النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

هذا باب ثبات الخفيفة والثقيلة في بنات الواو والياء

أنشد في هذا الباب :

* استقدر الله خيرا وارضينّ به

فبينما العسر إذ جاءت مياسير (١)

فصحت الياء في ارضين لانفتاحها وسكون ما بعدها كما تصح في قولك : رميا وما أشبه ذلك.

ومعنى استقدر الله : سله أن يقدر لك ، ويقال : قدر وقدر بمعنى واحد. والباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب ما لا يجوز فيه النّون الخفيفة ولا الثّقيلة

ذكر في هذا الباب : " هلمّ" وزعم أن أصلها : " ها أمّ" وها للتنبيه. وقال غيره أصلها هل زادوا عليها" أم" التي في معنى اقصد ، وحذفوا الهمزة لما جعلوها كشيء واحد ، والقوا حركة الهمزة من" أم" على اللام فضموها.

وهذا قول قريب.

وقد دخلت" لا" على" هل" فجعل في معنى التحضيض في قولهم : " هلا فعلت كذا" و" هلم" أمر مثل التحضيض.

وجميع ما في الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب مضاعف الفعل

هذا الباب مفهوم من لفظ سيبويه :

وذكر في الباب الذي بعده ، أن الفعل المضاعف إذا وقعت بعده الألف واللام ، كسر آخره في الموضع الذي يكسر فيه أكثر كلام العرب قبل دخولهما ، وهو قولهم : رد الرجل و" غض الطرف" وما أشبه ذلك.

وإنما كسروا ؛ لأن الأصل في غض الطرف اغضض الطرف بكسر الضاد لالتقاء الساكنين كما تكسر" اضرب الرّجل" و" اضرب ابنك" ولا خلاف في هذا فكأنهم إذا لقي المجزوم ألف ولام أو ألف خفيفة اتفقوا على لغة أهل الحجاز.

وإنما سمى سيبويه ألف الوصل التي لا لام معها : الألف الخفيفة لأنها تسقط في حال وتثبت في حال ، فيكون سقوطها في حال خفة لها.

وشبه كسر من كسر" ردّ الرجل" ، و" غض الطرف" على الأصل بقولهم : " مذ اليوم" ،

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١٥٨ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٤٤ ، مغني اللبيب ١ / ١١٥ ، شرح شواهده ١ / ٢٤٤.

٥٢١

و" ذهبتم اليوم" ؛ لأن" مذ" مخففة من" منذ" ، و" ذهبتم" مخففة من" ذهبتموا" ، فإذا احتيج إلى تحريك ذلك حركوه بالحركة التي يوجبها الأصل.

وذكر سيبويه أن الشعراء إذا اضطروا إلى إظهار المدغم وإخراجه عن الأصل فعلوا ذلك.

وأنشد لقعنب ابن أم صاحب :

* مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقى

أنّي أجود لأقوام وإن ضننوا

وقد تقدم في صدر الكتاب.

وأنشد للعجاج :

* يشكو الوجى

من أظلل وأظلل

أراد : من" أظل" ، فأظهر التضعيف ضرورة.

والوجى : الحفا. والأظل : باطن خف البعير.

وسائر الباب مفهوم إن شاء الله.

هذا باب المقصور والممدود

قد يسمى المقصور منقوصا أيضا. فأما قصره فهو حبسه عن الهمزة بعده ، وأما نقصانه ، فنقصان الهمزة منه.

وقد قسم سيبويه المقصور والممدود ، وبين وجوههما فأغنى ذلك عن أن أفسرهما.

ومما ذكر من المقصور : " الغوى" ، وهو من غوى الصبي إذا شرب اللبن حتى تخثر نفسه.

قال : " وقد قالوا : غرى يغري" غرى" فهو غر ، والغراء شاذّ ممدود كما قالوا : الظماء".

وقد اختلف فيه أهل اللغة ، فأما الأصمعي فكان يقول : غرى مقصور ، وكان الفراء يقول : " غراء" ممدود.

وبعض النحويين يقول : إن" غرى" هو المصدر ، و" الغراء" الاسم ، وكذلك يقول في" الظّماء".

وقال بعضهم : إنّه حمل على ما جاء من المصادر على فعال كقولك : " ذهبت ذهابا بدا بدا". وهو على كل حال شاذ كما ذكره سيبويه.

قال : وقالوا ندى وأندية وهو شاذ في ما ذكره.

وقال الشاعر :

* في ليلة من جمادى ذات أندية

لا يبصر الكلب من ظلمائها الطّنبا

وفي هذا البيت ثلاثة أوجه :

٥٢٢

منهم من يقول : " أندية" جمع : ندى وهو المجلس الذي يجتمعون فيه يتواصوا على إطعام الفقراء منهم.

ومنهم من يقول : إنّه جمع ندى على" نداء" ، كما قالوا : جمل وجمال ، ثم جمع فعالا على أفعلة.

ومنهم من قال : إنّه شاذ ، وهو مذهب سيبويه.

هذا باب الهمز

للهمزة أحكام تكلم عنها سيبويه. وفي كلامه غموض وإشكال ، وأنا أقدم جملة موجزة في تخفيف الهمز والبدل على مذهبه توطئ كلامه إن شاء الله.

اعلم أن الهمزة إذا وقعت أولى ولا كلام قبلها فهي محققة لا غير بأي حركة تحركت ، وإذا وقعت غير أولى فلا تعدو ثلاثة أوجه :

ـ فإن كانت ساكنة وقبلها متحرك وخففتها ، فإنك تقلبها على الحرف الذي منه حركة ما قبلها ، وإن كان ما قبلها مفتوحا قلبتها ألفا كقولك : في رأس : راس ، وفي قرأت : " قرات".

وإن كان مكسورا ، قلبتها ياء كقولك في ذئب : " ذيب" وفي جئت : " جيت".

وإن كان مضموما قلبتها واوا كقولك في جؤنة : " جونة" ، وفي سؤت : " سوت".

وإن كانت متحركة وقبلها ساكن ، فهي تنقسم قسمين : فإن كان الساكن قبلها من حروف المد واللين ، فإنك تقلبها على ما قبلها وتدغم ما قبلها فيها.

فإن كان ما قبلها ياء قلبتها ياء كقولك في خطيئة : " خطية".

وإن كان واوا ، قلبتها واوا كقولك في أزد شنوءة : " أزد شنوة"

وإن كان ما قبلها ألفا جعلتها بين بين ، ولم تقلبها ألفا كما قلبتها واوا وياء ، لأنه لا تجتمع ألفان ولأن الألف لا تدغم في الألف كقولك : واوا وياء ؛ لأنه لا تجتمع ألفان ولأن الألف لا تدغم في الألف كقولك : سأل : سال ، في التساؤل : " التساول" ، وفي قبائل" قبايل".

ومعنى" بين بين" : أن تجعلها بين مخرج الهمزة ومخرج الحرف الذي منه حركة الهمزة.

فإذا كانت مفتوحة جعلتها متوسطة في إخراجها بين الهمزة وبين الألف كقولك : " سال" و" قرا".

وإن كانت مضمومة جعلتها متوسطة بين الهمزة والواو كقولك : لؤم

وإن كانت مكسورة جعلتها بين الهمزة والياء كقولك : قايل في قائل.

فهذا أحد وجهيها إذا كانت متحركة وقبلها ساكن.

والوجه الآخر : أن يكون السّاكن الذي قبلها من غير حرف المد واللين ، فإذا كان كذلك فحكمها والحد فيها أن تلقى حركتها على ما قبلها وتحذف كقولنا في مسألة : مسالة

٥٢٣

وفي مرأة : مرة ، وفي مرآة : " مراة". وكذلك" من ابوك؟ " و" من امك؟ " ، و" من ابلك؟ ".

وإذا كانت متحركة وقبلها متحرك ، فإنك تجعلها بين بين في كل حال إلا في حالين ، وهما أن تكون مفتوحة وقبلها كسرة أو ضمة ، فإن كانت ضمة قلبتها واوا ، وإن كانت كسرة قلبتها ياء.

فأما حالها بين بين فسأل ولؤم ويئس ، وسؤل ورؤس ومن ذلك : يستهزئون.

في هذا أجمع إذا خففتها عند سيبويه جعلتها بين بين.

وأما إذا انفتحت وقبلها كسرة فنحو : " مئر" جمع" ميرة" وهي التضريب

بين القوم بالفساد ، يقال : " مأرت بين القوم" إذا ضربت بينهم ، فتخفيف هذا أن تقول : " مير" ، وتخفيف" جؤن" جمع جؤنة : " جون".

فإن قال قائل : لم قلبتها في هذه المواضع ياء محضة وواوا محضة ، وجعلتها بين بين في ما قبل؟.

فإن الجواب في ذلك أن يقال : إن همزة بين بين إنما هي بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها فإذا كانت مفتوحة وقبلها ضمة أو كسرة لم يستقم أن تجعلها بين بين وتنحو بها نحو الألف ؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فقلبتها واوا محضة أو ياء لذلك.

وقد كان الأخفش يقلبها أيضا ياء إذا كان قبلها كسرة وهي مضمومة ، ولا يجعلها بين بين ، وذلك نحو : يستهزئون إذا خففها ، قال : يستهزون. واحتج بأن همزة بين بين تشبه الساكن للتخفيف الذي لحقها قال : وليس في الكلام كسرة بعدها واوا ساكنة ، فلذلك جعلتها ياء محضة ولم تجعلها بين الواو والهمزة.

واعلم أن الهمزة إذا كانت أولا : فهي لا تجعل بين بين وذلك أن الابتداء لا يقع إلا بمتحرك ، وإذا جعلت بين بين قربت من الساكن وإن كانت متحركة في التحصيل ، ولا يبدأ إلا بما قد تمكنت فيه حركته.

وقد قال أهل الكوفة لهذه العلة بعينها : إنّها ساكنة. واحتج سيبويه على أنّها متحركة ـ وإن كانت قد خففت ، وأخفى حركتها ضربا من الإخفاء ـ يقول الأعشى.

* أأن رأت رجلا أعشى أضرّ

به ريب المنون ودهر مفسد خبل

" فالمنون" ساكنة وقبلها همزة مخففة بين بين ، فعلم أنّها متحركة لاستحالة اجتماع حركتين في هذا الموضع.

قال : وإنما" جعلت هذه الحروف بين بين ولم تجعل ألفات ولا ياءات ولا واوات ، ولأن أصلها الهمزة ، فكرهوا أن يخففوا على غير ذلك فتتحول عن بابها".

أي : لم تقلب ياء محضة ولا واوا محضة لئلا تخرج عن حكم الهمز في جميع وجوهها

٥٢٤

فأبقوا فيها بقية من الهمز على ما ذكرنا.

قوله : " وإنما منعك أن تجعل هذه السواكن بين بين أنّها حروف ميتة" إلى قوله" كما ألزموا المفتوح الذي قبله كسرة أو ضمة البدل".

يعني : أن الهمزة إذا كانت ساكنة وقبلها متحرك نحو : رأس وذئب ، ولؤم إذا خففتها ألفا أو ياء أو واوا على ما وصفنا ، ولم تجعلها بين بين لأنها ساكنة وقد بلغت غاية ليس بعدها تضعيف ؛ لأن السكون في نهاية الضعف ، ولا يجوز أن تنحو بالساكن نحو شيء آخر هو أضعف منه كما تنحو بالمتحرك ، نحو ما هو أضعف منه وهو الساكن ، فلم يوصل إلى تضعيف هذا الحرف الساكن بأكثر مما هو فيه.

وقوله : " ولا تحذف".

يريد : ولا تحذف الهمزة الساكنة إذا خففت ؛ لأنه لم يرد ما يوجب حذفها ، فلما" لم تجعل بين بين" و" لم تحذف" ، أبدلت على حركة ما قبلها كما تبدل الهمزة في مئر فتجعل ياء ، وفي" جؤن" فتجعل واوا ، وهذا معنى قول سيبويه ، كما ألزموا المفتوح الذي قبله كسرة أو ضمة البدل.

وأنشد للراجز :

* عجبت من ليلاك وانتيابها

من حيث زارتني ولم أورابها (١)

والأصل : " أؤرابها" ، أي : لم أعلم. واشتقاقه من الوراء كأنه قال : لم أشعر بها من ورائي.

وعلى هذا مذهب من يجعل الهمزة في وراء أصلا ، ويقول في تصغيرها : وريئة وبعضهم يجعلها منقلبة من ياء أو واو فيقال في تصغيرها على هذا : ورية ، كما يقال في عطاء : " عطيّ".

وقوله : " وليس حرف أقرب إلى الهمزة من الألف" ، وهي إحدى الثلاث ، والواو والياء شبيهة بها أيضا مع شركتهما أقرب الحروف.

يعني : أن الألف شبيهة بالهمزة ، والواو والياء أيضا شبيهة بالهمزة مع شركة الواو الياء لأقرب الحروف منها. يعني : من الهمزة وهي الألف.

وإنما أراد سيبويه بهذا الذي ذكره تقريب أمر هذه الحروف الثلاثة من الهمزة لإبدالهن منها.

فإن قال قائل : ما شبه الواو والياء بالهمزة؟

قيل له : شبههما بالهمزة أن الواو والياء تقلبان إليها في موضع ضرورة لا يجوز إلا قلبها نحو قولنا في جمع عجوز : " عجائز" وفي سفينة : " سفائن" ، وكقولنا : " بائع" و" قائل" وما أشبه ذلك.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٦٥ ، شرح السيرافي ٥ / ٥ ، الهمع ١ / ٥٢ ، اللسان ورأ ١ / ١٩٤.

٥٢٥

قال : " وقد قالوا الكماة والمراة".

هذا عند سيبويه وأصحابه غير مطرد ، وهو عند الكوفيين مطرد ، والذي قال : الكمأة ، قلب الهمزة لإنهاجها وفتح ما قبلها لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا والوجه : " الكمة" و" المرة" لا يكون على ما بينا.

قوله : " وقال الذين يخففون : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [النمل : ٢٥] إلى قوله : فلم يكن ليلتقي ساكن وحرف هذه قصته".

يعني أنك إذا خففت الهمزة التي قبلها ساكن ، لم يجز أن تجعلها بين بين فتنحو بها نحو الساكن ؛ لأن ذلك كالجمع بين ساكنين.

ثم قال : " ولم يبدلوا ؛ لأنهم كرهوا أن يدخلوها في بنات الواو والياء اللتين هما لامان".

يعني : أنّهم لم يقولوا : " الخبؤ" ولا" الخبئ" ، وكذلك ما كان من نحو هذا كدفء وملء ولا يقال فيه عند سيبويه : " دفو" ولا" دفى" ولا" ملى" ، ولكن تلقى حركة الهمزة على الحرف الذي قبلها وتحذف.

وقد أجاز الإبدال الكوفيون ، وأبو زيد من البصريين ، فاعلمه.

قوله : " وإنما تحتمل الهمزة أن تكون بين بين" إلى قوله : " فجاز ذلك فيها".

يعني : أن همزة بين بين ، لا تقع بعد ساكن إلا الألف نحو قولك : في قائل" قايل" ، وإنما كانت كذلك في الألف وحدها ؛ لأن الألف لا يمكن إلقاء الحركة عليها.

وقوله : " ولا يبالي إن كانت الهمزة في موضع الفاء أو العين أو اللام إلى قوله إلا في موضع لو كان فيه ساكن جاز".

يعني أن همزة بين بين لا تقع إلا في موضع يقع فيه الساكن ؛ لأنه ينحى بها نحو الساكن.

فإن قال قائل : قد جعلت الهمزة في قوله : " آأن رأت رجلا". بين بين ، فلا يصلح أن يكون في موضعها ساكن لأن النون التي بعدها ساكنة فيجتمع ساكنان.

قيل له : موضع الهمزة يجوز أن يقع فيه ساكن ، لأنه بعد حرف متحرك ، ولكن متى وقع فيه ساكن ، لم يجز أن يأتي ساكن آخر لئلا يجتمع ساكنان ، وهمزة بين بين وإن كانت لا تقع إلا في موضع يقع فيه الساكن.

قوله بعد أن ذكر تخفيف" رأى" و" أرى" و" ترى" :

" غير أن كل شيء كان في أوله زائدة سوى ألف الوصل من رأيت فقد اجتمعت العرب على تخفيفه لكثرة استعمالهم إياه وجعلوا الهمزة تعاقب".

يعني : أن كل شيء في أوله زائدة كألف المتكلم وسائر حروف المضارعة ، فإن العرب تلزمه التخفيف وحذف الهمزة.

٥٢٦

وقوله : سوى ألف الوصل.

يريد : أنّه إذا كان في أول الفعل ألف الوصل سكنت الراء ، فلا بد أن تأتي بالهمزة فتقول : أريافتى ، فدخول ألف الوصل قد أوجب تخفيف الهمزة ؛ لأنك إذا لم تحققها وخففتها حركت الراء ، وإذا حركت الراء بطلت ألف الوصل.

والوجه : أن لا تدخل ألف الوصل فتقول : " ره رايك". لأن الأمر من الفعل المستقبل ، وقد جرى الفعل المستقبل على حذف الهمزة.

وقوله : " جعلوا الهمزة تعاقب".

أي : تعاقب هذه الزوائد ، يعني أن العرب اجتمعت على حذف الهمزة في مستقبل" رأى" ، كأنهم عوضوا همزة" أرى" التي للمضارعة من الهمزة التي هي عين الفعل ، وجرى سائر حروف المضارعة على الهمزة.

قوله : " وإذا كانت الهمزة المتحركة بعد ألف لم تحذف إلى قوله : وذلك قولك في هباءة : هباأة ، وفي المسائل : مسايل ، وجزاء أمّه : جزاؤ امّه".

وقد ذكر سيبويه أن الهمزة إذا كانت متحركة وقبلها ساكن أن تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على ما قبلها إذا كان في غير حروف المد واللين. ولحروف المد واللين أحكام غير ذلك ، ابتدأ سيبويه منها بذكر الهمزة التي بعد الألف إذا خففتها. فحكموها أن تجعل بين بين ؛ لأنها لا يمكن إلقاء حركتها على الألف ، ولا أن تقلب وتدغم فيها الألف ؛ لأن الألف لا تدغم في شيء.

وقوله : لأنك لو حذفتها.

يعني : لو حذفتها وفعلت بالألف ما فعلت بالسواكن من إلقاء حركة الهمزة عليها لتحولت الألف إلى غير الألف لأن الألف لا تتحرك ، فكنت تحتاج إلى أن تجعل مكانها حرفا آخر.

وقوله : " لو فعلوا ذلك لخرج كلام كثير من حد كلامهم ؛ لأنه ليس من كلامهم أن تثبت الواو والياء ثانية وقبلها فتحة".

يريد أنا لو حولنا الألف حرفا آخر ، وألقينا عليه حركة الهمزة ما كانت تحول إلا إلى ياء أو واو ؛ لأن الألف لا تنقلب إلا إليهما. ولو فعلت ذلك لوجب قلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وإنما تثبت الياء والواو إذا كانت أصلهما السكون كبيع وقول.

ولقائل أن يقول : إن ما تحرك من الياء والواو بإلقاء حركة الهمزة عليهما لا يوجب قلبها ألفا كقولنا في تخفيف جيئل : جيل ، وموءلة مولة فلا وجه للاحتجاج بهذا. وفى ما احتج به قبله كفاية.

٥٢٧

قوله : " وأما أهل الحجاز (إذا أدخلوا ألف الاستفهام) إلى قوله : " فكرهوا التقاء الهمزة والذي هو بين بين".

يعني : أن أهل الحجاز يدخلون بين الهمزتين ألفا ، لئلا تلتقي همزتان ، ثم يلينون الثانية.

وبنو تميم لينوا الثانية من غير إدخال ألف بينهما ، ومذهب أهل الحجاز في ذلك أن همزة بين بين ، في نية الهمزة فكرهوا ألا يدخلوا الألف بينهما إذا كانت همزة بين بين كالهمزة في النية.

قوله : " وأما خطايا ، فكأنهم قلبوا ياء أبدلت من آخر خطايا ألفا" إلى قوله :

" أو بدلا مما هو من نفس الحرف".

اعلم أن الأصل في" خطايا" : " خطائي" ، وذلك أن واحدها" خطيئة" على" فعيلة" ولامها همزة ، فإذا جمعتها على" فعائل" انقلبت ياء" فعيلة" همزة أيضا ، فصارت : " خطائى" ، ثم إنّهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كانت الهمزة في واحد.

و" خطائي" لم تكن الهمزة في واحدة أعني : الهمزة التي هي بدل من الياء.

وإنما هي عارضة في الجمع ، فواو الجمع الذي عرضت فيه الهمزة أحق بالتغيير من الجمع الذي الهمزة في واحده ، فقالوا : " خطاءا" ، فجعلوا مكان الياء ألفا وجعلوا قلب الياء ألفا لازما في ذلك ، وذلك أنّهم يقلبون الياء ألفا طلبا للتخفيف لأن الألف أخف من الياء فيقولون في مدار : مداري ، فلما قلبوها ألفا في" خطاءا" اجتمعت ألفان بينهما همزة مفتوحة ، والهمزة تشبه الألف فصارت كثلاث ألفات فقلبوا الهمزة ياء فقالوا : " خطايا" ولم يقلبوها واوا لأن الياء أقرب إلى الألف من الواو ، فلم يرد إبعادها عن شبه الحرفين اللذين اكتنفاها.

وكان الخليل يقدّر على هذا التقدير ، ويقول : إن خطيئة لما جمعناها قدمنا ياء الفعل على ياء" فعيلة" ، فوقعت لام الفعل بعد ألف الجمع ، فصار" خطاءي" وهذه الياء بعد الهمزة هي ياء فعيلة.

وكذلك مذهبه في" جاء". وقد أنكر ذلك عليه المبرد وادعى عليه المناقضة ، وذلك أن الهمزة إذا كانت غير عارضة في الجمع ، لم يجب تغيير الجمع كقولك :

" جائية" و" جواء" فقال : إذا كانت الهمزة في خطأ هي الهمزة التي كانت في الواحد فهي غير عارضة في الجمع فينبغي أن لا تغير في الجمع.

وللخليل أن يقول : إني فرقت بالتعبير بين ما كانت الهمزة فيه مقدمة من آخره إلى أوسطه في الجمع ، وبين ما لم يعرض ذلك له في الجمع ولكن يجعل العلة : تقديمها عارضة في الجمع فاعلمه.

وقال بعض النحويين في قلب الياء في خطايا ونحوها قولا قويا ، وهو : أن الياء لو لم تقلب ألفا لوجب إسقاطها في الوقف كما يقال : جوار وغواش ، فإذا أسقطنا الياء ، بقيت الهمزة ساكنة في الوقف وهي خفيفة في الوقف جدا ، فاختاروا قلب الباء ألفا لذلك.

٥٢٨

قوله : " ألا ترى أن ناسا : يحققون الهمزة فإذا صارت بين ألفين خففوا ، وذلك قولك : كساآن ، ورأيت كساء".

أراد بهذا أن يدل على استثقال الهمزة الواقعة بين ألفين في" خطايا" و" مطايا" فلذلك قلبوها ياء.

وقوله : " ولا يبدّلون لأن الاسم قد يجري في الكلام" إلى قوله : " كالهمزة التي تكون في كلمة واحدة".

يعني : لا يبدلون من الهمزة في" كسا آن" ، و" رأيت كساء" ، ياء من قبل أن" كسا آن" ، و" رأيت كساء" ، قد يفارق الألف الأخيرة فيقال : " هذا كساء" ، فلما كانت الألف التي بعد الهمزة تفارقها لم يجب أن تبدل من الهمزة ياء.

هذا معنى قوله : " فلا تلزق الألف الآخرة بهمزتها"

يعني : همزة" كسا آن" ، و" رأيت كساء" ، ثم رجع إلى" خطايا" و" مطايا".

قال : " فلما كان ذا من كلامهم أبدلوا مكان الهمزة التي تكون قبل الآخرة ياء.

يعني : لما كان من كلامهم تخفيف الهمزة وجعلها بين بين في" كسا آن" و" رأيت كساء" لسبب وقوعها بين ألفين لا تلزم الثانية منها ، جعلوا مكان الهمزة في" خطاءا" و" مطاءا" ياء لوقوعها بين ألفين لازمين.

وأنشد سيبويه في تخفيف الأولى من الهمزتين إذا اجتمعتا :

* كلّ غرّاء إذا ما برزت

ترهب العين عليها والحسد (١)

فحقق الأولى وخفف الأخيرة ، وعلى هذا قراءة نافع (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) [محمد : ١٨] ، و (يا زَكَرِيَّا إِنَّا) [مريم : ٧].

قال : " وقد يجوز في ذلك كله البدل حتى يكون قياسا إذا اضطر الشاعر"

يعني : أن كل همزة متحركة إذا كان قبلها فتحة جاز قلبها ألفا في الشعر وإن لم يكن مسموعا في الكلام.

وإن كانت مضموما ما قبلها ، جاز قلبها واوا.

وإن كان مكسورا ، جاز قلبها ياء.

وأنشد للفرزدق :

* راحت بمسلمة البغال عشيّة

فأرعي فزارة لا هناك المرتع (٢)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٦٧ ، شرح السيرافي ٥ / ١٠ ، شرح المفصل ٩ / ١١٨.

(٢) ديوان الفرزدق ٢ / ٥٠٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧٠ ، المقتضب ١ / ١٦٧ ، الكامل ٢ / ١٠٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٦٤.

٥٢٩

كان الوجه أن يقال : " لا هناءك" بين بين ، ولكن البيت لا يتزن بذلك فأبدل الألف مكانها.

وأراد : مسلمة بن عبد الملك ، وكان قد عزل من عمله وولي ابن هبيرة الفزازي مكانه.

وأنشد لحسان بن ثابت :

* سالت هذيل رسول الله فاحشة

ضلّت هذيل بما جاءت ولم تصب

وهذا في التخفيف والبدل مثل البيت الأول.

وقال القرشي ، وذكر ابن حبيب أنّه نبيه بن الحجاج السهمي :

* سالتاني الطّلاق أن رأتاني

قلّ مالي قد جئتماني بنكر

وأنشد لعبد الرحمن بن حسان :

* وكنت أذل من وتد بقاع

يشجّج رأسه بالفهر واج (١)

يريد" واجئ" ، إلا أنّه يجوز في الكلام : هذا واجئ إذا وقفت ؛ لأن الهمزة تسكن إذا وقفت عليها وقبلها كسرة ، فتنقلب ياء كما يقال في بئر : بير.

ومعنى يشجج : يعلوه بالضرب ، والفهر : الحجر. والواجئ : الضارب به وهو من وجأته.

فإن قال قائل : لم جعل سيبويه الألف في سال بدلا من الهمزة وبعض العرب يقول : سال يسال مثل : خاف يخاف والألف منقلبة من واو ، وقد حكى هما يتساولان؟

قيل له : قد بين سيبويه ذلك وزعم أن هذين الشاعرين من لغتهما سأل بالهمزة ، وإنما اضطرا إلى ذلك مثل : " لا هناك المرتع"

وباقي الباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب الأسماء التي توقع على عدّة المؤنّث والمذكّر

إنما خص سيبويه في هذا الباب لفظ العدد من ثلاثة إلى تسعة عشر ، فلم يتجاوز ذلك ؛ لأن ما فوق التسعة عشر لا يختلف فيه المؤنث والمذكر لأن العشرين والثلاثين والمائة والمائتين وما فوق ذلك للمذكر والمؤنث على لفظ واحد.

وما كان مضموما إلى شيء من ذلك من ثلاثة إلى" تسعة عشر" كقولك : ثلاثة وعشرون رجلا و" خمس وعشرون امرأة" وما أشبه ذلك بمنزلة : من" ثلاثة" إلى تسعة عشر ، وقد تقدم القول في هذا والحجة عليه من باب الصفة المشبهة باسم الفاعل.

واحتج سيبويه لتغييرهم العشرة بقولهم :

" خمسة عشر" و" خمس عشرة" باب قال : " وقد يكون اللفظ له بناء في حال ، فإذا انتقل

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧٠ ، المنصف ١ / ٧٦ ، شرح المفصل ٩ / ١١١ ، اللسان" وجأ" ١ / ١٩١

٥٣٠

عن تلك الحال تغير بناؤه ، فمن ذلك تغييرهم الاسم في الإضافة ، يعني النسب ، قالوا في الأفق : أفقي ، وفي زبينة : زباني".

وكان سيبويه ، ذهب إلى أن عشرا ليس محذوفا من عشرة وأما غيره فاحتج بأنهم كرهوا أن يثبتوا الهاء في" العشرة" و" الثلاثة".

لأنهما قد صيرا كاسم واحد ، فيصير كتأنيثين في اسم واحد.

فقيل له : قد قالوا : " إحدى عشرة" فجمعوا بين تأنيثين. فذكر أن الألف من غير لفظ الهاء وأنها تختلط بالاسم حتّى تكون كجزء من أجزائه ، ألا تراهم قالوا : صحراء و" صحارى" فزادوا ألف التأنيث في الجمع المكسر ، ولا يقع مثل هذا في هذا التأنيث.

وقد رد المبرد ما قاله سيبويه ، وزعم أن الهاء في عشرة حذفت لئلا يجتمع ساكنان.

والقول ما قاله سيبويه ، وذلك أنّهم يقولون في المؤنث" ثلاث عشرة" وفي الإفراد : عشر بغير هاء ، ويقولون : " عشرة بكسر الشين" ، ولا يقولون" عشرة" في الإفراد فتغييرهم عشرة للمؤنث دليلك على تغيير عشر للمذكر.

ومما يقوي قول سيبويه : أنّهم يدخلون هاء التأنيث في الاسمين اللذين يجعلان اسما واحدا ، وذلك قولهم : " ثالثة عشرة" و" تاسعة عشرة" ، فقد جمعوا بين تأنيثين من لفظ واحد.

ومعنى قول سيبويه : " أحد عشر كأنك قلت : أحد جمل وقوله : ليس في عشر ألف".

توهم بعض الناس أن قوله : " ليس في عشر ألف" ، غلط وقع في الكتاب وأن حكمه أن يكون : " ليس في عشر هاء" ، والذي أراد سيبويه بذكر الألف : إبطال ما يتكلم به بعض العوام من قولهم : " أحد عشر" ، فمثل : بأحد جمل ؛ لأن يحترس من هذا اللفظ ، ووكد ، بأن قال : " ليس في عشر ألف" بمعنى : ألف وصل تسكن له العين من" عشر".

فقد حكى الفراء أن بعضهم يسكن الشين فيقول : " أحد عشر".

وسائر الباب مفهوم إن شاء الله.

هذا باب الاسم الذي تتبين فيه العدّة كم

هي مع تمامها الذي هو من ذلك اللفظ

معنى قوله : تتبين فيه العدة كم هي.

يعني : ثلاثة.

وقوله : ومع تمامها الذي هو من ذلك اللفظ

يعني ثالثا ؛ لأنه من تمام ثلاثة ، وهذا التمام يبنى على فاعل كما قال : فيقال : " ثاني اثنين وثالث ثلاثة".

واعلم أن سيبويه يجعل الأصل في ثالث" ثلاثة عشر" : " ثالث عشر" ثلاثة عشر ، ويقدر

٥٣١

إضافته إلى" ثلاثة عشر" فيكون في" ثالث عشر" حروف" ثلاثة عشر" كما كان في" خامس خمسة".

وقوله : لما كان من كلمتين وجب أن يؤتى أيضا بثالث عشر من كلمتين.

وقوله : " وأجري مجرى المضاف".

يعني : وأجري مجرى المصدر في التغيير ، لأنا نقول : ثالث فنغير ثلاثة إلى لفظ ثالث ولا نغير عشر في الاسمين إذا جعلا اسما واحدا كحضرموت وبعلبك ، فتقول : بعلي وحضري.

وذكر سيبويه في هذا الباب" بضعة عشر" ، و" بضع عشرة" وهو عدد مبهم من الثلاثة إلى التسعة. واشتقاقها من بضعت الشيء : إذا قطعته ، كأنها قطعة من العدد.

وكان حقها أن تذكر في الباب الأول ، ولكنه ذكرها هنا ليرى أنّها ليست بمنزلة : ثالث عشر أو ثالثة عشرة ، فاعلمه.

هذا باب المؤنث الذي يقع على

المذكر والمؤنث وأصله التأنيث

اعلم أن المذكر قد يعبر عنه باللفظ المؤنث فيجري حكم اللفظ على التأنيث وإن كان المعبر عنه مذكرا في الحقيقة ، ويكون ذلك بعلامة التأنيث وبغير علامة :

ـ فأما ما كان بعلامة ، فقولك : " هذه شاة" ، وإن أردت" تيسا" وهذه بقرة ، وإن أردت ثورا ، وهذه حمامة وإن أردت الذكر.

ـ وأما ما كان بغير علامة ، فقولك : " عندي ثلاث من الغنم" ، " ثلاث من الإبل". وقد جعلت العرب الإبل والغنم مؤنثين كما جعلت العين والأذن والرجل مؤنثات بغير علامة.

فإن قال قائل : فلم لا يقال : " هذه طلحة" لرجل يسمى طلحة لتأنيث اللفظ كما قالوا : " هذه بقرة" للثور؟

فالجواب : أن" طلحة" لقب وليس باسم موضوع له في الأصل. وأسماء الأجناس موضوعة لها لازمة ، لذلك فرقت العرب بينهما.

وقوله : " كأنك قلت : هذه ثلاث غنم".

يريد : كأن غنم تكسير لواحد مؤنث ، كما تقول : " ثلاث مائة" فتترك الهاء من ثلاث ، لأن المائة مؤنثة. و" مائة" : واحد في معنى جمع المؤنث ، وكذلك" غنم" واحد في معنى جمع.

قال : " وتقول له ثلاث من البطّ لأنك تصيّره إلى بطة".

يريد : كأنك قلت : " له ثلاث بطات من البط".

قال : " ومثل قولهم ثلاثة أشخص ... ثلاث أعين. وإن كانوا رجالا ؛ لأنّ العين مؤنّثة".

وإنما أنّثوا ؛ لأنهم جعلوا الرجال كأنهم أعين من ينظرون إليهم.

٥٣٢

وأنشد سيبويه في تذكير النفس حملا على معنى الإنسان والشخص للحطيئة :

* ثلاثة أنفس وثلاث ذود

لقد جار الزّمان على عيالي (١)

يريد : ثلاثة أشخص ، والشخص مذكر ، فلذلك أثبت الهاء في الثلاثة يصف أنه كان له من الإبل ثلاث يتقوت من ألبانها هو وعياله ، فضلّت ، فقال : لقد جار الزمان على عيالي.

واعلم أنّ الأيام والليالي إذا اجتمعت غلب التأنيث على التذكير والسبب في ذلك أن ابتداء الأيام الليالي. لأن دخول الشهر الجديد من شهور العرب ـ برؤية الهلال ، يرى في أول الليل فتصير الليلة مع اليوم الذي بعدها يوما في حساب الشهر. والليلة هي السابقة ، فجرى الحكم لها في اللفظ ، فإذا أبهمت ولم تذكر الأيام ولا الليالى جرى اللفظ على التأنيث فقلت : أقام زيد عندنا ثلاثا.

تريد : " ثلاثة أيام وثلاث ليال" ، كقوله عز وجل : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤].

وعلى هذا وقع التاريخ بالليالي ، دون الأيام فلذلك قال : " سار خمس عشرة" فجاء بها على تأنيث الليالي ، ثم أكد بقوله : " من بين يوم وليلة".

ومثل هذا قول النابغة :

* فطافت ثلاثا بين يوم وليلة

يكون النّكير أن تضيف وتجأرا

ومعنى البيت : أنه يصف بقرة وحشية فقدت ولدها فطافت ثلاث ليال وأيامها تطلبه ، ولم تقدر أن تنكر من الحال التي دفعت إليه أن تضيف ، ومعناه : تشفق وتحذر. وتجأر : معناه تصيح في طلبها له.

وبين سيبويه أن العرب تقول : " ثلاثة أشياء" ؛ لأن" أشياء" اسم مؤنث واحد موضوع للجمع على قوله وقول الخليل ؛ لأن وزنه فعلاء وليس بمكسر ، وكما أن غنما وما أشبهه اسم مؤنث وليس بجمع مكسر.

فقال : " جعلوا أشياء ، هذه التي لا تنصرف ووزنها فعلاء نائبة عن جمع شيء" لو كسر على القياس. و" شيء" إذا كسر على القياس ، فحقه أن يقال : أشياء ، كما يقال : بيت وأبيات ، وشيخ وأشياخ ، فقالوا : " ثلاثة أشياء" كما يقال : ثلاث أشياء لو كسروا شيئا على القياس ، وقد تقدمت العلة في قلب أشياء والاختلاف فيها.

قال سيبويه : وزعم يونس عن رؤبة أنّه قال : ثلاث أنفس على تأنيث النفس كما يقال : ثلاث أعين للعين من الناس ، وكما يقال : " ثلاثة أشياء" لو كسروا" شيئا" على القياس ، وقد

__________________

(١) ديوانه ١٢٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧٥ ، مجالس ثعلب ١ / ٢٥٢ ، المذكر والمؤنث لابن الأنباري ٤٠٦ ، الخصائص ٢ / ٤١٢ ، الإنصاف ٢ / ٧٧١ ، الهمع ١ / ٢٥٣ ، حاشية الصبان ٤ / ٦٤ ، الخزانة ٧ / ٣٦٧ ، المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٥.

٥٣٣

تقدمت العلة قلب أشياء والاختلاف فيها.

قال سيبويه : " وزعم يونس عن رؤبة أنّه قال : ثلاث أنفس على تأنيث النفس كما يقال : ثلاث أعين للعين من الناس ، وكما يقال : ثلاث أشخص في النساء".

قال الشاعر وهو رجل من بني كلاب :

* وإنّ كلابا هذه عشر أبطن

وأنت برىء من قبائلها العشر (١)

يريد : " عشر قبائل" ؛ لأنه يقال : للقبيلة بطن من بطون العرب. ومعنى قوله : " وأنت بريء من قبائلها" :

كأنه يخاطب رجلا ادّعى نسبه في بني كلاب ، فعدد هذا الشاعر بني كلاب فلم يجد له نسبا فيهم فبرأه منهم.

وأنشد للقتال الكلابي :

* قبائلها سبع وأنتم ثلاثة

وللسّبع خير من ثلاث وأكثر (٢)

فقال : وأنتم ثلاثة ، فذكر على تأويل ثلاثة أبطن وثلاثة أحياء ، ثم ردها إلى معنى القبائل ، فقال : وللسبع خير من ثلاث ، على معنى : ثلاث قبائل.

وأنشد لعمر بن أبي ربيعة :

* فكان نصيري دون من كنت أتقي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

فأنت" الشخص" لأن المعنى : ثلاث نسوة.

يصف أنّه توارى بمحبوبته وأختيها لئلا يشعر به القوم.

ويروي : " فكان مجنى" ، والمجّن : التّرس. والكاعب : التي كعب ثديها ، أي نهد وتربع.

والمعصر : التي بلغت عصر شبابها. فاعلمه.

هذا باب ما لا يحسن أن تضيف إليه الأسماء

التي تبيّن بها العدد

اعلم أن حق العدد أن يبين بالأنواع لا بالصفات لاشتراكها في الموصوفات. فلذلك لم يحسن أن تقول : ثلاثة قرشيين وليس إقامة الصفة مقام الموصوف بالمستحسنة في كل موضع ، وربما جرت الصفة لكثرتها في كلامهم مجرى الموصوف فيستغنى بها لكثرتها عن الموصوف كقولك : مررت بمثلك ، ولذلك قال الله عز وجل (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ٦٠] ، أي : عشر حسنات أمثالها.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧٤ ، معاني القرآن ١ / ١٢٦ ، المقتضب ٢ / ١٤٦ ، الأشباه والنظائر ٣ / ٥١ ، الهمع ٢ / ١٩٤ ، حاشية الصبان ٤ / ٦٣ ، المقاصد النحوية ٤ / ٤٣٤

(٢) ديوانه ٥٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٧٠ ، الإنصاف ٢ / ٧٧٢.

٥٣٤

فاعرفه إن شاء الله.

هذا باب تكسير الواحد للجمع

هذا الباب ذكر سيبويه فيه الأسماء الثلاثية التي ليس ثالثها ياء ولا واوا ، ولا ألفا ، مما في آخره هاء التأنيث ومما ليس فيه هاء.

والذي ذكره في هذا الباب وما بعده من أبواب الجمع تجري مجرى اللغة ، ولا يحتاج إلى تفسير إلا اليسير منه.

والباب في جمع الثلاثيات على أقل العدد أن يكون على أفعل وأفعال ، وإنما اختصروهما لأنهما بناءان لا يكاد يوجد لواحد منهما نظير في الواحد ، فاختاروهما لئلا يقع لبس ، وليعلم أنّهما للجمع.

واختاروا" أفعلا" لفعل لأنه أكثر من سائر الأبنية وأفعل أقل حروفا من" أفعال" ، وأخف ، فاختاروا الأخف لأكثر الأبنية دورا.

واعلم أن" فعلا" ، بابه أن يجمع على" فعلان" ، واختصاصهم إياه بهذا الجمع يحتمل وجهين :

ـ أحدهما : أن" فعلا" إذا كان موضوعا لواحد ، فلا يكاد يقع إلا على الحيوان ويلزمه ولا يفارقه كقولنا : صرد وصردان ، وجرد وجردان ، وجعل وجعلان ، وما أشبه ذلك من الحيوان ، فكان اختصاصه بهذا المعنى يخالف غيره ، لأن سائر الأبنية مشترك في الحيوان والموات فاختصوا" فعلا" بهذا الجمع دون غيره كما اختصوا جميع ما كان من آفة" بفعلى" ، فلا يجمع عليه إلا ما أصابته بلية كقولهم : قتيل وقتلى ، ومريض ومرضى ، وزمين وزمنى.

والوجه الآخر : أن يكون فعل مخففا من" فعال" ، و" فعال" يجئ جمعه الكثير على فعلان كقولك : غراب وغربان ، وعقاب وعقبان ، ويقوى ذلك أن فعلا يكون معدولا من" فاعل" كقولك : عمر ، وزفر في عامر وزافر ، فلما وقع التغيير إليه من" فاعل" ، كان التغيير إليه من فعال أولى ، لأنه ليس بينهما إلا الألف فقط.

وبين سيبويه أن أفعالا ، قد يجيء جمعا لفعل" مكان" أفعل".

وأنشد للأعشى :

* وجدت إذا ما اصطلحوا خيرهم

وزندك أثقب أزنادها

فجمع" زندا" على" أزناد" ، وقياسه : أزند ، ونظيره : فرخ وأفراخ وجدّ وأجداد ، ورأد وأراد. والراد : أصل اللحيين ، وقوله : " زندك أثقب أزنادها" ، مثل لكثرة خيره وتيسر معروفه.

وأنشد أيضا للأعشى :

٥٣٥

* إذا روّح الرّاعي اللّقاح معزّبا

وأمست على آنافها عبراتها (١)

فجمع" أنفا" على آناف ، وبابه : آنف.

وهذا البيت في شعر الأعشى : على آفاقها ، ويعني بالآفاق جوانب السماء ، كنى عنها ولم يجر لها ذكر ؛ لأنه قد عرف المعنى.

وروّح : ردها من مرعاها إلى مراحها وهو موضعها الذي تروح إليه.

واللقاح : ذوات الألبان واحدتها : لقحة. ومعزبا ، أي : سعدا بها في المرعى أي : كان معزبا لها ، فلما اشتد الزمان أراحها.

وعلى رواية آفاقها يحسن" غبراتها".

ومن روى على" آفاقها" فينبغي أن يروى" عبراتها" بالعين غير معجمة أي : تسيل دموعها على أنوفها من شدة البرد ، ، ويروى : معجلا : أي يعجل إيابها إلى المراح يبادر غروب الشمس من شدة البرد.

ومعنى قول سيبويه : " ثم تطلب النظائر كما تطلب نظائر الأفعال هاهنا".

يعني : أن باب" فعل" جمعه" أفعل" في أدنى العدد ، وما كان منه على أفعال فإنما هو شيء سمع من العرب ، فحكي ، وليس من الباب ، والباب : أزند ، وأمست على آنفها.

قال : " وقد تجيء خمسة كلاب ، يراد بها خمسة من الكلاب كما تقول : هذا صوت كلاب ، أي : من هذا الجنس".

وأنشد قول الراجز :

* كأنّ خصييه من التّدلدل

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (٢)

فجعل سيبويه إضافة خمسة كلاب كإضافة عدد إلى جنس ، و" ثنتا حنظل"

في معنى : ثنتان من حنظل. وكان قياسه أن يقول : " حنظلتان" فجاء به على الأصل.

وحنظل : اسم الجنس في الكثير من العدد.

وقواه سيبويه بقوله : " صوت كلاب" ؛ لأنّه قد أحاط العلم أن صوتا واحدا لا يكون للكلاب ، وإنما يريد صوتا من الكلاب ، أي : من هذا الجنس.

وأنشد أيضا :

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٥٨.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٨٧ ، ٢٠٢ ، المقتضب ٢ / ١٣٥ ، المسائل البغداديات ٥١٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٢١ ، فرحة الأديب ١٥٨ ، شرح المفصل ٦ / ١٨ ، ٤ / ١٤٤ ، الخزانة ٧ / ٤٠٠ ـ شرح المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٤ ، اللسان دلل ١١ / ٢٤٩ ، هدل ١١ / ٦٩٢ ، ثنى ١٤ / ١١٧ ، خصى ١٤ / ٢٣٠.

٥٣٦

* قد جعلت ميّ على الظّرار

خمس بنان قانئ الأظفار (١)

فأضاف" خمسا" إلى" بنان" على تقدير : خمس من البنان.

وبنان : جمع بنانة مثل نخل ونخلة ، وهما اسمان للجنس ، والظّرار : حجارة مدورة ، واحدها ظرر ، ويقال : أرض مظرة ، أي : كثيرة الظرار.

ويروى : " الطّرار" ، بالطاء غير معجمة ، وهي جمع طرّة ، وهو أن يعقص من مقدم ناصية الجارية كالطرة تحت التاج ، وقد تتّخذ من رامك ، وهو : ضرب من الطيب ، وهذه الرواية أشبه بالمعنى.

قال : " وأمّا فعلان ـ في جمع فعل ـ فخربان وبرقان وورلان ، وأما فعلان ، فنحو : حملان وسلقان".

الخرب : ذكر الحبارى. والبرق : الحمل ، وهو الخروف الكبير وتصغيره : بريق ، والعامة تشدد الراء ، والورل : دويبة تسميه العامة الورق. والسلق : المطمئن من الأرض.

وذكر أن" فعلا" قد يجمع على" فعلان" نحو حجل وحجلان ورأل ورئلان.

الحجل : الرق وهو أيضا كبار النخل.

والرأل : فرخ النعام.

وقال سيبويه بعد ذكر جمع العرب : " أسدا" على" أسد" ووثنا على وثن" بلغنا أنّه قراءة".

يعني : ما قرئ من قرآن : إن يدعون من دونه إلا أثنا.

أراد : " وثنا" ، جمع" وثن" ، فقلب الواو همزة لانضمامها ، كما قال : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) [المرسلات : ١١].

وبين أن العرب ربما كسرت فعلا على أفعل كقولهم جبل وأجبل ، وزمن وأزمن.

وأنشد لذي الرمة :

* أمنزلتي مىّ سلام عليكما

هل الأزمن اللّائي مضين رواجع (٢)

فجمع" زمنا على" أزمن" ، وكان حقّه الأزمان.

قال : " وقالوا : الحجار ، فجاءوا به على الأكثر والأقيس" في نظيره غير أن الحجار أقل من الحجارة في الكلام.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧٧ ، ٢٠٢ ، المقتضب ٢ / ١٥٧ ـ شرح عيون كتاب سيبويه ٢٥٠ ، اللسان بنن ١٣ / ٥٩.

(٢) ديوانه ٣٣٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٨٧ ـ المقتضب ١ / ١٨٤ ، ١٩٨ ، الكامل ١ / ٦٠ شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٦٣ ، شرح المفصل ٥ / ١٧ ، ٦ / ٣٣ ، اللسان نزل ١١ / ٦٥٨.

٥٣٧

وأنشد :

* كأنّها من حجار الغيل ألبسها

مضارب الماء لون الطّحلب اللّزب (١)

الغيل : الماء الجاري. واللّزب : هو اللازم ، كأنّه يصف حوافر فرس فشبهها لصلابتها واملساسها بحجارة الماء إذا علاها الطحلب.

قال امرؤ القيس :

وتغدو على صمّ صلاب كأنّها

حجارة غيل وارسات بطحلب

قال سيبويه : وقد جاء من الأسماء اسم واحد على فعل ، ولم يجئ مثله ، وهو إبل ، وقالوا : آبال كما قالوا أكتاف ، فهذه حال ما كان على ثلاثة أحرف ، وتحركت حروفه جمع.

وقال الراجز :

* فيها عياييل أسود ونمر (٢)

ـ قال ابن السكيت : عال في مشيته يعيل عيلا : تمايل.

ـ وقال غيره : ومنه قيل للذئب : " عيّال" : فكأن" عياييل" جمع" عيّال".

قال المبرد : هذا البيت على ما تقدم من الكلام إنما يقصد إلى أنّهم جمعوا ربعا على" أرباع" فأدخلوه في باب فعل كجمل وأجمال ، كما جمع الراجز نمرا على فعل ، فأدخله في باب أسد :

قال : " وقالوا : ثلاثة قروء فاستغنوا بها على أقرؤ".

اعلم أن واحد" القروء" : " قرء. وقياس أدنى العدد فيه" أقروء" كما يقال : فلس وأفلس واستغنوا بالكسر وهو قروء.

ولم يذكر سيبويه أقراء على أفعال ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للمستحاضة : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» ، فإن كان هذا مضبوط اللفظ فهو على" فعل" و" أفعال" كزبد وأزباد.

وذكر سيبويه أن" القدر" قد تجمع على أقدر.

وقال الجرمي : " أقدر" لا يعرف.

وسيبويه أعلم بما حكى ، وهو غير متهم في ما نقله.

وأنشد سيبويه :

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧٨ ، شرح المفصل ٥ / ١٧ ، اللسان حجر ٤ / ١٦٥.

(٢) الكتاب ٢ / ١٧٩ ـ المقتضب ١ / ٢٠١ ـ شرح ابن السيرافى ٢ / ٣٩٦ ، فرحة الأديب ١٥٢ ، شرح المفصل ٥ / ١٨ ، ١٠ / ٩٢ ، ٩١ ، أوضح المسالك ٣ / ٢٦٣ ، الصحاح ٢ / ٨٨٧ ، واللسان نمر ٥ / ٢٣٤ ، عيل ١١ / ٤٨٩.

٥٣٨

* كرام حين تنكفت الأفاعي

إلى أجحارهنّ من الصّقيع (١)

استشهد به على أنّه جمع حجرا على أحجار ، وحجرة أكثر في كلام العرب ، ومعنى تنكفت : تنقبض.

والصّقيع : الجليد. يقول : هم كرام إذا اشتد الزمان وتمكن البرد.

وذكر في جمع" فعل" قولهم : كرز وأكراز وكرزة.

والكرز : خرج الراعي. والكبش الذي يحمله يقال له : كرّاز.

قال : " وأما بنات الياء والواو فقليل".

قالوا : مدي وأمداء.

وقد جاء منه غير الذي ذكره سيبويه ، قالوا : " طبي" و" أطباء" وهو طرف الضرع من ذوات الحافر من السباع ، وقالوا : " جرو" و" أجر" وقالوا في أسماء الأجناس : طبي وهو الحوض ، والواحدة طبية. ومدي : مكيال يكال به كالمد.

وبين أن" فعلا" قد يجمع على" أفعل" شاذا ، قالوا : ركن وأركن.

وأنشد لرؤبة :

* وزحم ركنيك شداد الأركن (٢)

وشذوذه كشذوذ فعل ، قالوا : قدح وأقدح.

وذكر أن الجمع بالتاء قد يراد به الكثير ، وأنشد لحسان :

* لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما (٣)

أراد بالجفنات : الكثير ؛ لأن جمع السلامة يصلح للقليل والكثير ، ولا يجوز أن يفتخر بالشيء القليل.

وحكي أن النابغة غاب عليه ذلك ، وكتاب الله يبطل هذا العيب ، قال عز من قائل : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) [سبأ : ٣٧] ، ونحو هذا في القرآن كثير ، وإنما جعل الجفنات غرّا : لما فيها من الشحم ، ووصفها باللمعان لكثرة ودكها.

قال : والمضاعف ... بتلك المنزلة ، تقول : سلة وسلال .. ودبة ودباب.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٨٠ ، المقتضب ٢ / ١٥٩ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٨٦.

(٢) ديوان رؤبة ١٦٤ ـ الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٨١ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٨٧ ، اللسان ركن ١٣ / ١٨٥.

(٣) ديوانه ٣٧١ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٨١ ، المقتضب ٢ / ١٨٦ في الضحى الكامل ٢ / ١٩ ، شرح النحاس ٣٢٧ ، الخصائص ٢ / ٢٠٦ ، شرح المفصل ٥ / ١٠ ، حاشية الصبان ٤ / ١٢١ ، الخزانة ٨ / ١٠٦ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٥٧.

٥٣٩

والدبة : المغرفة ، والدبة أيضا : الرملة الحمراء.

وذكر رحبة بفتح الحاء ولم يذكرها غيره.

وحكى أبو زيد : رحبة ورحبة.

وذكر أن" فعلة" قد تجمع على" فعلات" بفتح تخفيفا.

وأنشد :

* ولمّا رأونا باديا ركباتنا

على موطن لا نخلط الجدّ بالهزل (١)

وكان الكسائي جمع" ركبة" على" ركب" ثم جمع" ركبا" بالألف والتاء.

والصواب ما قاله سيبويه ؛ لأنه يجوز أن يقال : " ثلاث ركبات". ولو كان كما قال ما جاز في ثلاث ركبات على تقديره لأنه جمع كثير.

وقوله : " باديا ركباتنا" ، أي : مشمرين كاشفين عن أسؤقنا للحرب.

قال : وهذا في فعلة كبناء الأكثر في فعلة.

يعني : غرف وركب في فعلة بمنزلة" فعال" في" فعلة" ، مثل صحاف وجفان في صفحة وجفنة.

قال : " إلا أن التاء في فعلة أشد تمكّنا من فعلة وفعلات لكثرة فعلة ولكراهة الضّمتين".

يعني : فعلة وفعلات بالألف والتاء أشد تمكنا من فعلة كالمضاعف من فعلة وذلك قولهم : قدّة" وقدات" وقدد ، وربة وربات وربب.

" والمقددة" القطيعة من الناس وغيرهم ، والربة : نبت.

قال : " وقد كسرت فعلة على أفعل وذلك قليل قالوا : نعمة وأنعم ، وشدّة وأشدّ.

قال أبو عبيدة : " أشدّ" جمع لا واحد له.

وقال غيره : " أشدّ" جمع شد كما قيل : قد وأقد.

وقال المبرد : أنعم جمع المصدر ، وهو نعم على القياس وكذلك قال في أشد ، جمع شدّ.

وذكر سيبويه أن" فعلة" قد يجمع على فعل وذلك قولك : نعمة ونعم ، ومعدة ومعد ، وهذا قليل لا يستمر قياسه ، ولا يقال في خلقة خلق ، ولا في كلمة : كلم. وإنما جمع هذا على" فعل" لأنهم يقولون : نقمة ومعدة كقربة وكسرة فجمع على ذلك.

وفرّق سيبويه بين" تخمة وتخم" و" رطبة ورطب" فأما" تخمة وتخم" ، فإنهم أجروا فعلة مجرى" فعلة" ، كما أجروا" فعلة" مجرى" فعلة" ، ألا تراهم قالوا : رقبة ورقاب كما قالوا : جفنة وجفان ، وكذلك تخمة وتخم ، كأنهم قالوا : تخمة مثل : ظلمة وغرفة ، وتخم

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٨٢ ، المقتضب ٢ / ١٨٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٤٣ ، شرح المفصل ٥ / ٢٩ ، الممتع في التصريف ٢ / ٥٥٩ ، اللسان ركب ١ / ٤٣٣.

٥٤٠