النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

ومن ذلك : إقامتهم الفعل في موضع الاسم إذا كان الفعل نعتا كما قال النابغة :

* كأنك من جمال بني أقيش

يقعقع خلف رجليه بشن (١)

أراد : «جمل يقعقع».

باب البدل

اعلم أنهم يبدلون الحرف من الحرف في الشعر ، في الموضع الذي يبدل مثله في الكلام لمعنى يحاولونه ، من تحريك ساكن ، أو تسكين متحرك ، ليستوي وزن الشعر به ، أو رد شيء إلى أصله ، أو تشبيه له بنظيره.

فمن ذلك قوله :

* لقد كان يذهب بالدنيا ولذتها

موالي ككباش العوس سحاح (٢)

فضم الياء لاستقامة البيت.

ومثله :

* لها أشارير من لحم تتمره

من الثعالي ووخز من أرانيها (٣)

أراد من «أرانبها» ومن «الثعالب».

فلما اضطر إلى تسكين الباء أبدل منها حرفا لا يحرك ، وشبهه بقولهم : «تظنيت» و «تقصيت».

ومن ذلك قولهم :

* الله أنجاك بكفي مسلمه

من بعد ما وبعد ما وبعدمه

فأبدل الهاء من الألف لأنهما متقاربتا المخرج ، وهما بعد من حروف الزيادة.

ومن ذلك : بدل الأسماء الأعلام ، وهو يجيء في الشعر على ثلاثة أضرب :

ـ ضرب جائز في الشعر والكلام.

ـ وضرب جائز في الشعر دون الكلام.

ـ وضرب لا يجوز في الشعر ولا في الكلام.

فأما ما يجوز في الكلام والشعر ، فنحو تصغير الاسم العلم الذي يعرف بغير تصغير ، كقولك في عبد الله : عبيد الله.

وأما ما يجوز في الشعر ولا يجوز في الكلام ، فأن تبدل اسما من الاسم المعروف كقول

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ٣٧٥ ، المقتضب ٢ / ١٣٦ ، الكامل ١ / ٣٨٦.

(٢) شرح السيرافي ٢ / ٢١١ ، ضرائر الألوسي ١٧٦ ، فرحة الأديب ١٢٩ ، شرح المفصل ١٠ / ١٠٣.

(٣) الشعر والشعراء ١ / ١٠١ ، المقتضب ١ / ٢٤٧ ، مجالس ثعلب ١ / ١٩٠ ، شرح النحاس ٢٤٨.

٤١

الحطيئة :

* فيه الرماح وفيه كل سابغة

بيضاء محكمة من نسج سلام (١)

أراد : «سليمان».

وقال دريد :

* فإن تعقب الأيام والدهر تعلموا

بني قارب أنا غضاب لمعبد (٢)

يعني : «عبد الله أخاه».

وإنما ذلك ؛ لأنه يرجع إلى معنى العبودة. وكذلك سلام وسليمان اشتقاقهما من السلامة.

وأما ما لا يجوز في الشعر ولا في الكلام : فالغلط الذي يغلط الشاعر في اسم أو غيره مما يظن أن الأمر على ما قال ، كقوله :

* والشيخ عثمان أبو عفان (٣)

فظن أن عثمان يكنى : «أبا عفان» ؛ لأن اسم أبيه عفان ، وإنما هو أبو عمرو. فهذا مما لا يجوز.

وقد يبدل بعض العرب حروفا من حروف ، ولا يجري ذلك مجرى الضرورة ، لأن ذلك لغتهم كما قال ذو الرمة :

* أعن ترسمت من خرقاء منزلة (٤)

أراد : أأن ترسمت ، فأبدل من إحدى الهمزتين عينا كراهية لاجتماعهما. وهذا يسمى عنعنة تميم.

وقد يبدل بعضهم من كاف المؤنث شيئا ، وهذه اللغة في بكر بن وائل ، وتسمى كشكشة بكر.

قال الشاعر :

* فعيناش عيناها وجيدش جيدها

سوى أن عظم الساق منش دقيق (٥)

ومنهم من يبدل الياء جيما في الوقف ، وأكثر ما يكون في المشددة.

قال الشاعر :

__________________

(١) شرح السيرافي ٢ / ١٤٢ ، المزهر ٢ / ٥٠٠ ، اللسان ١ ـ ١ / ١٠٥.

(٢) جمهرة اللغة ٣ / ٢٤١ ، الأصمعيات ١٠٦ ، شرح السيرافي ٢ / ١٢٥.

(٣) المسائل العسكرية ٢١٦ ، الوساطة ٢٠ ، شرح السيرافي ٢ / ١٥٢.

(٤) ديوان ذي الرمة ٥٦٧ ، مجالس ثعلب ١ / ٨١ ، شرح السيرافي ٢ / ١٣١ ، الخصائص ٢ / ١١.

(٥) ديوان المجنون ٢٠٧ ، الكامل ٣ / ١٣٣ ، أمالي القالي ٣ / ٦٣ ، الخصائص ٢ / ٤٦٠.

٤٢

* خالي عويف وأبو علج (١)

وقال في المخففة.

* يا رب إن كنت قبلت حجتج (٢)

وقد يبدلون من تاء المخاطب كافا.

قال الراجز :

* يا ابن الزبير طال ما عصيك (٣)

أراد : «عصيت».

وقد يبدل الشاعر بعض حروف الجر مكان بعض وليس ذلك من الضرورة ، كما قال:

* إذا رضيت علي بنو قشير (٤)

وقال النابغة :

* كأن رحلي وقد زال النهار بنا (٥)

أراد : «عنا» ومثل هذا كثير.

ومما لا يجوز إلا في الشعر ، جعل الكاف في موضع «مثل» وإدخال حرف الجر عليهما كقولهم : «زيد ككعمرو» يريدون : «كمثل عمرو».

ومن البدل : وضعهم الاسم مكان الاسم على الاستعارة وقد يجيء مثله في الكلام.

قال الحطيئة :

* سقوا جارك العميان لما تركته

وقلص عن برد الشراب مشافره (٦)

أراد : «شفتيه» والمشافر للإبل ، وهذا كثير في الكلام والشعر.

ومن أقبح الضرورات : جعل الألف واللام بمعنى : «الذي» مع الفعل كقولك : «جائني اليقوم» تريد : الذي يقوم.

ومن ذلك جعلهم «مهما» مكان «ما» التي للاستفهام وإنما تكون «مهما» في الشرط.

قال الراجز :

* مهما لي الليلة مهما ليه؟ (٧)

__________________

(١) شرح الأعلم ٢ / ٢٨٨ ، شرح النحاس ٣٣٥ ، أمالي القالي ٢ / ٧٧ ، المنصف ٣ / ٧٩.

(٢) الشعر والشعراء ١ / ١٠١ ، مجالس ثعلب ١ / ١١٧ ، شرح النحاس ٣٣٥.

(٣) المسائل العسكرية ١٥٨ ، شرح السيرافي ٢ / ١٣٣ ، شواهد المغني ١ / ٤٤٦.

(٤) المقتضب ٢ / ٣١٨ ، الكامل ٢ / ١٩٠ ، شرح السيرافي ٢ / ١٣٦ ، الإنصاف ٢ / ٦٣٠.

(٥) شرح السيرافي ٢ / ١٣٧ ، الخصائص ٣ / ٣٦٢ ، شرح المفصل ٢ / ١٦.

(٦) المقتضب ٢ / ٥٠ ، شرح السيرافي ٢ / ١٤٤.

(٧) نوادر أبي زيد ٦٢.

٤٣

أراد : ما لي الليلة؟ مستفهما.

ومن ذلك أن كاف التشبيه لا يتصل بها مكني في الكلام ، وإنما يجوز ذلك في الشعر.

قال العجاج :

* وأم أوعال كها أو أقربا (١)

باب التقديم والتأخير

اعلم أن الشاعر ربما يضطر حتى يضع الكلام في غير موضعه الذي ينبغي أن يوضع فيه ، ويزيله عن قصده الذي لا يحسن في الكلام غيره ، ويعكس الإعراب ، فيجعل المفعول فاعلا ، والفاعل مفعولا ، وأكثر ذلك في ما لا يشكل معناه.

فمن ذلك قول الأخطل :

* مثل القنافد هداجون قد بلغت

نجران أو بلغت سواتهم هجر (٢)

أراد : بلغت نجران سواتهم أو هجر ، فقلب الإعراب ؛ لأن المعنى لا يشكل.

ومن ذلك تأخير المضاف إليه عن موضعه ، والفصل بينه وبين المضاف بالظرف وحرف الجر تشبيها بأن وأخواتها حيث فصل بينها وبين اسمها بالظرف.

قال ذو الرمة :

* كأن أصوات من إيغالهن بنا

أواخر الميس أصوات الفراريج (٣)

ومما وضع غير موضعه قول الشاعر :

* صددت فأطولت الصدود وقلما

وصال على طول الصدود يدوم (٤)

ووجه الكلام : وقلما يدوم وصال على طول الصدود ؛ لأن «قل» قبل دخول «ما» حكمها ألا تليها الأفعال لأنها فعل ، فأدخلوا عليها «ما» ليوطئوها للفعل ، فلما اضطر ، قدم الاسم الذي كان يقع بعد «قل» قبل دخول «ما» وإذا قلت : قلما يدوم وصال : فإن «قل» لم تزل عن فعليتها ، غير أن الذي يرتفع بها «ما» ، وهي اسم مبهم تجعل في هذا الموضع للزمان ، فكأنه قال : قل وقت يدوم فيه وصال. ويحذف العائد ، كما قال الله عز وجل : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة ٤٨].

__________________

(١) المسائل العسكرية ١٣٧ ، شرح السيرافي ٢ / ١٥٥ ، شرح الأعلم ١ / ٣٩٢.

(٢) شرح النحاس ٢٣٦ ، شرح السيرافي ٢ / ٥٨ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٨٧ ، المسائل العسكرية ١٦٦.

(٣) شرح الأعلم ١ / ٩٢ ، ٢٥٦ ، ٣٤٧ ، المقتضب ٤ / ٣٧٦ ، إعراب القرآن ٢ / ٦٨١ ، شرح النحاس ٤٣ ـ ٢٠٧.

(٤) شرح الأعلم ١ / ١٢ ، المقتضب ١ / ٨٤ ، شرح النحاس ٢٩٩ ، شرح السيرافي ٢ / ١٨٠.

٤٤

وقد يجوز في «قلما» أن تجعل «ما» زائدة ، ويرفع وصال «بقل» فكأنك قلت : وقل وصال يدوم ، كما قال الله عز وجل : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء ٥٥].

باب تغيير الإعراب عن وجهه

فمن ذلك قول الشاعر :

* سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا (١)

والوجه في هذا : الرفع ؛ لأن الفاء لا تنصب في الواجب ، وإنما تنصب في غير الواجب إذا خالف الثاني الأول في المعنى فلم يمكن عطفه في اللفظ.

ومن تغيير الإعراب قول الراجز :

* قد سالم الحيات منه القدما

الأفعوان والشجاع الشجعما (٢)

وكان الوجه : الأفعوان والشجاع الشجعم ، غير أن قوله : قد سالم الحيات منه القدم ، يوجب أيضا أن القدم قد سالمت الحيات ؛ لأن المسالمة من اثنين ، فلما ذكر مسالمة الحيات القدم ، دل أن القدم قد سالمت أيضا. فكأنه قال : وسالمت القدم الشجاع ، فحذف لما ذكرنا.

ومن ذلك قوله :

* وجدنا الصالحين لهم جزاء

وجنات وعينا سلسبيلا (٣)

فنصب «جنات» وما بعدها ، وكان الوجه الرفع عطفا على «جزاء» ، غير أنه لما قال :وجدنا الصالحين لهم جزاء ، دل على أنه قد وجد الجزاء لهم ، فأضمر «وجدنا» ونصب به «جنات» وما بعدها.

ومن ذلك بيت أنشده سيبويه على وجه الضرورة ويجعله غيره على غير الضرورة وهو قول الشماخ :

* أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما (٤)

قال سيبويه : «هذا مثل : هند حسنة وجهها».

وهذا قبيح لا يجوز في الكلام ، وإنما الوجه أن تقول :

هند حسنة الوجه ، أو حسنة الوجه.

فإن رفعت الوجه ، جعلت فيه ضميرا من الأول ، فقلت : حسن وجهها.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ٤٢٣ ، المقتضب ٢ / ٢٢ ، شرح النحاس ٢٧٧.

(٢) ديوان العجاج ٨٩ ، شرح الأعلم ١٤٥ ، معاني القرآن ٣ / ١١ ، المقتضب ٣ / ٢٨٣.

(٣) شرح الأعلم ١ / ١٤٦ ، النكت ٤٠٥ ، المقتضب ٣ / ٢٨٤ ، شرح النحاس ١٣٢.

(٤) ديوان الشماخ ٨٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ١٠٢ ، شرح السيرافي ٢ / ١٩٣.

٤٥

فإذا اضطر الشاعر فلم يرفع وجعل فيه ضميرا ، فقد وضع الإعراب في غير موضعه.

والبيت تقديره على ذلك : أن «جونتا مصطلاهما» بمنزلة «حسنتا أوجههما» فجونتا بمنزلة :حسنتا ، ومصطلاهما بمنزلة : أوجههما. وكان الوجه أن يقول : جونتا المصطلى أو المصطلين ولا يجعل فيه ضميرا.

وأحكام هذا تأتي في بابه إن شاء الله.

باب تأنيث المذكر وتذكير المؤنث

فمن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة :

* فكان مجني دون من كنت أتقي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر (١)

فحذف الهاء من ثلاثة على أن واحد الشخوص مذكر ، ولكنه ذهب به مذهب النسوة ؛ لأنهن كن ثلاث نسوة.

وقال الشاعر في تذكير ما ينبغي تأنيثه :

* فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها (٢)

أراد : ولا أرض أبقلت ، ولكنه تأول بالأرض المكان فذكّر لذلك.

وهذا الباب إذا تقدم الفعل فيه لم يستقبح تذكير المؤنث فيما ليس بحيوان ، كقوله :(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) [هود ٦٧]. و (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة ٢٧].

لأن الفعل إذا تقدم فهو عار من علامة الاثنين والجماعة ، فشبهوا تعريته من علامة التأنيث بذلك.

فإن كان المؤنث حيوانا فتقدم الفعل ، لم يحسن التذكير إلا في الشعر كما قال جرير :

* لقد ولد الأخيطل أم سوء (٣)

فذكر.

فصل في تفسير أبيات الباب

أنشد سيبويه للعجاج :

* قواطنا مكة من ورق الحمى

واحدة القواطن : قاطنة وهي الساكنة. وواحدة الورق : ورقاء ، وهي التي على لون الرماد تضرب إلى الخضرة.

وقوله : «الحمى» ، أراد : «الحمام» ، وقد ذكرنا علله.

__________________

(١) ديوانه ٩٢. المقتضب ٢ / ١٤٦ ، الكامل ٢ / ٢٥١ ، شرح السيرافي ٢ / ١٩٦.

(٢) شرح الأعلم ١ / ٢٤٠ ، شرح النحاس ١٧٥ ، شرح ابن عقيل ١ / ١٧٢.

(٣) ديوانه ٢ / ٥١٥ ، المقتضب ٢ / ١٤٥ ، شرح السيرافي ٢ / ٢٠٣ ، الخصائص ٢ / ٤١٤.

٤٦

وأنشد الخفاف بن ندبة :

* كنواح ريش حمامة نجدية

ومسحت باللثتين عصف الإثمد

أراد : «كنواحي ريش» ، فحذف الياء حال الإضافة تشبيها بها في حال الإفراد والتنوين.

شبه شفتي المرأة بنواحي ريش الحمامة في رقتها ولطافتها وأراد أن لثاتها تضرب إلى السمرة ، فكأنها مسحت بالإثمد ، وعصف الإثمد : ما سحق منه.

قال على بن سليمان : والرواية ومسحت بكسر التاء.

وأنشد :

* فطرت بمنصلي في يعملات

دوامي الأيد يخبطن السريحا (١)

فحذف الياء من «الأيدي».

وإنما يصف أنه قام بسيفه ـ وهو المنصل ـ في نوق فعقرهن ودميت أيديهن فخبطن السيور المشدودة على أرجلهن ، وهي خرق تشد عليها ، وقطع من جلود وإنما يفعل بها ذلك ، إذا دميت أخفافها أو أصابها وجع. وواحد اليعملات : يعملة وهي الناقة الشديدة.

وأنشد للنجاشي يصف ذئبا استصحبه فرد عليه الذئب فيما حكى فقال :

* فلست بآتيه ولا أستطيعه

ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل

أي : لست آتي ما دعوتني إليه من الصحبة ، ولا أستطيعه ؛ لأني وحشي وأنت إنسي.

وحذف النون من «لكن» لاجتماع الساكنين.

وأنشد لمالك بن حريم الهمداني :

* فإن يك غثا أو سمينا فإنني

سأجعل عينيه لنفسه مقنعا (٢)

أراد : «لنفسهي».

وهو يصف ضيفا ، يقول : إن كان ما عندي من القرى غثّا أو سمينا ، فإنني أبذله وأقدمه إليه كله حتى يقنع به. وقوله : «عينيه» ، يريد : ما تراه عيناه.

وأنشد للأعشى :

* وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه

ويعدن أعداء بعيد وداد (٣)

أصح ما قيل في الغواني : أنهن ذوات الأزواج ، كأنهن غنين بأزواجهن ، أي : استغنين.

وقوله : «يشأ يصرمنه» أي : متى شاء أن يصرمنه صرمنه. يصفهن بقلة الصبر على

__________________

(١) شرح الأعلم (١ / ٩ ـ ٢ / ٢٩١) ، شرح السيرافي ٢ / ٢٠٧ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٦١ ـ ٥٨٦.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٠ ، الأصمعيات ٦٠ ، المقتضب ١ / ٣٨ ـ ٢٦٦ ، الكامل ٢ / ٣٧.

(٣) ديوانه ٩٨ ، شرح الأعلم ١ / ١٠ ، شرح النحاس ٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٩ ، الإنصاف ١ / ٣٨٧.

٤٧

الرجال والمبادرة إلى القطيعة. وقيل أيضا : المعنى متى يشأ وصالهن صرمنه وهذا محال ، لو صح هذا لوجب أن لا يتواصل عاشقان أبدا.

والقول في «الغوان» كما مر في «الأيد».

وأنشد للفرزدق :

* تنفى يداها الحصى في كل هاجرة

نفي الدنانير تنقاد الصياريف (١)

فزاد الياء في «الصياريف» ـ وواحدهم صيرف.

يصف ناقة بسرعة السير في الهواجر ، فيداها تنفيان الحصى لذلك ، أي تطيره ، فيضطرب فيسمع له صوت كصوت الدنانير عند ما تنقاد الصياريف لها.

وأنشد لرؤبة :

* ضخم يحب الخلق الأضخما (٢)

ويروى : «الضخما» ومعناه : الضخم الشديد.

فمن قال : الضخم. جعله كخدب.

ومن قال : الإضخمّا ، جعله كإرزب. وليس الشاهد في واحد منهما ، وإنما الشاهد في فتح الهمزة ، كقولك : الأعظم والأكبر ؛ لأن المنصوب المنون إذا وقف عليه حكمه حكم المرفوع والمخفوض في الوصل ؛ لأن الألف تخرج آخره من الوقف لتحرك ما قبلها. ولذلك مثل سيبويه «بسبسبّا وكلكلا».

والقافية المنصوبة تجري في مجرى المنصوب المنون ؛ لأنها موصولة بالألف ، فلذلك استشهد سيبويه بالبيت.

وأنشد للشماخ بن ضرار :

* له زجل كأنه صوت حاد

إذا طلب الوسيقة أو زمير (٣)

فحذف الواو من «كأنهو»

يصف حمارا. والزجل : الصوت. والوسيقة : الأتن لأنه يسقها ، أي : يجمعها ويضمها والزمير : الزمر. والتقدير في البيت : له زجل إذا طلب الوسيقة كأنه صوت حاد أو زمير.

وأنشد لحنظلة بن فاتك :

* وأيقن أن الخيل إن تلتبس به

يكن لفسيل النخل بعده آبر (٤)

فحذف الواو من «بعد هو»

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٠ ، المقتضب ٢ / ٢٥٨ ، الكامل ١ / ٢٥٣ ، الخصائص ٢ / ٣١٥.

(٢) شرح الأعلم (١ / ١١ ـ ٢ / ٢٨٣) شرح السيرافي ٢ / ٢١٠ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤١٩.

(٣) ديوان الشماخ ٣٦ ، شرح النحاس ٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٣٧ ، الخصائص ١ / ١٢٧

(٤) شرح النحاس ٧ ، شرح السيرافي (٢ / ٨٢ ـ ٢١١) ، شرح ابن السيرافي ١ / ٢٥٥.

٤٨

فسيل النخل : صغاره. الواحدة فسيلة. وآبر : مصلح وهو الذي يلقح النخل.

وهو يصف رجلا بالشجاعة والإقدام ، يريد أنه قد علم أنه إن قتل أو مات ، لم تتغير الدنيا ، وكأن للنخل من يقوم بها ويصلحها.

وقد قيل : إنه هجا رجلا لقي العدو وفر ، ذكر أنه إن ثبت قتل ، فصار ماله إلى الوارث فانهزم لذلك.

وأنشد لرجل من باهلة :

* أو معبر الظهر ينبي عن وليته

ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا

يريد : «ربهو».

وهذا رجل لص يتمنى سرقة جمل معبر الظهر ، وهو الذي على ظهره وبر كثير ، وهو سمين. فسمنه ينبي عن وليته وهي البرذعة. وينبي عنها : أي يزيلها ويرفعها. وقوله : «ما حج ربه» يريد أن صاحبه لم يحج عليه فينصبه. وهو يتمناه في أحسن ما يكون.

وأنشد للأعشى :

* وما له من مجد تليد وماله

من الريح حظ لا الجنوب ولا الصبا (١)

أراد «وما لهو».

ومعنى البيت : أنه يهجو رجلا بقلة الخير.

والجنوب عندهم : أغزر الرياح خيرا ؛ لأنها تأتي بالمطر وتجمع السحاب. والصبا بضدها لأنها تقشع الغيم ، وربما جاءت بشيء من المطر ، فليس لهذا المهجو عندهم خير قليل ولا كثير.

وقال بعضهم : الجنوب والصبا أكثر الرياح خيرا ، فالجنوب تلقح السحاب والصبا تلقح الأشجار ، فالخير إنما هو في الجنوب والصبا ، فنفى حظه منهما. وأنشد للمرار بن سلامة العجلي :

* ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

إذا جلسوا منا ولا من سوائنا

وكان ينبغي أن لا يدخل «من» على «سواء» ؛ لأنها لا تستعمل إلا ظرفا ولكنه جعلها بمنزلة «غير» في إدخال «من» عليها.

ومعنى البيت أنه ذكر قوما فقال : لا ينطق الفحشاء من كان منهم منا ، أي : من عشيرتنا ، ولا من كان منهم من سوائنا ، أي : ليس منهم أحد ينطق بالفحشاء.

وأنشد لخطام المجاشعي :

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٤ ، شرح الأعلم ١ / ١٢ ، الكامل ١ / ٢٥ ، المقتضب ١ / ٣٨ ـ ٢٦٦.

٤٩

* وصاليات ككما يؤثفين (١)

جعل الكاف الثانية بمنزلة : «مثل» وأدخل عليها الكاف الأولى ، وأخرج «يؤثفين» على الأصل ؛ لأن الأصل في أفعل : أأفعل ، وفي أكرم أأكرم ، فحذف إحدى الهمزتين للثقل ، ثم أتبع بعض الفعل بعضا. فإذا اضطر الشاعر رده إلى الأصل.

واختلفوا في وزن : يؤثفين ، فقال قوم : يؤفعلن. والهمزة زائدة ، والثاء فاء الفعل. وكان ينبغي أن يكون يثفين ، فرد إلى الأصل للضرورة كما بينا. ومن قال هذا ، جعل أثفية : أفعولة ، ويستدل على ذلك بقول العرب : ثفّيت القدر : إذا جعلتها على الأثافي.

وقال آخرون : يؤثفين وزنه : يفعلين بمنزلة : يسلقين من قولك : سلقى يسلقي. فالهمزة فاء الفعل.

وأثفيّة على هذا القول : فعلّيّة ، والدليل على ذلك قول العرب : تأثفني القوم إذا صاروا حولك كالأثافي.

فتأثف : تفعل ، والهمزة فاء الفعل.

ومعنى يؤثفين : يجعلن أثافي. شبه دورا مات أهلها وهي قائمة بالصاليات ـ وهي الأثافي ـ قد أوقد عليها فكذلك هذه الدور ، كما كانت في حياة أهلها كذا فسره ابن النحاس وظاهره أن الراجز وصف الأثافي ، وذكر أنها على حالها إذا كانت تؤثفي ، وكانت قديمة العهد بالاستعمال.

وأنشد الأخفش للعجير السلولي :

* فبيناه يشري رحله قال قائل

لمن جمل رخو الملاط نجيب

أراد : «فبينا هو».

والملاط : الجنب. والملاط : العضد أيضا. ومعنى يشرى ههنا : يبيع.

والمعنى : أنه قد كان فقده ، فجعل يبيع رحله حتى يشتريه.

وأنشد الأخفش للفرزدق :

* وما مثله في الناس إلا مملكا

أبو أمه حي أبوه يقاربه (٢)

يمدح بهذا البيت إبراهيم بن هشام بن إسماعيل.

يريد : ما مثل إبراهيم في الناس حي يقاربه إلا مملك يعني : هشام بن عبد الملك أبو أم ذلك المملك ، يعني : هشاما أبا هذا الممدوح ، يعني إبراهيم فدل بهذا أن الممدوح خال هشام. ونصب «مملكا» لأنه استثناء مقدم.

__________________

(١) شرح الأعلم (١ / ١٣ ـ ٢٠٣ ـ ٣٣١) ، المقتضب ٢ / ٩٧ ، مجالس ثعلب ١ / ٣٩ ، الائتناف ١٩٣.

(٢) شرح السيرافي ٢ / ١٧٣ ، الخصائص (١ / ١٤٦ ـ ٣٢٩ ، ٢ / ٣٩٣).

٥٠

هذا باب الفاعل الذي لم يتعده فعله إلى مفعول

اعلم أن هذا الباب مشتمل على تراجم أبواب هي مفصلة بعده بابا بابا ، بما يتضمنه من أصوله ومسائله.

قوله في هذا الباب : «وما يجري من الصفات التي لم تبلغ» إلى قوله : «مجراها»

يريد : حسن الوجه وبابه ، وتقدير اللفظ في هذا الفصل وما يجري من الصفات مجرى أسماء الفاعلين ، فالهاء في «مجراها» تعود إلى أسماء الفاعلين.

وقوله : «وما أجرى مجرى الفعل وليس بفعل» يعني : إن وأخواتها.

وقوله : «وما جرى من الأسماء» إلى آخر الباب. يعني به : ما ينصب من الأسماء عن طريق التمييز كقولك : هذه عشرون درهما ، وما أشبهه ذلك ، فهذا أضعف عوامل الأسماء ؛ لأنه لا يعمل إلا في منكور ، ولا يتقدم عليه ما يعمل فيه.

إن قال قائل : لم كان الفاعل مرفوعا دون أن يكون منصوبا أو مخفوضا؟

فالجواب : أن الفاعل واحد والمفعول جماعة ؛ لأن الفعل قد يتعدى إلى مفعول ومفعولين ، وأكثر من ذلك ، فكثر المفعولون فاختير لهم أخف الحركات ، وجعل للفاعل ـ إذ كان واحدا ـ أثقل الحركات ؛ لأن إعادة ما خف ، تكريره في الأسماء الكثيرة أيسر مؤونة مما يثقل.

ووجه آخر : وهو أن الفاعل أول لا يستغنى عنه والمفعول بعد الفاعل في ترتيبه. فلما كان كذلك ، وكانت الحركات مختلفة المواضع لاختلاف مواضع الحروف المأخوذة منها ، أعطي الفاعل أول الحركات وهي الضمة لأنها من الشفتين. وأعطي المفعول ـ لأنه الآخر في الرتبة ـ آخر الحركات وهي الفتحة ؛ لأنها من الألف كما كانت الضمة من الواو.

واعلم أن قول النحويين : فاعل وفعل ليس القصد فيه أن يكون الفاعل مخترعا للفعل على حقيقته ، وإنما يقصد في ذلك إلى اللفظ الذي لقب فعلا لدلالته بصيغته على الفعل المرتبط بالأزمنة المختلفة ، فسواء كان مخترعا أو غير مخترع رفع الاسم به ، وسمي فاعلا له من طريق النحو لا على حقيقة الفعل ، ألا ترى أنك تقول : مات زيد وهو لم يفعل موتا ، وتقول من طريق النحو : مات فعل ماض ، وزيد فاعله. وكذلك : طلعت الشمس ، ونظف الثوب ويتمت البنت.

قال سيبويه بعد أن مثل فعل الفاعل وهو : ذهب زيد. وفعل المفعول نحو : ضرب زيد : «فالأسماء المحدث عنها» إلى قوله : «وهو الذهاب والجلوس والضرب».

يعني : أنك إذا قلت : ذهب زيد ، وجلس عمر ، فقد دللت على ذهاب من زيد وجلوس

٥١

من عمرو ، فحدثت عن زيد بذلك الذهاب ، وحدثت عن عمرو بالجلوس. والمحدث به عن الأسماء هو المصادر. والأسماء ههنا هم المسمون الفاعلون ، كأنه أراد : أصحاب الأسماء.

قوله : «ليست الأمثلة بالأحداث ولا ما يكون منه الأحداث»

يعني أن قولك : قام ويقوم وما أشبه من الأمثلة ، ليست هي المصادر ؛ لأن الفعل يدل على مصادر وأزمنة ، فليست الأفعال وحدها بالأزمنة ، ولا هي وحدها المصادر ، ولا هي أيضا الفاعلون الذين تكون منهم الأحداث كزيد وعمرو وسائر الأسماء.

باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعول

قوله : «فإن قدمت المفعول وأخرت الفاعل» إلى قوله «ولم ترد أن تشغل الفعل بأول منه».

اعلم أن قولهم : «ضرب زيدا عبد الله» ، جار على غير الرتبة. وذلك أن حكم الفاعل :التقديم ، لافتقار الفعل إليه ، ولكنهم قدموا المفعول لدلالة الإعراب عليه فاكتسبوا بتقديمه ضربا من التوسع في الكلام ؛ لأن في كلامهم : الشعر المقفى والكلام المسجع.

وربما اتفق أن يكون السجع في الفاعل فيؤخرونه لذلك.

ومعنى قوله : «ولم ترد أن تشغل الفعل بأول منه» يعني : بالمفعول الذي هو قبله.

قوله : «وإذا قلت : ضرب عبد الله ، لم يستبن أن المفعول زيد أو عمرو».

يريد أن «ضرب عبد الله» في تعديه إلى «زيد» ، بمنزلة «ذهب عبد الله» في تعديه إلى الذهاب ، وذلك أنك إذا قلت : «ذهب عبد الله» ، فقولك : «ذهب» ، يدل على ضرب من المصادر والأحداث دون سائرها وهو الذهاب.

وإذا قلت : «ضرب عبد الله» أمكن أن يكون الضرب واقعا من جميع الأسماء. فمفعول الضرب لم تدل عليه صيغة فعله كما دلت على المصدر.

ثم ذكر سيبويه تعدي الفعل إلى أنواع المصادر لدلالته عليها وقال : «فمن ذلك : قعد القرفصاء ، واشتمل الصماء ، ورجع القهقرى».

اعلم أن المصادر على ثلاثة أنحاء :

ـ فنحو منها : يدل على المصدر فقط ، كقولك : ضرب زيد ضربا ، يدل على نوع الضرب ، ولا يدل على مرة ولا على مرتين ولا على صفة دون صفة.

ـ والنحو الثاني : يدل على الكمية والعدد كقولك : قعد قعدتين وضرب ضربتين.

ـ والنحو الثالث : يدل على كيفية المصدر نحو : قعد القرفصاء ، واشتمل الصماء ، ورجع القهقرى ، وقعد قعدة سوء.

ـ وذلك أن القرفصاء ضرب لا يقع على كل قعود وهو أن يقعد مشتملا

٥٢

متداخلا ، وتقديره : قعد القعود القرفصاء.

واشتمل الصماء ، معناه : الاشتمالة الصماء ، وهو أن يتجلل بثوب وتكون يده داخل الثوب وليس كل اشتمال كذلك.

ورجع القهقرى معناه : الرجوع القهقرى كأنه رجع كما ذهب متوجها إلى الوجه الذي كان منه الذهاب وليس كل رجوع كذلك.

وكذا قعد قعدة سوء ، وقعدة صدق. القعدة : هي حال قعوده ووصفه ، وليس من باب قعدة ؛ لأن قعدة يقع على مرة فقط.

وقوله : «الذهاب الشديد».

هو من باب ما يدل على النوع ، غير أنه عرفه ووصفه بالشدة.

قوله : «وإن شئت لم تجعله ظرفا. فهو يجوز في كل شيء» إلى قوله : «من أسماء الحدث».

اعلم أن الظروف على ضربين : متمكن وغير متمكن.

ـ فالمتمكن : ما يجوز أن يكون مرفوعا في حال.

ـ وغير المتمكن : ما لا يدخله الرفع ولا يستعمل إلا ظرفا.

وقول سيبويه : «فهو يجوز في كل شيء من أسماء الزمان».

أراد به : الأكثر ؛ لأن في الزمان ما لا يستعمل إلا ظرفا ، فلفظه عام ، ومراده الأكثر :الخاص.

وقوله : «كما كان في كل شيء من أسماء الزمان».

يعني : تعدي الفعل إليه على سبيل الظرف لا على سبيل المفعول ، كما كان في كل شيء من أسماء الحدث على طريق المصدر ، لا على طريق المفعول.

قوله : «ويتعدى إلى ما اشتق من لفظه اسما للمكان» إلى قوله : «قد كان ذهاب».

اعلم أن سيبويه لما رتب المفعولات ، قدم المفعول الذي يدل على الفعل باللفظ وهو المصدر والزمان ، ثم جعل المفعول الذي يدل عليه المعنى محمولا على ذلك وهو المكان وسائر المفعولات ، فاشتركا في العلم بوقوعه ، وإن كان أحدهما من طريق اللفظ والآخر من غيره.

وقوله : «اسما للمكان وإلى المكان».

فالذي هو اسم للمكان نحو قولك : المذهب والمجلس وما أشبه ذلك.

وقوله : «إلى المكان».

يريد ما لم يكن مشتقا من لفظ الفعل المذكور ، كقولك خلفك وقدامك والمكان وشبهه.

٥٣

قوله : «وقد قال بعضهم : ذهبت الشام» إلى قوله «دخلت البيت».

اعلم أن الأماكن المختصة التي لا تقع ألفاظها على كل مكان لا تستعمل ظرفا ، فكان حكم اسم الشام : أن لا يستعمل ظرفا ؛ لأنه اسم لبقعة بعينها.

فلما قالت العرب : ذهبت الشام ـ وحذفوا حرف الجر وهو «في» أو «إلى» ـ علمنا أن ذلك شاذ خارج عن القياس.

وقد ذهب فيه مع شذوذه مذهبا ـ وإن كان ضعيفا ـ وذلك المذهب هو أنك تعلم أن كل بقعة ، وإن اختصت باسم كنحو : المسجد والدار ، فله اسم يشاركه فيه سائر البقاع نحو :مكان ، وموضع.

ألا ترى أن المسجد مكان وإن كان مسجدا. فكذلك الشام هو مكان. وهذا لا يقاس عليه ؛ لأن وضع الشيء موضع غيره ، إنما يسمع سماعا فيسلم ولا يقاس عليه.

ومثل سيبويه لهذا بقولهم : «دخلت البيت» وجعله شاذا كشذوذه. وقد رد ذلك عليه من وجهين.

ـ أحدهما : أنه قيل : ليس «ذهبت الشام» مثل «دخلت البيت» ؛ لأن الشام اسم موضع بعينه ، وكل مكان كان مبنيّا فهو بيت ، والبيت أعم.

ولم يذهب سيبويه حيث ذهب هذا الراد عليه ؛ لأن سيبويه إنما أراد أن يرينا أن «ذهبت الشام» شاذ ، والأصل فيه استعمال حرف الجر ، كما أن «دخلت البيت» كذلك ، وإن كان البيت أعم من الشام.

ـ والوجه الآخر من وجوه الرد عليه ما قال أبو عمر الجرمي ، وهو أنك تقول : دخلت البيت ، ودخلت في البيت ، كما تقول : جئتك وجئت إليك ، فهو كالمفعول به الذي يتعدى الفعل إليه تارة بحرف الجر وتارة بغيره.

وليس الأمر على ما قاله أبو عمر ، والدليل على أن دخلت البيت لا يتعدى ـ وأن حرف الجر قد حذف وهو يزاد ـ قولك : دخلت في الأمر ، ودخلت في كلام زيد. فعلمت بهذا أنهم توسعوا في حذف حرف الجر من الأماكن فقط وتركوا غيرها على القياس.

قال سيبويه : «ومثل ذلك قول ساعدة بن جؤية» :

* لدن بهز الكف يعسل متنه

فيه كما عسل الطريق الثعلب (١)

وكان ينبغي أن يقول : كما عسل في الطريق ؛ لأن الطريق اسم خاص للموضوع المستطرق.

__________________

(١) ديوان الهذليين ١ / ١٩٠ ، نوادر أبي زيد ١٥ ، الكامل ١ / ٣٦٩ ، المقتضب ٤ / ٣٣٧.

٥٤

ومعنى عسل : عدا واضطرب ، وهو يصف رمحا يهتز متنه فجعل سرعة اهتزازه بمنزلة عسلان الثعلب.

قوله : «ويتعدى إلى ما كان وقتا في الأماكن» إلى قوله : «كما أن ذلك وقت في الأزمان».

يريد أن الفعل يتعدى إلى ما كان مقدر المسافة من الأمكنة نحو : الفرسخ والميل ؛ لأنه يصلح وقوعه على كل مكان بتلك المسافة المعلومة المقدرة.

وسماه «وقتا» ؛ لأن العرب تستعمل التوقيت في معنى التقدير ، وإن لم يكن زمنا. ومن هذا :مواقيت الحج ، فسبيل الفرسخ والميل في المكان كسبيل اليوم والشهر في الزمان.

قوله : «وإنما جعل الزمان أقوى ؛ لأن الفعل بني» إلى قوله : «أنه وقع المصدر»

يريد : أن الزمان في باب الظرف أقوى من المكان من أجل دلالة الفعل على الزمان باللفظ كما كان دليلا على المصدر.

قوله : «والأماكن إلى الأناسي ونحوهم أقرب» إلى قوله : «مكة وعمان».

يعني : أنهم يلقبون الأماكن لقبا تنفرد به ، ولا يفعلون ذلك بالأيام. فأما يوم الجمعة والسبت ونحوه فهو لكل يوم وقع في الأسبوع ذلك الموقع ، وإنما أراد سيبويه قوة ظروف الزمان وشدة إبهامها.

باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين مما يجوز فيه الاقتصار

قوله في هذا الباب : «دعوته زيدا إذا أردت : دعوته التي تجري مجرى سميته».

اعلم أن الدعاء في الكلام على ثلاث معان :

ـ أحدهما : التسمية.

ـ والآخر : أن تستدعيه إلى أمر يحضره

ـ والثالث : في معنى المسألة لله عز وجل.

فالدعاء بمعنى التسمية يجري مجرى التسمية ، تقول : دعوت أخاك زيدا ويزيد ، كما تقول : سميت أخاك زيدا ويزيد ، وهو الذي يدخل في هذا الباب دون معنى الاستدعاء إلى أمر ، ولذلك قال :

«وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولا».

ألا ترى أنك لا تقول : استدعيت أخاك بزيد.

وأنشد لعمرو بن معدي كرب.

* أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب (١)

__________________

(١) ديوان العباس بن مرداس ٣١ ، الكامل ١ / ٣٣ ، شرح النحاس ٢٥ ، شرح شواهده ٢ / ٧٢٧.

٥٥

أهل اللغة يقولون في النشب : المال الثابت خاصة كالدار وما أشبهها. وهو الصواب ، لأنه يقال : نشب ينشب نشبا إذا ثبت.

قوله : «وإنما فصل هذا» إلى قوله : «فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل».

يعني أن هذه الأفعال تتعدى إلى مفعولين ، أحدهما محذوف منه حرف الجر ، ففضله مما قبله مما يتعدى إلى مفعولين دون حذف حرف من أحدهما.

قوله : «سميته بفلان كما تقول : عرفته بهذه العلامة».

فإن عرفته على ضربين :

ـ ضرب منه بمعنى : شهرته حتى عرف ، فهذا يجري مجرى التسمية ؛ لأنك إذا شهرته بشيء عرف به ، فهو بمنزلة تسميتك له باسم يعرف به.

ـ والوجه الآخر : أن يكون «عرفته» بمعنى أعلمته أمرا كان يجهله.

فتقول في الوجه الأول : عرفت أخاك بزيد : أي شهرته بهذا الاسم. وتقول في الوجه الثاني : عرفت أخاك زيدا إذا أعلمته إياه ، ولم يكن عارفا به من قبل.

وأنشد قول المتلمس.

* آليت حب العراق الدهر أطعمه

والحب يأكله في القرية السوس (١)

هذا شاهد لجواز حذف حرف الجر لا الذي تضمنه الباب من تعدي الفعل إلى مفعولين. وقال بعض النحويين «الحب» منصوب بإضمار فعل كأنه قال : آليت أطعم حب العراق ومعناه : لا أطعم.

يخاطب بهذا البيت عمرو بن هند ملك العراق ، وكان المتلمس قد خافه على نفسه فانتقل إلى الشام ، ومدح ملوكها فتوعده عمرو بن هند ، وأقسم ألا يطعم حب العراق. فقال المتلمس ـ مستهزئا به ـ هذا البيت.

وأراد بالقرية : الشام.

قوله : «وأما سميت وكنيت ، فإنما دخلتها الباء على حد ما دخلت في عرفت».

يعني أن الباء في سميته بزيد وكنيته بأبي عمرو يحتاج إليها في التقدير وإن حذفت ، كما يحتاج إليها في قولك : عرفته بزيد إذا أردت : شهرته بهذا الاسم.

وأنشد للفرزدق :

* منا الذي اختير الرجال سماحة

وجودا إذا هب الرياح الزعازع (٢)

__________________

(١) ديوان المتلمس ٦٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ١٧ ، الشعر والشعراء ١ / ١٨٢ ، السيرافي ٢ / ٢٥٥.

(٢) ديوان الفرزدق ٢ / ٥١٦ ، المقتضب ٤ / ٣٣٠ ، الكامل ١ / ٣٣ ، النكت ١١٨٨.

٥٦

هذا شاهد لقوله : اخترت الرجال زيدا.

وواحد الزعازع : زعزع وزعزع وزعزوع ، وهي التي تزعزع لشدتها.

وأنشد للفرزدق أيضا :

* نبئت عبد الله بالجو أصبحت

كراما مواليها لئيما صميمها (١)

أراد «بعبد الله» : القبيلة ، فلذلك أنث «مواليها» و «صميمها».

وصميمه كل شيء : خالصه. واستشهد به لما قدم من حذف «عن».

وقد أنكر قوم هذا فقالوا : نبئت زيدا فعل كذا ، بمعنى : أعلمت زيدا فعل كذا. ونحن إذا قلنا هذا لم تكن. «عن» مقدرة ، فكذلك هي غير مقدرة في نبئت عبد الله.

والجواب في هذا : أن «نبئت» وإن كانت تجري مجرى أعلمت في العمل ويتقارب معناهما ، فليست هي أعلمت ؛ لأن «نبئت» مأخوذ من النبأ ، وهو الخبر لا العلم بإجماع أهل اللغة.

والخبر يتعدى «بعن» ألا ترى أنك تقول : هذا خبر عن زيد ، إذا أخبرك به مخبر عنه.

فأصل النبأ أن يتصل ب «عن» ، وإن حذفت في بعض المواضع.

باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين مما لا يجوز فيه الاقتصار

اعلم أن الأفعال التي يشتمل عليها هذا الباب ، إنما هي أفعال من القلب تدخل على مبتدأ وخبر ليتيقن اليقين في الخبر أو الشك والاعتماد بهذه الأفعال على المفعول الثاني. وإنما كان كذلك ، لأنك إذا قلت : «زيد منطلق» فإنما تفيد المخاطب انطلاقه الذي لم يكن يعرفه ، لا ذاته التي قد عرفها. فكذلك إذا قلت : «حسبت زيدا منطلقا» ، فالشك في انطلاقه لا في ذاته. وهذان الاسمان ـ وإن كان الاعتماد على الثاني ـ فلا بد من ذكر الأول ليعلم صاحب القصة المشكوك فيها أو المتيقنة. ولا بد من ذكر الثاني ؛ لأنه المعتمد عليه في اليقين أو الشك.

فقد صح أنه لا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر.

واعلم أن حروف الجر إذا اتصلت بها هذه الأفعال ، فهي بمنزلة الظروف كقولك : ظننت بزيد ، وظننت في الدار ، أي وقع ظني في هذا المكان ، كما تقول : ظننت يوم الجمعة ، وظننت خلفك.

باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين

اعلم أن هذا الباب منقول من الباب الذي قبله وذلك أن الباب الذي قبله كان متعديا إلى مفعولين ولا يجوز الاقتصار على أحدهما. فنقلت الفعل عن الفاعل إلى من أدخله في فعله ،

__________________

(١) شرح السيرافي ٢ / ٢٦١ ، شرح النحاس ٢٤ ، أوضح المسالك ١ / ٣٨٣.

٥٧

فصار الفاعل مفعولا واجتمع فيه ثلاثة مفعولين.

وهذا الباب يشتمل على ثلاثة أضرب.

ـ منها ما كان متعديا إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما ، وهذا الضرب في فعلين من الأفعال التي في الباب المتقدم قبل هذا وهما : أرى وأعلم وهما منقولان من : رأى وعلم.

وكان الأخفش يقيس عليها أخواتها ، فيقول : أظن زيد عمرا منطلقا ، وما أشبه ذلك ، وغيره لا يتجاوز ما قالت العرب.

ـ والضرب الثاني : ما كان في معنى الخبر ، والتقدير فيه :

«عن» وهو في خمسة أفعال : نبأت وأنبأت ، وخبرت وأخبرت ، وحدثت ، كقولك : أخبرت أباك زيدا منطلقا. وحدثت عمرا بكرا أخاك.

وهذان الضربان ، المفعول الثالث فيهما خبر عن المفعول الثاني ، ولا يجوز ذكر أحدهما دون الآخر ، ويجوز الاقتصار في هذين الضربين على المفعول الأول ؛ لأنه بمنزلة الفاعل : يجوز أن يقتصر عليه.

فأما قول سيبويه : لا يجوز أن تقتصر على مفعول واحد دون الثلاثة.

فإن معناه لا يحسن ، ألا ترى إلى قوله : «لأن المفعول ههنا كالفاعل في الباب الذي قبله».

ويجوز الاقتصار على الفاعل في الباب الذي قبله.

ـ والضرب الثالث : ما يكون متعديا إلى مفعول أو مفعولين ، ثم يتعدى إلى الظرف فيجعل الظرف مفعولا على سعة الكلام فيقال : «سرق عبد الله زيدا الثوب الليلة».

فزيدا هو المفعول الأول وقد سقط منه حرف الجر. و «الثوب» هو المفعول الصحيح.

و «الليلة» ظرف جعلت مفعولا على السعة.

قال سيبويه في «الليلة» : «لا تجعله ظرفا ، ولكن كما تقول : يا سارق الليلة زيدا الثوب».

يريد أنك إذا قلت : يا سارق الليلة ، فقد جعلتها مفعولا على السعة لا غير ، فأضفت إليها اسم الفاعل كما تقول : يا ضارب زيد.

فإن قال قائل : لم جاز أن تكون «الليلة» ظرفا إذا لم تضف إليها ، ولا يجوز أن تكون ظرفا إذا أضفت إليها؟.

قيل : معنى الظرف : ما كانت فيه «في» محذوفة : فإذا ذكرنا «في» أو حرفا من حروف الجر ، فقد زال عن ذلك المنهاج ، فإذا أضفنا إليه ، فقد صارت الإضافة بمنزلة حروف الجر ، فخرج أن يكون ظرفا.

٥٨

باب المفعول الذي يتعداه فعله إلى مفعول

اعلم أن الفعل يصاغ للذي يقع به ، كما يصاغ للذي يقع منه ، وإن كانت الصيغتان مختلفتين. فإن قلت : ضرب زيد ، فقد صغت «ضرب» «لزيد» ورفعته به كما فعلت في قولك :جلس زيد.

قوله : اعلم أن المفعول الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول إلى قوله : «الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول».

يعني أن قولك : «ضرب زيد» هو فعل المفعول الذي لا يتعداه إلى مفعول آخر يتعدى إلى الظرف والمصدر والحال ، كما تعدى فعل الفاعل.

وذكر أن فعل المفعول قد يجوز أن يجعل الظرف معه مفعولا على السعة ، كما كان ذلك في فعل الفاعل ، ثم مثل لذلك بقوله : «يا مضروب الليلة الضرب الشديد»

«فالليلة» منقولة من المفعول على سعة الكلام ، فلذلك أضيف إليها «مضروب» ، كما يقال : هذا مكسو ثوب ، ومعطى درهم.

باب المفعول الذي يتعداه فعله إلى مفعولين

قوله : «واعلم أن الأفعال إذا انتهت هنا» إلى قوله : «الذي لا يتعدى إلى المفعول».

يعني أن الفعل بعد تعديه إلى المفعولين يتعدى إلى المصادر والظرفين والحال ، كما يتعدى : «ضرب زيد» إلى ذلك.

ثم مثل سيبويه فقال : «وذلك قولك : أعطي عبد الله الثوب إعطاء جميلا» ، إلى قوله : «يا مسروق الليلة الثوب» فأما قوله : «فأعطى عبد الله الثوب إعطاء جميلا».

عقد الباب على مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما ثم جعل الشاهد : أعطى عبد الله الثوب.

وساغ ذلك لأنه أراد أن يبين المصدر وهو : إعطاء جميلا ، ولم يرد : «أن يمثل نفس الفعل. وحين أراد أن يمثل نفس الفعل» قال : «نبئت زيدا أبا فلان ، وأرى عبد الله أبا فلان».

وأما قوله : «سرق عبد الله الثوب الليلة».

فإنما قصد أن يبين أن فعل المفعول قد يجوز ـ إذا كان متعديا إلى مفعول واحد ـ أن يجعل الظرف معه مفعولا ثانيا على السعة. وقد ذكرنا نظير هذا.

باب ما يعمل فيه الفعل فينتصب

وهو حال وقع فيه الفعل

ضمن سيبويه في هذا الباب ما ينتصب لأنه حال. وفرق بينه وبين ما ينتصب لأنه مفعول ثان مما يتعدى من الفعل إلى مفعولين ، ويجوز أن يقتصر على أحدهما من قبل أن

٥٩

الحال إنما هي وصف من أوصاف الفاعل أو المفعول في وقت وقوع الفعل ، كقولك : «قام زيد ضاحكا» ، أي : وقع فعله في الحال التي هو موصوف فيها بضاحك.

وإذا قلت : «كسوت زيدا الثوب» ، «فالثوب» ليس هو الكاسي ، ولا الرجل المكسو ، فليس بحال وقع فيها الفعل من أحوالها ، فوجب أن يكون «الثوب» مثل «زيد» في وصول الفعل إليه ، وتناوله له ، وهذا معنى قوله : «ولكنه مفعول كالأول» يعني أن «الثوب» مفعول كذلك.

فأما قوله : «ويكون معناه ثانيا كمعناه أولا».

يعني أن المفعول الثاني في قوله : كسوت زيدا الثوب بمنزلة إذا قلت : كسوت الثوب زيدا ، ولم تذكر غيره. والحال ليس كذلك ؛ لأن الحال لا تقوم بنفسها منفردة عن الأسماء التي هي حال منها كما انفرد الثوب عن المفعول الأول.

قوله : «والاسم الأول المفعول في ضربت» إلى قوله : «وكذلك ويحه فارسا».

يعني أن مفعول «ضربت» إذا قلت : «ضربت زيدا قائما» قد اكتفى الفعل به في التعدي إليه فامتنع «قائم» من وصول الضرب إليه ، كما يصل إلى المفعولات ، فانتصب لأنه حال ، كما أنك إذا قلت : «ذهب زيد راكبا» فقد اكتفى «ذهب» «بزيد» في أنه فاعله ، فلم تصر الحال فاعلا ، فقد صار الفاعل حائلا بين الفعل وبين الحال أن يكون فاعلا.

ثم مثل سيبويه الحال بالتمييز من قبل أن عمل الفعل في الحال كعمل ما ينصب على طريق التمييز ؛ وذلك أن الحال لا تكون إلا نكرة ، والتمييز لا يكون إلا نكرة ، ومعناهما متقارب وذلك أنك إذا قلت «جاء زيد» فإن مجيئه يصلح أن يكون واقعا في حال من أحوال يمكن أن تكون له. فإذا قلت : «راكبا» ، فقد ميزت هذه الحال من سائر أحواله المقدرة.

فإذا قلت : «جاءني عشرون» يصلح أن يكون من أنواع كثيرة ، فإذا قلت : «رجلا» فقد بينت واحدا من الأنواع الممكنة ، غير أن النوع المميز : هو غير الشيء المميز والحال هي اسم الفاعل والمفعول في حال وقوع الفعل ، فهما مختلفان في أنفسهما ، متقاربان في طريق نصبهما.

قوله : «وإنما جاز هذا لأنه حال» إلى قوله : «من الأزمنة».

يريد إنما جاز تعدي الفعل إلى الحال ، وإن كانت مما لا يتعدى إلى مفعول ، كما جاز أن تعمل «العشرون» ونحوها في التمييز ، ولم يكن الفعل في تعديه إلى الحال بأضعف من عمل العشرين إذ عملت في التمييز ؛ لأن الفعل يتعدى إلى الظرف والمصدر ، وليس كذلك «العشرون».

باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول

اعلم أن هذه الأفعال التي ضمنها هذا الباب أفعال تدخل على مبتدأ وخبر ، فتفيد

٦٠