النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

من حذف التنوين لاجتماع الساكنين في قولك : هذا زيد بن عبد الله لا لأنه أتبع الدال منه للنون من ابن ، وهذا معنى قوله :

لئلا ينجزم حرفان. وجعل سيبويه هذا في الإتباع بمنزلة : " يا ابن أم" و" يا ابن عم" فالأم والعم في موضع جر ولكن كثر كل واحد منهما في الكلام فأتبعوا فتحة الميم فتحة النون وحركة النون إعراب ، وحركة الميم بناء ، وهذا عكس : يا زيد بن عمرو ، لأن الأول في زيد بن عمرو أتبع الثاني ، وفي هذا أتبع الثاني الأول.

هذا باب يكرر فيه الاسم في حال الإضافة

فيكون الأول بمنزلة الآخر.

وذلك قولك : يا زيد زيد عمرو

قال جرير :

* يا تيم تيم عدي لا أبا لكم

لا يلقينكم في سوءة عمر (٣)

السوءة : الفعلة القبيحة وكان عمرو بن لجأ الخارجي قد تعرض لهجو جرير ، فتوعد جرير قومه ـ وهم تيم عدي ـ وحذرهم من الهجاء.

ومذهب سيبويه أن قولك : يا زيد زيد عمرو ، زيد الأول هو المضاف إلى عمرو ، والثاني هو توكيد للأول وتكرير له ، ولا تأثير له في المضاف إليه.

ومذهب المبرد أن الأول مضاف إلى اسم محذوف ، وأن الثاني مضاف إلى الاسم الظاهر المذكور وتقديره : يا زيد عمرو زيد عمرو ، وحذف عمرو الأول اكتفاء بالثاني.

وذكر غيرهما وجها ثالثا ، وهو أن يجعل أصله : يا زيد زيد عمرو فيكون زيد عمرو الثاني نعتا للأول مثل قولك : يا زيد بن عمرو ، ثم تتبع حركة الأول المبني ، حركة الثاني المعرب ، لأن" زيد عمرو" في بيانه الأول مثل : ابن عمرو ، وهذا وجه قوي.

وذكر سيبويه أشياء تدخل توكيدا ولا تغير حكم اللفظ تقوية لقوله : يا زيد زيد عمرو ، ومن جملة ما ذكر :

قول النابغة :

* كليني لهم يا أميمة ناصب (٤)

__________________

(١) ديوان جرير ٢٨٥.

(٢) ديوانه ص ٢ ، الكتاب (١ / ٣١٥ ، ٣٤٦ ، ٢ / ٩٠) ، شرح النحاس ٢٢١ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٦ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٤٥ ، شرح المفصل (٢ / ١٢ ، ١٠٧) الهمع ١ / ١٨٥ ، حاشية الصبان (٣ / ١٧٣ ، ٤ / ٢٠٠) ، الخزانة ٢ / ٣٢١ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٠٣ ، اللسان (نصب) ١ / ٧٥٨ ، (وكل) ١١ / ٧٣٦ ، (وجه) ١٣ / ٥٥٩.

٢٨١

فأدخل الهاء توكيدا وهو يريد الترخيم ، فحركها بحركة ما قبلها.

ولو لم ينو إقحامها لبناها على الضم. وذكر أن هذه الأشياء حدثت في النداء لكثرته في كلامهم ، ولأنه أول الكلام. ومعنى هذا أن المتكلم إذا تكلم ، فلا بد من مخاطب يخاطبه بكلامه الذي تكلم به ، فيقول له يا فلان كان من الأمر كذا وكذا ، وإن كان المخاطب مقبلا عليه جاز أن يدع يا فلان.

ثم ذكر أنهم يحذفون في النداء ، وربما ألحقوا الهاء في أمهات والذي ألحقوا فيه قولهم : يا أبت ويا أمة.

ومما استشهد به في هذا الباب قول بعض ولد جرير ، ويروى لعبد الله بن رواحة.

* يا زيد زيد اليعملات الذبل (١)

وقد تقدم القول في مثله ، وواحد اليعملات : يعملة ، وهي الناقة القوية على العمل.

والذبل : الضامرة المتغيرة بطول السفر.

هذا باب إضافة المنادى إلى نفسك

اعتمد سيبويه في إسقاط الياء من المنادى ، على أن الياء بدل من التنوين ، لأن الاسم مضاف إليها ، وأنها لا معنى لها ، ولا تقوم بنفسها إلا أن توصل بالمضاف ، كما أن التنوين لا يقوم بنفسه حتى يكون في الاسم. وتمام هذا الاعتلال أن يقال : إن الياء إذا حذفت دلت الكسرة عليها ، والدليل على هذا أنا لو قلنا :

يا غلامنا ، لو يجر حذف" نا".

وذكر أن العرب تقول : " يا رب .. ويا قوم" على تقدير يأيها الرب ، ويأيها القوم ، وإن كانوا يريدون : يا رب ويا قوم ، وإنما يفعلون هذا في الأسماء التي الغالب عليها الإضافة ، فإذا لم يضيفوها إلى ظاهر أو إلى غير المتكلم ، علم أنه مضاف إلى المتكلم والمتكلم أولى لأن اسمه هو" الياء" فحذف.

وأنشد في ما أثبت فيه" الياء" لعبد الله بن الأعلى القرشي :

* وكنت إذ كنت إلهي وحدكا

لم يك شيء يا إلهي قبلكا (٢)

وذكر سيبويه قبل البيت أن أبا عمرو قرأ : (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر : ١٦].

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٥ ، الكامل ٣ / ٢١٧ ، المقتضب ٤ / ٢٣٠ ، شرح النحاس ٢٢١ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٧ ، المنصف ٣ / ١٦ ، شرح المفصل ٢ / ١٠ ، مغني اللبيب ٢ / ٥٩٦ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٢٧٢ ، شرح شواهد المغني ١ / ٤٣٣ ، ٢ / ٨٥٤ ، الهمع ٢ / ١٢٢ ، الخزانة ٢ / ٣٠٣ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٢١.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٦.

٢٨٢

ولم يثبت أبو عمرو ههنا الياء ، إنما أثبتها في الزخرف في قوله (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) [الزخرف : ٦٨].

وذكر في الباب قول العرب" يا أبت ويا أمت ، وأنه مما خص به النداء ، ولحقت هذه الهاء للتأنيث كما لحقت في قائمة وذاهبة.

فأما لحاقها بالأم ، فلأنها مؤنثة لحقها ما يلحق المؤنث لتحقيق التأنيث. وأما" أب" : فإنه لما حذفت ياء الإضافة جعلت هذه الياء عوضا ، ولا يجوز دخول الهاء في مثل عم وخال ، لأن عما له مؤنث من لفظه ، وأب : كان الأصل في مؤنثه أبة ، فاستغني عن أبة بأم ، فصار لفظ المؤنث ساقطا ، فإذا أدخلت هاء التأنيث في أب. لم يلتبس ، ولو أدخلتها في عم لالتبس لأن له من لفظه مؤنثا.

ومثل سيبويه دخول التاء في هذا عوضا ، بقولهم : " أينق" وذلك أن الأصل فيها" أنوق" لأنه جمع ناقة فاستثقلوا الضمة على الواو فأسقطوها ، وعوضوا منها الياء ، ومنهم من يقول : " أونق" فيقدم الواو إلى موضع تسكن فيه فتخف ، ومنهم من يقول : " أنوق" فيأتي بها على الأصل ولا يبالي بثقلها.

هذا باب ما تضيف إليه ويكون مضافا

إليك قبل المضاف إليه وتثبت فيه الياء لأنه غير منادى ...

وذلك قولك : يا ابن أخي ويا ابن أمي

قال أبو زبيد الطائي :

* يا ابن أمي ويا شقيق نفسي

أنت خليتني لدهر شديد (١)

فأثبت الياء في الأم وفي النفس لأنهما في موضع يثبت فيه التنوين كما تقول : يا ابن زيد ، ويا صاحب عمرو ، وكذلك إذا قلت : أي ابن أمي ويا ابن عمي فالقياس فيها إثبات الياء إلا أن العرب اختلفت فيه ، فمنهم من يجريه على القياس ، ومنهم من يجعله كالمنادى المضاف إلى المتكلم ، فيحذف الياء ويكتفي بالكسرة منها ، ومنهم من يبنيه على الفتح ويتبع آخره أوله على ما تقدم. ومنهم من يجعل الياء ألفا كقول أبي النجم :

* يا ابنة عما لا تلومي واهجعي (٢)

وإنما فعلوا هذا بهذين الاسمين لكثرة الاستعمال ، ألا ترى أن الرجل يقول لمن لا

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٨ ، المقتضب ٤ / ٢٥٠ ، شرح النحاس ٢٢٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٠ ، شرح المفصل ٢ / ١٢ ، الهمع ٢ / ٥٤ ، حاشية الصبان ٣ / ١٥٧ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٢٢.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٣١٨ ، نوادر أبي زيد ١٩ ، المقتضب ١٤ / ٢٥٢ ، شرح النحاس ٢٢٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٠ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٤٠ ، اللسان (لوم) ١٢ / ٥٦١.

٢٨٣

يعرف ، ولمن لا رحم بينه وبينه : يا ابن أم ويا ابن عم.

هذا باب يكون فيه النداء مضافا

إلى المنادى بحرف الاستفهام

وذلك قول الشاعر : وهو مهلهل :

* يا لبكر أنشروا لي كليبا

يا لبكر أين أين الفرار؟ (١)

فاستغاث بهم لأن ينشروا له كليبا وهو منه وعيد وتهدد.

وكليب أخوه ، وكان قد قتل ، والمعنى كما لا سبيل إلى إحياء الموتى ، فكذلك لا سبيل لكم إلى النجاة منا ومن قتلنا.

وقوله : فاستغاث بهم لأن ينشروا له كليبا.

جعل : أنشروا في معنى : اللام ، كأنه قال : يا لبكر للإنشار ، أي : أدعوكم إلى الإنشار.

ومعنى قولة : " استغاث بهم لهم".

يريد : أن قوله : يا لبكر أين أين الفرار بمعنى : يا لبكر أدعوكم للفرار ، ومم الفرار؟ ، ومعنى الكلام : ممّ تفرون؟ على جهة الاستطالة عليهم والوعيد لهم.

وأنشد أيضا لأمية بن أبي عائذ الهذلي :

* ألا يا لقومي لطيف الخيال

أرق من نازح ذي دلال (٢)

النازح : البعيد. ومعنى أرق : منع النوم.

وأنشد لقيس بن ذريح :

* تكنفني الوشاة فأزعجوني

فيا للناس للواشي المطاع (٣)

الوشاة : النمامون ، وأصله من الوشي ، لأنهم يزينون الكذب ويحسنون الباطل. يصف أنهم وشوا بامرأته إليه حتى تركها فندم على ذلك ، فاستغاث بالناس من أجلهم.

وأنشد أيضا :

* يا لقومي من للعلى والمساعي

يا لقومي من للندى والسماح؟

يا لعطافنا ويا لرياح

وأبي الحشرج الفتى النفاح (٤)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٨ ، شرح النحاس ٢٢٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٤٦ شرح عيون الكتاب ١٦٣ ، الخصائص ١ / ٢٢٩ ، الخزانة ٢ / ١٦٢.

(٢) ديوان الهذليين ٢ / ١٧٢ الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٩.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٩ ، الكامل ٣ / ٢٧١ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٣١ ، فرحة الأديب ٩٨ ، الجنى الداني ١٠٣ ، شرح المفصل ١ / ١٣١.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٩ ، المقتضب ٤ / ٢٥٧ ، شرح النحاس ٢٢٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١ ، ـ

٢٨٤

يصف هؤلاء القوم ، فلم يوجد من يقوم للعلى والمساعي والندى والسماح مقامهم.

والنفاح : الكثير العطاء وروي الوضاح أي المشهور البين الفضل.

وذكر سيبويه أن هذه اللام تدخل على معنى التعجب ، وأنشد

* لخطّاب ليلى يا لبرثن منكم

أدلّ وأمضى من سليك المقانب (١)

هذا رجل اتهم قوما من بني برثن كانوا يزورون امرأته فاتهمهم بفساد بينهم وبينها ، فشبههم بسليك المقانب : وهو سليك بن السلكة السعدي في حذقهم ودقة حيلتهم في الفساد ثم استغاث بمن لا يزور امرأته من برثن على من زارها منهم فقال : يا لبرثن امنعوا من زيارتها بعضكم وبعد هذا :

تزورونها ولا أزور نساءكم

ألهفي لأولاد الإماء الحواطب

ومما يسأل عنه في هذا الباب : أن يقال : لم فتحت هذه اللام ، واللام الخافضة في الأسماء الظاهرة مكسورة؟

فالجواب عن هذا أن يقال : أصل هذه اللام الفتح ثم كسرت في الظاهر لئلا تلتبس بلام الابتداء ثم عرض دخولها في النداء على معنيين مختلفين فاحتيج إلى الفصل بينهما ، وكانت الأولى أولى بالفتح من الثانية من قبل أن المدعو لم يخرج عن منهاج ما تدخله اللام المكسورة ، لأنك إذا قلت يا للعدو ، فمعناه : أدعوكم للعدو ، وهي على أصلها ، والمنادى : المدعو في دخول اللام عليه خارج عن القياس لأن المنادى لا يحتاج إلى لام ، فكان تغير لامه أولى ، لأن دخولها في غير موضعها هو معنى حادث أوجب الفصل ، وليس فتحها بالفتح الذي كان يجب في أصل اللام ، وإنما هو تبين بعد لزوم الكسرة ، والدليل على ذلك إذا عطف عليه رددته إلى الكسرة وذلك أنك إذا عطفت عليه رددته إلى الكسر ، وذلك لأن الكسر قد صار كالأصل له بعد الفتح تقول : يا لزيد ولعمرو فتكرر لام عمرو ؛ لأن اللام المفتوحة في زيد قد دلت على المعنى فاكتفي بها وكسرت لام عمرو على ما ينبغي من كسرها.

وبوب سيبويه بابا للام المدعو له وبين أنها مكسورة للفرق.

وأنشد قول قيس بن ذريج :

* فيا للنّاس للواشي المطاع

وأنشد :

__________________

ـ شرح المفصل ١ / ١٢٨ ، الهمع ١ / ١٨٠ ، حاشية الصبان ١٦٥ ، الخزانة ٣ / ١٦٥.

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٩ ، معاني القرآن ٢ / ٤٢١ ، معجم الشعراء ٣٢٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١ ، ٥٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٦٠٤ شرح المفصل ١ / ١٣١.

٢٨٥

* يا لقومي لفرقة الأحباب (١)

وبين أن قولهم : " يا للعجب ويا للماء" ، على حذف المدعو كأنه نبه إنسانا ودعاه للعجب ، وذلك على أن المدعو محذوف بقول الشاعر.

* يا لعنة الله والأقوام كلهم

والصالحين على سمعان من جار (٢)

فحذف المنادى وابتدأ اللعنة ولم يوقع عليها حرف النداء.

هذا باب الندبة

اعلم أن الندبة تفجع ونوح من حزن وغم ، يلحق النادب على المندوب عند فقده فيدعوه ـ وإن كان يعلم أنه لا يجاب ـ لإزالة الشدة التي لحقته لفقده ، كما يدعو المستغاث به لإزالة الشدة التي لحقته وغشيته ، ودعاؤه له كالدلالة على ما ناله من الحزن لفقده ، ولما كان المندوب ليس بحيث يسمع ، احتيج إلى غاية بعد الصوت فألزموا أوله" يا"" أو"" وا" ، وآخره الألف في الأكثر من الكلام لأن الألف أبعد للصوت وأمكن للمد فوجب بدخول الألف فتح كل ضمة وكسرة ، إذ لا يكون ما قبلها مفتوحا ، إلا أن يلتبس الكلام فتقلب على حركة ما قبلها.

وأنشد في ما لم تزد الألف في آخره ـ غير أنه بينت حركة آخره بالهاء ـ

لابن قيس الرقيات :

* تبكيهم دهماء معولة

وتقول سلمى : وا رزيتّيه (٣)

معولة من العويل وهو البكاء.

وأنشد أيضا لرؤبة فيما استعمل بالألف وغير الألف :

* بكاء ثكلى فقدت حميما

فهي ترثّى بأبي وابنيما (٤)

فما صلة ، وإنما حكي ندبتها ويروى : (بأبا وابناما) ، والألف لا تجوز في القافية المردفة بالياء ، فإذا كانت فيه رواية غير الأول فهي في" بأبا" دون" ابنيما" أو يكون منشد من العرب أنشد البيت وحده ، ولم يعرف القصيدة فيكون إنشاد ذلك العربي هو الحجة.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٢٠ ، شرح النحاس ٢٢٤ ، شرح السيرافي ٢٢٤.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٢٠ ، الكامل ٣ / ٢٧١ ، شرح النحاس ٢٢٤ شرح السيرافي ٤ / ٥٢ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣١ ، الإنصاف ١ / ١١٨ ، الجنى الداني ٣٥٢ ، شرح المفصل (٢ / ٢٤ ، ٤٠ ، ٨ / ١٢٠) مغني اللبيب ١ / ٤٨٨ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٦ ، الهمع ١ / ٧٤ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٦١.

(٣) ديوانه ٩٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٢١ ، مجالس العلماء ١٤٤ ، شرح النحاس ٢٢٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٤٩ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٧٤.

(٤) ملحقات ديوانه ١٨٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٢٢ ، المقتضب ٤ / ٢٨٢ ، شرح النحاس ٢٢٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٦٥٩.

٢٨٦

هذا باب تكون فيه ألف الندبة

تابعة لما قبلها ، وإن كان مكسورا فهي ياء ، وإن كان مضموما فهي واو للفرق

ذكر سيبويه في هذا الباب أنك إذا أردت كنية ألحقت الزيادة في آخرها ، وإن وقع حرف النداء على أولها ، كقولك : (يا أبا عمراه) ، من قبل أن المضاف والمضاف إليه كاسم واحد فلو ألحقت الألف الاسم الأول لانفصل من الثاني ، ونظير هذا أن تقول : هذه مائة درهم ، فإن أضفت" مائة" إلى" نفسك" قلت : هذه مائة درهمي. وقد علم أنك لم ترد أن تضيف درهما إلى نفسك ولا قصدت إلى درهم واحد بعينه ، وإنما قصدك إلى إضافة مائة إليك دون غيرها ، وعلى هذا إذا أضفت أبا عمرو إليك أضفته كأنه لك ، فقلت : هذا أبو عمر ، وإن كان قصدك أن تضيف الأب إليك دون عمرو.

ومن الدليل على هذا ، أنه لا يجوز : هذا أبو النضرك ، لأنك لو أفردت النضر لم يجز أن تقول : مررت بالنضرك ، ويجوز أن تقول : هذا أبو زيدك ، كما تقول : هذا زيدك ، فعلم أن حكم الاسم في إضافته إلى الاسم المضاف إليه كحكمه لو كان مفردا غير مضاف إليه.

وإنما جاز أن تدخل الياء والواو على الألف في هذا الباب للفرق دون غيرها ، لأنهما أختا الألف وشركتاها في المد واللين وبعد الصوت فاختصتا لذلك.

هذا باب ما لا تلحقه الألف التي تلحق المندوب

وذلك قولك : وازيد الظريف ولا يجوز الظريفاه.

قال الخليل : " ولو جاز هذا لقلت : وا زيدا أنت الفارس البطلاء"

وأجاز يونس والكوفيون ندب الصفة ، وقال المحتج له ردّا على الخليل ، ليس الخبر مثل الصفة فلذلك لم يجز : أنت الفارس البطلاء ، لأن الخبر منقطع عن المندوب ، والصفة من تمامه.

ومن حجة الخليل أن الصفة والخبر جميعا خارجان عن النداء ، فقد اتفقا في خروجهما ، وإن اختلفا في المعنى وإنما الندبة للمنادى ولا تدخل في غيره ، فما كان خارجا عن النداء ، فالندبة مفارقة له.

وفصل سيبويه بين من اسمه" ضربوا" وبين من اسمه" ضربا" كما فصل بين التثنية والجمع في الباب الذي قبل هذا في : واغلامهما ، وواغلامهمو.

وألزمه المبرد المناقصة في ما ذكره في الباب الذي قبل هذا فقال : ذكر أنك إذا أضفت غلاما إلى نفسك ثم ندبته في من قال : يا غلامي بإسكان الياء ، أنك تقول : واغلامياه بتحريك الياء ، ثم قال في باب ترجمته : هذا باب تكون فيه ألف الندبة تابعة لما قبلها وذلك قولك : واظهرهوه ليفصل بينه وبين المؤنث وقال في الذي يلي هذا الباب في رجل يسمى" ضربوا" ، " وا ضربوا" ، ليفصل بينه وبين من يسمى" ضربا" إذا قلت وا ضرباه" ، فألزمه أن يحذف الياء من" غلامي" لاجتماع الساكنين فيقول : " وا غلاما" ، أو يحرك الواو من هذا ويأتي بعدها

٢٨٧

بألف الندبة ، فيقول : " وا ظهرهواه" و" وا ضربواه".

والذي ألزمه المبرد لا يلزمه ، لا هذه الواوات السواكن المضموم ما قبلها كالألفات ولا أصل لهن في الحركة والياء في غلامي يجوز فيها حركة لغير التقاء الساكنين وأصلها الحركة ، والتغيير للندبة ضعيف ، لأنه لا يجوز أن تأتي بعلامة الندبة ، وإن كنت نادبا ، فلذلك فرق بين هذه الأشياء.

هذا باب ما لا يجوز أن يندب

قد تقدم أن أصل الندبة حزن وبكاء على فائت لا عوض منه في فضل وإحسان وشجاعة وقيام بأمر لا يقوم به غيره فيحتاج إلى تعظيم الأمر الذي حزنوا له وبكوا عليه ليكون عذرا.

فيجب أن لا يأتوا فيه من اللفظ إلا بما يعرف ويشهر ، فلهذا لم تندب النكرة ولا المبهم كما لا يجب أن يندب الإنسان من لا يعنيه أمره ، ولا يؤلمه فقده.

هذا باب ما تكون الأسماء فيه بمنزلة اسم

واحد ممطول وآخر الاسمين مضموم إلى الأول بالواو

وذلك قولك : وثلاثة وثلاثيناه الذي يشتمل عليه هذا الباب : أن كل ما كان من المنادى ، لا يتم الاسم فيه إلا بشيء بعده ، وليس بمضاف إليه فإنه ينصب وإن كان معرفة بالقصد إليه كقولك : يا خيرا من زيد ، وضاربا رجلا.

ونصبه كنصب الاسم المضاف لبطلان البناء فيه ، والبناء إنما يجب للمفرد التام الذي لا يحتاج إلى معنى يتمم اسمه ، وضاربا رجلا ، وخيرا من زيد ، إذا أردت بكل واحد منهما شيئا بعينه فتعريفه من أحد وجهين :

ـ إما أن تناديه بالمعنى الذي فيه ، فتقول لمن ضرب زيدا ، ولمن خير من زيد : يا ضاربا زيدا ، ويا خيرا من زيد وتقديره : يأيها الضارب ، ويأيها الرجل الذي هو خير من زيد ، فهذا تعريف يحدثه النداء.

ـ وإما أن تسمي رجلا بضارب زيدا أو بخير منك ، وإن لم يكن على تلك الحقيقة فتقول : يا ضاربا زيدا ، ويا خيرا من زيد كما تقول : يا قيس قفة ، ويا سعد كرز ، وما أشبهه من الألقاب.

هذا باب الحروف التي ينبه بها المدعو

ذكر سيبويه أن" يا" تحذف من النكرة في الشعر ضرورة وأنشد للعجاج :

* جاري لا تستنكري عذيري (١)

__________________

(١) ديوانه ٢٦ ، الكتاب وشرح الأعلم (١ / ٣٢٥ ، ٣٣٠) ، المقتضب ٤ / ٢٦٠ ، شرح النحاس (٢٢٦ ،

٢٨٨

يريد : جارية ، ووصل هذا بأمثال العرب ، وهي قولهم : افتد مخنوق ، وأصبح ليلا ، واطرق كرا معنى البيت أن العجاج كان يصلح حلسا لجمله فأنكرته عليه ، فقال لها هذا فأما الأمثال : فجاز حذف حرف النداء منها لكثرة استعمالهم لها ، فصارت كالمعرفة فحسن جواز الحذف فيها.

ومعنى قوله في باب الندبة وفي هذا الباب : " لأنهم يحتلطون ويدعون ما فات".

الاحتلاط : الاجتهاد في الغضب والغيظ ، وقد يقال : احتلط في الأمر إذا اشتد فيه.

ورد المبرد قول سيبويه في هذا الباب : " وقد يجوز حذف يا من النكرة" ومجيئه بالبيت والأمثال وقال : أخطأ في هذا كله خطأ فاحشا يعني أن هذه الأسماء معارف بالنداء ، وقد جعلها سيبويه نكرات.

وادعاء المبرد هذا هو الخطأ ، والعجب منه كيف ذهب عليه ذلك أيتوهم أن سيبويه يعتقد أن" مخنوق" و" وليل" نكرات وهو يضمها بغير تنوين؟ فإنما حذف" يا" من النكرة ، يعني : ما كان نكرة قبل النداء ، فورد النداء عليه فصار معرفة من أجله.

هذا باب ما جرى على حرف النداء وصفا له

وليس بمنادى ينبهه غيره

قوله : " ما جرى على حرف النداء وصفا له".

أراد" أيا" إذا قلت : أنا أفعل كذا وكذا أيها الرجل ، و" اللهم اغفر لنا أيتها العصابة" وسمي" أيا" هنا حرف نداء لأنه لا يستعمل إلا في النداء وما بعده وصف له. وأيها في هذا الباب ، وإن كان لفظ المنادى ، فليس بمنادى في الحقيقة لأن حرف النداء لا يدخل عليه ، ولكنه استعمل للاختصاص لأن المنادى مختص وإن لم تناده ، فاستعير لفظ أحدهما للآخر من حيث شاركه في الاختصاص ، كما جعل حرف الاستفهام لما ليس باستفهام لما اشتركا في التسوية وقد بين ذلك سيبويه.

هذا باب من الاختصاص يجري على ما

جرى عليه النداء فيجيء لفظه على موضع النداء نصبا

وذلك قولك : أنا معشر العرب نفعل كذا وكذا.

قال عمرو بن الأهتم : (١)

__________________

ـ ٢٢٩) ، شرح السيرافي ٣ / ٥٩ ، المسائل البغداديات ١٦٨ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٦١ ، شرح عيون الكتاب ١٦٨ ، الوساطة ٤٦٦.

(١) الشعر والشعراء ٢ / ٦٣٢ ، معجم الشعراء ٢١٢ ، جمهرة الأنساب ٢١٨.

٢٨٩

* إنا بني منقر قوم ذوو حسب

فينا سراة بني سعد وناديها (١)

وقال الفرزدق :

* ألم تر أنا بني دارم

زرارة منا أبو معبد (٢)

وقال رؤبة :

* بنا تميما يكشف الضّباب (٣)

النصب في هذا الباب على مذهب ما يوجبه النداء من النصب بفعل غير مستعمل إظهاره ، والدليل على ذلك أن الاسم المفرد الذي يقع فيه لا يبنى على الضم كما يبنى الاسم المفرد في النداء على الضم ، ولا يجوز أن يدخل عليه حرف النداء كما يدخل على المنادى.

ومعنى قول سيبويه : فيجيء لفظه على موضع النداء نصبا

إلى قوله : لأنك أجريت الكلام على ما النداء عليه ، ولم تجره مجرى الأسماء في النداء.

يريد أن موضع النداء فعل تقصد به في التقدير إلى المنادى الغافل عنك فتختصه لتعطفه على نفسك وكذلك له.

والمنصوب في هذا الباب يعمل فيه فعل يقصد به الاختصاص على جهة الافتخار به والتفضيل له.

قال : وسألت الخليل ويونس عن نصب قول الصلتان :

* أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله

جرير ولكن في كليب تواضع (٤)

فزعما أنه غير منادى ، وإنما انتصب على إضمار ، كأنه قال : يا قائل الشعر شاعرا.

وشرح هذا : أن" شاعرا" ليس بمنادى ، لأنه مقصود به إلى واحد بعينه ، والمنادى إذا كان مقصودا إليه يعرف ، والمنادى في البيت محذوف ، يجوز أن يكون هو الشاعر ، ويجوز أن يكون غيره ، فإذا كان المنادى غيره ، فكأنه قال لمن بحضرته : يا هذا حسبك به شاعرا على المدح له والتعجب منه ، ثم بين أنه جرير ، وشبه هذا الإضمار بقولهم : نعم رجلا زيد.

والتقدير عند الخليل ويونس : يا قائل الشعر ، على أن قائل الشعر غير" شاعر"

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٢٧ (لعمرو) الكامل ١ / ٣٩٤ ، شرح النحاس ٢٢٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٢ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٠ شرح المفصل ٢ / ١٨ ، همع الهوامع ١ / ١٧١.

(٢) ديوانه ١ / ٢٠٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٢٧ ، شرح النحاس ٢١٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٢.

(٣) تقدم برقم ٥٧٨ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٢ ، ٦٣.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٢٨ ، الشعر والشعراء ١ / ٥٠١ ، الكامل ٣ / ٣٥٧ ، أمالي القالي ٢ / ١٤٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٢ ، المؤتلف ١٤٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٦٥ ، الخزانة ٢ / ١٧٤ ، اللسان (كرب) ١ / ٧١٤.

٢٩٠

المذكور ، كأنه قال : يا شاعرا عليكم شاعرا لا شاعر اليوم مثله ، أو حسبكم به شاعرا ، فهذا ظاهر كلام سيبويه.

ويجوز أن يكون قائل الشعر المحذوف هو الشاعر المذكور ، وينتصب" شاعر" على الحال ، ولا شاعر اليوم" في موضع النعت له ، واحتاج إلى إضمار قائل الشعر أو نحوه ، حتى يكون المنادى معرفة وكأنه قال :

يا قائل الشعر في حال ما هو شاعر لا شاعر مثله.

قال : " ومما جاء فيه معنى التعجب كقوله : يا لك فارسا قول شريح بن الأحوص الكلابي :

* تمناني ليقتلني لقيط

أعام لك بن صعصعة بن سعد (١)

وإنما دعاهم لهم تعجبا.

معنى هذا أن لقيط بن زرارة التميمي ، وهو من بني ارم ، تمنى قتل شريح بن الأحوص ، وهو من بني عامر بن صعصعة فعجب شريح قومه من أنفسهم حيث تمناهم لقيط وهم أمنع منه وأشد بأسا ، كأنه قال : يا عامر بن صعصعة أعجب لك من تمني لقيط إياك ، وتمنى شريح كتمنيه لعامر.

والعرب تستعمل حذف فعل التعجب وتكتفي باللام ، كقولك : يا لك فارسا كأنه نادى وأضمر معه فعلا لعلم المخاطب ، كأنه قال : يا هذا أعجب لك فارسا ، ومعناه : أعجب بك فارسا.

ومن النحويين من قال : يا لك كقولك : يا لزيد على معنى استغثت بك فارسا.

قال : وزعم الخليل أن هذا البيت مثل ذلك :

* أيام جمل خليلا لو يخاف لها

صرما لخولط منه العقل والجسد (٢)

قال أبو العباس : في هذا قولان : أحدهما : أن خليلا مفعول به ، وتقديره أعني خليلا ، والآخر : أن يكون حالا ، وتجعل أيام مضافة إلى جمل وفي إضافتها إليها يحدث معنى فعل لها ، وشبهه بقولك : (لقيته يوم عبد الله قائما) ، إذا عرفت اليوم لعبد الله وكان له فيه أثر. فقد يكون له يوم يذكر به قائما ، ويكون له يوم يذكر به راكبا ، فالشاهد في البيت على قول أبي العباس نصب خليل.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٢٩ ، شرح النحاس ٢٢٨ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٢ ، شرح عيون الكتاب ١٦٦ ، الهمع ١٨١ ، حاشية الصبان ٣ / ١٧٦ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٠٠.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٢٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥١١ ، شرح عيون الكتاب ١٣٧.

٢٩١

وقال غيره : إنما أراد بإنشاده البيت أنه اختص" أيام جمل" دون غيرها والتقدير : أعني أيام جمل ، فأشبه هذا البيت ما ذكره من المنصوب على الاختصاص.

قال : " وأما قول لبيد :

* نحن بنو أم البنين الأربعة

فلا ينشدونه إلا رفعا لأنه لم يرد إذا افتخروا أن يعرفوا أن عدتهم أربعة ولكنه جعل الأربعة وصفا.

وأجاز المبرد النصب من وجهين :

أحدهما : أن أم البنين امرأة شريفة وبنوها الأربعة كلهم سيد فينصب على الفخر ويكون الخبر في البيت الذي بعده.

والوجه الآخر : أنه لم يرد معنى الفخر ، ونصبه على أعني فيكون مثل قوله :

* وما غرّني حوز الرّزامي محصنا (١)

وقال غير المبرد أما الاختيار بأم البنين فلو لم يقل" الأربعة" لجاز ذلك كما يجوز : نحن بني تميم نفعل كذا ، وتكون هذه المرأة معروفة بالنجاعة والفضل ، ولما ذكر الأربعة خرج ذلك من أن يكون فخرا ، إذ ليس في ذكر العدد ما يوجب الافتخار به وإن كان الأربعة نجباء ، فليس لنجابتهم في الشعر ذكر يصح الافتخار به ، ولا هو اسم علم لهم ، فقول سيبويه أقرب وأصح.

هذا باب الترخيم

الترخيم المطرد يلزم المنادى دون غيره تخفيفا من اسمه إذا طال لكثرة النداء في كلامهم ، ومعنى الترخيم نقص الاسم عن تمام الصوت به ، ومن ذلك : كلام رخيم إذا كان لينا.

وللترخيم شروط إذا نقص منها شرط امتنع الترخيم ، فشروطه : ألا يكون الاسم منادى ، مفردا ، معرفة ، على أكثر من ثلاثة أحرف ، ويكون في آخرها هاء التأنيث ، وإن كان على ثلاثة أحرف في عدة وثبة ، فإن نقص من هذه الشرائط شيء لم يجز ترخيمه.

هذا باب ما أواخر الأسماء فيه الهاء

اعلم أن الترخيم لا يكثر في شيء ككثرته في ما آخره هاء التأنيث لأنها شيء مضاف إلى الاسم وليس من نفسه لأنها لا تعود في جمع مكسر ولا سالم تعود ألف التأنيث ، ولأنها إذا دخلت للتأنيث لم تغير بنية ما تدخل عليه من المذكر ، وهي مع ذلك متغيرة ، تكون تاء في

__________________

(١) شرح السيرافي ٣ / ورقة ٦٣.

٢٩٢

الوصل وهاء في الوقف ، ودخولها في الكلام أكثر من دخول ألفي التأنيث لأنها تدخل على أفعال المؤنث وعلى بعض أسماء المذكر للتوكيد ، فلما كانت هكذا كثر حذفها في الترخيم.

وذكر سيبويه أن من العرب من لا يحذف الهاء من آخر الاسم المعرفة في الفصل والوقف ، ثم يختلف هؤلاء المثبتون للهاء في حركة الهاء فمنهم من يضمها كما يضم سائر الأسماء المفردة ، ومنهم من يفتحها ويجعلها مقحمة بمنزلة يا تيم عدي ، وقد تقدم ذكر ذلك.

وذكر أن الذين يحذفون الهاء في الوصل يقفون عليها ليبينوا بها حركة الميم والحاء من سلم وطلح كما يفعلون ذلك في" قه" و" ارمه" ، كأنهم جعلوا لزوم الهاء للترخيم كلزوم حذف الياء في ارم ، ثم جعلوا العوض من الحرفين في الوقف : " الهاء" وهذه حكاية سيبويه عن العرب في فصلهم بين الوصل والوقف ، ومثله بأقرب ما يكون يشبهه من كلامهم ، ثم جعل سيبويه حذف الهاء في الوقف من المرخم كالضرورة.

وأنشد :

* كادت فزارة تشقى بنا

فأولى فزارة أولى فزارا (١)

أراد : يا فزارة فحذف هاء السكت وعوض منها الألف. ومعنى أولى : زجر ووعيد ، ومعناه : كدت تقع ولم تقع.

وأنشد لهدبة :

* عوجي علينا واربعي يا فاطما (٢)

هذا البيت لزائدة بن زيد العذري يذكر أخت هذبة ابن عمه وقوله : عوجي واربعي : أي ميلي وقفي. والقول في" فاطما" كالقول في فزارا وقد يجوز هذا في غير الضرورة لأن سيبويه حكى عن الثقة من العرب" يا حرمل" يريد : يا حرملة ، كما قال بعضهم ارم فيقفون بغير هاء.

هذا باب يكون فيه الاسم بعد ما

يحذف منه الهاء بمنزلة اسم بتصرف في الكلام ...

وذلك قول بعض العرب :

* يدعون عنتر والرماح كأنها

أشطان بئر في لبان الأدهم (٣)

__________________

(١) المفضليات ٤١٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣١ ، شرح النحاس ٢٢٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٧ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١٤١.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣١ ، الشعر والشعراء ٢ / ٦٩١ ، شرح النحاس ٢٣٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٧ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٦٠.

(٣) شرح المعلقات العشر ١١٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٢ ، شرح النحاس ٢٣٠ ، شرح السيرافي ٣ / ـ ـ

٢٩٣

المعنى : يقولون يا عنتر. وشبه الرماح في صدر فرسه بالحبال في البئر.

وأنشد للأسود بن يعفر :

* ألا هل لهذا الدهر من متعلل

على الناس مهما شاء بالناس يفعل

وهذا ردائي عنده يستعيره

ليسلبني نفسي أمال بن حنظل (١)

فرخم حنظلة في غير النداء ، وأجراه على لغة من قال : يا حار.

يصف أن الدهر قد أخذ بهجته ونضارته وهي : رداؤه ، فقال : إنما أخذ ردائي ليسلبني نفسي بالموت.

وأنشد لرؤبة :

* إما تريني اليوم أم حمز

قاربت بين عنقي وجمزي (٢)

أراد : حمزة والعنق : ضرب من السير سريع وكذلك الجمز.

قال : " وأما قول ذي الرمة :

* ديار مية إذ مي تساعفنا

ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (٣)

فزعم يونس أنه كان يسميها مرة مية ومرة ميّا.

أراد أن" ميّا" غير مرخم ، إنما هو اسم على حياله بمنزلة دعد.

وأنشد لأبي النجم :

* في لجة أمسك فلانا عن فل (٤)

استشهد بهذا على أنه اضطر فأسقط الألف من" فلان" لأنها ليست بحاجز حصين وأسقط النون لقربها من اللام ، وحرك اللام بما يجب بحرف الإعراب. هذا قول ابن سليمان الأخفش ، وهو ظاهر قول سيبويه بعد ذكر" فلان" وقد اضطر الشاعر فبناه على حرفين.

وقال غير الأخفش : أراد سيبويه أن" فل" قد يبنى على حرفين في النداء ، وليس بضرورة ، وأن" فلانا" يستعمل في النداء وغيره على التمام ، وأن الشاعر استعمل فلانا على

__________________

ـ ١٧ ، شرح عيون الكتاب ١٦٩ ، مغني اللبيب ٢ / ٥٤٠ ، شرح شواهد المغني ٨٣٤ ، همع الهوامع ١ / ١٨٤.

(١) الكتاب وشرح الأعلم (١ / ٣٣٢ ، ٤٣٧) للأسود.

(٢) ديوان رؤبة ٦٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٣ ، المقتضب ٤ / ٢٥١.

(٣) تقدم برقم ٣٩٧ ، شرح السيرافي ٣ / ورقة ٦٧.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم (١ / ٣٣٣ ، ٢ / ١٢٢) ، المقتضب ٤ / ٢٣٨ ، شرح النحاس ٢٣١ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٧ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٣٨ ، حاشية الصبان ٣ / ١٦١ ، أوضح المسالك ٣ / ٩٢ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٢٧٨ ، شرح شواهد المغني ١ / ٤٥٠ ، الهمع ١ / ١٧٧ حاشية الصبان ٣ / ١٦١ ، الخزانة ٢ / ٣٨٩ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٢٨.

٢٩٤

حرفين في قوله" عن فل" وهو يريد : " عن فلان" فنقله من النداء إلى غيره ، فكان اضطرارا لأنه حذفه من : " فلان" في غير النداء.

هذا باب إذا حذفت منه الهاء وجعلت الاسم بمنزلة ما

لم تكن فيه الهاء أبدلت حرفا مكان الحرف الذي يلي الهاء

اعلم أن الترخيم وقع على أن يكون المبقي بمنزلة اسم كامل غير مرخم كقوله : " يا حار" فينبغي أن تراعي الحرف الذي يقع طرفا بعد المحذوف للترخيم ، فإن كان آخره مما يغير إذا وقع طرفا غير ، وإن بقي ما يزاد فيه حتى يتم اسما ، زيد فيه حتى يكون على منهاج الأسماء المفردة ، فمن أجل ذلك تقول في : " عرقوة" و" قمحدوة" : يا عرقي ويا قمحدي ، ، لأن الواو وقعت طرفا وقبلها ضمة ، وهذا معدوم في الأسماء ، فقلبت ياء وكسر ما قبلها حتى يكون بمنزلة : أدل وأحق ، جمع : دلو وحقو.

قال : واعلم أن ما يجعل بمنزل اسم ليست فيه هاء أقل من كلامهم.

يعني : " يا طلح" و" يا حار" ثم قال بعد ذلك : " وهو على ذلك عربي ، وقد حملهم على هذا أن رخموه حيث جعلوه بمنزلة ما لا هاء فيه ، قال العجاج :

* لقد رأى الراءون غير البطّل

أنك يا معاويا ابن الأفضل (١)

يريد معاوية.

قال أبو الحسن : البيت للعجاج يمدح به يزيد بن معاوية ولا أدري كيف هذه الرواية ، إلا أن سيبويه هكذا رواه ، وتقدير هذا الترخيم أنه لما رخم : معاوية فأسقط الهاء صار كاسم لا هاء فيه ، ثم رخمه فأسقط الياء. ولو قال قائل : إن الياء بعد الواو من معاوية ، وإن ابن الأفضل" نعت لمعويا" وليس فيه حرف نداء ، كان أقيس وأجود.

قال : " واعلم أن الأسماء التي في أواخرها هاء لا يحذف منها أكثر ، لأنهم إن يخلوا بها فيحملوا عليها حذف التنوين وحذف حرف أصلي.

ثم قال : " وإن حذفت فحسن" وأنشد لمهلهل بن ربيعة :

* يا حار لا تجهل على أشياخنا

إنا ذوو السورات والأحلام (٢)

السّورة : الجدة والغضب.

وأنشد لامرئ القيس :

__________________

(١) ديوان ٤٧ ، الكتاب ١ / ٣٣٤ ، وشرح الأعلم ، شرح النحاس ٢٣٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٩ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٦٢ ، الخصائص ٣ / ٣١٦ ، الهمع ١ / ١٨٤ ، الخزانة ٢ / ٣٧٨.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٥ ، شرح النحاس ٢٣٢ ، السيرافي ٣ / ٧٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٦ ، شرح المفصل ٢ / ٢٢.

٢٩٥

* أحار ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين في حبي مكلل (١)

الحبي : السحاب المتداني ، يحبو بعضه إلى بعض. وشبه وميض البرق وانتشاره في السحاب بتحريك اليدين وانتشار الأصابع.

وأنشد للأنصاري :

* يا مال والحق عنده فقفوا (٢)

وهذا البيت في نسخة أبي الحسن الأخفش وتمامه :

تؤتون منه الوفاء معترفا

قوله : والحق هو منصوب بإضمار فعل معطوف على جملة الفعل المحذوف في النداء ، كأنه قال : أريد مالكا والزموا الحق ، فقفوا عنده والزموه.

وأنشد للنابغة :

* فصالحونا جميعا إن بدا لكم

ولا تقولوا لنا أمثالها عام (٣)

يريد" عامر" ، وكانت بنو عامر قد دعت النابغة إلى أن تنقض حلف بني أسد ويأمر قومه بمتاركتهم ، فأبى النابغة ذلك ورد عليهم وعتبهم.

وأنشد أيضا :

* فقلتم تعال يا يزي بن مخرم

فقلت لكم : إني حليف صداء (٤)

أراد : " يا يزيد" وصداء : اسم حي ، وقيل هو فرسه.

وأنشد لمجنون بني عامر :

* ألا ياليل إن خيّرت فينا

بنفسي فانظري أين الخيار (٥)

يريد ليلي. وقوله : بنفسي ، أراد أفديك بنفسي.

وأنشد لأوس بن حجر :

* تنكرت منا بعد معرفة لمي (٦)

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ١٠٤ ، أشعار الشعراء الستة للأعلم ١ / ٣٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٠ ، الخصائص ١ / ٦٩.

(٢) ديوان حسان ١ / ٢٨١ ، جمهرة أشعار العرب ٥٣١ ، الكتاب (١ / ٣٣٥ ، ٤٥٠) ، شرح النحاس ٢٣٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٠.

(٣) ديوان النابغة ٧١ ، شرح الأشعار الستة للأعلم ١ / ٢٢٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٥ ، شرح السيرافي ٤ / ٧٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢١٨.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٥ ، شرح النحاس ٢٣٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٥.

(٥) ديوانه ١٢٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٦ ، شرح النحاس ٢٣٣.

(٦) ديوانه ١١٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٦ ، شرح النحاس ٢٣٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٠ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٥٦.

٢٩٦

أراد : " لميس".

وأنشد في ما رخم في غير النداء على لغة من قال : يا حار ، لامرىء القيس :

* لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره

طريف بن مال ليلة الجوع والخصر (١)

أراد : طريف بن مالك ، وكان امرؤ القيس قد نزل به فأحمده.

وأنشد لرجل من بني مازن : (٢)

* على دماء البدن إن لم تفارقي

أبا حردب ليلا وأصحاب حردب (٣)

أراد : حردبة فرخم ، وأجراه كاسم لم يرخم.

وأنشد أيضا لبعض العباديين ، وهو مصنوع على طرفة :

* أسعد بن مال ألم تعلموا

وذو الرأي مهما يقل يصدق (٤)

وذكر سيبويه أن الأسماء غير الأعلام لا ترخم ، إلا أن العرب قد قالت : " يا صاح" ، وهم يريدون : " يا صاحب" لكثرة استعمالهم هذا ، لأن كل من كان معك في سفر فهو صاحب لك ، وكل من لابسك في أمر فهو صاحبك فيه ، فشبه بالأسماء وإن كان في الحقيقة صفة.

وليس من كلامهم ترخيم الصفة التي لا هاء فيها ، لأن أكثر ما ينادى اسم الرجل العلم الذي يعرف به لا صفته.

وزعم المبرد أن بعض الأسماء يبطل ترخيمها ـ على قول من قال :

" يا حار" ـ منها : رجل اسمه" طيلسان" في من كسر اللام لأنه إذا حذف الألف والنون بقي" طيلس" ، وليس في الكلام" فيعل" في غير المعتل ، ومنه رجل اسمه"" حبلوي" لأنه لو رخم لانقلبت الواو ألفا فصار : " حبلى" والألف منقلبة من واو وليس في الكلام : " فعلى" إلا وألفها للتأنيث غير منقلبة.

ولم يذكر سيبويه شيئا من هذا الباب اعتبر فيه بناء ما يبقى ، وإنما اعتبر فيه ما إذا عرض في الكلام غيرته العرب من حرف إلى حرف ، وذلك تحويل الواو من" عرقي" و" قمحدو" ، إلى الياء لأن من كلامهم : أحق وأدل في جمع : دلو وحقو ، وكذلك مما وصل بهذا من سائر المرخمات.

__________________

(١) ديوانه ١٤٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٠ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٥١ ، فرحة الأديب ٩٦ ، جمهرة الأنساب ١٥٧ شرح ملحة الإعراب ٢٣٤ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٢٩٠ ، الهمع ١ / ١٨١ ، حاشية الصبان ٣ / ١٨٤ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٨٠.

(٢) الشعر والشعراء ١ / ٣٥٣ ، الخزانة ٢ / ٢١٠.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٦ ، شرح النحاس ٢٣٤ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٠ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٢٨ ، فرحة الأديب ١٨٦.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٧ ، شرح النحاس ٢٣٤ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٨ ، شرح عيون الكتاب ١٧٠.

٢٩٧

فأما البنية العارضة في كلامهم الخارجة عن أبنيتهم ، فلا يلزمون تغيرها إلى أبنيتهم ولا إخراجها من كلامهم نحو استعمالهم : إبراهيم وإسماعيل وهابيل وقابيل ، وليس شيء من هذه الأبنية في كلامهم ، وكذلك إذا قلنا يا طيلس ويا حبلى إنما هو شيء عرض في الكلام وليس ببنية أصلية.

ويقال للمحتج عنه : أخبرنا عن" حار" ، من قولك : " يا حار" ما وزنه؟ فإن قال : " فاعل" على أصله قبل الترخيم فيجوز" طيلس" ، لأنه" فيعلان" لا : فيعل.

فالقول في نحو هذا لا يعتبر الحروف ، فإذا وقعت في مواضع يستمر الحس في تغييرها ، غيرت على ما بينا في قمحدو ، وغيرها.

هذا باب ما يحذف من آخره حرفان

وذلك قولك في عثمان : يا عثم أقبل ، وفي مروان : يا مرو أقبل

وقال الفرزدق :

* يا مرو إن مطيتي محبوسة

ترجو الحياة وربّها لم ييئس (١)

يريد : " يا مروان". والحباء : العطاء.

وأنشد أيضا :

* يا نعم هل تحلف لا تدينها (٢)

وأنشد للبيد :

* يا اسم صبرا على ما كان من حدث

إن الحوادث ملقي ومنتظر (٣)

أراد : أسماء. وذكر ملقيا ومنتظرا على معنى : منها حادث ملقي وحادث منتظر.

إن قال قائل : قد جعل سيبويه العلة في حذف الحرفين جميعا أنهما زيدا معا وقد زيدت الواو والنون في" بنون" معا فهلا حذفا جميعا؟.

فالجواب : أنهما في" بنون" غيرتا بناء إلى لفظ لا يستعمل مفردا ، لا يقال : " بن" في" ابن" فصار" بنون"" كزعوم" و" ثمود" وصارت الواو والنون كأنهما من نفس الكلمة.

__________________

(١) ديوانه ٢ / ٤٨٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٧ ، شرح النحاس ٢٣٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٠٥ ، شرح المفصل ٢ / ٢٢ ، أوضح المسالك ٣ / ١٠٣ ، حاشية الصبان ٣ / ١٧٨ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٩٢.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٧.

(٣) ملحقات ديوان لبيد ٣٦٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٣٧ ، شرح النحاس ٢٣٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٣٥ ، حاشية الصبان ٣ / ١٧٨ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٨٨.

٢٩٨

هذا باب يكون فيه الحرف الذي من نفس الاسم

وما قبله بمنزلة زائد وقع وما قبله جميعا

وذلك قولك في منصور : يا منص أقبل ، وفي عمار : يا عم أقبل ، وفي عنتريس : يا عنتر أقبل.

احتج سيبويه لحذف هذه الزوائد مع الأصلي بكلام معناه :

أنه لما كان الحرف الأصلي في منصور وعمار وعنتريس قد وجب حذفه لأنه طرف ، صارت هذه الحروف الأصلية في الحذف كالزائد الثاني من الزائدين اللذين زيدا معا فقد ساوت الحروف الأصلية الزائد الثاني وقد ساوى الزائد أن الزائد والأصلي ، وقد وجب حذف الزائدين ، فوجب حذف الزائد والأصلي.

هذا باب تكون الزوائد فيه بمنزلة ما هو

من نفس الحرف

وذلك قولك في قنور : يا قنو أقبل ، وفي هبيخ : يا هبي أقبل.

احتج سيبويه لإثبات هذه الزوائد بكلام معناه ، أن الواو في" قنور" ، والياء في" هبيخ" تجريان مجرى الأصلي وإن كانتا زائدتين ، وكان ترتيب زيادتهما أن أصل قنور من قنر ، فزيدت الواو الأخيرة المتحركة فصار" قنور" بمنزلة جدول ، وجدول ملحق بجعفر بزيادة الواو فيه ، والواو فيه بمحل الفاء (في) جعفر.

وكان أصل" هبيخ" من هبخ ، وزيدت فيه الياء المتحركة الأخيرة فصارت كياء" عثير" و" عثير" ملحق" بهجرع" وياؤه كراء" هجرع" ، ثم ألحقا بالخمسة ، بحرف لحق كل واحد منهما ، فألحقه" بسفرجل" وبابه فكأن قنور ـ بعد زيادة الواو المتحركة عليه ـ صار بمنزلة" فدوكس" ، فالواو المزيدة في محل الكاف من" فدكس" ، ولما زيدت واو" فدكس" قبل الكاف ثالثة فقيل : فدوكس وزيدت أيضا واو على قنور قبل الواو التي هي بمنزلة الكاف ، فقيل : " قنور" وكذلك هبيخ ، لما زيدت الياء المتحركة فألحقته" بهجرع" فصار" هبيخ" كعثير. ولا يمثل بجعفر لأنه ليس في الكلام مثل" فعيل" ، ثم ألحق ـ بعد زيادة الياء المتحركة بسفرجل فقيل : هبيخ كما أن هجرعا لو ألحق بزيادة ياء ثالثة الحروف لقيل : " هجيرع" كما قيل : " سميدع".

وبين سيبويه أن هذه الزوائد مما يلحق بالأصلي حتى يكون حكمه كحكم الأصلي وأن الألف في" معزى" دخلت للإلحاق ، لأن الأصل : " معز" ، ودخلت الألف لتلحقه ببناء هجرع فصار حكمه كحكمه ، وينون كما نون" هجرع" ، ولم يكن كألف" دفلى" و" ذكرى" فإنها للتأنيث ولا تنون.

٢٩٩

واستدل على ذلك أيضا بأن الزائد الملحق قد يلحقه زائد آخر كما يلحق الأصلي ، وذلك نحو : " جلواخ" و" قرواح" و" جريال" ، كما قالوا : " سرداح".

وأصل" قرواح" و" جلواخ" و" جريال" : من قرح وجلخ وجرل ، فلحقت الواو والياء فصار في التقدير : جلوخ وقروح وجريل ، وهذه الواو والياء بمنزلة الدال من سردح ثم لحقت الدال من سردح ألف فصار سرداح ، فلحقت هذه الحروف كما لحقت بالأصلي الألف ، فصار : جلواخ وقرواح وجريال ، فاعلمه.

هذا باب تكون فيه الزوائد أيضا

بمنزلة ما هو من نفس الحرف

وذلك قولك في رجل اسمه : حولايا أو بردرايا : (يا حولاي أقبل ويا بردراي أقبل).

هذا الباب إلى آخره في أن الألف الأخيرة في" حولايا" و" بردرايا" بمنزلة الهاء في : درحاية و" عفارية" وأنا إذا رخمنا" حولايا" و" بردرايا" لا نحذف غير الألف لأن ما قبلها ليس معها بمنزلة زيادتين زيدتا معا ، كما لم تكن الهاء مع ما قبلها كذلك.

واستدل سيبويه أن الهاء وما قبلها لا تكون بمنزلة زيادة واحدة ، أنهم يقولون في تصغير" سعلاة" : سعيلية ، لأن ألف سعلاة زائدة للإلحاق كألف" معزى" و" أرطى" ، ثم دخلت الهاء عليها كما تدخل على الحروف الأصلية ، ولو كانت الهاء وما قبلها بمنزلة زيادة واحدة لوجب أن يقال : سعليت أو يقال سعيلاة ، تصير على هذا" كسرحان" ، فكما تقول : سريحين ، كذلك يجب أن تقول : " سعيليت" ، أو يقال : " سعيدة" ، فيصغر الصدر الذي هو السين والعين واللام ، ويرد فيه لفظ الزائدين الأخيرين كما يقال : " عثيمان" و" حميراء" ، وقوى هذا المعنى سيبويه بغير هذا مما هو مفهوم.

هذا باب إذا طرحت منه الزائدتان رجعت حرفا

وذلك قولك في رجل اسمه قاضون : يا قاضي أقبل ، وفي ناجي يا ناجي أقبل.

أصل" قاضون" : " قاضيون" استثقلت الضمة في الياء فسكنت وبعدها واو الجميع ساكنة ، فسقطت الياء لاجتماع الساكنين وضموا الضاد لتسلم واو الجميع ، فإذا ذهبت واو الجميع للترخيم رجعت الياء. وأصل" ناجي" : " ناجية" نسب إليها فأسقطت الهاء للنسبة ووجب كسر الياء التي في" ناجية" لياء النسبة الداخلة ، فاستثقلت الكسرة عليها لانكسار ما قبلها فسكنت ، وبعدها الياء الأولى من ياء النسبة وهي ساكنة فسقطت لاجتماع الساكنين ، فإذا رخمت حذفت منه ياء النسبة فعادت ياء" ناجية" وعلى هذا يجري سائر الباب.

٣٠٠