النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

فقال : أما تصريف في المصحف : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) [البقرة : ١٦٤] " فأخذ طريق القياس فأخطأ.

وقال سيبويه : وإذا حقّرت قيّ قلت : قويّ والقيّ : الأرض القفر وأصله قوى لأنه من الوقاء ، وهي الأرض التي لا شيء فيها.

قال : وما كانت الهمزة فيه أصلية غير منقلبة ؛ فإنها تثبت في التصغير ولا تحذف ، فمن ذلك : " ألاءة" وهي" نبت" و" أشاءة" وهي : الفسيلة.

تقول في تصغيره" أليئة" ، و" أشيئة" ؛ لأن الهمزة ليست بمبدلة والأصل في هذا عند سيبويه أن ما كان معروف الأصل بالاشتقاق من واو أو ياء فهو من باب" عطاء ورشاء" ، وما كان لا يعرف ، جعلت همزته أصلية حتى يقوم الدليل على غيرها ؛ لأن الهمزة هي الموجودة فيه.

واعلم أنّ النحويين اختلفوا في" الشاء". فذهب سيبويه أنّه ليس من لفظ" شاة" ، وأنه اسم للجمع وأصله : شوى أو شوو قلبت عين الفعل منه ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وقلبت لام الفعل منه همزة لأنها طرف وقبلها ساكن وهذا شاذ لأنه أعل العين واللام جميعا واستدل بأن العرب تجمع الشاء : شوي ولام الفعل في" شوي" ياء.

وقال المبرد أما" الشاء" فهو بمنزلة" الماء" والهمزة فيه بدل من الهاء وهو جمع" شاة" بإسقاط هاء التأنيث كما قالوا : تمرة وتمر ، وذلك أن" شاة" أصلها : " شاهة" فحذفوا الهاء الأصلية استثقالا للهاءين فلما جمعوه أسقطوا هاء التأنيث فردوا الهاء الأصلية فصار" شاة" ويوقف عليها" شاة" فيلتبس بالواحدة التي فيها هاء التأنيث فأبدل من الهاء همزة وهي تبدل منها كثيرا.

ومما دعا إلى قلب الهاء همزة في" ماه" ، وأصله : " ماء" أن الهاء خفية ، والألف خفية أيضا ، والهمزة تبين الألف فقلبوا الهاء همزة لذلك.

هذا باب تحقير ما كانت الألف فيه بدلا من عينه

هذا الباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب تصغير الأسماء التي تثبت الإبدال فيها

خولف سيبويه في هذا الباب ومن مذهبه أن يقول في تصغير اسم الفاعل المعتل نحو : قائم وبائع : قويئم وبويئع بالهمز ، ويقول في أدؤر عين الفعل منه واو ، ثم همزت نحو : السّؤور والغؤور من سأر يسؤر وغار يغور ـ سويئر وغويئر.

ويقول في تخمة وترات وتدعة ـ والتاء بدل من واو ـ " تخيمة وتريث" و" تديعة".

ويقول في متعد ومتزن : متيعد ومتيزن وهما مفتعل من الوزن والوعد ، والتاء الأولى بدل

٥٠١

من الواو ، فهذا جملة قول سيبويه في هذا الباب.

وكان الجرمي يترك همز قائل وبائع في التصغير فيقول : قويل ، بويع وحجته أن العلة التي من أجلها جعلت الواو همزة في قائل ، وقوعها بعد الألف وكذلك بائع ونحوهما من ذوات الياء والواو.

وأما" أدؤر" إذا صغّرته أو جمعته ، فالمبرد يترك همزة ؛ لأن الواو إنّما همزت في" أدؤر" لانضمامها ، وقد زالت الضمة في التصغير والجمع وكذلك قياس السّؤور والنّؤر.

وأما متّعد ومتّزن فإن الزجاج كان يقول في تصغيره : مويعد ومويزن ؛ لأن التاء تبدل من أجلها الواو تسقط في التصغير فترجع الواو.

واعتماد سيبويه في همز تصغير قائل على الجمع.

ولا خلاف بينهم في همز الجمع في قولك : " قوائم" و" بوائع" ومما يحتج له في ذلك أنّه قد يكون واوا.

فيصح كقولنا : " عاور" و" صاود" من صيد البعير ، فإذا صغر ذلك لم يهمز ففصلوا بين ما همز قبل التصغير وبين ما لم يهمز.

وأما الهمز في تصغير" أدؤر" ، فاحتج له الزجاج بأن الهمز ، وتركه جائز في أدؤر فجعلوا إثبات الهمز في التصغير دلالة على قول من يهمز.

وألزم الزجاج في ذلك أن يقال : " متيعد" على قول سيبويه ليكون فصلا بين من يقول : " متّعد" ومن يقول : موتعد وهي لغة أهل الحجاز.

والقول في" أوائل" و" قبائل" ونحوه ، كالقول في قائم.

وأما تخمة وتهمة وما أشبهه فهي على لفظها في التصغير بإجماع منهم ؛ لأنها لم تنقلب لعلة تزول في التصغير فاعلم ذلك.

هذا باب تصغير ما كان فيه قلب

اعلم أن ما كان من القلب ـ وهو تقديم حرف على غيره من الكلمة ، والأصل غير ذلك ـ إذا صغّر لم يرد إلى الأصل ؛ لأن التقديم والتأخير على غير قياس ، وإنما جاء في بعض الكلام ولم تحمل عليه ما سواه ؛ لأنه شاذ ، ولا يغير في التصغير ؛ لأنه ليست له علة موجبة لذلك يزيلها التصغير ، فمن ذلك قولهم في لائث : " لاث".

قال العجاج :

* لاث به الأشاء والعبريّ (١)

__________________

(١) ديوان العجاج ٦٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٢٩ ، ٣٧٨ ، المقتضب ١ / ١١٥ ، شرح السيرافي ٤ / ٢١٢ شرح ابن السيرافي ٢ / ٤١٠ ، ٤١١ ، المنصف ٢ / ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٣ ، الخصائص ٢ / ١٢٩ ـ ٤٧٧.

٥٠٢

الأشياء : الغسيل : والعبري : ما ينبت من السدر على شاطئ النهر ومثله في القلب قول الشاعر : (١)

* فتعرفوني أنني أنا ذاكم

شاك سلاحي في الحوادث معلم (٢)

أراد" شائك" والشائك : الذي له شوكة ، وهو مثل : قائم ، ثم قدموا الكاف فقالوا : شاك كقولنا غاز.

وأنشد لكعب بن مالك :

* لقد لقيت قريظة ما سآها

وحلّ بدارهم ذلّ ذليل

فقدم الهمزة في" سآها" وأخر الألف.

ومثله لكثير :

* وكل خليل رآني فهو قائل

من أجلك : هذا هامة اليوم أو غد (٣)

أراد : رآني فقلب ومعنى قوله هامة اليوم أو غد : يموت في يومه أو في غده حزنا وأسفا.

وأنشد ـ في ما أبدل من الهمزة ـ لحسان بن ثابت :

* سالت هذيل رسول الله فاحشة

ضلّت هذيل بما جاءت ولم تصب (٤)

فأبدل من همزة" سألت" ألفا.

ويقال : إن الفاحشة التي سألت هذيل أن يبيح لها الزّنا.

وللقائل أن يقول : سالت لغة ـ في سألت ـ قائمة بنفسها فما وجه استشهاده بهذا؟

فالجواب أن هذا الشاعر من لغته الهمز في" سألت" وإنما أبدل في هذا الموضع فاعرفه.

هذا باب تحقير كل اسم كانت عينه واوا وكانت العين ثانية أو ثالثة

ذكر في هذا الباب : " أرويّة" وهي على مذهبين : ـ أحدهما أنّها فعليّة والآخر أنّها أفعولة وعلى هذا ذكره سيبويه لأن الباب في ما كانت عينه واوا فإذا جعلناها فعلية فالواو لام الفعل

__________________

(١) هو طريف بن تميم العنبري ، واسمه طريف بن عمرو بن عبد الله ، شاعر فارس جاهلي من الشعراء المقاتلين قتل في يوم مبايض.

مجمع الأمثال ٢ / ٤٢٢ البيان والتبيين ٣ / ١٠١.

(٢) الأصمعيات ١٢٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٢٩ ـ ٣٧٠ ، المقتضب ١ / ١١٦ ، شرح السيرافي ٤ / ٢١٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٤ ، المنصف ٢ / ٥٣ ، ٦٦.

(٣) ديوان كثير ١ / ١١١ ـ الكتاب وشرح الأعلم ١٣٠ / ٢ ، الكامل ٢ / ٢٥٤ شرح السيرافي ٣ / ٤٢١ ـ اللسان رأي ١٤ / ٣٠٤.

(٤) ديوان حسان ٦٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٣٠ ، المقتضب ١ / ١٦٧ ـ الكامل ٢ / ١٠٠ ـ شرح السيرافي ٤ / ٢١٣. شرح عيون الكتاب ٢٣٤ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ٢٠٥ ، شرح المفصل ٤ / ١٢٢ ، ٩ / ١١١.

٥٠٣

فإذا صغرتها على" فعلية" لم يجز فيها إلا : " أريّية" بتشديد الياءين لأن الياء الثانية ياء نسبة.

وإنما قال : أرية إذا كانت" أفعولة" : لأن الأصل فيه" أرووية" فاجتمع في آخره ياء متحركة قبلها واو ساكنة فقلبت الواو ياء ساكنة وأدغمت في الياء وكسر ما قبلها لتسلم الياء فصارت أروية فإذا صغرنا أدخلنا ياء التصغير قبل الواو فصارت" أرويّة" فحذفت الياء المشددة الأخيرة كما حذفوا الياء الأخيرة في" أحيّ" و" مهيّ" تصغير : أحوى ومهوى.

وأما" مروية" ، فهي : " مفعولة" من رويته بالراء ، أي : شددته بالحبل والحبل : الرواء.

ورويت في معنى : حدثت فإذا حذفت فهي مثل" أروية" في هذا الوجه وإن كانت مورية منسوبة إلى مروة فهي بمنزلة الوجه الأول في" أروية". وقوّى سيبويه ظهور الياء في التصغير بظهورها في الجمع.

وأنشد للفرزدق :

* إلى هادرات صعاب الرءوس

قساور للقسور الأصيد (١)

فأظهر الواو في" قساور" وهو جمع : " قسور" وهو من صفات الأسد والأصيد : الذي به الصيد ، وهو داء يأخذ الإبل فترفع له رءوسها ، ومنه يقال للمتكبر : أصيد.

هذا باب تحقير بنات الياء والواو اللاتي لاماتهن ياءات أو واوات

اختلف النحويون في تصغير" أحوى" على قول الواو ، وأما من أظهر ، فلا خلاف بينهم أنّه : أحيو ورأيت أحيوى يا فتى وعلى الوجه الآخر ، كان سيبويه يحذف الياء الأخيرة ولا يصرفه وجعل سقوط الياء الأخيرة بمنزلة النقص في أصم وأصله : وبمنزلة" أروس" إذا خففت الهمزة من" أرؤس".

وكان عيسى بن عمر يصرفه ، وقد ردّ عليه سيبويه" بأصم" و" أرس" إذا سمّي به.

وكان المبرد يبطل رد سيبويه" بأرس" و" أصمّ" ، قال : لأن" أصمّ" لم يذهب منه شيء لأن حركة الميم الأولى قد ألقيت على الصاد. وليس هذا بشيء ؛ لأن سيبويه إنما أراد أن الخفة مع ثبوت الزائد المانع من الصرف لا يوجب صرفه ، و" أصم" هو أخف من" أصمم" الذي هو أصل ، ولم يجب صرفه وكذلك لو سمينا رجلا" بيضع" لم نصرفه وإن كان سقط حرف من وزن الفعل.

وكان أبو عمرو بن العلاء يقول : هذا" أحيّ" وقد ردّه سيبويه وألزمه" عطيّ"

ويدل على صحة قول سيبويه في" أحيّ" بحذف الياء تصغير العرب" معيّة" فإذا حقرت مطايا اسم رجل قلت : مطى على قول الخليل ويونس :

__________________

(١) ديوان الفرزدق ١ / ٢٠٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٣١ ، شرح السيرافي ٤ / ٢١٤ ، المنصف ٣ / ٤٢.

٥٠٤

أجمعنا على اللفظ بذلك على تقديرين مختلفين وذلك أن الخليل يرى إذا صغرنا قبائل اسم رجل ، أن يقول : " قبيئل" فتحذف الألف وتبقى الهمزة.

ويونس يرى أن يقول : " قبيّل" فيحذف الهمزة ويبقي الألف ثم يقلبها لياء التصغير.

وإذا صغر الخليل" مطايا" وهو الوزن مثل ، " قبائل" حذف الألف ، التي قبل الياء فيبقى مطيا فتنقلب الأخيرة ياء فيصير" مطيّ" كما قلت : عطيّ.

وأما يونس فيحذف الياء التي بين الألفين في مطايا فيبقى بعدها ألفان ، فيدخل ياء التصغير فتنقلب الألف التي بعدها ياء وتنكسر ، كما تنقلب الألف في" حمار" إذا قلت : " حمير" وتنكسر ، فإذا انكسرت صارت الألف الأخرى ياء ، ثم تحذف كما ذكرنا.

ولا يجوز أن تقول في تصغير" مطايا"" مطيىء" فإن قال قائل : لم لا يجوز الهمز على قول الخليل وإنما أصل" مطايا" مطايي" لوقوع ياء الفعل بعد ألف الجمع؟

قيل له : هذه الهمزة لم يلفظ بها قط ، وإنما يلفظ بها في الصحيح ، فصارت الياء في" مطايا" بمنزلة الياء في مطية.

وإذا صغرت" خطايا" اسم رجل ، قلت" خطيء" فهمزت ، لأن الألف الأخيرة في خطايا أصلها همزة فتردها في التصغير. واحتج سيبويه لترك الهمزة في" مطايا" بأن قال : " لما أبطلناها في الجمع وأبدلنا منها بدلا لازما".

يعني : الياء في" مطايا" وكانت الهمزة في الجمع أقوى منها في التصغير كأن التصغير أولى بالياء. ومما قوى به هذا قوله : ومع ذلك لو قلت : فعائل من المطيّ لقلت : مطاء ولو كسرته لقلت مطايا إلى قوله : " هذا مع البدل يقوى ، وهو قول يونس والخليل".

في هذا الفصل من كلامه إشكال وخلاف.

ـ أما الخلاف : فإن فعائل مثل : مطائى وغير ذلك ، إذا جمع يقال فيه : " مطايا" ولا يهمز فذكر المازني أنّه لا يجوز غير الهمز ؛ لأنها همزة في الواحد لم تعرض في الجمع فترد الهمزة في الجمع كما كانت في الواحد ألا ترى أنّا نقول : " جائية" و" جواء" ولا نقول جوايا لأن الهمزة كانت في الواحد.

ـ والذي قاله المازني صحيح في" جواء" والهمزة في" فعائل" الذي هو" مطاء" ويخالف الذي قال لأنها ليست بهمزة لازمة وإنما هي بمنزلة عطاء وقعت بعد ألف ، إذا صغر وجمع أجرى مجرى ما ليس بمهموز وذلك أن" فعائل" كان أصله : " فعال" فمدوا بزيادة ألف قبل هذه الألف ، فوقعت الألف في" فعال" بعدها ، فهمزوا لاجتماع الألفين وليست همزة من نفس الحرف ولا بدلا من حرف أصلي كالهمزة في قائل والهمزة في جاء فإذا جمع مطاء وحذفت المدة في الجمع ، عاد إلى" فعال" فصار كأنه" مطاء" وأصله" مطاو" فجمع على

٥٠٥

" مطايا" للهمزة العارضة في الجمع وينبغي إذا صغّر" مطاء" أن يقال : فيه" مطى" وهو قول يونس والخليل على ما ذكر سيبويه.

هذا باب تحقير كلّ اسم كان من شيئين

هذا الباب والذي بعده مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب ما يجري في الكلام مصغّرا وترك تكبيره لأنه عندهم مستصغر

وذلك قولهم : جميل وكعيب وهو البلبل.

وحكى عن المبرد أنّه طائر يشبه البلبل وليس بالبلبل وذكر في هذا الباب سكيت وزعم أنّه ترخيم سكيت فأما" سكّيت" فهو" فعّيل" مثل : " جمّيز" و" علّيق" وليس بتصغير وأما" سكيت" فهو تصغير" سكّيت" على الترخيم ؛ لأن الياء وإحدى الكافين في" سكيت" زائدتان ، فحذفوهما فبقي سكت فصغر : " سكيت" فاعلمه.

هذا باب ما يحقر لدنوه من الشيء وليس مثله

ذكر سيبويه في هذا الباب تصغير العرب فعل التعجب. والعلة في ذلك أن فعل التعجب قد خولف به عن مذهب الأفعال ، وصححوه كما صححوا هو أفعل منك ، وهما يتساويان في معنى التفضيل وفي بناء وزن الفعل وتصحيحه حيث قلنا : " ما أقوم زيدا" كما قالوا : " هو أقوم منك" وهم يقولون في غير هذا أقام يقيم.

ووجه ثان أنّ قولهم : " ما أميلح زيدا" إنما يريدون لطف صاحب الملاحة ونقصانه عما هو أفضل منه وذلك لا يتبين إلا في لفظ" أملح" ؛ لأنهم لو صغروا زيدا جاز أن يكون محقرا في غير الملاحة ، فجعلوه في لفظ" أملح" وصار بمنزلة قولك زيد مليح.

قال : " ولا تصغر علامات الإضمار".

والعلة في ذلك أنّه يجري مجرى الحروف ، ولا تحقر الحروف ، وأيضا فإن الضمائر على حرف أو حرفين ، وأيضا فليست أسماء ثابتة للشيء الذي أضمر.

فإن قال قائل : فقد حقروا المبهمات وهي مبنيات تجري مجرى الحروف وفيها ما هو على حرفين؟.

فالجواب : أن المبهم قد يجوز أن يبتدأ به كقولك : هذا زيد وما أشبهه ، وليس فيه شيء يتصل بالفعل ، ولا يجوز فصله كالكاف في" ضربتك" والتاء في" قمت" فأشبه المبهم الظاهر لقيامه بنفسه.

واعلم أن اليوم والشهر والسنة والليلة ، أشياء وضعن لمقادير من الزمان في أول الوضع وتصغيرهن على وجهين :

أحدهما : أنك إذا صغّرت اليوم فقد يكون التصغير له نقصانا عما هو أطول منه

٥٠٦

لأنه قد يكون يوم طويل ويوم قصير ، وكذلك الليلة والساعة.

والوجه الآخر : أنّه قد يقل انتفاع المصغر لشيء في يوم أو ليلة أو شهر أو ساعة فيحقر من أجل انتفاعه.

وأما" أمس" و" غد" فهما لمّا كانا متعلقين باليوم الذي أنت فيه ، صارا بمنزلة الضمير لاحتياجهما إلى حضور اليوم كما أنّ الضمير محتاج إلى ذكر يجري للمضمر أو يكون المضمر المتكلم أو المخاطب.

وقال بعض النحويين : أما" غد" فإنه لا يصغر ؛ لأنه لم يوجد بعد فيستحق التصغير.

وأما أمس فما كان فيه من التصغير فقد عرفه المتكلم والمخاطب قبل أن يصغّر" أمس" فإذا ذكروا" أمس" فإنما يذكرونه على ما عرفوه في حال وجوده ، بما يستحقه من التصغير فلا وجه لتصغيره.

وذكر سيبويه أن أسماء الشهور والأيام لا تصغر. والعلة فيها : أنّها أسماء أعلام تتكرر على هذه الأيام فلم تتمكن وهي معارف كتمكن" زيد" و" عمرو" ؛ لأن اسم العلم إنّما وضع للشيء على أنّه لا شريك له فيه ، وهذه الأسماء وضعت على الأسبوع وعلى الشهور ليعلم أنّه اليوم الأول من الأسبوع أو الثاني ، أو الشهر الأول من السنة أو الثاني. وكان الكوفيون يرون تصغيرها.

وحكى المازني عن الجرمي أنّه كان يرى تصغير ذلك

وكان ابن كيسان يختار مذهب سيبويه للعلة التي ذكرت لك فاعلمه.

هذا باب تحقير كل اسم ثانيه ياء

هذا الباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب تحقير المؤنث

ذكر سيبويه في هذا الباب أسماء ثلاثية للمؤنث ، صغروها بغير هاء ، فمنها" الناب" وهي المسنة من الإبل يقال في تصغيرها : " نييب" وفي" الحرب"" حريب" وفي قوس : " قويس" وهي تقع على المذكر والمؤنث.

فأمّا النّاب فإنما قالوا لها : " نييب" لأن" النّاب" من الإنسان مذكر ، والمسنة من الإبل إنما يقال لها : ناب لطول نابها فكأنّهم جعلوها الناب من الإنسان كما يقال للمرأة : إنما أنت بطين : إذا كبر بطنها.

وأما" الحرب" : فهو مصدر جعل نعتا مثل" العدل" وكان الأصل هذه مقاتلة ، أي : حاربة تحرب المال والنفس ، كما تقول : امرأة عدل على معنى : عادلة ، ثم أجريت مجرى الاسم فأسقطوا المنعوت كما قالوا : الأبرق والأجدل.

٥٠٧

فإن قال قائل : لو سميت امرأة" بحجر" أو" جبل" وما أشبه ذلك من المذكر ثم صغرته ، أدخلت هاء فقلت : " حجيرة" و" جبيلة" وإذا وصفت المؤنث بالمذكر ثم صغرته لم تلحق الهاء؟.

قيل له : الأسماء لا يراد بها حقائق الأشياء ، أو الشبيه بحقائق الأشياء ألا ترى

أنّا إذا سمينا شيئا" بحجر" فليس الغرض أن نجعله حجرا وإنما أردنا إبانته كما سمينا إبراهيم وإسماعيل وما أشبه ذلك.

وإذا وصفنا به وأخبرنا عنه ، فإنما نريد الشيء بعينه أو التشبيه ، فصار كأن المذكر ، ثم لم يزل.

ألا ترى أنّا إذا قلنا : امرأة عدل ، ففيها عدالة ، وإذا قلت للمرأة : " ما أنت إلا رجل" فتقديره : ما أنت إلا مثل رجل وكذلك : أنت حجر إذا لم يكن اسما لها ، تريد مثل حجر في الصلابة والشدة فاعلم ذلك.

هذا باب ما يحقّر على غير بناء مكبّره والمستعمل في الكلام

هذا باب من نوادر التصغير وشواذه ، وجميع ما وقع فيه الشذوذ من أسماء العشايا فقط.

والعلة فيه : أنّه لما خالف معنى التصغير فيه ، معنى التصغير في غيره ، من الأيام خولف بلفظه ، كما فعل ذلك في باب النسبة ومخالفة معناه لغيره أن تصغيره اليوم في ما ذكرنا يقع لأحد الأمرين : إمّا لتحقير اليوم والوقت نفسه ونقصانه من غيره وإما لقلة الانتفاع به.

وقولهم : " مغيربان" إنما تصغير للدلالة على قرب باقي النهار من الليل ، كما أنك إن نسبت إلى رجل اسمه" جمّة" أو" لحية" أو" رقبة" قلت : " جمي" و" لحي" و" رقبي" ففصلوا بين لفظي النسبة لاختلاف المعاني وكذلك في التصغير.

وأما قولهم : أصيلال ففيه شذوذ من ثلاثة أوجه :

أحدهما : أنّه أبدل اللام من النون في" أصيلان".

و" أصيلال" تصغير : أصلان ، و" أصلان" : جمع أصيل مثل رغيف ورغفان و" فعلان" من أبنية الجمع الكثير الذي لا يصغر لفظه ، وإنما يرد إلى واحده ، وكان حق أصيل إذا صغر أن يقال : أصيل على لفظ الواحد ، فصار فيه نقل الواحد إلى الجمع وتصغير الجمع ، الذي لا يصغر مثله ، وإبدال اللام من النون.

ثم ذكر سيبويه غدوة وسحر وضحى وتصغيرهن على ما يوجبه القياس ليريك أنّه من غير باب" مغيربان" و" عشيان".

وأنشد للنابغة الجعدي :

٥٠٨

* كأنّ الغبار الذي غادرت

ضحيا دواخن من تنضب (١)

فصغر" ضحى" على" ضحيّ" و" ضحى" مؤنثة ، وإنما حذفوا الهاء لئلا يشبه بتصغير" ضحوة" والدواخن : جمع دخان ، والتنضب : شجر شبه الغبار الذي غادرت قوائم فرسه بالدخان.

وأنشد لجرير :

* قال العواذل ما لجهلك بعد ما

شاب المفارق واكتسين قتيرا؟ (٢)

استشهد به على قولهم : عشيانات ومغيربانات ، كأنهم جعلوا الحين أجزاء ، ثم جمعوه كما قالوا : " مفارق الرأس".

وإنما هو" مفرق" فجعلوا كل جزء منه" مفرقا" ثم جمعوه. والقتير : الشيب وهو مشتق من : القتر ، وهو الغبار لأن الشعر يغبر به ، والغبرة من البياض والسواد.

وأنشد لرؤبة في تصغير صبية على لفظها :

* صبيّة على الدخان رمكا

ما إن عدا أصغرهم أن زكّا

قال المبرد : إنّما هو" ما إن عدا أكبرهم" ؛ لأن المعنى يوجب ذلك لأنّه أراد تصغيرهم ، فإذا كان أكبرهم بلغ إلى الزكيك من المشي ، فمن دونه لا يقدر على ذلك والرّمكة : الغبرة مثل لون النعامة.

هذا باب تحقير الأسماء المبهمة

اعلم أنّهم خالفوا في تصغير المبهمة ، وغيروه بأن تركوا أوله على لفظه ، وزادوا في آخره ألفا عوضا من الضم الذي هو علامة التصغير.

وقد ذكر سيبويه العلة في تغييرها وإخراجها عن حكم التصغير في غيرها فإذا صغرت" الذي" و" التي" قلت : " اللّذيّا" و" اللتيا" فإذا ثنيت ، قلت : " اللذيان" و" اللتيان" وقد اختلف مذهب سيبويه والأخفش في ذلك.

فأما سيبويه فإنه يحذف الألف المزيدة في تصغير المبهم ولا يقدرها.

وأما الأخفش ، فإنه يقدرها ويحذفها لاجتماع الساكنين ولا يتغير اللفظ في التثنية فإذا جمع تبين الخلاف بينهما يقول سيبويه في جمع" الّلذيّون" و" اللّذييّن" بضم الياء وكسرها وعلى مذهب الأخفش ـ الّلذيّون واللّذيّين بفتح الياء على مذهبه ـ يكون اللفظ في الجمع

__________________

(١) ديوانه ١٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٣٨ شرح السيرافي ٤ / ٢٢٤ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٦١ ، اللسان نضب ١ / ٧٦٤ ، دخن ١٣ / ١٤٩.

(٢) ديوان جرير ١ / ٢٧٩ ، ديوان عبيد الله ١٧٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٣٨ ، المقتضب ٣ / ٢٨٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٢٤ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٧٩ ، اللسان صلب ١ / ٥٢٦ عثن ١٣ / ٢٧٦.

٥٠٩

كلفظ التثنية ؛ لأنه يحذف الألف التي في" اللذيا" لسكونها وسكون ياء الجميع فيصير مثل : المصطفين والأعلين وفي مذهب سيبويه أنّه لا يقدرها ويدخل علامة الجمع ، على الياء من غير تقدير حرف بين الياء وبين علامة الجمع وإلى مذهب الأخفش يذهب المبرد.

والحجة لسيبويه أن هذه الألف تعاقب ما يزاد بعدها فتسقط من أجل هذه المعاقبة ومثل هذا معاقبة ألف الندبة التنوين في قولك : واغلام زيداه فتحذف التنوين من زيد كأنه لم يكن قط منه ولو حذفته لاجتماع الساكنين لجاز أن تقول : واغلام زيدناه ولهذا نظائر كثيرة.

هذا باب تحقير ما كسّر عليه الواحد للجمع

جميع ما في هذا الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.

هذا باب ما كسّر على غير واحده المستعمل في الكلام

هذا الباب في ردّ الجمع فيه إلى الواحد من التصغير بمنزلة الجموع التي ليست بأدنى الجمع إذا رددناه إلى الواحد. غير أن هذا الباب ، الجموع فيه شاذة وفي غيره مطردة.

وليست الجموع في هذا الباب ـ وإن كانت شاذة ـ كالجمع الذي يجري مجرى الواحد كقولنا : راكب وركب و" مسافر" و" سفر" لأن هذا اسم واحد يسمى به الجمع ، فجرى مجرى أسماء الجنس كقولنا : " حامل" و" باقر".

وأما ظروف وسمحاء وشعراء وجلوس وقعود فتقع أبنيتها جموعا مكسرة مطردة في غير هذه الآحاد كقولنا : فلس وفلوس وكريم وكرماء فاعلمه.

هذا باب تحقير ما لم يكسّر عليه الواحد

وهو ما كان اسما للجمع

ذكر سيبويه أن ما كان آخره الألف والنون الزائدتان وكسر على بناء : " مفاعيل" صغر بالياء كقولك : " سرحان" و" سريحين" والجمع سراحين قال : وإذا حقرت أفعالا اسم رجل قلت : أفيعال.

وكذلك تحقيره قبل أن يسمى به كقولك أجيمال وأحيجار فإن اعترض معترض فقال : يجب أن يصغر على" أفيعيل" لأن جمعه على" أفاعيل" كما يعتبر سريحين سراحين.

قيل له : إنما اعتبرنا الجمع في ما كان فيه ألف ونون. لأن النون قد تكون للإلحاق بمنزلة حرف من حروف الأصل فتجرى مجرى الأصل ، فإذا قيل : سرحان وسراحين علم أن النون فيه قد جعلت كالحاء في : سرداح ، وإذا كان لا ينقلب في الجمع فلم يجعل ملحقا بشيء كعطشان وعثمان.

وأما أفعال وإن كان قد يجمع على أفاعيل فلا يقال فيه" أفيعيل" لأن" أفعالا" لا يقع إلا جمعا فكرهوا إبطال علامة الجمع فاعلمه.

٥١٠

وأنشد سيبويه :

* قد شربت إلّا دهيدهينا

قليصات وأبيكرينا (١)

قال : والدّهداه : حاشية الإبل ورذالها فكأنه حقّر دهاده ، فرده إلى الواحد وهو دهداه ، وأدخل الياء والنون كما تدخل في أرضين.

وأما" أبيكرين" فالواحد منها" بكر" ، ثم جمعه على" أبكر" ثم جمع أبكر فصار" أباكر" فلما صغر" أباكر" رده إلى الجمع الذي أقامه مقام الواحد ، فجمعه ثم صغّره وكان القياس أن يقول : " أبيكرات" فجعل مكان الألف والتاء والياء والنون كما فعل" بدهيدهين" ، فاعلمه.

هذا باب حروف الإضافة إلى المحلوف به وسقوطها

ذكر في هذا الباب أنّ العرب قد تحذف حرف القسم من اسم الله عز وجل ، وقوّى ذلك بقول العرب : «لاه أبوك». وأصله لله أبوك ، فحذف لام الجر ولام التعريف ، وقد ذكرت هذا في ما تقدم من الكتاب ، وبيّنت اختلاف سيبويه والمبرد فيه.

قال سيبويه : قال بعض العرب : لهى أبوك فبناه على الفتح وهو مقلوب من لاه أبوك وهذا مما يحتج به على المبرد ، لأنّه يزعم أنّ اللام في لاه لام الجر.

والمحذوف عنده لام التعريف واللام الأصلية. فيقال له :

إذا كانت اللام للجر فهلّا كسروها في لهى أبوك؟. وحجته : أنّهم لما قلبوا. كرهوا إحداث تغيير آخر مع الحذف الكثير ـ الذي في لأه ـ والقلب ، وإنما بنى لهى لأنه حذف منه لام الجر ولام التعريف ، ثم قلب فاختاروا له لفظا واحدا من أخف ما يستعمل حتى يكون على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن وأخرها مفتوح.

ومما يقال في ذلك : إنّهم لما قلبوا ـ وصغروا ـ وضعوا الهاء موضع الألف

وسكنوها كما كانت الألف ساكنة ، ثم قلبوا الألف لاجتماع الساكنين ؛ لأنهم لو تركوها ألفا وقبلها الهاء ساكنة ، لم يمكن النطق بها ، فردوها إلى الياء وهي أخف من الواو ، ثم فتحوها لاجتماع الساكنين كما فتحوا آخر أين.

وأنشد سيبويه لأمية بن أبي عائذ :

* لله يبقى على الأيّام ذو حيد

بمشمخر به الظّيان والآس (٢)

استشهد به على أن في اللام معنى التعجب.

فعلى هذا لا يجوز حذف اللام لئلا يذهب المعنى. ويروى : حيد بفتح الحاء

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٤٢ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٢٩ ، الخزانة ٨ / ٥٠ ، اللسان بكر ٤ / ٧٩ ، يمن ١٣ / ٤٦٠.

(٢) تقدم تخريج الشاهد.

٥١١

وقد تقدم القول فيه.

والمشمخر : الجبل الشامخ. والظيان : ياسمين البر. تقول لا يبقى على الأيام حي ولا الوعل المقيم بالشامخ من الجبال.

ومعنى قوله : الظيان والآس أي فيه ما يتعدى به.

وأنشد في حذف حرف الجر من المقسم به ونصبه :

* ألا ربّ من قلبى له الله ناصح

ومن قلبه لى في الظّباء السّوانح (١)

فنصب لما أسقط حرف القسم ؛ لأنه عدى الفعل المضمر.

والسوانح : جمع سانح ، وهو ما أخذ عن ميامن الرامى فلم يمكنه رميه ، وهو مما يتشاءم به ولذلك ضربه مثلا هنا ، وقد يكون السانح أيضا لما يتيمّن به.

وأنشد مقويا لحذف حرف القسم من اسم الله جل وعز :

* وجدّاء ما يرجى بها ذو قرابة

لعطف وما يخشى السّماة ربيبها

أراد : ورب جداء.

والواو عند المبرد بدل من رب وقد تقدم القول في هذا.

والجدّاء : الفلاة التي لا ماء فيها. والسّماة : الصائدون نصف النهار.

وربيبها : وحشها.

هذا باب ما يكون فيه ما قبل المحلوف عوضا من اللّفظ بالواو

وذلك قولك : إي ها الله ذا.

اختلفوا في معنى الكلمة : فقال الخليل : ذا هو المحلوف عليه كأنه قال : إي والله للأمر هذا ـ كما تقول : إي والله لزيد قائم ـ وحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم وقدم ها كما قدم قوم ها هوذا أو هأناذا.

قال زهير :

* تعلّمن ها لعمر الله ـ ذا قسما

فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك (٢)

أراد : تعلمن هذا قسما. ومعنى تعلمن : اعلمن.

__________________

(١) ملحقات ديوان ذي الرمة ٦٦٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٤٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٣٢ ، شرح النحاس ٣٢٤ ، المقتصد ٢ / ٨٦٨ ، شرح المفصل ٩ / ١٠٣.

(٢) ديوان زهير ٨٨ ، أشعار الشعراء الستة بشرح الأعلم ١ / ٣١٣ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٤٥ ، ١٥٠ ، المقتضب ٢ / ٣٢٢ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٣٣ ، شرح النحاس ٣٢٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٤٦ ، الجنى الداني ٣٥٠ ، الخزانة ٥ / ٤٥١ ، ١٠ / ٤١.

٥١٢

وقال الأخفش : قولهم : ذا ، ليس هو المحلوف عليه ، إنما هو المحلوف به ،

وهو من جملة القسم ، والدليل على ذلك أنّهم قد يأتون بعده بجواب قسم ، والجواب هو المحلوف عليه فيقولون : «إي ها الله ذا لقد كان كذا وكذا» كأنهم قالوا : إي والله هذا المقسم به.

فيقال له وللمحتج عنه : فما وجه دخول ذا المقسم به ، وقد جعل القسم بقوله والله وهو المقسم به؟. فيقول : ذا المقسم به عبارة عن قوله والله وتفسيرا له.

وكان المبرد يرجح قول الأخفش ، ويجيز قول الخليل.

ومن العوض قولهم : " أفأ لله لتفعلن"؟ بقطع ألف الوصل في اسم الله ، وقبل الفاء ألف الاستفهام. والفاء للعطف ، وقطع ألف الوصل في اسم الله عز وجل عوض من الواو ، ولو جاء بالواو ، سقطت ألف الوصل وقال : " أفو الله"؟

وإنما يكون هذا إذا قال قائل لآخر : أفعلت كذا؟

فقال له : نعم ، فقال السائل : أفأ الله لقد كان ذلك؟

فالألف للاستفهام والفاء للعطف ، وقطع ألف الوصل للعوض.

ومن العوض قولهم : الله لتفعلن ، صارت ألف الاستفهام بدلا هاهنا بمنزلة ها ، فلا تقول : أو الله كما لا تقول ها والله. فاعلم ذلك.

هذا باب ما عمل بعضه في بعض وفيه معنى القسم

وذكر في هذا الباب قول العرب : " أيم الله" ، و" أيمن الله".

وحكى عن يونس أن ألفها موصولة ، وحكاه يونس عن العرب.

وأنشد :

* وقال فريق القوم لّما نشدتهم

نعم وفريق : ليمن الله ما ندري (١)

فحذف ألف" أيمن" في الوصل.

ويقال : إن" أيمن" لم يوجد مضافا إلا إلى اسم الله وإلى الكعبة.

ومعناه : اليمن والبركة. وفي النحويين من يقول : إنّه جمع يمين ، وألفه قطع في الأصل ، وإنما حذف تخفيفا لكثرة الاستعمال.

وكان الزجاج يذهب إلى هذا ، وهو مذهب الكوفيين فاعلمه.

__________________

(١) ديوان نصيب بن رباح ٩٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٤٧ ، ٢٧٣.

٥١٣

هذا باب ما يذهب التّنوين فيه من الأسماء

لغير إضافة ولا ألف ولام

وذلك قولك : هذا زيد بن عمرو وما أشبهه.

اختلفوا في السبب الذي حسّن حذف التنوين في هذا.

فكان سيبويه يذهب إلى أن السبب فيه كثرته في الكلام واجتماع الساكنين.

وكان يونس يذهب إلى أن العلة اجتماع الساكنين ولم يذكر غير ذلك.

وكان أبو عمرو يذهب إلى كثرته في الكلام ، فيجوز على مذهبه : هذه هند بنت عبد الله ، في من صرف هندا فيحذف لكثرته في كلامهم لاجتماع الساكنين كما حذفوا : لا" أدر" ، و" لم أبل" وأشباه ذلك كثيرة.

ومما يجري مجرى العلم في حذف التنوين ، قولهم : هذا فلان بن فلان ، ومثله : " طامر بن طامر" ، " وضلّ بن ضلّ" لأنها جعلت أعلاما للأناسي ، وغيرهم وهي معارف وإن كانت كنايات. لأن : " فلان بن فلان" كناية عن العلم الذي لم يذكر ، و" طامر بن طامر" : كناية عن البرغوث ، سمى بذلك لوثوبه.

و" ضلّ بن ضلّ" يعبر به عمن لا يعرف.

وهذه الكنايات ، وإن كان يدخل فيها كل من كان بهذه الصفة ، فهي كالأسماء

الأعلام للأجناس ، و" كأم عامر" : للضبع و" أبي الحارث" : للأسد وما أشبه ذلك.

وأنشد في ما نون ضرورة :

* هي ابنتكم وأختكم زعمتم

لثعلبة بن نوفل ابن جسر (١)

فنون «نوفلا».

وأنشد للأخطل :

* جاريه من قيس ابن ثعلبه (٢)

فنون «قيسا»

وبعده :

كأنّها حليه سيف مذهبّه

وبين سيبويه أن الكنية تجري مجرى الاسم العلم.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٤٧ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٣٥ شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٩٣.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٤٨ ، المقتضب ٢ / ٩١٥ ، شرح النحاس ٣٢٦ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٣٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣١٢ ، الخصائص ٢ / ٣٩١ ، فرحة الأديب ١٤٨ ، شرح المفصل ٢ / ٦ ، الهمع ١ / ١٧٦ ، الخزانة ٢ / ٢٣٦ ، اللسان قبب ١ / ٦٢٩.

٥١٤

وأنشد للفرزدق :

* ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها

حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار (١)

يريد : أبا عمرو بن العلاء.

يقول : لم أزل خابرا للعمل أطويه وأنشد ، حتى لقيت أبا عمرو فسقط علمي عند علمه.

وأنشد : (٢)

* فلم أجبن ولم أنكل ولكن

يممت بها أبا صخر بن عمرو (٣)

يقال : يممت وأممت بمعنى قصدت. ومعنى أنكل : أرجع منهزما.

هذا باب يحرّك فيه التّنوين في الأسماء الغالبة

وذلك قولك : هذا زيد ابن أخيك .. وهذا زيد الطويل وشبهه.

جميع هذا الباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب النّون الثقيلة والخفيفة

ذكر في هذا الباب أن العرب تقول : أقسمت لمّا تفعلنّ واحتج لدخول النون بأن فيه معنى الطلب ، فصار كالأمر والنهى وكأنه قال : لا تفعلنّ.

وبين أن النون لا تدخل في الجواب إلا أن يقسم عليه.

ثم ذكر أنّهم قد أدخلوها في أفعال مستقبلة في الخبر ، من أجل دخول ما قبلها توكيدا ، فمن ذلك قولهم : " بجهد ما تبلغنّ" وفي مثل من أمثال العرب :

فى عضه ما ينبتنّ شكيرها وفي مثل آخر : بألم ما تختننّه.

وقالوا : بعين ما أرينّك ، فشبهوا دخولها في هذه الأشياء بدخولها في الجزاء.

ـ وجعلوا قولهم : بجهد ما تبلغنّ لما كان لا يبلغ إلا بجهد كأنه غير واجب إذ لا يناله إلا بمشقة.

ـ وقولهم : في عضة ما ينبتنّ شكيرها يضرب مثلا لما كان له أصل وأمارة تدل على كون شيء آخر.

وقولهم : بعين ما أرينّك ، كأنه يقول : أتحقق الذي أراه فيك ، ولا أشك فيه ، فهو توكيد ،

__________________

(١) ديوان الفرزدق ١ / ٣٨٢ ، وبه حتى لقيت ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٤٨ ، ٢٣٧.

(٢) ليزيد بن سنان بن أبي حارثة المري أخو هرم بن سنان شاعر جاهلي وفارس سيد في قومه ترجمته : المؤتلف ١٩٨ ، معجم الشعراء ٤٩٦ ، جمهرة أنساب العرب ٢٥٢.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٤٨ ، المفضليات ٧٠ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٣٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٧٩ ، فرحة الأديب ١٤٣ ، اللسان أمم ١٢ / ٢٢.

٥١٥

ودخلت ما لأجل التوكيد في هذه الأشياء فشبهت باللام ، وقد تدخل في الضرورة وليس معها لام.

قال الشاعر وهو جذيمة الأبرش : (١)

* ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبى شمالات (٢)

وإنما يحسن هذا لأن ما قد زيدت في ربّ ترفعن من جملتها.

ومعنى أوفيت : أشرفت. والعلم : الجبل.

وأنشد سيبويه ـ في دخول النون الثقيلة والخفيفة ـ للأعشى :

* وإيّاك والميتات لا تقربنّها

ولا تعبد الشّيطان والله فاعبدا (٣)

أراد : فاعبدن فعوض من النون في الوقف.

وأنشد أيضا للأعشى :

* أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا

أبا ثابت واقعد وعرضك سالم (٤)

فتوعده في البيت بالحرب والهجاء

وأنشد لبيد :

* فلتصلقنّ بني ضبينه صلقة

تلصقنهم بخوالف الأطناب (٥)

معنى" لتصلقنّ" : لتصدمنّ ولتصرفنّ ، يعني : الخليل ، وخوالف الإطناب : أواخرها.

وأنشد لليلى الأخيلية :

* تساور سوّارا إلى المجد والعلا

وفي ذمّتي لئن فعلت ليفعلا (٦)

__________________

(١) جذيمة بن مالك بن فهم سمي بالأبرش لبرص كان به ، ملك بعد أبيه ٦٠ سنة من أشهر ملوك الحيرة قتلته الزباء.

المؤتلف ٣٤ ، جمهرة الأنساب ٣٧٩ ، الخزانة ١١ / ٤٠٤.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥٣ نوادر أبي زيد ٢١٠ ، المقتضب ٣ / ١٥ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٣٨ ، المؤتلف ٤٣ ، المسائل البغداديات ٣٠١ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٨١ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ٨٥ شرح ملحة الإعراب ٩٣٦ ، شرح المفصل ٩ / ١٠ ، أوضح المسالك ٢ / ١٥٩ ، مغني اللبيب ١ / ١٨٠ ، ١٨٣ ، ٤٠٧ ، شرح شواهده ٢ / ٧٦١ ، الخزانة ١١ / ٤٠٤ المقاصد النحوية ٣ / ٣٣٤ ، اللسان شيخ ٣ / ٣٢ ، شمل ١١ / ٣٦٦.

(٣) ديوان الأعشى ١٠٣ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٤٩.

(٤) ديوان الأعشى ٥٨ وبه أقصد وعرضك الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥٠ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٤٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٤٨.

(٥) لم أجده في ديوانه ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥٠ ، اللسان ضبب ١٣ / ٢٥٣.

(٦) ديوانها ١٠١ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥١ المقتضب ٣ / ١١ شرح السيرافي ٤ / ٢٣٧ شرح ابن السيرافي ٢ / ٣١٥ ، فرحة الأديب ١٥٠ ، الخزانة ٦ / ٢٤٣ المقاصد النحوية ١ / ٥٦٩.

٥١٦

أراد : " ليفعلن". ومعنى تساور : تسامى وتعارض ، وأصل السوارة : المواثبة.

وأنشد :

* فمن يك لم يثأر بأعراض قومه

فإنّي وربّ الراقصات لأثأرا

أراد : " لأثأرنّ" ، فوقف على الألف. والراقصات : الإبل سميت بذلك لأنها ترقص في مشيها ، وإنما قال : ورب الراقصات تعظيما لها ، ولأنهم يحجون عليها.

وأنشد :

* فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث

مساعينا حتّى ترى كيف نفعلا

أراد : " تفعلن" ومعنى نبتحث : نستخرج ونبين.

دعاه إلى المفاخرة ليتبين الشريف من الوضيع.

وأنشد :

* هل تحلفن يا نعم لا تدينها (١)

أراد : يا نعمان فرخم. ومعنى تدينها : تجازيها.

وأنشد في ما جاء في الواجب شاذّا :

* نبتّم نبات الخيزراني في الثّرى

حديثا متى ما يأتك الخير ينفع (٢)

أراد : " ينفعن" وهو جواب الشرط ، والخيزراني : كل غصن ناعم ، كأنه يصف قوما ثابت لهم نعمة بعد بؤس ، فظهر أثرها عليهم فضرب لهم هذا مثلا.

وأنشد ابن الخرع :

* فمهما تشأ منه فزارة تعطكم

ومهما تشأ منه فزارة تمنعا (٣)

أراد : " تمنعن".

وأنشد :

* يحسبه الجاهل ما لم يعلما

شيخا على كرسيّه معمّما (٤)

أراد : " يعلمن".

__________________

(١) تقدم الشاهد برقم ٥١١.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥٢ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٣٨ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٠٨.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥٢ ، معاني القرآن ١ / ١٦٢ ، للفراء ، شرح السيرافي ٤ / ٢٣٨ ، المسائل البغداديات ٢١٤ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٧١ ، الهمع ٢ / ٧٩ ، حاشية الصبان ٢٢ / ٢٠٠ ، الخزانة ١١ / ٣٨٧ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٣٠ ، اللسان قزع ٨ / ٢٧٢.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥٢ ، نوادر أبي زيد ١٣ ، مجالس ثعلب ٢ / ٥٥٢ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٣٨ ، الإنصاف ٢ / ٦٥٣ ، شرح المفصل ٢ / ٤٢ ، أوضح المسالك ٣ / ١٣٤ ، شرح ابن عقيل ١ / ٣١٠ ، الهمع ٢ / ٧٨ ، حاشية الصبان ٣ / ٢١٨ ، الخزانة ١١ / ٤٠٩ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٢٩.

٥١٧

يصف جبلا قد أحاط به الماء. وهذا كقول امرئ القيس :

كأنّ أبان في أفانين ودقه

كبير أناس في بجاد مزمّل

وقول سيبويه : " إنما تجيء ما لتسهل الفعل".

إنما يريد بذلك : الفرق بين" ربما" و" كثر ما" ، وبين لام القسم ؛ لأن لام القسم

تلزم فيه النون ، وربما لا تلزم بعدها النون.

ومعنى قوله : «واللّام ليست مع المقسم به كحرف واحد» إلى آخر الباب.

يعني : أن لام القسم ليست كما في" ربما" لأن" ما" و" رب" شيء واحد ، ولا ك" ما" في بألم ما تختننه ؛ لأن" ما" بعد" ألم" زائدة لغو ، واللام لازمة للفعل ومنفصلة من المقسم به ، فاعرفه.

هذا باب أحوال الحروف التي قبل النّون الخفيفة والثّقيلة

اعلم أنّهم إنما فتحوا آخر الفعل المجزوم مع النون ؛ لأن النون الخفيفة ساكنة ، وأول النون الثقيلة ساكنة فاجتمع ساكناه ، لام الفعل والنون الساكنة ، فكرهوا ضمها وكسرها لئلا يلتبس بفعل المؤنث وجمع المذكر. وإنما وجب سكون اللام في حال الرفع ؛ لأنهم لو تركوا الضمة لالتبس بفعل الجماعة ، فأبطلوا الإعراب في الرفع كما أبطلوه في الجزم ، ثم فتحوا لاجتماع الساكنين.

وأنشد ـ لحذف نون الاثنين ونون الجميع إذا دخلت النون الثقيلة أو الخفيفة

ـ لعمرو بن معدي كرب :

* تراه كالثّغام يعلّ مسكا

يسوء الفاليات إذا فليني (١)

أراد : " فلينني" ، فأسقط إحدى النونين.

وينبغي أن تكون النون المحذوفة هي النون التي مع الياء ؛ لأن النون الأولى في فلينني هي ضمير الفاعل ، والنون الثانية لغير معنى ، فلا يخلّ سقوطها بالكلام. والثغام : نبت له نور أبيض يشبّه الشيب به. ومعنى يعل : يطيب مرة بعد مرة ، وأصل العلل : الشرب الثاني.

هذا باب الوقف عند النون الخفيفة

قوله في هذا الباب : فإذا وقفت عندها وقد أذهبت علامة الإضمار إلى قوله : " كما ترد الألف في مثنى إذا سكت"

معنى قوله : " أذهبت علامة الإضمار"

__________________

(١) ديوان عمرو ٢ / ١٧٣ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥٤ ، معاني القرآن ٢ / ٩٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٠٤ ، شرح عيون كتاب سيبويه ٢٥٤ ، شرح المفصل ٣ / ٩١ ، مغني اللبيب ٢ / ٨٠٨ ، الهمع ١ / ٩٥ ، الخزانة ٥ / ٣٧١ ، المقاصد النحوية ١ / ٣٧٩.

٥١٨

يعني : واو الجماعة في اضربن وياء التأنيث في اضربنّ.

قوله : " التي تذهب إذا كان بعدها ألف خفيفة ، أو ألف ولام.

يعني بالألف الخفيفة : ألف الوصل في مثل : " ابن" و" اسم" تقول : " اضربي ابنك" و" اضربوا ابن زيد" وفي الألف واللام : اضربوا الرجل فتذهب الواو والياء ، فإذا وقفت عليهما عادتا.

وإذا قلت : هذا مثنى يا هذا ، ثم وقفت ، قلت : مثنى ، فجئت بالألف ، وهي عند سيبويه الألف التي كانت في أصل مثنى.

وعند غيره : الألف التي تعوض من التنوين. وجواز الإمالة فيها يدل على صحة مذهب سيبويه فاعلم ذلك.

هذا باب النّون الثّقيلة والخفيفة في فعل

الاثنين وجماعة النّساء

اختلف النحويون في إدخال النون الخفيفة على التثنية وجمع المؤنث ، فكان الخليل وسيبويه لا يريان ذلك.

وكان يونس وناس من النحويين يرون ذلك وهو قول الكوفيين.

والذي احتج به سيبويه ، أنّه لا يجتمع ساكنان إلا أن يكون الأول من حروف المد واللين ، والثاني مدغم في مثله كقولك : " دابة" ، " تمودّ" الثوب وما أشبه ذلك.

فلم يجز إدخال النون الخفيفة ، ولسنا بمضطرين إليها على ضرورة تخرج بها من كلام العرب.

فإن قال قائل : فقد يلحقها ما يجب إدغامها فيه ، فأجيزوا دخولها كقولك :

" اضربان نّعمان" و" اضرباني".

قيل له : هذا لا يجوز على مذهب سيبويه وأصحابه لأنا لو أجزنا هذا في :

" اضربان نعمان" لوجب إجازته في غيره من الأسماء التي لا نون في أولها ، ويكون الحكم فيها واحدا ، ألا ترى أنا نقول : هذان عبد الله فتسقط ألف التثنية للساكن الذي بعدها.

ولو قال قائل : قولوا عبد الله ، فأثبتوا الألف لأن بعدها لاما مشددة ، لقلنا له : فلا يجوز أن تقول : عبد الواحد و" عبد الكريم" ؛ لأنه لا يقع بعدها لام مشددة ، فلا تثبت الألف فحمل الباب على طريق واحد. وكذلك جعل : " اضربا نعمان" كقولك : " اضربا سعدان" وما أشبه ذلك.

ومذهب سيبويه أن النون الخفيفة ليست بمخففة من الثقيلة ، ولو كانت كذلك لكانت بمنزلة نون" لكن" وأن المخففتين من" لكن" ، و" أن" فكانت لا تتغير في الوقف. وأيضا فإن

٥١٩

النون الخفيفة إذا لقيتها ألف وصل سقطت ، ونون" لكن" و" أن" لا تسقط ، فعلم أنّها غير مخففة من الثقيلة.

قال الخليل : إذا أردت النّون الخفيفة في فعل الاثنين كان بمنزلة إذا لم ترد الخفيفة.

فإن اعترض معترض فقال : كيف يجوز أن تريد النون الخفيفة ، وأنت لا تجيز دخولها بوجه على فعل الاثنين؟

فالجواب في ذلك : أن رجلا يكون من عادته إدخال النون في فعل الواحد والجماعة ، ولضرب ما ينويه من التوكيد إذا أمر ، فإذا عرض له أمر الاثنين ، فأراد التوكيد ، لم يجاوز لفظ الاثنين بلا توكيد وإن أراد التوكيد الذي جرت به عادته.

ثم احتج سيبويه في إبطال : " اضربان نعمان". بأن قال : " لو جاز هذا" لجاز أن يقول : " جيئوني" و" جيئوا نعمان" إذا أردت النون الخفيفة. وذلك أنا ندخل النون الخفيفة على جيئوا فتقول : " جيئن يا قوم". فتحذف الواو التي في جيئوا لاجتماع الساكنين ، فإذا وصلنا نون المتكلم ونون نعمان اندغمت فيه النون الخفيفة ولا ترد الواو وإن كان بعدها نون مشددة ؛ لأنها قد سقطت لاجتماع الساكنين ، والتشديد غير لازم.

قال : " وأما يونس ومن ذهب مذهبه فيقول : اضربان واضربنان ، وهذا لم تقله العرب ويقولون في الوقف : اضربا واضربنا فيمدون ، وهو قياس قولهم لأنها تصير ألفا ، فإذا اجتمعت ألفان مد الحرف".

وكان المازني والمبرد يفسران مذهب يونس كما فسره سيبويه.

وكان الزجاج ينكر هذا ويقول : لو مددت الألف الواحدة طال مدها ما زادت على الألف ؛ لأن الألف حرف لا يكرر ولا يؤتى بعدها بمثلها.

والذي قاله سيبويه ليس بمنكر لأنه يقدر أن ذلك المد الذي زاد بعد النطق بالألف الأولى يرام به ألف أخرى وإن لم ينكشف في اللفظ كل الانكشاف.

ثم قال سيبويه على قياس قولهم : فإذا لقي هذه النون ألف ولام ، أو ألف موصولة جعلوها همزة مخففة وفتحوها. ثم رد عليهم فقال : " إنما القياس أن يقولوا : اضربا الرّجل كما يكون بغير النّون الخفيفة".

يعني أنّهم إذا قالوا : " اضربان" ، فقد جعلوها بمنزلة : " اضربن زيدا" فينبغي لهم أن يحذفوها إذا لقيها الذي وصل كما يحذفون النون في" أضربن" إذا لقيتها ألف وصل. فإذا حذفوها ، حذفوا الألف التي قبلها أيضا لاجتماع الساكنين فيبقى كلفظ الاثنين إذا لم يكن فيها نون كقولك : " اضربا الرجل". فاعرفه إن شاء الله.

٥٢٠