النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

قال : ومع هذا أن الذي قبل اللام فتحته اللام إلى قوله : فحالهما في الفاء واحدة كما أن حال هذين في العين واحدة.

يريد أن لام الفعل إذا كان من حروف الحلق فتحت العين ، كما أن العين إذا كانت من حروف الحلق فتحت نفسها.

فلما كانت تفتح نفسها إذا كانت من حروف الحلق ، وجب أن يفتحها ما يجاورها لاشتراكهما في الحركة ؛ لأن العين واللام متحركتان جميعا. وليست كذلك الفاء والعين ؛ لأن الفاء ساكنة في المستقبل ، والعين متحركة فهما مختلفان.

وفيه وجه آخر يقوى ما قال سيبويه ، وهو أن الفتحة التي تجتلبها حروف الحلق إنما هي على العين ، والحركة في الحرف المتحرك يقدر أنّها بعده ، فهي بعد العين وقبل اللام ، فتوسطها بينهما ومجاورتها لهما واحدة ، فمن أجل ذلك جاز أن تكون الفتحة تجتلبها العين واللام.

وليست الفاء كذلك ؛ لأن الفتحة بعيدة من الفاء إذا كانت تقع بعد الحرف الذي بعده.

قوله بعد أن ذكر : أبى يأبى ، وجبى يجبى ، وقلى يقلى : " وأتبعوه الأول كما قالوا : وعده ، يريدون وعدته فأتبعوا الأول ، يعني في يأبى لأن الفاء همزة.

ففتحوا عين الفعل إتباعا للفاء كما أتبعوا الثاني الأول في إدغام وعده

وحكى الزجاج عن إسماعيل القاضى أنّه علل" أبى يأبى" فقال : إنما جاء على فعل يفعل ، لأن الألف من مخرج الهمزة.

وقال : إن هذا ما سبقه إليه أحد واستحسنه.

وهو غلط لأن الألف ليست بأصل في أبى يأبى ، إنما هي منقلبة من ياء فحقها أن تكون في المستقبل على يأبى ، كما تقول : أتى يأتي ورمى يرمي.

ومعنى قوله : " ولا نعلم إلا هذا الحرف".

أشار إلى : أبى يأبى دون جبى يجبى وقلى يقلى ؛ لأنهما لم يصحا عنده كصحة : أبى يأبى.

ومعنى قوله : " فشبّهوا هذا بقرأ يقرأ".

أى شبهوا : أبى يأبى بقرأ يقرأ في فتح العين من أجل الهمزة إلا أنّهم أتبعوا العين الفاء في أبى يأبى ، كما أتبعوا التاء الدال في : وعدّه.

هذا باب ما كان من الياء والواو

قوله في هذا الباب : وزعم يونس أنّهم قالوا كع يكع ويكع أجود إلى قوله : وقد خالفت باب جئت كما خالفتها في أنّها تحرك.

يريد أن الذي يقول : يكعّ وماضيه كععت ، جاء به على مثال صنع يصنع ؛ لأن باب كع

٥٨١

لما كانت عين الفعل فيه قد تتحرك في كععن ويكععن ، صار بمنزلة صنعن ويصنعن ، وخالفت باب جئت من ذوات الواو والياء لأنهما لا يتحركان إلا إذا كانتا عينين ، فاعرفه.

هذا باب الحروف الستة إذا كان واحد منها عينا

اعلم أن حروف الحلق لما أثرت في يفعل إذا كان واحد منها في موضع عين الفعل ولامه ، فجوزت أن يصير على يفعل ما حقه أن يجيء على يفعل أو يفعل جعلت في فعل وفعيل ـ مجوزة ـ تغيير ذلك وإن اختلف التغييران وذلك أن حكمها في يفعل أن يفتح ما ليس حقه الفتح ، وفي هذا أن تكسر ما ليس حقه الكسر ؛ لأن الفاء في فعل وفعيل ـ في الأصل ـ مفتوحة ، وإنما جاز كسرها في فعل وفعيل من أجل حرف الحلق ، فكسر إتباعا للثاني ، ولأن الكسر قريب من الفتح ، والياء تشبه الألف فأتبعوا الأول ـ في الكسر الثاني ، كما يتبعون الأول الثاني في الإدغام.

وأهل الحجاز لا يغيرون ذلك ، ويأتون به على أصله.

قوله : وسمعت بعض العرب يقول : بيس ، فلا يحقق الهمزة ... كما قالوا : شهد ، فخففوا وتركوا الشين على الأصل.

يريد أن الهمزة قد يترك تحقيقها ولا يتغير كسر الأول وكذلك شهد ، وإنما كسرت الشين لكسرة الهاء في الأصل ، فلما سكنت الهاء لم تغير كسرة الشين لأن النية كسر الهاء وتحقيق الهمزة ، وإن كان لحقها هذا التخفيف.

قوله : " وقالوا في حرف شاذ : أحبّ ونحب شبهوه بقولهم من إلى قوله : " كما أن يدع ويذر على ودعت ووذرت وإن لم يستعمل".

اعلم أن في يحب قولان : أحدهما : ما قال سيبويه في هذا الفصل ، أن أصله : حب وإن لم يستعمل ، وكان حقه على تقديره أن يقال : يحبّ بفتح الياء لكنه أتبع الياء الحاء.

وقال غيره : يحب بالكسر أصله يحبّ من قولك : أحبّ يحبّ ، وشذوذه : أنّهم أتبعوا الياء المضمومة الحاء كما قالوا : مغيرة.

وهذا القول أقوى لأن الكسرة بعد الضمة أثقل وأقل في الكلام. فالأولى أن يظن أنّهم اختاروا الشاذ عدولا عن الأثقل.

ومن حجة سيبويه أنّهم قالوا : يئبي ، والأصل يأبى ، فقد كسروا المفتوح.

وإنما كسروا المفتوح في يئبي وحق الكسر أن يكون في أوائل يفعل مما ماضيه على فعل إذا كان الأول تاء أو نونا أو ألفا ، ولا تدخل الكسرة على الياء تقول في علم : أنت تعلم ، وأنا إعلم ، ونحن نعلم.

ولا يقولون : زيد يعلم ، فصار يئبي شاذّا من وجهين :

٥٨٢

أحدهما : أنّه أبي يأبي شاذ ، وكسر الياء فيه شاذ ، وعند سيبويه : ربما شذ الحرف عن نظائره في كلامهم فيجزئهم ذلك عن ركوب شذوذ آخر فيه وقد مثل ذلك بقولهم :

با ألله بقطع الألف ، وبغير ذلك من الشواذ.

ثم قال : وأما أجيء ونحوها فعلى القياس وعلى ما كانت عليه لو أتموا

يعني أنّه يفتح الألف في أجيء ولا يكون مثل أحب ويحب ؛ لأن هذا شاذ ، وتجيء وأوجيء ونحو ذلك جاء على ما ينبغي أن يكون.

ومن غريب الباب : رجل محك وهو اللجوج. وماضغ لهم : وهو الكثير البلع.

ورجل وغل : أي كثير الدخول على الشرب دون أن يدعى

ورجل جئز : وهو الذي يغص بما يأكل ، والجأز : الغصص.

وعير نعر : وهو الصياح ، وهو أيضا الذي أصابته النعرة وهو معروف.

والأصل في جميع هذه فتح أوائلها ، وإنما كسرت من أجل حروف الحلق فاعلمه.

هذا باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء

قوله بعد ذكر : تخال وتعض ونحو ذلك : كسروا هذه الأوائل لأنهم أرادوا أن تكون أوائلها كثوانى فعل كما ألزموا الفتح في ما كان ثانيه مفتوحا في فعل.

يعني : أنّهم كسروا أول المستقبل في ما كان الثاني منه في ماضيه مكسورا كما ألزموا الفتح في ما كان ثانيه مفتوحا كقولك : ضربت تضرب ، وقتلت تقتل ، فأجروا أوائل المستقبل على ثواني الماضي في ذلك. ولم يمكنهم أن يكسروا الثاني من المستقبل كما كسروه من الماضي ؛ لأن الثاني يلزمه السكون في أصل البنية فجعل ذلك في الأول.

وذكر قولهم : أبيت وأنت تئبي ، وبيّن شذوذه. وقد ذكرته في الباب قبل هذا بما أغنى عن ذكره هاهنا.

وقوله : " شبّهوه بييجل" في كسر الياء.

إلى قوله : " وكان إلى جنب الياء حرف الاعتلال".

يعني : أنّهم شبهوا الهمزة في يئبي بعد ياء الاستقبال إذ كان يجوز تليينها وقلبها إلى الياء بقلب الواو إلى الياء في ييجل ونحوه.

قوله : وإذا قلت : يفعل منه ، فبعض العرب يقول : ييجل كراهية الواو .. كما يبدلونها من الهمزة.

يعني كما يقولون في ذئب : ذيب فقلبوا الياء من الهمزة الساكنة.

وقوله بعد هذا : فأبدلوا مكان الواو ألفا .. كما يبدلونها من الهمزة الساكنة.

يعني إذا خففوا همزة رأس فقالوا : راس بألف.

٥٨٣

قوله : وكل شيء من تفعلت أو تفاعلت أو تفعللت يجري هذا المجرى إلى قوله : وهو بمنزلة انفتح وانطلق ولكنهم لم يستعملوه استخفافا.

يريد : أنّه يجوز أن تقول في مستقبل تدحرج وتعالج وتمكن : تتدحرج وتتمكن وتتعالج ؛ لأنه كان الأصل في ما زاد على الأربعة من الأفعال الثلاثية أن يكون فيها ألف وصل ، فحملت كسرة هذه الأفعال على كسرة ما في أوله ألف وصل.

قوله : ومثل ذلك قولهم : تقى الله رجل ، ثم قال : يتقى الله ، أجروه على الأصل ، وإن كانوا لم يستعملوا الألف حذفوها والحرف الذي بعدها.

قد تقدم القول في هذا وذكر الاختلاف فيه.

وإنما أراد سيبويه أنّهم قالوا في المستقبل : يتقى ، وإن كان الماضي تقى لأن أصل تقى : اتّقى ، فردوا إلى أصل اتّقي ، فقالوا : يتقى ، واحتج بهذا الشيء وقدمه قبله.

قوله : ولم يريدوا تفريقا بين معنيين كما أردت ذلك في فعل.

حين قالوا : تفعل في مستقبله ، فرقوا بهذه الكسرة بين ما كان ماضيه على فعل وبين ما كان ماضيه فعل ، فقالوا : تعلم ولم يقولوا : تذهب ، فاعلمه.

هذا باب ما يسكّن استخفافا وهو في الأصل عندهم متحرك

ذكر في هذا الباب قول العرب في مثل : " لم يحرم من فصد له"

ومعنى هذا أنّهم كانوا عند عوز الطعام يفصدون البعير ليشرب الضيف من دمه فيمسك جوعه.

وأنشد لأبي النجم :

* لو عصر منه البان والمسك انعصر (١)

يريد : " عصر" فحذف الكسرة تخفيفا.

وأبو النجم من بكر بن وائل ، وهذه اللغة كثيرة في تغلب وهو أخو بكر بن وائل.

وسائر الباب مفهوم إن شاء الله.

هذا باب ما أسكن من هذا الباب الذي

ذكرنا وترك أول الحرف على أصله

قوله في هذا الباب : ومثل ذلك غزى الرجل إلى قوله : كما أن الذي خفف ، الأصل

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٥٨ ، شرح النحاس ٣٣٢ ، شرح السيرافي ٦ / ٢٣٧ ، المنصف ١ / ٢٤ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١١٠ ، الإنصاف ١ / ١٢٤ ، اللسان فصد ٣ / ٣٣٦ ، عصر ٤ / ٥٨١.

٥٨٤

عنده التحريك.

يريد أن أصل غزى غزو لأنه من الغزو ، فانقلبت الواو ياء لأنها طرف وقبلها كسرة ، فلما خفف فقيل : غزى فانقلبت الواو ياء ، ترك على قلبه ؛ لأن تخفيفه ليس بواجب ولا هو بناء بني عليه اللفظ في الأصل ، وإنما هو عارض ، كما أن الذي يقول : علم وكرم ، الأصل عنده : علم وكرم ، وإن خفف. والدليل على أن الأصل هذا ، أنّه لو جعل الفعل لنفسه لقال : علمت ، وكرمت فرد البناء إلى أصله.

وأنشد للأخطل :

* إذا غاب عنّا غاب عنا فراتنا

وإن شهد أجدى فيضه وجداوله (١)

أراد شهد فكسر الشين إتباعا للهاء ثم سكن الهاء تخفيفا وترك الشين على كسرها.

وغير سيبويه يقول : لما سكن الهاء ألقى حركتها على الشين.

ويروى : أجدى فضله وجداوله.

هذا باب ما تمال فيه الألفات

معنى الإمالة أن تمال الألف نحو الياء فتكون بين الألف والياء في اللفظ ، والذي دعا إلى ذلك أنّه إذا كان في الكلمة كسرة أو ياء نحوا بالألف نحو الياء وجنحوا إليها إتباعا للكسرة لأن الياء أقرب إلى الألف من الواو.

والأشياء التي من أجلها تمال الألف : الياء والكسرة إذا كانتا ظاهرتين أو مقدرتين ، أو كان في تصاريف الكلمة ياء تنقلب عن واو ليفرق بين لفظتين فيشبه ما لا أصل له في الإمالة بما يمال لاشتراكهما في لفظ الألف. وذلك منها ما تقوى فيه الإمالة ، ومنها ما يجوز وليس يقوى ، ومنها ما يقبح وقد تكلم به على قبحه ، ومنها ما جاء شاذّا تكلمت به العرب.

وقد ذكر سيبويه جميع ذلك.

قوله : ولا تتبع الواو لأنها لا تشبهها ، ألا ترى أنك لو أردت التقريب من الواو انقلبت فلم تكن ألفا.

يريد : أن الألف إذا كانت بعدها ضمة لم تملها إلى الواو كما أملتها إلى الياء إذا كان بعدها كسرة لبعدها من الواو ؛ لأن اللفظ لا يتأتى فيه ، ومتى أملتها صارت واوا كقولنا : أوجر.

وبين أن الألف إذا كانت منقلبة من ياء تمال لينحى بها نحو الياء التي هي بدل منها.

وقوى ذلك بأن بعضهم يقول في ردّ : ردّ فيشمّ الكسر لأن أصل الفعل ردد.

__________________

(١) ديوانه ٦٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٥٩ ، شرح النحاس ٣٣٢.

٥٨٥

وأنشد للفرزدق :

* وما حلّ من جهل حبا حلمائنا

ولا قائل المعروف فينا يعنّف (١)

فأنشده بإشمام الكسر في حل.

والحبا : جمع حبوة وهو ما يحتبى به الإنسان ، يعتمد عليه في جلوسه. وكانت العرب تفعل ذلك كثيرا ، فإذا دهمهم أمر ينكرونه ، حلوا حباءهم. فيصف الفرزدق قومه بالحلم وترك العجلة والخفة ، وأن من حكم منهم بما فيه الصلاح لهم وقضى عليهم رضوا بحكمه ولم يردّوا قوله ولا عنّفوه عليه.

قوله : " وقال ناس : رأيت عمادا ، فأمالوا للإمالة كما أمالوا للكسرة".

يريد أنّهم أمالوا الألف التي بعد الدال لإمالة الألف التي بعد الميم لكسرة العين ، لأن إمالة الألف كالكسرة.

وسائر الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب من إمالة الألف يميلها فيه ناس من العرب كثير

قال : واعلم أن من لا يميل الألفات في ما ذكرنا قبل هذا الباب لا يميلون شيئا منها في هذا الباب.

يعني من يقول : كيال والسيال ـ وهو شجر له شوك ـ وما أشبه ذلك مما تضمنه الباب المتقدم فلا يميل شيئا مما ذكر إمالته في هذا الباب.

قال : واعلم أن بعض من يميل ، يقول : رأيت يدا ويدها ، فلا يميل تكون الفتحة أغلب وصارت الياء بمنزلة دال دم لأنها لا تشبه المعتل منصوبة.

يعني : أن الذي لا يميل هذا لم يحفل بالياء ؛ لأن الفتحة التي في الياء هي بعد الياء في التقدير فغلبت عليها لأنها أقرب إلى الألف.

قوله : وقال أكثر الفريقين إمالة : رمى فلم يمل كره أن يتحقق نحو الياء إذ كان إنما فر منها. إلى قوله : ولا يقول ذلك في حبلى ؛ لأنه لم يفر فيها من ياء ولا في معزى يريد : أن قلبهم الياء ألفا في رمى ، إنما كان فرارا من الياء فلا يميلون الألف لئلا يقربونها من شيء فروا منه.

وألف" معزى" زائدة بمنزلة ألف" حبلى" فأجروها مجراها في الإمالة.

وسائر الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

__________________

(١) ديوانه ٢ / ٥٦١ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٦٠ ، شرح السيرافي ٢ / ٢٦٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٨١ ، المنصف ١ / ٢٥٠ ، مغني اللبيب ١ / ٢٢٧ ، الهمع ١ / ٢٤٨ ، اللسان حلل ١١ / ١٧٣ ، حبا ١٤ / ١٦١.

٥٨٦

هذا باب ما أميل على غير قياس وإنما هو شاذ

قوله بعد ذكر ألف مال : " لأنها كألف فاعل إذا كانت ثانية"

يعني : أن ألف" مال" كألف فاعل إذا كان بعدها كسرة كالكسرة بعد ألف فاعل.

وقوله : " فلم تمل في غير الجر"

يعني : ألف" مال" ، لا تمال حتى تنكسر اللام ، فتشبه الألف ألف فاعل لانكسار ما بعدها.

وقوله : " كراهية أن تكون كباب رميت وغزوت".

يريد : أن ألف" مال" عين الفعل ، وهي منقلبة من الواو.

وباب رميت وغزوت ، الياء والواو فيه لام الفعل ، وعين الفعل أبعد من الاعتدال ثم قال : " وأما باب ومال فشبهوا الألف فيهما".

وإن كانت منقلبة من واو ـ بألف" غدا" و" دنا" المنقلبة من واو ، فأجروا عين الفعل كلامه وإن كان العين أبعد من الإمالة ، فحكى سيبويه الإمالة في هذا عن بعض العرب.

وقال المبرد : لا تجوز إمالة باب ومال ؛ لأن لام الفعل قد تنقلب ياء وعين الفعل لا تنقلب.

وليس الأمر على ما قال.

والذي حكاه سيبويه صحيح ، وله وجه من القياس لأنه عين الفعل إذا كانت واوا فقد تنقلب ياء في قولهم : " قيل" من القول ، وقيد : من" القود" ، وما أشبه ذلك ، وفي قولهم : أقام يقيم وأجاد يجيد ـ فاعلمه.

هذا باب ما يمتنع من الإمالة من الألفات التى أملتها في ما مضى

قوله بعد أن ذكر أن بعض العرب يميل" جادا" و" مادا" وما أشبهه في الجر : شبهوها بمالك إذا جعلوا الكاف اسم المضاف إليه وجه احتجاجه بمالك لإمالة" جاد" و" جوادّ" أن الكسرة في مالك كسرة إعراب لا تثبت ولا يعتد بها ، وقد أميلت الألف من أجلها وكذلك ـ أيضا ـ كسرة" جاد" و" جواد" المقدرة تمال من أجلها الألف وإن ذهبت في اللفظ.

وأصل جاد : جادد ، وجوادّ : جوادد.

ومثل هذا قولهم : ماش أمالوا مع الوقف ولا كسرة فيه ؛ لأنه يكسر إذا وصل الكلام ، فبينوا بالأمالة الكسرة في الأصل.

قوله : وسمعناهم يقولون : أراد أن يضربها زيد ومنّا زيد ، فلما جاءوا بالقاف في هذا النحو نصبوا فقالوا : أراد أن يضربها قاسم إلى قوله : كما لا يمنع في السماليق قلب السين صادا.

٥٨٧

أراد : أنّه يجوز في السماليق : الصماليق : من أجل القاف وإن بعد ما بين القاف والسين.

وقوله : " وصارت المستعلية في هذه الحروف أقوى منها في مال قاسم ؛ لأن القاف هاهنا ليست من الحرف وإنما شبهت ألف مال بألف فاعل".

تشبيهه الألف في مال بألف" فاعل" أن قولنا : " مالف" إذا أضفنا قاف قاسم إلا اللام ، فهو لفظ فاعل ـ فاعلمه.

هذا باب الراء

اعلم أن الراء فيها تكرير إذا نطق بها ومدّ الصوت.

والتكرير الذي فيها يمنع من الإمالة إذا كانت مضمومة ، أو مفتوحة أكثر من منع غيرها من الحروف سوى الحروف المستعلية ، فإذا كانت مكسورة ، فهي تقوى على الإمالة أكثر من قوة غيرها من الحروف المكسورة ، لأنها إذا كانت مضمومة أو مفتوحة ، فكأن الضم أو الفتح يتضاعفان فيها وهما يمنعان الإمالة. وإنما وجب أن يكون الحرف المستعلى وحرف التكرير ـ وهو الراء إذا كان بعد الألف في فاعل وما جرى مجراه ـ أشد منعا للإمالة منهما ، إذا كانا قبل الألف ؛ لأن الحرف المستعلى إذا كان قبل الألف فهو بمنزلة النزول من علو إلى سفل إذا أملت الألف ، وإذا كان بعد ألف ، وأملت الألف فهو بمنزلة الصعود من سفل إلى علو. فمن أجل ذلك أجازوا الإمالة في ما كان قبل الألف حرف مستعل وبعده راء مكسورة كنحو : قارب وغارب ، ولم يجيزوها في : فارق وناعق.

وقالوا : من قرارك ، فأمالوا الألف وإن كان قبلها راء مفتوحة ، للراء المكسورة بعدها ، كما أمالوا ألف" قارب" و" غارب" وما أشبه ذلك.

قوله : واعلم أن قوما من العرب يقولون : الكافرون ... والكافر وهي المنابر إلى قوله فلما كانت كذلك عملت الكسرة عملها إذا لم يكن بعدها راء.

يريد : أن الراء في الكافر لما صار بينها وبين الألف حرف وإن كانت مضمومة أو مفتوحة لم تمنع من الإمالة كما منعت حروف الاستعلاء ؛ لأن الراء وإن كانت مكررة ، فهي من مخرج اللام ، وهي قريبة من الياء ألا ترى أن الألثغ قد يجعل الراء ياء فيقول : بايك الله عليك في موضع : بارك الله عليك.

قال : " واعلم أن الذين يقولون : هذا قارب ، يقولون : مررت بقادر ، ينصبون الألف ، ولم يجعلوها حيث بعدت تقوى ، كما أنّها في لغة الذين قالوا : مررت بكافر لم تقو على الإمالة".

ذكر أن هؤلاء فصلوا بين" قارب" وبين" قادر" ، لأن الراء في قارب مكسورة تلي الألف ، وكسرتها لازمة ، وفي" قادر" بعيدة من الألف وكسرتها غير لازمة فضعفت عن مقاومة الحرف الذي هو حرف الاستعلاء.

٥٨٨

قال : " وقد قال قوم ترضي عربيتهم : مررت" بقادر" إلى قوله : " فاستوت القاف وغيرها".

مما ليس بمستعمل إذا كانت بعد ألف راء مكسورة ، وكذلك إذا كانت بعد الألف بحرف فيصير" بقادر" بمنزلة" بكافر".

وأنشد لهذبة بن خشرم ، وزعم أنّه سمع الثقة من العرب ينشده ممالا :

* عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر

بمنهمر جون الرباب سكوب

قوله : " ومن قال : مررت بحمار قاسم ، قال : مررت بسفار قبل" إلى قوله : وهو حرف الإعراب.

يريد : أن الذي يقول : " مررت بحمار قاسم" ـ والراء في حمار قد تتغير بالإعراب إلى الرفع والنصب ـ يقول أيضا : " مررت بسفار قبل" والراء في سفار مبنية على الكسر ، فلا يفصل بين الراءين ؛ لأن" سفار" ، وإن كانت مبنية ، فإنك إذ سميت بها مذكرا جرت بوجوه الإعراب ، فحكمها واحد.

و" سفار" : اسم ماء لبني تميم. قوله : " وإذا اضطر الشاعر قال الموارر إلى قوله : كان اللازم لهذه الإمالة إذ كانت الراء بعد الألف مكسورة".

يريد أن" الموارّ" أصله : " الموارّر" ، فإذا اضطر الشاعر أظهر التضعيف ، فوقعت الراء مكسورة بعد الألف فجازت الإمالة لذلك ، وكانت الإمالة ألزم لها إذا كانت جائزة في قولهم : " هي المنابر" بإمالة الألف من أجل كسرة الياء والراء المكسورة أقوى على الإمالة ـ فاعلم ذلك.

هذا باب ما يمال من الحروف التي ليس

بعدها ألف إذا كانت الراء بعدها مكسورة

وذلك قولك : من الضرر ومن البعر ومن الكبر.

اعلم أن الراء في ما ذكر سيبويه في هذا الباب والذي قبله ، حرف لا نظير له للتكرير الذي فيه ولاختصاصه بأحكام ينفرد بها ، منها ما انفرد به في هذا الباب من إمالة ما قبله إذا كان مكسورا وقبله فتحة ، ومن جواز الإمالة من أجله في ما تمنع حروف الاستعلاء من إمالته.

وقد تقدم الكلام على ذلك.

قال الأخفش في هذا الباب : أقول في ابن أمّ مذعور وابن ثور فأميل ما قبل الواو ، وأما الواو فلا أميلها ، وسيبويه يقول : أروم الكسرة في الواو.

فمذهبه أنّه لا يميل الواو الساكنة ؛ لأن إمالتها توجب إمالة ما قبلها ، كما أن إمالة الألف

٥٨٩

توجب إمالة ما قبلها ، ولكنك تروم الكسرة في نفس الواو فيكون رومها كالإمالة كما رمت الكسرة في ردّ.

ومن مذهب الأخفش : أن الواو تمال ويمال ما قبلها معها كما يفعل بالألف.

قوله وقالوا : مررت بعير ، ومررت بخير فلم يسمع لأنها تخفى مع الياء.

يعني أن إشمامه الكسر يخفى مع الياء كما أن الكسر نفسه في الياء أخفى.

ووقع في آخر الباب ، قال أبو الحسن الأخفش : يحسب ويضع لا يكون فيه إلا الفتح في التاء والنون والهمزة وهو قول العرب.

ليس ذكر هذا من هذا الباب ، وقد مضى في موضعه.

وهو أن فعل يفعل لا يكسر في مستقبله حرف الاستقبال كما يفعل ذلك في فعل يفعل ، نحو علمت تعلم ونعلم واعلم ولا تقول في تحسب : تحسب ، ولا في تضع تضع ، لأن أصله : توضع وإنما فتح لحرف الحلق.

وذكر بعض النحويين أنّه لا يجوز أن تقول تحسب فتكسر التاء في لغة من يفتح السين ؛ لأن الأكثر في تحسب كسر السين ـ فاعرفه.

هذا باب ما يلحق الكلمة إذا اختلت حتى تصير حرفا

" وذلك قولك : عه وشه" وما أشبه ذلك.

كلامه في الباب مفهوم إن شاء الله.

هذا باب ما يتقدّم أوّل الحروف

وهي زائدة قدمت لإسكان أوّل الحروف

والزيادة هنا الألف الموصولة.

اعلم أن أصل ألف الوصل أن تكون في الأفعال ؛ لأنه يعرض فيها ما يوجب سكون أولها فيحتاج إلى ألف الوصل للتوصل إلى النطق بالساكن وذلك في نحو قولك : ذهب يذهب ، وقتل يقتل ، وضرب يضرب ، وكان يجب أن يحرك الأول في المستقبل كما حرك في الماضي ، فيقال : ذهب يذهب : وقتل يقتل ، وضرب يضرب ، فاجتمع أربع متحركات فاستثقلوا توالي الحركات ، فسكنوا فاء الفعل ولم يسكنوا الحرف الذي قبل الفاء ؛ لأنه يبتدأ بساكن.

ـ ولا سكنوا العين لأنه بحركته يعرف اختلاف الأبنية.

ـ ولا آخره لأنه يقع عليه الإعراب ، فأسكنوا الثاني لأنه لا يمنع من إسكانه مانع فقالوا : يذهب ، ويضرب. فإذا أرادوا الأمر : حذفوا حرف الاستقبال فبقي فاء الفعل ساكنا ، فاحتاجوا إلى ألف الوصل.

وفرّق سيبويه بين ألف" أفعلت" وألف الوصل بأن ألف" أفعلت" قد صيرت بمنزلة ما

٥٩٠

هو من نفس الكلمة وإن كانت زائدة وبنيت الكلمة عليها كما بنيت على زيادة ألف" فاعلت" لأنها تجيء لمعنى ، وليست كألف الوصل التي لا معنى لها سوى التوصل إلى النطق بالساكن الذي بعدها.

واحتج سيبويه لفتح أول المستقبل مما في ماضيه ألف الوصل فقال : لأنها لا تلزم أول الكلمة ، يعني : الف الوصل ، فهي كالهاء في عه.

وإذا لم تلزم الكلمة ، وقد دخلت على ما أصله الثلاثي لم يجب الضم الذي يجب في مثل قولنا : أكرم يكرم ، وقاتل يقاتل ، وصار احرنجمت واقشعررت ـ اللذان أصلهما الرباعي ـ كاستفعلت ؛ لأن الألف لم تدخل في احرنجمت واقشعررت لتنقله إلى بناء من الفعل أكثر من الرباعي ؛ لأنه ليس في الكلام فعل من الخماسي مثل : سفرجل ، ولم يكن مثل أفعل الذي دخلت الألف على الثلاثي فيه ، فأخرجته إلى مثال الرباعي في اللفظ كدحرج وصلصل وما أشبه ذلك.

وحكى سيبويه :

* اضرب السّاقين إمّك هابل

فكسر الألف من" إمّ" لكسرة النون من الساقين ، ثم قال : فكسرهما يعني : الألف من إم والحرف المكسور الذي قبلها.

" كما ضمّ في ذلك".

يعني : كما ضم : " أنبوءك وأجؤرك" يريد : أنبئك وأجئرك

وأنشد للنعمان بن بشير :

* ويلمّها في هواء الجو طالبة

ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب

يريد : " وي لأمّها" ثم حذف الهمزة.

ويجوز أن تقدر الهمزة في هذا الوجه بالضم وبالكسر.

ويجوز أن يكون : " ويل أمّها" بانفصال ويل من" أم" وتكون" الأم" مخفوضة بإضافة ويل إليها وحذفت الهمزة فصارت ويل أمها بفتح اللام وكسر الميم ثم كسر اللام إتباعا لكسرة الميم.

ومن الناس من يقول : " ويل أمّها" فيضم اللام ويلقي عليها ضمة الألف من أم وقد تقدم تفسير البيت في ما مضى من الكتاب.

وشبه سيبويه الألف واللام التي للتعريف بقد وسوف.

وشبههما" بقد" و" سوف" أنّها تدخل على اسم مبهم يقع على أشياء فتعرّف بها كقولك : الرجل والفرس وما أشبه ذلك.

٥٩١

وكذلك" سوف" تدخل على" يفعل" فتخلصه للاستقبال دون الحال ، " وقد" تدخل على فعل متوقع وتصيّر الفعل الماضي في معنى الحال ، وقد تقدم ذلك.

هذا باب كينونتها في الأسماء

وإنما تكون في أسماء معلومة

اعلم أن هذه الأسماء التي ذكرها سيبويه وجب أن تدخل عليهما ألف الوصل ؛ لأنها أسماء معتلة سقط أواخرها للاعتلال ، فسكن أوائلها لتكون ألفات الوصل عوضا مما سقط منها.

فأما" ابن" فكان أصله : بنو أو بني فأسقط آخره.

وأما" اثنان" فكان أصله : ثنيان لأنه من ثنيت الشيء.

وأما" اسم" فأصله : سمو أو سمو ؛ لأنه مشتق من" سما يسمو" إذا علا والاسم في المعنى بمنزلة الشيء يعلو على المسمى ، ألا ترى أنّهم يقولون : وقع هذا الشيء تحت هذا الاسم فعلم أن الاسم كالطالع على المسمى. وأما" است" ، فأصله : سته ، وقد اختلفت فيه العرب فمنهم من يحذف الهاء فيقول : " ست" ومنهم من يحذف التاء فيقول : " سه" ، ومنهم من يسكن الهاء ويسكن السين ويدخل ألف الوصل فيقول : است.

وأما امرؤ : فإنهم شبهوا الهمزة بحرف معتل ؛ لأنها يلحقها التخفيف ولم يحفلوا بها فشبهوه بالاسم الذي قد أسقط آخره ، فسكن أوله وأدخل ألف الوصل عليه.

فأما" ابنم" : فزيدت فيه الميم على" ابن" للتوكيد والمبالغة كما تقول للأزرق : " زرقم" ، والعظيم العجز : " ستهم" فاعلم ذلك.

وذكر أنّه الألف الداخلة على لام التعريف تحذف في اتصال الكلام إلا أن يقطع الكلام قبلها ويستأنف مع ما بعدها ، واحتج لذلك بأن الشعراء تفعل ذلك بأنصاف البيوت لأنها مواضع فصول.

وأنشد :

* ولا يبادر في الشتاء وليدنا

ألقدر ينزلها بغير جعال (١)

فقطع الألف من القدر ؛ لأنه أول النصف الثاني من البيت ، فهو بمنزلة الابتداء. والجعال : الحزقة التي ينزل بها القدر.

وأنشد للبيد :

* أو مذهب جدد على ألواحه

ألناطق المزبور والمختوم (٢)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٧٤ ، الكامل ٣ / ٧٥ ، شرح النحاس ٣٣٣.

(٢) ديوانه من ١١٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٧٤ ، مجالس ثعلب ١ / ١٩٤ ، شرح السيرافي ٦ / ٣٠٤ الخصائص ١ / ١٩٣.

٥٩٢

فقطع ألف الوصل من الناطق ، لأنه ابتدأ النصف الثاني من البيت. والمزبور : المكتوب.

هذا باب تحرّك أواخر الكلم السّاكنة

إذا حذفت ألف الوصل

ذكر سيبويه في هذا الباب قوله عز وجل : (الم* اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [آل عمران : ١ ، ٢] ، ولم يجز كسر الميم.

وكان الأخفش يجيز الكسر. وفي فتح الميم وجهان :

ـ أحدهما : أنّه لالتقاء الساكنين الميم واللام من الله.

ولم يكسروا لأن قبل الميم ياء ، وقبل الياء كسرة.

ـ والوجه الثاني : أنّه ألقى فتحة الألف من قولنا : الله على الميم ؛ لأن هذه الميم موقوفة حقها أن تبتدأ الألف بعدها مفتوحة ، فلما وصلت جعلت الهمزة وهي الألف مخففة فألقي حركتها على الميم كما يعمل في تخفيف الهمزة.

ـ وشبه سيبويه الكسر في الساكن الذي بعده ألف الوصل : " بحذار" و" بداد" و" نظار" ؛ لأنه كان عنده أن" نظار" و" حذار" آخرهما ساكن وكسروا آخره لاجتماع الساكنين ولم يكن ذلك في" حذام" اسم امرأة ؛ لأن العرب تختلف في كسر" حذام" ولم تختلف في" نظار" و" حذار".

ـ وقد تقدم ذلك في موضعه.

ـ ومثل ذلك أيضا : " جيد" ، ومعناه : نعم وهو حرف.

ـ وجعل نظير ما فتح من الساكن قبل ألف الوصل : قولهم : " لم يلده" واعلمن ذلك

ـ فأما : لم يلده : فأصله : لم يلده وحذفوا الكسرة من اللام ، ثم حركوا الدال لاجتماع الساكنين ، وفتحوه إتباعا لفتحة الياء ، وكرهوا الكسر في الدال ؛ لأنهم هربوا من الكسر فكرهوا العود إلى ما هربوا منه.

ـ وأما قولهم : " اعلمن ذلك" : فحركت الميم بالفتح ؛ لأنه أخف الحركات ، ولأنهم أرادوا الفرق بين المؤنث والمذكر والجمع ـ فاعلمه.

هذا باب ما يضمّ من السواكن إذا حذفت بعده ألف الوصل

وذلك قولك : اخشوا الله ، ورموا ابنك وما أشبهه

ذكر سيبويه أن العلة في تحريك هذه الواو بالضم ، أن الضمة من الواو ، فحركوها بها لمشاكلتها لها.

وقال غيره : إنما اختاروا الضم ؛ لأنه سقط من الكلام ضمة كانت قبل واو الجمع ، فلما احتاجوا إلى التحريك حركوه بمثل تلك الضمة ، وكان الأصل : اخشيوا الله. ورميوا ابنك ،

٥٩٣

فأعلّوا الياء وحذفوها.

وتبين من كلام سيبويه في هذا الباب أن الياء التي في فعل المؤنث علامة الإضمار ، وهي اسم كالتاء في فعلت على مذهبه.

وغيره من الناس يذهب إلى : أن الياء علامة التأنيث في اضربي.

واخشي. وأنها بمنزلة التاء فى : قالت هند.

واحتج بأنها لو كانت علامة إضمار الواحدة لصار علامة إضمار الاثنين على حرفين كما كان في الماضي بزيادة تزاد على إضمار الواحد كقولنا : فعلت وفعلتما ـ فاعرفه.

هذا باب ما يحذف من السّواكن إذا وقع بعدها ساكن

قوله في آخر الباب : وأما اخشوا القوم ورموا الرجل واخشى الرجل إلى قوله : لأنه ليس لاستثقال ما بعدهما حذفت.

يريد أن الواو المفتوح ما قبلها لا تسقط لاجتماع الساكنين ؛ لأنها لو سقطت لقلت : " اخش القوم" وأنت تريد : اخشى القوم. ولو حذفت الياء لاجتماع الساكنين لبقي على لفظ الأمر للمذكر ، ومع ذلك : إن قبل هذه الواو والياء أخف الحركات فلم يستثقل تحريك الياء والواو لخفة ما قبلهما ، وإذا كانت الواو قبلها ضمة ، والياء قبلها كسرة ، فإنه يجتمع في تحريك الواو والياء : أنّه أثقل ، وأنه لا يخاف فيه التباس ، فحذف.

ومثل ذلك : " لم يبع" ، و" لم يقل" ، فحذفت الواو والياء ولم يحركا كما حذفت ألف يخاف ، فقيل : لم يخف.

والواجب في : " يخاف" حذف الألف إذا سكنت الفاء ؛ لأن الألف لم يمكن تحريكها ، فحمل" لم يبع" و" لم يقل" على الألف ؛ لأنها أخوات ، ومع ذلك فإنه يستثقل : لم يبيع ، ولم يقول ، فيحرك لالتقاء الساكنين.

هذا باب ما لا يردّ من هذه الأحرف الثلاثة لتحريك ما بعدها

ذكر في هذا الباب أن قولهم : لم يخافا ، ولم يقولا ولم يبيعا ، إنما لزم فيه ردّ الحروف الذاهبة في الواحد ؛ لأن الأصل قبل الجزم : يخافان ويقولان ويبيعان ، فدخل الجزم فسقطت له النون ، فلم تدخل ألف التثنية على شيء مجزوم ، فلذلك ثبتت الألف والواو والياء في : يخافا ويقولا ويبيعا.

واستدل على ذلك أنك تقول : " رمت" ، فتحذف ألف رمى لسكونها وسكون التاء ، فإذا قلت : " رميا" ، لم ترد الألف المحذوفة وإن كانت التاء متحركة لدخول ألف التثنية على فعل الواحد.

وقد جاء في الشعر : " رماتا" على قول بعض العلماء.

٥٩٤

وعلى ذلك تؤول قول امرئ القيس :

* له متنتان خظاتا كما

أكبّ على ساعديه النّمر (١)

أنه فعل ماضي وأن الأصل : خظا فدخل عليه تاء التأنيث فصار خظت ، ثم ثني فدخلت ألف التثنية على التاء فتحركت فردت الألف الذاهبة قبل التاء لتحرك التاء. وقيل في البيت غير هذا وليس هنا بموضع تفسيره.

هذا باب ما تلحقه الهاء في الوقف لتحريك آخر الكلمة

قال في آخر الباب : " وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون : ادعه" ثم بيّن سيبويه العلة في كسر العين وجعله جاريا على الغلط والتوهم.

وذكر غيره وجها آخر ، وذلك أن من العرب من يسكن الحرف الذي يبقى بعد المحذوف من المجزوم فيقول : اشتر ثوبا واتّق زيدا.

قال الشاعر :

* ومن يتّق فإن الله معه

ورزق الله مؤتاب وغادي

فلما كان هذا قد يسكن قدر إسكان العين من" ادعه" على هذه اللغة ، واجتمع ساكنان ، وهذا التقدير في التحصيل يرجع إلى قول سيبويه وإن لم يلفظ به.

وقد حكى أبو زيد القشيري : " لم يأل عن ذلك" بكسر اللام وهو من : ألا يألو. فاعرفه.

هذا باب ما تلحقه الهاء لتبين الحركة من غير ما ذكرنا

اعلم أن هذا الباب ذكر فيه سيبويه ما تلحقه هاء الوقف مما قبله ساكن.

وجملة الأمر أن هاء الوقف لا تلحق المعرب ؛ لأن حركات المعرب تتغير وتختلف ، وقد يدخل المعرب التنوين ، فجعلت الحركات الداخلة عوضا من الهاء ، وذلك أن الهاء أصل دخولها عوضا من النقص الذي يلحق الكلمة نحو : عه وارمه وتدخل في المبنيات لنقصان تصرفها عن المعرب وأنها مقصورة على شيء واحد ، وقد تمنع من بعض المبنيات لعلل تحمل على ذلك.

وأنشد سيبويه ـ في ما دخلته الهاء من المبنيات ـ للراجز :

* يأيها الناس ألا هلمّه (٢)

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ٧١ ، شرح السيرافي ٦ / ٣١٩ ، المسائل البغداديات ٤٣٦ ، ٤٤٣ ، المسائل العسكرية ٢٨٠ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ٨٦ ، ١٣٣ ، شرح المفصل ٩ / ٢٨ ، مغني اللبيب ١ / ٢٦٠ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦٣٧ ، اللسان خظا ١٤ / ٢٣٣.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٧٩ ، شرح النحاس ٣٣٤ ، شرح السيرافي ٦ / ٣٢٦ ، الخصائص ٣ / ٣٦ ، شرح المفصل ٤ / ٤٢.

٥٩٥

وأنشد أيضا :

* ويقلن : شيب قد علا

ك وقد كبرت ، فقلت : إنّه

فأدخل الهاء على إنّ لبيان الحركة في الوقف ومعناها : نعم.

قال : " وزعم الخليل أنّهم يقولون : انطلقته ، يريدون انطلقت".

وقد منع بعض النحويين جواز هذا لأنه يلتبس بالمفعول إذا قلت : ضربته ، وبالمصدر إذا قلت : انطلقته يريدون انطلقت انطلاقا ، ثم أضمرت المصدر.

والقول ، ما قاله سيبويه والخليل ؛ لأن سيبويه قد حكى : ضربتنه ، والهاء للوقف ، وإن جاز أن تقع الهاء للمفعول. ولو كان يبطل لوقوع اللبس ، لم يجز في" ليته" ولعله ، لأنه يلتبس باسم : " ليت" و" لعل" ، وقد حكاه سيبويه عن العرب.

هذا باب ما يبيّنون حركته وقبله متحرك

قوله : " شبّهوا هيه بياء بعدي"

يريد في قولك : جاء من بعديه. وإنما قال سيبويه هذا لأن الياء في" بعدي" حرف واحد وهي اسم على حرفين وما كان على حرف واحد فهو أولى بالهاء لقلته ونقصانه.

وبين سيبويه أن العرب قد تبين الحركة بالألف كما تبينها بالهاء كقولهم أنا فعلت ؛ لأن الألف من مخرج الهاء.

وزعم غيره أن من العرب من يقف على" أنا" بالهاء فيقول : " أنه". وروي أن حاتما الطائي كان أسيرا في قوم ، فأمر أن يفصد بعيرا فنحره. فقيل له : لم فعلت ذلك؟ فقال : " هذا فصدي أنّه".

قوله : " وكذلك الأفعال نحو : ظنّ وضرب" إلى قوله : " شبّهت بأحمر".

يريد : أن الفعل الماضي ـ وإن كان مبنيا ـ لا تدخله الهاء للوقف ؛ لأن آخر الفعل الماضى هو الذي يعرب في المستقبل فصار له بذلك قوة فلم تدخل عليه الهاء كما أن حكم" جعفر" إذا بني في النداء لم يسكن ، وبني على حركة فصار إعرابه في حال قوة له في حال البناء.

قوله : " ولو كان في موضع ألف هؤلا حرف متحرك سواها إلى قوله أجروا الألف مجرى ما يتحرك في موضعها".

يعني : أن ما كان في آخر الألف إن كان مبنيّا ، جاز أن تدخله الهاء في الوقف ، وذلك نحو : " هذا" و" هاتا".

تقول : " هذاه" وهاتاه وما أشبه ذلك ، وإن كان معربا في التقدير ، لم يوقف عليه بالهاء ، لا تقول : " هذه أفعاه". ولا" هذا أعماه" ، لأنه معرب بمنزلة أحمر وأصفر ، فلا تدخله الهاء كما

٥٩٦

لا تدخل المعرب في اللفظ والمعنى.

وقوله : " واعلم أنّهم لا يتبعون الهاء ساكنا" إلى قوله : " فأرادوا البيان كما أرادوا أن يحركوا".

يعني : أن الهاء تدخل في ما كان آخره ألفا فقط دون ما كان آخره ياء أو واوا ، لأن الألف أخفى ، وهي إلى البيان أحوج ، فلا يقول : حاجتي هذيه وما أشبه ذلك من السواكن فاعلمه.

هذا باب الوقف في أواخر الكلم المتحركة في الوصل

قوله : ومثل هذا في الاختلاف الحرف الذي فيه هاء التأنيث إلى قوله : وما هو بمنزلة ما هو من نفس الحرف نحو : تاء سنبتة وتاء عفريت"

هذا الكلام من سيبويه فيه سهو ؛ لأنه مثّل بتاء" سنبتة" الأولى ولا يقع عليها وقف ، وإنما ينبغي أن يكون بتاء سنبت وما أشبهه مما يوقف على التاء فيه.

قوله بعد شيء قدمه : " ولا بمنزلة ما هو من نفس الحرف ، نحو ياء محبنط ومجعبي".

يريد : أن الياء في محبنطئ ومجعبي للإلحاق ، فهي بمنزلة ما هو من نفس الحرف.

ومعنى مجعبي : صارع ، يقال : جعبه وجعبأه إذا صرعه.

هذا باب الوقف في أواخر الكلم المتحركة

في الوصل التي لا تلحقها زيادة في الوقف

ذكر سيبويه في هذا الباب العلامات التي يوقف عليها من الرّوم والإشمام والتشديد وغير ذلك.

وإنما جعلت هذه العلامات للفرق بين ما يكون مبنيّا على السكون في كل حال وبين ما يحرك في الوصل ، وقد بيّن سيبويه ذلك.

وإنما كان التشديد علامة لأن الحرف المشدد حرفان ، فإذا وقفوا عليه اجتمع به ساكنان فيعلم أنّه لا بد من التحريك في الوصل.

وبعض النحويين لا يعرف الإشمام الذي ذكره سيبويه ، ولا يفرق بين الإشمام والروم.

وإنما جعل سيبويه علامة أجرى مجرى الجزم والإسكان الخاء لأنها أول قولك : " خفيف" فيدل به على السكون لأنه تخفيف.

وإنما جعل الشين للتضعيف ؛ لأن الشين أول حرف من شديد فدل به عليه لأن الحرف مشدد.

وأما النقطة للإشمام فلأن الإشمام أضعف من الروم فجعل للإشمام نقطة ، وللروم خطّا ، لأن النقطة بعض من الخط.

٥٩٧

وأنشد في ما جاء مشددا لرجل من بني أسد :

* ببازل وجناء أو عيهلّ (١)

فشدد اللام من عيهلّ.

والبازل : المسنة من الإبل. والوجناء العظيمة الوجنات.

والعيهلّ : الناقة السريعة. والعيهل : الذّكر من الإبل أيضا.

وأنشد لرؤبة :

* لقد خشيت أن أرى جدبّا

في عامنا ذا بعد ما أخصبا

أراد : جدبّة.

وأنشد لرؤبة أيضا :

* بدء يحبّ الخلق الأضخمّا

أراد : " الأضخم" ، فشدد. والبدء : السيد.

واعلم أن الأصل في إلحاق التشديد في ما فيه تنوين في المرفوع والمخفوض دون المنصوب ، وذلك أن المنصوب المنون إذا وقف عليه أبدل من التنوين ألفا ، فيتحرك حرف الإعراب الذي قبل الألف ؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا وإذا تحرك حرف الإعراب استغني عن التشديد ، ثم يلحق المجرور والمرفوع في القوافي وصل بالياء والواو على وجه إطلاق الشعر لا على أنّه بدل من التنوين.

وتدخل على المشدد في الوقف الواو والياء لإطلاق القافية ، ويبقى الشديد على حاله كقوله :

* كأن مهواها على الكلكلّ

موضع كفّي راهب مصلّي

فلما جرى في المرفوع والمخفوض ، ألحقوه المنصوب فأدخلوا فيه الألف للإطلاق فقالوا : الأضخمّا ، وأخصبّا ؛ لأن الألف والواو والياء تجري مجرى واحدا في القوافي.

قال سيبويه : " وحدثني من أثق به أنّه سمع عربيّا يقول : أعطني أبيضه ، يريد : أبيض ، وألحق الهاء كما ألحقها في هنّه"

وهذا الذي حكاه من أقبح ما يكون من الشذوذ.

وبعض النحويين يقول : هو غلط من قائله : لأن أبيض معرب ، فلا وجه لهاء الوقف ،

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٨٢ ، لرجل من بني أسد ، نوادر أبي زيد ٥٣ ، مجالس ثعلب ٢ / ٥٣٥ ، شرح السيرافي ٦ / ٣٤٤ ، المسائل العسكرية ١٨٦ ، المسائل البغداديات ٤٢٧ ، الخصائص ٢ / ٣٥٩ ، الإنصاف ٢ / ٧٨٠ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ٨٨ ، شرح المفصل ٩ / ٦٨ ، الخزانة ٦ / ١٣٧ ، اللسان جدب ١ / ٢٥٥ ، عل ١١ / ٤٨١.

٥٩٨

لأنها إنما تدخل على المبني وأيضا فإن التشديد إنما يلحق في الوقف إذا سكن الحرف الموقوف عليه ، فإذا حركناه بإدخال الهاء استغنينا عن التشديد فاعرفه.

هذا باب السّاكن الذي يكون قبل

آخر الحرف فيحرك لالتقاء الساكنين

قوله : وقالوا رأيت العكم فلم يفتحوا الكاف إلى قوله" صار في النصب كأنه بعد الساكن".

ثم بين في هذا الفصل أنّه لا يحرك الساكن الأول بالفتح ، في حال من الأحوال لا بإلقاء فتحة ما بعده عليه ولا بإتباع فتحة ما قبله ، لا تقول : رأيت البكر ، ولا هذا البكر فتتبع الكاف الباء ، وإنما يحرك الساكن الأول بالضم أو الكسر. فإن كان الحرف الأول مفتوحا حرك بحركة ما بعده كقولك : " هذا عدل" ، و" هذا بسر" في قول من يقول بسر بإسكان السين.

قال : " ولا يكون هذا في زبد وعون لأنهما حرفا مد ، فهما يحتملان ذلك إلى قوله وكذلك الألف".

يريد : أنك لا تقول : هذا زبد ولا عون ؛ لأن الياء والواو يستثقل فيهما الضم والكسر وهما من حروف المد واللين. واحتمال اجتماع الساكنين في الوقف أشد من احتمال غيرهما كما اختصا في القوافي بأشياء لم يحتملها غيرهما ، وسيأتي ذلك في القوافي إن شاء الله.

قوله : " واعلم أن من الحروف حروفا مشوبة ضغطت من مواضعها إلى قوله والدليل على ذلك أنك تقول : الحذق فلا تستطيع أن تقف إلا مع الصويت لشدة ضغط الحرف".

اعلم أن هذه الحروف التي ذكرها في هذا الفصل ، إذا أردت امتحان ما ذكر فيها فإنك تبتدئ بحرف من الحروف ، وتثني بأحد هذه الحروف الخمسة فتقف عليه فتسمع صويتا عند الوقف عليه كقولك : اق ، واج ، واط ، واب ، واذ وقد تدخل في ذلك الكاف كقولك : اك ، وذلك أن هذه الحروف لما انضغط موضعها ولم يكن للصوت منفذ صار الوقف عليه وقطعه بمنزلة شيء شديد التحزيق ، والتحزيق هو الذي يوجب التصويت ؛ لأن ما كان متفشيا لم يكن له في التصويت من الأثر ما للتحزيق.

وقوله بعد هذا : ومن المشوبة حروف إذا وقفت عندها خرج معها نحو النفخة إلى قوله : وقد فتر من بين الثنايا لأنه يجد منفذا.

معنى قوله في هذا الفصل : " انسل آخره وقد فتر من بين الثنايا".

يريد : انسل آخر هذه الحروف من بين الثنايا ؛ لأنه لا يجد منفذا غير ذلك وانسلاله هو النفخ.

٥٩٩

وقوله : " وقد فتر".

يريد : آخره ، إذا ضعف.

قوله : فإذا وقفت في المهموس والأربعة.

يعني : الظاء والذال والضاد والزاي.

وقوله : ولا يكون شيء من هذه الأشياء في الوصل نحو : أذهب زيدا ... واحرسهما إلى قوله : " أحذّ" ، و" دقّ ورشّ".

يعني : أن الحرف الأول من الذالين في" أحذّ" ، والقافين في" دقّ" والشينين في" رشّ" لا يمكن أن يكون بعده صويت ولا نفخ لاتصال الحرف الثاني به فكذلك هذه الحروف وغيرها التي لم تدغم إذا وصلت بغيرها بطل فيها الصويت والنفخ.

وجعل بعض النحويين مكان قوله : أذهب زيدا : أبهت زيدا لأن التاء ليست من الحروف التي معها صويت ولا نفخ ، ورأى أذهب كالغلط في الرواية ، والنسخ على أذهب.

واحتجاج سيبويه إنما هو بالزاي من زيد لا بالباء من" أذهب"

هذا باب الوقف في الياء والواو والألف

ذكر في هذا الباب ، أن بعض العرب يجعل مكان الألف همزة في الوقف ، والعلة في ذلك أن الهمزة إذا كان قبلها متحرك فهو أبين من الألف فقلبوا من التنوين في الوقف همزة ، كما يقلب غيرهم الياء والهمزة من موضع الألف فاعلمه.

هذا باب الوقف في الهمز

معنى قول سيبويه : بعد ذكر ما كانت الهمزة في آخره وقبلها ساكن مثل الخبء ونحوه في الوقف : فإنه يلزمها في الرفع النصب والجر ما يلزم الفرع من الإشمام وروم الحركة.

إنما قصد إلى التشبيه بالفرع ؛ لأن الهمزة تشبه بالعين ولذلك شبه الهمز المفتوح ما قبلها بالنّطع.

وأما من يلين الهمز من أهل الحجاز فقولهم : " هذا الحبا" إلى قوله : " نحو أهني" وتقديرها أهنع.

يريد : إذا وقفت على مذهب من لا يحقق ، قلت : أكمو وأهني بواو محضة وياء محضة ، ولم يكن فيها ـ على مذهب أهل الحجاز ومن لا يحقق إشمام ولا روم ولا غير ذلك من الوجوه التي تخالف الوقف على حروف المد واللين.

والحبأ : وزير الملك وخاصته الذين يجلسون معه ، يقال : هؤلاء أحباء الملك وقرابته.

هذا باب السّاكن الذي تحركه في الوقف

أنشد في هذا الباب لزياد الأعجم :

٦٠٠