النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

هذا باب ما كان على مفاعل أو مفاعيل

ذكر في هذا الباب أن" أفعالا" و" مفعولا" تمتنع من الصرف في المعرفة وإن كانت جمعا لمضارعتها للواحد ، وقوى ذلك ما حكاه عن أبي الخطاب الأخفش أنه سمع العرب يقولون : ثوب أكياش : للخلق ، وبعضهم يقول : أكياش جمع وإن كان واقعا على الثوب كما يقال : قميص أخلاق يراد : أنه ذو قطع مخلقة.

وذكر أن العرب تقول : سدوس : للطّيلسان الأخضر وحكى" جدور" في معنى جدور ، وأتي ، وهو : مسيل الماء ووزنه" فعول" ، فهذا وما أشبهه تقوية لصرف" فعول" من أبنية الجمع إذا سمي به.

واعترض بعض الناس في الجمع الذي أوله مفتوح وثالثه ألف فقال : قد وجدنا في الواحد نظير هذا ، وهو قولهم للضبع حضاجر ، وحضاجر عند سيبويه جمع سميت به (الضبع) وهي معرفة ، والمعارف من أسماء المدن والناس قد تقع بالجموع كقولهم في بعض آبار القبائل : كلاب وفي بعض المدن مدائن. وواحد حضاجر : حضجر ، يقال ضب حضاجر أي ممتلئة ، وسميت الضبع حضاجر لكبر بطنها.

وأما" سراويل" فهي عند سيبويه والنحويين أعجمية وهو اسم واحد وافق بناؤه بناء ما لا ينصرف ، فأجري مجراه ومن الناس من يجعل" سراويل" جمعا لسروالة وجمعه جمعا لقطع الخرق. وأنشد :

* عليه من اللؤم سرواله (١)

وقد ذكره المبرد واعتمد عليه.

والذي عند غيره أن سروالة لغة في سراويل ، والدليل على ذلك أن الشاعر لم يرد : عليه من اللؤم قطعة من السراويل ، هذا بعيد.

والعلة المانعة من صرف هذا الجمع :

ـ أنه جمع وأنه لا نظير له في الواحد.

ـ وفي الجموع ما له نظير فصار لهذا الجمع مزية في البعد عن الواحد ، فكأنه جمع مرتين فصار كالنقلين والعلتين.

ـ ووجه آخر يقال : لمّا لم يحتمل هذا الجمع أن يكسّر ، وفي الجمع ما يحتمل التكسير صار له بذلك مزية في البعد عن الواحد يكسر.

__________________

(١) المقتضب ٣ / ٣٤٦ ، شرح السيرافي الكتاب ٢ / ١٦ وشرحه / ٤ ورقة ٩٦ ، شرح المفصل ١ / ٩٤ ، الهمع ١ / ٢٥ ، الخزانة ١ / ٢٣٣ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٥٤.

٤٤١

ـ ووجه آخر : أنه لما لم يحتمل التكسير أشبه الفعل لأن الفعل لا يجمع فكأن فيه شبه الفعل والجمع ، وقد سقط ألف الجمع تخفيفا ، فيقال : جندل وذلذل يريدون جنادل وذلاذل ، وهي أسافل القميص الطويل ، ويصرفونه لأنه نقص عن البناء المانع للصرف.

وبين سيبويه أن" ثمانيا ورباعيا ويمانيا وشاميا" ـ وإن كان على لفظ الجمع فهو منصرف لأنه منسوب في الأصل ، والألف عوض من إحدى ياءي النسب.

وذكر أنّ بعض العرب ترك صرف" ثمان" على مذهب الجمع كأن الواحد ثمنى والجمع ثمان كما قالوا : ملهى وملاه وأرطى وأراط.

وأنشد :

* يحدو ثماني مولعا بلقاحها

حتّى هممن بزيغة الإرتاج (١)

فلم يصرف" ثماني" ، وهو قليل ـ عند سيبويه ـ ضعيف.

واعلم أنّ" ياء" النسب إذا دخلت على ما قبلها ولم يجمع. فهو منصرف كقولك : " حواريّ" لأن التقدير أنا نسبناه إلى حوار ، وكذلك رجل حوالي كأنا نسبناه إلى حوال.

ومعنى حوالي : لطيف الحيلة ، حسن التصرف.

وأما" عواديّ"" وحوالي" جمع حولي فإنه لا ينصرف لأنه منسوب قبل الجمع ، ولم يلحق بالنسب بحوال فاعلم ذلك.

هذا باب تسمية المذكر بلفظ الاثنين

والجمع المسلّم

اعلم أن الاسم المثنى إذا سمي به لا يجوز أن يجعل الإعراب في النون ، ويجعل ما قبلها ياء لازمة ، كما جاز ذلك في الجمع ، وإنما يجعل ما قبل نون التثنية ألفا لازمة لأن نظيرها في الكلام موجود نحو : زعفران ، وعثمان وما أشبه ذلك.

وليس في الكلام في آخر الاسم ياء ونون زائدتان ، وقبل الياء فتحة ، فمن أجل ذلك لم يقل : رجلين ومسلمين إذا سمينا بالمثنى ، وأما في الجمع ، فقد وجد نظير في الكلام إذا ألزمت النون الإعراب وجعلوا قبلها ياء لازمة كقولهم : " غسلين" : وما أشبهه.

واعلم أن بعض النحويين يقول : إذا حذف التنوين من جماعة المؤنث إذا سمي بها لم يجز إلا الفتح.

وكان المبرد لا يجوز الفتح. وكلام سيبويه يدل على جوازه وإن لم يفصح بذلك لأنه

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٧ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٤٧ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ٩٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٩٧ ، حاشية الصبان ٣ / ٢٤٨ ، الخزانة ١ / ١٥٧ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٥٣.

٤٤٢

قال : " ومن العرب من لا يقول أذرعات ويقول : قريشيات كما ترى شبهوها بهاء التأنيث ؛ لأن الهاء تجئ للتأنيث ولا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة".

فهذا من كلام سيبويه دليل بين أن التاء في الجمع بمنزلة الهاء ، والألف عنده كالمطرحة إذ ليست بحاجز حصين فينبغي أن يكون الفتح أولى ، وروي عن الأصمعي أنه قال : ترك التنوين مع الكسر خطأ وينبغي أن يفتح ، فاعلمه.

هذا باب الأسماء الأعجميّة

ذكر سيبويه في هذا الباب : " هودا" مع" نوح" و" لوط" وهما أعجميان ، والمعروف أن" هودا" عربي ، والذي يظهر من كلامه ، أنه أعجمي عنده ، لما عده مع نوح ولوط.

والناس مختلفون في هذا فمنهم من يقول : إن العرب من ولد إسماعيل ، ومن كان قبل ذلك فليس بعربي ، و" هود" قبل إسماعيل في ما يذكر ، والله أعلم بحقيقة ذلك.

ووقع في الباب : " النّيروز بالياء ، وينبغي أن يكون بالواو ولو كان بالياء لقالوا يناريز.

واعلم أن الاسم الأعجمي إذا صغر فهو ممتنع من الصرف كما كان قبل التصغير ، لأن العجمة باقية فيه كما أن" عناق" إذا سمي به رجل ، كان على تأنيثه ولم يصرف فاعلمه.

هذا باب تسمية المذكر بالمؤنث

ذكر في هذا الباب أن" فعولا" و" مفعالا" إذا نقلا من صفة المؤنث إلى تسمية المذكر فهما منصرفان ، لأن أصلهما التذكير. ووصف بهما المؤنث كما يوصف بعدل ورضي ، وكذلك حائض وطامث ، وناقة ضارب إذا سمي بها رجل انصرفت لأن أصلها التذكير. والناقة الضارب : التي تضرب الحالب بخفها.

ثم شبه تقديره حائضا صفة لشيء ـ والشيء مذكر وإن لم يستعملوه ـ بقولهم : الأبرق والأبطح والأجدل ، في من ترك الصرف ، لأنها صفات وإن لم يستعملوا الموصوفات.

وذكر أن أسماء الرياح تكون صفات وأسماء.

وأنشد في الصفة للأعشى :

* لها زجل كحفيف الحصا

د صادف باللّيل ريحا دبورا (١)

فوصف" بالدّبور" والزّجل : الصوت. والحفيف : صوت الريح في ما يبس من الزرع والحصاد ، كلما حان أن يحصد.

وأنشد في الاسم قول الشاعر :

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٠ ، الكامل (٣ / ٥٨ ، ٦٠) ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٥٦ ، شرح النحاس (٣١١ جرس) شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٠٠ ، المسائل البغداديات ٣٦٢ ، شرح ابن السيرافي (٢ / ٢٣٧ ، ٢٥٦) اللسان (دبر) ٤ / ٢٧٢.

٤٤٣

* حالت وحيل بها وغير آيها

صرف البلى تجري به الرّيحان

ريح الجنوب مع الشمال وتارة

رهم الرّبيع وصائب التهتان (١)

فأضاف إلى" الجنوب" ولو كانت صفة لم يضف إليها ؛ لأن الشيء لا يضاف إلى صفته كما لا يضاف إلى نفسه ، فعلى هذا إذا سمي بها رجل لم تصرف ، لأنها اسم لمؤنث سمي به مذكر.

يصف دارا خلت من أهلها حولا ، وحيل بها ، أي : غيرت والمعنى : أحيلت ، وعاقبت الباء الهمزة. وآيها : علاماتها ورسومها. والبلى : تقادم العهد. ثم ذكر أن الرياح تعاقبت عليها فمحت آثارها ، وكذلك الأمطار ، وهي : الرهم. والتهتان : الغزير السائل من المطر.

وقال سيبويه في سعاد وأخواتها إنها اشتقت ، وكذلك عناق وعمان.

ومعنى قوله : " اشتقت" ، أي : استؤنفت لهذه الأشياء واختصت بها ولم تكن من قبل أسماء لأشياء أخر فنقلت إليها ، كأنها اشتقت من السعادة ، وزيد عليها ما زيد ليوضع اسما لشيء بعينه ، وكذلك أخواتها ، كما أن" عناق" أصله من العنق وزيدت فيه الألف ، فوضع لهذا الجنس.

هذا باب تسمية المؤنث

اعلم أن النحويين مجمعون على صرف المؤنث الساكن الأوسط وترك صرفه.

وكان الزجاج يخالفهم وحجته أن السكون لا يغير حكما أوجبه اجتماع علتين تمنعان الصرف.

والقول ما قاله النحويون لأن إجماعهم عليه لم يكن إلا لشهرة ذلك في كلام العرب مع أنهم قد أسقطوا لقلة الحروف أحد الثقلين وذلك إجماعهم في نوح ولوط أنهما مصروفان وإن كانا أعجميين معرفتين لنقصان الحروف ، فمن حيث وجب هذا في الأعجمي ، وجب في المؤنث لنقصان الحروف والحركة.

واعلم أن سيبويه يجعل ثقل المذكر إلى المؤنث لما كان خلاف الموضوع من كلام العرب ، والمعتاد من ألفاظهم ثقلا يعادل به نهاية الخفة التي بها صرف من صرف" هندا".

وكان عيسى بن عمر يرى صرف ذلك أولى ، وإلى هذا ذهب المبرد ؛ لأن زيدا وأشباهه إذا سمي به مؤنث فأقل أحواله أن يصير مؤنثا فيثقل بالتأنيث ، وكونه خفيفا في الأصل لا يوجب له ثقلا أكثر من الثقل الذي في أصل المؤنث.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢١ ، الكامل ٣ / ٦٣ ، شرح النحاس ٣١١ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠١ ، المسائل البغداديات ٣٦٣.

٤٤٤

هذا باب تسمية الأرضين

ذكر سيبويه أن واسطا كان أصلها أن تكون بالألف واللام ؛ لأنها في الأصل صفة كما يقال : الحارث والعباس ، ولكن حذفت الألف واللام على تقدير تسمية المكان بصفته دون أن تجعل صفة غالبة. والعرب قد تفعل هذا ، فربما قالوا : العباس وعباس والحسن وحسن.

وأنشد :

* ونابغة الجعديّ بالرّمل بيته

عليه تراب من صفيح موضّع (١)

وهو النابغة بالألف واللام على أنه صفة غالبة ، ولكنه سماه بنابغة الذي هو صفة فخرج عن باب الصفة الغالبة.

وأنشد للفرزدق في تأنيث" هجر" فترك صرفها :

* منهن أيام صدق قد عرفت بها

أيّام فارس والأيام من هجرا (٢)

فلم يصرف" هجر" لأنه جعلها اسما للأرض والبقعة.

قال : " وسمعنا من يقول : كجالب التّمر إلى هجر"

فاستعمل المثل بترك صرف" هجر" وهذا يضرب مثلا لكلّ من جلب شيئا إلى موضع لا يستغرب فيه ولا يعجب منه ؛ لأن" هجر" أرض كثيرة التمر ، فهي مستغنية عن أن يجلب إليها ويضرب أيضا لمن أعلم غيره بشيء هو أعلم به منه.

وأنشد لجرير في ترك صرف" حراء" :

* ستعلم أيّنا خير قديما

وأعظمنا ببطن حراء نارا (٣)

فجعل" حراء" اسما لبقعة فلم يصرف ، ويقال فلان عظيم النار : إذا كان كثير الأضياف واسع المعروف.

وأنشد لرؤبة في صرفه :

* وربّ وجه من حراء منحن (٤)

__________________

(١) ديوان مسكين الدرامي ، ٤٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٤ ، المقتضب ٣ / ٣٧٣ ما ينصرف وما لا ينصرف ٥٤ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٠٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٢٤ ، فرحة الأديب ١٢٦ ، الخزانة ٤ / ١٠١ ، اللسان (وسط) ٧ / ٤٣١ ، (نبغ) ٨ / ٤٥٣.

(٢) ديوانه ١ / ٢٩١ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٣ ، المقتضب ٣ / ٣٥٩ (أيام واسط). ما ينصرف ٥٣ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٠٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٥٩ ، اللسان (وسط) ٧ / ٤٣٢.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٤ ، المقتضب ٣ / ٣٥٩ ، الأنباري ٢٣٩ ، شرح النحاس ٣١٩ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٣.

(٤) ديوان رؤبة ١٦٣ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٤ ، ونسبه سيبويه للعجاج ـ وما ينصرف وما لا ينصرف ٥٤ ـ شرح النحاس ٣١٢ ، (فرب) ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٣ ، اللسان (حري) ١٤ / ١٧٤.

٤٤٥

فصرف حراء لمّا أراد به المكان ، وعلى هذا تجري أسماء الأرضين فاعلم ذلك.

هذا باب أسماء القبائل والأحياء

وما يضاف إلى الأم والأب

ذكر سيبويه في هذا الباب أن العرب لا تقول : هذا تميم ، على معنى : هذا حي تميم لئلا يلتبس اللفظ بالإخبار عن تميم ، وكان القياس أن يقال على قوله عز وجل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا) [يوسف : ٨٢] ففصل سيبويه بينهما لوقوع اللبس ، وكأن القرية كثر استعمالها عبارة عن الأهل ، فلا يقع اللبس فيها إذا أضيف فعل إليها.

وأنشد في أنّ" أبا القبيلة" جعل لفظه عبارة عن القبيلة لهند بنت بشير في روح ابن زنباع :

* بكي الخز عن روح وأنكر جلده

وعجت عجيجا من جذام المطارف (١)

فجعل" جذام" ـ وهو أبو القبيلة ـ اسما لها. فلم يصرف ، وجذام قبيلة روح ـ والمطارف : الثياب المعلمة الأطراف.

وأنشد للأخطل :

* فإن تبخل سدوس بدرهميها

فإن الريح طيبة قبول (٢)

فلم يصرف" سدوس" لأنه جعله اسما للقبيلة ، وهو في الأصل اسم للأب. وإنما قال الأخطل هذا : لأنه مدح رجلا من العرب ففرض له على أحباء من قبيلة درهمين درهمين على كل واحد منهم فقضاه كل رجل من كل حي درهمين إلا" سدوس" فقال هذا مستقصرا لهم معرضا بهم للهجاء.

وكان المبرد يقول" سدوس" اسم امرأة وهي بنت ذهل بن شيبان ، وذكر محمد بن حبيب في كتابه" القبائل" ما يدل على صحة ما قال سيبويه ، قال في كتابه المذكور : سدوس بن دارم بن مالك وسدوس بن ذهل بن ثعلبة بن بكر بن وائل وفي طيىء سدوس بن أصمع بن نبهان.

واعلم أن الذي لا يقال فيه بنو فلان على ضربين :

أحدهما : أن يكون لقبا للحي ولم يقع اسما ولا لقبا لأب.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٥ ، المقتضب ٣ / ٣٦٤ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٥٧ ، شرح النحاس ٣١٢ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٥ ، جمهرة الأنساب ٣٦٤.

(٢) ديوان الأخطل ١٢٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٦ ، شرح النحاس ٣١٣ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣٣ ، الخصائص ٣ / ١٧٦ ، فرحة الأديب ١٣٧ ، اللسان (سدس) ٦ / ١٠٥ ، (قبل) ١١ / ٥٤٥.

٤٤٦

والآخر : أن يكون اسما لأب ثم غلب عليهم فصار كاللقب لهم ، واطرح ذكر الأب.

فأما ما يكون لقبا لجماعتهم فهو يجري مرة على الحي ومرة على القبيلة كقريش وثقيف.

وأما ما كان اسما لرجل منهم فنحو معد ، وهو : معد بن عدنان وهو أبو قبائل ربيعة ومضر ، ونحو : كلب بن وبرة ، ولا يستعمل فيه بنو كلب ، وقد استعمل بعض الشعراء بني معبد ، فقال :

* غنيت دارنا تهامة في

الدّهر وفيها بنو معدّ حلولا

فمن جعل هذه الأسماء لجملة القوم فهو يجريه مرة اسما للحي فيذكر ويصرف ، ومرة اسما للقبيلة فيؤنث ولا يصرف.

وأنشد :

* غلب المساميح الوليد سماحة

وكفي قريش المعضلات وسادها (١)

فجعل" قريش" اسم القبيلة فلم يصرف. والبيت لعدي بن زيد بن الرقاع يمدح الوليد ابن عبد الملك.

وأنشد :

* علم القبائل من معدّ وغيرها

أنّ الجواد محمّد بن عطارد (٢)

فلم يصرف" معد" لما أراد القبيلة.

وأنشد :

* ولسنا إذا عدّ الحصى بأقلّة

وإنّ معدّ اليوم مود ذليلها (٣)

يقول : عددنا كثيرا فإذا عد الحصى ووجد كثيرا ، لم يقل عددنا عند كثرة الحصى كما يقلّ الشيء وإن كان كثيرا عند ما هو أكثر منه. ومعنى مود : هالك ذاهب.

وأنشد أيضا :

* تمدّ عليهم من يمين وأشمل

بحور له من عهد عاد وتبّعا (٤)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٦ ، المقتضب ٣ / ٣٦٢ ، ٣٦٣ ، الكامل ٤ / ١٤١ ما ينصرف وما لا ينصرف ٢٩ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٨٢ ، الإنصاف ٢ / ٥٠٦ ، اللسان (سمح) ٢ / ٤٨٩ ، (قرش) ٦ / ٣٣٥.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٧ ، المقتضب ٣ / ٣٦٣ ، الكامل ٢ / ٣٠٨ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٢٦ ، فرحة الأديب ١٥١ ، الإنصاف ٢ / ٥٠٥ ، الإنصاف ٢ / ٤٩٣ مسألة ٧٠.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٧ ، المقتضب ٣ / ٣٦٣ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٥٩.

شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣٨ ، الإنصاف ٢ / ٥٠٥ ، اللسان (مد) ٣ / ٤٠٦.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٧ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٦ ، الإنصاف ٢ / ٥٠٤ ، اللسان (عود) ٣ / ٣٢٢.

٤٤٧

فلم يصرف" عاد" لأنه سمى به القبيلة ، وكذلك" تبع".

ومثله :

* لو شهد عاد في زمان عاد

لا بتزّها مبارك الجلاد (١)

فصرف ولم يصرف ، يقول لو شهد عادا في زمانها فلقيها محاربا لها لسلبها في مواضع الجلاد بالسيف.

قال : " وتقول هذه ثقيف بن قسيّ. فتجعله اسم الحيّ وتجعل الابن وصفا كما تقول كل ذاهب وهو واحد فأجراه على لفظ كل ، لا على معناه.

وقال الشاعر في وصف الحي بواحد :

* بحيّ نميريّ عليه مهابة

جميع إذا كان اللّئام جنا دعا (٢)

فوصف" الحي" بنميري حملا على اللفظ ، يصف أن هذا الحي معظّم مهيب مجتمع عند أمر ينوب إذا كان اللئام متفرقين عند النائبة لا يجتمعون لدفعها.

وأنشد :

* سادوا البلاد وأصبحوا في آدم

بلغوا بها بيض الوجوه فحولا (٣)

فجعل" آدم" اسم قبيلة ، فسماها باسم أبيها ؛ لأن آدم أبو القبائل كلها ، وقال : " بلغوا بها بيض الوجوه" فأنث وجمع وصرف" آدم" للضرورة.

قال : " وكان أبو عمرو لا يصرف سبأ يجعله اسما للقبيلة".

وأنشد للنابغة الجعدي :

* من سبأ الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما (٤)

فلم يصرف" سبأ" ، لأنه أراد القبيلة. ومأرب : اسم أرض. والعرم : السكر وهو السد.

وقال في الصرف للنابغة أيضا :

* أضحت ينفّرها الولدان من سبأ

كأنهم تحت دفّيها الدّحاريج (٥)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٧ ، إعراب القرآن ٢ / ٤٥٠ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٠٦ ، الإنصاف ٢ / ٥٠٤.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢٢ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣١٨. اللسان (جندع) ٨ / ٦١ (جدع) ٨ / ٤٣.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٨ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ١٠٧ ، همع الهوامع ١ / ٣٥.

(٤) ديوان النابغة ١٣٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٨ ، لم ينسب في الكتاب الكامل ابن السيرافي ٢ / ٢٤١ ، الإنصاف ٢ / ٥٠٢ ، الخزانة ١١ / ١٣٦ ، اللسان (سبأ) ١ / ٩٤ (عرم) ١٢ / ٣٩٦.

(٥) ديوان النابغة ١٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٨ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٧ ، الإنصاف ٢ / ٥٠٣ (دحاريج) اللسان (دحرج) ٢ / ٢٦٥.

٤٤٨

فصرف" سبأ" ؛ لأنه قصد الحي والأب ، ولو لا أن الوجهين ـ في الصرف ، وترك الصرف ـ مشهوران في الكلام ، وقد أتت بهما القراءة ، ما كان في صرف" سبأ" في الشعر حجة ، إذا كان للشاعر أن يصرف ما لا ينصرف.

ووصف في هذا البيت إبلا أن الولدان ينفرونها ، وشبههم ـ إذا أحاطوا بها منفرين لها ـ بالدحاريج ، وهي ما يدرج ، واحدها : دحروج.

هذا باب ما لا يقع إلا اسما للقبيلة

كما أن عمان لا تقع إلّا اسما للمؤنث .... وذلك مجوس ويهود

قال امرئ القيس :

* أحار ترى بريقا هبّ وهنا

كنار مجوس تستعر استعارا (١)

فلم يصرف" مجوس" لأنه جعله اسما لجماعة هذه الملة ، وإنما شبه البرق بنار المجوس لأنهم يعبدونها ويعظمونها فهي مستعرة أبدا مشتعلة ، فشبه البرق في سطوعه وانتشاره بها. وصغره وهو يريد تعظيمه ، وقد يقع مثل هذا في كلامهم ، وقد تقدم ذلك.

وقال الأنصاري يرد على عباس بن مرداس ، وكان قد مدح بني قريظة ، وهم يهود ، فمدح الأنصاري المسلمين فقال :

* أولئك أولى من يهود بمدحة

إذا أنت يوما قلتها لم تؤنب (٢)

أي : لم تلم ـ وأما" نصارى" : فنكره ، وهو عند سيبويه جمع نصران ونصرانة ، والغالب في الاستعمال نصراني ونصرانية والأصل : نصران ونصرانة ، مثل : ندمان وندمانة ، فإذا جمع رد إلى الأصل فقالوا : نصارى ، كما قالوا : ندامى.

قال الشاعر : (٣)

* فكلتا هما خرّت وأسجد رأسها

كما سجدت نصرانة لم تحنفّ

فجاء" نصارى" على هذا وإن كان غير مستعمل في الكلام ، وقال غير سيبويه في أن" نصارى" جمع نصرى كما أن مهارى جمع مهرى.

وأنشد سيبويه على أن" نصارى" جمع نكرة لشيء مثل يهود ومجوس في التعريف ـ قول الشاعر :

__________________

(١) ديوانه ٧٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٨ ، الكامل ٢ / ٢٤٤ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٦٠ ، شرح النحاس ٣١٣ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٧ ، دلائل الإعجاز ٥٩٢.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٦٠ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٧ ، اللسان (هود) ٣ / ٤٣٩.

(٣) هو أبو الأخزر الحماني ، في الكتاب ٢ / ١٠٤ ، الإنصاف واللسان.

٤٤٩

* صدّت كما صدّ عما لا يحلّ له

ساقي نصارى قبيل الفصح صوام (١)

فوصف" نصارى" بصوام. والفصح : عيد فطرهم ، سمي بذلك لأكلهم الطعام نهارا كأنهم أفصحوا به.

يصف ناقة عافت الماء فصدت عنه وهو النمر بن تولب.

هذا باب أسماء السّور

استدل سيبويه على أنّ (حاميم) ليس من كلام العرب بأن العرب لا تدري ما معنى (حاميم).

قال : ولو قلت إن لفظ حروفه لا يشبه لفظ حروف الأعجمي فإنه قد يجيء الاسم هكذا وهو أعجمي. قالوا : قابوس ونحوه من الأسماء ؛ لأن حا من كلامهم.

و" ميم" من كلامهم يعني : من كلام العجم ، كما أنها من كلام العرب ، وكذلك القاف والألف والباء والواو والسين في قابوس ، ولغات الأمم تشترك في أكثر الحروف فاعلمه.

وأنشد ـ في أن" حاميم" لا تصرف لموافقتها أبنية العجم نحو هابيل وقابيل ـ للكميت :

* وجدنا لكم في آل حاميم آية

تأوّلها منّا تقيّ ومعرب (٢)

أراد" بآل حاميم" سورة (حاميم).

ومعنى البيت : أنه أخبر أن قوله عز وجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] ـ قرآن ـ فمن كان على تقية أو غير تقية لم يجد بدا من أن يفصح بهذه الآية لأنه كتاب الله جل وعز ، والمعرب : المفصح بالشيء المبين له.

وأنشد أيضا :

* أو كتبا بين من حاميما

قد علمت أبناء إبراهيما (٣)

فلم يصرف" حاميم" لأنه اسم للسورة وهو على بناء الأعجمية.

والبيت الثاني دليل على ترك صرفها لأن في آخره إبراهيم وهو غير منصرف.

هذا باب تسمية الحروف والكلم

ذكر سيبويه في هذا الباب أن الرجل إذا سمي" ذو" ، فإن مذهبه أن يقال : " هذا ذوا"

__________________

(١) شعر النمر ١١٤ وبه (قوام). الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩ ، شرح النحاس ٣١٩ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٨ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٥٥.

(٢) الهاشميات ٣٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠ ، المقتضب ١ / ٢٣٨ ، ٣ / ٣٥٦ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٨ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٠١.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٠ ، المقتضب ١ / ٢٣٨ ، شرح النحاس ٣١٤ ، وانظر شرح السيرافي ٤ ورقة ١٠٨.

٤٥٠

و" رأيت ذوا" و" مررت بذوا" بمنزلة عصى ورمى لأن أصله فعل. وكان الخليل يقول هذا ذو ، فيجعله فعلا بتسكين العين.

وكان الزجاج يذهب مذهب الخليل. ومن حجة الخليل أن الحركة غير محكوم عليها إلا بثبت ، ولم يقم الدليل على أن العين متحركة. والدليل عند سيبويه ذواتا.

وذكر من يحتج للخليل ، أن الاسم إذا حذفت لامه ، بني فردّ إليه اللام وحركت العين ، وإن كان أصلها السكون كقولهم يديان." ويد" عندهم" فعل" في الأصل ، ولكنها لما حذفت اللام فوقع الإعراب على الدال ثم ردوا المحذوف لم يسلبوا الدال الحركة ، وجعلت الحركة فتحة لخفتها. وذكر سيبويه أنه يقال : واحد اثنان فيشم الواحد الضم وإن كان مبنيا ؛ لأنه متمكن في الأصل ، وما كان متمكنا إذا صار في موضع غير متمكن جعل له فضيلة على ما لم يكن متمكنا قط.

وأنشد سيبويه ـ في تذكير اسم الحرف إذا قصد به الحرف دون الكلمة ـ للراجز :

* كافا وميمين وسينا طاسما (١)

وفي بعض النسخ" طامسا" ، وهما بمعنى يقال : طمس الأثر وطسم : إذا عفا وتغير.

وأنشد للراعي :

* كما بينت كاف تلوح وميمها (٢)

فقال : " بينت" وأنث.

وأنشد في تأنيث" ليت".

* ليت شعري مسافر بن عم

ر وليت يقولها المحزون (٣)

فأنث : " يقولها". وينشد : مسافر بالرفع والنصب. فمن رفع فتقديره : ليت شعري خبر مسافر بن أبي عمرو ، فحذف خبر وأقام مسافر مقامه في الإعراب.

ـ ومن نصبه : نصبه" بشعري" وحذف الخبر ، ويجوز أن يكون" مسافر" منادى ، والشعر لأبي طالب يرثي مسافرا.

وأنشد لأبي زبيد :

* ليت شعري وأين مني ليت؟

إن ليتا وإن لوا عناء (٤)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣١ ، المقتضب ٤ / ٤٠ ، شرح النحاس ٣١٤.

(٢) شرح الأعلم ٢ / ٣١ ، المقتضب (١ / ٢٣٧ ، ٤ / ٤٠ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣١٨ ، شرح المفصل ٦ / ٢٩.

(٣) ديوانه ٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٢ ، شرح النحاس ٣١٥ ، شرح السيرافي ٤ / ١١١ ، الخزانة ١٠ / ٤٦٣.

(٤) ديوانه ٢٤ ، شرح الأعلم ٢ / ٣٢ ، المقتضب ١ / ٢٣٥ ، ٤ / ٣٢ ، ٤٣ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٦٥ ، ـ ـ

٤٥١

فزاد في" لو" حرفا لما جعلها اسما وأخبر عنها.

وأنشد في مثل هذا :

* ألام على لوّ ولو كنت عالما

بأذناب لوّ لم تفتني أوائله (١)

واعلم أن حروف التهجي إذا أردت التهجي : مبنيات ؛ لأنهن حكاية الحروف التي في الكلمة ، والحروف في الكلمة إذا قطعت ، كل حرف منها مبني ؛ لأن الإعراب إنما يقع على الاسم بكامله ، وإذا قصدنا إلى كل حرف منها بنيناه وهذه الحروف التي على حرفين أحدهما ألف هي بمنزلة" لا" و" ما" فإذا احتجنا جعلناها أسماء ومددناها فقلنا : ياء وتاء ، كما نقول : لاء وماء إذا احتجنا إلى جعلها أسماء ، وتعرف بالألف واللام وتنكر بخروجها عنها.

وأما" ليت" و" لو" ، فلا تدخلها الألف واللام ، والفرق بينهما أن الباء قد توجد في أسماء كثيرة ، فيكون حكمها وموضعها في كل واحد من الأسماء على خلاف حكمها في الآخر ، كقولك : بكر وضرب وخبر وغير ذلك من الأسماء والأفعال ، لما ذكرت في موضعها واختلفت ، صار كل واحد منها نكرة.

وأما" ليت" و" ولو" وما أشبه ذلك فهن لوازم في موضع واحد وما استعمل منها في أكثر من موضع ، فليس ذلك بالشائع الكثير ، ومواضعه تتقارب فتصير كالمعنى الواحد.

وأنشد في تسكين حروف المعجم إذا تهجيت :

* تكتبان في الطريق لام ألف (٢)

ألقى حركة" ألف" على ميم" لام" وكانت ساكنة ، وليست هذه الحركة حركة يعتد بها ، وإنما هي تخفيف الهمزة بإلقاء الحركة على ما قبلها ، وقبل هذا البيت :

أقبلت من عند زياد كالخرف

تخط رجلاي بخط مختلف

يصف أنه شرب عند زياد فسكر ، فلما أراد المشي لم يمتلك نفسه كما لا يملكها الخرف وهو الهرم المتقارب.

__________________

ـ شرح النحاس ٣١٥ ، شرح السيرافي ٤ / ١١١.

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٣ ، المقتضب ١ / ٢٣٥ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٦٦. شرح المفصل ٦ / ٣١ ، همع اللوامع ١ / ٥.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٣٤ ، المقتضب ١ / ٢٣٧ ، ٣ / ٣٧ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٢ ، الخصائص ٣ / ٢٩٧ ، مغني اللبيب ١ / ٤٨٤ ، شرح شواهده ٢ / ٧٩٠ ، الخزانة ١ / ٩٩.

٤٥٢

هذا باب تسمية الحروف بالظروف وغيرها من الأسماء

" ومنهم من يقول : عن قيل وقال لما جعله اسما"

وأنشد :

* أصبح الدّهر وقد ألوي بهم

غير تقوالك من قيل وقال.

فأجرى" قيل وقال" اسمين فخفض ، ولم يرد الحكاية.

يصف أن الدهر قد أذهبهم فلم يبق منهم غير الخبر عنهم.

قال سيبويه : " والقوافي مجرورة".

وقد أنكر المبرد احتجاجه بجر القوافي على خفض قيل ، يذكر أنه يجوز أن تكون القافية موقوفة وتكون اللام من قبل مفتوحة ، فيقول : " من قيل".

وقال : قال سيبويه : وفي الحكاية ، قالوا : مذ شبّ إلى دبّ. وإن جعلتهما اسمين قلت : مذ شبّ إلى دبّ".

وهذا مثل ، كأنه قال : مذ وقت الشباب إلى أن دب على العصا من الكبر.

وفصل سيبويه بين : " أبي جاد" و" هوز" و" حطي" ، فجعلهن عربيات ، وبين البواقي فجعلهن أعجميات.

وكان المبرد يجوز أن يكن كلهن أعجميات.

وقال بعض المحتجين لسيبويه : إنما جعلهن لأنهن مفهومات المعاني في كلام العرب ، وقد جرى" أبو جاد" على لفظ لا يجوز إلا أن يكون عربيا ، تقول : " هذا أبو جاد" ، و" رأيت أبا جاد" و" مررت بأبي جاد".

قال الشاعر :

* أتيت مهاجرين فعلموني

ثلاثة أحرف متتابعات

وحطوا لي أبا جاد وقالوا

تعلم صعفصا وقريشيات (١)

و" جاد" في قولك : أبو جاد مشتق من جاد يجود ، أو من الجواد وهو العطش ، أو من قولهم : جودا له أي : جوعا له.

و" هوّاز" : مأخوذ من هوز الرجل وقوز إذا مات أو من قولهم : ما أدري أي الهوز هو ، أي : أي الناس هو. وحطي : من حط يحط.

والذي يقول : إنها أعجميات غير مبعد إن كان يريد بذلك أن الأصل فيها العجمة ؛

__________________

(١) شرح الشواهد ٢ / ٣٦ ، والسيرافي في شرحه ٤ / ١١٤.

٤٥٣

لأن هذه الحروف عليها يقع تعليم الخط بالسرياني ، وهي معارف لا تدخلها الألف واللام ـ فاعلم ذلك.

هذا باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث كما جاء المذكر معدولا

اعلم أنك إذا سميت امرأة بشيء من العدول عن الفعل فإن بني تميم ترفعه وتنصبه ، وتجريه مجرى اسم لا ينصرف ، وهو القياس عند سيبويه.

واحتج بأن نزال في معنى أنزل. ولو سمينا" بأنزل" امرأة لكنا نجعلها معرفة ولا نصرفها ، فإذا عدلنا عنها نزال وهي اسم فهي أخف من الفعل الذي هو أفعل ، وقد رد هذا المبرد ، فقال (أبو) العباس قول أهل الحجاز ، لأن أهل الحجاز : يجرون ذلك مجراه في الأول فيكسرون ، ويقولون فيه كما يقولون في امرأة اسمها حذام : هذه حذام ، ورأيت حذام ، ومررت بحذام. وبنو تميم يقولون : هذه حذام ورأيت حذام ومررت بحذام ، فالتسمية" بنزال" أقوى في البناء من التسمية" بأنزل" لأن" أنزل" فعل ، فإذا سمينا به فقد نقلناه عن بابه فلزمه التغير ، كما أنا نقطع ألف الوصل ، فنغيرها عن حال الفعل.

و" فعال" اسم ، فإذا سمينا بها لم نغيرها ؛ لأنا لم نخرجها عن الاسمية ، فلما لم تخرج عن الاسمية ، أجريت على لفظها الأول.

قوله : " فمما جاء آخره الراء : سفار وهو اسم ماء وحضار وهو اسم كوكب. لأنهما مونثان كماوية والشعري كأن تلك اسم الماءة. وهذه اسم الكوكبة".

أراد سيبويه أن" سفار" وإن كان اسما لماء ـ والماء مذكر ـ فإن العرب قد تؤنث بعض مياهها ، فيقولون : " ماء بني فلان" فكأن" سفار" اسم الماءة ، و" حضار" وإن كان اسم الكوكب ، والكوكب مذكر ، فكأنه اسم الكوكبة في التقدير ؛ لأن العرب قد أنثت بعض الكواكب فقالوا : الشعرى والزهرة.

وأما قوله : " كماوية" ، فإنما أراد أن" سفار" و" حضار" في التأنيث كماوية والشعري.

والأغلب أن التمثيل" بماوية" ، غلط وقع في الكتاب وإن كانت كل نسخ متفقة عليها ، وإنما هو : كماءة" وهو أشبه ؛ لأن" سفار" : ماء والعرب قد تقول للماء المورود : ماءة.

وأنشد في ما جاء اسما للفعل قول الراجز :

* مناعها من إبل مناعها

ألا ترى الموت لدى أرباعها؟ (١)

الأرباع : جمع ربع وهو : ما نتج في الربيع.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٢٣ ، ٢ / ٣٦ ، المقتضب ٣ / ٣٦٩ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٧٢ ، شرح النحاس ١١٨ ، السيرافي ٤ / ورقة ١١٥.

٤٥٤

وأنشد أيضا :

* تراكها من إبل تراكها

ألا ترى الموت لدى أوراكها؟ (١)

أي : اتركها فإن الموت في القرب منها والالتباس بها.

وأنشد لأبي النجم :

* حذار من أرماحنا حذار (٢)

وقال رؤبة :

* نظار كي أركبها نظار (٣)

فنظار اسم لقوله : انظر ، بمعنى : انتظر.

وأنشد :

* نعاء ابن ليلى للسماحة والندى

وأيدي شمال باردات الأنامل (٤)

معنى قوله : وأيدي شمال باردات : كان يطعم الناس إذا هبت الشمال واشتد البرد فبردت الأيدي والأنامل.

وأنشد لجرير :

* نعاء أبا ليلى لكل طمرة

وجرداء مثل القوس سمح حجولها (٥)

الطمرة : الخفيفة من الخيل الوثوب. والجرداء : القصيرة الشعرة وشبهها بالقوس لضرها وصلابتها. وقوله : سمع حجولها : يعني : أنها ذلول لا تمنع من التقييد والحجول : جمع حجل وهو القيد.

وأنشد للنابغة الجعدي :

* فقلت لها عيثي جعار وجرري

بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره (٦)

" فجعار" اسم للضبع معدول عن الجعارة وهي التي تجعر. والعيث : أشد الفساد.

وأنشد :

* لحقت حلاق بهم على أكسائهم

ضرب الرقاب ولا يهمّ المغنم (٧)

__________________

(١) الكتاب ١ / ١٢٣ ، ٢ / ٣٦ ، الكامل ٢ / ٦٩ ، المقتضب ٣ / ٣٦٩ ، الإنصاف ٢ / ٥٣٧.

(٢) ملحقات ديوان رؤبة ١٧٤. شرح الأعلم ٢ / ٣٧ ، مجالس ثعلب ٢ / ٥٨٣ ، المقتضب ٣ / ٣٧٠ ، الكامل ٢ / ٦٩.

(٣) ديوان العجاج ٧٥ ، شرح الأعلم ٢ / ٣٧ ، المقتضب ٣ / ٣٧٠ ، الكامل ٢ / ٦٩ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٥.

(٤) شرح الأعلم ٢ / ٣٧ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣١ ، الإنصاف ٢ / ٥٣٨.

(٥) شرح الأعلم ٢ / ٣٧ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٧٣ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٥ ، الإنصاف ٢ / ٥٣٨.

(٦) ملحقات ديوانه ٥٩٠ ، شرح الأعلم ٢ / ٣٨ ، المقتضب ٣ / ٣٧٥ ، الكامل ٥٣ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٥.

(٧) شرح الأعلم ٢ / ٣٨ ، المقتضب ٣ / ٣٧٢ ، الكامل ٢ / ٧٠ ، شرح السيرافي ٤ ورقة ١١٥.

٤٥٥

" حلاق" اسم المنية معدول عن الحالقة. والأكساء : المآخير واحدها كسؤ ، أي : لحقت بهم على أدبارهم منهزمين ولم يهتم أحد منهم بالغنيمة.

وأنشد لمهلهل :

* ما أرجى بالعيش بعد ندامى

قد أراهم سقوا بكأس حلاق (١)

أي : أهلكتهم المنية ، فكأنهم سقوا بكأسها.

وأنشد :

* فقلت امكثوا حتى يسار لعلنا

نحج معا ، قالت : أعاما وقابله؟ (٢)

" فيسار" معدولة عن المسيرة ، وهي الغنى واليسر. أمرها أن تتربص عليه حتى يوسر فيحج معها.

وأنشد للجعدي :

* وذكرت من لبن المحلّق شربة

والخيل تعدو بالصعيد بداد (٣)

" فبداد" في موضع الحال ، وهي في معنى مصدر مؤنث معرفة ومعناه : تعدو بدادا ، أي : متفرقة ، غير أنها لم تعدل عن بدد ؛ لأن بددا نكرة ، وإنما عدلت عن البدة والمبادة وغير ذلك من ألفاظ المصادر المعروفة المؤنثة.

يعيّر رجلا بالانهزام ، فيقول : ذكرت شربك اللبن وتنعمك فكرهت الموت فرجعت منهزما ، والخيل متفرقة للغارة. والصعيد : وجه الأرض. وهذا البيت لعوف بن عطية بن الخرع يهجو لقيط بن زرارة ، وكان قد أسر أخاه معبد بن زرارة بنو عامر.

وأنشد في ما عدل من بنات الأربعة :

* قالت له ريح الصبا : قرقار (٤)

وبعد هذا :

واختلط المعروف بالإنكار.

يريد : قالت الصبا للسحاب : قرقر بالرعد. وقوله : واختلط المعروف بالإنكار أي أصاب

__________________

(١) شرح الأعلم ٢ / ٣٨ ، المقتضب ٣ / ٣٧٣ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٧٤ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٦.

(٢) شرح الأعلم ٢ / ٣٩ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣١٦ ، شرح ملحقة الإعراب ٢٦٨ ، شرح المفصل ٤ / ٥٥.

(٣) ديوان الجعدي ٢٤١ ، ديوان حسان ١٠٨ ، شرح الأعلم ٢ / ٣٩ ، مجالس ثعلب ٢ / ٤٥٩ ، المقتضب ٣ / ٣٧١.

(٤) شرح الأعلم ٢ / ٤٠ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٦ ، شرح المفصل ٤ / ٥١ ، حاشية الصبان ٣ / ١٦٠ ، الخزانة ٦ / ٣٠٧ ، اللسان (قرر) ٥ / ٨٩.

٤٥٦

المطر كل ما كان مما كان يبلغه المطر ويعرف ، ومما كان لا يبلغه المطر وينكر بلوغه إياه.

قال المبرد : غلط سيبويه في هذا ، وليس في بنات الأربعة من الفعل عدل ، وإنما" قرقار" و" عرعار" حكاية للصوت ، كما يقال : غاق وغاق ، ولا يجوز أن يقع (عدل) في ذوات الأربع ، لأن العدل إنما يقع في الثلاثة ، لأنه يقال فيه : فاعلت إذا كان من كل واحد فعل فيقع فيه تكثير الفعل ، كقولك : ضربت وقتلت وما أشبه ذلك.

وقال الزجاج : باب فعال في الأمر أن يراد بها التوكيد والدليل على ذلك أن أكثر ما يجيء منه مبني مكرر كقولهما :

حذار من أرماحنا حذار

تراكها من إبل ترّاكها

وذلك عند شدة الحاجة إلى هذا الفعل.

وحكى المبرد عن المازني مثل قوله ، وحكى المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو مثله.

وقوله سيبويه أصح ، وذلك أن حكاية الصوت إذا حكوا كرروا فلا يخالف الأول الثاني ، كما قالوا : غاق غاق ، وحاي حاي ، وقد يصرفون الفعل من الصوت المكرر فيقولون : عرعرت وقرقرت ، وإنما الأصل : عار عار وقار قار ، فإذا صرفوا الفعل منه غيروه إلى وزن الفعل ، فلما قال : عرعار وقرقار ، فخالف اللفظ الأول الثاني علم أنه محمول على عرعر وقرقر. وعرعر : لعبة للصبيان ، وكذلك خراج ، ومعناه : اخرجوا.

وأنشد للمتلمس :

* (جماد لها جماد) ولا تقولي

طوال الدّهر ما ذكرت : حماد

" فجماد" : معدولة عن الجمود في المعنى لا في اللفظ ، وكأنه في الحقيقة معدول عن الجمدة ، و" حماد لها" وهو اسم المحمدة ، كما كان يسار اسما للميسرة.

وأنشد للأعشى في ما أجرى مما في آخره الراء مجرى غيره :

* ومر دهر على وبار

فهلكت جهرة وبار (١)

فرفع" وبار" وجرها وأجراها مجرى" قطام" وغيرها في لغة بني تميم.

و" وبار" : اسم أرض أو أمة هلكت في الزمان الأول. وأول هذه القصيدة :

ألم تروا أمما وعادا

أودى بها الليل والنهار (٢)

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٩٤ ، وشرح الأعلم ٢ / ٤١ ، المقتضب ٣ / ٥٠ ، ٣٧٦ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٧٧ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣٩.

(٢) ديوانه ١٩٤ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٧ ، شرح الأعلم ٢ / ٤١.

٤٥٧

هذا باب تغيير الأسماء المبهمة إذا صارت أعلاما خاصة

قال في هذا الباب : " وإن سميت رجلا بألا المقصورة من ألاء أجريتها مجرى هدى ونونتها. وليس بمنزلة حجا ورمى لأن هذين مشتقان وألا ليس مشتقا ولا معدولا ، يعني : أن حجا ورمى معدولان كعمر وزفر من حاج ورام ، والحاج هو : المتنحي. يقال : حجا عنه ناحية فهو حاج.

و" ألا" ليس كذلك وإنما هي لغة في" ألاء".

وبين سيبويه أن الاسم المتمكن لا يكون على حرفين أحدهما حرف لين إلا أن يكون مضافا ، ثم مثل المضاف إليه بهاء التأنيث المحذوفة في" عرقوة" في أن المضاف إليه سوغ التكلم بالمضاف لأنه من تمامه ، كما أن الهاء سوغت التكلم بالواو" عرقوة" ، فإذا أفردت وحذفت الهاء قلت : " عرق" لأنه لا يكون اسم آخره واو قبلها حركة.

وذكر عن الخليل أنه يرد النون في جمع" ذي" إذا سمي به مفردا ؛ لأن الإضافة قد زالت عنه.

وأنشد للكميت :

* فلا أعني بذلك أسفليكم

ولكني أريد به الذوينا (١)

جمع" ذا" بالواو والنون لأنه أراد : ذو يمن وذو فايش وذو يزن ، فحذف المضاف إليه وجمعه ، كما تجمع سائر الأسماء بالواو والنون.

ووقع في النسخ بعد هذا البيت : ذو يزن بصرف يزن ، وحكي عن الجرمي أنه قال : ذو يزن غير منصرف بمنزلة ليسع اسم رجل.

واعلم أن الأصل في المبنيات كلها أنه إذا سمي بشيء منها رجل أعرب ، ولم يغير حكمه أن أصله مبني.

" فأمس" مبني على الكسر ، فإذا سمينا به رجلا ، أعربناه ، والذي أوجب بناءه قبل التسمية ، أن فيه معنى الإشارة إلى اليوم الذي ثانيه يومك ، فإذا انقضى اليوم لم يلزمه هذا الاسم فصار بمنزلة شيء حاضر تشير إليه" بذا" ، فإذا زال عن الحضرة ، لم تقل" ذا" وأيضا فإنه بمنزلة الضمير ؛ لأنه لا يعرف إلا باليوم الذي أنت فيه فأشبه الضمير الذي لا يضمر إلا بأن يجري ذكره أو يكون حاضرا.

فإذا سمي" بأمس" رجل ، فهو مصروف في لغة أهل الحجاز وبني تميم ، وقد بين سيبويه

__________________

(١) ديوانه ٢ / ١٠٩ ، شرح الأعلم ٢ / ٤٣ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٢٧ ، الهمع ٢ / ٥٠.

٤٥٨

هذا وكأن قائلا قال له : لم تصرفه على اللغتين جميعا ، وبني تميم لا يصرفونه إذا قالوا : " ذهب أمس"؟ ، ففرق بين ترك الصرف في لغة بني تميم إذا أرادوا اليوم ، وبين أن تسمي به رجلا ؛ لأن" أمس" إذا أرادوا به الوقت ، لم يعربوه. وإن أعربوه فهم يريدون أحد أمرين : إما أن يكون على تقدير : ذهب الأمس فيعدلون به عن الألف واللام ، فيجمع فيه العدل والتعريف فيمنع الصرف ، أو يكون معدولا على لغة أهل الحجاز ولغة بني تميم في المجرور والمنصوب ، فكأنه عدلوه عن المبني وهو معرفة فاجتمع فيه العدل والتعريف ، فإذا سمينا به رجلا ، فقد زال عنه العدل ، فلذلك انصرف.

ومعنى قول سيبويه : " لأنهم عدلوه عن الأصل الذي هو عليه في الكلام"

يريد : على معنى نفسه ، ولم ينقلوه إلى شيء آخر ، والأصل الذي هو عليه في الكلام أن يكون بالألف واللام إذا عرفنا ، أو مكسورا للعلة التي ذكرنا من البناء.

والذي ينبغي أن يكون عليه في القياس أن متى لقينا شيئا بلفظ وجعلناه علما له ، لم نحتج إلى الألف واللام وصار معرفة به ، فهم لم يجعلوا هذا اللفظ على جهة أنه علم ، وإنما جعلوه على معنى الألف واللام وعدلوه عنها فترك صرفه ، كما ترك صرف" سحر" إذا عدل عن الألف واللام. فاستعمل بنو تميم في منع الصرف من" أمس" تقدير الألف واللام وعدله عنهما ، كما استعمل الناس ذلك في" سحر" ظرفا.

وقوله : " وإذا سميت رجلا بأمس في هذا القول" إلى قوله : " لأنك لم تعدله عن أصله في الكلام مخالفا للقياس".

يعني لم يعدل الرجل عن أصله في الكلام كما عدلت بنو تميم أمس الذي ثانيه اليوم من أصله في الكلام ، وكذلك" سحر" إذا سميت به رجلا تصرفه.

قال : " وهو في الرجل أقوى لأنه لا يقع ظرفا ، ولو وقع اسم شيء فكان ظرفا صرفته.

وكان كأمس لو كان أمس منصوبا غير ظرف مكسور كما كان".

يعني : لو سمينا وقتا من الأوقات أو مكانا من الأمكنة التي تكون ظرفا" بسحر" ، وجعلناه لقبا له لا نصرف ؛ لأنه ليس بالشيء المعدول ، وكان" كأمس" لو سميت به.

وقوله : " وهو في الرجل أقوى".

يعني : في باب الصرف ؛ لأن الرجل لا يكون ظرفا أقوى.

قال : " وقد فتح قوم أمس في مذ" وهم بعض بني تميم. وإنما فعلوا ذلك لأنهم تركوا صرفه ، وما بعد مذ" يرفع ويخفض ، فلما ترك بعض من يرفع تصرف" أمس" بعد مد ترك أيضا من يجر صرفه بعدها ، فكانت مشبهة بنفسها.

قال الراجز :

٤٥٩

* لقد رأيت عجبا مذ أمسا

عجائزا مثل الأفاعي خمسا (١)

وهذا قليل لأن الخفض بعد مذ قليل ـ فاعلمه.

باب الظروف المبهمة غير المتمكنة

قال في هذا الباب : " ويدلّك على أن قبل وبعد غير متمكنين أنه لا يكون فيهما مفردتين ما يكون فيهما مضافتين. لا تقول : هذا قبل كما تقول هذا قبل العتمة.

هذا حكاه سيبويه ولم يخالف فيه.

واحتج بعضهم في امتناع جوازه ؛ لأنه لا فائدة فيه ؛ لأن الفائدة في التوقيت بما قد أضيف إليه ، فإذا حذف ، زالت الفائدة. ويلزم صاحب هذا القول أن يكونا لا فائدة فيهما إذا حذف ما أضيفا إليه في غير الخبر.

والعلة الصحيحة في ذلك : أن" قبل" و" بعد" إذا كانا خبرين فقد حذف من الكلام ما يعمل في الظروف كقولنا : " زيد قبل عمرو" ، والتقدير فيه : " استقر قبل عمرو" فإذا حذفنا ما قبله في التقدير صار ذلك إجحافا فتجنبوه.

وقوله في لدن : إنها لا تقع في جميع مواضع عند فضعيف.

يعني : أن عند اتسعوا فيها فقالوا : " عندي مال" ، وإن كان نائبا ، ولا يقولون ذلك في" لدن" ، فجعلت بمنزلة" قط" لأنها غير متمكنة ، وكذلك : " قط" و" حسب" إذا أردت : " ليس إلا" و" حسب" في البناء مثل" قط" إلا أنهم بنوه على حركة.

وإذا أردت" قط" المشددة التي هي لما مضى من الدهر كانت مبنية على الضم لامتناع الساكنين ، وشبهوه" بمنذ" لأنه في معنى : " ما رأيته منذ كنت".

قال : " وسألته عن معكم ومعي. لأي شيء (لم يبن على السكون)؟ فقال : لأنها استعملت غير مضافة اسما كجميع. ووقعت نكرة وذلك قولك. جاءا معا.

فلما حركت في هذا الموضع المذكور المفرد وجب تحريكها في الإضافة ، وإنما وجب إفراده في هذا الموضع ، لأنا إذا أضفنا فقلنا : " ذهب زيد مع عمرو" فقد ذكرنا اجتماعه مع عمرو وأضفنا" مع" إلى غير الأول ، فإذا قلنا : " ذهبنا معا" فليس في الكلام غيرهما تضيف" مع إليه" ، ولا يجوز أن تضيف" مع" إليهما كما لا تقول : " ذهب زيد مع نفسه" ونصب" معا" على الحال في قولك : " ذهبا معا" ، ويجوز أن يكون ظرفا ، كأنه قال : ذهبا في وقت اجتماعهما ، وقد يسكن في الشعر ، يشبه" بلدن" ، و" بهل" وما أشبه ذلك من المسكنات.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٤٤ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٩٥ ، شرح السيرافي ٤ / ١٢٢ شرح عيون الكتاب ٢٠٨ ، أوضح المسالك ٣ / ١٥٤ ، شرح المفصل ٤ / ١٠٦ ، الهمع ١ / ١٧٥ ، الخزانة ٧ / ١٦٧.

٤٦٠