النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

* عجبت والدهر كثير عجبه

من عنزيّ سبّني لم أضربه (١)

وأنشد لأبي النجم :

* فقرّبن هذا وهذا أزحله

يريد : " أضربه" و" أزحله" ، فألقى حركة الهاء في الوصل على الساكن الذي قبلها في الوقف.

ومعنى أزحله : أبعده.

وسائر الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب الحروف الذي يبدل في الوقف مكانه أحرفا أبين منه تشبهه لأنه خفي

ذكر في هذا الباب أن ناسا من بني سعد يبدلون الجيم مكان الياء لخفائها ، وبيان الجيم.

وأنشد :

* خالي عويف وأبو علج

المطعمان اللحم بالعشج

وبالغداة فلق البرنج

البرني : ضرب من التمر.

وأنشد أبو زيد في الياء الخفيفة :

* يا ربّ إن كنت قبلت حجّتج

فلا يزال شاحج يأتيك بج

أراد : يأتيك بي.

هذا باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف

ذكر في هذا الباب عن الخليل أنّه يقول في النداء : يا قاض بالتنوين ، واختار سيبويه قول يونس واعتل له.

وبعض النحويين يختار قول الخليل ، وحجته أن المنادى المعرفة لا يدخله تنوين في وقف ولا وصل ، والذي يسقط الياء هو التنوين ، فوجب أن تثبت الياء لأنها لام الفعل كما تثبت غيرها من سائر الحروف.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٨٧ ، الكامل ٢ / ١٦٢ ، شرح النحاس ١٥ ، ٣٣٤ ، شرح السيرافي ٦ / ٣٦٤ ، المسائل البغداديات ٤٤٠ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١٨٦ ، شرح المفصل ٩ / ٧٠ ، الهمع ٢ / ٢٠٨ ، حاشية الصبان ٤ / ٢١٠ ، اللسان ١٢ / ٥٥٤.

٦٠١

وأنشد سيبويه لزهير بن أبي سلمى :

* وأراك تفري ما خلقت

وبعض القوم يخلق ثم لا يفر (١)

أنشده على حذف الياء من يفري في القافية ، وهذا كقوله عز وجل : (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) [الكهف : ٦٤].

قال : " وإثبات الياء أقيس".

ومعنى تفري أي تقطع على جهة الإصلاح. ومعنى خلقت : قدّرت ، يقول للممدوح إذا قدرت أمرا وتبينت صوابه أنفذته وأتممته ، وبعض القوم يقدر الأمر ، ثم لا يمضيه ولا يتمه.

هذا باب ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف

التي لا تذهب في الوصل

ذكر أن من العرب من يحذف ياء المتكلم في الوقف فيقول هذا غلام ، ويريد : غلامي.

وقد أسقان ، يريد : أسقاني. فأما ياء المتكلم في الفعل فالحذف فيها حسن ؛ لأن النون التي قبلها تدل عليها ولا لبس فيها.

وأما قولك : هذا غلام ، ففيه لبس ، فلا يجيزه بعض النحويين للبس ، وقد أجازه سيبويه لأن الوصل يبينه بكسر الميم.

وأنشد سيبويه للنابغة :

* إذا حاولت في أسد فجورا

فإني لست منك ولست من (٢)

يريد : " مّني" يقول هذا لعيينة بن حصن الفزاري وكان قد دعاه إلى مقاطعة بني أسد ، ونقض حلفهم فأبى النابغة ذلك وتوعده بهم.

وأنشد أيضا :

* وهم وردوا الجفار على تميم

وهم أصحاب يوم عكاظ إن

يريد : إني ، وخبر إنّ في بيت بعد هذا.

يصف بني أسد ، ويذكر أيّامهم ومشاهدهم ، توعّدا لعيينة بن حصن وفخرا عليه بهم.

وأنشد للأعشى :

* فهل يمنعني ارتيادي البلاد

من حذر الموت أن يأتين

__________________

(١) ديوان زهير ١١٩ ، الكتاب ٢ / ٢٨٩ ـ ٣٠٠ ، شرح النحاس ٣٣٦ ، شرح السيرافي ٦ / ٣٧٤ ، المسائل البغداديات ٥٠٦ ، المسائل العسكرية ٢٠٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٤٤ ، المنصف ٢ / ٧٤ ، ٢٣٢ ، اللسان خلق ١٠ / ٨٧ ، فرا : ١٥٣ / ١٥.

(٢) ديوانه ٧٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩٠ ، شرح النحاس ٣٣٦ ، شرح السيرافي ٦ / ٣٧٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٣٥.

٦٠٢

ومن شانئ كاسف وجهه

إذا ما انتسبت له أنكرن (١)

أراد : " أن يأتيني" ، و" أنكرني".

قال عز وجل : " أكرمن" و" أهانن".

وقوله : كاسف وجهه ، أي عابس متغير.

وأنشد في ما قلبت فيه الياء ألفا لطفيل الغنوي

* إن الغويّ إذا نها لم يعتب

أراد : " نهي".

وأنشد في ما حذفت من الألف ضرورة للبيد :

* وقبيل من لكيز شاهد

رهط مرجوم ورهط ابن المعل

يريد" المعلّى". وهذا من أقبح الضرورة.

ومعنى قول سيبويه الألفات التي تذهب في الوصل لا تحذف في الوقف. يريد : ألف عصى ورحى ، وما أشبه ذلك يحذف في الوصل لاجتماع الساكنين : التنوين والألف ، فإذا وقفت ، ذهب التنوين فعادت الألف ، وهذا الموضع يدل على أن مذهب سيبويه أن الألف التي تثبت في الوقف هي التي كانت في الحذف ، ويقوى ذلك أيضا أنك تقول : هذا فتى فتميل.

وقال بعض النحويين : إنّها منقلبة من التنوين ، ولو كانت كذلك ما أميلت.

هذا باب ثبات الياء والواو في الهاء التي هي علامة الإضمار وحذفها

اختلف النحويون في الواو والياء المتصلتين" بضربهو" و" عليهى" فبعضهم جعله من نفس الاسم ، وبعضهم جعله زائدا ، ولا خلاف بينهم أن الألف في" عليها" و" ضربها" هما جميعا الاسم.

وقد اختلفوا في مذهب سيبويه في الواو والياء من ضربهو وعليهى.

فقال الزجاج : مذهبه أنّها بمنزلة الألف ، وأنهما من الاسم كالألف ، وذكر أن مذهبه أنّهما ليستا من نفس الاسم ، قال : والدليل على ذلك أن الواو والياء لا يوقف على واحدة منهما إذا قلت : " ضربته" و" مررت به" ويوقف على الألف إذا قلت : ضربتها.

وللقائل أن يقول : قد يجوز أن يحذف ما هو من نفس الاسم في قولنا : هذا قاض ، فلا يكون للزجاج حجة في ذلك.

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٦ / ٢٩٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، شرح المفصل ٩ / ٤٠ ، ٩ / ٨٧ ، الهمع ٢ / ٨٧ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٢٤.

٦٠٣

وبعض النحويين يذهب إلى أن مذهب سيبويه : أن الواو والياء ليستا من الاسم واعتل بحذفهما في الوقف.

وفصل سيبويه بين الهاء التي قبلها ساكن أو واو أو ياء ، وبين الهاء التي قبلها ساكن من غير هاء ، فاختار أن يقال عليه : (فَأَلْقى عَصاهُ) [الشعراء : ٣٢] و (خُذُوهُ) [الحاقة : ٣٠]. بحذف حروف المد التي بعد الهاء ، واختار" منهو" و" أصابتهو" جائحة بإثبات الواو.

واختار المبرد حذف الواو في : منه وأصابته ، ولم يفرق بين حرف اللين وغيره.

وهو الصحيح لأن أكثر القراء والجمهور على (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) [آل عمران : ٧].

والعلة في هذا كالعلة في حروف اللين ، وذلك أن الهاء خفية ، فلو وصلت بحرف ساكن ، وقبلها ساكن ، وهي لخفائها كأنها ساكن لصار كأنه ثلاث سواكن.

وقوله : " ولم يفعلوا هذا بذة هي ، ومن هي ونحوهما إلى قوله : وليست الياء في هي وحدها باسم كياء غلامي".

يريد : أن الهاء التي قبلها حركة لا بد أن توصل ، وحذف الوصل منها إنما يجوز في الشعر كما جاز في حذف ألف معلى حتى قيل : معل وحذف صلة الهاء أجدر لأنه قد يحذف في الكلام في : عليه ومنه ويحذف من : هي وهو لأن الواو والياء مع الهاء التي قبلهما هما الاسم ، ولأن الواو والياء في هي ، يوقف عليهما ، وليس ذلك في ضربته ولا مررت به ، ولذلك ضعف الوصل فقال : الهاء هي هاء الإضمار ، والياء التي بعدها أيضا مع هذا أضعف لأنها ليست بحرف من نفس الكلمة ، وهذا مما يدل على أن الهاء وحدها عند سيبويه الاسم.

وقوله : وليست الياء في هي وحدها باسم.

يدل أيضا أن الياء مع الهاء اسم. وقد استدل بعضهم على أن الهاء وحدها الاسم ، بقول سيبويه : هاء الإضمار.

ومعنى قوله : لو ترك كان حسنا وكان على أصل كلامهم.

يريد : لو ترك وصل الهاء في الوقف والوصل كان حسنا إذا لم تكن الواو من نفس الكلمة.

وبعضهم ذهب إلى أنّه أراد : لو لم تحذف في الوقف الياء والواو من الهاء لجاز لبيان الهاء ؛ لأنهم يلحقون للبيان الحروف ، ولكنهم لزموا الحذف خاصة في الوقف ، ليدلوا على أنّهما ليسا من نفس الحروف.

وأنكر من كلام سيبويه بعد أن ذكر اجتماع المتحركات في نحو قولك : " رسلكم ولو فعلوا ذلك لاجتمعت في كلامهم أربع متحرّكات".

فأنكر عليه في هذا : لأنّا إن أسكنا الميم من" رسلكم" ففيه أربع متحركات متوالية ، وإن

٦٠٤

حركنا الميم ففيه خمس متحركات.

وقوله هذا ، على أحد وجهين : إمّا أن يكون سهوا في عدد الحروف ، وإما أن يكون على ما قال بعض النحويين : لاجتمعت أربع متحركات من قبل تحريك الميم ، فإذا حركناها زاد على أربع متحركات فيكون زائدا على نهاية الثقل المستعمل في الشعر والموجود في كلمة واحدة ، كقولنا : علبط وما أشبه ذلك.

وقوله : " فأما الهاء فحرّكت في الباب الأول" إلى قوله : " كما فعلت في الأول".

يعني أن الهاء لا تسكن كما سكنت الميم في أبوهم ورسلهم وما أشبه ذلك ، لأن الميم لا يكون ما قبلها إلا مضموما ، فإذا سكناه لم يلتق ساكنان ، والهاء قد يكون ما قبلها ساكنا كقولنا : ألقى عصاه وعليه ، وما أشبهه ، فلو سكناها اجتمع ساكنان ـ فاعلمه.

هذا باب ما تكسر فيه الهاء التي هي علامة الإضمار

ذكر في هذا الباب أن بعض العرب يقولون : " بكم" و" عليكم" ، يشبهونها بقولهم : " بهم" وهي لغة رديئة.

وزعم أن أهل اللغة سمعهم ينشدون قول الحطيئة :

* وإن قال مولاهم على كلّ حادث

من الدهر : ردّوا فضل أحلامكم ردّوا (١)

ومعنى البيت أنّه يصف قوما بالحلم والأخذ بالعفو والفضل ، فإذا كان بينهم وبين مولاهم ـ وهو ابن عمهم ـ مباينة بشيء وقع بينه وبينهم ثم نابه حدث ونزلت به شدة ، فاستنصرهم وسأل أن يردوا عليه فضل أحلامهم ففعلوا ذلك.

وذكر قولهم : " هذه أمة الله" بالإسكان ، وفرق بيّن هذه الهاء وهاء الإضمار وإنما إسكانها لقلة تصرفها إذا كان ما قبلها مكسورا خاصة ، وما قبل هاء الإضمار مختلفا. ووجب إسكانها أيضا لأنها مبنية وبدل من شيء لو كان حرفا صحيحا للزمه البناء على السكون وذلك أنّها بدل من ياء في حرف إشارة والإشارات مبنية على السكون ، فجاز فيها السكون لذلك فاعرفه.

هذا باب الكاف التي هي علامة المضمر

ذكر في هذا الباب أن قوما يلحقون الشين بعد كاف المؤنث يبيّن بها الكسرة في الوقف.

وذلك قولهم : أعطيتكش وهذه اللغة تسمى : الكشكشة ، ويقال إنّها في قوم من بكر بن وائل ، وإنما ألحقوا الشين في الوقف ؛ لأنهم إذا وقفوا على الكاف سكنت ، فلم يكن فصل بين

__________________

(١) ديوانه ٢٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩٤ ، المقتضب ١ / ٢٧٠ ، شرح السيرافي ٦ / ٣٩٣ شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٤٢.

٦٠٥

المذكر والمؤنث ، فأرادوا بيان المؤنث في الوقف فجعلوا ترك الشين علامة للمذكر.

وباقي الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب ما يلحق التاء والكاف اللتين

للإضمار إذا جاوزت الواحد

ذكر في هذا الباب لحاق الميم في تثنية التاء والكاف ، وجمعهما وضم ما قبل الميم.

فأما الميم ، فذكر أنّها لحقت التثنية والجمع ؛ لأنهم بالغوا في الفرق فجعلوه بين الواحد والجمع بحرف ، سوى الحرف الذي كان يلحق في الاسم الظاهر كقولنا : زيدان وزيدون ، وأن هذه الميم لحقت في التثنية ؛ لأن التثنية جمع كما تلحق في الجميع وتختلف العلامة اللاحقة بعد الميم فيهما ، فالزيادة في التثنية بعد الميم ، الألف كقولك : ذهبتما ، وفي الجمع ، الواو كقولك : ذهبتمو.

وأما لزوم الضم لما قبل الميم ؛ فلأن هذه الميم لحقت بالتاء ، وكانت حركة التاء قبل لحاق الميم تختلف للفرق بين المؤنث والمذكر ، فلما ثنوا وجمعوا ، صارت العلامة علامة الجميع في ما بعد الميم كقولك : فمتمو يا رجال وقمتن يا نسوة ، وضربتكمو وضربتكن ، فأغنى ذلك عن تغيير الكاف والتاء للفرق ، فألزموها حركة كانت تدخل على أحدهما وهي ضمة التاء والكاف ولم يسكنوا التاء ؛ لأن ما قبلها ساكن أبدا ، فلا يجوز أن يجمع بين ساكنين ، وحملوا الكاف على التاء لأنها قد يكون ما قبلها ساكنا في قولك : أعطاكما وما أشبه ذلك.

هذا باب الإشباع في الجر والرفع

وغير الإشباع والحركة كما هي

أنشد في هذا الباب في ما سكن ضرورة :

* رحت وفي رجليك ما فيهما

وقد بدا هنك من المئزر

يريد : هنك.

وأنشد للراجز :

* إذا اعوججن قلت : صاحب قوم

بالدّوّ أمثال السّفين العوّم

أراد : صاحب ، فأسكن الباء. يصف إبلا. والدو : الصحراء وشبه الإبل في عظم خلقها وقطعها للصحاري بالسفين العوم.

وأنشد لامرئ القيس :

* فاليوم أشرب غير مستحقب

إثما من الله ولا واغل

الواغل : الداخل على الشرب ولم يدع. والمستحقب : الحامل في الحقيقة وهي مؤخر الرحل. وإنما قال هذا لأنه كان حرم على نفسه شرب الخمر ، حتى يدرك بثأر أبيه ، وكانت بنو أسد قتلته فجمع لهم امرؤ القيس وأوقع بهم فحلل بهم قسمه وحلت له الخمر بزعمه ، فهو

٦٠٦

لا يكتسب إثما في شربها.

وأنكر المبرد وغيره ما أجاز سيبويه من تسكين المتحرك في الشعر ورووا :

ـ " وقد بدا ذاك من المئزر".

ـ " وقلت صاح قوّم" ،

ـ و" فاليوم أسقى ..."

ـ ومنهم من يروي : " فاليوم فاشرب ..."

وما قاله سيبويه صحيح لأنهم لا خلاف بينهم أن الإعراب قد يزول بالإدغام ، والقراء قد أجمعوا على إدغام النون في قوله عز وجل : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) [يوسف : ١١].

والأصل : تأمننا فذهبت الضمة التي هي علامة للرفع ، فإذا كان الإعراب قد ذهب في اللفظ من المدغم في الكلام ، فغير بعيد أن يجوز إسكان الحركة في الشعر مع رواية سيبويه له وأخذه عن العرب.

باب وجوه القوافي في الإنشاد

قوله : " لأن الشّعر وضع للغناء"

يريد : أنّه يحتاج إلى ألحان موزونة ، ونغم منظومة تكرر على مقادير من الحروف وبنسب لا تختلف ، فلا يجوز أن يحمل ذلك إلا كلام موزون يكون قدر بعضه إلى بعض معروفا. ولو لا ذلك ما احتيج إلى المنظوم ، وهذا في جميع الألسنة : ما أرادوا الترنم به والغناء من الكلام كان موزونا ، وفيهم من يلزم حرفا بعينه مع الوزن. وفيهم من يعتمد على اتفاق ومقدار الحروف ، وإن لم يقفه على حرف معلوم. فلما كان موضوع الشعر للغناء والترنم ، احتاجوا ـ إذا ترنموا ـ إلى الحروف التي تتم الصوت ، وهي الألف والواو والياء فزادوها بعد حركاتها المأخوذة منها لامتداد الصوت بهذه الحروف.

فإذا أنشدوا على غير الترنم ، فأهل الحجاز أجروا آخره مجرى الترنم على كل حال ، ولزموا الأصل الذي يوجبه الشعر من التغني به ، وفرقوا بينه وبين الكلام الذي لم يوضع للغناء.

وأما من أبدل مكان المدة النون من بني تميم ، فإنهم أرادوا إتمام الوزن فجعلوا مكان حرف المد نونا ؛ لأن أكثر الأواخر في الكلام منون ، فلزموا التنوين في هذا كله فحرسوا الوزن ولم ينقصوا منه شيئا ، وفصلوا بين ما يترنم به وبين ما لا يترنم به.

وأما الذين أجروه مجرى الكلام ، فذهبوا إلى أنّه لما ترك الترنم زال عنه المقصد الذي يقصد بالشعر الموزون ، فأجروه مجرى سائر الكلام ، واحتمل النقصان الوزن في اللفظ لزوال الترنم والغناء الذي يحتاج معه إلى التمام واستيفاء النغمة.

وحمل سيبويه ما يحذف من الألفات والياءات والواوات الأصليات في القوافي ؛ على ما

٦٠٧

يحذف منهن في الكلام إذا لم يكن أصليّا ، فمن ذلك الألف هي بدل من التنوين إذا وقفت عليها لا تحذف ، تقول : رأيت زيدا ، فلا يحسن حذف الألف ، فإذا كان في قافية لم يحسن أيضا حذفه ، فإذا كانت الألف أصلية جرت مجراها في أن لا يحسن حذفها ، كقوله :

* داينت أروى والدّيون تقضى

فمطلت بعضا وأدّت بعضا (١)

فالألف في" تقضى" لا تحذف كما لا تحذف الألف في" بعضا". وينبغي على قياس من يقول : رأيت زيدا ، إذا وقف عليه ، أن يجيز حذف الألف في يخشى ونحوه وذلك معنى قول سيبويه : " فلو كانت تحذف في الكلام ولا تمدّ إلا في القوافي ، لحذفت ألف يخشى".

ومعنى قوله : " فإنما فعلوا ذلك بيقضي ويغزو ؛ لأن بناءهما لا يخرج نظيره إلا في القوافي".

أي ليس في الكلام ما يبدل من تنوينه ياء ولا واوا ، وإنما يكون في القوافي كقولك في :

* حبيب ومنزلي

وكقولك :

* طحا بك قلب في الحسان طروب (٢)

واعلم أن سيبويه إنما ذكر وجوه القوافي في الإنشاد ليعلمك حكم اللفظ بأواخر الشعر في الوقف والوصل كما أعلمك في الأبواب التي قبلها في غير الشعر.

وذكر فصل ما بين الكلام والشعر في ذلك ، فكان ما ذكره منه. على ما يوجبه النحو من حكم اللفظ بآخر الكلمة الموقوفة والموصولة ، لا على ما ينحوه أهل العروض والقوافي.

وأنشد سيبويه ليزيد بن الطثرية :

* فبتنا تحيد الوحش عنّا كأننا

قتيلان لم يعلم لنا النّاس مصرعا

أنشد هذا في ما يوقف عليه بحروف المد واللين إذا ترنموا.

وهذا البيت يروى لامرئ القيس. وصف جارية خرجت إليه في الليل من بين الحي فباتا معا لا يعلم بموضعهما.

وأنشد لجرير :

* متى كان الخيام بذي طلوح

سقيت الغيث أيّتها الخيامو (٣)

__________________

(١) ديوانه ٢٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٠ ، شرح السيرافي ٦ / ٤١٩ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٥٥ ، الخصائص ٢ / ٩٦ ـ ٩٧.

(٢) قائله علقمة بن عبدة ، ديوانه ٣٣ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٢٠.

(٣) ديوان جرير ٢ / ٥١٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩٨ ، شرح النحاس ٣٣٧ ، شرح السيرافي ٦ / ٤١٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٤٩ ، المنصف ١ / ٢٢٤ ، شرح عيون الكتاب ٣٦ ، شرح المفصل ٤ / ١٢٥ ، مغني اللبيب ١ / ٤٩٢ ، شرح شواهده ٢ / ٧٦٢.

٦٠٨

فوصل القافية بالواو في الرفع كما توصل بالألف في النصب.

وأنشد لجرير أيضا :

* أيهات منزلنا بنعف سويقة

كانت مباركة من الأيامي (١)

فوصل بالياء في الخفض على قياس الرفع والنصب.

والنّعف : ما ارتفع من الوادي واتصل بالجبل. وسويقة : اسم موضع. وأيهات : في معنى هيهات ، ومعناها البعد.

وأنشد للعجاج في ما يترنم فيه بالنون لمضارعتها حروف المد واللين :

* يا صاح ما هاج الدّموع الذّرّفن (٢)

وأنشد العجاج أيضا :

* من طلل كالأتحميّ أنهجن

أراد : " الذرفا" و" أنهجا" والذرّف القاطرة. والأتحميّ : ضرب من ثياب الوشي شبه آثار الدار به. ومعنى أنهج : أخلق.

وأنشد في ما أجري من القوافي مجرى الكلام في الوقف لجرير :

* أقلّي اللوم عاذل والعتاب (٣)

وأنشد للأخطل :

* واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل (٤)

قال : ويقولون :

* قد رابني حفص فحرّك حفصا

تثبت الألف لأنه كذلك في الكلام.

قال : " وسمعت من يروي هذا الشعر من العرب ينشده" :

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩٩ ، شرح النحاس ٣٣٨ ، الخصائص ٣ / ٤٣ ، شرح عيون الكتاب ٣٦ ، اللسان سوق ١٠ / ١٧١.

(٢) ديوانه ٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩٩ ، شرح النحاس ٣٣٩ ، أمالي القالي ١ / ٣٨ ، شرح السيرافي ٢ / ٤١٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٥١ ، الخصائص ١ / ١٧١ ، شرح عيون الكتاب ٣٦ ، المغني ١ / ٤١٢ ، شرح شواهده ٢ / ٧٩٣ ، المقاصد النحوية ١ / ٢٦.

(٣) ديوانه ٦٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩٩ ، نوادر أبي زيد ١٢٧ ، المقتضب ١ / ٢٤٠ ، شرح النحاس ٣٨٨ ، شرح السيرافي ٢ / ٤١٢ ، المسائل البغداديات ١٦٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٤٩ ، المنصف ١ / ٢٢٤ ، الخصائص ١ / ١٧١ ، ٢ / ٩٦ ، شرح عيون الكتاب ٣٦.

(٤) ديوانه ١٤٣ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩٩ ، شرح السيرافي ٦ / ٤١٢ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٥٧ ، اللسان صقل ١١ / ٣٨١.

٦٠٩

* لا يبعد الله أصحابا تركتهم

لم أدر بعد غداة البين ما صنع (١)

يريد : ما صنعوا.

وقال :

* لو ساوفتنا بسوف من تحيّتها

سوف العيوف لراح الرّكب قد قنع

يريد : قنعوا

والعيوف : من عفت الشيء إذا كرهته وأبيته. والسوف هاهنا : من التسويف وهو المطل بالعدة.

وأنشد :

* طافت بأعلاقه خود يمانيّة

تدعو العرانين من بكر وما جمع (٢)

يريد : ما جمعوا.

والخود من النساء : الحسنة الخلق ، وجمعها خود. والعرانين : الأنوف ، ضربها مثلا للأشراف من قومها.

وأنشد لتميم بن مقبل : (٣)

* جذيت ابن أروى بالمدينة قرضة

وقلت يشفّاع المدينة : أوجف

يريد : أوجفوا ، فحذف الواو ، وهي ضمير الفاعلين في هذه الأبيات ؛ لأنه يشبهها بواو" يغزو" وحذفها دون حذف واو يغزو في الحسن ؛ لأن الواو هاهنا اسم ، وواو يغزو حرف.

ومعنى أوجفوا : أسرعوا.

والوجيف : سير سريع.

وأنشد للخزر بن لوذان ، ويروى لعنترة :

* كذب العتيق وماء شنّ بارد

إن كنت سائلتي غبوقا فاذهب (٤)

يريد : فاذهبي.

يخاطب بهذا امرأته وكانت تعاتبه على إيثاره فرسه باللبن عليها.

ومعنى كذب العتيق ، أي : عليك بالعتيق وهو التمر ، وهي كلمة تستعمل في الإغراء ويرفع ما بعدها وينصب. والغبوق : شرب العشي.

__________________

(١) ديوان ابن مقبل ١٦٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠١.

(٢) ديوانه ١٧٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠١ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٢٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٨٤.

(٣) ديوانه ١٩٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٢ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٢٣.

(٤) ديوان عنترة ٢٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٢ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٢٣ الخزانة ٦ / ١٨٣ ، اللسان كذب ١ / ٧١٠ ، ١٠ (عتق) / ٢٣٧.

٦١٠

قال : وأنشد الخليل :

* خليليّ طيرا بالتفرق أوقعا (١)

فلم يحذف الألف.

وأنشد لأبي النجم :

* الحمد لله الوهوب المجزلي (٢)

فأثبت الياء كما أثبت الألف.

وأنشد :

* وأعلم علم الحق أن قد غويتم

بني أسد فاستأخروا أو تقدّم (٣)

يريد : تقدموا.

وأنشد : في ما كسر من السواكن وألحقت به الياء للإطلاق ـ لطرفة :

* متى تأتني أصبحك كأسا رويّة

وإن كنت عنها غانيا فاغن وازدد (٤)

وأنشد لأبي النجم :

* إذا استحثّوها بحوب أوحلي (٥)

فكسر اللام وهي في الكلام مسكنة ، ثم وصلها بالياء للإطلاق. وحوب ، وحل : زجر للبعير لينهض.

واحتج سيبويه في آخر الباب لتحريك الساكن في القوافي بالكسر يقول الرجل : قدى ، يريد : قد كان كذا وكذا فيقطع الكلام ليذكر.

وحكى عن بعضهم : " هذا سيفني يريد : سيف".

فكسر التنوين ؛ لأنه أراد أن يصله بكلام بعده فنسيه فوقف متذكرا له ، فكسر النون الساكنة هي التنوين ، وألحقها ياء ـ فاعلم ذلك.

هذا باب عدة ما يكون عليه الكلام

هذا الباب لا يحتاج فيه إلى كثير تفسير ؛ لأنه يجري مجرى اللغة ، وهو مفهوم من كلام سيبويه.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٢ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٢٣.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٢ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٢٤ ، الخصائص ٣ / ٨٧ ، ٩٣ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١٧٢ ، شرح شواهد المغني ١ / ٤٤٩ ، الخزانة ٢ / ٣٩٠ ، ٣٩٤

(٣) الكتاب ٢ / ٣٠٢ ، الخزانة ٢ / ٥.

(٤) شرح المعلقات العشر ٤٥ ، شرح الأشعار الستة للأعلم ٢ / ٦١ ، جمهرة أشعار العرب ٣٢٢ ، شرح القصائد السبع الطوال ١٨٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٣ ، المقتضب ٢ / ٤٨ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٢٦.

(٥) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٣ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٢٦.

٦١١

ومعنى قوله بعد أن ذكر لام الإضافة : " ومعناها الملك والاستحقاق".

يريد : أن بعض ما تدخل عليه اللام ، لا يحسن أن تقول أنّه يملك ما أضيف إليه ، وبعضه يحسن. فأما الذي يحسن : فقولك : الدار لزيد. والذي لا يحسن : أن تقول : زيد صاحب للدار ، والله رب الخلق ، ورب للخلق ، فالخلق مستحقون أن يكون الله ربهم ، ولا يقال : إنّهم يملكون ولا يقال : إن الدار مالكة لصاحبها.

ومعنى قوله في الباء : " هي للإلزاق والاختلاط" إلى قوله : " فما اتسع من هذا الكلام فهذا أصله" إنما قال هذا لأنه قد يستعمل بالباء ما لا يكون إلصاقا كقولك : مررت بزيد لم تلزق المرور بزيد ، إنما تريد المرور التزق بالموضع الذي يقرب منه ويقع منه ، وتقع فيه مشاهدته والإحساس به.

وذكر في الباب أن" إن" تكون لغوا في قولك : " ما إن تفعل".

وقال الفراء : هما جميعا للنفي ، وزاد على ذلك بأنه يقال : " لا إن ما" فتكون الثلاثة للجحد.

وأنشد :

* إلا الأوارى لا إن ما أبينها (١)

والذي قاله فاسد ؛ لأن الجحد إذا دخل على الجحد صار إيجابيّا ، والذي قاله سيبويه وأصحابه صحيح ؛ لأنهم جعلوا أحدهما لغوا ، واعتمدوا بالجحد على الآخر.

وأما البيت الذي أنشده الفراء فرواية الناس : " لأيا ما أبيّنها".

وذكر سيبويه أن" إن" تزاد بعد ما التي هي ظرف للتوكيد.

وأنشد للمعلوّط القريعي (٢) :

* ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته

على السنّ خيرا لا يزال يزيد (٣)

ويروى : " عن السن" وعن بمعنى على.

يريد : رجّه للخير ما رأيته لا يزال خيرا على السن والكبر.

وأنشد لأبي ذؤيب :

__________________

(١) شرح السيرافي ٦ / ٤٥٠ ، شرح شواهد المغني ١ / ٧٤ ، ٧٦.

(٢) هو المعلوط بن بدل بن قريع بن عوف بن كعب من شعراء الفترة الإسلامية.

الخزانة ٣ / ٢٢٠.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٦ ، شرح النحاس ٣٤٠ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٥٤ ، الخصائص ١ / ١١٠ الجنى الداني ٢١١ ، شرح المفصل ٨ / ١٣٠ ، مغني اللبيب (١ / ٣٨ ، ٤٠١) ، شرح شواهده ١ / ٨٥ ، ٢ / ٧١٦ ، حاشية الصبان ١ / ٢٣٤ ، الخزانة ٨ / ٤٤٣ ، المقاصد النحوية ٢ / ٢٢.

٦١٢

* بل هل أريك حمول الحىّ غادية

كالنّخل زيّنها ينع وإفضاح (١)

الينع : إدراك النخل. والإفضاح : أن يحمر البسر ويصفر.

شبه ما على الحمول من الهوادج المزينة بالألوان المختلفة بالنخل المدرك.

وأنشد للبيد في نحو هذا :

* بل من يرى البرق بتّ أرقبه

يزجي حبيا إذا خبا ثقبا (٢)

الحبي : السحاب ، يحبو بعضه إلى بعض ، ومعنى خبا : فتر لمعانه وسكن.

وثقب : ضده.

وليست بل لترك الشيء على جهة الإبطال له في كل حال ولكنها تكون للإبطال تارة ، وللآذان بأن القصة الأولى قد تمت وأخذ في غيرها. وعلى هذا تأتي في الشعر ؛ لأن الشاعر لم يرد أن ما تكلم به قبل بل باطل ، وإنما يرد أنّه قد تم وأخذ في غيره ، كما يقول الشاعر : " دع ذا" و" اترك ذا" ، وما أشبهه عند تمام ما تكلم به والانتقال إلى غيره.

وذكر سيبويه أن قد تكون بمعنى ربما.

وأنشد للهذلي :

* قد أترك القرن مصفرّا أنامله

كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (٣)

أراد : " ربما".

ومعنى قوله : " مصفرّا أنامله" : أي : ميتا. وجعل ثيابه ـ لاحمرارها بالدم ـ كأنها صنعت بالفرصاد وهو شجر التوت.

وبيّن أن «يا» للتنبيه ، وأنشد للشماخ :

* ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال (٤)

كأنه قال : اسقياني ، و «ألا» و «يا» جميعا للتنبيه ، والمنبه المنادى محذوف وهذا كثير في كلامهم.

وبين أن «من» تكون للتبعيض ، ولابتداء الغاية وذكر في معنى التبعيض : " هو أفضل من

__________________

(١) ديوان الهذليين ١ / ١٠٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٦ ، شرح النحاس ٣٤١ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٥٤.

(٢) ديوانه ٢٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٦ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٥٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٣٣.

(٣) ديوان عبيد ٤٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٧ ، المقتضب ١ / ٤٣ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٥٧ ، الجنى الداني ٢٥٩ ، شرح المفصل ٨ / ١٤٧ ، مغني اللبيب ١ / ٢٣١ ، شرح شواهده ١ / ٤٩٤ الهمع ٢ / ٧٣ ، الخزانة ١١ / ٢٥٣ ، اللسان قدد ٣ / ٣٤٧ ، أسن ١٣ / ١٧.

(٤) ملحقات ديوانه ٤٥٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠٧ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٥٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٢٩ ، شرح المفصل ٨ / ١١٥ ، مغني اللبيب ١ / ٤٨٨.

٦١٣

" زيد" و" شر من زيد".

وقال : أراد أن يفضله على بعض ولا يعمم ، وجعل زيدا الموضع الذي ارتفع منه أو سفل منه.

والأولى في هذا : أن يجعل من باب ابتداء الغاية ؛ لأنه إذا قال : " هو أفضل من زيد" فقد ارتفع عن محل زيد وعن مكانه ، وارتفاعه عن محل زيد هو ابتداء ارتفاعه حتى يفضي بذلك إلى أنّه أفضل من كل من محله كمحل زيد أو دونه لأنه ارتفع عن ذلك المكان.

ومعنى قوله" وتقول : رأيته من ذلك الموضع. فجعلته غاية رويتك كما جعلت حيث أردت الابتداء والمنتهى".

معناه : أنك ترى شيئا في مكان فتقول : رأيته من ذلك المكان ، فكان ذلك الموطن منه ابتداء رؤيتك إذا لم تصح الرؤية إلا منه.

ومعنى قوله : إن ما جاء على حرفين ، مما وضع موضع الفعل ، أكثر مما جاء من الفعل المتصرف. يريد بالفعل المتصرف : الأحرف الثلاثة التي ذكرها وهي : كل ، وخذ ومر ، وليست بمطردة.

وأما ما يدخله الإعلال فيصير على حرفين في الأمر فكثر نحو قولنا : قل وبع وخف وشبهه ، وليس بالذي أراده سيبويه.

قال : واعلم أن بعض العرب يقول : م الله لأفعلن ، يريد : أيم الله فحذف.

هذا قول سيبويه. وغيره يقول : إنما الميم من من وقد قيل : من ربي لأفعلن.

وقال بعضهم : من يمين ، وهذا أولى به ؛ لأنها مكسورة وميم" أيم" مضمومة.

وذكر" بله" ، ومعناها : دع ، تقول : " بله" زيد و" بله" هاهنا : بمنزلة المصدر كما تقول : ضرب زيد.

قال الشاعر :

* تذر الجماجم ضاحيا هاماتها

بله الأكفّ كأنّها لم تخلق

كأنه قال : دع الأكف ثم جاء ببله فجعله مكان المصدر كأنه قال : ترك الأكف كما تقول : ضرب زيد ، بمعنى : اضرب زيدا.

ومنهم من ينصب الأكف ، ولم يذكره سيبويه. ويحتمل ذلك وجهين :

ـ أحدهما : أن يقدر : " بلها الأكفّ" وحذف التنوين لاجتماع الساكنين.

ـ والآخر : أن" بله" لا يتمكن ، فوضع موضع الفعل كما قيل : رويد زيدا وما أشبهه.

قوله : " وأما نول ، فتقول : نولك أن تفعل كذا وكذا ، أي : ينبغي لك فعل كذا ، وأصله من التناول".

٦١٤

وهو يستعمل للشيء الممكن تناوله ، ويشار بتناوله فيقال : نولك أن تفعل ، بمعنى : ينبغي لك أن تفعل.

وذكر" إذا" التي للموافقة والمفاجأة ، واختلفوا فيها.

فكان المبرد يقول : إنّها ظرف من مكان ، فإذا قلت : خرجت فإذا زيد ، فكأنك قلت : " خرجت بحضرتي زيد" كما تقول : " أمامي زيد".

وكان الزجاج يقول : إن إذا على كل حال للزمان ، وإن قولهم : " خرجت فإذا زيد" ، كأنه قال : " خرجت فالزمان حضور زيد" ، أو" فالزمان مفاجأة زيد" ، فإذا انفرد زيد بعدها ، قدرت زيدا تقدير الحضور والمفاجأة ؛ لأن ظروف الزمان تكون أخبارا للمصادر.

وأجاز سيبويه : " بينما زيد قائم إذا جاء عمرو".

فمن الناس من يقول : إن" إذ" زائدة ، ومن الناس من يقول : إنّها خبر لبينما كأنا قلنا : وقت زيد قائم وقت جاء عمرو أي : وقت قيام زيد مجيء عمرو.

ويجوز أن يكون بينما و" إذ" ظرفين لما بعد بينما.

وكان الأصمعي لا يجيز دخولها على بينما ، ودخولها في أشعارهم معلوم.

قال الشاعر :

* استقدر الله خيرا وارضينّ به

فبينما العسر إذ دارت مياسير

ونحو هذا كثير.

وذكر" كيف" وبين أن معناها" على أي حال".

وللقائل أن يقول : إذا كان معنى كيف : " على أي حال" فلم لا تقول : " على كيف زيد؟ " كما تقول : " على أي حال زيد؟ ".

فالجواب : أن" كيف" هو اسم" زيد" كأنا قلنا : أصحيح زيد أم مريض؟ أعاقل زيد أم أحمق؟.

وإنما جاء سيبويه بذلك على المعنى ؛ لأن الإنسان إذا كان صحيحا فهو على صحة وبيّن أن من العرب من يحذف نون" لدن" حتى تصير على حرفين.

وأنشد للراجز :

* يستوعب البوعين من جريره

من لد لحييه إلى منحوره (١)

البوع : مصدر باع يبوع ، وهو بسط الباع ، والجرير : الحبل ، أراد به زمام البعير ، أو

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣١١ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٧٤ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٨٠ ، شرح عيون الكتاب ٢٧٥ ، شرح المفصل ٢ / ١٢٧.

٦١٥

الرسن ، والمنحور : المنحر والصدر ، كأنه يصف بعيرا أو فرسا بطول العنق فهو يستوعب بأعين من الرسن في ما بين لحييه إلى صدره.

قوله بعد أن ذكر" لما"" وإنما هي بمنزلة لو"

يريد : أنّها ضد" لو" وذلك أن لو ينفي بها الشيء لانتفاء غيره كقولك : " لو جئتني لأعطيتك". و" لما" يقع بها الشيء لوقوع غيره كقولك : " لما جاءني زيد أكرمته".

وقوله : بعد أن ذكر" لولا" و" لوما" : فالأول سبب ما وقع وما لم يقع.

يريد : أنك تقول : " لو لا زيد لأكرمتك" ، " فزيد" سبب أنّه لم يكرمه.

وتقول : " لولا زيد لم أكرمك" ، " فزيد" سبب كرامته. فالثاني الذي هو الجواب ، إن كان منفيّا في اللفظ فهو موجب في المعنى. وإن كان موجبا في اللفظ فهو منفي في المعنى.

وقوله في آخر الباب : " وإنما كتبنا من الثلاثة وما جاوزها غير المتمكن إلى آخر الفصل ..

جملة كلامه : أن من سئل عن الغامض فسره بما يفهم من الألفاظ المعتادة ، فقرب على السائل فهم التفسير. فإذا سئل عن الواضح المعتاد ، احتاج أن يتكلف لفظا ليس بمعتاد ، وهو أغمض عند السائل من الذي سأل عنه فبعد عليه ، فلذلك صار تفسير الواضح أشد.

ومما أنشد في الباب قول كعب بن زهير :

* غدت من عليه بعد ما تمّ خمسها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل (١)

استشهد به لكون على اسما ودليل ذلك دخول من عليها.

يصف قطاة في أشد أحوالها وحاجتها إلى الطيران من عطشها وحاجة فرخها إلى الري ؛ لأنها غدت في الخامس من شربها الماء ، وجوفها يصوت من يبسه ، وبعد عهده بالماء. وعن قيض : يعني عن فراخ. والقيض في الأصل اسم لما يقشر من البيض عن الفراخ. وإنما يريد أن يذكر سرعة طيرانها من أجل ذلك.

وأنشد لجرير :

* حتى اختطفتك يا فرزدق من عل

استشهد به على أن على بمعنى فوق واعلم ذلك.

هذا باب علم حروف الزيادة

قال : وهي عشرة أحرف

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣١٠ ، نوادر أبي زيد ١٦٣ ، الكامل ٣ / ٩٨ ، المقتضب ٣ / ٥٣ ، شرح السيرافي ٦ / ٤٦٦ ، الجنى الداني ٤٧٠ ، شرح المفصل ٨ / ٣٨ ، أوضح المسالك ٢ / ١٥ ، مغني اللبيب (١ / ١٩٤ ، ٢ / ٦٩٠) ، الخزانة ١٠ / ١٤٧ ، المقاصد النحوية ٣ / ٣٠١ ، اللسان علا ١٥ / ٨٨.

٦١٦

وتجمعها قولك : اليوم تنساه. وقد بيّن سيبويه أحكامها ومثّل جميع ذلك ومما ذكر في الباب مما فيه الألف زائدة خامسة : حلبلاب : وهو نبت. ومثله في زيادة الألف خامسة : حبنطى وهو : العظيم البطن. ودلنطي : وهو السريع المرور ـ وجحجبي : وهو بطن من الأنصار.

وقد تدخل الألف سادسة ، ولم يذكرها سيبويه وهي الألف في قبعثرى : وهو الجمل العظيم ، وبعضهم يقول : الفصيل الضئيل. وفي نحو اشهيباب ، واحرنجام وما أشبه ذلك.

وذكر زيادة الياء وبين مواضعها ، ومما ذكر : حذرية : وهي الأرض الغليظة قال : وتلحق مضاعفة كل اسم إذا أضيف نحو" هنىّ". يعني ياء النسبة كقولك : بصريّ وتميميّ وما أشبه ذلك. وإنما مثل" بهني" لأن هنا كناية عن جميع الأشياء.

وذكر زيادة النون. ومن جملة مواضعها التي ذكر ، رعشن : وهو المرتعش ، وعرضنة : وهو الاعتراض ، يقال : ناقة فيها عرضنة أي : اعتراض عن قصد الطريق بنشاطها. وعنسل : وهي الناقة السريعة ، يقال : عسل الذئب مشى بسرعة.

وذكر زيادة التاء : فمما زيدت فيه : تنضب : وهو شجر تعمل منه القسي.

فيحكم على زيادتها بأن" فعللا" ليس في الكلام و" تفعل" موجود. وترتب التاء الأولى فيه زائدة بدليلين :

أحدهما : أنّه مأخوذ من الراتب ، والدليل الثاني : مثل ذلك : تنضب.

وذكر زيادة الواو ، فمما ذكر : حوقل : وهو المسن ويقال : حوقل حوقلة إذا مشى مشية ضعيفة من الكبر.

وقسور : وهو الأسد. وهو مشتق من القسر وهو القهر ، ويقال له قسورة أيضا. ويقال للصائد قسورة ؛ لأنه يقشر الصيد ويقهره ، والقسورة أيضا شجر من شجر الحمض. والقرنوة : شجر يدبغ به. والعضرفوط : دويبة تقاتل الأسد.

وذكر زيادة اللام : في : " ذلك" وفي" عبدل".

فأما ذلك : فذكر المبرد أنّه أبعد في الإشارة من ذاك وذكر الزجاج أن اللام عوض من" ها" التي للتنبيه ، فلو أدخلت ها لم تقل : ها ذلك ، وكأن اللام دخلت للتبعيد في الإشارة.

وأما" عبدل" فذكر الأخفش أن معناه عبد الله ، فهذا يحتمل معنيين : أحدهما : أن تكون اللام زائدة كما ذكر سيبويه.

والوجه الثاني : أن تكون اللام هي اللام التي في قولك : الله ، كأنك بنيت عبدلا من حروف عبد ومن بعض حروف قولنا : الله كما قالوا : عبدري وقيسي.

٦١٧

هذا باب حروف البدل

وهي : " أحد عشر حرفا." قد ذكرها سيبويه ويجمعها في اللفظ : " أجد طويت منها".

ذكر بدل الهمزة من الياء والواو إذا كانتا لامين بعد ألف زائدة كقولنا : قضاء

وشقاء.

وإنما وجب ذلك ، من قبل أن الياء والواو إذا كانت قبلهما فتحة قلبتا ألفين إذا كانتا في موضع حركة ، كقولنا : دعا وقضى.

ولو كانت ساكنة لم تقلب كقولك : بيع وقول.

فلما وقعت الياء والواو طرفا في موضع تلزمهما فيه الحركة وقبلهما ألف وجب قلبهما إذا كانت قبلهما ألف وفتحة ؛ لأن الألف والفتحة من حيز واحد ، فقلبتا للألف التي قبلهما ألفين ، كما قلبت ألفين مع الفتحة ، فلما قلبت ألفين اجتمعت ألفان وهما : الألف التي كانت في الكلمة ، والألف المنقلبة من الياء والواو ، واستحال اجتماع ألفين ، فلم يجز إسقاط أحدهما لئلا يلتبس الممدود بالمقصور ، ولا سبيل إلى تحريك الألف ؛ لأن الحركة لا تمكن فيها فقلبت إلى أقرب الحروف منها مما يمكن تحريكه وهو الهمزة.

قوله عقيب ذكر إبدال الهاء من الياء في هذه : وذلك في كلامهم قليل ... كما أن تبيين الحركة بالألف قليل.

وذلك أن الحركة إنما تبين بالهاء ، وجاء في أنا تبين النون بالألف في الوقف.

ومن العرب من يقول : أنه على ما يوجبه قياس بابه ، وكذلك : حيهلا ، وحيهله.

قال : " وتبدل الياء مكان الواو .. في مسلمين ومسلمين".

يعني : الأصل هو المرفوع وعلامته في الجمع واو وفي التثنية ألف ، فإذا جعل المجرور والمنصوب بالياء في الجمع والتثنية ، فكأن الياء من الواو والألف.

وذكر أن التاء تبدل في" افتعل" من وزن ووعد. قالوا : اتعد واتزن ، وإنما قلبوا الواو تاء ؛ لأنهم لو لم يقلبوها تاء ، لم تثبت على حال واحدة ، لأنك إذا قلت : اوتزن اوتعد لزمك أن تقلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فتقول : " ايتزن" فإذا صرت إلى المستقبل وجب على هذا القياس أن تقول ياتزن ، فتتبع الواو ما قبلها ، فقلبوا هذه الواو تاء ؛ لأن التاء لا تقلب إلى غير جنسها بشيء من الحركات. واختاروا التاء دون غيرها ؛ لأنها تبدل من الواو كثيرا كقولك : تراث وتجاه وما أشبه ذلك ، وأرادوا مع هذا حرفا يشاكل تاء" افتعل" ليدغم فيها فيكون أخف عليهم.

وذكر بدل التاء من الياء إذا كانت لاما.

وفي بعض النسخ من الواو ، وذلك قولهم : " أسنتوا" : إذا أصابهم القحط والسنة ، وكان ينبغي أن يكون أسنى القوم يسنون ؛ لأن السنة من ذوات الواو على هذا ، ولكنهم ألزموه

٦١٨

البدل لأنهم لو قالوا أسنوا في القحط والسنة المجدبة ، لالتبس بدخول السنة عليهم.

وأما اختلاف النسخ في الياء والواو فهو محتمل ، وذلك أن الأصل في الكلمة الواو ؛ لأن" سنة" أصلها : " سنوة" ، فالتاء على هذا التأويل بدل من الواو ، وإذا وقعت الواو رابعة في الفعل انقلبت ياء فجاز أن يقال : إن التاء منقلبة من الياء على هذا.

وذكر بدل الميم فقال : " تبدل من النّون في العنبر وشنباء".

وكذلك كل نون ساكنة بعدها" باء" واو رام أحد ألا يجعلها ميما ويخرجها نونا لشق عليه ذلك ، وذلك أن النون الساكنة مخرجها من الخيشوم وليس لها تصرف في الفم إلا أن يتكلف إخراجها من الفم مع حروف الحلق. فلما كانت بهذه الصورة ، وكانت الباء حرفا شديدا للزوم موضعه ، نبت النّون عن الباء نبوّا شديدا ، فجعلوا مكانها ميما ؛ لأن الميم متوسطة بين الباء والنون مشابهة لهما وذلك أنّها من مخرج الباء وفيها غنة تشاكل بها النون فتوسطت بينهما لذلك.

وذكر بدل النون من الهمزة في فعلان فعلى ، وذلك أنّه يجعل النون في سكران وغضبان بدلا من الهمزة ولذلك لم ينصرف سكران وغضبان ، ومما يدل على ذلك أن هاء التأنيث لا تدخل عليها كما لا تدخل على ألف التأنيث.

فإن قال قائل : لم جعلتم الهمزة هي أصل النون دون أن تكون النون أصلا لها؟

قيل له : لعلتين :

ـ إحداهما : أنّه غير منصرف ، والأصل في منع الصرف لألف التأنيث لا للنون.

ـ والعلة الثانية : أن الهمزة قد أبدل منها النون في النسبة إلى بهراء وصنعاء فقالوا : بهراني وصنعاني.

قال : " وتبدل الواو مكان الياء في شروى وتقوى ونحوهما".

وهذا مطرد في جميع العربية إذا كانت" فعلى" اسما لا نعتا وأصلها من الياء ، لأن شروى الشيء : مثله ، وأصله من شريت ، لأنه ما شري بالشيء فهو مثله. وتقوى من وقيت.

فأما النعت فلا تقلب فيه واو نحو : حريا وصديا. فرقا بين الاسم والصفة ، وخصت الصفة بالياء ؛ لأنها أثقل من الاسم ، والياء أخف من الواو.

وللبدل أحرف لم يأت بها سيبويه في الباء : كالزاي التي تكون بدلا من كل صاد ساكنة بعدها دال كقولك : يزدر في يصدر. وفزد في موضع : فصد.

وقلب السين صادا إذا كانت بعدها قاف أو خاء كقولك" صقف" في : سقت ، وصلخت في : سلخت.

وكذلك الشين من الكاف المؤنث في لغة بعض العرب كقولهم : ضربتش في ضربتك.

٦١٩

وقال شاعرهم.

* تضحك مني أن رأتني أحترش

ولو حرشت لكشفت عن حرش

يعني حرك ـ فاعلمه.

هذا باب الأبنية

اختلف النحويون في قوله : " وما قيس من المعتل".

فقال سيبويه ـ ومن ذهب مذهبه ـ كل بناء من اسم أو فعل عرف في كلام العرب يجوز لنا أن نبني مثله وإن كانت العرب لم تبنه ، كقائل قال لنا : كيف نبني من" ضرب" مثال" جعفر"؟

فالجواب : " ضربب" وليس في كلام العرب" ضربب". ولكن في كلامهم مثاله.

ولو قال : ابنوا من ضرب مثال" جالينوس" لم يبن منه هذا المثال ، ولم يجز ذلك لأنا لو بينا مثالا على غير المثال الذي في كلامهم لخرجنا عما تكلموا به ، وإنما نريد أن نتكلم بكلامهم ونقيس عليه ونقتدي به.

وأما الأخفش فإنه كان يجيز أن يبنى من كلام العرب أمثلة ليست في كلامهم. وذلك أنّه لو سئل : كيف تبني من ضرب مثال" فعل" : لقال : ضرب وليس في كلام العرب" فعل" ، واحتج في ذلك بأن من يخالفه قد بني مثل" فعل" من ضرب فقال : ضرب ، وضرب لا معنى له في كلام العرب ، فإذا جاز أن يبني ما لا معنى له في كلامهم جاز أن يبني ما لا نظير له من الأمثلة.

وقال الجرمي : لا نبني من الكلام شيئا لم تبنه العرب لأنا إذا فعلنا ذلك أتينا بما لا معنى له ولا تحصل به فائدة. وما لا معنى له ساقط لا وجه للتشاغل به ، فيسقط كثير من تعب التصريف على قول الجرمي.

وأما التصريف فهو تغيير الكلمة بالحركات والزيادات والقلب للحروف حتى تصير على مثال كلمة أخرى كقولك في مثال : جلجل من" ضرب"" ضرب" ، فتغير الضاد إلى الضم ، وزيادة الباء ، وتغيير الحروف التي في" ضربب" عن الحركات التي في ضرب هو التصريف.

واعلم أن الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة الزيادة فهي ثلاثة : الاشتقاق ، والخروج عن الأمثلة ، والقياس على زيادة النظير.

فأما الاشتقاق : فهو أن ترد عليك الكلمة وفيها بعض حروف الزيادة ، فإذا صرفتها سقط ذلك الحرف في بعض تصاريفها فيحكم على الحرف بالزيادة لذلك.

وأما الخروج عن الأمثلة : فهو أن ترد الكلمة وفيها بعض الزوائد وليس فيها تصرف ولا اشتقاق. غير أنا متى جعلنا النون أصلية صارت الكلمة على مثال لا يكون في كلامهم كقولك : قرنفل ، وكنهبل ، يمكن أن تكون النون زائدة وأن تكون أصلية إلا أنّها إذا جعلت أصلية صارت الكلمة على مثال لا يكون في كلامهم : فعلل مثل سفرجل ، وليس في كلامهم

٦٢٠