النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

فشبه" كأن" بفعل محذوف لا يتغير عن عامله تامّا.

والوريدان : حبلا العنق. والرّشاء : الحبل ، والخلب : ليف النخل. والرفع إذا خففت" كأن" أجود ، ويضمر اسمها فيها لأنها" أن" دخلت عليها" كاف" التشبيه ، و" أن" إذا كانت مفتوحة لم تقع أولا في موضع المبتدأ فتجعل ما يليها مبتدأ ، وتجعل" أن" ملغاة كإن إذا كسرتها وخففت ، لأن المكسورة تدخل على المبتدأ وتؤكده ، فإذا ألغيت ولم تعمل ، فما بعدها مبتدأ واقع موقعه من الكلام.

ومعنى قوله : لنصبوا كما ينصبون إذا اضطروا في الشعر بكأن إذا خفّفوا يريدون معنى" كأن" ، ولم يريدوا الإضمار.

إن قال قائل : أي ضرورة إلى النصب تقع والوزن فيه وفي الرفع واحد؟ قيل له : إنما أراد إذا اضطروا إلى التخفيف ولم يريدوا إضمارا ، وسبيل ذلك سبيل ما خفف من الفعل في اللفظ ولم يتغير عمله ، كقولك : لم يك زيد قائما وما أشبهه.

هذا باب آخر تكون أن فيه مخففة

اعلم أن العلم واليقين والمعرفة وما جرى مجراها من أفعال التحقيق مختص بهن" أنّ" المشددة الناصبة للأسماء ، وإنا خصت بها ، لأن المشددة ـ المفتوحة بمنزلة" إنّ" المكسورة في باب التوكيد والإيجاب ، وما اختص بالإيجاب لا يدخل عليه ما ينقص دلالته على الإيجاب.

فلم يدخل على" أنّ" المشددة : رجوت واشتهيت وبابها ؛ لأن هذه الأفعال يجوز أن يوجد ما بعدها وأن لا يوجد ، فوقعت على" أن" المخففة التي لا توكيد فيها ولا مضارعة لما يوجب التوكيد.

واعلم أن من الأفعال ما يكون فيه تأويلان : أحدهما : الإيجاب والآخر : غيره فيجوز فيه أن تكون" أن" بعده بالتشديد ، أو التخفيف بتأويل التشديد ورفع الفعل بعده.

ويجوز أن تكون بعده ناصبة للفعل ، وذلك : ظننت وخلت ـ وحسبت و" رأيت" من رؤية القلب ، وفيها تأويلان :

أحدهما : تأويل العلم واليقين والمعرفة ، لأن الظان قد أثبت في ظنه ما ظنه واعتقده ، وعنده أنه حق كما يعتقده العالم في ما علم أنه حق ، فعلى هذا التأويل تجري" أن" بعد هذه الأفعال مجراها بعد العلم.

والتأويل الثاني : في هذه الأفعال : أنها أفعال وقعت في القلب واعتقدها صاحبها بغير دليل ولا برهان ، وعلم أن ذلك الاعتقاد ـ لما كان بغير دليل ـ يجوز أن يكون معتقده يصح ويجوز أن لا يصح ، فصار بمنزلة : خشيت و" خفت" فعلى هذا التأويل تكون أن بعد هذه الأفعال ناصبة للفعل ، كما كانت بعد : خشيت وخفت.

٤٢١

وذكر سيبويه قولهم : أمّا أن جزاك الله خيرا

ومعناه : حقا أنه جزاك الله خيرا ، كما تقول : " أما أنك رجل" بمعنى : حقا أنك رجل ، وحذف اسم أن وخففت ووليها الفعل وجاز ذلك لأن هذا الكلام دعاء.

والأشياء التي تكون عوضا من التخفيف وحذف الاسم ، لا يصح وقوعها فيه ، لأن" قد" لا تقع في الدعاء ، وكذلك" السين" و" سوف" ، لأنهما يصيران الكلام يقينا واجبا ، والدعاء ليس بواجب. ولا يجوز دخول" لا" لأنها تقلب معنى الدعاء له إلى الدعاء عليه ، فاحتمل لذلك ترك العوض ، وأجازوا كسر" إن" في هذا الموضع فقالوا : " أما إن جزاك الله خيرا" ، على تخفيف" إن" ولإضمار اسمها ، ومعنى" أما" إذا كسرت" إن" ، معنى" ألا" التي يستفتح بها الكلام.

وأجاز سيبويه : " ما علمت إلا أن تقوم"

وإنما جاز ذلك لأن العلم استعمل فيه على معنى المشورة والرأي ، فصار بمنزلة الظن ، ولو أراد العلم الحقيقي لقال : " ما علمت إلا أن ستقوم"

وباقي الباب مفهوم إن شاء الله.

باب أم وأ

هذا الباب ترجمة لما يأتي بعده مفصلا إن شاء الله

هذا باب" أم" إذا كان الكلام بها بمنزلة أيهم وأيهما

اعلم أنّ" أم" فيها معنى حرف الاستفهام ، وحرف العطف وهي تشبه ـ من حروف العطف ـ " أو" فأما موقعها في الاستفهام فعلى وجهين :

أحدهما : أنها تعادل ثانيه ألف الاستفهام أولا وتكون بمعنى" أيهما" وإنما تكون كذلك إذا كان المستفهم قد عرف وقوع شيء من شيئين أو من أشياء ولا يعرفه بعينه ، فيسأل من يقدر أن عنده علم ذلك ليخبره به معينا معروفا. ويعبر عن هذا السؤال بأن فيه تسوية ومعادلة ، فأما التسوية : فهي أن الاسمين المسئول عن تعيين أحدهما مستويان في علم السائل ، فما عنده في أحدهما مثل ما عنده في الآخر. وأما المعادلة : فهي بين الاسمين ، جعلت الاسم الآخر عديلا للأول بوقوع" الألف" على الأول و" أم" على الثاني. وقد اتسعت العرب في هذا واستعملوه في غير الاستفهام ، من ذلك قول القائل : " قد علمت أزيد في الدار أم عمرو" ، وهذا ليس باستفهام والمتكلم فيه بمنزلة المسئول ، والمخاطب يصير فيه بمنزلة السائل ، لأن القائل قد علمت أزيد في الدار أم عمرو ، يعتقد من قول المتكلم له أن في الدار أحدهما ، ولا يعرفه بعينه ، فهو بمنزلة السائل في الأول ، وإنما جاز الاستفهام" بأم" في هذا وما أشبهه ـ وإن لم يكن استفهاما ـ لما فيها من معنى التسوية والمعادلة ، فشبهت بالاستفهام لاجتماعهما في التسوية لا في الاستفهام.

٤٢٢

قال سيبويه : " وتقول : ما أدري أقام أو قعد؟ إذا أردت أنه لم يكن بينهما شيء".

كأنه يقول : لا أدعي أنه كان منه في تلك الحال قيام ولا قعود ، أي : لم أعدد أعدد قيامه قياما ، ولم يستبن لي قعوده ، فصار بمنزلة ما لا قيام له يعرف ولا قعود. فكأنه قال : ما أدري أكان منه أحد هذين ، وإذا أيقن بكون أحد الأمرين منه وشك فيه عينا ، قال : " ما أدري أقام أم قعد" فهذا قد علم أن أحد الأمرين منه كائن ولا يعرفه بعينه.

هذا باب أم منقطعة

قد تقدم أحد وجهي أم في الباب الذي يلي هذا.

والوجه الثاني : أن تكون منقطعة مما قبلها ومنزلتها منزلة الألف إذا اتصلت بكلام قبلها ، إلا أن" الألف" تكون ابتداء و" أم" لا تكون ابتداء لأنها للعطف.

ففي الوجه الأول : تعطف شيئا على شيء وهما من جملة واحدة. وفي الوجه الثاني : تعطف جملة على جملة ، إلا أن الثاني منقطع من الأول ، ولا يكون ما بعدها إلا كلاما تاما.

وقد شبه النحويون" أم" في هذا الوجه ببل ، ولم يريدوا بذلك أن ما بعد" أم" محقق كما يكون ما بعد" بل" محققا ، وإنما أرادوا أن" أم" استفهام (مستأنف) بعد كلام يتقدمها ، كما أن" بل" تحقيق ـ بعد كلام ـ مستأنف يتقدمها.

واعلم أنه إذا كان بعد" أم" حرف الجحد الذي هو نقيض ما قبله ، فمعناها ومعنى" أو" سواء ، وذلك قولك : " أعدك زيد أم لا؟ فأم" منقطعة كأنه حين قال : أعندك زيد؟ كان يظن أنه عنده ، وسأل عنه وحده ثم أدركه مثل ذلك الظن في أنه ليس عنده ، فقال : " أم لا"؟.

والدليل على أنها منقطعة : أن السائل لو اقتصر على قوله : " أعندك زيد؟ "

لاقتضى استفهامه عن ذلك أن يقال له : " نعم" أو" لا" فقوله : " أم لا" : مستغني عنها في تتميم الاستفهام الأول ، وإنما يذكره الذاكر ليبين أنه عرض له الظن في نفي أنه عنده ، كما كان عرض له الظن في أنه عنده ، و" أو" تقتضي هذا المعنى ، فلذلك استوت" أم" و" أو" فيه.

ويدخل في هذا المعنى ما حكاه الله جل وعز عن فرعون من قوله :

(أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا) [الزخرف : ٥١ ـ ٥٢] لأن قوله : " أم أنا خير" بمنزلة قوله : " أم تبصرون ، أم أنا" ، على ما بينه سيبويه وبالإيجاب ، بأحد الأمرين في المسألة الأولى ، وذكر" أم" بعدها كالتوكيد المستغنى عنه. ألا ترى أن قوله : أفلا تبصرون يستدعي السائل به أن يقال له : " لا تبصر" أو" تبصر" ، كأن فرعون ظن أولا أنهم لا يبصرون ثم أدركه ظن أنهم يبصرون على نحو ما ذكرناه في ما قبله.

وقال أبو زيد : " أم" زائدة في هذا الموضع ، ولم يقله غيره من النحويين وأما ما أنشده سيبويه للأخطل :

٤٢٣

* كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظّلام من الرباب خيالا؟ (١)

فإنه يكون على أنه خبر بكذب عينه إياه ، كأنها تمثلت لعينه ثم لم تدم على ذلك ، فقال : كذبتك عينك ثم أدركه ظن بأن ذلك كان في النوم ، فقال : أم رأيت بواسط خيالا ، وقد يخبر الشاعر بالشيء ثم يرجع عنه إما بتكذيب ، وإما بتشكيك فيه.

كقول زهير :

* بلى وغيّرها الأرواح والديم

بعد أن قال : " لم يعفها القدم".

ويجوز أن يكون على حذف الألف من : " أكذبتك" على تقدير أيهما كان ، كأنه قال : أتمثلت لك في اليقظة كفكرك فيها على غير حقيقة ، أم رأيتها في النوم؟

وعلى هذا قال الأسود بن يعفر :

* لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر (٢)

فلا بد فيه من تقدير الألف لأنه يهجو هذه القبيلة ، فيقول : لم تستقر على أب ، لأن بعضا يعزونها إلى سهم وبعضا يعزونها إلى منقر.

وعمر بن أبي ربيعة :

* لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان (٣)

أراد : " بسبع" أم" بثمان" على تقدير : ما أدري بأيهما رمين.

وأما قول كثير :

* أليس أبي بالنضر أم ليس والدي

لكل نجيب من خزاعة أزهرا (٤)

" فأم" فيه منقطعة ، والكلام جملتان ، ومعناه : تقدير شيء بعد شيء ، كأنه قال : أليس أبي

__________________

(١) ديوان الأخطل ٤١ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٨٤ ، الكامل ٢ / ٢٤٥ ، المقتضب ٣ / ٢٩٥ ، شرح النحاس ٣٠٩ ، شرح السيرافي ٤ / ٦٢١ ، ٦٢٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٦٧ ، فرحة الأديب ٢٠١ ، مغني اللبيب ١ / ٦٦ شرح شواهد المغني ١ / ١٤٣ ، الخزانة ١١ / ١٣١.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٨١ للأسود بن يعفر ، الكامل ٣ / ١٧٨ ، المقتضب ٣ / ٢٩٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٦٢٢ ، ٦٢٦ ، مغني اللبيب ١ / ٦١ ، شرح شواهد المغني ١ / ١٣٨ ، الهمع ٢ / ١٣٢ ، حاشية الصبان ٣ / ١٠١ ، الخزانة ١١ / ١٢٨.

(٣) ديوانه ٥٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٨٥ ، الكامل ٢ / ٢٤٥ ، المقتضب ٣ / ٣٩٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٦٢٢ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٥١ ، الجني ٣١ (بثماني) ، شرح المفصل ٨ / ١٥٤ ، مغني اللبيب ٧١ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٢٣٠ ، شرح شواهد المغني ١ / ٣١ ، الهمع ٢ / ١٣٢ ، الخزانة ١١ / ١٢٢.

(٤) ديوانه ١ / ١٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٨٥ ، المقتضب ٣ / ٢٩٣ ، شرح النحاس ٣٠٩ ، شرح السيرافي ٤ / ٦٢٢ ، ٦٢٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٤٥.

٤٢٤

بالنضر؟ ، أليس والدي لكل نجيب؟ ، وإنما قال : أليس أبي بالنضر؟ ، لأنه ادعاء من ولد خزاعة من ولد النضر بن كنانة ، وكثير من خزاعة ، والنضر أبو قريش ، فانتسب إليه.

هذا باب أو

تقول : أيهم تضرب أو تقتل .... ومن يأتيك أو يحدّثك.

قوله : أيهم تضرب أو تقتل : ادعاء السائل أن سواء من ضرب أو قتل يقع بواحد منهم لا يعرفه بعينه ، فإذا سأل عن ذلك : أجيب عن الاسم ، فقيل له : ضرب ، أو قيل له : قتل.

وإذا قال : من يأتيك أو يحدثك؟ فقد سأله عن اسم يقع فيه أحد هذين الفعلين ، فالجواب أن يقول : " زيد" ، فيعرفه بعينه ثم يسأله عن أحد فعليه كما تقدم في الذي قبله.

وأنشد سيبويه لزفر بن الحارث ، والصحيح أنه لجحاف بن حكيم السلمي. (١)

* أبا مالك هل لمتني مذ حضضتني

على القتل أم هل لامني لك لائم (٢)

فأم هنا منقطعة. ولو قال : " أو هل لامني" لجاز ، لأن معناهما متقارب ، ولا فرق بينهما إلا أن" أو" من كلام واحد و" أم" من كلامين. ومعنى قوله : مذ حضضتني على القتل ، أن الأخطل قال للجحاف في مجلس عبد الملك بن مروان :

ألا تسأل الجحاف هل هو ثائر

لقتلي أصيبت من سليم وعامر

وهم قوم الجحاف بن حكيم ، فخرج الجحاف مغضبا فجمع لبني ثعلب فأوقع بهم بالبشر وقيعة عظيمة ثم قال للأخطل في قصيدة له :

أبا مالك هل لمتني مذ حضضتني ـ البيت.

وأنشد لمالك بن الريب :

* ألا ليت شعري هل تغيرت الرحا

رحا الحزن أم أصبحت بفلج كما هي (٣)

وينشد أم أضحت وهي منقطعة هنا ؛ لأنها لا تكون للتسوية إلا بعد الألف خاصة.

ومثل هذا قول علقمة :

* هل ما علمت وما استودعت مكتوم

أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم؟

أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

إثر الأحبة يوم البين مشكوم؟ (٤)

__________________

(١) في الكتاب ١ / ٤٨٦ ، وفي الطبعة المحققة ٣ / ١٧٦.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٨٦ ، الكتاب ٣ / ١٧٦ ، الطبعة المحققة ، شرح السيرافي ٤ / ٦٢٩ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٨.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٨٥ ، القالي ٣ / ١٣٧ ، شرح السيرافي ٤ / ٦٣٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١١٣ ، الخزانة ٢ / ٢٠٢. اللسان (مثل) ١١ / ٦١٦.

(٤) ديوانه ١٢٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٨٧ ، المفضليات ٣٩٧ ، المقتضب ٣ / ٢٩٠ ، شرح ـ

٤٢٥

" فأم" في الموضعين منقطعة ، ولو استعملت" أو" هنا لجاز ، ولا فرق بينهما لما تقدم من أن" أم" لجملتين (و) " أو" لجملة واحدة.

يقول : هل ما اطلعت عليه من سر هذه الجارية التي نأت عنك واستودعتك إياه مكتوم عندك لا تبوح به أم تقطع حبلها؟ أو تبوح بسرها أم هل تجازيك على بكائك في أثرها لمفارقتك إياها وأنت شيخ كبير؟ : " لم يقض عبرته" ، أي : دام البكاء فلم تنقطع دموعه.

والشكم : العطاء جزاء ، فإن كان ابتداء فهو شكر.

هذا باب آخر من أبواب أو

اعلم أن" أو" حقيقتها أن تفرد من شيء ، ووجوه الإفراد تختلف فتتقارب في حال وتتباعد في أخرى ، وهي في ذلك ترجع إلى الأصل الذي وضعت له. فمن ذلك قولك : " جاءني زيد أو عمرو" ، فالأصل فيه أن أحدهما جاءك ، والأكثر في استعمال ذلك أن يكون المتكلم شاكا لا يدري أيهما الجائي.

وقد يجوز أن يكون غير شاكّ ، إلا أنه أبهمه على السامع لحال قصدها في ذلك وقد يحسن أن يبين أشياء يتناولها كلها الفعل في أوقات مختلفة فيراد بذكر" أو" إفراد كل واحد منهما في وقته كقولك إذا قيل لك : ما تأكل من الطعام؟ فتقول : برا أو أرزا أو لحما أو سمكا ، أي أفرد مرة هذا أو مرة هذا ، فدخلت" أو" للإفراد ، ولو جئت" بالواو" لجاز أن يتوهم الجمع بينهما في وقت واحد ، فإذا أراد بيان الإفراد ، جاء" بأو".

فهذا بيان" أو" في الإخبار ، فإذا وقعت في الأمر فهي على وجهين كلاهما للإفراد : فأحد الوجهين : أن يكون أحد الأمرين إذا اختاره لا يتخطاه ويكون الآخر عليه محظورا وهذا الذي يسمى التخيير.

والوجه الآخر : أن يكون اختيار كل واحد من الأمرين من غير حظر الآخر عليه ، وهذا يسمى الإباحة.

واعلم أن الاسمين إذا كانت بينهما" أو" فلا معادلة بينهما ولا تسوية وهما كاسم واحد مبهم يجوز أن يعادل بينه ـ مبهما ـ وبين آخر كقولك : أزيدا أو عمرا رأيت أم بشرا؟ ، فزيد و" عمرو" ـ لدخول" أو" بينهما ـ بمنزلة اسم واحد عودل بينه وبين" بشر" ، فكأنه قال : أأحد هذين رأيت أم بشرا؟

ومثله قول صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلّى الله عليه وسلّم :

* كيف رأيت زبرا؟ أأقطا أو تمرا؟

__________________

ـ السيرافي ٤ / ٦٣٠ ، شرح المفصل ٤ / ١٨ ، ٨ / ١٠٣ ، همع الهوامع ٢ / ٣٧ ، الخزانة ١١ / ٢٨٦.

٤٢٦

أم قرشيّا صارما هزبرا؟ (١)

" زبر" : مكبر الزبير ، والزبير بن العوام رضي الله عنه ابنها رأته قد صارع آخر فصرعه الزبير ، فقالت للمصروع : كيف رأيت زبرا؟. أي : الزبير ، أرأيته طعاما تأكله ويلين لضربتك أم خشنا على قرنه كالسيف والأسد؟ وقولها : أأقطا أو تمرا؟ لدخول" أو" بينهما بمنزلة : أطعاما؟ ، ووقعت المعادلة بينه وبين" قريشا".

قال سيبويه : فإذا قلت : أتجلس أم تذهب؟ ، فأم و" أو" فيه سواء.

فجعل" أم" و" أو" جميعا تلي حرف الاستفهام ؛ لأن المسألة ليست عن أحد الاسمين ، وإنما هي عن إحدي جملتين لكل واحدة منهما فعل وفاعل ومفعول ، فصارت" كأم" المنقطعة التي لا يدخل ما بعدها في ما قبلها ولا يتعلق به.

وكان المبرد يقول : إن معنى قول سيبويه" فأم" و" أو" فيه سواء ، يعني. في جواز وقوعها في هذا الموضع وإن كان مختلفا معناهما في أصل الباب. واستواؤهما أن" أم" لم تدخل لتثبت الفعل لأحد الاسمين ، كما تكون في : أزيد قام أم عمرو؟ ونحوه.

وأنشد سيبويه لحسان بن ثابت :

* ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم لحاني بظهر غيب لئيم (٢)

فهذا لا تكون فيه" أو" ، كما لا تقول : ما أبالي أقام زيد أو عمرو ؛ لأنه لا يجوز السكوت على الاسم الأول ، فلا يجيء إلا على معنى أيهما كان وإنما أراد أن يسوي بين نبيب التيس ، ولحي اللئيم له في قلة الاهتمام بهما والمبالاة.

هذا باب أو في غير الاستفهام

تقول : جالس زيدا أو عمرا أو خالدا كأنك قلت : جالس أحد هؤلاء ، وتقول : " خذ بما عز أو هان" ، كأنك قلت خذه بهذا أو بهذا. وإن شئت جئت بالواو.

اعلم أن : " أو" و" أم" و" الواو"" وبل" : أصول وضعن مختلفة ، ثم يقع فيهن من المجاز والاتساع ما يتدخلن به فيستعمل الحرفان منهن في معنى واحد. فمن ذلك اجتماع" الواو" و" أو" في قولك : " خذه بما عز أو هان" ، و" بما عز وهان" ، لا فرق بينهما. فأما من قال : " بأو" فمعناه خذه بأحد هذين : إما العزيز ، وإما الهين ولا يفوتك بحال. وأما من قال : " بما عز وهان" بالواو ، فمعناه : خذه بما بدا لك من العزيز والهين كما تقول : استصلحه بالرفق

__________________

(١) الكتاب ١ / ٤٨٨ ، الكامل ٣ / ١٧٨ ، المقتضب ٣ / ٣٠٣ ، شرح السيرافي ٤ / ٦٣٥ ، ٦٤٩ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٩٠ ، اللسان (زبر) ٤ / ٣١٧.

(٢) ديوان حسان ٣٧٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٨٨ ، المقتضب ٣ / ٢٩٨ ، شرح السيرافي ٤ / ٦٣٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٤٧ ، فرحة الأديب ١١٧. الخزانة ١١ / ١٥٥.

٤٢٧

والعنف ، والمعنى : بما صلح له من هذين الشيئين.

ومثله : " كلّ حقّ له" ، بإحدى هاتين الصفتين إما مسمى أو غير مسمى ، ويكون على وجهين : على أنه صفة للحق وعلي أنه حال ،

ـ فالصفة على تقدير : كل حق مذكور أو غير مذكور.

ـ والحال على معنى : إن كان مسمى وإن كان غير مسمى ، كأنه قال : كل حق له كائنا ما كان ، كما تقول : " لأضربنه ذهب أو مكث أي : لأضربنه ذاهبا أو ماكثا.

ـ وأما من قال" بالواو" ، فمعناه : كل حق له من المسمى وغير المسمى. ومما تكون فيه" أم" و" أو" بمعنى واحد ـ وإن كان أصل وضعهما مختلفا ـ قولهم : أضربت زيدا أولا : وقد تقدم القول في هذا.

واعلم أنه إذا دخل" نهي" أو" نفي" على ما فيه" أو" فإن النهي والنفي عن الجميع ، في ما كان مباحا أو تخييرا ، وذلك أنك إذا أمرت وأنت تخيره فقلت : خذ دينارا أو ثوبا. فأنت تأمره بأخذ أحدهما والآخر محظورا. فإذا نهيته فقد حظرت عليه الذي كنت تأمره بأخذه ، فصار الجميع محظورا.

فمن حيث كان الأمر : خذ أحدهما ، صار النهي : لا تأخذ أحدهما.

وإذا قال : " لا تأخذ أحدهما" فأيهما أخذ فقد عصى ؛ لأنه قد أخذ أحدهما وأما من قال : المعنى : اترك أحدهما ، فإن هذا القول لا يكون ولا على وجه اللغز ، كأنه يقصد بأحدهما في اللفظ واحدا بعينه ولم يعرض للآخر بشيء.

واعلم أن قولك : " لأضربنه (ذهب أو) مكث ، " أم" و" أو" فيه سواء.

واستدل الخليل على جواز" أم" هنا بقولهم : " لأضربنه أي ذلك (كان) ، وهي بدخول ألف الاستفهام بمعنى" أو" ؛ لأن الكلام في" أو" يقدر كائنا ما كان ، وفي" أم" يقدر : أي ذلك كان" ومعناهما واحد ، واحتاجوا في" أم" إلى ألف الاستفهام للتعديل والتسوية.

وقوله : " لأضربنه كائنا ما كان كائنا : نصب على الحال من الهاء في" لأضربنه" ، و" ما" : في موضع رفع بكائن ، وهي بمعنى" الذي" ، و" كان" : صلتها.

وفيها معنى المجازاة ، وفي كان ضمير يعود إلى" ما" ، وبعد" كان" هاء محذوفة تعود إلى" الهاء" في" لأضربنه".

وأنشد لزيادة بن زيد العذري :

* إذا ما انتهى علم تناهيت عنده

أطال فأملى أو تناهى فأقصرا (١)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٩١ ، المقتضب ٣ / ٣٠٢ ، مجالس العلماء ١٣٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٦٥٣ ، ٦٥٨ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٤٢ ، اللسان (نهي) ١٥ / ٣٤٤.

٤٢٨

ويجوز" أم تناهي" ، فإذا كانت" أو" فهو من : طال يطيل بغير استفهام كقولك : لأضربنه قام أو قعد.

وإذا كان" بأم" : فألف أطال للاستفهام دخلت على طال يطول ، والأجود" أو" بغير استفهام. وهو الكثير من الكلام ؛ لأن معناه كائنا ما كان.

ومثله :

* فلست أبالي بعد يوم مطرف

حتوف المنايا أكثرت أو أقلت (١)

أي : لا أباليها ، كانت كثيرة الإهلاك أو قليلة.

يصف أن هذا المفقود لعظيم مصابه قد استوى عنده من أجل فقده قليل الموت في من بقي بعده وكثيره.

هذا باب" الواو" التي تدخل عليها ألف الاستفهام

اعلم أن ألف الاستفهام تقع ـ من حروف العطف ـ على" الفاء" و" الواو" و" ثم" وتتقدمهن. ولا يتقدم شيء من حروف الاستفهام على حروف العطف سوى" الألف" ، بل حروف العطف تدخل عليهن وتتقدمهن ، فأما : " أم" ـ وهي من حروف الاستفهام ـ فإنها لا تدخل على حروف العطف ولا تدخل عليها حروف العطف ؛ لأنها ، وإن كانت للاستفهام ، فهي للعطف ، ولا تكون مبتدأة كما لا تكون حروف العطف مبتدأة ، ومن أجل ذلك تدخل" أم" على" هل" وعلى الأسماء التي يستفهم بها ، كما تدخل حروف العطف عليها.

فإذا دخلت" أم" على الاستفهام ، فإنما من حيث كانت عطفا لا من حيث كانت استفهاما.

وإنما صارت" الألف" تدخل على حروف العطف ، ولم تدخل" هل" عليهن ، لأن ألف الاستفهام قد تدخل على بعض الكلام ، ولا يكون ما بعدها كلاما تاما كقولك لمن قال : ضربت زيدا : أزيدنيه؟ ويقول الرجل : مررت بزيد ، فيقال : أبزيدنيه؟ ، وهو بعض الجملة ، ولا يجوز شيء من ذلك في" هل". فلما كان المعطوف مع حرف العطف بعض الجملة ، اقتطعت بالألف من الجملة المعطوف ، ولم يجز اقتطاعه" بها" لما ذكرته.

فإذا قال القائل : هل وجدت فلانا عند فلان؟ فقال المجيب : أو هو ممكن يكون عنده؟ فكلام المخاطب عطف على كلام المتكلم باستفهام وغير استفهام. فأما غير الاستفهام. فإن القائل إذا قال : جاءني زيد ، جاز أن يقول المخاطب : وأقام عندك؟ أو فأقام عندك؟ ، أو ثم أقام عندك؟ ، فإذا عطف واستفهم ، كان حرف العطف (بعد) حرف الاستفهام إن كان

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٩٠ ، شرح السيرافي ٤ / ٦٥٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٤٩.

٤٢٩

الاستفهام بألف ، وإن كان بغيرها ؛ فحرف العطف قبله ، فالألف (قولك) : أو هو ممكن يزورك؟ وأفهو لك صديق؟ ونحو ذلك. وإذا قال : ألست صاحبنا؟ أو ألست أخانا؟ فقد صار الأول تقريرا بدخول ألف الاستفهام وعطف الثاني عليه عطف جملة على جملة ، وأدخلت فيه ألف الاستفهام فصارت الجملة (الثانية) كالجملة الأولى ورد العامل فيه يصيره في معنى" بل" ، كأنك قررته على الجملة الثانية وتركت التقرير على الأولي ، كما تعمل" بل" في ترك الأول وتثبيت الثاني.

ومثله قوله : ألا تأتينا أو لا تحدثنا؟ هذا يكون تقريرا ويكون استدعاء وعرضا ، وهو في معنى" هلا" ، وهذا معنى قول سيبويه : " إذا أردت التقرير أو غيره.

هذا باب تبيان" أم" لم دخلت عليه حروف الاستفهام

قد تقدم أن" أم" دخلت على حروف الاستفهام لأنها حرف عطف فدخلت عليها كما تدخل حروف العطف عليها في قولك : ومن؟ وكيف؟ ومتى؟ ونحوهن ، ولم تدخل" أم" على الألف لأن" أم" : نظيره الألف في التعديل والتسوية ، وأنهما حرفان ليسا باسمين ، والألف هي الأصل في حروف الاستفهام ، وكان حقها أن تدخل على سائر حروف الاستفهام ، ولكنها لما خصت في استعمالها بالاستفهام أو بالجزاء استغني عن حرف الاستفهام وحرف الجزاء معها لدلالتها عليهما ، وقد تقدم القول في وجهي" أم" فأغنى عن ذكرهما هنا.

فأما" هل" فإنها حرف دخلت لاستقبال الاستفهام ، ومنعت بعض ما يجوز في الألف من اقتطاعها بعض الجملة ومن جواز التعديل ، فصارت داخلة لغير الاستفهام المطلق الذي حرفه الألف ولذا قال سيبويه : " وإنما هي بمنزلة" قد" إلا أنهم تركوا الألف إذا كانت" هل" لا تقع إلا في الاستفهام".

ومعنى قول سيبويه في الفصل بين" أم" وبين" الألف" في دخول" أم" على" هل" ، وامتناع" الألف" من دخولها على" هل" : " إن أم إنما تجيء هاهنا بمنزلة لا بل للتحويل من شيء إلى شيء إلى قوله : " لو تركوها لم يتبين المعنى".

يريد بقوله : " إن" أم" تجيء بمنزلة" لا بل" أي : أنها إذا كانت منقطعة ، دلت على مثل ما دلت عليه" بل" في ترك شيء إلى شيء ، ولو جئنا بالألف في موضع" أم" لكنا قد استأنفنا الاستفهام ولم يكن فيه ترك شيء بشيء.

وسبيل" أم" ـ لما كانت للعطف ، أن يصير بين ما قبلها وما بعدها ملابسة (ما) كسائر حروف العطف ، فلذلك احتاجوا إلى" أم" واستغنوا عن" الألف" ولو لم يذكروا" أم" لم يتبين المعنى.

وكان المبرد (يجيز) دخول الألف على" هل".

٤٣٠

وأنشد :

* سائل فوارس يربوع لشدّتها

أهل رأونا بسفح القفّ ذي الأكم (١)

وأما دخول الألف عليها فغير معروف. والرواية : " أم هل رأونا". والقول ما ذكره سيبويه فاعرفه إن شاء الله.

هذا باب ما ينصرف وما لا ينصرف هذا باب أفعل

اعلم أن الأسماء تنقسم قسمين : متمكن وغير متمكن ، فالمتمكن : المعرب ، وغير المتمكن : المبني.

والمتمكن على ضربين : أحدهما : مستوف للتمكن ويسمى الأمكن ، والآخر ناقص التمكن. فأما الأمكن : فهو ما يدخله الرفع والنصب والجر والتنوين ، والناقص التمكن : هو ما يمنح الجر والتنوين.

وسبب نقصان التمكن عشرة أشياء : وزن الفعل ، وبنيته ، والصفة ، والتأنيث ، والتعريف ، والجمع ، والعدل ، والعجمة ، وزيادة الألف وحدها ، والألف والنون في آخر الاسم ، وجعل الاسمين اسما وحدا.

وإنما صار وزن الفعل ثقلا بمنع الصرف ؛ لأن الاسم أصل ، والفعل فرع ، والاسم أخف من الفعل ، فإذا دخل على الاسم ما هو للفعل ، ثقله.

وكذلك الصفة : هي أثقل من الموصوف والموصوف قبلها.

والتأنيث أثقل من التذكير ؛ لأن التذكير أول ، والتأنيث داخل عليه.

والتعريف أثقل من التذكير ؛ لأن أصل الأسماء أن تكون منكورة شائعة في الجنس ثم تعرف بأسباب التعريف.

والجمع أثقل من الواحد ؛ لأن الواحد هو الأصل ثم تجمع.

والعدل أثقل من الاسم الذي عدل عنه لأن ذلك الاسم هو أصل.

والعجمة أثقل من العربية لأنها ترد على كلام العرب بعد التكلم بالعربية.

وزيادة الألف وحدها ، وزيادة الألف والنون ثقل ؛ لأن الاسم أولا بغير زيادة.

وجعل الاسمين اسما واحدا ثقل ؛ لأن الأصل اسم واحد ثم ضم إليه آخر ، وجعلت هذه الزيادات في الآخر ثقلا ؛ لأنها في لحاقها آخر الاسم تجري مجرى التأنيث.

فإذا اجتمع في الاسم من هذه العلل العشر الفرعية اثنان فصاعدا ، أو واحدة تقوم مقام

__________________

(١) الشاهد في المقتضب (١ / ٤٤ ، ٣ / ٢٩١) ، وشرح السيرافي ٤ / ٦٧٢ ، والخصائص ٢ / ٤٦٣ ، وشرح المفصل ٨ / ١٥٢ ، والجنى الداني ٣٤٤ ، ومغني اللبيب ١ / ٤٦٠ ، وشرح شواهده ٢ / ٧٧٢ ، والخزانة ١١ / ٢٦٩.

٤٣١

ثنتين منع الاسم التصرف. وإذا دخلت واحدة لم يمنع الصرف ؛ لأن في الاسم خفة بالاسمية ، فإذا دخل ثقل ، قاومته الخفة ، فلم يغلبها ، فإذا دخل ثقلان غلباها.

وابتدأ سيبويه بذكر ما يجتمع فيه علتان من العلل المانعة من الصرف ، وساق الأبواب على ذلك ، فبدأ" بأفعل" الذي هو وصف ، وقد اجتمعت علتان : وزن الفعل والصفة وإن صغرته لم يخرجه التصغير إلى الصرف ؛ لأن الفعل قد صغر في قولهم : " ما أميلح زيدا" ، و" ما أحيسنه" فاعلم ذلك.

هذا باب أفعل إذا كان اسما

وما أشبه الأفعال من الأسماء التي في أوائلها الزوائد.

ذكر سيبويه في هذا الباب أن" أفعل" وإن لم يعرف اشتقاقه حكم لهمزته بالزيادة ـ ثم قال : " وإن لم تقل هذا".

يعني : إن لم تقل في" أفكل" أن الهمزة زائدة ـ وفرقت بينه وبين أحمر لأن أحمر : (قد) عرف اشتقاقه ، وأفكل لا يعرف له اشتقاق ـ دخل عليك ألا تجعل في ما لا يعرف اشتقاقه حرفا زائدا ، كألف في" الرجازة" ، وهي : شيء يعدل به حمل البعير و" الربابة" : التي تجمع فيها القداح ، وأن تجعلها بمنزلة" القمطرة" و" الهدملة" ، وهذا فاسد. وسنبين ذلك في باب التصريف إن شاء الله.

قوله : " ولو جاء في الكلام شيء نحو : أكلل وأيقق. فسميت به رجلا صرفته لأنه لو كان أفعل لم يكن الحرف الأول إلا ساكنا مدغما".

يعني : أن ما كان على أفعل (مما) عين الفعل ولامه من جنس واحد تدغم في لامه كقولنا : أشدّ وأكسّ وأطلّ البعير ، وما أشبهه. وإذا جاء على" فعلل" لم يدغم أحدهما ، كقولنا : قردد ومهدد ، فلذلك جعل أكلل وأيقق وما أشبهها ـ إذا سمي بشيء منها ـ مصروفا ، وإذا سميت رجلا بألبب ، فهو غير مصروف لأنه من اللب ، وهو" أفعل".

والعرب تقول :

* قد علمت ذاك بنات ألببه (١)

يعنون : لبه. أراد سيبويه أن الاشتقاق قد بين أن الهمزة زائدة. وترك الإدغام شاذ. ومن الناس من يقول : ألببه بجعله جمع لب ، كذا حكى الفراء.

قال : وكذلك تألب لا يصرف لأنه تفعل ، ويدلك على ذلك أنه يقال للحمار : ألب

__________________

(١) الكتاب (٣ / ٢ ، ٦١ ، ٤٠٣). المقتضب (٢ / ١٧١ ، ٢ / ٩٧). المنصف ١ / ٢٠٠ ، ٣ / ٢٤ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١٧٣ ، الخزانة ٧ / ٣٤٥.

٤٣٢

يألب وهو طرده طريدته ، وإنما قيل : تألب من هذا ، والتألب : شجر يتخذ منه القسي ، الواحدة تألبة ، فيجوز أن تكون مشتقة من ألب ؛ لأن القوس تطرد السهام وتسوقها إلى المرمى.

واعلم أن" أفعل" إذا كان صفة ثم سمي به لم ينصرف في المعرفة ولا في النكرة عند سيبويه والخليل وهو قول المازني. والأخفش يصرفه في النكرة وتابعه على ذلك المبرد ، وحجته أن أحمر وما جرى مجراه من قبل أن يسمى به ، غير مصروف لعلتين : وزن الفعل والصفة ، فإذا سمينا به فقد زالت الصفة ، وامتنع من الصرف لعلتين : وزن الفعل ، والتعريف ، فإذا تنكر بقيت فيه علة واحدة وهي وزن الفعل ، فوجب أن ينصرف كما تقول : " مررت بأحمد وأحمد آخر".

وأما سيبويه فإنه عنده ، وإن سمي به فحكم الصفة باق فيه ، واحتج في ذلك بأنه إذا نكر فإنه يرجع إلى تنكير كان له وهو اسم ، وإن وصف به فكأنه يرجع إلى الحال الأولى التي كان لا ينصرف فيها.

وذكر أن المازني سأل الأخفش فقال له : لم صرفته؟ قال : لأنه صار اسما وزالت عنه الصفة فبقي فيه وزن الفعل فقط. قال له المازني : ألست تقول : " مررت بنسوة أربع" فتخفض" أربع" وتنون وهو صفة على وزن الفعل؟ فقال : بلى ، قال : فلم صرفته وقد اجتمعت فيه علتان؟ قال : لأن" أربعا" اسم في الأصل ، فلا أحكم له بحكم الصفة وإن وصفت به ، فقال له المازني : فاحكم لأحمد بحكم الصفة وإن سميت به ، لأن الأصل فيه صفة ، فلم يأت الأخفش بمقنع.

قوله : " وليس لك أن تغير البناء في مثل ضرب وضورب ... لأنك قد تسمّي بما ليس في الأسماء".

يريد أن ضرب وضورب وإن لم يكن مثلها في الأسماء ، فإنك لا تغير البناء ، لأنك إن غيرته بطل التعريف ، وتغير اللفظ ، ونحن قد نسمى بالحروف وبالأسماء الأعجمية وما ليس له في كلام العرب نظير.

هذا باب ما كان من أفعل (صفة في بعض) اللغات

واسما في أكثر الكلام

قوله : " وذلك أجدل وأخيل وأفعى" إلى قوله : على هذا المثال جاء أفعى كأنه صار صفة وإن لم يكن له فعل ولا مصدر.

يعني : أنه جعل بمنزلة خبيث أو ضار وما أشبه ذلك مما يليق بأن يكون صفة له ، وإنما اختار سيبويه أن تكون هذه الأسماء مصروفة ، وإن كان أصلها الصفة لأن كل اسم منها مختص

٤٣٣

بنوعه ، فيقال للصقر : " أجدل" ، ولا يقال لشيء غيره ولا يقال أيضا : " مررت بصقر أجدل".

و" أخيل" و" أفعى" اسمان لنوعين من الطير والحيات ولا يقال ذلك لغيرهما.

وقد حكى سيبويه عن بعضهم أنه جعله نعتا للعلة التي ذكرها ، وفيه بعد ، وقد أجرت العرب : " أدهم" إذا أرادت القيد ، وأسود إذا عنت الحية وكذلك أرقم : صفات وإن كانت أسماء لأشياء بعينها ، وذلك لأنا قد عرفنا معنى الأدهم في غير القيد وهو : الأسود من الخيل.

وإنما قيل للقيد : أدهم لسواده وشاركه فيه غيره.

وكذلك للأسود من الخيل لسواده ، وقد شاركه في اللفظ والمعنى الأسود من غير الحيات ، وكذلك الأرقم ، إنما هو : اسم لضرب من الحيات لرقمه فيه ، ويقال لمثل ما كان فيه ذلك اللون أرقم ، إلا أنه غلبت هذه الصفات على هذه الأشياء فصارت كالأسماء.

وقولهم : " أرقم" و" أدهم" لا يوجب الاسمية لأرقم وأدهم ، لأن العرب قد قالت : أباطح وأجارع وأبارق ، وقد أحاط العلم بأنها صفات لقولهم : أبطح للمكان المنبطح وبطحاء ، وأبرق للمكان الذي فيه لونان وبرقاء ، وأجرع وجرعاء للمكان المستوي من الرمل المتمكن ، فيجيء المذكر على أفعل ، والمؤنث على فعلاء فقد بين أنه صفة.

ومثل ذلك قولهم : الأبعث للطائر الذي في لونه كدرة فيقيمون الصفة مقام الاسم وهو اسم لضرب من الطير فاعلمه.

هذا باب أفعل منك

جميع ما في هذا الباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

هذا باب ما لا ينصرف من الأمثلة وما ينصرف

اعلم أن المثال الذي يمثل به الاسم أو الفعل أو الصفة ، منزلته منزلة اسم ليس بصفة ، وإن كان موضعه يوجب له التنكير كان اسما منكورا ، وإن كان يوجب (له) التعريف : كان اسما معروفا ، ثم ينظر ، فإن كان مثله في رجال التنكير أو التعريف ممنوع الصرف منع الصرف ، وإن كان غير ممنوع لم يمنعه.

وقد بين سيبويه المسائل في ذلك وبينه واحتج له.

وزعم المازني أن سيبويه أخطأ في قوله : هذا رجل أفعل حين ترك صرف أفعل.

وقال المبرد : لم يصنع المازني شيئا.

والقول عند غير المبرد أنه ينصرف ؛ لأن العرب لما وصفت بأفعل الذي هو اسم في الأصل ، صرفته ، وذلك قولهم : " هؤلاء نسوة أربع" و" مررت بنسوة أربع".

وسائر الباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.

٤٣٤

هذا باب ما ينصرف من الأفعال إذا سمّيت به رجلا

هذا الباب يذكر فيه من سمي بفعل لا ضمير فيه ولا زيادة في أوله وله نظير من الأسماء.

فالنحويون يرون صرفه إلا عيسى بن عمر فلا يصرفه في المعرفة.

واحتج سيبويه بأن العرب تصرف الرجل يسمى بكعسب وهو فعلل من الكعسبة وهو : العدو الشديد.

وكان عيسى بن عمر يحتج ببيت سحيم بن وثيل :

* أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني (١)

فلم يصرف" جلا" وقد سمى به أباه لأنه فعل ماضي. وتأويل سيبويه أن في" جلا" ضميرا من أجله له يصرفه ، والفعل إذا كان فيه ضمير لو كان معه فاعل ظاهر ثم سمي به ، حكى ولم يغير كما قال :

* بني شاب قرناها

وقوله : أنا ابن جلا ، أي : ابن المعروف المنكشف الأمر ، والتثنية : الطريق الشاق في الجبل ، أي : أركب الأمور الشاقة الصعبة لجلدي وشدّة عزمي.

وأما" فعل" وما كان نظيره مما لا مثال له في الأسماء فلا ينصرف في المعرفة ، وقد جاء في الأسماء المعارف أسماء على" فعل" كلها غير مصروف ، فمن ذلك : خضم وهو اسم العنبر ابن عمرو بن تميم. وشلم وهو : اسم بيت المقدس. وبذر وعثر : موضعان.

قال كثير :

* سقى الله أمواها عرفت مكانها

جرابا وملكوما وبذر والغمرا (٢)

فإن احتج محتج ببقم وهو : جنس من الخشب ، قيل له : بقّم : ليس باسم عربي وتكلمت به العرب ، ووافق من كلامها ما كان من الفعل لا نظير له في الأسماء ، وأجرى حكمه على حكم الفعل الذي لا نظير له ، فينصرف في النكرة ، ولا ينصرف في المعرفة.

فإن قال قائل : وقد جاء في الأسماء" دئل" فلا ينبغي أن يمنع ضرب ـ إذا سمى به ـ الصرف.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٧ ورد في (أوضح المسالك ٣ / ١٤٩) الكتاب (١ / ٢٢٤ ، ٣٨٠) ، مجالس ثعلب ١ / ١٧٦ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٢٠ ، شرح النحاس ٣١٠ ، أمالي القالي ١ / ٢٤٦ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ٨٣ ، شرح المفصل (١ / ٣٦١ / ٥٩ ، ٦٢ ، ٤ / ١٠٥) ، أوضح المسالك ٣ / ١٤٩.

مغني اللبيب (١ / ٢١٢ ، ٤٤٠ ، ٢ / ٨١٦) ، شرح شواهده ٢ / ٧٤٩ الخزانة ١ / ٢٥٥.

(٢) ديوان كثير ٢ / ٨٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٧ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٢١ ، شرح السيرافي ٤ / ٨٣ ؛ المنصف (٢ / ١٥٠ ، ٣ / ١٢١). شرح المفصل ١ / ٦١ ، الخزانة ٢ / ٣٥٥ ، اللسان (بذر) ٤ / ٥١.

انظر هامش ٣ / ٢٠٧ ، ٢٠٨.

٤٣٥

قيل له : لم يذكر سيبويه في أبنية الأسماء" دئل". وذكر الأخفش أنه جاء اسما معرفة ، والمعارف غير معوّل عليها في الأبنية ؛ لأنه يجوز أن يسمى الرجل بالفعل وبالحرف وبما لا نظير له في كلام العرب.

وذكر عن الأخفش أن" دئل" اسم دابة شبيه بابن عرس ولا حجة في هذا ؛ لأنه يجوز أن يكون" دئل" سمي بالفعل. وفي أسماء الأجناس ما سمي بالفعل كثيرا ، كطائر يقال له : تبشر ، وآخر يقال له : تشوط ، وهذان بناءان لفعل كأنهما سميا بفعل يفعلانه فاعلم ذلك.

وذكر سيبويه أن الفعل إذا اتصل به علامة الاثنين وعلامة الجمع ثم سمي به ، زيدت النون بعدهما ؛ لأن النون عوض من الحركة والتنوين في الاسم ، وقد وجبت الحركة والتنوين بالتسمية في الفعل الواحد ، فتزاد في تثنية الفعل وجمعه إذا سمي به لذلك.

وعلة أخرى : أن هذه" الواو" كانت في الأصل معها" نون" وإنما سقطت" النون" في الماضي (لأنه مبني على الفتح) ، والنون في مثل هذا الفعل إنما تدخل علامة الرفع ، فإذا كان الفعل منصوبا (أو) مجزوما سقطت النون ، فإذا سمينا به رجعت النون.

واعلم أن الاسم إذا لحقته الواو والنون على غير وجه الجمع مما لم تتكلم به العرب ـ وإنما هو مختلف لتسمية المسمى كقولهم : حمدون وعبدون وزيدون ـ كان فيه وجهان :

أحدهما : أن تجعل الإعراب في النون وتلزمه الإعراب على كل حال ، فيقال : هذا حمدون وعبدون ، ومررت بحمدون وعبدون ، فيصير بمنزلة : زيتون وعرجون.

والوجه الثاني : أن يجعل بمنزلة الجمع فيقال : هذا حمدون وعبدون ، ورأيت عبدين ، ومررت بحمدين ، ولا يجوز فيه" حمدين" و" عبدين" في هذا الوجه. فإن سمي بحمدين وعبدين بالياء كان فيه وجهان أيضا : أحدهما : أن تعرب النون وقبلها ياء ساكنة ، ويجوز أن تجعله كالجمع السالم ، مرة بالياء ، ومرة بالواو ولا يجوز أن تجعله كزيتون وعرجون ؛ لأنه لا يجوز أن تكون النون معربة على وجهين مختلفين ، كما لا يجوز أن يقال في زيتون : زيتين فكذا هذا وما أشبهه.

وأما ما كانت الواو فيه للجمع في الأصل فقد بين سيبويه وجوهه فأغنى ذلك عن ذكره.

وقوله بعد ذكر التسمية بضربا : " فإنما كففت في الفعل ـ يعني النون لأنك حين ثنّيت وكانت الفتحة" إلى قوله : " كما كان الكسر في هيهات نظير الفتح في هيهات".

يريد أن الفتح الذي أوجبه البناء في الفعل الماضي. كالفتح الذي يوجبه الإعراب في المستقبل ، يشتركان جميعا في إسقاط نون الجميع في" فعلوا" و" لم يفعلوا" ، فإذا سمي بها ، عادت النون ، وذلك مثل الفتحة في" هيهات" والكسرة في" هيهات" وهما مبنيتان ، أحدهما : جمع وهو هيهات ، والآخر : واحد وهو هيهات ، جعلوا التاء في هيهات مكسورة وإن كانت

٤٣٦

مبنية لأنه جمع ، والتاء في هيهات مفتوحة لأنه واحد ، وكان حق الجميع أيضا أن تكون تاؤه مفتوحة لأن الذي أوجب بناءهما معنى واحد وهو الإشارة ، والإشارة توجب بناء المشار إليه كقوله" هذا".

وتقول في المكان : ثمّ ، ولما بعد كثيرا : هيهات ، ولكنه لما جعل جمعا بالألف والتاء وكان يجب فيه الفتح للبناء جعل كسرا. كما أن الفتح الذي يجب بالنصب في ما جمع بالألف والتاء يجعل كسرا ، نحو مسلمات وصالحات ، فجعل الجمع ـ كما وإن كان مبنيا ـ مكسور التاء إذا كان جمعا في موضع يوجب البناء فيه الفتح ، كان ذلك في المعرب.

هذا باب ما لحقته الألف في آخره

فمنعه ذلك من الانصراف

ذكر في هذا الباب" تترى" ، وهي تحتمل أن تجعل ألفها للتأنيث ، وأن تجعل زائدة للإلحاق بجعفر ونحوه ، ويجوز أن تكون الألف فيها عوضا من التنوين ، إلا أنّ خط المصحف يدل على أحد القولين الأولين ؛ لأنها مكتوبة بالياء ، وأصلها" وترى" ، والتاء الأولى بدل من الواو لأنها من المواترة.

وذكر أن" علقى" : منهم من ينونها ويجعل ألفها للإلحاق ومنهم من يجعلها للتأنيث فلا ينون.

وأنشد للعجاج : (١)

* يستن في علقى وفي مكور

أنشده رؤبة غير منون. ومعنى يستن : يرتعي وهو من السين ، وهو رعي الماشية والقيام عليها. والعلقى والمكور : شجر.

قال المبرد : حدثني المازني قال : كنت عند أبي عبيدة فسمعته يقول : ما أكذب النحويين يزعمون أنه لا يدخل تأنيث على تأنيث وقال سمعت رؤبة يقول : " علقاة" ، قلت له : فهلا فسرت له كما علمتنا أن الألف للإلحاق ، فقال : كان أغلظ طبعا من أن يفهم ذلك.

هذا باب ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف

فمنعه ذلك من الانصراف في المعرفة والنكرة

استدل سيبويه على أن الهمزة في علباء فزيزاء ، منقلبة من ياء وأنها ليست بمنزلة الهمزة في باب حمراء ، بأنهم يقولون : درحاية.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٩ ، مجالس العلماء ٤٢ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٢٨ ، شرح السيرافي ٤ / ٨٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣٦.

٤٣٧

والأصل في علباء وزيزاء : علباي وزيزاي ، قلبت الياءان همزة لما يوجبه التصريف وألحقا بسرداح وسربال.

فإن قال قائل : إذا كنتم قد منعتم من صرف" حبنطى" وما أشبهه من المعرفة لأن فيه ألفا زائدة تشبه ألف التأنيث في الزيادة واللفظ.

قيل له : حبنطى ، لفظ الألف فيه لفظ ألف التأنيث ، والهمزة في حمراء ليست بعلامة التأنيث ، وإنما علامة التأنيث الألف التي هي منقلبة منها ، فلما كانت الهمزة في : " علباء" منقلبة من ياء ، وفي حمراء منقلبة من ألف ، وليست الهمزة بعلامة التأنيث ، لم يشتركا في اللفظ.

هذا باب ما لحقته نون بعد ألف فلم ينصرف

في معرفة ولا نكرة

قد بين سيبويه العلة في منع الصرف من فعلان وجلب النظائر إليه والاحتجاج عليه.

وكان المبرد يحتج بأن النون بدل من ألف التأنيث واستدل على ذلك بأن العرب تقول في النسب إلى صنعاء : صنعاني وإلى بهراء : بهراني ، فيجعلون مكان حرف التأنيث نونا ، ويقولون : ندمان وندامى كما قالوا صحراء وصحارى.

وباقي الباب مفهوم من كلام سيبويه.

هذا باب ما لا ينصرف من المعرفة مما ليست نونه

بمنزلة الألف في : بشرى

جملة هذا الباب أنه إذا كان في آخر الاسم ألف ونون ، وقبلهما ثلاثة أحرف ، حكم عليهما بالزيادة حتى يقوم الدليل من اشتقاق أو غيره أن النون أصلية. ومن أجل هذا حكم الخليل على" رمان" أن النون فيه زائدة ولم يعرف اشتقاقه لأن الأكثر كذلك وأنه لا يعرف" لرمن" معنى.

وأكثر النحويين يذهبون إلى أن النون في" رمان" أصلية ؛ لأن الألف والنون ، إنما تكثر زيادتهما في الجموع والمصادر ، وأما ما تكون النون فيه أصلية ، ولا تمنع من الصرف ، فمرّان ، وهو مشتق من المرانة وهي اللين ، ويقال للرماح : مران ، للينها وتثنيها ، وكذلك رجل يسمى" فينان" ، وهو" فيعال" ، ومعناه : الكثير الشعر والكثير الأغصان من الشجر ، وعلى هذا قياس ما تثبت النون في تصريفه.

وذكر أن العرب في" معزى" على مذهبين : منهم من يجعل" معزى" مؤنثا بالألف ولكن كما تجعل إبل وغنم مؤنثا ، فمن ذهب هذا المذهب وسمى رجلا معزى ثم صغره ، لم يصرفه ، فقال : هذا معيز ومررت بمعيز ، ورأيت معيزى. ومنهم من يذكّره.

وذكر سيبويه عن أبي الخطاب أنه سمعهم يقولون :

٤٣٨

* ومعزى هدبا يعلو

قران الأرض سودانا (١)

" فهدبا" : نعت" لمعزى" ، ومعناه كثير الهدب ، أي : الشعر.

فعلى هذا المذهب إذا سمي به لا يصرف في التكبير من أجل الألف ويصرف في التصغير كما يصرف" حبنطى" إذا صغر ، فاعلمه.

هذا باب هاءات التأنيث

جميع هذا الباب مفهوم إن شاء الله.

هذا باب ما ينصرف في المذكّر ألبتّة مما ليس في

آخره هاء التأنيث

ذكر سيبويه في هذا الباب" أختا" و" بنتا" ، والتاء فيهما عنده بمنزلة التاء في" سنبتة" و" عفريت" ، والتاء فيهما زائدة للإلحاق. والسنبتة : القطعة من الدهر والمدة.

والدليل على زيادة التاء أنهم يقولون : سنبة ، ويقولون : عفر وعفرية ، وكذلك أخت وبنت ملحقتان بجذع وقفل ، والتاء فيهما زائدة للإلحاق ، فإذا سمينا بواحد منهما رجلا صرفناه لأنه بمنزلة مؤنث على ثلاثة أحرف ليس فيه علامة التأنيث كرجل سميناه بفهر وعين.

وأما : " هنت" ، فهي مخالفة لأخت وبنت.

قال : " إذا سمينا بهنت وجب أن تقول في الوصل والوقف : هذا هنه وهنه"

قد جاء بتحريك النون ، ولا نسكنها في الوصل كما كانت مسكنة قبل التسمية ، لأن إسكانها ليس بالقياس ، ولم يلزموها الإسكان فيكون بمنزلة" بنت" و" أخت" وتكون التاء للإلحاق ، وإنما يسكنونها وهم يريدون الكناية بها عن الاسم تشبيها بنون" من" لما فيها من معنى الكناية ، فإذا سمينا بها رددناها إلى القياس ، فلا نصرفها ، وتكون منزلتها منزلة رجل سميناه" بسنة" وما أشبه ذلك.

هذا باب فعل

سمى سيبويه المعدول محدودا ، لأن المحدود عن الشيء هو الممنوع والمعدول عنه في نحو معناه.

وقوله : " وهذا قول الخليل".

يريد أن الخليل شرح المعدول وذكره على الترتيب الذي جاء به ، ولم يرد أن له مخالفا خالفه فيه.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٢ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٣٠ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ٩٠ ، المنصف (١ / ٣٦ ، ٣ / ٧) ، شرح المفصل (٥ / ٩ ، ٦٣ / ١٤٧) ، اللسان (قرن) ١٣ / ٣٣١.

٤٣٩

واعلم أنّ الأصل أن يقال في جمع" جمعاء" و" كتعاء" : جمع وكتع على قياس حمراء وحمر ، وشهباء وشهب ، غير أنهم عدلوا عن جمع وكتع إلى جمعاء وكتعاء ، لأن هذا لا يستعمل إلا معرفة ، وباب حمراء يستعمل معرفة ونكرة ، فشبهوه في جمعهم إياه بباب الأفضل والفضلى والفضل ، والطّولى والطول ، وهذا لا يستعمل إلا بالألف واللام فلما كان : جمع وكتع معرفة بغير ألف ولام صار كالفضل والطّول ، واجتمع فيه علتان : العدل والتعريف فلم ينصرف.

واعلم أن" أحاد وثناء" معدول اللفظ والمعنى ، وذلك أنك إذا قلت مررت بواحد أو اثنين ، أو ثلاثة وإن كانوا ألوفا.

والمانع من الصرف أنه صفة ومعدول.

وقال بعضهم عدل في اللفظ والمعنى فصار كأنّ فيه عدلين ، وقد تقدم شرح ذلك.

وذكر الزجاج أنّ القياس لا يمنع أن يبنى منه إلى العشرة على التباين" مفعل" و" فعال" ، والمسموع من العرب من الواحد إلى الأربعة.

وزعم بعض النحويين أنها معارف. والدليل على تنكيرها قوله عز وجل : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [فاطر : ١] فوصف بها النكرة.

وقال ساعدة بن جؤية :

* وعاودني ديني فبتّ كأنما

خلال ضلوع الصّدر شرع ممدود

ولكنّما أهلي بواد أنيسه

ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد (١)

فوصف ذئابا بمثنى وموحد.

وذكر سيبويه أن" فعل" إذا سمّي به ، ثم خففت عينه صرف ، لأنه قد خرج إلى مثال ما ينصرف لسكون عينه.

وخالفه المبرد فقال : إن خففنا" ضرب" قبل التسمية فقلنا" ضرب" ؛ ثم سمينا به مخففا فإنه ينصرف ، وإن سمينا" بضرب" ثم خففناه لم ينصرف ، لأنا ننوي" ضرب" في التسمية وليس بمنزلة : قيل وبيع ؛ لأن هذا بني على التخفيف وهو لازم ـ فيه وليس بلازم في ضرب.

وقال المحتج عن سيبويه إنما منع من صرف" ضرب" اللفظ الذي ليس من الأسماء فإذا زال اللفظ إلى ما له نظير انصرف كما ينصرف إذا حقرته. واستدل سيبويه أنه ليس الحذف في كل حال للعدل بأن : " هار" مخفف من" هائر" محذوف الهمزة وليس بمعدول ولا ممنوع الصرف ، فاعلمه.

__________________

(١) ديوان الهذليين ١ / ٢٣٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ١٥ ، المقتضب ٣ / ٣٨١ ، ما ينصرف ٤٤ ، النحاس ٣١٠ ، شرح السيرافي ٤ / ورقة ٩٤ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣٥ ، شرح المفصل ١ / ٦٢ ، مغني اللبيب ٢ / ٨٥٨ ، شرح شواهده ٢ / ٩٤٢ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٥٠ ، اللسان (بغي) ١٤ / ٢٦.

٤٤٠