النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

التأنيث ، ومن حيث وجب رد بنت في النسبة إلى الأصل ، وحذف التاء منها ، وجب رد كلتا إلى الأصل ، وحذف التاء ثم تقلب ألف التأنيث فقال : كلوي.

من أجل ذلك فسر بعض النحويين أن التاء في كلتا عوض الواو وهذا غير خارج عما قلناه لأنّا نقول : إن الألف في اسم ما جرى مجراه عوض مما حذف ، ولا يمنع ذلك من رده إلى الأصل في النسبة.

ومن قال : إن التاء بدل من الواو كما يبدل الحرف مكان الحرف في نحو قولك : ستة ، والأصل" سدسة" ، لزمه أن يقول : كلتي.

وكان الجرمي يقول : كلتا : فعتل ، والتاء زائدة ، والألف من الأصل ، والنسبة إليها : كلتوي ، كما يقال في ملهى : ملهويّ وليس هذا بقول مختار ؛ لأن زيادة التاء قبل لام الفعل في هذا غير موجود ، ولا يعلم له نظير.

قال سيبويه : " ومن قال في التثنية فمان ، جاز أن يقول فمي وفموي ، ومن قال : فموان فلا يجوز فيه إلا فموي".

وكان المبرد يقول : من لم يقل (فمي) فحقه أن يرده إلى الأصل ، فوه فيقول : فوهيّ.

وإنما ذهب سيبويه في فموي إلى قول الشاعر :

* هما نفثا في فيّ من فمويهما

على النابح العاوي أشدّ رجام (١)

فلما رد الواو في التثنية ، وجب ردها في التثنية.

ومعنى البيت : أنه ذكر رجلين شاعرين نزع إليهما في قول الشعر وورثه عنهما ، وأراد بالنابح : من هاجاه. والرّجام : المواجهة بالهجو والقذف به ، وإنما جعل الهجو رجما لما جعل المهاجي نابحا عاويا.

فإن قال قائل : لم رد الشاعر الواو في التثنية ، والميم بدل منها؟ قيل له : لا ينكر في الضرورة مثل ذلك ؛ لأنه ربما زيد على الكلمة حرف من لفظ ما هو موجود فيها كقولهم : قطن وجبن فكيف من لفظ ما قد غير؟

ـ ويجوز أن يكون لما كان الساقط من بنات الحرفين إذا كان أخيرا والأغلب أن يكون واوا لأنه رأى الفم على حرفين.

ـ وقال بعضهم : إن الميم بدل من الهاء وإن الساقط من فم هو الواو فلذلك ردّها.

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٢ / ٧٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٨٣ ، المقتضب ٣ / ١٥٨ ، مجالس العلماء ٢٥١ ، شرح السيرافي ٤ / ١٦١ ، المسائل البغداديات ١٥٨ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٢٨ ، الخصائص (١ / ١٧٠ / ١٤٧) ، الإنصاف ١ / ٣٤٥ ، همع الهوامع ١ / ٥٥ ، الخزانة ٤ / ٣٦ ، اللسان ١٢ / ٤٥٩ (فوه) ١٣ / ٥٩٨.

٤٨١

قال سيبويه : وأمّا الإضافة إلى شاء فشاويّ.

وأنشد :

* فلست بشاويّ عليه دمامة

إذا ما غدا يغدو بقوس وأسهم (١)

وكان ينبغي أن يقول : بشائي كما يقال في عطاء : عطائي ولكنه ألزم الرد على الأصل على الشذوذ. والدمامة : الحقارة في المنظر ونفى عن نفسه أن يكون راعيا دميما.

وذكر سيبويه أن النسب إلى امرئ : امرئي. وقد قالوا : مرئي في النسبة إلى امرئ القيس. وهذا عنده من الشاذ الخارج عن القياس ، ولا يعرف امرئيّ ، ولكنه أتى به على القياس.

والمعروف في كلام العرب مرئي.

وقال محمد بن جبيب : كل من اسمه امرؤ القيس من العرب النسب فيه مرئي إلا امرئ القيس في كندة فإنه يقال في النسب مرقسيّ ، فاعرفه.

هذا باب الإضافة إلى ما ذهبت فاؤه من بنات الحرفين

كلام سيبويه في هذا الباب مفهوم.

وكان الأخفش إذا ردّ الذاهب من بنات الحرفين ترك الكلمة على أصلها ، ولم يحرك الساكن فيها بعد الرد إليها.

وكان المبرد يذهب إلى مثل قول الأخفش ، وأن الشيء إذا رد منه ما ذهب ، وجب أن ينسب إليه على بنائه.

وحكى عن الأخفش عدويّ بتسكين الدال ؛ لأن الأصل عنده عدو.

واختلفوا في دم ، فمذهب سيبويه أنه فعل بتسكين العين وكذلك مذهب الأخفش.

وكان المبرد يذهب إلى أنه فعل ، ويستدل على ذلك بقولهم : دمي يدمي دمي.

والذي احتج به المبرد لا يلزم لأن الكلام في الدم المسفوح لا في مصدر ، وقد يكون الشيء على وزن ، فإذا صرف منه فعل كان مصدر ذلك الفعل على غير لفظه ، ومن ذلك قولهم : جنب الرجل يجنب جنبا إذا اشتكي جنبه ، فالفعل مأخوذ من الجنب ومصدره فعل ، والجنب فعل ونحو هذا كثير.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٨٤ ، من غير نسبة ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٦١ شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٦٨ اللسان (قرش) ٦ / ٣٣٥ ، (شوه) ١٣ / ٥١٠.

٤٨٢

هذا باب الإضافة إلى كل اسم ولي آخره

ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى

قال : " وإذا أضفت إلى مهييمّ قلت مهييميّ".

فلا تحذف شيئا. وقد بين العلة في الامتناع من الحذف ، ويقال هيم الرجل الحب يهيمه وهوم الرجل : إذا نام فهو : مهوم ، فإذا صغرناه وجب أن تحذف إحدى الواوين ثم تصغر فيصير : مهيوم وتقلب الواو ياء فيصير : مهيم ، وتعوض من المحذوف التصغير فيصير : مهييم كما تقول : سفيريج فاعلمه.

هذا باب ما لحقته الزيادة للجمع

جميع ما في هذا الباب مفهوم إن شاء الله.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم لحقته التاء للجمع

وقع في آخر هذا الباب ، قال : والإضافة إلى محيّ محييّ ، وإن شئت قلت : محويّ.

قال الجرمي : هذا أجود ، كما قلت : أموي وأميي نظير الأول.

وقال غيره : وهذا حقه أن يكون في الباب الذي فيه مهييم ؛ لأنه أتى بمحيي وقبل آخره ياء مشددة كأسيّد وحميّر.

وكان المبرد يقول : محيي أجود من محوي ؛ لأنا نحذف الياء الأخيرة لاجتماع الساكنين ، ووقوعها خامسة كنحو ما تحذف من مرامي وما أشبهه ، ويبقى محي.

والذي يقول : محوي ، يحذف إحدى ياءي : محي بعد حذف الياء التي هي لام الفعل فيختل ، فكما أوجب سيبويه في مهييم أن لا يحذف الأخيرة لئلا يلزم حذف آخر ، فكذلك لا يختار ما يلزم فيه حذف حرفين وهو محوي ـ فاعلم ذلك.

هذا باب الإضافة إلى الاسمين أحدهما إلى الآخر

ما في هذا الباب مفهوم من كلام (سيبويه).

هذا باب الإضافة إلى الحكاية

وذلك قولك في تأبط شرا : تأبطي.

ـ إن قال قائل : لم أضافوا إلى الجملة والجملة لا يدخلها تثنية ولا جمع (ولا إعراب) ولا شيء مما يدخل الأسماء المفردة؟

ـ قيل له : إنما خصت النسبة بذلك لأن المنسوب غير المنسوب إليه ، ألا ترى أن البصري غير البصرة ، وأن الكوفي غير الكوفة ، والتثنية والجمع والإضافة إلى المجرور والتصغير لا يخرج الاسم عن حاله ، فلما كان كذلك ، وكان المنسوب قد ينسب إلى بعض (حروف) المنسوب إليه ، نسبوا إلى بعض حروف الجملة.

٤٨٣

وأما قولهم في كنت : كوني ، فلأنه حذف التاء التي هي الفاعل ونسب إلى كن فلما احتاج إلى كسر النون لدخول ياء النسبة رد الواو.

والذي قال : كني ، كأنه شبه باسم واحد لما اختلط الفاعل بالفعل ، وربما قالوا" كنتي" كأنه زاد النون ليسلم لفظ الفعل.

وأنشد الزجاج عن ثعلب :

* ولست بكنتي بعاجن

وشر الرجال الكننتي وعاجن (١)

هذا باب الإضافة إلى الجمع

ذكر في هذا الباب عن أبي عبيدة أن العرب تنسب إلى العبلات ـ وهي حي من قريش ـ عبلي.

والعبلات : من بني عبد شمس. وهم أمية الأصغر وعبد أمية ونول وأمهم عبلة بنت عبيد من بني تميم من البراجم وإنما قيل لهم عبلات لأن كل واحد منهم سمي باسم أمه عبلة ثم جمعوا.

قال : " وتقول في الإضافة إلى أناس أناسيسّ

ومنهم من يقول : إنساني. فأما من قال : إنساني فإنه يجعل أناسا جمع إنسان كما قالوا في توأم : تؤام وفي ظئر ظؤار ، فلما نسب إليه رد إلى واحده.

وأما من قال : أناسيه. فإنه اسما للجميع بمنزلة مفرد ونحوه.

قال : وتقول في النّسب إلى الأعراب : أعرابي ؛ لأنه ليس له واحد على هذا المعنى.

يعني : أن العرب ليس بواحد الأعراب ؛ لأن العرب يقع على أهل الحاضرة والبادية ، والأعراب إنما هم الذين يسكنون البدو من قبائل العرب ، فلم يكن معنى الأعراب معنى العرب فيكون جمعا للعرب ، فلذلك نسب إلى الجمع.

قال : ولو سميت رجلا ضربات ، لقلت : ضربي ، لا تغير المتحرك لأنك لا تريد أن توقع الإضافة على الواحد.

يريد أن الرجل الذي اسمه" ضربات" لا يرد إلى الواحد ، لأنه جمع قد سمي به واحد ،

__________________

(١) السيرافي ٤ / ورقة ١٦٧ ، وشرح المفصل ٧ / ٦ ، حاشية الصبان ٤ / ١٩١ ، اللسان (كنن) ٣٦٩ (عجن) ١٣ / ٢٧٧.

٤٨٤

فلا يراعى ذلك الجمع ، بل يضاف إلى لفظه ، وإذا أضفنا إلى لفظه حذفنا الألف والتاء والراء مفتوحة فنسبنا إليه ، وإنما قلنا في العبلات : عبليّ لأنهم جماعة واحدهم عبلة على ما ذكرته.

وقالوا : أبناوي في النسب إلى قبائل من بني سعد بن عبد مناة.

ابن تميم ، يقال لهم : الأبناء كأنهم جعلوه اسم الحي ، فلذلك لم ينسبوه إلى واحده كما نسبوا إلى واحد العبلات.

هذا باب ما يصير إذا كان علما في الإضافة

على غير طريقته وإن كان في الإضافة قبل أن يكون علما غير طريقة ما هو على بنائه.

جميع ما في هذا الباب مفهوم.

وتفسير ترجمة الباب : أنك إذا سميت رجلا بلحية أو رقبة وصار علما ثم نسبت إليه قلت : لحيّ ولحويّ ورقبيّ ، ومن قبل أن تسمي به ويصير علما كان ينسب إليه : اللّحياني والرقباني ، وهذه النسبة بزيادة الألف والنون على غير طريق النسبة المعروفة

فاعرفه إن شاء الله.

هذا باب من الإضافة تحذف فيه ياءي الإضافة

وذلك إذا جعلته صاحب شيء بزواله أو ذا شيء

اعلم أن الباب في كل ما كان صنعة أو معالجة أن يجيء على فعال لأن فعالا لتكثير الفعل ، وصاحب الصنعة مداوم لصنعته ، فجعل له البناء الدال على الكثير كالبزار والعطار ونحو ذلك.

والباب في من كان ذا شيء وليس بصنعة يعالجها ، أن يجيء على فاعل لأنه ليس فيه تكثير كقولنا : لذي الدرع : دارع ، ولذي التمر : تامر ، ولذي اللبن : لابن.

وأنشد للحطيئة :

* وغرزتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر (١)

أي : ذو لبن وتمر. يقول هذا الزبرقان بن بدر ، فانتقل عنهم إلى قوم من بني فريع فجعل يهجو الزبرقان.

وأنشد لذي الرمة :

__________________

(١) الكتاب ٢ / ٩٠ ، وشرح السيرافي ٤ / ١٦٩ ، ديوان ١٧ ، المقتضب ٣ / ١٦٢ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣٠ ، الخصائص ٣ / ٢٨٢ ، شرح المفصل ١٣٦ ، حاشية الصبان ٤ / ٢٠٠.

٤٨٥

* إلى عطن رحب المباءة آهل (١)

أي : ذي أهل.

ومما استدل (به) سيبويه على أن فعالا بمنزلة المنسوب الذي فيه الياء ، أنهم قالوا : البتي ، وهو الذي يبيع البتوت ، واحدها بت وهي الأكسية. ويقال أيضا البتات والذي نسب : عثمان البتي من كبار الفقهاء فاعرفه.

هذا باب ما يكون مذكرا يوصف به المؤنث

قال في هذا الباب : وتقول رجل نهر ، أي : نهاري.

يريدون : صاحب عمل بالنهار دون الليل.

وأنشد.

* لست بليليّ ولكني نهر

لا أدلج الليل ولكن أبتكر (٢)

قال : أدلجت : إذا سرت من أول الليل ، وأدلجت : إذا سرت من آخره.

وذكر قولهم : شعر شاعر وشغل شاغل.

كأنه شغل عن معرفة سببه لشدته.

وأما قولهم : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ*) فذكر بعضهم أن عيشة راضية غير جار على الفعل ؛ لأن العيشة هي المرضية.

وإنما فعلها : رضيت ، فحملوها على أنها ذات رضى من أهلها.

وقال بعضهم : معنى راضية : أنها رضيت أهلها ، فهي راضية كأنها لملازمتها لهم راضية بهم ، فاعلم ذلك.

هذا باب التثنية

قد تقدم حكم التثنية في صدر الكتاب ، والقصد في هذا الباب والذي بعده اعتبار المقصور والممدود وذوات الواو والياء بالتثنية.

قال : وحكى أبو الخطاب عن أهل الحجاز أنهم يقولون في تثنية الكبا : كبوان والكبا بالقصر : الكناسة ، والكباء بالمد : عود البخور.

__________________

(١) ديوان الحطيئة ٢٤ ، ديوان ذي الرمة ٦٧٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٩٠ ، شرح السيرافي ٤ / ١٧٠.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٩١ ، نوادر أبي زيد ٢٤٩ ، شرح السيرافي ٤ / ١٧١ ، حاشية الصبان ٤ / ٢٠١ ، المقاصد النحوية ٤ / ٥٤١.

٤٨٦

وقولهم : مذروان لطرفي الإليتين شاذ ، وكان القياس مذريان ؛ لأن تقدير الواحد مذرى ، غير أنهم لم يستعملوا الواحد مفردا فيجب قلب آخره ياء ، وجعلوا حرف التثنية فيه كالتأنيث الذي يلحق آخر الاسم فيغيّر حكمه ، تقول شقاء وعطاء ، فلا يجوز غير الهمز في شيء من هذا لوقوع الياء والواو طرفا بعد ألف زائدة ثم قالوا : شقاوة وعظاية ، فجعلوه ياء وواوا ؛ لأنه لما اتصل به حرف التأنيث ولم يقع الإعراب على الياء والواو كأنهما في وسط الكلمة ، وكذلك (مذروان لما لم يفارقها) علامة التثنية.

ومثل ذلك : " عقلته بثنايين" لما لزمته التثنية جعل بمنزلة عظاية ولم تقلب الياء التي بعد الألف همزة فاعرفه.

هذا باب تثنية الممدود

إنما وجب قلب همزة التأنيث واوا في التثنية ؛ لأن الهمزة لما ثقل وقوعها بين ألفين في كلمة ثقيلة بالتأنيث وأرادوا قلبها كان الواو أولى بها من الياء ؛ لأن الهمزة في الواحد منقلبة من ألف تأنيث وليس الهمزة من علامات التأنيث. فلما ثنوا جعلوا مكانها حرفا ليس من علامات التأنيث وهو الواو. ولو جعلوه ياء لكانت الياء من علامات التأنيث ، لأنهم يقولون : أن تذهبين وتقومين ، فتركوا الياء إلى الواو في التثنية حتى يشاكل الواحد في الحرف الذي ليس من علم التأنيث.

وقال بعضهم : جعلوه واوا ؛ لأنهم لما كرهوا وقوع الهمزة بين ألفين ، وكانت الياء أقرب إلى الألف ، كرهوا أيضا الياء لشبهها بالألف ، فاختاروا الواو البعيدة منها فاعلم ذلك.

هذا باب ما لا يجوز فيه التثنية والجمع المسلّم

قال في هذا الباب : وقد بلغني أن بعض العرب يقول : اليوم الثّنيّ.

وفي بعض النسخ : الثني : على لفظ التصغير.

وأما الثني : فهو فعول مثل النّدىّ ، كأنه جمع الاثنين على فعول : والذي يدل عليه كلام سيبويه : أن يكون على لفظ الجمع لا على لفظ التصغير.

وجميع ما في الباب مفهوم من كلامه.

هذا باب جمع الاسم الذي في آخره هاء التّأنيث

ذكر في هذا الباب جمع الممدود إذا سمي به رجل ، وأن الهمزة تنقلب واوا فيقال : ورقاوون وحمراوون كما انقلبت في التثنية والجمع بالألف والتاء.

وذكر أن المازني كان يجيز فيه الهمزة لانضمام الواو.

وهذا سهو ، لأن انضمامها لواو الجمع بعدها عارض بمنزلة ضم للإعراب

٤٨٧

هذا باب جمع الرجال والنساء

اعلم أن هذا الباب يشتمل على جمع الأسماء لمعارف الأعلام. والباب فيما أن كل اسم سميت به مذكرا يعقل ، ولم تكن في آخره الهاء جاز جمعه بالواو والنون وجاز تكسيره. وإن كان مؤنثا ، جاز جمعه بالواو والتاء وتكسيره.

ومذهب سيبويه أنّه إذا كسر شيء من ذلك ، وكانت العرب قد كسرته قبل التسمية على وجه من الوجوه ـ وإن لم يكن ذلك بالقياس المطرد ـ فإنه يكسره على ذلك الوجه ولا يعدل عنه ، فإن كان لا يعرف تكسيره في الأسماء قبل التسمية به ، حمله على نظائره.

ومما أنشد ـ في تكسير الاسم العلم ـ قول الفرزدق :

* وشيّد لي زرارة باذخات

وعمرو الخير إذا ذكر العمور

فجمع على عمور. ومعنى شيّد : طول البناء. والباذخات : المرتفعات يعني المكارم والمآثر التي ورّثه.

وأنشد أيضا :

* رأيت الصّدع من كعب وكانوا

من الشنآن قد صاروا كعابا (١)

فجمع كعبا على كعاب. يعني : أنّهم قبيلة يقع عليهم اسم واحد إذا كانوا متآلفين ، فإذا تفرقوا ، وعادى بعضهم بعضا ، صارت كل فرقة منهم تنسب إلى كعب ، وكأنّهم كعاب ، جماعة كعب. ومعنى رأيت : لأمت وأصلحت.

وأنشد للقتال الكلابي (٢) في غير جمع العلم.

* أمّا الإماء فلا يدعونني ولدا

إذا ترامى بنو الإموان بالعار (٣)

فجمع أمه على إموان ، كأخ وإخوان ، يصف أنّهن نساء أحرار ، فأفعاله كريمة لكرم أمهاته.

وأنشد : (٤)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٩٧٢ ، المفضليات ٣٥٨ ، شرح السيرافي ٤ ورقة ١٧٨ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٩٥٢ ، فرحة الأديب ٢٠٦ ، اللسان كعب ٧٢٠١.

(٢) واسمه عبد الله بن المجيب : أبو المسيب شاعر إسلامى عاصر الفرزدق لقب بالقتال لفتكه وتمرده.

ترجمته في : الشعر والشعراء ، المؤتلف ترجمة رقم ٥٥٤ ، أمالي القالي ٢ / ٢٣٢.

(٣) ديوان القتال ٥٤ ، شرح القصائد السبع ٢٢٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٩٩ ، أمالي القالي ٢ / ٢٣٢ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٧٩ ، الكامل ١ / ٥٤ ، شرح النحاس ٣٢٨ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٧٣.

(٤) هو زياد بن واصل في شرح ابن السيرافي وفرحة الأديب والخزانة شاعر جاهلي من بني سليم.

الخزانة ٤ / ٧٨٤ ، وفرحة الأديب ٢١٢ قال سيبويه : وأنشدنا من نثق به وزعم أنّه جاهلي.

٤٨٨

* فلمّا تبين أصواتنا

بكين وفدّيننا بالأبينا (١)

فجمع الأب مسلما ، ولم يرد الذاهب منه.

واعلم أن سيبويه قد خولف في بعض هذا الباب ، فمن ذلك قوله في رجل سمي بعدة : إنّه يجوز فيه عدات وعدون.

قاله الجرمي والمبرد ؛ لأن عدة : جمعت على عدات ، ولم تجمع على عدون قبل التسمية.

ومن مذهبه أن لا يتجاوز بعد التسمية الجمع الذي كانت العرب تجمعه ووجه آخر : أن الساقط من عدة فاء الفعل ، وإنما يجمع بالواو والنون مما فيه هاء التأنيث مما سقطت لامه. ولم يجئ هذا الجمع فيما سقطت فاؤه إلا في حرف واحد شاذ وهو قولهم : لدة ولدون.

وذكر سيبويه في رجل اسمه ظبة ، أنّه لا يجوز فيه غير ظبات وقد خولف في هذا.

وأنشد ـ النحويون فيه ـ قول الشاعر :

* تعاود إيمانهم بينهم كئو

س المنايا بحدّ الظّبينا

وقال في رجل اسمه سنة : إن شئت قلت : سنوات وإن شئت قلت : سنون.

وقال أجاز ابن كيسان سنات وسنون ، فجعل سنات قياسا على بنات ، وسنون قياسا على شاء بنون.

وهذا باطل ؛ لأن جمعهم أبناء على بنين وابنه على بنات من الشاذ ، ولا يقاس على شاذ.

وكان يجيز في شفة شفات.

وأجاز في رجل اسمه ابن أن يجمع على بنون. والعرب قد جمعت ابنا في جمع السلامة على بنين ، وفي التكسير على أبناء فلا يتجاوز هذا ، ولا يجوز في من اسمه اسم واست : اسمون واستون ؛ لأن العرب لم تجمع هذين الاسمين جمع السلامة فيتبع مذهبهم في ذلك.

وكان الجرس لا يجيز جمع الأب والأخ مسلما إلا في الضرورة ، والبيت الذي أنشده سيبويه عنده ضرورة.

ومذهب سيبويه أن القياس هو الأبون ، وأن نقصان الحرف الذاهب من الأب لا يوجب أن يجتلب في الجمع السالم ذلك الحرف ، لأنّا نقول في رجل اسمه يد ودم يدون ودمون ، بل عنده أن قولهم : أبوان وأخوان ، إنما نقوله اتباعا للعرب لا على القياس ، وهو معنى قوله :

إلا أن تحدث العرب شيئا ، كما بنوه على غير بناء الحرفين

يعني : في التثنية ، فاعلم ذلك.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٠١ ، المقتضب ٢ / ١٧٢ ، شرح السيرافي ٤ / ١٨١ ، شرح النحاس ٣٢٩ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٨٤ ، الخصائص ١ / ٣٤٦ ، فرحة الأديب ٢١٢ ، شرح المفصل ٣ / ٣٧ ـ الخزانة ٤ / ٤٧٤ ، اللسان (أبي) ١٤ / ٦.

٤٨٩

هذا باب يجمع فيه الاسم إن كان لمذكر أو لمؤنث بالتاء

جميع النحويين مجمعون على موافقة سيبويه في ما ضمه الباب إلا ابن كيسان ، فإنه أجاز في بنت التكسير ، فيقول : أبناء ، وكذلك يقول في أخت أخاء ، وهو قد تفرد به. وما بقي من الباب متفق عليه غير أن ابن كيسان أيضا زعم أنّه يقال في جمع ذيت إذا سمي به : ذيّات بالتشديد ، مثل كيّ إذا سمينا به شدّدنا الياء ، فإذا جمعنا قلنا كيات وهو القياس.

هذا باب ما يكسر مما كسّر للجمع وما لا يكسر

قوله : وإذا سميت رجلا بفعول جاز أن تكسره فتقول : فعائل إلى قوله لم يكن بأبعد من فعول من أفعال.

ذهب إلى أن فعولا قد يكون في الواحد ، ثم جاء بالأتيي والسّدوس ، والأتي السيل وأصله أتوي ، ثم قال : ولو لم يكن له نظير في الواحد ، لكان أيضا يجمع على أقرب الأبنية منه ، وهو فعول ، كما أن أفعالا قد جمعوه وهو جمع حين قالوا : أنعام وأناعيم ، كما جمع الواحد الذي على إفعال كقولهم : إثكال وأثاكيل ، فمحل فعول ـ الذي هو جمع من فعول الذي هو واحد ـ كمحل أفعال الذي هو جمع من أفعال الذي هو واحد.

هذا باب جمع الأسماء المضافة

اعلم أن الاسم المضاف إذا كان كنية والاسم الثاني ليس باسم معروف فالاختيار عند سيبويه أن يوحد ولا يجمع فيقال في أبي زيد آباء زيد وذكر أنّه قول يونس وأنه أحسن من آباء الزيدين.

وهو بدل ، على أن أباء الزيدين قول قد قيل ، وإنما اختار سيبويه توحيد الاسم المضاف إليه لأنه ليس شيء بعينه ؛ لأنه واقع على غير حقيقة.

وذكر أن هذا مثل قولهم : بنات لبون ؛ لأنه أراد به : البنين المضافة إلى هذه الصفة وكذلك : آباء زيد كأنه قال : آباء هذا الاسم. فاعرفه.

هذا باب من الجمع بالواو والنون وتكسير الاسم

اعلم أن القياس في قولهم الأشعرون ، أن يقال الأشعريّون لأنه جمع أشعري ولا يقال للواحد شعر ، وإنّما هم بنو أشعر ينسب إليه الواحد.

شعرى ، والجمع : أشعريون.

والذي يقول : الأشعرون ، جعل كل واحد منهم أشعر ، فسماه باسم أبيه ثم جمعه وهذا ليس بقياس.

وشبهه سيبويه بقولهم : الأشاعر والأشاعث والمسامعة ، وهذا أسرع وأقيس من الأشعريين. لأن هذا كان أصله : أشعثي ومسمعي ، فلما جمع جمع التكسير صار بمنزلة اسم

٤٩٠

على ستة أحرف ، فإذا كسرناه حذفنا اثنين منها.

واعلم أن مقتوين شاذ من وجهين : وذلك أن الواحد مقتويّ منسوب إلى مقتى وهو مفعل من القتو ، والقتو : الخدمة والمقتوي : الخادم فإذا جمع على لفظه وجب أن يقال : مقتويون ، ثم حذف ياء النسبة كما قالوا في الأشعري : أشعرون ، ووجب أن يقال : مقتون لأنا إذا حذفنا ياء النسبة بقي مقتو ، فتقلب الواو ألفا فيصير مقتا ، فإذا جمع لزم فيه مقتون ، كما يقال في مصطفى : مصطفون.

والذي سوغ إثبات الواو فيه أنّهم جعلوها صحيحة غير معتلة حملا على قولهم مقاتوة ، وكان حق هذا : مقاتية ، لانكسار ما قبل الواو ، ولم يجئ لهذا نظير إلا حرف حكاه أبو عبيدة وهو قولهم : سواسوة في معنى سواسية إذا كانوا مستوين في الشركة.

هذا باب ما لا يتغير في الإضافة إلى الاسم

إذا جعلته اسم رجل أو امرأة وما يتغير

ذكر سيبويه أن" علي" و" لدي" إذا سمي بهن وأضفن إلى مضمر قلت : علاك ولداك ، وإلاك وكانت قبل التسمية يقال فيها لديك وعليك وإنما قلبوها في الإضافة إلى مكنى عند سيبويه ، فرقا بينهما وبين الأسماء المتمكنة إذا قلت : هذاك وعصاك وما أشبه ذلك.

واعترض بعض النحويين على ما قاله سيبويه فقال : رأينا ما لا يتمكن من هذه الظروف لم يفرق بينها وبين المتمكن بتغيير كقولهم : عندك وقبلك وبعدك ، وكانت إضافته إلى الظاهر والمكنى بمنزلة واحدة.

فقال المجيب عن سيبويه : رأينا خروف العلة ينقلب بعضها إلى بعض أكثر من انقلاب غيرها بل يطرد فيها من الإعراب ما لا يطرد في غيرها.

وقال بعض النحويين : إنما قلبوا في هذه الحروف الألف ياء في الإضافة إلى المكنى ؛ لأنّا رأينا الإضافة لازمة لهذه الحروف كما رأينا اسم الفاعل لازما للفعل ورأينا اسم الفاعل قد يتغير له الفعل إذا اتصل به كقولك : غزا ورمى ثم تقول : غزوت ورميت فتنقلب الألف واوا وياء واختاروا الياء في هذا دون الواو ؛ لأن كناية المتكلم ياء فلو قلبوها واوا فقالوا : علوك ـ وعلوه لقالوا في المتكلم : علوى فيجتمع واو وياء فيجب القلب والإدغام ، فاختاروا حرفا لا ينقلب وهو الياء ، وحملوا على لديك وإليك" مررت بكليهما"" رأيت كليهما" شبهوا كليهما للزوم الإضافة ـ بعليهما وإنما حملوه في الجر والنصب على عليك دون الرفع ؛ لأنّ" على" تقع في موضع مجرور ومنصوب ولا تقع في موضع مرفوع كقولك : " من لديه" و" من عليه" و" هذا لديه وعليه" فحمل" كلا" عليهما في الحال التي تكون لهما ، فاعلم ذلك.

٤٩١

هذا باب إضافة المنقوص إلى الياء التي هي علامة المجرور المضمر

هذا الباب والذي بعده مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب التصغير

اعلم أن التصغير يجئ على وجوه ، منها : تقليل ما يجوز أن يتوهم كثيرا أو تحقير ما يجوز أن يتوهم عظيما أو تقريب ما يجوز أن يتوهم بعيدا.

فأما التقليل فقولك : دريهمات.

وأما التحقير : فقولك : كليب ورجيل

وأما التقريب فكقولك : جئتك قبيل شهر رمضان وبعيده.

واعلم أن المصغر يدل بما يزاد فيه على صفته في القلة والصغر والقرب فتغني علامة التصغير عن الصفة فإذا قلت : مررت بكليب أغنى التصغير عن قولك : كلب صغير.

وقال بعض النحويين : قد يكون التصغير لتعظيم الأمر وأنشدوا :

* وكلّ أناس سوف تدخل بينهم

دويهيّة تصفرّ منها الأنامل (١)

فقالوا : دويهة يريد تعظيم الداهية.

وقالوا : قد يقول الرجل للرجل : يا أخيّ إذا أراد المبالغة ويا صديقي وليس الأمر كما ظنوا في ما احتجوا به أما دويهة فإن الشاعر أراد بها الصغر ؛ لأن حتف الإنسان يكون بصغير الأمر الذي لا يؤبه له ولا يترقب. وأما أخيّ وصديقي فإنما يراد به لطف المنزلة ، واللطيف من المنازل في الصداقة والأخوة ، إنما المدح فيه أنّه يصل بلطافة ما بينهما إلى ما لا يصل ـ إليه العظيم فهو من باب التصغير والتلطيف ، لا من باب التعظيم.

واعلم أن الاسم المصغر قد خص له أوله بالضم لأنّا إذا صغرنا ، فلا بد من تغيير المكبر عن لفظه بعلامة تلزم الدلالة على التصغير ، وكان الضم أولى بذلك ؛ لأنهم قد جعلوا الفتح للجمع في قولهم" مساجد" و" قنادل" وما أشبه ذلك ، فلم يبق إلا الكسر والضم ، فاختاروا الضم لأن الياء علامة التصغير ويقع بعد الياء حرف مكسور في ما زاد على ثلاثة أحرف ، فلو كسروا أوله لاجتمعت كسرتان وياءان ، فعدلوا عنها لثقل ذلك إلى ما يقاوم الياء والكسرة مما يخالفها ، فاعلمه.

هذا باب تصغير ما كان على خمسة أحرف

جميع ما في هذا الباب بين إن شاء الله.

__________________

(١) ديوان لبيد ٢٥٦ ، شرح السيرافي ٤ / ١٨٨ ، الإنصاف ١ / ١٣٩ ، شرح المفصل ٥ / ١١٤ ، مغني اللبيب ١ / ٦٦ ، ٢٢٨ ، ٣٥٧ ، الهمع ٢ / ١٨٥ ، شرح شواهد المغني ١ / ٤٠٢ ، حاشية الصبان ٤ / ١٥٧ ، الخزانة ٦ / ١٥٩ ، المقاصد النحوية ٤ / ٥٣٥.

٤٩٢

هذا باب تصغير المضاعف

ذكر أنّهم يقولون : مديق وأصيم ، كما قالوا في الجمع : مداقّ وأصامّ لأن الياء الساكنة فيها مد وإن انفتح ما قبلها ، ألا ترى أن الشاعر إذا قال قصيدة قبل آخرها ياء ساكنة قبلها فتحة ، لزمه أن يأتي بها في جميع القصيدة كما يلزمه في الألف ، كقول الشاعر :

* ومهمهين قذفين مرتين

ظهراهما مثل ظهور التّرسين

هذا باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته الزيادة للتأنيث

إن قال قائل : لم لم تحذف الألف الممدودة للتأنيث وهاء التأنيث إذا كان قبلها أربعة أحرف كقولهم في" خنفساء"" خنيفساء" وفي" سلهبة"" سليهبة"؟

قيل له : هاء التأنيث والألف الممدودة متحركتان فصار لهما بالحركة مزية وصار مع الأول كاسم ضم إلى اسم ومثلهما ياء النسبة والألف والنون الزائدتان كقولك في زعفران : زعيفران وفي سلهبي : سليهبي والمقصورة هي حرف ميت بالسكون الذي يلزمها ، فحذفت لأنها لم تشبه الاسم فاعلمه.

هذا باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث بعد ألف

ذكر في هذا الباب أن الملحق بالألف والنون يجري مجرى الملحق به في التصغير والجمع فيقولون : سريحين كما قالوا سراحين.

فإن قال قائل : فأنتم تقولون في تصغير ورشان : وريشين وفي حومان حويمين وليس في الكلام حرف أصلي يلحق به نون ورشان ، وليس في الكلام فعلان بفتح العين فيلحق به حومان.

فإن الجواب عن ذلك أنّهم ألحقوا الجمع والتصغير فجمع ما فيه الحرف الأصلي وتصغيره ولم يلحقوا به الواحد ، فصار وراشين ووريشين ملحقين بسرابيل وسريبل.

قوله : وأما ظربان فتحقيره ظريبان كأنك حقرته على ظرباء إلى قوله كما ثبتت لام سربال وأشباه ذلك. يريد أن ظربان ، لا يجوز أن تكون ملحقا ؛ لأنه ليس في الكلام فعلال فلما جمعته العرب على ظرأبي علمنا أنّهم لم يجعلوا الجمع ملحقا كما لم يجعلوا الواحد ملحقا بواحد. وقد عرّفتك أنّهم جعلوا جمع" ورشان" وتصغيره ملحقين بجمع" سربال" وتحقيره فوجب أن يقال" ظريبان" وكان جمعهم إياه على" ظرابي" لأنهم جعلوا النون كالبدل من ألف التأنيث وقد مضى هذا في موضعه.

هذا باب تحقير ما كان على أربعة أحرف فلحقته ألف التأنيث

قوله في هذا الباب : وتقول في أقحوانة وعنظوانة : أقيحيانة وعنيظيانة إلى قوله : فكأنك حقرت عنظوة وأقحوة.

٤٩٣

يريد : أنك تجري الألف والنون فيصير عنيظيان ، أقيحيان فاعلمه.

هذا باب ما يحقر على تكسيرك إياه لو كسرته

للجمع على القياس لا على التكسير للجمع على غيره

يعني على غير القياس. وجميع ما في الباب بين إن شاء الله.

هذا باب ما يحذف في التحقير من بنات الثلاثة

اعلم أنّه إذا كان زائدان في خمسة أحرف ، فلم يكن أحدهما رابعا حرف مد ولين وجب حذف أحدهما ، وفي بعض ذلك ، أنت المخير في حذف أيهما شئت ، وفي بعضه : أحد الزائدين أولا ، إما ميما أو همزة أو ياء فالزائد الذي ليس بأول أولى بالحذف كقولك في مغتسل : مغيسل وفي أرندج أريدج وفي ألندد أليدد.

وإنما كان كذلك لأن الأوائل أقوى من الأعجاز وأمكن ؛ ولأنها تدخل للمعاني لأن الميم تدخل للفاعل والمفعول. والهمزة والياء تدخلان في أول الفعل المضارع للمتكلم والغائب.

ومنه أن يدخل أحد الزائدين للإلحاق فتصير بمنزلة الأصلي ؛ ثم يدخل بعد ذلك الزائد الثاني فإذا صغرت الاسم كان حذف الزائد الثاني أولى ، كقولك في تصغير عفنجج : عفيجج لأن النون يقدر دخولها على عفنجج بعد إلحاقه بجعفر. فصارت منزلة النون في دخولها على عفنجج كمنزلة زائد يدخل على أصلي وفي بعض ذلك خلاف وسيأتي في موضعه إن شاء الله.

قال : وإذا حقرت غدودن قلت : غديدين وكانت الواو أولى بالحذف ؛ لأن الدال من الحروف الأصلية فلها قوة في التبقية وتقول في قطوطي : قطيط وقطيطي لأنها بمنزلة غدودن فجعله سيبويه فعوعل على مثال عثوثل.

وكان المبرد يقول : إن جعله فعلعل أقيس ؛ لأن فعلعل في الكلام أكثر من فعوعل ، كقولك : صمحمح : ودمكمك ، قول سيبويه : أولى لأن القطوطي : هو البطيء في مشيه ويقال منه : قطا يقطو : إذا مشى مثل مشي القطاة والقبع وشبهه ويقال : اقطوطي. واقطوطي : افعوعل وقطوطي منه.

وإذا حقرت مقعنسسا حذفت النون وإحدى السينين فقلت : مقيعس.

وقال المبرد : تصغيره قعيسس لأنه ملحق بمحرنجم ولو صغر محرنجم لقيل : حريجم.

وقول سيبويه : أجود لأن لإحدى السينين وإن كانت للإلحاق فهي زائدة إلا أنّها لها قوة الإلحاق ، وللميم قوتان : إحداهما أولى ، والأخرى أنّها لمعنى فهي أولى بالتبقية.

وإذا حقرت عطوّدا قلت عطيّد وعطيّيد والأصل عطيّود وعطيويد كأن سيبويه أسقط الواو الأولى من الواوين ؛ لأنها ثالثة بمنزلة ألف عذافر وياء خفيدد وواو فدوكس إلا أنّه ألحق

٤٩٤

أولا ببنات الأربعة فقيل : عطود ، ثم زيدت عليه واو ثالثة ساكنة ، فصار عطود كما قيل عدبّس.

وكان المبرد يقول : عطيد لأنه لم يحذف إحدى الواوين وذكر أن الواو الثانية لما كانت زائدة وهي رابعة ، صارت بمنزلة : مسرول. وسيبويه يقول في مسرول : مسيريل ، فيجعل الواو الزائدة المتحركة بمنزلة الواو الساكنة ولم يحذفها.

والقول ما قاله سيبويه للأصل الذي قدمته.

وإذا حقرت : عثول وما جرى مجراه قلت : عثيّل وعثيّيل وفي الجمع عثاول وعثاويل.

وأصله من عثل ، وألحق بجردحل وبنائه وإذا حقرته على مذهب سيبويه إن حذف إحدى اللامين أولى من حذف الواو ، فيبقى عثول فيقال فيه : عثيل قال : لأنهم جاءوا بهذه الواو لتلحق بنات الثلاثة بالأربعة ، فصارت عندهم كشين قرشب وصارت اللام الزائدة بمنزلة الباء الزائدة في قرشب.

وكذلك قول الخليل وقول العرب ، وقال المبرد : وحكاه عن المازني أيضا إنّه يقال : عثيل بحذف الواو لأنها زائدة كما أن اللام زائدة.

وكان المبرد يقول في ألندد : أليدد ولا يدغم ؛ لأنه ملحق فصار بمنزلة قودد إذا صغر قيل : قويدد ، ولم يدغم.

وكان سيبويه يقول : أليد وحجته أن ألنددا إنما كان ملحقا لاجتماع النون مع الألف ، ولو انفردت الألف بالزيادة لم تكن ملحقا ببناء ؛ لأن أفعلا لا يكون ملحقا ، فلما أوجب التصغير حذف النون ، وانفردت الهمزة أولا وبعدها ثلاثة أحرف صار الاسم على أفعل ، وخرج من الإلحاق فوجب إدغامه.

وبين سيبويه أن ذرحرحا : من بنات الثلاثة ، واستدل على ذلك بأن العرب تقول في معناه ذرّاح وذرّوح.

قال : فضاعف بعضهم الراء والحاء.

وجلعلع مثل : ذرحرح. والجلعلع في ما ذكر عن الأصمعي ـ خنفساء نصفها طين ونصفها من خلق الخنفساء وذكر أن رجلا كان يأكل أكل الطين فعطس عطسة فخرجت منه خنفساء نصفها طين ، فرآه رجل من العرب ، فقال : خرجت منه جلعلعة ، وقيل : الجلعلع من الإبل الحديد النفس.

والصّمحمح : الشديد وهو أيضا الأصلع ، والدّمكمك : الصلب الشديد.

قال : وتقول في تصغير مرمريس : مريريس.

ووزن مرمريس عنده : فعفعيل ؛ لأن أصله من المراسة وهو شديد المراسة من قولك :

٤٩٥

رجل مرس بالشيء إذا كان معتادا له قويا ، فإذا حقرته احتجت إلى حذف الميم الثانية ، وحذف الميم أولى لأنّا حذفنا الميم فقلنا : مريريس ، فهو فعيعيل كما تقول من مراس : مريريس ، ويعلم بذلك أنّه من بنات الثلاثة ، ولو حذفنا الراء وبقينا مريميس ، صار كأنه من الرباعي من باب : سرحوب وسرداح.

هذا باب ما تحذف منه الزوائد من بنات الثلاثة

جميع ما في هذا الباب مفهوم من لفظ سيبويه إن شاء الله.

هذا باب تحقير ما كان من الثلاثة فيه زائدتان

قوله : ومن ذلك كوألل إلى قوله : لأنهما زائدتان ألحقتاه بسفرجل.

اعلم أن" كوأللا" غير مشتق ، وإنما حكم على الواو وإحدى اللامين بالزيادة حملا على النظائر ؛ لأن الواو إذا وجدت غير أولى في ما هو على أكثر من ثلاثة أحرف ، حكم عليها بالزيادة ، وكذلك الحرف المضاعف في ما دون الثلاثة ، يحكم له بالزيادة ، فالواو وإحدى اللامين زيدا للإلحاق معا في كوألل ، وليس بمنزلة عفنجج ؛ لأن عفنججا ـ تصغيره عفيجج بحذف النون فقط والنون والجيم زائدتان. ولم يخير في عفنجج كما خير كوألل ؛ لأنه قدّر في عفنجج أنّه ألحق أولا بزيادة الجيم بجعفر ، ثم دخلت النون وألحقته بسفرجل ، كما ألحقت جحفل حين قلت : جحيفل ، وذلك لقوة الواو في كوألل بالحركة. ووقوعها ثانية ، وليست النون كذلك.

قال : وإذا حقرت بروكاء وجلولاء ، قلت : بريكاء وجليلاء وهذا وما جرى مجراه مما رد المبرد على سيبويه قال : إن آخر" جلولاء" وبروكاء ألفان للتأنيث بمنزلة ألفى حمراء وهي نظيرة الهاء ولا خلاف بينهم أنّه إذا حقر جلولة وبروكة قيل : جليلة وبريكة. وسيبويه أسقط الواو من" بروكاء" و" جلولاء" على الحذف فيقال له : إن كان ألف التأنيث معتدّا بها فينبغي أن لا يصغّر المصدر ويجعل تصغيره كتصغير علباء وحرباء ، فيقال : بريكي كما يقال : عليبي ولا يقول هذا أحد. وإن كان بمنزلة شيء ضم إلى الأول فينبغي أن تصغر الأول بأسره ثم تلحقه ألفي التأنيث ، فهذا احتجاج المبرد عليه.

والحجة لسيبويه ، أن ألف التأنيث وإن كانت شبه هاء التأنيث ، فقد تخالفها فتجرى مجرى ما هو ملحق بالأصلي ؛ لأنهم قالوا : " صحراء" و" صحارى" كما قالوا : حرباء وحرابي فلما رأيناها قد أجريت مجرى ما هو بمنزلة الأصل ، ولم يفعل ذلك بالهاء ، استعمل فيه ـ لما كثرت ـ ما يستعمل في حروف المرخم وهو أن تحذف منه الزوائد التي فيه فحذفوا الواو من بروكاء كما قالوا في تصغير فاطمة" فطيمة" وفي أزهر : زهير وذلك لما كثرت الحروف وكان آخرها حرف التأنيث وهي علامة كالهاء فلم يجدوا سبيلا إلى حذفها ، وجعلوا ما حذفوا

٤٩٦

منها ، كحذفهم ألف مبارك وعذافر دون الكاف والراء.

واحتج سيبويه للفرق بين الواو في" بروكاء" ، والواو في فعولاء أن واو فعولاء بالحركة قد صارت بمنزلة الواو الأصلية ، ألا ترى أنك تقول في جدول : جديول ولا يجوز في عجوز : عجيوز ، لأنها واو مبنية وليست للإلحاق. فهذا الذي قاله سيبويه ـ ولا تحذف واو فعولاء ـ إنما هو على قول من يقول في تصغير جدول : جديول ومن قال جديل ، لزمه أن يحذف الواو في فعولاء ، فيقول : فعيلاء لأنه إذا قلب الواو ، فقال : فعيلاء. صارت كواو" عجوز" و" برود" فوجب حذفها.

قال : ولو سميت رجلا جدارين ، ثم حقّرته لقلت : جديران. لأنك لست تريد معنى التثنية ، وإنما هو اسم واحد. وكذلك لو سميت بدجاجات.

والمبرد لا يحذف في هذا كله. والقول فيه كالقول في" بروكاء" فاعلم ذلك.

هذا باب تحقير ما ثبتت زيادته من بنات الثلاثة في التحقير

هذا الباب بين من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب ما يحذف في التحقير من زوائد بنات الأربعة

استدل سيبويه على زيادة التاء في آخر" عنكبوت" و" تخربوت" على خمسة أحرف أصلية ، إلا أن تستكرههم فيخلطوا ، ومعنى ذلك أن يسألهم سائل فيقول : كيف تجمعون فرزدقا وجردحلا وما أشبه إلى ذلك فربما جمعوه على قياس التصغير في مثل فرزدق وسفرجل وربما جمعوه بالواو والنون أو غير ذلك ، فهذا معنى قول سيبويه : إلا أن تستكرههم فيخلطوا لأنه ليس من كلامهم.

وفرق الخليل بين تصغير" عنتريس" و" خنشليل" ، فحذف النون في تصغير عنتريس لأنه من عترسة وهي : الأخذ بالشدة ، ولم يكن" لخنشبيل" اشتقاق تسقط فيه النون فجعلها أصلية.

وتقول في" منجنون" : " منيجين" ؛ لأن إحدى النونين الأخيرتين زائدة ، فحذف الأول منهما لئلا يحذف ، فبقي" منجون" فقال : منيجين على نحو ما فعل في" خنشليل".

قال : وإذا حقرت إبراهيم وإسماعيل قلت : بريهيم وسميعيل وكان المبرد يرد هذا ويقول : أبيريه وأسيميع واحتج في ذلك بأن الهمزة لا تكون زائدة أولا أربعة أحرف أصول وإذا احتجنا إلى حذف شيء منه في التصغير حذفنا من آخره كما يفعل ذلك" بسفرجل".

والذي قال سيبويه هو الصواب والحجة له تصغير العرب ذلك بحذف الهمزة على ما رواه أبو زيد وغيره.

وحكى سيبويه عن الخليل عنهم في باب تصغير الترخيم" بريه" و" سميع" وهذه الأسماء أعجمية يجوز أن تكون قدّرت فيها العرب غير ما تقدّره في الأسماء العربية ، وذلك أنّه لا

٤٩٧

يكاد يوجد في الأسماء العربية اسم ، في أوله ألف بعدها أربعة أحرف أصلية ، لا إن كانت الألف زائدة ، ولا إن كانت أصلية ، إلا في مصادر الأفعال الرباعية المزيدة كقولهم : احرنجام واقشعرار. والألف في أولها ألف وصل فلما جاءت أسماء كثيرة من أسماء الأنبياء في أولها ألف مكسورة ، وبعدها أربعة أحرف أصلية ، أو ثلاثة أحرف أصلية وزوائد شبهوها بألف الوصل وأجروا حكمها على الزيادة.

وأنشد سيبويه للطرماح :

* يضحي على جذم الجذول كأنه

خصم أبرّ على الخصوم ألندد (١)

احتج به على أن النون في ألندد زائدة ؛ لأنه في معنى ألدّ وهو الشديد الخصومة وقد ذكرنا تصغيره والاختلاف فيه. والجذول : أصول الشجر. ومعنى أبرّ : غلب وظهر. يصف حرباء وهو يستقبل الشمس على أصول الشجر ويحرك يديه لما يجد من حر الشمس ، فكأنه خصم ألدّ ظهر على خصومه فهو يحرك يديه كثيرا استعانة على الكلام وحرصا عليه.

وأنشد :

* ولم أجد بالمصر من حاجاتي

غير عفاريت عفرنيات (٢)

استشهد به على أن معنى عفرني وعفرناة كمعنى العفر ، العفريت وعفرنيات. جمع : عفرناة وهي صفة عفاريت والمعنى واحد.

وهذان البيتان وقعا من كتاب سيبويه في : باب تحقير ما كان من الثلاثة في الزائدتان وبيت الطرماح وقع في باب : ما يحذف في التحقير من بنات الثلاثة.

هذا باب تحقير ما أوّله ألف الوصل من بنات الأربعة

هذا الباب والذي بعده مفهومان من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب تحقير بنات الحرفين

قال في هذا الباب : ولو حقرت ربّ اسم رجل قلت : ربيب ؛ لأنه مخفف من ربّ فترده في التصغير إلى أصله ، وكذلك" بخ" المخففة تقول : " بخيخ" وأصله التشديد.

قال العجاج :

* في حسب بخّ وعزّ أقعسا (٣)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١١٢ ، ٣١٧ ، ديوان الطرماح ١٤١ ، شرح النحاس ٣٤٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٤٠٧.

(٢) الكتاب وشرح السيرافي ٢ / ١١٦ ، لم يشرحه النحاس ولا ابن السيرافي ، شرح السيرافي ٤ / ٢٠٠.

(٣) ديوانه ٣٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٣٢ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٠٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٦٠ ، ٢٧٦ ، شرح عيون كتاب سيبويه ٢٣١ ، شرح المفصل ٤ / ٧٨ ، الممتع في التصريف ٢ / ٦٢٧.

٤٩٨

فردّ بخّ المخففة إلى أصلها في التشديد. كما قال :

* وهي تنوش الحوض نوشا من علا

وإنما المستعمل : من" علو" و" من عل" فرده إلى أصله ، وأصله : " علو" فقلب الواو ألفا لانفتاح ما قبلها.

وأنشد :

* إنّ عبيدا هي صئبان السّه (١)

أنشد هذا على أن الساقط من" است" الهاء ، ويروى في الحديث عن على ومعاوية رحمهما الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم : العين وكاء السّه.

وأنشد في ما يحذف في التحقير من زوائد الأربعة لغيلان.

* قد قرّبت ساداتها الرّوائسا

والبكرات الفسّج العطامسا (٢)

استشهد به على حذف الياء من" العطامس" ضرورة.

والروائس : جمع رائسته ، وهي الناقة السريعة ، والفاسج : التي لم تحمل وهي فتية لم تذهب قوتها ، أي : قربرا كلما عندهم. والعطموس : الحسنة الخلق.

وهذا الباب وما بعده من أبواب بنات الحرفين جميعا مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب تحقير ما كانت فيه تاء التأنيث

اعلم أنّ سيبويه أراد بتاء التأنيث هاهنا ، ما كان من الأسماء فيه تاء في الوصل والوقف من المؤنث وهي أسماء يسيرة نحو : أخت وبنت وهنت ومنت وذيت وكيت.

فهذه التاء وإن كان قبلها ساكن فهي للتأنيث كالهاء في عبلة وتمرة فإذا صغرت هذه الأسماء ، رددتها إلى أصلها ؛ لأنها في الأصل مزيدة بعد ما بني الاسم على حرفين للتأنيث وعلامة تاء تأنيث لا يعتد بها في تصغير ولا جمع ، فتقول : بنيّة وأخية وذبية.

ثم قال سيبويه : ولو سميت امرأة بضربت أو رجلا لقلت ضريبة لأنك تقول قبل التصغير : ضربة كزقية ثم تصغر على ذلك.

قال : وكانت الهاء أولى بها من بين علامات التأنيث لشبهها بها ـ يعني لشبهها بالتاء ـ ألا ترى أنّها في الوصل تاء ولأنّهم لا يؤنثون بالتاء شيئا إلا شيئا علامته في الأصل الهاء.

يعني : أن الأسماء التي تثبت فيها التاء في الوقف من الأسماء التي ذكرناها هي أسماء مؤنثة

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٢٢ ، المقتضب ١ / ٣٣ ، ٢٣٩ ، المنصف ١ / ٦٢ ، اللسان ١٣ / ٤٩٥.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١١٩ ، المقتضب ٢ / ٣١٩ ، ٣٤٧ ، ٢٥٦ ، الخصائص ٢ / ٦٢ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١٣٦ ، الهمع ٢ / ١٥٧ ، اللسان ٢ / ٣٤٥.

٤٩٩

الأصل في علامتها ، لأن الأصل فيها : أخوة وبنوة وهنوة وذوية وأصل ذلك كله الهاء فاعلمه.

هذا باب تحقير ما حذف منه ولا يرد في التحقير ما حذف منه

اعلم أن سيبويه قد خولف في بعض ما ذكر في الباب. واعتماده على أن الحذف لما وقع في هذه الأسماء نحو : " ميت"" هار" وما أشبه ذلك على جهة التخفيف لا على علة توجب حذفها ، وكان التصغير غير محوج إلى رد ما حذفوه ، لأن الباقي ثلاثة أحرف لم يرد المحذوف ؛ لأن التخفيف الذي أرادوه في المكبر هو الذي أحوج في المصغر لزيادة حروفه.

وحكى عن يونس : أن ناسا يقولون : هو يئر في التصغير فقال سيبويه هؤلاء لم يحقروا هارا ، إنما حقروا هائرا ، كما قال : رويجلا كأنهم حقروا راجلا ، ثم قال : وقالوا : أبينون ، كأنهم حقروا أبنى مثل أعمى.

وتفسير هذا أن العرب إذا صغروا" أبناء" جمع" ابن" يقولون : أبينون وليس ذلك تصغير أبناء في لفظة لأن تصغيره : " أبيناء" مثل" أحيماء" ، ولا هو تصغير : " بنين" لأن تصغير بنين : فكأن قولهم : أبينون على تقدير شيء غير أبناء ولا بنين ، ولكن صغروا أبناء وجمعوه بعد ذلك فقدره تقدير أفعل مثل" أعمى" فكأنه" أبنى". ثم صغروا أبنى فصار أبين ، ثم جمع فصار أبينون بمنزلة : " أعيمون" ولا يستعمل" أبنى" كما لم يستعمل" راجل" في معنى رجل ، وإن كان قد صغروه على ذلك.

وحكى المبرد من قوله ، وقال المازني : إنّه يقول في يضع : يويضع وفي هار : هويئر ؛ لأنه من وضع يضع ، ويرده إلى أصله.

وقد تقدم الاحتجاج لسيبويه ، ويلزم أن يقولوا في : " خير منك" و" شر منك"" أشير منك" و" أخير منك" ؛ لأن أصله" أشر منك" و" أخير منك" ، فاعلمه.

هذا باب تحقير كل حرف كان فيه بدل

فإنّ ذلك البدل يحذف

حكى بعض اللغويين أن من العرب من لا يرد المبدل إلى أصله إذا جمع

وأنشد :

* حمى لا يحلّ الدّهر إلا بإذننا

ولا نسأل الأقوام عهد المياثق

وهذا جمع" ميثاق" ، وأصله من وثقت ، فعلى هذا يجوز في ميثاق وميعاد" مييثيق" ومييعيد.

وذكر أبو حاتم أن عمارة بن عقيل غلط فقال : " ريح"" أرياح" قال : فأنكرته عليه.

وأنشدته قول جده جرير :

* إذا هبّ أرواح الشّتاء الزّعازع

٥٠٠