النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

وذكر في الباب ما جاء على فعل يفعل فعلا : ملجه يملجه ملجا وهو مالج ومعناه : مصه ورضعه.

قال : " وقالوا : سخطه سخطا شبهه بالغضب حين اتفق البناء يعني : أن سخطا مصدر فعل يتعدى. وقد شبه بالغضب وهو مصدر فعل لا يتعدى لاتفاقهما في وزن الفعل وفي المعنى.

قال : " وقد جاء شيء من هذا المتعدى على فعيل .. قالوا : ضريب قداح للذى يضرب بالقداح ، وصريم للصارم".

وقال طريف بن تميم العنبري.

* أو كلّما وردت عكاظ قبيلة

بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم؟ (١)

يريد عارفهم.

والباب في ذلك أن يكون بناؤه على فاعل كضارب وما أشبهه ، ويجوز أن يكون : ضريب قداح. فرقا بينه وبين من يضرب في معنى آخر ، وبين الصريم في القطيعة وبين من يصرم في معنى آخر ، وبين العريف الذي يتعرف الأنساب وبين العارف بشيء سواه.

قال : " وقالوا : لويته حقّه ليّانا على فعلان".

وذكر بعض النحويين أن ليانا أصله ليان ؛ لأنه ليس في المصدر فعلان وإنما يجيء على فعلان وفعلان كثيرا كالوجدان والإتيان والشّكران والغفران ، فكأن أصله : ليان أو" ليان" فاستثقلوا الضمة والكسرة مع الياء المشددة ففتحوا استثقالا.

وقد ذكر أبو زيد عن بعض العرب : لويته ليانا بالكسر.

" وقوله بعد أن ذكر أن مصدر فعل الذي لا يتعدى قد يجيء على فعل وقولهم : فاعل يدلك على أنّهم إنما جعلوه من هذا الباب وتخفيفهم الحرد".

أراد أنّهم لما حملوا مصادر ما لا يتعدى على ما يتعدى في قولهم : عجز عجزا ، وسكت سكتا.

والباب فيه : " الفعول" كما حملوا ما يتعدى حيث قالوا : لزمه لزوما وجحده جحودا ، والباب فيه : لزما وجحدا على ما لا يتعدى ، وقوى حملهم ذلك على ما يتعدى أنّهم قالوا حارد من حرد يحرد : إذا غضب.

وكان القياس أن يقال : حرد حردا فهو حردان ، كما قالوا غضب غضبا فهو غضبان

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢١٥ ، الأصمعيات ١٢٧ ، شرح السيرافي ٤ / ٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٨٩ ، المنصف ٣ / ٢٢ ، دلائل الإعجاز ١٧٦ ، اللسان عرف ٩ / ٢٣٦ ـ ضرب ١ / ٥٤٨ لمالك بن طريف.

٥٦١

فأخرجوه عن باب غضبان بتخفيف الحرد ، وبقولهم حارد.

ومعنى قول سيبويه : " فإنه يكون فعله على ما ذكرنا في الذي يتعدى".

يريد من باب فعل يفعل كقولنا : قعد يقعد ، وفعل يفعل مثل : جلس يجلس ، وفعل يفعل كقولك : حرد يحرد ، فهذه الأفعال لها نظائر في ما يتعدى ويجيء في ما لا يتعدى بناء ينفرد به كقولك : ظرف يظرف ، وكرم يكرم.

وذكر سيبويه أن" الفعال" يكثر في الأدواء ، كقولنا : السّكات والبوار ، والدوار ، والسهام ، وهو تغير من حر الشمس ، والنّحاز وهو مثل السعال.

وقال الأصمعي : وقع في الإبل السّواف وهو الهلاك والموت.

وقال أبو عمرو الشيباني : السّواف بفتح السين. فأنكر الأصمعي وغيره ما قاله أبو عمرو.

وقد قال سيبويه بعد أسطر : " كما أنك قد تجيء ببعض ما يكون من داء على غير فعال ، وبابه فعال".

وذكر أن فعالة يكثر في ما كان ولاية أو صناعة وذكر في معنى الولاية : النكابة وهي من المنكب ، والمنكب : رأس العرفاء الذي في يده اثنى عشرة عرافة.

قال : " وأما الوسم فيجيء على فعال نحو : الخباط والعلاط ، والعراض والجناب ، والكشاح"

وقد فسرها سيبويه :

قال : " وقد جاء بعض السمات على غير الفعال نحو : القرمة والجرف ، اكتفوا بالعمل ، يعني المصدر والفعلة فأوقعوهما على الأثر والجرف : أن يقطع شيء من الجلد بحديد ، والقرمة : أن يقطع شيء من الجلد يكون معلقا منه.

قال : " وقالوا : الحيدان والميلان ، فأدخلوا الفعلان في هذا كما أن ما ذكرنا من المصادر قد دخل بعضها في بعض".

يعني : أن الحيدان والميلان إنما هما أخذا في جهة ما عادلة من جهة أخرى فهما بمنزلة الرغوان.

وقال بعضهم : الحيدان والميلان ليس فيهما زعزعة شديدة ، وما ذكر ففيه زعزعة شديدة فلذلك قال ما قال.

وقال بعد أن ذكر أشياء بنيت على" فعل"" يفعل" فهو" فعل" ومثل هذا" في التقارب : بطن يبطن بطنا وهو بطين وبطن. وتبن تبنا وهو تبن .. وطبن .. طبنا وهو طبن".

قال بعض النحويين : زيدت الياء في بطين للزوم الكسرة لهذا الباب ، يعني لفعل ،

٥٦٢

فيصير كالمريض والسقيم وما يشبه ذلك. ومعنى تبن : فطن ، أي : ذلك من طبعه ، وقال بعضهم : تبن بطنه : إذا انتفخ.

هذا باب ما جاء من الأدواء على مثال

وجع يوجع وجعا وهو وجع لتقارب المعاني

اعلم أن فعل يفعل إذا كان اسم الفاعل منه على فاعل فهو يجري مجرى ما يتعدى ، وإن كان لا يتعدى كقولك : سخط يسخط وهو ساخط ، وخشي يخشى وهو خاش ، وكان الأصل : سخط منه ، كما تقول : غضب منه وخشي منه كما تقول : وجل منه ، فجمعوا خشي وهو خاش كقولهم : رحم وهو راحم ، ولا يقدر في رحم حرف من حروف الجر.

ومعنى قول سيبويه : " فلم يجيئوا باللّفظ كلفظ ما معناه كمعناه" يريد : لم يقولوا خش كما قالوا : فرق ، وجل.

قوله : " ولكن جاءوا بالمصدر والاسم".

يعني بالمصدر : الخشية ، وبالاسم : الخاشي. والخشية بمنزلة الرحمة في وزنها ، والخاشي كالراحم في وزنه ، وبناء خشي يخشى : كبناء رحم يرحم وهو ضده.

وقد يحمل الضد في لفظه على ما يضاده لتلبسهما بخبر واحد وإن كانا يتنافيان في ذلك الخبر.

قال : وقالوا : سهك يسهك سهكا وهو سهك وقنم يقنم وهو قنم ، جعلوه كالداء لأنه عيب ، وقالوا قنمة وسهكة. وهما الرائحة المنكرة.

قال وقالوا : لقس يلقس لقسا وهو لقس. ولحز يلحز لحزا وهو لحز لما صارت هذه الأشياء مكروهة عندهم ، صارت بمنزلة الأوجاع.

واللقس : سوء الخلق. واللحز : الضيق والشح.

ويقال لجج يلجج لججا وهو لجج ؛ لأن معناه قريب من السقم ، يقال : لجج في الشيء إذا نشب فيه ولم يمكنه التخلص منه إلا بشدة.

هذا باب فعلان ومصدره

ذكر في هذا الباب قولهم : روى يروي ريّا وهو ريان.

قال : أدخلوا الفعل في هذه المصادر كما أدخلوا الفعل فيها حين قالوا : السكر.

ولقائل أن يقول : هو فعل كسر من أجل الياء ، كما قالوا : قرن ألوى وقرون لي.

وفي السكر ثلاث لغات : قالوا : السّكر والسّكر والسّكر وحكى عن الأخفش السكر.

وذكر أن ما كان في معنى الجوع قد يبنى على فعل يفعل كقولهم : جاع يجوع جوعا وهو جائع ، وناع ينوع نوعا وهو نائع.

٥٦٣

وقال بعضهم : النائع : المتألم من الجوع.

وقال بعضهم : هو المائل من الجوع.

وقال بعضهم : النائع : العطشان.

وبين سيبويه أن بعض الصفات مما هو في معنى الامتلاء قد يبنى على فعلان ، فعلى وإن لم يكن له فعل يجري عليه كقولهم : قدح نصفان ، وجمجمة نصفى وهي أيضا قدح ، وقدح قربان وجمجمة قربي ، إذا قاربت الامتلاء.

قال : ولم نسمعهم قالوا : قرب ولا نصف ، اكتفوا بقارب ونصف وكأنهم توهموا فيه قرب ونصف ، وقوى هذا باستعمالهم : أعزل عزل ولم يقولوا : أعازل.

ومعنى هذا : أن أعزل. وإن كان على لفظ أحمر ، فلم يذهب به مذهب أحمر ، لأنه لا مؤنث له ، وذهبوا به مذهب الأسماء كأفكل وأبدع ولم يجمعوه كجمع الأسماء في هذا الوزن ، ولم يقولوا : أعازل كما قالوا : أفاكل ، وقالوا : عزل كأنهم قدروا" أعزل" و" عزلاء" مثل : " أحمر" و" حمراء" وإن لم يستعملوه ، وقالوا : عزّل على أن الواحد عازل.

وذكر قولهم : " ندمان" و" ندمى".

قال المبرد : ندمان الذي من الندامة على الشيء يقال فيه : ندمى ولا يقال فيه ندمانة ، وإنما ندمان وندمانة لباب المنادمة ـ فاعلمه.

هذا باب ما يبنى على أفعل

ذكر في هذا الباب أن الألوان تبنى على" أفعل". وأفعالها على فعل يفعل ، وربما بني بعضها على فعل يفعل ، قالوا : أدم يأدم أدمة فهو آدم ، ومنهم من يقول : أدم يأدم ، وكهب يكهب كهبة ، وقالوا : كهب يكهب وهي غبرة وكدرة في اللون.

وقهب يقهب قهبة وهي سواد يضرب إلى الحمرة.

قال : وقالوا : الغبسة كما قالوا : الحمرة.

وفي بعض النسخ العيسة من الأعيس ، وأصلها العيسة فكسرت العين لتسلم الياء.

قال : وقالوا امرأة ستهاء ورجل أسته ، فجاءوا به على بناء ضده ، وهو أرسح ورسحاء والأرسح : الممسوح العجز ، وكذلك الأزل.

قال : " وقالوا : أهضم وهضماء والمصدر الهضم" وهو عيب في الخيل ، وهو الذي ليس بمحفر الوسط.

قالوا : وقالوا أخلق وأملس والأخلق : الأملس ، وخلقته : ملسته.

قال : وقالوا : مال يميل ميلا وهو مائل وأميل فلم يجيئوا به على مال يميل.

يريد : أن أفعل ليس باب فعله أن يكون على فعل يفعل ، فكان حقّ أميل أن يكون فعله

٥٦٤

ميل يميل ميلا. وإنما حكى سيبويه مال يميل.

وقد حكى غير سيبويه : ميل يميل ميلا فهو أميل فاعرفه.

هذا باب أيضا للخصال

التي تكون في الأشياء

قوله في هذا الباب : وقالوا : نضر وجهه ينضر فبنوه على فعل يفعل إلى قوله : وقالوا : ناضر كما قالوا : نضر

إنما ذكر هذا ؛ لأنه من باب الحسن والقبح الذي يأتي فعله على فعل يفعل ليريك خروجه عن الباب.

واسم فاعله : ناضر ونضير. فناضر على قياس فعله. ونضير محمول على وسيم لأنه نحوه في المعنى. ونضر محمول على حسن. إلا أنّه مسكن الأوسط. ومثله : ضخم ولم يقولوا : ضخيم على ما ذكره سيبويه ، وقد حكاه المبرد.

قال سيبويه : وما كان من الرّفعة والضّعة .. فهو نحو هذا.

اعلم أن الضعة وزنها فعلة ، والأصل : وضعة مثل عدة وزنة ، وربما فتحوا أشياء من ذلك إذا كان فيها شيء من حروف الحلق كما يفتحون في الفعل من أجل حروف الحلق ما لا يفتح في غيره ، قالوا : ضعة وقحة وصفة ، ولا يقولون في مثل صفة وزنة : زنة وصفة لعدم حروف الحلق.

قال : وقالوا آمر علينا وهو أمير ، كنبه وهو نبيه وفي بعض النسخ : أمر علينا كنبه مفتوحا ، والفتح أجود وأفصح.

قوله بعد أن ذكر حكاية يونس عن بعض العرب : لببت تلب .. وإنما قلّ هذا لأن هذه الضمة تستثقل في ما ذكرت لك ـ يعني في عضد ونحوه فلما صارت في ما يستثقلون فاجتمعا ، فرّوا منهما".

يعني : لما صارت الضمة في المضاعف وهما ثقيلان ، فروا منها ، والأكثر في الكلام لببت تلبّ.

قالت صفية بنت عبد المطلب في ابنها الزبير :

* اضربه لكي يلب

وكي يعود ذا لجب (١)

__________________

(١) إصلاح المنطق ٢١٠ ، شرح السيرافي ٦ / ٥٤ ، شرح الملوكي ٤٧ ، المخصص ١٤ / ١٥٦ ، اللسان ١ / ٧٣٠.

٥٦٥

هذا باب علم كل فعل تعداك إلى غيرك

ذكر في هذا الباب ما شذ من الأفعال عن قياسه في المستقبل والماضي وبين جميع ذلك.

وأنشد :

 * واعوجّ غصنك : من لحو ومن قدم

لا ينعم الغصن حتى ينعم الورق (١)

فقال : ينعم والماضي نعم ، والقياس نعم ينعم.

واللّحو : مصدر لحوت العود إذا : قشرته.

وأنشد للفرزدق :

* وكوم تنعم الأضياف عينا

وتصبح في مباركها ثقالا (٢)

والأقيس : " تنعم الأضياف".

يصف إبلا قد أمنت أن تنحر للأضياف ، فهي تنعم بهم عينا وتصبح مطمئنات في مباركها لا تذعر بعقر فتثور من مواضعها.

وذكر سيبويه أن من الأفعال ما جاء على فعل يفعل ، وذلك في حرفين كقولهم : فضل يفضل ومتّ تموت وحكى غيره : حضر يحضر ودمت تدوم.

وباقى الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب ما جاء من المصادر

فيه ألف التأنيث

ذكر في هذا الباب أن" الفعّيلى" يأتي مصدرا لتكثير الفعل ، وبيّن أنّها أكثر ما تأتي من اثنين فأكثر ، وقد يكون منها يكون للواحد. قالوا : الدلّيلي : لكثرة العلم بالدلالة والرسوخ فيها.

وقالوا : القتيتي : وهي النميمة ، والهجيرى : كثرة القول والكلام بالشيء وقال الأخفش : الإهجيري : وهو كثرة كلامه بالشيء يردده.

ويروى أن عمر رضى الله عنه قال : لو لا الخليفي لأذنت يعني : الخلافة وشغله بحقوقها والقيام بها عن مراعاة الأوقات التي يراعيها المؤذنون.

قال : " وقد قال بعض العرب : اللهم أشركنا في دعوى المسلمين".

وقال بشر بن النكد :

* ولّت ودعواها كثير صخبه (٣)

__________________

(١) ورد الشاهد في الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٢٧ ، شرح السيرافي ٦ / ٥٧.

(٢) ديوان الفرزدق ٢ / ٦١٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٢٧ ، شرح السيرافي ٦ / ٥٧ ، اللسان ١٢ / ٥٨٦.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٢٨ ، شرح السيرافي ٦ / ٦٠ ، شرح النحاس ٣٢٩ ، اللسان دعا ١٤ / ٢٥٧.

٥٦٦

فالدعوى عند سيبويه مصدر بمعنى الدعاء ، أنث بالألف كما يؤنث بالهاء وقد تكون الدعوى الشيء المدعى مثل الحذيا والسقيا ، وتكون الكلام الذي هو دعاء ، والهاء في قوله : صخبه لدعواها ، والدعوى : مؤنثه فذكره في صخبه ؛ لأنه أراد دعاءها. والصخب : ارتفاع الصوت واختلاطه.

هذا باب ما جاء من المصادر على فعول

جميع ما في هذا الباب مفهوم من كلام سيبويه.

هذا باب ما تجيء فيه الفعلة تريد بها

ضربا من الفعل

ذكر في هذا الباب قولهم : " ليت شعري" ، وبين أن الأصل : " ليت شعرتي" ، وهي مصدر شعر شعرة بمنزلة : درى درية ، ومعناها العلم والمعرفة ، وأسقطت الهاء لكثرة استعمالهم له ، وأنه صار كالمثل حتى لا يقال : ليت علمي ، وهو بمنزلة قولهم : ذهب فلان بعذرة امرأته : إذا افتضها. ويقال للرجل المبتني بالمرأة : هو أبو عذرها ، فيحذفون الهاء لأنه صار مثلا.

ويقال : " تسمع بالمعيديّ لا أن تراه ، وهو تصغير معدّيّ بتشديد الدال ، وكان حكمه أن تقول : معيدّي ولكنهم خففوا الدال لأنه مثل. يضرب لكل من سمع بذكره ووصف بما يعجب منه ، فإذا نظر إليه ازدرته العين وصغر قدره عند الاختبار.

قال : وقالوا : غزاة فأرادوا عمل وجه واحد كما قالوا حجة : يريد عمل سنة ، ولم يجيئوا به على الأصل.

يريد : أنّه كان حقه للمرة الواحدة : غزوة وحجة ولكنه جعل اسما لعمل سنة واحدة في الحج ، وغزو في وجه واحد.

قال : وقالوا قنمة وسهكة وخمطة جعلوه اسما لبعض الريح كالبنة ... ولم يرد به فعل فعلة.

يعني : أن القنمة : اسم للرائحة الموجودة في الزيت.

والخمطة : تغير الشراب إلى الحموضة. والبنة : رائحة موضع الغنم وأبعارها ، فاعرفه.

هذا باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو

التي الياء والواو منهن لامات

اعلم أن فعلا يقلّ في المصدر ، وكلام سيبويه ظاهره يوجب أنّه لم يأت مصدر على فعل غير هدى.

وللقائل أن يقول : قد وجدنا تقى وسرى وبكى في من قصر.

وقد تكلم النحويون في ذلك فذكر عن المبرد أنّه قال :

٥٦٧

وزن تقي : تعل ، والتاء زائدة وفاء الفعل محذوفة سقطت في المصدر كسقوطها في الفعل إذا قلت : تقى يتقى فالتاء في تقى افتعل ، والأصل : اتتقى فحذفت التاء الأولى وهي بدل من الواو التي هي فاء الفعل فبقي عنده فعل من افتعل ، وتقى تفعل فحذفت فاء الفعل فصار تعل.

وقال الزجاج : هو فعل وكان يقول : إن تقى الذي هذا مصدره ، لا يتعدى ، وأنه يقال فيه : تقى يتقي ، مخفف من اتقى يتقي وهو متعد .. وكان يزعم أن سيبويه إنما قال في هدي : إنّه لم يجئ غيره.

يريد : في المتعدي وأن سرى مصدر فعل غير متعد فحمله ذلك على أن قال : تقى مصدر فعل لا يتعدى.

والذي قاله : غير معروف ؛ لأنه لا يعرف تقى يتقي بإسكان التاء ولا يؤمر منه باتق ، إنما المعروف : تقى يتقي ، وتق يا زيد.

وبكى فيه لغتان : المد والقصر ، وكأن القصر تخفيف ، والأصل المد لأنه صوت.

قال : وقال : قوم غزي ، وبدي ، وعفي ، كما قالوا ضمر وشهد وفرح ، وقالوا : السقاء والجناء ـ جمع جان ـ كما قالوا : الجلاس والعباد.

وإنما ذكر جمع الفاعل في هذا الموضع ، وليس بباب له ، شاهدا على ما هو من المصادر مقصورا وممدودا كقولهم : بدى وبداء ، وثنى وثناء.

وذكر في آخر الباب : سرته فأنا أسوره سؤورا.

ومعناه : سرت إليه إذا ارتفعت إليه.

وأنشد للأخطل :

* لما أتوها بمصباح ومبزلهم

سارت إليهم سؤور الأبجل الضّاري (١)

المبزل : شيء يصفى به الشراب والبزل تصفية الشراب كأنه يصف شربا أتوا إناء خمر فحاولوا إخراجها منه وتصفيتها فبدت لهم حمراء صافية كدم الأبجل ، وهو عرق الأكحل.

وهذا البيت في الباب الذي بعد هذا.

وأنشد فيه أيضا للعجاج :

* سرت إليه في أعالي السّور (٢)

وباقي هذا الباب والباب الذي بعده مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب نظائر ما ذكرنا من بنات الواو التي الواو فيهن فاء

ذكر في هذا الباب أن فعل يفعل مما فاؤه واوا يعتل مستقبله لوقوع الواو بين ياء وكسرة

__________________

(١) ديوان الأخطل ١١٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٣١ ، شرح السيرافي ٦ / ٨٥ ، اللسان سور ٣ / ٣٨٢.

(٢) ديوانه ٦٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٣٢ ، اللسان سور ٤ / ٣٨٦.

٥٦٨

نحو وعد يعد ، وليس ذلك في فعل يفعل مثل : وضؤ يوضؤ.

فإن قال قائل : لم لم تعتل الواو هنا فتحذف استثقالا لوقوعها بين ياء وضمة وهي أثقل من وقوعها بين ياء وكسرة؟

قيل له : أتموا هذا الباب لأنه لزم طريقا واحدا لا يمكن فيه التغير في وزنه ؛ لأن فعل يطرد مستقبله على يفعل ولا يتخلف. وأما باب وعد ووزن فهو على" فعل" و" فعل" يجيء مستقبله على يفعل فاقتصروا في وعد وما أشبهه على يفعل ، فكان ذلك تغييرا لفعل ، فحملهم التغيير في ذلك أن حذفوا الواو أيضا استثقالا لها ، فكأنهم أتبعوا التغيير ، وهذا الطريق يسلكه سيبويه.

فإن قال قائل : قد تقع الواو بين ياء وكسرة في مثل" يوقن" و" يوصل" فهلا حذفت؟ فالجواب فيه كالجواب في" فعل"" يفعل" و" يفعل" ، أن مستقبل أفعل لا يتغير عن يفعل كما أن مستقبل فعل ، لا يتغير عن يفعل ومع ذلك فإن الواو الساكنة إذا كان قبلها ضمة فهي كالإشباع للضمة والاستثقال لها أقل.

وقد ذكر سيبويه أن من العرب من يقول : يجد وذلك قليل.

وحذفوا الواو من يجد لأن الأصل فيه يوجد فسقطت الواو من أجل ذلك.

وأما ما كانت فاؤه ياء ، فإنه جاء سالما ؛ لأن الياء أخفّ من الواو ، وقد شذ حرف واحد ، قالوا : يئس يئس ، والأصل فيه ييئس فسقطت الياء لوقوعها بين ياء وكسرة كسقوط الواو في يزن ويعد.

هذا باب افتراق فعلت وأفعلت في المعنى

مذهب سيبويه أن" أفعلته" الذي للنقل معناه جعلته فاعلا للفعل الذي كان له ، أي : صيرته فاعلا ، أي : جعلت فيه ذلك الفعل. فإذا قلت : أدخلته ، فمعناه جعلته داخلا ، وإذا قلت : ضربته فمعناه جعلت فيه ضربا ، ولذلك فرق بين فتنت الرجل وأفتنته. فمن قال فتنته أراد جعلت فيه فتنة ، ومن قال أفتنته أراد جعلته فاتنا ، يقال : فتن الرجل فهو فاتن.

قال : ومثل ذلك : سودت ... وسدت غيري ، أي سودته.

قال نصيب :

* سودت فلم أملك سوادي وتحته

قميص من القوهيّ بيض بنائقه (١)

وقال بعضهم : " سدت : يريد فعلت"

تحصيل هذا أنّه يقال : اسواددت ، واسوددت ، وسودت ، وسدت بمعنى واحد ، وذلك

__________________

(١) ملحقات ديوانه ٦٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٣٤ ، أمالى القالى ٢ / ٨٨.

٥٦٩

كله غير متعد. فإذا أردت المتعدى جاز أن تقول : سدته وسودته ، فأما سدته : فجعلت فيه سوادا ، واما سوّدته : فجعلته أسود.

يصف أنه لم يملك خلقه فلا يكون أسود ، ثم قال : أما وإن كنت أسود ، فإن وراء ذلك خلقا وكرما ، وضرب القوهيّ مثلا : وهو ثوب أبيض.

قال : " وقد جاء فعلت إذا أردت أن تجعله مفعلا وذلك : فطّرته فأفطر ، وبشّرته فأبشر ، وهذا النحو قليل".

ومعنى ذلك أنّه جعل فعلته نقلا لأفعلت ، والباب أن يكون نقلا لفعلت كما يقال : عرف وعرفته ، وفرح وفرحته.

قال : " وقد تدخل أفعلت على فعّلت : قالوا : أسقيته في معنى سقّيته".

أي : دعوت له بالسقيا.

وأنشد لذي الرمة :

* وقفت على ربع لمّية ناقتى

فما زلت أبكي حوله وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثّه

تكلّمني أحجاره وملاعبه (١)

قوله : وأسقيه ، أي : أدعو له بالسقيا ، وكان حقه أسقيه. ومعنى أبثه : أحزنه.

والملاعب : أفنية الدار حيث يلعب الغلمان والجواري.

قال الخليل : " قولهم : سقيته مثل كسوته ، وأسقيته مثل ألبسته".

معنى هذا : أن : أسقيته : جعلت له سقيا ، كما أن كسوته جعلت له كسوة وإن لم يلبسها. وسقّيته بمنزله ألبسته إذا جعلته لابسا. ففرق الخليل بين سقيته وأسقيته.

وبعض أهل اللغة ذكر أن لا فرق بينهما.

قال : ويقال لما أصابه : هذا نحز وجرب وحائل للنّاقة.

يعني : أنّه ليس يقال للبعير الذي أصابه الجرب في نفسه : مجرب ، والذي أصابه النحاز : منحز ، وإنما يقال نحز والمنحز : صاحبه والنحاز : السعال.

قال : ومثل ذلك : أسمنت وأكرمت فاربط.

يقال ذلك للرجل إذا وجد شيئا نفسيا يرغب فيه ويتمسك به ، فمعنى أسمنت وجدت سمينا. ومعنى أكرمت : وجدت فرسا كريما أو غير فرس ، فاربط أي : اتخذه.

قوله : كما قالوا : أدنف فبنوه على أفعل فلم يستعملوا ما يوجب الباب وهو دنف ، واستعملوا أدنف.

__________________

(١) ديوانه ٣٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٣٥ ، شرح السيرافي ٦ / ١٠٠ شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٦٤ ، أوضح المسالك ١ / ٢٢٠ ، اللسان ١٤ / ٤٤٠.

٥٧٠

وقالوا أشكل أمرك ، ولم يستعملوا غيره.

وقالوا حرثت الظهر ، أي أتعبته. والظهر : المركوب. أحرثته.

قال : ومثل أدنفت : أصبحنا وأمسينا وأسحرنا وأفجرنا شبّهوه بهذه التي تكون في الأحيان.

يريد : كأن معناه دخلت في وقت الدنف كما دخلت في وقت السحر.

قال : " وتقول : أكثر الله فينا مثلك ، أي : أدخل الله فينا مثلك كثيرا.

وأما" كثّر" فمعناه : جعل الله القليل كثيرا.

وذكر أو تحت ، جئت بوتح ، أي : قليلا ، وهو بمنزلة أقللت ـ فاعلمه.

هذا باب دخول فعّلت على فعلت لا يشركه في ذلك أفعلت

قوله : واعلم أن التخفيف في هذا كله جائز عربي إلى قوله : كأنما هذا بناء خاص للتكثير.

يريد أن التخفيف في فعلت قد يجوز أن يراد به القليل والكثير ، فإذا شددت دللت على الكثير كما أن الركوب والجلوس قد يقع لقليل الفعل ولكثيره ولجميع صنوفه ، فإذا قلت : الركبة والجلسة ، دل على هيئة ما وحالة ما ، وإذا قلت : الركبة والجلسة ، دل على مرة واحدة ، والجلوس مشتمل على هذا كله.

قال : " وكما أن الصرف والرّيح قد يكون فيه معنى صرفة ورائحة" يريد أنك إذا قلت : صرفته صرفا ، فقد يجوز أن تريد به المرة وهي الصرفة.

وإذا قلت : شممت ريحا ، فيجوز أن تريد معنى الرائحة ، كأنه جعل الرائحة للواحدة ، والريح للجنس ، وهذا في أكثر الاستعمال. قال الله عز وجل : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) [الأنبياء : ٨١] فعبر عنها بالريح وهو الكثير. وأما الرائحة فأكثر ما تستعمل في ما يفوح في دفعة واحدة.

وأنشد :

* ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها

حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار

ثم قال : " وفتّحت في هذا أحسن ، كما أن قعدة في هذا أحسن".

يريد : أن اللفظ الخاص الموضوع لمعنى ، أكشف لذلك المعنى من أن يؤتى بمبهم.

هذا باب ما طاوع الذي فعله على فعل

قوله في هذا الباب بعد أن ذكر تفاعل : وفتحت التاء لأن معناه معنى الانفعال والافتعال.

يعني : فتحت تاء تفاعل لأنها أول فعل ماض سمي فاعله ، وإن كان زيادة للمطاوعة كالافتعال والانفعال ، وليست بألف الوصل دخولها لسكون ما بعدها. قال : ونظير ذلك من بنات الأربعة .. معددته فتمعدد وصعررته فتصعرر" ومعنى : معددته : حملته على الخشونة والصلابة.

٥٧١

وصعررته : دوّرته ودحرجته.

قوله : " وكذلك كل شيء كان على زنة فعللة عدد حروفه أربعة .. ما خلا أفعلت ، فإنه لم يلحق ببنات الأربعة".

يريد : أن كل شيء من الفعل كان ماضيه على أربعة أحرف ، يجوز أن تزاد في أوله التاء ما خلا أفعلت ، فإنه لا تزاد فيه التاء. لا تقول : أكرمته فتأكرم كما تقول : دحرجته فتدحرج ، وناولته فتناول.

هذا باب ما جاء فعل منه على غير فعلت

وذلك نحو : جنّ وسلّ ... وورد ومعنى ورد : حمّ.

قد بين سيبويه جميع الباب فهو مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب دخول الزوائد في فعلت للمعاني

ذكر أن" تفاعلت" يجيء ليريك الإنسان أنّه في حال ليس فيها على الحقيقة.

وأنشد قول الشاعر :

* إذا تخازرت وما بى من خذر

ومعنى تخازرت : صغرت عيني وما كانت صغيرة (١).

وبعد هذا :

ثم كسرت العين من غير عور

ألفيتنى ألوى بعيد المستمر

أحمل ما حمّلت من خير وشر

ويروى أنّها لعمرو بن العاص قالها في يوم صفين.

والباب مفهوم من كلام سيبويه.

هذا باب استفعلت

قال : " ومثال ذلك ـ يعني تحلم ـ تقعّدته ، أي ريّثته عن حاجته وعقته ، ومثله ... تهيبتني البلاد وتكاءدني ذلك الأمر".

معناه : هابني أهل البلاد. وتكاءدنى معناه : شق علي ، من قولهم للمكان الشاق المصعد : كؤود وكأداء.

قال : وأما تهيبه فإنه حصر ليس فيه معنى شيء مما ذكرنا.

__________________

(١) الكتاب ٢ / ٢٣٩ ، المقتضب ١ / ٧٩ ، شرح السيرافي ٦ / ١٢٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٩٤ ، فرحة الأديب ١٦٠ ، مجمع الأمثال ٢ / ١٩٢ ، شرح المفصل ٧ / ٨٠ ، اللسان خزر ٤ / ٢٣٦ ، مرر ٥ / ١٧٢ ، شوس ٦ / ١١٦.

٥٧٢

يريد : أن معنى تهيبه : معنى هابه ، ولم يبن على تفعل لزيادة معنى في فعل ، كما أن استعليته لم يزد معناه على علوته.

ومعنى قوله : " إنه حصر" يريد : أن الهيبة حصر للإنسان عن الإقدام.

قوله : " وأمّا التعمّج والتّعمّق ، فنحو من هذا" يريد : أنّه مثل" يتجرّع" ، ويتفوق في أنّه يصل شيئا بعد شيء. وهو مأخوذ من الفواق.

وفرق سيبويه بين كسب واكتسب في الباب الذي بعد هذا.

وقال غيره : لا فرق بينهما ، قال الله عز وجل :

(لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٥] والمعنى واحد.

وأنشد في آخر الباب لذي الرمة :

* تعرض إعراضا لدين المفتن

وليس بشاهد لما تقدم مما يلي البيت.

وقال بعض النحويين : يريد أن المفتن والمفتون واحد.

يقال : فتن وأفتن فجاء هذا كما جاء : قلع واقتلع ، وجذب واجتذب.

وأنشد في الباب قبل هذا لحاتم الطائي :

* تحلّم على الأدنين واستبق ودّهم

ولن تستطيع الحلم حتّى تحلّما (١)

أنشد هذا لأن معنى تفعل عنده : أراد أن يدخل نفسه في أمر حتى يكون من أهله.

فمعنى تحلم عن الأدنين : استعمل الحلم عنهم إذا جهلوا عليك ، واستبق ودهم بالعفو عنهم والإغضاء على جهلهم.

ثم ذكر أن الإنسان لا يعرف بالحلم ولا ينسب إليه حتى يستعمله إذا جهل عليه. فقال : ولن تستطيع الحلم حتى تستعمله إذا جهل عليك فقال : ولن تستطيع الحلم حتى تحلما.

هذا باب افعوعلت وما كان على مثاله ممّا لم نذكره

هذا الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب مصادر ما لحقته الزّوائد

قوله : وأما الذين : كذابا ، فإنهم قالوا : تحمّلت تحمالا ، أرادوا دخول الألف كما أدخلوها في أفعلت واستفعلت

يعني : أنّهم لو أتوا بحروف الفعل بنفسها ، وزادوا قبل آخرها ألفا وكسروا أولها كما

__________________

(١) ديوان حاتم ١٠٨ وبه تحمل ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٤٠ ، شرح النحاس ٣٢٩ ، شرح السيرافي ٦ / ١٣٠ ، شرح المفصل ٧ / ١٥٧ ، مغني اللبيب ٢ / ٨٨٠ ، شرح شواهد المغني ٦ / ٩٥١ ، الخزانة ٣ / ١٢٤ ، أساس البلاغة حلم ٩٤ ، اللسان حلم ١٢ / ١٦.

٥٧٣

فعلوا ذلك في مصدر : أفعلت واستفعلت ، وإنما يريد أن المصدر اسم ، والأسماء أخف من الأفعال وأحمل للزيادة.

قال : " وأمّا فاعلت فإنّ مصدره : مفاعلة ، جعلوا الميم عوضا من الألف التي بعد أول حرف منه ، والهاء عوض من الألف التي قبل آخر حرف منه.

كلام سيبويه في هذا مختل ، وقد أنكر ، وذلك أنّه جعل الميم عوضا من الألف التي بعد أول حرف منه وذلك غلط ؛ لأن الألف من فاعل ثانية في مفاعلة ، فكيف تكون الميم عوضا من الألف والألف لم تذهب؟

والجيد في هذا ما وقع في نسخة مبرمان ، وهو أن هذه المصادر جاءت مخالفة الأصل كفعلت ، وذلك أن مصدره يجيء مخالفا لما يوجبه قياس الفعل وتزاد في أوله الميم كما يقال : ضربته مضربا ، وشربته مشربا ، وقد يزاد فيه مع الميم الهاء ، كما يقال : المرحمة ، وألزموا الهاء في هذا لما ذكره من تعويض الألف ـ فاعرفه.

هذا باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل

كلام في هذا الباب مفهوم.

ومما استشهد به قول القطامي :

* وخير الأمر ما استقبلت منه

وليس بأن تتبّعه اتّباعا (١)

فقال : اتباع ، لأن : تتبّعت واتّبعت واحد في المعنى.

وأنشد لرؤبة :

* وقد تطوّيت انطواء الحضب

فقال : انطواء ؛ لأن تطوّيت وانطويت واحد. والحضب : الحيّة.

هذا باب ما لحقته هاء التّأنيث عوضا لما ذهب

أجاز سيبويه أن لا تدخل الهاء عوضا ، واحتج بقوله عز وجل : (وَإِقامَ الصَّلاةِ) [الأنبياء : ٧٣]. ولم يفصل بين المضاف وغيره.

وذكر الفراء أن الهاء لا تسقط إلّا مما كان مضافا والإضافة عوض منها.

وأنشد :

* إن الخليط أجدّوا البين فانجردوا

وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا

أراد : عدة الأمر ، وحذف الهاء من أجل الإضافة.

فأجاز سيبويه أقمته إقاما ، ولم يجزه الفراء.

__________________

(١) ديوانه ٤٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٤٤ ، المقتضب ٣ / ٢٠٥ ، شرح السيرافي ٦ / ١٤٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٣٢ ، الخصائص ٢ / ٣٠٩ ، شرح المفصل ١ / ١١١ ، الخزانة ٢ / ٣٦٩ ، اللسان تبع ٨ / ٢٧.

٥٧٤

وأما قولهم : " أريته إرآءة" فليس من هذا الباب لأنه لم يعتل عين الفعل فيه ، ولكنه دخله النقص لتليين الهمزة وإلقاء حركتها على الراء فعوض الهاء منها.

قال سيبويه : " ولا يجوز حذف الهاء في تجزئة وتهنئة ، وتقديرهما : تجزعة وتهنعة ولأنهم ألحقوهما بأختيهما من بنات الياء والواو.

قال المبرد : الإتمام على تفعيل في ما كان مهموزا أجود وأكثر ، فتقول : هنأته تهنيئا وتهنئة ، هذا قول زيد وجميع النحويين.

وقال بعضهم : إن سيبويه ما أراد ما قال المبرد من الإتيان بالمصدر على التمام ، وإنما أراد أنّه لا يجوز حذف الهاء من الناقص من تفعلة كما جاز في" إقام" ، لا تقول : جزّأته تجزئا ، وهنّأته تهنئا.

والدليل على ذلك أن سيبويه قال في باب المفعول الذي يتعدى فعله إلى" مفعولين" : " ونبّئت تنبيئا".

ولو كان ذلك لا يجوز عنده ، ما استعمله.

هذا باب يكثّر فيه المصدر من فعلت

فتلحق الزوائد ويبنى بناء آخر

اعلم أن سيبويه يجعل التفعال تكثيرا للمصدر الثلاثي فيصير : التهدار بمنزلة : الهدر الكثير ، والتلعاب بمنزلة : اللعب الكثير.

وكان الفرّاء وأصحابه يجعلونه بمنزلة التفعيل ، ويجعلون الألف عوضا من الياء ، فيقولون : التكرار والترداد بمنزلة : التكرير والترديد.

والقول ما قاله سيبويه ؛ لأنهم يقولون : التلعاب ولا يقولون : التلعيب.

وبين أن التبيان والتلقاء ليسا بجاريين على الفعل ، ولو كانا كذلك ، لفتح أولهما. وإنما هما اسمان وضعا موضع المصدر.

وأنشد للراعي :

* أمّلت خيّرك هل تدنو مواعده

فاليوم قصّر عن تلقائك الأمل (١)

يريد عن لقائك :

والمصادر كلها على" تفعال" بفتح التاء ، وإنما تجيء تفعال في الأسماء وليس بالكثير.

وقد ذكر بعض أهل اللغة منها ستة عشر حرفا منها :

__________________

(١) ديوانه ١١٢ ، شرح النحاس ٣٣٠ ، شرح السيرافي ٦ / ١٥٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٤١ ، المقاصد النحوية ٢ / ٣٣٦ ، اللسان ١٥ / ٢٥٤.

٥٧٥

التّبيان ، والتّلقاء ، ويقال : مر تهواء من الليل ، وتبراك وتعشار ، وترباع : مواضع ، وتمساح : الدابة المعروفة ، والتمساح : الرجل الكذاب ، وتخفاف ، وتمثال ، وتمراد : بيت للحمام تبيض به ، وتلفاف : وهو ثوبان يلفقان ، وتلقام : سريع اللقم ، ويقال : أتت الناقة على تضرابها أي : الوقت الذي يضربها الفحل ، وتلعاب : كثير اللعب ، وتقصار : وهي القلادة وتنبال : وهو القصير ، فاعلمه.

هذا باب بنات الأربعة

جميع الباب مفهوم من كلام سيبويه.

ومن غريبه : المسّرهف : وهو : المنعّم الذي قد أحسن غذاؤه.

هذا باب نظير ضربته ضربة

من هذا الباب الذي بعده.

هذا باب اشتقاقك الأسماء

لمواضع بنات الثلاثة

أنشد في هذا الباب للراعي في ما بني على" مفعل" من مصادر بنات التضعيف والياء :

* بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة

لا يستطيع بها القراد مقيلا (١)

أراد : قيلولة ، وهو مصدر قلت من القائلة.

ومزلة : مفعلة من الزلل وهو اسم الموضع الذي يزل فيه ، أي : يزلق.

وجميع الباب مفهوم من كلامه.

هذا باب ما كان من هذا النحو من بنات الواو التي الواو فيهن فاء

معنى قول سيبويه في هذا الباب : تقلب الواو مرة ياء.

يعني : قولهم في يوجل ويوحل : يبجل ويبخل.

وقوله : و" ألفا مرة".

يعني قولهم : ييجل فيكسرون الياء الأولى وحقها الفتح.

وقوى سيبويه كسر الموجل والموحل ـ وإن كان من وجل يوجل ووحل يوحل ـ بأنهم قالوا : علاه المكبر في الصحيح ، وهو من كبر يكبر.

قال : " وقالوا : مودة لأن الواو تسلم ولا تقلب"

يعني : في قولهم : ودّ يودّ. ولا يقال" ييدّ" ، كما يقال ييجل ، فيصير بمنزلة الصحيح إذا

__________________

(١) ديوانه ١٢٦ ، جمهرة الأشعار ٧٣٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢٤٧ ، شرح النحاس ٣٣ ، شرح السيرافي ٦ / ١٦٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٣٣ ، اللسان حبس ٦ / ٤٤ ، ذلل ١١ / ٣٠٦

٥٧٦

قلت : شرب يشرب والمشرب للمصدر والمكان.

وقد جاء على" مفعل" من هذا الباب أسماء ليست بمصادر ولا أمكنة للفعل.

فمن ذلك : " موحد وهو اسم معدول عن واحد في باب العدد ، كما عدل عمر عن عامر فشبهوه بقولهم : موهب وهو : الغدير من الماء.

وكموهب : موألة ، والمورق : اسم ، يقال : فلان بن مورق ، وموكل : اسم موضع أو رجل.

هذا باب ما تكون مفعلة لازمة لها الهاء والفتحة

قال في الباب : وقالوا : " أرض محياة ومفعاة"

مذهبه أن عين الفعل من حية : ياء ، فلذلك قال : " أرض محياة". وقال غيره : هي واو.

قال صاحب كتاب" العين" : أرض محواة ، وقالوا : رجل حواء ، صاحب حياة ، وفي ذلك دليل على أن عين الفعل واو.

وجميع هذا الباب مفهوم من كلامه. وكذلك الباب الذي بعده.

هذا باب نظائر ما ذكرنا ممّا جاوز بنات الثلاثة بزيادة

أنشد في هذا الباب لمالك بن أبي كعب بن مالك :

* أقاتل حتّى لا يرى لى مقاتلا

وأنجو إذا غمّ الجبان من الكرب (١)

أنشد على أن مقاتلا في معنى : قتالا ، ويجوز أن يكون اسما للمكان.

وأنشد لزيد الخيل :

* أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا

وأنجو إذا لم ينج إلا المكيّس (٢)

وأنشد لأمية بن أبي الصلت :

* الحمد لله ممسانا ومصبحنا

بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا (٣)

" فممسانا" و" مصبحنا" مصدران وضعهما اسمين لوقت الصباح والمساء فنصبهما على الظرف.

واعلم أن المفعول عند بعض النحويين يجوز أن يكون مصدرا ، وجعلوا هذه المفعولات التي ذكرها سيبويه مصادر ، فالميسور عندهم بمنزلة : اليسر ، والمعسور كالعسر ،

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٥٠ ، المقتضب ١ / ٧٥ ، شرح النحاس ٣٣١ ، شرح السيرافي ٦ / ١٨٣ ، الخصائص ٢ / ٣٠٤ ، ١ / ٣٦٧ ، شرح المفصل ٦ / ٥٠ ، ٥٥ اللسان قتل ١١ / ٥٤٩.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٥٠ ، نوادر أبي زيد ٧٩ ، شرح السيرافي ٦ / ١٨٤ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٨٩ ، الخصائص ١ / ٣٦٧ ، ٦ / ٣٠٤ ، شرح المفصل ٦ / ٥٠ ، ٥٥ اللسان قتل ١١ / ٥٤٩.

(٣) ديوانه ٦٢ ، الكتاب وشرح ابن السيرافي ٢ / ٣٩٢ ، شرح المفصل ٦ / ٥٠ ، حاشية الصبان ٢ / ٢١٣.

٥٧٧

والمرفوع والموضوع والمعقول كالرفع والوضع والعقل.

وكلام سيبويه يدل على أنّها غير مصادر ، وأنها مفعولات ، فجعل المعسور والميسور زمانا يعسر فيه وييسر ، كما تقول : هذا وقت مضروب فيه زيد.

وجعل المرفوع والموضوع هو الشيء الذي تضعه وترفعه ، وتقول : هذا مرفوع ما عندي وموضوعه ، أي ما أرفعه وأضعه.

وجعل المعقول مشتقّا من قولك : عقل له ، أي : شد له وحبس ، فكأن عقله قد حبس له وشد ، واستغنى بهذه المفعولات التي ذكرها عن الذي يكون مصدرا لأن فيها دليلا على المفعل. فاعلم ذلك.

هذا باب ما لا يجوز فيه ما أفعله

قوله في هذا الباب : " وإنما دعاهم إلى ذلك أن هذا البناء داخل على الفعل" إلى قوله : " فلما كان مضارعا للفعل موافقا له في البناء كره فيه ما لا يكون في فعله".

يريد : أن الذي دعاهم إلى أن لا يقولوا : أفعل منه في ما لا يقولون فيه : ما أفعله ، أن أفعله : فعل.

فإذا كان يمتنع في الفعل فهو في الاسم أشد امتناعا لأن أصل البناء للفعل.

ومما يدل على أن أصله للفعل أن كل فعل مستقبله على يفعل فهو للمتكلم على أفعل مثل أذهب وأصنع.

قوله : ولا تكون هذه الأشياء في مفعال ولا فعول.

إلى قوله : ولا تريد أن تجعله بمنزلة كل من وقع عليه قاتل" وحسن"

يعني : أن مفعالا وفعولا ، وإن كان فيهما معنى المبالغة ، فليس يجريان مجرى أفعل في المواضع التي ذكرها في معنى ما أفعله.

واعلم أن سيبويه لما ذكر" أحمر" و" أبيض" وما كان من" أفعل" لونا وخلقة وأبطل فيه التعجب ، ذكر ما كان على أفعل مما يجوز فيه التعجب. وفصل بينه وبين ما كان لونا وخلقة نحو : الأحمق والأنوك والأرعن ، فجعل ذلك بمنزلة الجهل ، وأنه كان حقه في الأصل أن يجيء مثل : بليد وجاهل ، وما كان نحو ألد وهو الشديد الخصومة بمنزلة العاقل واللسن وما أشبه ذلك.

فأجازوا فيها التعجب كما تقول : ما أبلده وما أجهله وما أشجعه وما ألسنه وشبه قولهم : ما أهوجه بقولهم : ما أجنّه ـ فاعلمه.

هذا باب ما يستغنى فيه عن ما أفعله بما أفعل فعله

وذلك في الجواب : ألا ترى أنك لا تقول : ما أجوبه ، إنما تقول : ما أجود جوابه.

٥٧٨

اعلم أن ظاهر كلام سيبويه ، أنّه جعل هذا الباب خارجا عن حكم القياس الذي ينبغي.

والفعل الذي يستعمل في هذا أفعل يفعل ، وهو أجاب يجيب. والذي يذكره كثير من النحويين أن قولهم : " ما أعطاه وما أولاه" على غير قياس مستمر.

وظاهر كلام سيبويه يدل على أن التعجب مما فعله على أفعل : كثير مستمر ، وأنه لم يستعمل فيه هذا الحرف على طريق الاستغناء بالشيء كما قالوا ما أكثر قائلته ، ولم يقولوا : ما أقيله. وفعله : قال يقيل ، وهذا مما استدل به بعض النحويين أن سيبويه يرى الباب فى : أفعل يفعل ، مما يجوز فيه التعجب ويستمر.

ومثله مما جاء في التعجب وفعله على : أفعل يفعل قولك : ما أيسر زيدا ، هو من أيسر يوسر ، وما أعدمه من أعدم يعدم ، وما أسنّه وهو مسنّ وما أوحش الدار وقد أوحشت ، وما أفرط جهله وهو مفرط ، ونحو هذا كثير.

هذا باب ما أفعله على معنيين

اعلم أن سيبويه قد ذكر التعجب من المفعول في هذا الباب في أشياء تتكلم بها العرب.

والأصل أن المفعول لا يتعجّب منه لعلتين :

إحداهما : أن دخول الهمزة لنقل الفعل ، إنما تدخل على الفاعل كقولك : لبس زيد وألبسه عمرو ، ودخل وأدخله غيره.

والوجه الآخر : أنّه لو تعجب من المفعول ، لوقع اللبس بينه وبين الفاعل ، فقال سيبويه : ما تعجب منه من المفعول كأنه يقدر له فعل ، فإذا قال : ما أبغضه إلي ، فكأن فعله بغض ، وإذا قال : ما أمقته عندي فكأنه قال : مقت عندي ، وإذا قال : ما أشهاه إليّ فكأنه قال : شهي وإن لم يستعمل. ويكون معنى شهي في هذا التقدير. أي : دعاه إلى أن يشتهي بالأحوال التي تظهر فيه.

ويفرق بين الفاعل والمفعول في ذلك أنّه يدخل مع الفاعل حرف ومع المفعول حرف آخر ، فمن ذلك اللام التي تدخل مع الفاعل ، تقول : ما أبغضني لزيد." وما أيقنتني له" وتقول للمفعول" ما أمقتنى إلي" و" ما أمقته عندي" ، ومثله : هو أكرم لى منك للفاعل ، يكرمني أكثر من إكرامك. و" هو أكرم علي منك". وقولهم : ما أبغضنى له ، يقوى فعل التعجب من أفعل ؛ لأن الفعل منه : أبغض يبغض ـ فاعلمه.

هذا باب ما تقول العرب فيه ما أفعله وليس

فيه فعل وإنّما يحفظ هذا حفظا ولا يقاس عليه (١)

اعلم أن الأصل في التعجب أن يدخل على ما له فعل. لأنه نقل الفعل بدخول الهمزة في أوله ،

__________________

(١) الكتاب ٢ / ٢٥٢ ، شرح السيرافي ٦ / ١٩٧.

٥٧٩

وقد قالوا : " أحنك الشّاتين" و" آبل الناس" ولم يستعمل" أحنك" ولا آبل كأنهم قدروا له فعلا ، وقد قالوا : آبل ، وإن لم يكن له فعل ، كما قالوا : رامح ونابل ، وإن لم يكن له فعل ، وآبل : فاعل وبناء فاعل يجري على الفعل فصار كأن له فعلا. ومثله مما ليس في الباب : فارس وما أفرسه وهو أفرس الناس ، ولم يستعمل منه فعل فأجروه على ما ذكرته لك ، فاعلمه.

هذا باب ما يكون يفعل

من فعل فيه مفتوحا

اعلم أن حروف الحلق مستثقلة على اللسان ، والحركات ثلاث ، وكل حركة منها ، مأخوذة من حرف من الحروف ، فالضمة من الواو والكسرة من الياء ، والفتحة من الألف.

ومخرج الواو من بين الشفتين ، والياء من وسط اللسان ، واللف من الحلق.

فإذا كانت حروف الحلق عينات أو لامات ثقل عليهم أن يضموا أو يكسروا ، لأنهم إذا ضموا فقد تكلفوا الضمة من بين الشفتين ، وإن كسروا فقد تكلفوا الكسرة من وسط اللسان. وإن فتحوا ، فالفتحة من الحلق ، فثقل الضم والكسر ؛ لأن حرف الحلق مستثقل والحركة عالية متباعدة منه ، فحركوه بحركة من موضعه وهي الفتح ؛ لأن ذلك أخف عليهم وأقل مشقة.

قوله بعد ذكره فتح ما يفتح من أجل حرف الحلق ولم يفعل هذا بما هو من موضع الواو ولا الياء إلى قوله وكرهوا أن يتناول للذي قد سفل حركة من هذا الحيز.

يريد أن ما كان من موضع الواو والياء من الحروف ، لا يلزمه أن تكون الحركة مأخوذة من الواو ولا من الياء بل يجيء على قياسه. ولا تغيّر الياء ولا الواو حكم القياس فيه. والذي هو من مخرج الواو : الياء والميم والذي هو من الياء الجيم والشين ، تقول : ضرب يضرب ، وشتم يشتم ، فتكسر هذه الحروف ، وإن كان الباء والميم من مخرج الواو. وتقول : مجن يمجن ، ومشق يمشق فلم يكسر ذلك من أجل الياء ؛ لأن موضع الواو والياء بمنزلة ما هو من مخرج واحد لاجتماعهما في العلو على الحلق وتقارب ما بينهما ـ فاعلم ذلك.

هذا باب ما هذه الحروف فيه فاءات

بيّن في هذا الباب أن حرف الحلق إذا كان فاء الفعل ، وكان الماضي على فعل لم يأت مستقبله على يفعل ، فرق بينه وبين ما كان حرف الحلق عينه ولامه ، بأنه إذا كان فاء الفعل فهو يسكن في المستقبل فلا يوجب فتح ما بعده لضعفه بالسكون ، ثم شبه ذلك بالإدغام في أن الأول يتبع الثاني.

يريد : أن عين الفعل يجوز أن تتبع لام الفعل إذا كانت لام الفعل من حروف الحلق ، كما أن الحرف الأول يدغم في ما بعده ، ولا تتبع عين الفعل فاءه ؛ لأن الفاء قبل العين.

٥٨٠