النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

قال الشاعر :

* (و) ريشي منكم وهواي معكم

وإن كانت زيارتكم لماما (١)

فسكن مع ضرورة ، واللّمام : ما يراه في النوم ، وهو من ألمّ يلمّ إذا نزل ، فيقول : أنا منكم وهواي مائل إليكم ، وإن لم تكن زيارة إلا في النوم.

وأنشد :

* يا ليتها كانت لأهلي إبلا

أو هزلت في جدب عام أوّلا (٢)

فنصب" أولا" على الظرف ، ويجوز أن تكون نعتا لعام.

وكان الزجاج يجيز منع صرفه على تقدير عدله عن الألف واللام كما منع أمس من الصرف في لغة بني تميم لأنه استعمل في الكلام بغير إضافة ولا ألف ولام ، فصار كآخر وأمس في لغة بني تميم.

قال : " ومن العرب من يقول من فوق ومن تحت يشبهه بقبل وبعد".

وأنشد لأبي النجم :

* أقبّ من تحت عريض من عل (٣)

الأقب : الضامر. والعريض : الواسع ، يصف فرسا بضمر الخصر وسعة ما بين الجنبين.

وأنشد :

* لا يحمل الفارس إلا الملبون

المحض من أمامه ومن دون (٤)

استشهد به على أنّ دون لم يضف وليس فيه دليل على التنكير والتعريف لأن الشعر موقوف ، ولكن قوله : من" أمامه" دليل على أنه أراد : " ومن دونه" فلما قصره عن الإضافة وتضمن معناها قدره مبنيا ، ويجوز رفع المحض ونصبه ، فمن رفعه فعلى الوصف للملبون ، ومعناه ، لا يحمل الفارس في الحرب إلا الفرس المسقي اللبن. الخالص مقدمه ومؤخره من العيوب. ومن نصب فعلى معنى : إلا الملبون المحض : أي : المسقي (اللبن) المحض.

وأنشد للجعدي :

__________________

(١) ديوان جرير ٥٠٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٤٥ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٩١ ، شرح ابن عقيل ٢ / ٢٨.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٤٦ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٤ ، شرح المفصل ٦ / ٣٤ ، ٩٧ ، اللسان (وال) ١١ / ٧١٧.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٤٦ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٩٢ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢١٣ ، شرح عيون الكتاب ٢٠٩ ، مغني اللبيب ١ / ٢٠٥ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٧٤.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٤٧ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٥ ، شرح عيون الكتاب ٢١١ ، اللسان (دون) ٣ / ١٦٤.

٤٦١

* لها فرط يكون ولا تراه

أماما من معرسنا ودونا (١)

فنصب" أمام" و" دون" على الظرف ونونهما ؛ لأنه أفاد النكرة.

واعلم أن السبب في حركة آخر" ذية" ، أنا لو أسكناها لوجب أن نجعلها أبدا هاء ، فكانت تذهب التاء وهي أصل التأنيث ، ويجوز أن يكون أيضا أن لو تركوها على حال لتوهم أنها هاء أصلية ، وعلى أن سيبويه قد جعلها بمنزلة عشر في : " خمسة عشر" ففتح آخرها لذلك.

قال : " وسألت الخليل عن شتان فقال فتحها كفتحة هيهات".

يعني : أنها مبنية على الفتح كما بنيت" هيهات" والذي أوجب بناءها : أنها وقعت موقع الفعل الماضي ، فإذا قلنا" شتان ما زيد وعمرو" فكأنا قلنا : افترقا وتباعدا.

ومعنى : شت يشت شتاتا : تفرق وتباعد. وقال بعضهم" شتان" : مصدر على فعلان ، وقد خالف المصدر لأنه ليس في المصادر فعلان ، فلما خالف المصدر أشبه باب" فعال" وهو مصدر في موضع" فعل" على غير مصدر ذلك الفعل ، كقولك : نزال وحذار. والمصدر على الحقيقة : النزول والحذر. وقال بعضهم : اجتمع في" شتان" خروجه عن وزن المصادر والتعريف وزيادة الألف والنون في آخره ، فبني وحرك بالفتح اتباعا للألف والفتحة التي قبلها.

هذا باب الأحيان في الانصراف وغير الانصراف

حكى سيبويه عن العرب : " هذا يوم اثنين مباركا فيه" ، وجعل اثنين اسما ليوم معرفة كما تجعله اسما لرجل.

ورد المبرد هذا ، وذكر أن اثنين لا يكون معرفة أبدا بالألف واللام ، وأن قولهم : " مباركا فيه" نصب على الحال من النكرة.

وذكر سيبويه أيضا أن بعض العرب يدع التنوين في" عشية" كما ترك في غدوة.

وقال المبرد : ليس بشيء ، و" عشية" على كل حال منصرفة. وهذا الرد لا يلزم سيبويه إلا أن ترد حكايته عن العرب ويتهم في ما نقله عنهم.

هذا باب الألقاب

بين سيبويه في هذا الباب أن الاسم المنفرد إذا لقب بمفرد ، أضيف إليه والعلة في ذلك : أنهم لو أفردوا كل واحد منهما لخرجوا عن منهاج أسمائهم إذ ليس أصل التسمية أن يكون اسمان مفردان لشخص واحد ، فإذا أضافوه ، فله نظير مثل : " أبي زيد" و" أبي عمرو" ، فإذا كان

__________________

(١) ديوان الجعدي ٢١٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٤٧ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٤٥.

٤٦٢

اللقب مفردا بعد اسم مضاف فصل منه ، لأنه يصير بمنزلة قولك : " أبو بكر زيد" ، وهذه الألقاب متى لقبت بها شيئا ، صار تعريفه بغير ألف ولام ، وخرج عن التعريف الذي كان له بالألف واللام ، فإذا سمي بها صار تعريفها بالتسمية.

فإن قال قائل : لم لم تكن الشمس معرفة إلا بالألف واللام ولا شمس غيرها في الدنيا؟.

قيل له : قد يسمى ضوء الشمس شمسا كقول القائل : لا تقعد في الشمس وإنما يريد ضوءها ، وتقول : " شمس البصرة أحرّ من شمس الكوفة" ، وحرّ الشمس واحد ، وإنما يريد ضوءها.

هذا باب الاسمين اللذين ضم أحدهما إلى الآخر

ذكر في هذا الباب : " عمرويه" في المبنيات ، والذي أوجب بناءه أن المضاف إلى عمرو صوت أعجمي فخالف أصوات العرب المعرفة كما اختلفت سائر ألفاظ العرب والعجم ، وبنوه على الكسر لاجتماع الساكنين ، وجعلوا علامة التنكير فيه التنوين ، وكذلك التنوين في سائر المبنيات ، إلا أن منها ما لم تستعمله العرب إلا منكرا ومنه ما استعملته بالتنكير والتعريف.

فمما استعملته منكرا فقط قولهم : " أيها يا زيد" ، إذا أردت : اكفف و : "ويها" : إذا أغريته : و "إيه" إذا استزدته.

وقد خطأ الأصمعي ذا الرمة في قوله :

* وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم

وما بال تكليم الديار بلاقع (١)

فقال بترك التنوين في" إيه".

وقوم من النحويين أنكروا قول الأصمعي ، وصوبوا قول ذي الرمة فقالوا :

أتى به معرفة ، كما تقول : غاق غاق.

وقد أصاب الأصمعي في ذلك لأنه أراد أن العرب لم تستعمل "إيه" إلا منكرا ، فلا يجوز استعماله على غير ذلك ، كما لا يجوز ترك التنوين في "ويها" و "أيها" وإنما يجعل هذا من ذي الرمة على الضرورة لما اضطر تأوله معرفة.

قال : وسألت الخليل عن قوله : فداء لك فقال (هو) بمنزلة أمس. يعني : أنه مبني ، وإنما بني لأنه وضع موضع الأمر كما قالوا : "ليفدك أبي وأمي" ونوّن.

__________________

(١) ديوان ذي الرمة ٣٥٦ ، مجالس ثعلب ١ / ٢٢٨ ، وبه (البلاقع) ، المقتضب ٣ / ١٧٩ (البلاقع) ، ما ينصرف وما لا ينصرف ١٠٩ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣٠ ، ضرائر الشعر ١٩١ ، شرح المفصل ٤ / ٣١ ، ٧٤ ، ٩ / ٣٠.

٤٦٣

لأنه نكرة كما عمل بغاق ، حين نكر ، وإنما صار نكرة ؛ لأنهم أرادوا" يفديك" في كل ضرب يفدي فيه الإنسان من موت أو مرض.

واعلم أن قول العرب : "يوم يوم" ، وصباح مساء ، و "بيت بيت" ، "بين بين". بعضهم يجعله بمنزلة اسم واحد ، وبعضهم يضيف الأول إلى الثاني ، وإنما يجعل بمنزلة اسم واحد إذا كان ظرفا أو حالا ، وتجوز إضافته أيضا في الظرف والحال ، وإذا لم يكن ظرفا ولا حالا لم يجز غير الإضافة ، ومعنى : يوم يوم : كأنه قال : شدة يوم أو وقعة يوم. وإنما يذكر هذا في شيء قد شهر وانتشر ، كما يقال أيام العرب ، في معنى : الوقائع والأشياء التي تشير.

واعلم أن قولهم : " ذهبوا أيادي سبأ" ومنهم من يجعله مضافا فنون سبأ ، ومنهم من يبني الاسمين فلا ينون" سبأ" ، ومنهم من يبني الاسمين فلا ينون" سبأ" و" سبأ" مهموز في الأصل ، وكانوا باليمن ، فخافوا سيلا يهلكهم فتفرقوا في البلاد وتباعدوا فضرب المثل بهم لكل متفرقين ، يقال : تفرق القوم أيادي سبأ ، وأيدي سبأ ، والأيدي عبارة عنهم ، كأنهم قالوا : تفرق القوم أولاد سبأ أي : تفرق أولاد سبأ.

وأما : " بادي بدا" ، فمعناه : ظاهر الظهور من قولك : بدا يبدو ، أي ظهر وهو في موضع الحال كقولك : بيت بيت ويقال فيه : " بادي بادي" وأما شغر بغر ، فمعناه : متفرقين ، وذلك أنه يقال : شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول وفرق ما بينهما وبين الأخرى. وأصل بغر : من قولهم : " بغرت السماء" إذا كثر مطرها والبغر : كثرة الشرب ، فإذا قال : " ذهب القوم شغر بغر" ، فكأنهم توسعوا في التفرق.

وأما : " حيري دهر" ففيه ثلاث لغات : منهم من يقول : حيري دهر ، وحيري دهر ، وهو منسوب في الأصل ، فمن شدد ، جاء بياء النسبة على حالها ، ومن أسكن الياء حذف الياء الثانية من ياءي النسبة ، ومعناه : لا أفعل ذلك ما حار الدهر ، أي : لا أفعله أبدا ، وحار : رجع ، والدهر (لا) يرجع أبدا.

قال : " وأما أخول ، فلا يخلو أن يكون كشغر بغر ، وكيوم يوم".

يعني : أنه لا يخلو من أن يكون حالا ، كشغر بغر ، في معنى متفرقين ، أو ظرفا : كيوم يوم. ويقال : إن أخول أخول هو ما يتساقط من شرر الحديد المحمي.

وأنشد في ما جعل مركبا من اسمين. لجرير :

* لقيتم بالجزيرة خيل قيس

فقلتم : مار سرجس لا قتالا (١)

وهذا يقوله للأخطل يعيره" بمار سرجس" ، وأصله بالنبطية ، والمعنى : لقيتم خيل قيس

__________________

(١) ديوان جرير ٤١٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٠ ، المقتضب ٤ / ٢٣ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٨٣ ، شرح المفصل ١ / ٦٥ ، اللسان (سرجس) ٦ / ١٠٦.

٤٦٤

يا مار سرجس ، فقلتم : لا نقاتل قتالا. وأنشد لأمية بن أبي عائذ :

* قد كنت خراجا ولوجا صيرفا

لم تلتحصني حيص بيص لحاص (١)

معنى" حيص بيص" : داهية يضيق المخرج عنها.

وتلتحصني : تنشبني فيها ، ولحاص هي المنشبة. وأصل حيص من حاص يحيص : إذا مال ، وكأن بيص من باص يبوص إذا تقدم وفات. وكان ينبغي أن يكون بالواو. فقال : بوص ، إلا أنها أتبعت حيص.

وأنشد :

* مثل الكلاب تهرّ عند درابها

ورمت لهازمها من الخزبار (٢)

" فالخزباز" هنا : اسم لداء يصيب الكلاب وهو في غير هذا الموضع ذباب يكون في الروض. وفيه لغات قد بينها سيبويه.

وأنشد :

* وهيج الحي من دار فظل لهم

يوم كثير تناديه وحيهله (٣)

فجعل" حي هل" بمنزلة : حضرموت ، ومعناه : المبادرة ـ والسرعة.

وأنشد للنابغة الجعدي :

* بحيهلا يزجون كل مطية

أمام المطايا سيرها المتقاذف (٤)

جعله بمنزلة : " خمسة عشر" ، فلذلك لم ينونه.

ومعنى يزجون : يسوقون. والتقاذف : سرعة السير. وإنما احتج سيبويه بهذا البيت والذى قبله ليرى أن حيهل من شيئين لأنه ليس في الأسماء المفردة ولا في الأفعال مثل هذا البناء ، وقوى بقولهم : " حي على الصلاة" ، وإنما وجب بناء الخزباز من بنائه لأنه متعلق بالذباب أو داء ، فكأنه بمنزلة الأصوات ، وبنيت الأصوات لأنها كناية لا تعرف إلا بتعلقها

__________________

(١) ديوان الهذليين ٢ / ١٩٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥١ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ١٠٦ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٥ ، ورقة ١٢٨ ، شرح المفصل ٤ / ١١٥ اللسان (ولج) ٢ / ٤٠٠.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥١ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ١٠٧ ، شرح النحاس ٣١٦ وبه (عند جرائها) ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٩.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٢ ، المقتضب ٣ / ٢٠٦ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ١٠٧ ، شرح النحاس ٣١٧ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٩ ، شرح المفصل ٤ / ٤٧ ، الخزانة ٦ / ٢٦٦.

(٤) ملحقات ديوان الجعدي ٢٤٧ ، ديوان مزاحم ١٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٢ ، المقتضب ٣ / ٢٠٦ ، ما ينصرف ١٠٨ ، شرح النحاس ٣١٧ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٩ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٢٣ ، شرح المفصل ٤ / ٣٦ ، الخزانة ٦ / ٢٦٨ ، اللسان (قذف) ٩ / ٢٧٨ ، للجعدي ، (حيا) ١٤ / ٢٢١ ، لمزاحم.

٤٦٥

بالمصوت ، ووجب بناؤه وفيه الألف واللام لأن العلة لحقته وهو نكرة فبني ، فلما بني في أول أحواله ولم يتمكن في النكرة ، وجب بناؤه في المعرفة كما فعل" بخمسة عشر" ونحوه.

وأنشد للفرزدق :

* ولو لا يوم يوم ما أردنا

جزاءك القروض لها جزاء (١)

فأضاف ، والمعنى : ولو لا يوم بلائنا ونصرنا لك ما أردنا جزاءك. والقروض : جمع قرض وهو العطاء والتفضل.

وأنشد لذي الرمة :

* فيا لك من دار تحمّل أهلها

أيادي سبا بعدي وطال احتيالها (٢)

وقد تقدم تفسير" أيادي سبا" وما يجوز فيه. وقد قيل : الأيادي هنا جمع يد ، من النعمة ، فمعنى" تفرقوا أيادي سبا" ، أي : كتفرق نعم سبا.

وأنشد :

* وقد علتني ذرأة بادي بدي

وريثة تنهض في تشدّدي (٣)

معنى" بادي بدي" ، أي : ظاهرا. وقيل : معناه : بدا أول شيء فكأنه من يبدأ يبدأ ثم ترك همزه استخفافا. والذرأة : الشيب. والرّيثة : انحلال المفاصل والضعف.

وأنشد :

* سيصبح فوقي أقتم الريش واقعا

بقالي قلا أو من وراء دبيل (٤)

قالي قلا : اسم موضع. ودبيل : موضع أيضا. والأقتم : الأغبر ، قال الأصمعي : كان لرجل من يحصب على آخر دين إلى أجل ، فلما حان الأجل فرّ وترك رقعة فيها :

اذا حان دين اليحصبي فقل له

تزود بزاد واستعن بدليل (٥)

سيصبح فوقي .. البيت

قال الأصمعي : فأخبرني رجل أنه رآه بقالي قلا مصلوبا وعليه نسر أقتم الريش.

وأنشد سيبويه لرؤبة :

__________________

(١) ديوانه ٩١ ، الكتاب ٢ / ٥٣ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣١ ، الهمع ١ / ١٩٧ ، الخزانة ٤ / ٤٨.

(٢) ديوانه ٥٢٣ ، الكتاب ٢ / ٥٤ ، المقتضب ٤ / ٢٦ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣١ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٥٢.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٤ ، المقتضب ٤ / ٢٧ ، ما ينصرف ١٠٤ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣١ ، الخصائص ٢ / ٣٦٤ ، أمالي القالي ١ / ٢٠٠ ، شرح المفصل ٤ / ١٢٢.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٤ ، المقتضب ٤ / ٢٤ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ١٠٤ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣١ ، اللسان (دبل) ١١ / ٢٣٦ ، (قتم) ١٢ / ٤٦١ ، (قلا) ١٥ / ٢٠١.

(٥) انظر شرح الأعلم ٢ / ٥٥ ، واللسان (دبل) ١١ / ٢٣٦.

٤٦٦

* سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق (١)

أسكن الياء في" مساحيهن" ؛ لأنه قد كان سكنها في حال الرفع والجر فألحق النصب بها ، وشبهها بالألف ، لأنها أختها ، والألف لا تتحرك ألبتة ، ونصب" تقطيط" ، لأن معنى سوى : قطط. والقط : قطع الشيء وتسويته. الحقق : جمع حقة ، وهو طرف الطي.

وأنشد لبعض السعديين في مثل هذا :

* يا دار هند عفت إلا أثافيها (٢)

فسكن الياء في النصب ، تقول : تغيرت الدار وعفت رسومها لقدم عهدها إلا الأثافي وموضع النار فإنها باقية.

هذا باب ما ينصرف وما لا ينصرف من بنات

الياء والواو إذا كانتا لامين

اعلم أن التنوين الذي دخل المعتل ، وإن كان نظيره لا ينصرف ، فإن سيبويه يجعله بدلا من الياء.

وكان المبرد يخالفه فيقول : إنه بدل من ذهاب حركة الياء لاستثقالها لما انكسر ما قبلها ، فتبقى الياء ساكنة ولا تسقط حتى يدخل التنوين وهو ساكن ، فوجب من هذا أن يكون التنوين أتى به عوضا من ذهاب الحركة ثم التقى ساكنان فأسقطت الياء.

فإن قال قائل : كيف نجعل التنوين في مذهب سيبويه عوضا من الياء ، ولا طريق إلى حذف الياء قبل دخول التنوين ؛ لأن سقوط الياء لاجتماع الساكنين هي التنوين؟

قيل له : تقدير هذا أن أصل جواري جواري ، فيكون التنوين لما يستحقه الاسم من الصرف في الأصل ، ثم استثقلوا الضمة على الياء في الرفع والكسر عليهما في الجر ، فأسكنوها فاجتمع ساكنان : الياء والتنوين ، فحذفوا الياء لاجتماع الساكنين ثم حذفوا التنوين لمنع هذا البناء الصرف ؛ لأن الياء منونة ، وإن كانت محذوفة ، ثم عوضوا من الياء المحذوفة تنوينا غير تنوين الصرف ، فهذا الذي يتوجه من كلام سيبويه.

وبعض أصحاب سيبويه جعل قوله : " عوضا من الياء" ، على معنى : عوضا من حركة الياء وأجراه مجرى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].

__________________

(١) ديوانه ١٠٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٥ ، المقتضب ٤ / ٢٢ ، الكامل ٣ / ٢١ ، ما ينصرف ١٠٩ ، شرح النحاس ٣١٨ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣٢ ، المنصف ٢ / ١١٤ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١٣٨ ، شرح المفصل ١٠ / ١٠٣.

(٢) ديوانه ١١١ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٥ ، شرح النحاس ٣١٩ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣١٩ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣٢ ، الخصائص ١ / ٣٠٧ ، المنصف ٢ / ١٧٥.

٤٦٧

وهذا مثل قول المبرد الذي ذكرنا.

قوله : ولو سميت رجلا بقيل ، فيمن ضم القاف.

يعني : من أشمها الضم ، لا في قول من قال : قول بواو محضة قال : تكسرها إذا سميت ، وتزيل الإشمام حتى تكون كبيض.

قال : وإنما أراد الفرق بين الاسم والفعل ؛ لأن الضم اختص به الفعل ليبين معنى فعل.

قال : " وإن سميت رجلا قل أو خف أو بع رددت ما سقط من أجل سكون الأول والآخر فقلت : قول وخاف وبيع واحتج للرد بأن قال : فإذا قلت قولا أو خافا أو بيعا .. أظهرت التحريك.

لم يرد أن الحروف رجعت لدخول ألف التثنية وواو الجمع ؛ لأنك تقول : " هند رمت" فتحذف الألف من رمى لسكونها وسكون التاء ثم تثنى ، فتقول : " الهندان رمتا" فلا ترد الألف لتحرك التاء ، وإنما أصل : قولا : قولان لأن الأمر من المستقبل ، وكان في الأصل يقولان ، فلما وقع الأمر سقطت النون كما تسقط للجزم ، وإنما أراد بهذا أن الواو تسقط من" قل" حيث كانت اللام ساكنة لاجتماع الساكنين.

وأنشد للراجز في ما قلب من الواو إلى الياء ليكون على قياس الأسماء :

* حتى تفضي عرقي الدّليّ. (١)

فجمع" عرقوة" بحذف الهاء ، فصارت الواو ظرفا وقبلها حركة ، وذلك معدوم في الأسماء فكسر ما قبلها لتنقلب ياء فتوافق سائر الأسماء. وتفضي : تكسري.

وأنشد للهذلي :

* أبيت على معاري واضحات

بهنّ ملوب كدم العباط (٢)

استشهد به على أنه اضطر إلى تحريك الياء في" معاري".

فإن قال قائل : ليس فيه ضرورة ؛ لأن الشاعر لو قال على معار واضحات لاستوى البيت.

فالجواب : أن الضرورة فيه أن الشاعر كره الزحاف فرد الكلمة إلى أصلها ، وجعل الياء كالصحيح ضرورة. والمعاري : جمع معري وهي الأرض التي عريت من النبات والملوب هنا : الدم ويقال للصبغ : ملاب. والعباط : جمع عبيط وهي التي نحرت من غير علة ، وقيل المعاري

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٦ ، المقتضب ١ / ١٨٨ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣٣ ، الخصائص ١ / ٢٣٥ ، المنصف ٢ / ١٢٠.

(٢) ديوان الهذليين ٢ / ٢٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٨ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٣٥ ، الخصائص ٢ / ٣٣٤ ، المنصرف ٦٧ / ٢ ، ٧٥ ، ٦٧ / ٣ ما يجوز للشاعر في الضرورة ١١٦.

٤٦٨

هنا الفرش.

والملوب : طيب للعرب كالخلوف ، فشبه ذلك الطيب بدم العباط.

وأنشد للفرزدق :

* فلو كان عبد الله مولى هجوته

ولكن عبد الله مولى المواليا (١)

فأجرى" مواليا" مجرى السالم ففتح الياء.

وأنشد لابن قيس الرقيات :

* لا بارك الله في الغواني ه

ل يصبحن إلا لهنّ مطّلب (٢)

فجر الياء ضرورة ـ ويروى : " إنما يصبحن ، على حذف الياء من" الغواني والغانية : التي استغنت بجمالها ، وقيل بزوجها.

وأنشد :

* فيوما يوافيني الهوى غير ماضي

ويوما ترى منهنّ غولا تغوّل (٣)

فكسر الياء من ماضي للضرورة. ويروى : غير ما صبا ولا شاهد فيه على هذا وهو أشبه بمعنى البيت لأن المعنى : أن هؤلاء النسوة في يوم نيلهن يبذلن اليسير ولا يوفين الصبا حقه ، ويوما يمنعن ، الغول : ما اغتال الإنسان ، أي : أهلكه وذهب به.

وأنشد أيضا :

* سماء الإله فوق سبع سمائيا (٤)

ذكر المازني أن هذا ضرورة من ثلاثة أوجه :

ـ أحدهما : أن جمع سماء على سمائي ، وكان حقه أن يقول سمايا كما تقول : مطية ومطايا ، وأتى بالهمزة على الأصل. وكان حقها أن تكون ياء ، وأتى بالياء ، وكان حقها أن تكون ألفا فهذان وجهان.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٨ ، الشعر والشعراء ١ / ٨٩ ، المقتضب ١ / ١٤٣ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ١١٤ ، شرح النحاس ١٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣١١ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١١٦ ، شرح المفصل ١ / ٦٤ ، أوضح المسالك ٣ / ١٦١.

(٢) (صدره) ص ٧١ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٣٦.

(٣) ديوانه ٤٥٧ (يجازين) ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٩ ، نوادر أبي زيد ٢٠٣ ، المقتضب ١ / ١٤٤ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٣٦ ، المسائل العسكرية ٢٦١ ، الخصائص ٣ / ١٥٩ ، المنصف ٢ / ٨٠ ، ١١٤ ، شرح ملحة الإعراب ٦٧.

(٤) ديوانه ٧٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٩ ، المقتضب ١ / ١٤٤ ، ما ينصرف ١١٥ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٠٤ ، الخصائص ١ / ٢١١ ، ٢٣٣ ، ٢ / ٣٤٨ ، المنصف (٢ / ٦٦ ، ٦٧) ، الخزانة ١ / ٢٤٤ ، اللسان (سما) ٤ / ٣٩٨.

٤٦٩

ـ والثالث : أنه كان حقها في الجر : " سبع سماي" ، كما تقول : هذه سبع جوار ففتح في الجر وهي ضرورة.

وأنشد أيضا في تحريك الياء :

* قد عجبت مني ومن يعيليا

لما رأيتني خلقا مقلوليا (١)

هذا عند يونس غير ضرورة لأن" يعيليا" تصغير" يعلى" وهو لا ينصرف ، وقد بين سيبويه الرد عليه ، المقلولي : الذي يتقلى من الحزن والمقلولي أيضا : المنتصب.

وأنشد للكميت :

* خريع دوادى في ملعب

تازر طورا وتلقي الإزارا (٢)

فأجرى دوادى مجرى السالم. والخريع : الجارية الناعمة اللينة ، وقيل : الضعيفة لصغرها ، وقال الأصمعي : الدوادي آثار تسلق الصبيان ، وقوله : تأزر طورا وتلقي الإزار" أي : هي صغيرة لا تبالي بما صنعت ، فمرة تتزر مستترة ومرة تلقي الإزار لاعبة.

وأنشد في ما قلب من الواو إلى الياء :

* لا مهل حتى تلحقي بعنس

أهل الرباط البيض والقلنسي (٣)

جمع" قلنسوة" بحذف الهاء فلما صارت الهاء طرفا ، أبدل منها ياء. وعنس قبيلة.

والرباط : جمع ربطة.

هذا باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد

اعلم أنك إذا سميت رجلا" بإب" التي هي اللفظ بالباء من اضرب ففيها أقوال :

قال سيبويه : أقول : إذا ابتدأته : " إبّ قد جاء" ، وإذا وصلته بكلام أسقطت ألف الوصل ، وبقيت الباء وحدها ، فأقول : هذا أب وقام أب.

وقال : رأيت بعض الأسماء على حرف واحد إذا اتصل بكلام ، وهو قولنا : " من أب لك؟ " تريد : من أب؟ وتخفف الهمزة فتلقى حركتها على ما قبلها وتسقطها ، فجعل سقوط ألف الوصل كإلقاء الحركة.

ورد المبرد عليه ذلك ، ففرق بين تخفيف الهمزة وإسقاط ألف الوصل ، فقال : تخفيف

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٥٩ ، المقتضب ١ / ١٤٢ ، ما ينصرف ١١٤ ، شرح النحاس ١٨ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣٤ ، المسائل العسكرية ٢٦٢ ، الخصائص ١ / ٦ ، المنصف ٢ / ٦٢.

(٢) ديوان الكميت ١ / ١٩٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٦٠ ، المقتضب ١ / ١٤٤ ما ينصرف ١١٤ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣٦ ، الخصائص ١ / ٣٣٤ ، المنصف (٢ / ٦٨ ، ٨٠).

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٦٠ ، المقتضب ١ / ١٨٨ ، ما ينصرف ١١٦ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣٣ ورقة ١٣٣ ، المنصف ٣ / ٧٠ ، الخصائص ١ / ٢٣٥ ، شرح المفصل ١٠ / ١٠٧ ، اللسان (عنس) ٦ / ١٥٠.

٤٧٠

الهمزة غير لازم ، وألف الوصل إذا اتصلت سقطت في هذا الموضع ، ولم يكن مذهبه في ذلك مذهب سيبويه.

وقال المازني : أقول" رب" لأن الراء كانت مكسورة في اضرب.

وقال الأخفش : " ضب" ، فرد أول الفعل. وعلى قول المبرد" اضرب" فيرد الكلمة إلى أصلها.

وكان الزجاج يقول : " إب" ويقطع الألف. وقام إب وهذا إب ، قال : " وإنما أقطع الألف لأني لما نقلته من اللفظ وهو حرف إلى التسمية ، قطعت الألف ليكون فرقا بين الاسم والحرف ، كما يفعل بالفعل إذا سمي به.

وقال بعضهم : لا يجوز أن يسمى" بإب" لأنه يحتاج إلى تحريك الياء وتحريكها يمنع من ألف الوصل ، وقد ذكر هنا في الباب مع كلام سيبويه ، وقيل بعده : " وهذا مذهب قوي".

قال سيبويه : " كان الخليل يقول : المن قولك : الرجل ونحوه بمنزلة قد ، واستبدل على ذلك بأن الشاعر قد فصله فقال.

* دع ذا وعجّل ذا وألحقنا بذل

بالشحم إنّا قد مللناه بجل (١)

أراد أن يقول : " بذا الشحم" ، فوقف على الألف واللام من الشحم ، فقال : " بذل" ، ثم ألحقها ب" الشحم" ، وأعاد البناء فقال : " بالشحم" ومعنى بجل : حسب وكفى.

هذا باب الحكاية التي تغيّر الأسماء فيها

قال في هذا الباب : " وإن سميت رجلا وامرأة بعاقلة لبيبة ... صرفته وأجريته مجراه قبل أن يكون اسما" ، لأن كل واحد منهما مفرد ليس باسم المسمى ، فحكيت لفظهما قبل التسمية فقلت : " هذا عاقلة لبيبة" ، و" مررت بعاقلة لبيبة" ، ويجوز أن تجعلها كحضرموت فتجعلها اسما واحدا وتضيف الأول إلى الثاني كما فعلت بحضرموت ، فإن جعلتهما اسما واحدا قلت : " هذا عاقلة لبيبة" و" هذا عاقل لبيب" إن سميت بعاقل لبيب ، وكذلك تفعل بالمرأة لأن الاسمين إذا جعلا اسما واحدا لم ينصرف ومن أضاف حضرموت قال : " هذا عاقلة لبيبة" ، و" هذا عاقل لبيب".

وإن سميت" بعاقل لبيب" ، وسمي بعاقلة وحدها ، فالأكثر أن لا تصرف ، ويجوز صرفها على الحكاية ، كأنه قال في امرأة مسماة بعاقلة : " هذه امرأة عاقلة" ، فتجريها على النعت ، وإن كان اسما كما سموا بالحسن والعباس وما أشبه ذلك.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم (٢ / ٦٤ ، ٢٧٣) ، المقتضب (١ / ٨٤ ، ٩٤ / ٢) ما ينصرف ١٢١ ، شرح النحاس ٣٢ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٣٩ وبه (بخل) ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٦٩ ، وروايته (هات لنا من ذا وألحقنا بذا ال ...) ، الخصائص ١ / ٢٩١ ، المنصف ١ / ٦٦.

٤٧١

وأنشد :

* إن لها مركّبا إرزبا

كأنّها جبهة ذرّي حبّا (١)

استشهد به على المحكي الذي لا يتغير. و" ذرّي حبا" : محكي ومعنى البيت : أنه يصف فرج امرأة وشبهه بجبهة هذا الرجل. والركب والمركب : الفرج.

ويروى مركنا بالنون.

وأنشد أيضا :

* وجدنا في كتاب بني تميم

أحقّ الخيل بالركض المعار (٢)

فأوقع" وجدنا" على قوله : " أحق" وما بعده ، فحكاه كما وقع في الكتاب.

ومعنى البيت : أنه هجاهم فقال : في كتب وصاياهم : (أحق الخيل بالركض المستعار).

وقيل المعار : السمين. ويروى : المغار بالغين معجمة ، ومعناه : الشديد كالخيل المعار ، فعلى هاتين الروايتين لا يكون هجوا ، وقد يجوز أن يكون المعار ، فلا يكون هجوا أيضا ، ويكون معناه : أحق الخيل بأن يركض ويتعجل به في قضاء الحاجة ليصرف إلى صاحبه سريعا ما استعير.

ومثل هذا قول الشاعر :

كأن حفيف منخره ـ إذا ما

كتمن الرّبو ـ كير مستعار (٣)

فشبه شدة نفس الفرس وسرعته : بصوت كير استعير فتعجل العمل به ليصرف معجلا.

وجميع الباب مفهوم بيّن من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب الإضافة وهو باب النسبة

ذكر سيبويه أن النسب في كلامهم على ضربين : مقيس وشاذ ، فمما ذكر من الشاذ قولهم في النسب إلى هذيل : هذلي.

وهذا الباب كالخارج عن الشذوذ لكثرة النسب إليه بحذف الياء. والعلة في حذف الياء أنه اجتمع ثلاث ياءات وكسرة ، فعدلوا إلى الحذف لذلك.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٦٤ ، وما لا ينصرف ١٢٣ ، المقتضب ٤ / ٩ ، شرح النحاس ٣٢١ ، وبه (مركبا) ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٣٩ ، شرح المفصل ١ / ٢٨.

(٢) ديوان بشر ٧٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٦٥ ، المفضليات ٩٨ ، المقتضب ٤ / ١٠ ، الكامل ٣ / ٥٣ ، ما ينصرف ١٢٥ ، شرح النحاس ٣٢١ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٤٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٢٣ ، مجمع الأمثال ١ / ٢٠٣ ، الخزانة ٩ / ١٦٨ ، اللسان (عير) ٦٢٥.

(٣) ديوانه : ٧٩ ، مجمع الأمثال ٢ / ٢٠٣ ، شرح الأعلم ٢ / ٦٥.

٤٧٢

ومعنى قول سيبويه : " في فقيم كنانة".

لأن في بني تميم فقيم بن جرير بن دارم والنسبة إليه فقيمي وقال :

" في مليح خزاعة" ؛ لأن العرب : مليح بن الهون بن خزيمة ، وفي السكون مليح بن عمرو بن ربيعة ، وينبغي أن تكون النسبة إليهما ملحي ، وهذا الشذوذ يجيء على ضروب : منها العدول عن ثقيل إلى ما هو أخف منه. ومنها : الفرق بين نسبتين إلى لفظ واحد ، ومنها : النسبة (إلى) معناه.

فأما قولهم" زبانيّ" في زبينة ، فكان القياس فيه زبنيّ بحذف الياء ، غير أنّهم كرهوا حذفها لتوفية الكلمة حروفها ، وكرهوا الاستثقال أيضا فأبدلوا من الياء ألفا.

وأما النسبة إلى" طيئ" ـ فكان القياس فيه طيئ كما نسبوا إلى" ميت" : ميتي ، فكرهوا اجتماع ثلاث ياءات بينهما همزة ، والهمزة من مخرج الألف تناسب الياء وهي مع ذلك مكسورة ، فقلبوا الياء ألفا.

ويجوز أن يكونوا نسبوا إلى ما اشتق منه. ذكر بعض النحويين أن طيئا يشتق من الطاءة وهي بعد الذهاب في الأرض وفي المرعى.

وأما قولهم في" العالية" : علوي ، فإنما نسبوا إلى العلو لأنه في معنى : العالية ، والعالية بقرب المدينة ، مواضيع من بقعة على غيرها ، والعلو : المكان العالي. ويجوز أن يفرق بين النسبة إليها والنسبة إلى امرأة اسمها العالية.

وأما قولهم في" البادية" : بدويّ ، فنسبوه إلى بدا وهو مصدر. أو الفعل الماضي من : بدا يبدو إذا أتى من البادية.

وقالوا في" البصرة" : بصريّ ، فمن الناس من يقول : نسبوه إلى بصر وهي حجارة بيض تكون في الموضع الذي يسمى بالبصرة ، فإنما نسبوا إلى ما فيها وقال بعضهم : كسروا الباء إتباعا لكسر الراء ؛ لأن الحاجز بينهما ساكن وهو غير حصين كما قالوا : منتن ومنخر.

وقولهم في السهل : سهليّ ، وفي الدهر : دهريّ ، قال بعضهم غيّر للفرق ، وذلك لأن الدهري : هو الرجل يقول بالدهر من أهل الإلحاد والدّهري : المسن الذي أتت عليه الدهور.

و" السّهليّ" هو المنسوب إلى السهل الذي هو خلاف الجبل ، والسهلي منسوب إلى اسم رجل. وحي من عدي يقال لهم : بنو عبيدة ينسب إليهم عبدي ، كأنّهم فرقوا بينهم وبين عبيدة من قوم آخرين ، وكذلك بنو الخبلي من الأنصار ، ومن ولده : عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين ، يقال في النسبة إليه حبليّ للفرق بينه وبين حي آخر ، وسمي الحبلي لعظم بطنه.

وقالوا في جذيمة : جذمي ؛ لأن في العرب جماعة اسمهم جذيمة. وأما قولهم : صنعاني وبهراني ودستواني : فلأن الألف والنون تجري مجرى ألفي التأنيث وقالوا في الشتاء : شتوي

٤٧٣

كأنهم نسبوه إلى شتوة ، وبعضهم يجعل هذا مقيسا ؛ لأن جمع شتوة كركوة وركاء ، وإذا نسب إلى جمع فسبيله أن ينسب إلى واحده.

ونسبوا إلى البحرين : بحرانيّ ، والقياس أن تحذف علامة التثنية في النسبة كما تحذف هاء التأنيث ، غير أنّهم كرهوا اللبس بينه وبين النسبة إلى البحر فبنوا البحرين لما سموا به على مثال سعدان ونسبوا إليه على ذلك.

وأما قولهم إلى الأفق : أفقيّ ، فلأن فعل وفعل يجتمعان كثيرا كقولهم : عجم وعجم ، وعرب وعرب. ومن ضم الهمزة وسكن الفاء ، فهو على القياس ؛ لأن فعل يجوز أن يسكن ثانية قياسا مطردا.

وأما" حروراء" و" جلولاء" فكان القياس : حروراويّ وجلولاويّ غير أنهم أسقطوا ألفي التأنيث لطول الاسم وشبهوهما أيضا بهاء التأنيث.

والذي قال : خراسي شبه الألف والنون بهاء التأنيث أيضا ، والذي قال : خرسيّ : أسقط الزوائد وبناه على فعل ؛ لأنه أخف الأبنية ، ولم يغير الضمة من خراسان. وحمضية بفتح الميم حكي عن المبرد أنه قال : حمض وحمض ، فإن صح هذا فليس بشاذ.

وقولهم : " خرفيّ" في النسب إلى الخريف ، والشذوذ فيه كالشذوذ في ثقفي.

الخرفي بفتح الخاء وتسكين الراء أكثر ، أضافوه إلى المصدر وهو الخرف ، والمصدر قد يستعمل في معنى اسم الفاعل كقولهم : رجل عدل وماء غور.

وقولهم : إبل طلاحية إذا أكلت الطلح : فرقوا بينها وبين ما ينسب إلى طلحة ، كما فرقوا في قولهم : رجل رقباني وجماني بين الغليظ الرقبة والعظيم الجمة ، وبين أن ينسب إلى رجل يقال له : رقبة وجمة.

وغير سيبويه حكى : إبل طلاحية بكسر الطاء.

وأما عضاهي ، فيكون شاذّا ومقيسا. فأمّا المقيس فعلى لغة من يقول : عضاهة للواحد ، وعضاة للجمع. وأما الشاذ فأن يكون واحده : عضة ، وقد سقط منه لام الفعل وهي هاء فإذا جمع قيل عضاة ، والقياس أن يضاف إلى الواحد من هذا ، لا إلى الجمع المكسر.

ومن العرب من يقول في أميّة : أموي بالفتح لطلب الخفة. وأما النسبة إلى القفا : فقفوي ، ومن قال : قفي فهو شاذ وحذفت الواو استثقالا لها.

وذكر سيبويه في طهية طهوي على الشذوذ ، وطهويّ على القياس ، وزاد غيره طهوي بفتح الطاء وتسكين الهاء وهو شاذ أيضا.

وأما قولهم : " شآم" و" يمان" وتهام" ، فالأصل فيه : يمني وشاميّ ، ثم أسقطوا إحدى ياءي النسبة وعوضوا مكانها ألفا قبل آخر المنسوب إليه.

٤٧٤

وأما تهام فاسم البقعة المعروفة : تهامة ، والنسبة إليها تهامي ، ومن قال : تهام ، قدر أن الألف في تهامة تحذف وتفتح التاء ، فبني الاسم على تهم أو تهم ثم ينسب إلى يمن وشأم.

ومن العرب من يقول : تهامي وشآمي ، ويماني ، فتهامي على القياس ، وأما يماني وشامي ، فمنسوب إلى المنسوب المخفف كأنهم لما قالوا : شآم ويمان ، صار ذلك اسما لكل مكان نسب إلى اليمن والشآم. ثم نسب إليه.

وأما النسبة إلى الملائكة والجن روحاني ، فهو نسبة إلى الروح ، كما ينسب إلى جمة جماني ، وإنما قيل لهم الروح للطافة أجسامهم وخفائهم عن الناس.

هذا باب ما حذف الياء والواو فيه القياس

جعل سيبويه فعولة في التغيير بمنزلة ، فأسقط الواو كما أسقط الياء وفتح عين الفعل المضمومة وذهب في ذلك أن العرب قالت في النسبة إلى شنؤة : شنئيّ وكان المبرد يرد القياس على هذا ويجعله من شاذ النسبة الذي لا يقاس عليه.

واحتج في ذلك بأشياء يفرق فيها بين الواو والياء ، فمن ذلك : النسب إلى عديّ : عدويّ ، ومن ذلك نسبهم إلى سمر : سمري ، وإلى نمر نمري ، فلما خالفت الضمة الكسرة في نمر وسمر ، فغيرت الكسرة ولم تغير الضمة ، وخالفت الياء الواو في عدي وعدو ، وجب أن تخالف الياء في فعلية الواو في فعولة.

ومن الشاذ عند سيبويه قولهم : سليقي للرجل من أهل السليقة ، وهو الذي يتكلم على أصل طبعه ولغته ويقرأ القرآن كذلك ، وكأنه من الأعراب الذين لا يقرءون القرآن على سنة كما يقرؤه القراء ، ويقرأ على طبع لغته.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم على

أربعة أحرف فصاعدا

أنشد في هذا الباب :

* فكيف لنا بالشرب إن لم تكن لنا

دوانيق عند الحانويّ ولا نقذ؟ (١)

قال : " والوجه : الحاني"

وإنما صار الوجه ما قال ؛ لأنه منسوب إلى" الحانة" وهي بيت الخمار ، وإنما جاز أن يقول : حانوي ؛ لأنه بناه على فاعله من حنا يحنو ، إذا عطف ، فقال : حانوي على مثال النسبة إلى يرمي : يرموي ، فكأنه جعل البقعة الجامعة للشرب حانية عليهم كما تحن الأم على ولدها.

__________________

(١) ديوان ذي الرمة ٦٦٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٧١ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٤٩ ، شرح المفصل ٥ / ١٥١ ، حاشية الصبان ٤ / ١٨٠ ، المقاصد النحوية ٤ / ٥٣٨ ، اللسان (حنا) ١٤ / ٥٠٥.

٤٧٥

وأنشد لعلقمة بن عبدة :

* كأس عزيز من الأعناب عتقّها

لبعض أربابها حانية حوم (١)

فقال : " حانية" على ما يجب.

والكأس هنا : الخمر ، ونسبها إلى العزيز وهو الملك ؛ لأنه لا يشرب إلا أعتق الخمر وأطيبها. والحانية : الجماعة المنسوبة إلى الحانة ، وهم خدامها. والحوم : جماعة حائم ، أي يحومون على هذه الخمر ويتعهدونها. وقيل معنى حوم : أنها سود الأعناب ، وهو أجود ما عندهم.

هذا باب الإضافة إلى كل شيء من بنات الياء والواو

إذا كان على ثلاثة أحرف

جميع ما في هذا الباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب الإضافة إلى فعيل أو فعيل من

بنات الياء والواو

قال في هذا الباب : وإذا نسبت إلى تحية قلت : تحويّ وتحية أصلها : تفعلة ؛ لأنه مصدر حياة. وأصلها تحيية ، فألقوا كسرة الياء الأولى على الحاء ، وأدغموا فصار لفظها كلفظ فعيلة لأن ثالثها ياء ساكنة قبلها كسرة ، فنسبوا إلى فعيلة بحذف الياء فقالوا : تحويّ كما قالوا عمويّ.

وباقي الباب مفهوم إن شاء الله.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ياء أو

واوا وكان الحرف الذي قبلها ساكنا

قال سيبويه عن يونس ، كان يقول في ظبية : ظبويّ ، وفي دمية : دمويّ قال الخليل : فكأنهم شبّهوها حيث دخلت الهاء بفعلة ؛ لأن اللفظ بفعلة إذا أسكنت العين وفعلة من ذوات الياء سواء.

معنى هذا : أنّ ظبية كأنها ظبية ، ودمية كأنها دمية وفتية كأنها فتية : ثم أسكنوا ، فقيل : ظبية كما يقال في عمية : عمية ، وفي فخذ : فخذ ، وقالوا : دمية كما يقال : في عصر : عصر ، وفي فتية : فتية ، كما يقال في إبل : إبل ، فصار ظبية بعد الإسكان لها من ظبية في لفظ ما كان على فعلة في الأصل. ودمية ـ إذا أسكنوا الميم ـ على وزن فعلة في الأصل. وفتية على لفظ فعلة في الأصل ، فإذا نسبت إلى ظبية أو دمية أو فتية ، وثوانيه مكسورة ، وجب فتحها وقلب

__________________

(١) ديوان علقمة ١٣١ ، المفضليات ٤٠٢ ، شرح المفصل ٥ / ١٥٢.

٤٧٦

الياء واو في النسبة كما لو نسبنا إلى عمية وجب أن نقول : عموي.

وكذلك لو بنيت فعلة من ذوات الواو لصارت بهذه المنزلة تقول في فعلة من الغزو : غزية ، فيصير المسكن على الكسر بمنزلة ما أصله الإسكان.

قال : " فلما" رأوا آخرها ـ يعني آخر فعلة ـ جعلوا إضافتها ـ يعني فعلة ـ كإضافتها ، وجعلوا دمية كفعلة ، وجعلوا فتية كفعلة ، هذا قول الخليل. واحتجاجه ليونس.

وكان الزجاج يرد من هذا القول" دمية" ، ويقول ليس في الأسماء فعلة ، ورد عليه فتية ؛ لأنه ليس في الأسماء فعل إلا إبل.

وقال غيره : لو خففنا نمرا ، فقلنا نمر وسمي به رجل ثم نسبنا إليه لم نرده إلى الأصل ، ونسبنا إليه على التخفيف ، وإنما قدر الخليل رد ذوات الياء إلى الأصل لأنه يستفاد به الخفة لنقل الياء إلى الواو.

وفي" نمر" وأشباهه ، لو رددناه إلى الأصل لصار فيه زيادة ثقل الحركة ، ولذلك لم تقدر في ذوات الواو ـ إذا كان قبل الواو ساكن ـ حركة في الساكن فيردها في النسبة ؛ لأن تقدير ذلك ورده لا يفيد خفة ، لأن الواو حاصلة والسكون قبلها ، فلو رددنا لحركنا ما قبل الواو فكنا نزيد حركة على اللفظ والواو بحالها ، وإنما ذلك في بنات الياء لأن تحريك الثاني منها يوجب قلب الآخر واوا ، فلم يقل الخليل في غزوة وعروة إلا غزوي وعرويّ.

ومعنى قوله : " ولو كانت فعلة ليست على فعل كما أن بسرة على بسر لكان الحرف الذي قبل الواو يلزمه التحريك.

يعني : أنها إذا كانت مثل بسرة على بسر ، قلت : عرية وإن خففت قلت : عرية. وإذا لم تكن فعلة على فعل ، وجب أن يقال فيه عروة وعروة ، فهذا معنى قوله : " لكان الحرف الذي قبل الواو يلزمه التحريك". يعني : الضم. ولم يشبه عروة لأن الواو في عروة قبلها راء ساكنة لا تضم.

ومعنى قوله : " وكنت إذا أضفت إليه جعلت مكان الواو ياء كما فعلت ذلك بعرقوة.

يعني : أنك لو بقيت فعلة على التأنيث فقلت : عروة ، ثم نسبت إليه لقلت عروي وذلك أنك تحذف الياء فتبقى عرو فتنقله إلى الياء فيصير : عري ثم تفتح الراء في عر فيصير عرويّ كما أنك لو أضفت إلى عرقوة حذفت الهاء وقلبت الواو ياء فنسبت إلى عرقي ، فإما قلت عرقي ، وإما قلت : عرقوي ، فاعلم ذلك.

هذا باب الإضافة إلى كلّ شيء لامه واو أو ياء

وقبلها ألف ساكنة

أنشد سيبويه في هذا الباب لجرير :

٤٧٧

* إذا هبطن سماويا موارده

من نحو دومة خبت قلّ تعريسي (١)

السماوة : الارتفاع ، ونسب سماويا إليها ، ودومة خبت : موضع ، والتعريس : النزول (في الليل).

وجميع هذا الباب مفهوم من كلام سيبويه.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم آخره ألف مبدلة

وقع في الباب من كلام سيبويه أنّ" أعيا" حيّ من العرب من جرم.

والمعروف عند أهل النسب أن بني أعيا من بني أسد ، وهو أعيا بن طيف بن عمرو بن قعين من بني أسد.

وباقي الباب مفهوم من كلام سيبويه.

هذا باب الإضافة إلى كلّ شيء كان آخره

ألفا زائدة لا تنون

أنشد في هذا الباب :

* كأنما يقع البصريّ بينهم

من الطوائف والأعناق بالوذم (٢)

البصريّ هنا : السيف ، نسبه إلى بصرى وهي مدينة تنسب إليها السيوف ، وجعل وقع السيف في الأعناق وسرعة قطعه كأنه واقع بالوذم ، والوذم : سيور تشد في عروة الدلو تقوية لها.

وجميع ما في الباب مفهوم من كلام سيبويه.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفا وكان

على خمسة أحرف

ذكر سيبويه عن يونس أنه يجعل مثنى وما جرى مجراه بمنزلة معطي في النسبة. واحتج بإدغام مثنى. وهو قول ضعيف ؛ لأن المدغم بزنة ما ليس بمدغم ، وهما حرفان في الوزن الأول بينهما ساكن.

وقال سيبويه : يلزم يونس أن يقول في عبدّى عبدّوي كما جاز في حبلى حبلويّ ، وإنما ذلك لأن يونس كان يفرق بين ألف مثنى وعبدى ، لأنها في مثنى أصيلة وفي عبدى للتأنيث ،

__________________

(١) ديوانه ١ / ٢٢٣ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٧٦ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٥٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٢٨ ، شرح المفصل ٥ / ١٥٧.

(٢) ديوان الهذليين ٢ / ١٩١ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٧٨ ، شرح السيرافي ١٥٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٢٩.

٤٧٨

فيقال له : إن كان مثنى من أجل الإدغام يصير بمنزلة معطى ، فينبغي أن يصير عبدى بمنزلة ذكرى ، فيجيز عبدوي كما جاز حبلوي. وألزمه أيضا سيبويه : أنه لو جاء اسم مؤنث على مثال معد أو حمص أو ما أشبه ذلك ، فسميناه به مذكرا وجب أن يصرفه ؛ لأنه جعل المدغم كحرف واحد فيصير كرجل سميناه بقدم أو أذن فاعلم ذلك.

هذا باب الإضافة إلى بنات الحرفين

ذكر في هذا الباب أن الاسم إذا كان على حرفين ثم نسب إليه يردّ آخره ، ويحرك ثانيه بالفتح ، وإن كان أصله السكون. وإنما حرّك لأنه كان قبل الرد متحركا بحركة الإعراب ، فلما ردوا إليه الذاهب منه ، لم يسلبوه الحركة وجعلوا الحركة فتحة لأنها أخف الحركات.

فإن قال قائل : كيف تنسب إلى رب المخففة برد الذاهب؟

قلت : ربي ، بالإدغام.

فإن قيل لك : قد كانت الباء متحركة قبل أن ترد الباء فينبغي أن تدعها على حركتها ، فتقول : ربي؟. قيل : كره ذلك من أجل التضعيف ، وهو مستثقل كما استثقل ردد فأدغم.

وقد نسبوا إلى قرة : وهم قوم من عبد القيس ، فقالوا : قرّيّ لأن أصلها قرة ، فخففوا ثم ردوا في النسبة فأدغموا.

واستدل سيبويه على أن أصل" غد" فعل بتسكين الثاني بقول الشاعر :

* وما الناس إلا كالديار وأهلها

بها يوم حلوها وغدوا بلاقع (١)

شبه الناس بالديار إذا كان أهلها بها وهن بلاقع غدا.

والبلاقع : الخالية. وإنما أراد أن الناس في حال اجتماعهم كالديار العامرة ، وأنهم في حال تفرقهم وتغير أحوالهم كالديار الخالية ، أي : إن الناس لا يثبتون على حال كما لا تثبت الديار.

هذا باب ما لا يجوز فيه من بنات الحرفين إلا الرد

أنشد في هذا الباب ـ على أن عضة لامها واو محذوفة قول الشاعر :

* هذا طريق يأزم المآزما

وعضوات تقطع اللهازما (٢)

فجمع" عضة" على عضوات ، والأزم : العضّ.

__________________

(١) ديوان لبيد ١٦٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٨٠ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٥٨ ، المنصف ٢ / ١٤٩ ، ٦٤١ ، شرح المفصل ٤ / ٦.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٨١ ، الكامل ٣ / ٦٧ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٥٩ ، المسائل العسكرية ١ / ١٧١ ، المسائل البغداديات ١٥٨ ، المنصف ١ / ٥٩ ، ٣٨٦ ، الخصائص ١ / ١٧٢ ، الممتع في التصريف ١ / ٦٢٥ ، شرح المفصل ٥ / ٣٨ اللسان (أزم) ١٢ / ١٧ ، (عضه) ١٣ / ٥١٦.

٤٧٩

يصف صعوبة الطريق وشدته على من ركبه.

واستدل سيبويه على أن" هنت" أصلها هنوة ، بقول الشاعر :

* أرى ابن نزار قد جفاني وملني

على هنوات كلها متتابع (١)

فجمع" هنت" على هنوات ، وهنوات كناية عن أفعال قبيحة فعلها به.

وباقي الباب مفهوم.

هذا باب الإضافة إلى ما فيه الزيادة من بنات الحرفين

اعلم أن تاء التأنيث قد دخلت على أسماء مؤنثة فجعلت عوضا من المحذوفات ، فأجريت مجرى الحرف الأصلي فسكن ما قبلها. وخولف مذهب هاء التأنيث إذا كانت هاء التأنيث تفتح ما قبلها ، فهذه الأسماء يكون ما قبل التاء فيها ساكنا ، وذلك قولهم : بنت وأخت وهنت ومنت فجعلت أخت بمنزلة : قفل ، وبنت بمنزلة : جذع ، وهنت بمنزلة : فلس ، فصار للتاء في هذه الأسماء مذهبان :

ـ مذهب الحروف الأصلية لسكون ما قبلها.

ـ ومذهب هاء التأنيث ؛ لأنها لم تقع إلا على مؤنث ومذكر بخلاف لفظها ، فجمعتها العرب وصغرتها بالرد إلى الأصل وترك الاعتداء بالتاء ، فاختار النحويون ردها إلى الأصل في النسبة كما ردتها العرب في التصغير والجمع إلى ذلك فقالوا : بنويّ في بنت ، وأخوي في أخت ، وفتحت النون والخاء ؛ لأن الجمع قد دل على فتح الثاني في الأصل حين قالوا : بنات وأخوات.

وكان يونس يجيز : بنتي وأختي على ما ذكرناه من إلحاقها بجذع وقفل ، فأجرى الملحق بمنزلة الأصلي ، ولم يكن يقول في هنت ومنت : هنتيّ ومنتيّ.

فقال الخليل : " من قال : بنتي ، قال : هنتي ومنتي"؟

يعني : أنه يجب عليه أن يقول : هذا.

قال : " وهذا لا يقوله : هذا.

قال : " وهذا لا يقوله أحد".

وذكر سيبويه كلتا بعد بنت ، وقد ذكرنا أن التاء في كلتا كالتاء في بنت.

ثم قال بعد هذا : " ومن قال : رأيت كلتا أختيك ، فإنه يجعل الألف ألف تأنيث.

وهذه التاء بمنزلة التاء في بنت غير أنها لما صارت للإلحاق وجاز أن تلحقها ألف

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٨١ ، المقتضب ٢ / ٢٦٩ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٥٨ ، المنصف ٣ / ١٣٩ ، شرح المفصل (١ / ٥٣ ، ٣ / ٦ ، ١٠ / ٤١) ، اللسان (هنا ١٥ / ٣٦٦).

٤٨٠