أن اليوم لو تركت الواو ولم تقلب ، لاعتلت لتحركها وانفتاح ما قبلها ويكره كونها مضمومة ، فإذا انضم إلى ضمتها كون الياء من يوم ، كان أشد للكراهية ، فصارت الواو في اليوم كضمة قووس.

وأما أشاوى فإنها جمع إشاوة مثل : إداوة وأداوى ، وإشاوة غير مستعملة ولا هي من لفظ شيء فزعم سيبويه أن أصلها : شياءة لأن عين الفعل من شيء : ياء ولامه : همزة فإذا بنينا منه فعالة مثل : هراوة ، صار : شياءة ثم قدمت الهمزة التي هي لام الفعل إلى موضع فاء الفعل كما فعل ذلك بأشياء ، وأصلها شيئاء عند الخليل وسيبويه ، فإذا قدمت الهمزة في شياءة صارت : أشاية فقلبت الياء واوا فقيل إشاوة ، كما قيل : أتيته أتوة ، فقلبوا الياء واوا لتداخل الياء والواو ومشاركتهما ، فإذا جمعوا إشاوة قالوا : أشاوى كما قالوا : إداوة وأداوى.

وقوله : " وإنما حملت هذه الأشياء على القلب حيث كان معناها لا يطرد ذلك فيه" إلى قوله : " ما يذهب فيه الحرف الزائد". يعني : أن القلب إنما يعرف بأن لا يثبت الحرف في تصاريفه على ترتيب القلب كقولنا :

إذا صرفنا مسايئه في وجوهها قلنا : هي من ساء يسوء ، فتجد الواو قبل الهمزة في هذه التصاريف ، وكذلك" أشاوى" لما رأينا الواو فيها لا تطرد في قولك شيء وأشياء ، علمنا أن الواو بدل ، وكذلك" اليمي" قد علم باليوم وسائر تصاريفه أن الميم مقدمة فاعلمه.

هذا باب ما كانت الواو والياء فيه لامات

قوله في هذا الباب : " والوجه في الجمع الياء ، وذلك ثديّ وعصيّ إنما" ذكر" ثديّ" في هذا الباب وليس منه لأنه فعول وتقديرها : " ثدوي" وقلب الواو ياء يلزم لاجتماعهما وسكون الأول منهما ولأنه جمع. ويجوز أن يكون إنما ذكره لأن العرب قد جعلت ذوات الياء في هذا الباب كذوات الواو لفظها حتى سوّت بينهما في ما كان شاذّا.

فقالوا : إنّه لينظر في نحو كثيرة ، وهو جمع" نحو" من ذوات الواو ، وقالوا : " فتوّ" وهو جمع فتى وفتيان من ذوات الياء.

واعلم أنك تقول في فعل من جئت على قول الخليل وسيبويه : جيء ، فإذا خففت الهمزة ، قلت : جي. وذلك أن الأصل في جيء : جيء ، وكسرنا الجيم لتسلم الياء كما فعلنا في بيض لسكون الياء ، فإذا ألقينا حركة الهمزة على الياء تحركت الياء فعادت ضمة الجيم التي هي لها في الأصل ، فإن بنينا منه فعلل قلنا : جوئ ، والأصل : جوئي فقلبنا الياء واوا لانضمام ما قبلها وسكونها وبعدها من الطرف كما قلبناها في عوطط وكولل ، وهو فعلل من الكيل.

فإذا خففنا الهمزة ألقينا حركتها على الواو فتحركت فرجعت إلى الياء وانضم ما قبلها ، فإذا

٦٦٣

صغرت أو جمعت قلت : مييقن ومياقن لتحريك الياء فاعلمه.

هذا باب ما يخرج على الأصل إذا لم يكن حرف إعراب

ذكر في هذا الباب قولهم : ثنايان ومذروان ، وهما شاذان في الظاهر والذي أوجب مجيئها على الأصل أن الثنايين وقعت الياء فيه بعد ألف واتصلت بها علامة التثنية وهي غير مفارقة لها ، لأن واحدها لا يفرد كما أن هاء النهاية لما اتصلت بالياء قلبها ، وقع الإعراب عليها ولم يجب قلبها همزة.

و" الثنايين" : حبلان أحدهما مشدود مع الآخر ، أو حبل واحد يعطف في الشد حتى يصير كحبلين ، يقال عقلته بثنايين.

وأما المذروان ، وهما طرف الإلية ، فلم تقلب فيهما الواو ياء وإن كانت رابعة للزوم علامة التثنية له وأنه لا يستعمل في الكلام واحده ، ولو استعمل لقيل : مذرى وكان يثنى مذريان ، ولكنه لما اتصل به علامة التثنية ، ولم يقع طرفا كان بمنزلة قمحدوة فاعلمه.

هذا باب ما تقلب فيه الياء واوا ليفصل بين الصفة والاسم

قد تقدم القول في هذا الباب في ما تقدم من الكتاب. وذكر سيبويه في غير هذا الموضع أنّهم أبدلوا الياء واوا في دعوى وشروى عوضا عن واو من كثرة دخول الياء عليها وقلبها إليها.

والذي ذكر في هذا الباب أنّهم أرادوا الفصل بين الاسم والصفة فجعلوا الاسم في" فعلى" من ذوات الياء بالواو ؛ لأن الاسم أخف ، وهو أحمل للواو ، والصفة متروكة على الياء لأن الياء أخف.

وذكر أن الصفة من باب" فعلى" من ذوات الواو على الأصل ، ولم يذكر صفة على" فعلى" مما لامه واو إلا ما يستعمل بالألف واللام نحو : الدّنيا والعليا وما أشبه ذلك. وهذه عند سيبويه بمنزلة الأسماء ، وإنما ذكره أن" فعلى" من ذوات الواو إذا كانت صفة على أصلها ، وإن كان لا يحفظ في كلامهم شيء من ذلك على فعلى لأن القياس أن يحمل على أصله ، حتى يتبين أنّه خارج عن أصله شاذ عن بابه.

وأما القصوى" فالباب فيه : القصيا كما قالوا : الدّنيا والعليا وإنما قالوا : القصوى ؛ لأنها صفة بالألف واللام وإن كانت الصفات التي لا تستعمل بالألف واللام بمنزلة الأسماء.

هذا باب ما إذا التقت الهمزة والياء قلبت الهمزة ياء والياء ألفا

قوله في هذا الباب بعد احتجاج قدمه : " يدلك على ذلك أن الذين يقولون سلاء فيحققون كما ترى يقولون : رأيت سلا بين بين فلا يحققون.

يعني : أنك إذا نصبت جعلت بعد الهمزة ألفا بدلا من التنوين ، فصارت الهمزة بين ألفين

٦٦٤

فلم يحققوا لأنهم أقاموا الألفين مقام همزة ، فكأن همزتين قد اجتمعتا فيجب التخفيف والتليين.

وقوله : " وأبدلوا الياء التي كانت ثابتة في الواحد" إلى قوله : " كما علم أن بعد القاف مضموم أو مكسور".

يعني أنّهم إنما أبدلوا الياء من الهمزة في مطايا لأنهم أرادوا أن يبينوا أن في الواحد ياء كما بنوا قلت وبابه على فعلت ، وبعت وبابه على فعلت ، لتلقى حركة العين على الفاء فيعلم بحركة الفاء حركة العين كأنه قد علم حركة الواو المحذوفة ، ممن قلت أنّها كانت ضمة ، بضمة القاف وعلم حركة الياء المحذوفة ، من بعت أنّها كانت كسرة ، بكسر الباء.

قال : " وقال بعضهم : هداوى ، فأبدلوا الواو لأن الواو قد تبدل من الهمزة" يعني أنّهم قد يبدلون الهمزة واوا في حمراوان وسماوى ونحو ذلك.

وذكر أن ما كانت الواو في واحدة ، لزمت في جمعه نحو : هراوة وهراوى ، وعلاوة وعلاوى. كما أن الياء إذا كانت في الواحد نحو : مطيّة وهديّة ، لزمته في الجمع ، فتقول مطايا وهدايا ، وكان الأصل أن يقال : هداءا ومطاءا فقلبوا الهمزة في" مطايا" لظهور الياء في مطية ، وقلبوا الهمزة في" هراءا" و" أداءا" واوا لظهور الواو في هراوة وإداوة ، وليست الواو في إداوى هي الواو في إداوة لأن الواو في إداوة ، قد انقلبت ياء وهي طرف وهي الواو في إداوى ، وهي منقلبة من الهمزة التي كانت بدلا من ألف إداوة ، والألف في إداوى ليست للتأنيث بل هي بدل من ياء ، مثل ألف : مدارى وعذارى فاعلمه.

هذا باب ما بني على أفعلاء وأصله فعلاء

جميع هذا الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب ما يلزم الواو فيه بدل الياء

قوله بعد أن ذكر ضوضيت وقوقيت : " وإنما الواوان هاهنا بمنزلة واوي قوّة ، وياءي" حييت" لأنك ضاعفت".

يعني : أن الواوين في ضوضيت و" قوقيت" : وإن كانت الثانية منهما منقلبة ياء بمنزلة ياءي حييت وواوي قوة ، وذلك أن ياءي حييت ، وإن كانت ياءين على لفظ ، وإحداهما عين الفعل ، والأخرى لامه ، فكذلك واوي" ضوضيت" إحداهما عين والأخرى لام.

قال" وكذلك حاحيت ، وعاعيت ، وهاهيت ولكنّهم أبدلوا الألف لشبهها بالياء فصارت كأنها هي".

يعني أن حاحيت : فعللت ، مثل : ضوضيت والألف فيه منقلبة من ياء والأصل حيحيت ، والدليل على ذلك ، أنّا رأينا ذوات الواو من هذا الباب تجيء على أصلها كقولك : ضوضيت

٦٦٥

وقوقيت ، ولم نر شيئا من ذوات الياء جاء على أصله من هذا الباب ، والألف لا تكون أصلا ، إنما هي منقلبة ، فجعل انقلابها من ياء كما قالوا ياجل والأصل ييجل.

وقوله : " وكذلك الصّيصية والدّاوداة والشّوشاء إلى قوله : " كما ضاعفت القمقام".

يعني : أن شوشاة أصلها : شوشوة ودوداة : دودوة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ووزنها : فعللة ، وليس فيها زائد غير هاء التأنيث.

والشوشاة : السريعة ، والدوداة : أرجوحة من أراجيح الصبيان وقد يحتمل أن تكون شوشاة ودوداة ، فوعلة إذا جعلت الواو زائدة ، وفعلالة إذا جعلت الألف زائدة إلا أن فعللة أولى بها لأن فعللة أكثر في الكلام من فوعلة وفعلالة.

وقوله : " وأما المروراة فبمنزلة الشجوجاة إلى قوله : " لأن مثل صمحمح أكثر".

يعني : أن شجوجى يحتمل أن يكون فعلعل مثل : صمحمح فتكون الشين فاء الفعل ، والجيم الأولى عينه والواو لامه ثم أعاد الجيم والواو اللتين هما عين ولام ، وقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ويحتمل أن يكون فعوعل مثل : عثوثل ، إلا أن فعلعلا أولى به لأنه أكثر في الكلام ، فاعلمه.

هذا باب التضعيف في بنات الياء

قوله : " وأما تحية فهي بمنزلة أحيية وهي تفعلة" فرق سيبويه بين محيية ومعيية وبين أحية وتحية لأنها مصدر حييت ، كما تقول : كرمت تكرمة فأجاز في أحيية وتحيية الإظهار والإدغام ؛ لأن الهاء لا تفارقهما ، ولا يكون فيهما تذكير ، فالحركة لازمة للياء الثانية ، وفي محيية ومعيية يلحقها التذكير فتزول حركة الياء.

ثم قال في آخر الباب محتجّا بجواز إدغام الياء في تحيّة وأحية فقال :

" والمضاعف من الياء قليل لأن الياء قد تثقل وحدها لاما فإذا كان قبلها ياء كان أثقل لها".

يعني : أن اجتماع ياءين قليل في كلامهم ؛ لأن الياء وحدها قد تستثقل في نحو القاضي ، فتسكن في الرفع والجر ، وتحذف في نحو : يرمي للجزم ، فإذا اجتمعت ياءان ولزمت الثانية الحركة ، أدغموا لأن الإدغام من الإظهار فاعلمه.

هذا باب ما جاء على أن فعلت منه مثل بعت

وإن كان لا يستعمل في الكلام

اعلم أنّه إذا اجتمع حرفا علة ، لم يجز إعلالهما جميعا وإنما يعل أحدهما ، والأولى بالإعلال منهما الأخيرة ، وهو لام الفعل كقولك : حيى وشوى وأحيى وأغوى وفي المستقبل يحيى ويشوى ويحيى ويغوي ، تجعل الحرف الأول بمنزلة حرف صحيح ، وتوفيه مما يستحقه من

٦٦٦

الحركات ، ويلحق الثاني القلب والتغيير والسكون والحذف.

فالحذف والتغيير ، قولك في مستقبل حيّ : يحيا وشوا بالألف. والأصل : شويت بالياء والسكون في يشوي ويحيي في حال الرفع. والحذف في الجزم كقولك : لم يشو ولم يحي ، ولو صححنا لام الفعل وأعللنا عينه ، لخرجنا عن منهاج كلامهم ودخله اللبس فكما تقول في حيى حاى تقول في ما اعتلت عينه وصحت لامه ، نحو : باع وهاب وفي أحيى : أحاى ، كما تقول : أبان وألآن ومتى قلنا ذلك ، كان المستقبل كالمستقبل ، فتقول : يجيء كما تقول : يبيع ، وتقول : يجيء ، كما تقول : يبين فتضم الياء في الفعل المستقبل في موضع الرفع.

ولو قال قائل : تسكن الياء في الرفع ، لزمه أن يحذف الياء الأولى التي هي عين الفعل لسكونها وسكون الياء بعدها ، فتقول : يحى فيصير كمستقبل وحى يحى ووعى يعي ، ثم يلحقه الجزم فتسقط ياؤه كقولك : لم يح وفي ذلك اختلال والتباس واعتلال بعد اعتلال.

وقوله : " فممّا جاء في الكلام على أن فعله مثل بعت : أي وغاية وراية".

إلى قوله : " وتجري عينه على الأصل".

يعني أنّه قد جاءت أشياء شاذة اجتمع في آخرها حرفا علة ، فأعل الأول منهما وهو عين الفعل ، وكان القياس أن يعلّ الثاني الذي هو لام الفعل ، وهي الأسماء التي ذكرها ، وكان القياس فيها أن يقال غواة أو غياة وذلك أن الألف من غاية إن كانت منقلبة من ياء فأصلها غيية ، وإن انقلبت من واو فأصلها غوية ، فيجتمع حرفا علة فالقياس أن يعل الثاني ويصحح الأول ، فإذا فعلنا ذلك وجب أن تقول في فعله : غيا إن كان من الياء ، وغوى إن كان من الواو ، كما تقول : غوى وثوى وما أشبه ذلك ، ولكن هذا جاء شاذا محمولا على دار وباب في الإعلال.

ثم قال : " وشبّه شذوذها بشذوذ قود وروع في باب قلت".

يعني أن هذا الشذوذ الذي أتى في غاية وآية ونحوهما إنما أتى في الأسماء دون الأفعال ، والتقدير أن لو أتى الفعل على ذلك ، لاعتلت عينه ، وصحت لامه نحو : بعت وهبت ، ولكن لم يأت في الفعل ذلك بسبب ما ذكرناه من الاختلال والخروج عن مذهب كلام العرب.

وأشبه غاية وسائر ما ذكر معها في الشذوذ : قودا وورعا وذلك أنّهما اسمان شذا في تصحيح موضع العين منهما وكان القياس أن يعلا فيقال : قاد وراع لأنهما من باب قال وقام ، وهذا الشذوذ لم يأت مثله في شيء من الفعل إنما أتى في الاسم ولم يأت مثل : قوم يقوم وبيع يبيع في الفعل لما يلزم الفعل من التغيير والتصرف.

وقوله" وجاء استحيت على حاي مثل : باع" إلى قوله : " وهذا النحو كثير".

اعلم أن استحيت فيها لغتان : إحداهما : استحييت بياءين وهي لغة أهل الحجاز وبه

٦٦٧

القياس ؛ لأنه صححوا الياء الأولى وهي عين الفعل.

واللغة الأخرى : استحيت بياء واحدة وهي لغة بني تميم.

واختلفوا في السبب الذي حذفت إحدى الياءين من أجله فقال الخليل ـ وهو الذي حكاه سيبويه عنه ـ إن استحييت استفعلت ، وعين الفعل منه معتلة كأنه في الأصل حاي كقولك : باع ، ثم دخلت السين على حاي ، فقيل : استحاي كما قيل استباع ، ثم اتصلت تاء المتكلم بياء استحاي ، فسكنت الياء والألف قبلها ساكنة ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ثم بيّن سيبويه أنّه لم يستعمل حاي الذي جاء عليه استحيت كما يستعمل : " يذر ويدع" ، ولم يستعمل الماضي منهما وقيل :

إن استحيت أصله استحييت حذفت إحدى الياءين تخفيفا ، وألقوا حركتها على الحاء.

ومعنى قوله : " ولكن مثل لويت كثير ؛ لأن الواو لم تعتل في يلوي كييجل فيكون هذا مرفوضا".

يعني : أن الواو إذا كانت متحركة وبعدها ياء لا تستثقل كما استثقلت الواو إذا كان قبلها ياء ، فقولك : يلوي ويحوى أخف من يوجل ، وذلك أن الياء أخف من الواو والكسرة أخف من الضمة. وإذا بدأت بواو ثم جئت بعدها بكسرة أو ياء ، كان أخف من أن تبتدئ بياء ، ثم تأتي بعدها بضمة أو واو لئلا تنتقل من الأخف إلى الأثقل.

وقوله : " وكانت الكسرة في الواو والياء بعدها أخف من الضمة في الياء والواو بعدها".

يعني : أن يروي ويلوي أخف من يحيو وحيوت ، فلذلك لم يأت حيوت ويحيو.

وقوله : " لأن الياء والكسرة نحو الفتحة والألف وهذا إذا صرت إلى يفعل"

يعني : أن الياء والكسرة في الخفة كالألف والفتحة ؛ لأن الياء والكسرة أخف من الواو والضمة وأقرب شبها بالألف والفتحة.

ومعنى قوله : " إذا صرت إلى يفعل".

يعني : في المستقبل إذا قلت : يحيو وقد تقدم القول فيه.

هذا باب التّضعيف في بنات الواو

اعلم أن الاسم قد يجوز أن يجتمع في آخره واوان طرفا إحداهما عين الفعل والأخرى لامه نحو : جوّ ، وحوّة وقوة ، وقو ، وبو. وما أشبه ذلك فإذا بنيت من شيء من هذا ـ فعلا ثلاثيّا على زنة لا توجب قلب إحداهما ياء ، لم يجر ، فلا يجوز أن يبنى من شيء منه فعلت ولا فعلت لأنك لو فعلت ذلك لقلت من القوة : قووت وقووت وفي مستقبله : يقوو ، وفي النصب : لن يقوو فتجتمع واوان ، إحداهما مضمومة ، وقد تتحرك الأخرى بالنصب ، وذلك مستثقل ، فإذا بنيته على فعلت جاز ، لأنك تقلب إحدى الواوين ياء كقولك : قويت وحويت

٦٦٨

من القوّة والحوّة فتخف الواو لانكسارها ومجيء الياء بعدها كما خفت في يلوي ويحوي وما أشبه ذلك.

وقد يجوز أن تجتمع واوان في حشو الفعل إذا لم تكن إحداهما طرفا كقولك : أحووان ، وهو أفعل من الحوة وأصله احووّ مثل : احمر ، أصله : احمرر فقلبوا الواو الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فبطل الإدغام لانقلاب الواو ألفا ، ولم يكن سبيل الواوين في احووى كالواوين في قووت ؛ لأن الواوين في احووى في حشو الفعل فهي أقوى وأمكن مما يكون طرفا.

وقوله : " ولم يقولوا قد قوّ" إلى قوله : " فأتبعتها الواو"

يعني : لم يقولوا في فعل من القوة : قوة ، كما قالوا : عضّ لأن الواو الثانية تنقلب ياء لانكسار الواو التي قبلها وتسكن في الوقف فيبطل الإدغام.

وقوله : " فكسرت العين فأتبعتها الواو" الثانية ، فانقلبت ياء إتباعا للكسرة التي قبلها.

وقوله : " إنما منعهم أن يجعلوا اقتتلوا بمنزلة رددت" إلى قوله : " ولكنه بمنزلة الواو الوسطى في القوة" يعني : أنك بالخيار في اقتتلوا ، إن شئت أدغمت ، وإن شئت لم تدغم ولم يلزموه الإدغام بمنزلة رد لأن الدالين في رد وقعتا طرفا ، ووقعت التاءان في اقتتل متوسطتين بحيث تقوى فيه الحروف لتمكنها من الكلمة ألا ترى أن الواو المتوسطة أقوى من المتطرفة في قولك ارعوى وإنما كان" ارعوو" فانقلبت المتطرفة وبقيت المتوسطة ، وهذا معنى قوله : " ولكنه بمنزلة الواو الوسطى في القوة".

وقوله : " وتقول في فعل من شويت شيّ" إلى قوله : " وصار كأنه بعده حرف متحرك".

اعلم أن" فعلا" متى كانت العين منه واوا ، واللام ياء قلبت الواو ياء ، وكسرت فاء الفعل لتسلم الياء ، وأدغمت كما تكسر التاء في" عتي" والصاد في عصي" وكانتا مضمومتين ويجوز ضم الفاء من فعل على الأصل فيقال : شيّ ، ولا يجوز ضم التاء من" عتي" والصاد من" عصيّ" فيقال : عتى وعصى والفرق بينهما أن كسر التاء من عتي لصاد من عصى لا يوقع لبسا بين بناءين لأنهما فعول ، فإذا كسرنا التاء والصاد لم يتوهم بناء آخر وإذا كسرنا الشين من" شيّ" الذي هو فعل التبس بفعل.

وقوله : " ولم يجعلها كبيض ؛ لأنه حين أدغم ذهب المدّ".

يعني : أن بيضا" لا يجوز فيه إلا كسر الياء ، ولأن الياء غير مدغمة في الضاد ، والياء الأولى في" شيّ" مدغمة في الياء الثانية وبإدغامها يذهب المد فصار كأنه حرف متحرك نحو : " صيد" فلم يلزم كسر الشين كما لم تقلب.

ضمة" صيد" كسرة لتحرك الياء.

٦٦٩

وذكر أنّه سمع العرب تقول : قرن ألوى وقرن ليّ ثم قال : " ومثل ذلك قولهم : ريّا ورية".

معنى ألوى معوج ، ووزنه أفعل ويجمع على فعل فيقال لوي مثل : أحمر وحمر ، فتقلب الواو ياء وتدغم ، ثم تكسر اللام لتسلم الياء كما فعل ذلك ببيض.

وقد يجوز ضم اللام لما ذكره سيبويه وبيّناه في شيّ.

وأما ريّا وريّة فأصلها : رؤيا ورؤية ، خففت الهمزة وهي ساكنة وقبلها ضمة فجعلت واوا فقلبت في رؤية روية كقولك : في جونة ، وفي رؤيا رويا ، فمن العرب من لا يقلب الواو هنا ياء وإن كانت بعدها ياء فتقول : روي وروية ؛ لأن هذه الواو في نية الهمزة وليست بواو أصلية.

ومنهم من يقلب الواو ياء ، ولا يفرق بين الواو المنقلبة من الهمزة وغيرها ، فيقول ريا ورية فمنهم من يكسر على ما ذكرنا من شيّ ، وقرن ليّ ومنهم من يضم.

وقوله في آخر الباب : " وكذلك فعلوا بقولهم : بالة كأنها بالية بمنزلة العافية" إلى قوله : " وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة"

اعلم أن بالة اسم للفعل من باليته بمنزلة العافية من" عافاه الله".

والمحذوف منها : الياء التي في موضع اللام من الفعل ، فإذا رددناها إلى موضعها صارت" بالية" كقولك : عافية ، وإنما حذفوا هذه الهاء كما حذفوا لام الفعل من سنة وثبة وما أشبه ذلك.

وقوله : " ولم يحذفوا لا أبالي لأن الحرف يقوى هاهنا ولا يلزمه حذف".

يعني أن قولك : لا أبالي هو في موضع رفع ، وليس بموضع جزم يقع فيه حذف كما أنّهم إذا قالوا لم يكن الرجل فتحركت النون بطل حذفها ، وإنما حذفهم الألف من لم أبل بسبب ما ذكره ، ولأن المجزوم في موضع حذف فاعلمه.

هذا باب ما قيس من المعتل من بنات الياء

ولم يجيء في الكلام نظيره إلّا من غير المعتل

قوله بعد شيء قدمه : " فألزمه التغيير كما ألزم مثل محنية البدل إذا غيّرت في ثيرة والسّياط".

فألزم غزوو التغيير إذ كان أثقل من عتوو ومعدو ، وقد غيروا عتوا ومعّدوا فقالوا : عتيّ ومعديّ كما ألزموا محنية التغيير ، والأصل : محنوة : إذا كان محنوة أثقل من ثيرة وسياط فقلبت الواو ياء كأن محنية أولى بذلك.

قال : " وتقول في فعلان من قويت وحييت قوان وحيّان إلى قوله : " ومن قال حيي عن بينة قال : قووان".

٦٧٠

أما إدغام قووان ، فلأن فعّل فعل لما عينه ولامه من جنس واحد في الاسم والفعل الصحيحين ، يجب فيه الإدغام. ولو بنينا فعلا من رددت اسما لقلنا : " ردّ" والأصل : " ردد" وإذا بنيناه فعلا قالوا : رد وأصله ردد وإنما جاز الإظهار لأن الواو الثانية تقلب ألفا لو تطرفت ، ولم تكن لتثبت فصار بمنزلة حي الذي يجوز فيه الإدغام كعضّ ومسّ ، إذا كانا حرفين من جنس واحد.

ويجوز فيه الإظهار لأن الياء الثانية تنقلب ألفا في يحيى.

قال المبرد : قووان غلط ينبغي إذا لم يدغم أن يقول : قويان فيكسر الأولى ويقلب الثانية ياء لأنه اجتمع فيه واوان في أحدهما ضمة والأخرى متحركة وهذا قول الجرمي وأكثر أهل العلم.

ومما يؤيد قول الجرمى ما قاله سيبويه بعد هذا إذا بنيت فعلوة من غزوت قلت : غزوية استثقالا لغزووة فإذا كانتا لا تثبتان في غزووة وجب أن لا تثبتان في قووان.

وكان الزجاج لا يجيز أن يبنى من قويت فعلان ؛ لأنه ليس في الكلام ألبتة اسم ولا فعل مما عينه ولامه واوان ، استثقالا للواوين مع الضمة في هذا البناء ، بل يعدلون فيه إلى فعل حتى تنقلب الواو الثانية ياء.

وقول سيبويه : " وأما حيوان ، فإنهم كرهوا أن تكون الياء الأولى ساكنة" إلى قوله : " كما صارت اللام الأولى في مملّ على أصل حين أبدلت الياء في آخره.

قال المبرد : حيوان أصله : فعلان ساكن العين ؛ لأن فعلان إنما يجيء في ما يكون اضطرابا نحو : الغليان والنّزوان فلما قلبوا اللام واوا ، لزمها القلب فتصير واوا قبلها فيلزمها الإدغام فيصير حيّان مثل : " أيام" فحركوا العين وأبدلوا اللام واوا ؛ لأنهم قالوا : حييان ، استثقلوا جمع الياءين فأبدلوا الثانية واوا ، وإنما استثقلوا حييان كما حيى وإن كان حيى أثقل.

ومعنى قوله : " ولم يكونوا ليلزموها الحركة هاهنا ، والأخرى غير معتلة من موضعها".

يعني : أنّه كان في" حيان ياءان ، الأولى ساكنة والأخرى متحركة ، فغيروا الأولى بأن فتحوها فكرهوا ترك الثانية على حيالها ، وقد غيروا الأولى ليعلم أن الكلمة مغيرة لوجود الواو في موضع الياء.

وقوله : " كما صارت اللام في مملّ ونحوه على الأصل حين أبدلت الياء من آخره".

يعني : أن ممل أصله : مملل ولكنهم تركوا التضعيف في قولك : أمللت فأبدلوا اللام ياء كما قالوا : تظنيت والأصل : تظننت ، وغيروا الحرف الثاني دون الأول كما غيروا الحرف الثاني في" حيوان" حين صيّروه واوا.

وقوله : " وتقول في مثل كوألل من رميت : روميا ومن غزوت : غوزوا إلى قوله : ولكنك

٦٧١

قلبت الواو ياء إذ كانت ساكنة".

اعلم أن" كوألل" وزنه فوعلل ، الواو زائدة وإحدى اللامين والهمزة أصلية ، فإذا بنينا مثله من رميت فأصله أن تقول : روميى فقلبت الياء الثانية ألفا لانفتاح ما قبلها ، ومن قويت قووا وذلك أن عين الفعل منه ولامه واوان ؛ لأنه من القوة فالواو الأولى : واو فووعل الزائدة والواو المشددة عين الفعل ولامه ، والألف هي بدل من واو لانفتاح ما قبلها ويجب على قياس قول الأخفش في فوعلل من قويت قويّا لاجتماع ثلاث واوات كما قال في افعوعل من قال أقويل وسيبويه يقول اقووّل.

ومعنى قوله : " فأجر أوّل"" وجيت" على أول" وجلت" يعني : تثبت في المستقبل من وجيت الواو ، كما تثبت في وجلت ، فيقال : يوجي ويوجل ، وياؤه كياء خشيت لأنها تنقلب ألفا في المستقبل إذا قلت يخشى ويوجي.

وقوله : " ووأيت بمنزلة : وعيت".

يعني أن الهمزة في" وأيت" بمنزلة حرف صحيح ، والاعتلال في واوه التي هي فاء الفعل وفي الياء التي هي لام الفعل بمنزلة" وعيت".

وقوله : " كما أن أويت حرف صحيح كغين غويت ، وشين شويت ، فاعلم ذلك.

هذا باب تكسير بعض ما ذكرنا على بناء الجمع

الذي هو على بناء مفاعل ومفاعيل

قوله بعد كلام قدمه : " ولو قال إنسان : أحذف في جميع هذا إذ كانوا يحذفون في نحو أثاف" إلى قوله : " كما ألزم التغيير مطايا".

يعني : لو قال إنسان أنّه يحذف إحدى الياءات الثلاث في رمائي ، ورائي فيقول : رماي وراي ، لكان يجب عليه أن يلتزم الحذف أبدا ولا يكون بمنزلة أثاف ؛ لأن الذي يقول : أثاف ومعاط فيخفف ، قد يقول : أثافي ومعاطي فيشدد ، والذي يحذف في رماي فيخفف ، لا يجوز له التشديد ، وذلك أن أثاف ومعاط قد كان يجوز فيه الحذف والإثبات لاجتماع الياءين ، فلما كان رمائي فيه ثلاث ياءات ، وهي أثقل من أثافي ألزموا الأثقل التخفيف كما أنّه لما جاز القلب في مدار للتخفيف فقالوا : مدري كان ذلك لازما في مطايا.

وقوله : " وما يغير للاستثقال ولم يحذف ، أكثر من أن يحصى ، فمن ذلك في الجمع معايا ومدارى ومكاكي".

يعني : أن من غير الياء الأولى في رمايي فجعلها همزة أو واوا فلم يحذفها ، فقد حمله على أشياء من كلام العرب تغير ولم يلحقها حذف ، فمن ذلك : معايا جمع : معى وكان الوجه أن يقال : معايي ، فقلبوا الياء ألفا ولم يحذفوها ، وكذلك مدارى ، أصلها مدارر جمع مدري ،

٦٧٢

ومكاكي أصلها : مكاكيك ؛ لأنه جمع مكوك ، ولكنهم استثقلوا اجتماع ثلاث كافات ، فقلبوا الأخيرة ياء فاعلمه.

هذا باب التضعيف

قوله في هذا الباب : " ولم يجئ فعلّل ولا فعلّل" زعم بعض النحويين أن ذكر سيبويه لهذا لا معنى له وإنما أنكروا ذلك أن فعلل في الكلام نحو سفرجل وفعلل نحو جردحل ، وفعلّل نحو : قذعمل.

وقد غلطوا في ذلك ، وذهب عليهم ما قصد سيبويه وإنما أراد أنّه لم يجئ فعلّل ولاماته الثلاثة من جنس واحد مثل : فعلّل الذي وزنه المثال ، ألا ترى أنّه قال عقيب ذلك : " ولم يبنوهن على فعالل كراهية التضعيف".

يعني لم يأت على فعالل واللامان من جنس واحد ، وقد جيء عليه واللامان مختلفان كقولهم : عذافر وحمارس وعلى فعلل واللامات مختلفات.

وقوله : " فلما صار تعبا عليهم أن يداركوا في موضع واحد ، ولا تكون مهملة كرهوا وأدغموا لتكون رفعة واحدة".

يعني قوله : " في موضع واحد" في موضع مخرج واحد وأراد بالمهملة : أن يكون بينهما حرف آخر كقولهم : قلقل وصلصل ، وقد فصل بين القافين والصادين اللام فسهل ـ لفصل اللام ـ النطق بالقافين واللامين.

وقوله : " وليست بمنزلة أفعل واستفعل ، ونحو ذلك" إلى قوله : " ولا تحرك العين وبعدها العين أبدا".

يعني : إن رددت الذي لا يغير منه شيء لا يشبه أفعل ، وذلك أن أفعل إذا كانت عينه ولامه من جنس واحد ألقيت حركة العين في الفاء وذلك قولك :

أحلّ وأقرّ أصله : أحلل وأقرر ، فألقيت حركة العين على الفاء ، وكذلك استفعل نحو استعد ، وأصله : استعدد فألقيت حركة الدال على العين ، ولم يفعل ذلك بفعل الذي هو رددوه نحوه لأن العينين إذا اجتمعتا لا تحرك الأولى منهما أبدا ، وفاء الفعل قد تحرك إذا كان بعدها عين كقولك يقوم وما أشبهه.

قوله بعد شيء قدمه : " وإن كان يكون ذلك اللفظ فعلا".

يعني أجلّ والذي يقول : هذا أجل من هذا فيدغم ولفظ أجل يكون فعلا كقولك : أجل زيد عمرا.

وقوله : " وإن كان على مثل الفعل" :

يعني : ما كان من المصادر التي في أوائلها ميمات حركاتها كحركات حروف المضارعة

٦٧٣

نحو مرد ومقر ومستعد وممد لأنها بمنزلة يقرّ ويستعد ، ويمد ، إلا أن أول الاسم ميم وأول الفعل غير ميم.

وقوله : " أو على غير واحد من هذين".

يعني : ما كان على غير لفظ الفعل كألدّ ، وأضلّ وعلى غير مثاله كمردّ وممدّ ، وهو نحو : مدقّ وما أشبهه.

قوله : " ألا ترى أنك لا تكاد تجد فعلت في التضعيف ولا فعلت" إلى قوله" ألا ترى أنّهم يقولون فخذ وعضد ساكنة ، ولا يقولون جمل".

أما فعلت في التضعيف ، فلا يكاد يوجد ، وأما فعلت فهو موجود وليس بالكثير بالإضافة إلى فعلت.

ففعلت فيه نحو : مسست وعضضت وشممت.

وقال بعضهم : فعلت بكسر العين في التضعيف كثير ، وهذه الحكاية في الكتاب كما وجدت في كل نسخة وكأن سيبويه أراد : أن فعلت قليلة في المعتل في باب قلت وبعت ، وإنما جاء منه هاب يهاب ، وخاف يخاف ، ونال ينال في أحرف يسيرة وأنها في المضاعف.

وإن كثرت نحو : عضضت أعضّ وشممت فهي أقل من فعلت نحو : رددت وما أشبهه.

وقوله : " ولم يستعملوا في كلامهم الياء والواو عينات في باب فعل".

يعني : لم يكن ذلك في كلامهم وقد استعمل مع قلته كقولهم صيد في جمع صيود وبيض في جمع دجاجة بيوض وفي الواو سوار وسور وهو قليل.

وقوله : " واحتمل هذا في الثلاثة لخفتها".

ويعني : احتمل التضعيف في الثلاثة في مدد وسرر ، ولو زاد على ثلاثة أحرف لأدغم إلا أن يكون للإلحاق كقولك في ما ليس للإلحاق : مدق ، وأصله مدقق وفي ما هو للإلحاق : رمدد وقعدد فاعرفه.

هذا باب ما شذّ من المضاعف فشبّه بباب أقمت وليس بمتلئب

اعلم أن هذا الحرف في هذا الباب شاذ غير مطرد ، والذين استعملوه مع شذوذه ، قد تأولوا فيه ضربا من التأويل.

فإذا قيل : أحسست وأحسن للنسوة وفي المستقبل يحسن ، فالأصل في ذلك قيل هذا التغيير : أحسّ ويحسّ ، ثم دخلت التاء للمتكلم وللمخاطب ، والنون لجماعة النساء ، فسكن ما قبلها وهو السين الأخيرة وقد كانت السين الأولى ساكنة مدغمة في الأخيرة ، فكرهوا تحريك واحدة منهما فحذفوا إحداهما.

وقوله : " فشبّهوها بأقمت".

٦٧٤

يعني أن أقمت ، حذفوا الألف منها لأنها ساكنة ، وقد سكنت الميم فاجتمع ساكنان ، وكذلك لما اجتمع السينان ساكنين حذف إحداهما.

وقوله : " ولا تصل الحركة إليها"

يعني : أن ما اتصل به تاء المتكلم أو نون جماعة النساء لا يحرك لاجتماع الساكنين وليس بمنزلة ما يسكن في الجزم والأمر ألا ترى أنك تقول لم يذهب الرجل فتكسر الباء لاجتماع الساكنين.

وسائر الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب ما شذّ فأبدل مكان اللّام والياء

كراهة التضعيف ، وليس بمطرد

ذكر في هذا الباب قولهم : تسرّيت ، وجعل الياء بدلا من الراء ، وأصله تسررت ، وهو من السرور.

وقال الأخفش. لأن السّريّة يسرّ بها صاحبها.

وقال ابن السراج : هو عندي من السر ، لأن الإنسان كثيرا ما يسرها ويسترها عن حرته.

وقال غيره : الأولى أن يكون من السر ، الذي هو النكاح.

وقال غير سيبويه : ليس الأصل فيه : تسرّرت ، وإنما هو تسريت بمعنى ركبت سراتها ، أي : أعلاها ، وسراة كل شيء : أعلاه.

وقال آخر : إنما هو من سريت ، والقول الأول أولى وأصحّ.

وذكر سيبويه في هذا الباب : " كلا وكلّا" ليريك أن ألف كلا ليست منقلبة من لام كل ، كما أن تظنيت منقلبة من نون تظننت.

واختلفوا في ألف كلا فقال البصريون : " كلا" موحد وهو بمنزلة معا.

وأضيف إلى اثنين ، وليست الألف للتثنية ؛ لأنها لا تنقلب في النصب والخفض كما تنقلب ألف التثنية ، وقال الفراء : هي ألف التثنية ، وتعلق ببيت أنشده لا يعرف قائله وهو قوله :

* في كلت رجليها سلامى واحده

كلتاهما مقرونة بزائده (١)

وهذا غلط من المحتج ؛ لأنه أضاف كلت إلى رجليها وهما اثنان ، فإن كانت" كلتا" مثنى وهي مضافة إلى اثنين ، فالواحدة مضافة إلى واحدة ، فكان ينبغي أن يقول : في كلت رجلها.

__________________

(١) معاني القرآن ٢ / ١٤٢ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ٢٠٢ ، الإنصاف ٢ / ٤٣٩ ، الخزانة ١ / ١٢٩ ، ١٣٣ ، المقاصد النحوية ١ / ١٥٩.

٦٧٥

وحكى سيبويه عن أبي الخطاب أنّهم يقولون : هنانان يريدون معنى : " هنين" وفيه مذهبان :

أحدهما : أن يقال : إن سيبويه أراد أن هنانين ، وإن كان بمعنى هنين فهو لفظ على حياله ليس بمشتق من" هن" كما أن" كلا" ليس بمأخوذ من لفظ كل.

والمذهب الثاني : أن" هن" ، لام الفعل منه : واو ويجمع" هنوات" ولام الفعل من" هنانان" نون ، فصار كأنه في الواحد" هن" فأبدلت النون الثانية واوا فاعرفه.

هذا باب تضعيف اللّام في غير ما عينه ولامه من موضع واحد

قوله : وأما معد فبمنزلة خدب ، ولا تقول أصله : فعلل ، وكذلك معدّ ، ليس من فعلل في شيء يريد أن" معدا" ليس أصله معدد على مثال جعفر ، كما أن خدبا لا يقال فيه أصله" خدبب" ثم ألقيت فتحة الباء الأولى على الدال ثم أدغمت ، بل بنيت الياء الأولى على السكون والدال على الفتحة كما فعل بمعد ، وخدب ملحق بقمطر.

وقوله : " ومنزلة جبنّ منها منزلة فعل من فعلل" يريد منزلة جبن من قعدد كمنزلة معد من قردد لأن جبنّا فيه ضمتان وحرف مزيد من جنس آخر ، وليس بملحق كقعدد كما أن معدّا فيه فتحتان وحرف مزيد من جنس آخره ، وليس بملحق كقردد.

وجعل سيبويه قعددا ملحقا بجندب.

فإن قال قائل : لم جعله ملحقا به وجندب وشبهه نونه زائدة ، وإنما يكون إلحاقه ما فيه زائدة بمنزلة ما ليس فيه زائدة؟

فالجواب : أنّه جعل عنصلا وجندبا كالأصل في وزن ما أوله مضموم وثانيه ساكن وثالثه مفتوح ؛ لأن النون الذي هو حرف الزيادة ، لا يسقط بحال ، ولا يعرف له اشتقاق من شيء تسقط فيه النون. وقعدد معروف الاشتقاق ، ويقال : هذا قعدّ من هذا فاعلمه.

هذا باب ما قيس من المضاعف الذي عينه ولامه من موضع واحد

ولم يجئ في الكلام إلا نظيره من غيره

قوله : بعد شيء قدمه" والدليل على ذلك أن هذه النون لا تلحق ثالثة والعدة على خمسة ، إلا والحرف على مثال سفرجل".

يريد أن النون زيدت ثالثة ، فليس يكون إلا في بناء قد ألحق بالخماسي.

ولقائل أن يقول : قرنفل فيه النون ثالثة زائدة وليس بملحق بالخمسة لأنه ليس في الكلام : فعلّل مثل سفرجل.

فالذى يصحّ به قول سيبويه : أنّه سقط من النسخة تكاد فكأنه قال : والدليل على ذلك أن هذه النون لا تكاد تلحق ثالثة.

٦٧٦

أي : هو قليل جدّا ، ومن القليل : قرنفل.

وقوله : " ولا تكاد تلحق وليست آخرا مع الألف إلا وهي تخرج بناء إلى بناء".

يريد أن النون إذا لم تكن مع الألف في آخر الكلمة كعطشان وما أشبهه لا تكاد تزاد إلا لإلحاق بناء ببناء وذلك كثير جدّا نحو : رعشن ، جحنفل ، وعنسل والذي ليس بملحق قليل ، كقولهم : كنهبل ، وقرنفل ونرجس ونحوه ، وهو قليل.

قوله وإن قلت : " إنما ألحقتها بالواو ، فإن التضعيف لا يمنع أن يكون على زنة جعفر إلى قوله : وليس فيه اعتلال ولا تشديد لأنك قد فصلت بينهما".

معنى هذا الكلام : إن قال قائل : إنما ألحقت رودد بجعفر بالواو دون غيرها ، فلم تدغم الدال؟

فأجاب : أن التضعيف ، وإن كان بالواو فعلينا أن نأتي بحركات الملحق على منهاج الملحق به والتضعيف.

ومعنى قوله : " إذا كانت اللامان تكرهان كما يكره التّضعيف وليس فيه زيادة".

يريد أن استثقال التضعيف ، وهو إظهار الحرفين من جنس واحد في اللامين ، وإحداهما زائدة في قولك : احمر واشهب ككراهية إظهارهما أصلين في قولنا : ردّ وعضّ. فلما استوى الزائد والأصلي في الإدغام استويا في الإظهار فوجب أن يكون رودد ـ والدالان أصليتان ـ بمنزلة جلبب ، وأخرى الباءين زائدة ، وقوى رودد ألندد ، إذا كانت الدالان أصليتين ، فاعرفه.

هذا باب ما شذ من المعتل على الأصل

وذلك نحو : ضيون." و" :

* قد علمت ذاك بنات ألببه

وتهلل وحيوة ويوم أيوم للشديد".

أما ضيون : فكان حقه أن يقال فيه : ضيّن بالقلب والإدغام.

ولكنه شذ عن النظائر ، ويجوز أن تكون العرب قالت ضيون ؛ لأنه لا يعرف له اشتقاق ولا فعل يتصرف ، فلو قالوا : ضيّن لم يعرف أهو من الياء أم الواو.

وقولهم : قد علمت ذاك بنات ألببه.

معناه : بنات أعقله ، وهو اللب ، ومعناه : قد علم ذلك العقل أمهم. وكان حقه أن يقال ألبه كما يقال : أشده ، وأجلّه.

وقد قال قوم : " ألببه" وهو جمع" لبّ". وبنات الألبب ، هي : القلوب ومواضع العقول.

وأما" تهلل" ، فإن سيبويه ذكره على أنّه تفعل ، وأما الشذوذ فيه : إظهار اللامين ، وإحداهما عين الفعل ، والأخرى لام الفعل ولا يكون ذلك إلا مدغما كقولك : يمس ويعض.

٦٧٧

وقال غير سيبويه : تهلل : فعلل ، مثل قردد. لأن التاء لا يحكم عليها في أصل الكلمة بالزيادة إلا بثبت ولو كانت اللام مدغمة لقضينا على التاء بالزيادة ؛ لأنه لا تدغم إلا في تفعّل ، والتاء في تفعل زائدة ، ولجاز أيضا أن تكون أصلية وتكون كميم معد.

وأما حيوة ، فكان القياس فيه أن يقال : حيّة كالقياس في ضيون ، ويجوز أن يكونوا أظهروا الواو لأنه لا يصرف تصرفا يعلم به أنّه أصله واو.

وقوله : " واعلم أن الشيء يقلّ في كلامهم" إلى قوله : " كراهية كثرة ما يستثقلون في الكلام".

يريد أنّه قلّ في الكلام فعلل الملحق بجعفر مثل قردد ، وكذلك فعلل الملحق ببرثن نحو : قعدد ، وهم يقولون كثيرا ردد يردّد من المضاعف. وقد طرحوا أصلا من كلامهم وهو فعالل نحو : ضرايب ، وفعلل نحو : ضربب ، وذلك كله كراهية ما يستثقلون ، وإن كانوا قد يستعملون مثله في الثقل وأثقل منه. ولا يستنكر أن ينتقل الإنسان عند استثقال الشيء إلى ما هو أخف منه ، وأن يصبر على ما يثقل عليه ويستثقله.

فأراد سيبويه بما ذكره في الباب من هذا وغيره ، تسهيل أمر الشاذ في أحرف لم يتجاوزوها ، كما يستعملون ما يثقل في شيء ويلزمونه ويدعونه في شيء آخر استثقالا.

ومعنى قوله : " ومن ثم تركوا من المعتل ما جاء نظيره في غيره".

يريد أن فعيلا من الصحيح يجمع" نعتا" على فعلاء ويجمعونه من المعتل على أفعلاء نحو : قويّ وأقوياء وصفيّ وأصفياء ، وكذلك ما يعل من الأفعال تأتي مخالفة لنظائرها من الصحيح.

وقوله : " قد يجيء الاسم على ما اطّرح من الفعل" يعني مثل قولهم : ويل وويح وآءة وقوّة وآية وغاية ولا يجيء فعل في شيء من ذلك.

وقوله : " وقد بيّن ما يجيء من المعتل على أصله يعني : استحوذ ونحوه ، والخونة والحوكة وشبهه".

وقوله : " وما يجيء على غير أصله".

يريد : قال وباع وأبان وما أشبه ذلك.

هذا باب الإدغام

ذكر سيبويه التسعة والعشرين حرفا المعروفة من حروف المعجم ، وذكر أنّها تكون خمسة وثلاثين حرفا بحروف هي فروع ، وأصلها من التسع والعشرين ، وهي كثيرة مستحسنة.

وذكر أنّها تصير اثنين وأربعين بحروف غير مستحسنة ، فمن الحروف المستحسنة :

٦٧٨

النون الخفيفة ، وهي النون الساكنة التي مخرجها من الخيشوم نحو النون في : منك وعنك.

ووقع في النسخ : النون الخفيفة ، وقد يجب أن تكون : الخفية ؛ لأن التفسير يدل عليها لأنها تخفى مع حروف الفم ، وإذا كانت ساكنة وبعدها حروف الحلق ، كان مخرجها من الفم من موضع الراء واللام وكانت بينة غير خفية.

والنون الساكنة تدغم في خمسة أحرف : يجمعها : ويرمل. وتنقلب ميما مع الباء كقولك في عنبر ومنبأ : عمبر وممبأ. ولو تكلف متكلف إخراجها من الفم وبعدها باء لأمكن بأعلى مشقة وبعلاج ، وإنما تخرج من الخيشوم وهي ساكنة وبعدها الباء فتنقلب ميما لأن الباء لازمة لموضعها ، وليس فيها غنة فكرهوا تكلف إخراج النون من الفم لما ذكرته لك.

وتباعد ما بين الخيشوم وبين مخرج الباء من الشفتين ، ولم تكن بينهما مشابهة تجمعهما ، فطلبوا حرفا يتوسط بينهما بملابسة تكون بينة وبين كل واحد منهما وهو الميم ، وذلك أن الميم من مخرج الباء وتدغم الباء فيه ، فهذه ملابسة الميم للباء ، وفي الميم غنة في الخيشوم ، فهذه ملابسة الميم للنون التي من الخيشوم.

ومن المستحسنة : همزة بين بين ، وعدها سيبويه حرفا ، وينبغي في التحقيق أن تعد ثلاثة أحرف ، وذلك أن همزة بين بين ، تجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها. فإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء ، وإن كانت مضمومة ، فبين الهمزة والواو ، وإن كانت مفتوحة فبين الهمزة والألف. فلما كانت الياء غير الواو وجب أن يكون الحرف الذي بين الهمزة والياء غير الحرف الذي بين الهمزة والواو وكذلك الذي بين الهمزة والألف.

ومن المستحسنة : ألف الإمالة. ووقع في بعض النسخ ألف الترخيم وهي الألف الممالة وسماها ألف الترخيم ، لأن الترخيم تليين الصوت ونقصان الجهر فيه.

ومن المستحسنة : الشين التي كالجيم كقولك في أشدق : أجدق ، وإنما نحي بها إلى الجيم لأن الدال حرف مجهور شديد ، والجيم مجهور شديد ، والشين حرف مهموس رخو ، فهو ضد الدال بالهمس والرخاوة ، فقربوها من لفظ الجيم من مخرجها وهي موافقة للدال في الشدة والجهر.

ومن المستحسنة : ألف التفخيم ، وهي ضد الممالة لأن الممالة ينحى بها نحو الياء ، وهذه ينحى بها نحو الواو.

وزعموا أن كتبهم الصلاة والزكاة ونحوه مما كتبت بالواو على هذه اللغة.

ومن المستحسنة : الصاد التي كالزاي في : مصدر ويصدق ونحوه.

وسيأتي ذلك في ما بعد إن شاء الله.

فأما السبعة غير المستحسنة التي هي تتمة الاثنين والأربعين حرفا.

٦٧٩

فأولها الكاف التي بين الجيم والكاف ، وهي في لغة لأهل اليمن ، يقولون في جمل : كمل ، وفي رجل : ركل ، فهي عند أهل المعرفة معيبة مرذولة.

والجيم التي كالكاف ، وهي كذلك ، وهما جميعا شيء واحد ، إلا أن أصل أحدهما : الجيم ، وأصل الآخر : الكاف ثم يقلبونه إلى هذا الحرف الذي بينهما.

والجيم كالشين ، ويكثر ذلك في الجيم إذا سكنت وبعدها دال أو تاء نحو : اجتمعوا والأجدر ، يقولون فيه : " اشتمعوا" ، و" الأشدر" فيقلبون الجيم من الشين لأنها من مخرج واحد ، والشين أسلس وألين وأفشى.

فإذا كانت الجيم مع بعض الحروف المفارقة لها ، ولا سيما إذا كانت ساكنة ، صعب إخراجها لشدة الجيم ، ومال الطبع بالنطق إلى الأسهل.

وذكر الجيم التي كالشين في غير المستحسنة ، والفرق بينهما أن الشين التي كالجيم في نحو : الأشدق ، إنما قربت فيه الشين من الجيم بسبب الدال لما بين الجيم والدال من الموافقة في الشدة والجهر ، كراهية لجمع الشين والدال لما بينهما من التباين. وإذا كانت الجيم قبل الدال في الأجدر ، وقبل التاء في اجتمعوا ، فليس بين الجيم وبين الدال والتاء من التنافر والتباعد ما بين الشين والدال فلذلك حسن الشين التي كالجيم ، وضعف الجيم التي كالشين.

وأما الطاء التي كالتاء فإنها تسمع من عجم أهل المشرق كثيرا لأن الطاء في أصل لغتهم معدومة ، فإذا احتاجوا إلى النطق بشيء فيه طاء تكلفوا ما ليس في لغتهم فضعف نطقهم بها.

والضاد الضعيفة من لغة قوم ليس في أصل حروفهم ضاد ، فإذا احتاجوا إلى التكلم بها من العربية اعتاصت عليهم ، فربما أخرجوها طاء ، وذلك أنّهم يخرجونها من طرف اللسان وأطراف الثنايا.

وربما تكلفوا إخراجها من مخرج الضاد. فلم يتأتّ لهم فخرجت بين الصاد والضاد ووقع في كتاب مبرمان في الحاشية : الضاد الضعيفة ، يقولون في إثرد : إضرد ، يقربون الثاء من الضاد حكاه أبو سعيد.

والصّاد التي كالسين في ما ذكروا : كأنها كانت في الأصل فقربها بعض من تكلم بها من السين ، لأن السين والصاد من مخرج واحد.

والطاء التي كالتاء مثل الطاء التي كالياء.

والباء التي كالفاء هي كثيرة في كلام الفرس وغيرهم من العجم على لفظتين :

أحدهما : لفظ الباء أغلب عليه من الفاء.

والآخر : لفظ الفاء أغلب عليه.

وقد جعلا حرفين من حروفهم سوى الباء والفاء المخلصتين.

٦٨٠