النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

تقديره : ياليت لنا أيام الصبا في حال رجوع ، أو يا ليت أيام الصبا أقبلت رواجعا.

وذكر سيبويه أن العرب كثر استعمالهم للقرب ظرفا ، وقل استعمالهم للبعيد على معنى الظرف ، ثم قال : " فالدنو أشد تمكنا في الظروف من البعد".

وإنما صار" الدنو" أمكن في الظروف ، لأن الظروف موضوعة على القرب ،

أو على أن يكون ابتداؤها من قرب ، فأما الموضوع على القرب" فعند" و" لدن" وما كان في معناهما.

وأما ما يكون ابتداؤه من قرب ، فالجهات المحيطة بالأشياء : كخلف وقدام ويمنة ويسرة ، وفوق وتحت ، لأنك إذا قلت : (زيد خلف عمرو) فهذا مطلوب خلفه من أقرب ما يليه إلى ما لا نهاية له ، والبعد لا نهاية له ولا حد لأوله ، معلوم كعلم حدود الجهات الست.

ويقوى هذا ويكشفه أنك إذا قلت : قربك زيد ، طلبه المخاطب في ما قرب منه ، وذلك ممكن مفهوم كما تقول : عندك زيد ، وإذا قلت : خلفك زيد ابتدأ بما يليه من خلفه في موضع استقرار طلبا له ، وإذا قلت : بعدك زيد لم يكن ذلك فيه.

هذا باب ما يكون محمولا على إن فيشارك فيها الاسم الذي وليها

ويكون محمولا على الابتداء

وذلك قولك : إن زيدا منطلق وعمرا وعمرو

وأنشد لرؤبة في حمله على المنصوب :

* إن الربيع الجود والخريفا

يدا أبي العباس والصيوفا (١)

فعطف الصيوف على الربيع. والجود : المطر الغزير.

وأنشد أيضا لجرير :

* إن الخلافة والنبوة فيهم

والمكرمات وسادة أطهار (٢)

فحمل : المكرمات وما بعدها على موضع إن أو على الابتداء وإضمار الخبر.

واعترض المبرد على سيبويه في قوله في هذا الباب.

" ولكن المثقلة في جميع الكلام بمنزلة إن"

فقال : تدخل اللام في خبر إن ولا تدخلها في خبر لكن والذي أراده سيبويه أن" لكن" بمنزلة" إن" في العطف الذي ساق الكلام عليه ، وسياق الكلام يدل على إرادته وإنما تدخل اللام على" لكن" لأنها استدراك شيء مما قبلها ، ولا تقع في أول الكلام ، و" إن" تدخل في أول الكلام واللام تقدر قبلها ، فخلفت" لكن"" إن" في دخول اللام لهذا المعنى.

__________________

(١) ملحقات ديوان رؤبة ١٧٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٥ لرؤبة ، المقتضب ٤ / ١١١ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٠٢ ، الهمع ٢ / ١٤٤ ، المقاصد النحوية ٢ / ٢٦١.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٠٤ ، الهمع ٢ / ١٤٤ ، المقاصد النحوية ٢ / ٢٦١.

٢٦١

هذا باب ما تستوي فيه الحروف الخمسة

وذلك قولك : إن زيدا منطلق العاقل اللبيب بالرفع والنصب.

وهكذا سائر الباب ، وهو مفهوم إن شاء الله.

هذا باب ينتصب فيه الخبر بعد الحروف الخمسة انتصابه

إذا كان ما قبله مبنيّا على الابتداء

وذلك قوله : إن هذا عبد الله منطلقا.

ذكر سيبويه في هذا الباب مسألة ، ظاهرها غير جائز إلا أن تحمل على معنى ، وهي قوله : " إن الذي في الدار أخوك قائما" فإن جعلت" قائما" حالا عمل فيها الأخ وأنت تريد أخوة النسب ، لم يجز كما لا يجوز : زيد أخوك قائما في النسب ، وإن نصبت قائما بالظرف على تقدير : إن الذي في الدار قائما أخوك صار : قائما في صلة" الذي" ولم يجز أن يفصل بين الصلة والموصول بالأخ وهو خبر ، وإن جعلت" أخوك" في معنى : المؤاخاة والمصادقة ، وحملته هو العامل في قائم ، جاز وإن حملته على مثل قولك : أنا زيد منطلقا في حاجتك ، إذا كان قد عهده قائما قبل هذه الحال ، كما يجوز مثله في الابتداء.

قال : وسألت الخليل ـ رحمه الله ـ عن قول الأسدي :

* إن بها أكتل أو رزاما

خويربين ينقفان الهاما (١)

فزعم أن" خويربين" انتصبا على الشتم ، ولو انتصبا على" إن" لقال : خويربا

لأن" أو" لأحد الشيئين والخارب : سارق الإبل خاصة في قول أبي عبيدة وقال غيره : يقال لكل لص خارب ، والدليل على ذلك أن بعده :

ولم يتركا لمسلم طعاما

وأنشد في ما ينتصب على الشتم :

* أمن عمل الجرّاف أمس وظلمه

وعدوانه أعتبتمونا براسم؟

أميري عداء أن حبسنا عليهما

سهائم مال أوديا بالبهائم (٢)

" فأميري عداء" : لا يصلح بدلهما من" الجراف" و" راسم" وهما الأميران الظالمان العاديان ، لأن" الجراف" مجرورة بإضافة" عمل" إليه وراسم : مجرور" بالباء" ، وهي في صلة" أعتبتمونا" ولا تعلق للجراف به ، فدعت الضرورة إلى نصب أميري عداء على الشتم.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٧ ، الكامل ٣ / ٤٣ ، شرح النحاس ٢٠٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١٠ ، مغني اللبيب ١ / ٨٩ ، شرح شواهد المغني ١ / ١٩٩ ، حاشية الصبان ٣ / ١٠٧ ، اللسان ، (خرب) ١ / ٣٥٩.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٨ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٣٠ ، شرح عيون الكتاب ١٤٨ ، الخزانة (٢ / ١٩٥ ، ١٩٦) اللسان ، (جرف) (٩ / ٢٦ ، ٢٧).

٢٦٢

قال : ومما ينتصب على المدح والتعظيم ، قول الفرزدق :

* ولكنني استبقيت أعراض مازن

وأيامها من مستنير ومظلم

أناسا بثغر لا تزال رماحهم

شوارع من غير العشيرة في الدم (١)

كأنه قال أعظم أناسا ، وذكر أناسا ـ والشوارع : الواردة.

والمعنى : أنهم ينالون من العدو ، ويخصونه بالمكروه ويحفظون العشيرة ويحمونها.

وأنشد أيضا في التعظيم ، لعمرو بن شأس الأسدي :

* ولم أر ليلى بعد يوم تعرضت

لنا بين أثواب الطراف من الأدم

كلابية وبرية خيبرية

نأتك وخانت بالمواعيد والذمم

أناسا عدى علقت فيهم وليتني

طلبت الهوى في رأس ذي زلق أشم (٢)

كأنه قال : أعظم كلابية ، ألا ترى كيف دل على تفخيمه إياها بذكره قبائلها ونصب أناس بأعني ، والطراف : القبة من أدم.

ومعنى الأبيات : أن هذه المرأة نأت عنه وقطعت حبله ، وقومها أعداء له ، فلا مطمع له فيها ، وهو مع ذلك مشغوف بها ، ولذلك تمنى أن يطلب الهوى في رأس حبل أشم.

أنشد أيضا في التعظيم :

* ضننت بنفسي حقبة ثم أصبحت

لبنت عطاء بينها وجميعها

ضبابية مرية حابسية

منيفا بنعف الصيدلين وضيعها (٣)

فنصبت" ضبابية" وما بعدها على التعظيم ، النعف : الأصل ، والصيدلان : جبل أو موضع.

وأبعد سيبويه أن يكون نصب بعد هذه الأشياء على الحال لضعف المعنى ، لأنه لم يرد لم أر ليلى في حال ما هي كلابية وبرية خيبرية لأنها أسباب لا تتغير ، وكذلك : ضبابية مرية حابسية ، فحمل ذلك على تعظيم شأنها بهذا الأشياء الرفيعة الشريفة عنده.

قال : وزعم يونس أنه سمع رؤبة يقول :

* أنا ابن سعد أكرم السعدينا (٤)

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٢ / ٨٢١ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٨ شرح النحاس ٢٠١ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٠٦.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٩ ، شرح النحاس ٢٠١ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١٢ ، البيت الثالث في الخصائص ٢ / ١٢٢.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١٢.

(٤) ملحقات ديوانه ١٩١ ، الكتاب وشرح الأعلم (١ / ٢٨٩ ، ٢ / ٩٦) ، المقتضب ٢ / ٢٢١ ، شرح ـ ـ

٢٦٣

فنصبه على الفخر والتعظيم"

قال سيبويه وقال الخليل : إن من أفضلهم : كان زيد على إلغاء كان وشبهه بقول الشاعر :

* فكيف إذا مررت بدار قوم

وجيران لنا كانوا كرام

ورد المبرد هذا ، وزعم أن كانوا له اسم وخبر ، فاسمها" الواو" وخبرها" لنا" التي قبلها ، كأنه قال : وجيران كانوا لنا. والأظهر : كلام الخليل لأن" لنا" من صلة جيران ، " وكانوا" دخولها غير مغير الكلام ، كأنه قال : وجيران لنا كرام وأضمر الجيران في كان لئلا يخلو من فاعل.

قال : وسألت الخليل ـ رحمه الله ـ عن قوله تعالى : (وَيْكَأَنَّ اللهَ) [القصص : ٨٢] فزعم أن" وي" مفصولة من كأن ، والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا.

يريد أن معنى أي تنبيه يقولها الإنسان عند تندمه واستعظامه للأمر ، ويقولها المندم لغيره والمنبه له.

ومعنى كأن الله يبسط الرزق ، وإن كان لفظه لفظ التشبيه ، فمعناه : التحقيق. وقد قال الشاعر :

* فأصبح بطن مكة مقشعرا

كأن الأرض ليس بها هشام (١)

ومعناه : الأرض ليس بها هشام ، لأنه مات ، وهذا من مراثيه.

وزعم الفراء أن" ويك" موصولة بالكاف ، وأن الله مفصول عن الكاف ، وزعم أن معناها في كلام العرب التقدير ، كقول الرجل : أما ترى إلى صنع الله ، وكل واحد من مذهب الخليل ومذهب الفراء يتخرج على ما روى عن المفسرين لأن قولهم : ألم تر تنبيه.

وأجاز الفراء وغيره أن يكون ويك بمعنى : ويلك ، وحذفت اللام لكثرتها في الكلام ، وأنشد قول عنترة :

* ويك عنتر أقدم (٢)

__________________

ـ السيرافي ٣ / ٥١٣ ، شرح المفصل ١ / ٤٦.

(١) ديوانه ٩٢ ، الكامل ٢ / ١٤٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١٦ ، المنصف ٢ / ٢٠ ، الجنى الداني ٥٧١ ، مغني اللبيب ١ / ٢٥٣ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٥١٥ ، الهمع ١ / ١٣٣.

(٢) ديوان عنترة ٢١٩ ، شرح المعلقات العشر ١١٦ ، شرح أشعار الشعراء الستة للأعلم ٢ / ١٢٢ ، معاني القرآن ٢ / ٣١٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١٧ ، الخصائص ٣ / ٤٠ ، الجنى الداني ٣٥٣ ، مغني اللبيب ١ / ٤٨٣ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٨٧ ، الخزانة ٦ / ٤٠٦.

٢٦٤

وهذا المذهب بعيد ، لأنه لا يقال : ويلك أن زيدا قائم بفتح أن وإنما يقال بالكسر ، وحكى الفراء أيضا عن بعض النحويين أنه يذهب إلى أنها : ويك بمعنى : ويلك وجعل أن منصوبة بفعل مضمر ، كأنه قال : ويلك اعلم أن الله ، وأنكر الفراء هذا ، وقال : ألا ترى أنه لا يجوز في الابتداء : يا هذا إنك قائم.

ويحتمل بيت عنترة أن يكون" الكاف" في ويلك للخطاب مثل الكاف في رويدك.

وأنشد سيبويه لزيد بن عمرو بن نوفل :

* سألتان الطلاق أن رأتا

مالي قليلا ، قد جئتماني بنكر

وي كأن من يكن له نشب يحبب

ومن يفتقر يعش عيش ضر (١)

وأنشد في المبتدأ المعترض بين اسم إن وخبرها :

* وإلا فاعلموا أنا وأنتم

بغاة ما بقينا في شقاق (٢)

والتقدير : أنا بغاة ما بقينا وأنتم ، والشقاق : العداوة والمخالفة.

وفيه تقدير آخر : أن تضمر لأنا خبرا محذوفا يدل عليه ما بعده ، وتجعل بغاة خبر" أنتم" كأنه قال : أنا بغاة ، وأنتم بغاة ، وحذف خبر الأول اكتفاء بخبر الثاني.

هذا باب كم

ذكر سيبويه في هذا الباب أن" كم" تكون فاعلة ، وهي لا تكون فاعلة أبدا ، لأنها أول الكلام في اللفظ وإنما أراد أن ضميرها فاعل ، وهي وضميرها شيء واحد ، فهي في المعنى فاعلة وإن كانت مبتدأة.

وذكر أن الفصل بين" كم" وما نصبته يجوز جوازا حسنا ، كأنه صار عوضا من تمكنها.

فإن قال قائل : فيلزم من" خمسة عشر" ونظائره أن يجوز الفصل جوازا حسنا ليكون عوضا من تمكنها ، فللمحتج عن سيبويه أن يقول : قد كثر الكلام" بكم" لأنه في كل مستفهم عنه من المقدار ، فاجتمع كثرة الاستعمال إلى منع التمكن ، ولم يكثر في باب : خمسة عشر ويجوز أن تقول : إن خروج" كم" عن التمكن أشد من خروج" خمسة عشر" ، لأن" كم

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٩٠ ، معاني القرآن ٣١٢ ، مجالس ثعلب ١ / ٣٢٢ ، شرح النحاس ٢٠٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١١ ، مغني اللبيب ١ / ٤٨٣ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٨٦ ، همع الهوامع ٢ / ١٠٦ ، حاشية الصبان ٣ / ١٩٩ ، الخزانة ٦ / ٤٠٤.

(٢) الكتاب شرح الأعلم ١ / ٢٩٠ ، شرح النحاس ٢٠٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٥١٨ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٣ ، الإنصاف ١ / ١٩٠ ، شرح المفصل ٨ / ٦٩ ، أوضح المسالك ١ / ٢٥٨ ، الخزانة ١٠ / ٢٩٣ ، المقاصد النحوية ١ / ٢٧١.

٢٦٥

تبنى على السكون ، و" خمسة عشر" على الحركة ، فجعل في" كم" الفصل للانتهاء في الخروج عن التمكن.

وذكر أن" كم تنصب في الاستفهام ، وتخفض في الخبر".

فإن قال قائل : لم صارت التي للاستفهام أولى بالنصب والأخرى أولى بالخفض؟

قيل له : إن التي في الخبر تضارع" رب" وهي حرف ، فلما وجب للتي تضارع" رب" الخفض بالمضارعة ، وجب للأخرى النصب ، لأن العدد إنما عمل نصبا أو خفضا. ومما يقوي ذلك أن الاستفهام مضارع للفعل ، والفعل له ناصب ، فلذلك جعلت بمنزلة ما ينصب.

واعلم أن بعض العرب ينصب بها في الخبر حملا على الاستفهام وهو الأصل ، لأن" كم" عدد مبهم ، فأصلها الاستفهام ، لأن المستفهم يحتاج أن يبهم ليشرح له ما يسأل عنه ، وليس الأصل في الإخبار الإبهام ، فإذا نصب بها في الخبر ، جاز أن يكون المنصوب جماعة ، لأن معناها وهي ناصبة في الخبر ، كمعناها خافضة ، فصار كقولك : مائتين عاما ، وثلاثة أثوابا إذا نون ضرورة.

قوله : " ولم يرد من المسئول أن يفسر".

أي على السائل أن يفسر فيقول : كم درهما أو دينارا لك؟

فيقول المسئول : عشرون أو ثلاثون ، وإن شاء قال : عشرون درهما أو ثلاثون درهما ، وأتى بالنوع توكيدا ، وإذا حذفه ، دل الكلام عليه ، لأن السائل قد ذكره ، فلا اضطرار بالمجيب إلى ذكره ولو لم يبين السائل النوع لم يدر المسئول بأي شيء يجيبه.

ومعنى قوله : " ولو أراد المسئول عن ذلك أن ينصب عبدا أو عبدين خرج عن حد الجواب وصار سائلا ، لأنه إذا نصب ، فإنما ينصب بكم ، والذي يلفظ بكم هو سائل ، فإذا أظهرها فقال في جوابه : كم عبدا وكم عبدين؟ فقد أحال ، لأنه يسأل وحقه أن يجيب ، وإن لم يظهر" كم" فلا بد من أن يقدرها مضمرة ، فيشارك من أظهرها ويزيد عليه في إعمالها مضمرة وهي وأمثالها لا تضمر لضعفها.

وبين سيبويه في آخر الباب أن" كم" اسم ، و" رب" حرف بأن جاء" لكم" بخبر المبتدأ كقول : كم غلاما لك ذاهب؟ وكذا ، كم مأخوذ بك؟ وتقديره : كم رجلا مأخوذ بك؟ ، ولو نصب" ذاهب" على الحال لجاز ، ولا يجوز نصب" مأخوذ" ، لأن الكلام لا يتم دونه ولا يجوز في" رب" أن تقول : رب مأخوذ بك لأنها حرف فلا يخبر به.

وأنشد في ما فصل في العدد عن التمييز ضرورة :

* على أنني بعد ما قد مضى

ثلاثون للهجر حولا كميلا

يذكرنيك حنين العجول

ونوح الحمامة تدعو هديلا

٢٦٦

العجول : الناقة التي فقدت ولدها. ونصب" هديلا" بمعنى يدعو كأنه قال : تهدل هديلا. والهديل : صوت الحمام. والمعنى أن مدة الهجر وإن طالت فهو لا يسلو عنها ، بل يتذكرها بالأصوات الحنينة ويشتاق إليها.

وأنشد في ما أضمرت فيه رب :

* وجدّاء ما يرجى بها ذو قرابة

لعطف ، وما يخشى السّماة ربيبها

فخفض جداء بالإضمار. وغير سيبويه يزعم أن الواو عوض منها.

والجداء : فلاة لا ماء فيها. وصف أنها لا يرجى بها عطف من ذوي قرابة بشيء من طعام أو شراب لبعدها وقلة مائها ، وإن وحشها الربيب بها لا يخشى صائدا لبعدها عن الأنيس وتعذرها على من أراد الوصول إليها ، فوحشها آمن من أن يصاد. وواحد السماة : سام ، وهو الذي يصيد نصف النهار.

وأنشد في ما حمل على الفعل :

* ومثلك رهبى قد تركت رذيّة

تقلب عينيها إذا مر طائر

فنصب مثلك بتركت ، ولو خفضه بإضمار رب لجاز. والرهباء : الخائفة والرذية : الساقطة المعيية من طول السفر ؛ يصف ناقة تركها بفلاة من الأرض لإعيائها. فهي خائفة تقلب عينيها إذا مر طائر مخافة أن يكون سبعا يأكلها.

وأنشد لزهير :

* تؤم سنانا وكم دونه

من الأرض محدودبا غارها

فنصب محدودبا لما فصله من كم ، والمعنى : كم بين هذه الناقة وبين سنان من فلاة محدودب غارها.

وأنشد للقطامي :

* كم نالني منهم فضلا على عدم

إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل

فنصب" فضلا" لما فصله من" كم". والمعنى" كم فضل نالني منهم بعد فقر شديد لا أكاد أحتمل ، وتصرف من أجله". ويروى أجتمل بالجيم أي : أذيب الشحم والجميل : الودك.

وأنشد أيضا :

* كم قد فاتني بطل كمي

وياسر فتية سمح هضوم

فرفع البطل وجعل كم ظرفا واقعا على المرار. والياسر : المقامر والهضوم : الذي يهضم المال بكثرة العطاء. والكمي : الذي يكمي شجاعته أي يخفيها إلا في وقت الحرب.

وأنشد أيضا.

* كم بجود مقرف نال العلى

وكريم بخله قد وضعه

٢٦٧

فخفض مقرفا بكم وقد فصل بينهما وهو جائز في الشعر. والمقرف : النذل اللئيم الأب وأصله في الخيل.

وأنشد أيضا :

* كم فيهم ملك أغر وسوقة

حكم بأردية المكارم محتبى

فملك ، خفض" بكم" ، ولو نصب لكان الوجه من أجل الفصل ، والرفع جائز على أن يكون كم لتكثير المرار.

وأنشد أيضا :

* كم في بني بكر بن سعد سيد

ضخم الدسيعة ماجد نفاع

الدسيعة : العطية. والمعنى : كثير العطية ـ وقيل الدسيعة : الجفنة ، وهي أيضا كناية عن العطية ، وقيل الدسيعة : الذراع ، فيكون على هذا : ضخم الدسيعة كناية عن الشدة. وإن شئت عن كثرة العطاء ، كما يقال : فلان طويل الذراع ، أي واسع المعروف.

هذا باب ما جرى مجرى كم في الاستفهام

وذلك قولك : له كذا وكذا درهما ، هو مبهم في الأشياء وكناية للعدد بنزلة فلان.

وبمنزلة : ذيت وذيت ، وكيت وكيت ، وكذلك كأين رجلا قد رأيت وكأين من رجل.

قال عمرو بن شأس :

* وكائن رددنا عنهم من مدجج

يجيء أمام القوم يردي مقنعا

" فكائن" بمعنى" كم" وبمعنى" رب" وهي : " أي" دخلت عليها كاف التشبيه كما دخلت على أن في قولك : " كأن" ، وفيها خمس لغات ، أصلها كلها : كائن وهي" كأي وكاء وكئ وكأي وكأ وهي تنصب ما بعدها بلزوم التنوين لها ، وتدخل على المنصوب" من" لتخرجه من معنى المفعول إلى معنى التمييز ، لأن المفعول قد يصح وقوعه بعده في بعض المواضيع.

فأما اللغات فأصلها وأفصحها : " كأين" مشددة ، والوقف عليها بغير تنوين ، وبعدها في الفصاحة" كائن" على مثال" كاعن".

قال المبرد : لما دخلت" الكاف" ، جعلت مع" أي" اسما واحدا.

وحذفت" الياء" الأولى مع" أي" ، وجعل التنوين عوضا من" الياء" المحذوفة.

فالذي يوجبه مذهبه أن يجعل على وزن فاعل ، الكاف منه كفاء الفعل وبعد الكاف ألف فاعل ، وبعدها الهمزة التي في أول" أي" ، وقد حذفت إحدى اليائين ، فتكون الهمزة في موضع عين الفعل ، والياء الباقية في موضع لام الفعل ، ودخل عليه التنوين الذي كان في" أي" ، فسقطت الياء لاجتماع الساكنين فصار كأن ولزمت النون عوضا.

٢٦٨

وأما كيء على وزن كيع فحكاه أبو العباس.

وأما كأين فحكاه أبو الحسن بن كيسان ، وهو حكى أيضا كئن.

ومعنى كأي عند سيبويه كمعنى" رب". وقال الفراء : معناها" كم".

وقول سيبويه أصح ، لأن الكاف حرف دخوله على ما بعده كدخول" رب" ، و" كم" في نفسها اسم ، وأنت تقول" كم لك؟ ، ولا تقول : كأين لك؟ ، كما لا تقول : رب لك.

وفي ذيت وذيت ، وكيت وكيت إذا خففت ثلاث لغات ، الضم والكسر والفتح فإذا شددت ، فالفتح لا غير ، لأن الهاء وما قبلها بمنزلة خمسة عشر ، وشغر بغر.

هذا باب ما ينتصب نصب كم إذا كانت منونة

وذلك ما كان من المقادير ، وذلك قولك : ما في السماء موضع راحة سحابا ، ولي مثله عبدا.

اعلم أن المقادير في الكيل والوزن والعدد والمساحة وغير ذلك يجري مجرى واحدا.

فقوله : " ما في السماء موضع كف سحابا" مقدار من المساحة كما أن عشرين مقدار من العدد ، وسحابا هو النوع الذي يفسره ، كما أن درهما نوع يفسر العشرين.

" ولي مثله" أي : مقداره ، أي : ما يقادره ويماثله في عدده. و" عبدا" هو النوع ، فنصب هذه الأشياء كنصب ما بعد العشرين لأن المقصد فيها كلها واحد.

قوله : " فاستخرج على المقدار نوعا ، والنوع هو المثل ولكنه ليس من اسمه.

يعني أنه ليس بنعت له وإن كان هو هو.

وأنشد لكعب بن جعيل :

* لنا مرفد سبعون ألف مدجج

فهي في معد فوق ذلك مرفدا

المعنى : لنا مرفد هذا عددهم على التكثير ، فهل في معد فوق ذلك؟ أي : عدد فوق ذلك مرفدا ، فهو كقولك : لي مثله عبدا.

فمرفد : هو العدد المقدر ، كما أن العبد هو المثل. وكذلك : لا كزيد فارسا ، معناه : لا فارس كزيد من الفرسان ، فقولك : من الفرسان يدخل زيد فيه ، وفيه معنى التعجب ، ولو قلت. لا كزيد فارس لم يكن من الأول لأنه بمنزلة : لا كزيد أخوك.

هذا باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير

وذلك قولك : ويحه رجلا وحسبك به رجلا.

اعلم أن جميع ما ذكر في هذا الباب من الهاءات ، إنما هو ضمير ما قد ذكر فيبنى عليه ، ويذكر اللفظ الذي يستحق به المدح فيقال : ويحه رجلا ، فيدل بهذا على أنه محمود في الرجال متعجب من فضله فيهم ، فإذا قلت : " ويحه فارسا" دللت على أنه متعجب منه في

٢٦٩

فروسيته فيقع له المدح والتعجب بهذا ، وقد يكون مذموما ومقصرا في غيره ، فلذلك انتصب على التمييز ، لأن الأول المذكور يقتضيه فتبينه به ، وهو يشبه باب نعم رجلا وبئس غلاما.

قال : ومثل ذلك قول عباس بن مرداس :

* ومرهة يحميهم إذا تبددوا

ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا (١)

وأنشد للأعشى :

* فأبرحت ربا وأبرحت جارا (٢)

وأول البيت :

تقول ابنتي حين جد الرحيل

فأبرحت ربا وأبرحت جارا

قوله : أبرحت فارسا أي : بالغت في الفروسية وأفرطت ، ومنه برح به : إذا بالغ في الشدة عليه ، وقيل : معنى أبرحت ربا وأبرحت جارا أي أعظمت وأكرمت ، أي : اخترت ربا كريما وجارا عظيم القدر ، يعني : الممدوح الذي رحل إليه.

هذا باب ما لا يعمل في المعروف إلا مضمرا

وذلك أنهم بدأوا بالإضمار لأنهم شرطوا التفسير ... وذلك قولهم : نعم رجلا عبد الله ، كأنك قلت : حسبك به رجلا .. ومثل ذلك : ربه رجلا.

اعلم أن باب نعم وبئس يلزمه ذكر شيئين : أحدهما : الاسم الذي يستحق به المدح أو الذم ، والآخر : الممدوح أو المذموم ، وذلك قولك : نعم الرجل زيد ، وبئس القادم غلامك ، فالاسم الذي يستحق به المدح أو الذم هو الاسم الذي تعمل فيه نعم وبئس والمستحق لهذا هو : زيد والغلام ، فلا بد من الإتيان بهما جميعا إلا أن يتقدم ذكر الممدوح والمذموم فتحذفهما لما جرى من ذكرهما.

ورد المبرد على سيبويه ترجمة الباب ، وألزمه المناقضة فيها لأنه قال :

__________________

(١) ديوانه ٧١ من قصيدة قالها في الجاهلية قبل إسلامه وهي في الأصمعيات ٢٠٦ ورواية البيت (وقرة يحميهم) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٩٩ ، المقتضب ٢ / ١٥١ وبه (يرميهم) موضع (يحميهم) ، شرح النحاس ٢١٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٤٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٠٧ ، همع الهوامع ٢ / ٩٠ ، الخزانة ٨ / ٣٢١ قال الأعلم : الشاهد فيه نصب فارس على التمييز للنوع الذي أوجب له فيه المدح.

(٢) ديوانه للأعشى ٣٧ ، الكتاب ١ / ٢٩٩ وذكر الأعلم عجز البيت وشرحه ثم ذكر صدره وهذا يدل على أن رواية الكتاب كانت العجز وحده وألحق الصدر من بعد وانظر الطبعة المحققة ٢ / ١٧٢ حيث ورد العجز وحده ـ نوادر أبي زيد ٥٥ / ، شرح النحاس ٢١١ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٤٥ الخزانة ٣ / ٣٠٢ ، وأورد البغدادي في صدر البيت روايتين هما : (تقول لي حين حان الرحيل) و (أقول لها حين جد الرحيل) قال الأعلم : الشاهد فيه نصب رب وجار على التمييز والمعنى أبرحت من رب ومن جار أي بلغت الفضل في هذا النوع.

٢٧٠

" هذا باب ما لا يعمل في المعروف إلا مضمرا"

ثم جاء بعده نعم الرجل عبد الله فجاء بالرجل مظهرا.

والذي أراده سيبويه : أنه لا يعمل في المعروف إلا مضمرا إذا بني ذلك المعروف ، وعلى أن يفسر بما بعده وشبهه بقولك : إنه كرام قومك ، فالهاء إضمار الحديث الذي يأتي بعده ، ولا يجيء إلا مضمرا لأنه قد لزمه التفسير ، وكذلك الاسم الذي يعمل فيه نعم ـ وبني على التفسير ـ لا يكون إلا مضمرا.

واعلم أنك إذا قلت : ربه رجلا ، فليست الهاء بضمير شيء جرى ذكره ، ولو كانت كذلك لصارت معرفة ولم يجز أن تلي رب لأنه لا يليها إلا نكرة ، ولكنها ضمير مبهم يحتاج إلى التفسير بغيره ، فضارع النكرات إذ كان لا يخص كما أن النكرات لا تخص.

ومعنى ربه رجلا : رب رجل ، وقال الزجاج : معناه : أقلل به في الرجال.

وأنشد سيبويه :

* هل تعرف الدار يعفيها المور

والدجن يوما والسحاب المهمور

لكل ريح فيه ذيل مسفور (١)

استشهد بهذا لأن الضمير المتصل بفيه راجع على الدار ، والدار مؤنثة ، وجاز ذلك لأنها بمعنى المكان ، ومثل هذا قولهم : هذا البلد نعم الدار ، فذكر نعم لأن الدار بمعنى البلد.

وذكر سيبويه في هذا الباب" حبذا" لأن معناها ومعنى نعم في المدح والثناء سواء ، فإذا قلت : حبذا زيد فمعناه : المحمود زيد وحب : فعل ، ذا : فاعله ، وبني معه وجعلا بمنزلة شيء واحد يقع موقع اسم مبتدأ في الواحد والاثنين والجماعة والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ، نحو" هلم" في لغة أهل الحجاز ، لأنهم يجرونه في جميع الكلام مجرى واحدا ، كقوله تبارك وتعالى : (هَلُمَّ إِلَيْنا) [الأحزاب : ١٨].

وأنشد سيبويه للراعي في ما أتى على معنى التعجب :

* فأومأت إيماء خفيّا لحبتر

ولله عينا حبتر أيما فتى (٢)

والمعنى : أيما فتى هو. وإنما جاء به مع" حبذا" لأن فيه معنى التعجب من الفتوة ، كما كان في حبذا : معنى التعجب.

__________________

(١) الكتاب ١ / ٣٠٢ ، وشرح الأعلم ، نوادر أبي زيد ٢٣٦ ، شرح النحاس ٢١٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٥١ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣.

(٢) ديوانه ١٧٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٣٠٢ ، الكامل ٤ / ٤٣ ، شرح النحاس ٢١٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٥٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٢٤٢ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٦٥.

٢٧١

وذكر سيبويه من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي أسماء ليبين حكمها ومواقعها ، وأنها لا تقع تفسيرا لشيء من المقادير التي تفسر بالأنواع ، والذي ذكر : " أحد وكرأب وأرم وكتيع وعريب" ومعناها كلها واحد ، ولا تقع إلا في النفي لاستغراق الجنس ولها نظائر في الكلام كثيرة ذكرها أهل اللغة.

هذا باب النداء

أنشد سيبويه في هذا الباب مستشهدا لما نعت من المفرد بالمضاف :

* أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائرا

فقد عرضت أحناء حق فخاصم (١)

الأحناء : النواحي ، واحدها حنو ، والمعنى : قد أمكنك الحق فاطلبه.

وأنشد لرؤبة :

* إنّي وأسطار سطرن سطرا

لقائل : يا نصر نصرا نصرا (٢)

أنشد على أنه جعل الثاني عطف البيان الذي يقوم مقام الصفة فقد خولف في هذا ، فقال الأصمعي : النصر : المعونة ، فهو على هذا منصوب على المصدر كأنه قال : عونا عونا ، وقال أبو عبيدة كان نصر بن سيار له حاجب يقال له نصر ، فقال : يا نصر ، يعني حاجبه ، يغريه به.

وأنشد لرؤبة أيضا :

* يا دار عفراء ودار البخدن (٣)

اعلم أن المنادى عند سيبويه وسائر البصريين بمنزلة المفعول به ، وحجتهم في ذلك أن العرب نصبت المنادى المضاف والموصول والنكرة ونعوتها ، وأجازت في نعت المفرد ـ إذا كان مفردا ـ النصب ، فعلم بنصب نعته أن الاسم مقدر له ما ينصبه كما يقدر في أمس من قولك : لقيته أمس الأحدث ، أنه منصوب بلقيته ، ويحمل الأحداث على ما قدر في أمس من العوامل وإن كان مكسورا.

فإن قال قائل : كيف يقدر الناصب للمنادى؟

قيل له : تقديره على التقريب : أنادي وأدعو وشبهه ، وليس هذا على الحقيقة لأن النحويين قد أجمعوا على أن النداء ليس بخبر.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٠٣ المقتضب ٤ / ٢٠٩ ، شرح النحاس ٢١٤ ، شرح السيرافي ٣ / ٣٢ ، المقتصد ٢ / ٧٧١ ، شرح المفصل (٢ / ٤).

(٢) ملحقات ديوان رؤبة ١٧٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٠٤ ، المقتضب ٤ / ٢٠٩ ، شرح النحاس ٢١٤.

(٣) ديوان رؤبة ١٦١ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٠٥ ، شرح النحاس ٢١٥ شرح السيرافي ٣ / ٣٣ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٦٩.

٢٧٢

وقوله : أدعو وأنادي : إخبار عن نفسك ، وتحقيقه أن المنادي لما احتاج إلى عطف المنادى على نفسه ـ واستدعائه إياه ليقبل عليه ، فيخاطبه بالذي يريد ـ احتاج إلى حرف يصله باسمه ليكون تصويتا به وتنبيها له ـ وهو" يا" وأخواتها ، فصار المنادي كالمفعول بتحريك المنادي له وتصويته به ، والمنادي كالفاعل لا لفظ له وصار بمنزلة الفعل الذي يذكره الذاكر ، فيصله بمفعول ظاهر وفاعل مضمر مقدر. فهذا ما يستحقه المنادى في الأصل ثم عرض في المفرد ما أوجب ضمه وإن كان أصله النصب ، لأنه مخاطب ، وسبيله أن يعبر عنه بالمكنى من الأسماء" كأنت" و" إياك" وغير ذلك ، غير أنه قد يكون بعيدا منك أو غافلا عنك فإذا ناديته بأنت أو إياك ، لم يعلم أنك تعنيه أو تعني من سواه ، فجئت بالاسم الذي يخصه دون غيره وهو زيد أو نحوه ، فوقع ذلك الاسم موقع المكني فبنيته ، وكان الضم به أولى من الفتح والكسر.

أما امتناعه من الفتح فليفرق بينه وبين المعرب.

وأما امتناعه من الكسر فليفرق بينه وبين المضاف إلى المتكلم إذا أسقطت ياؤه استخفافا ، ويشبه أيضا بقبل وبعد ، لما بينا على ما لم يكن لهما في حال الإعراب ، وكانا في حال الإعراب ينصبان ويخفضان ، فلما بنيا حركا بما لم يكن يدخلهما في حال الإعراب وهو الضم.

ومما يوجب له البنيان : أن المنادى واقع موقع الصوت الذي يجب بناؤه كالزجر والاستدعاء والاستحثاث وسائر ما يصوت به للبهيمة عند ما يراد منها ، كعدس ، وهلا وجوب وتشوء وغير ذلك. وهذه الأصوات مبنية ، فبني الاسم المنادى لذلك.

وكان المازني يجيز : يا زيد وعمرا أقبلا على الموضع.

والذي قال سيبويه : يا زيد وعمرو ، لأن حرف النداء شملهما جميعا ولم يقل : على كل واحد منهما مفردا.

وأما : يا زيد والنضر ، فرفع النضر هو الاختيار ، ويا زيد والرجل ، الاختيار فيه النصب ، والفصل بينهما أن الألف واللام في النضر دخولها كخروجها ، لأن النضر ونضر علمان ، فلم تفد الألف واللام معنى ، وقد أفادت في الرجل معنى ، وهو معاقبة الإضافة ، فلما كان الواجب في المضاف النصب ، كان الاختيار في ما هو بمنزلة الإضافة النصب.

إن قال قائل : لم جاز دخول" يا" على هذا ، ولا يجوز دخولها على الألف واللام؟

فأحسن ما يقال فيه أن أصل هذا أن تشير به واحد لواحد ، فلما دعوته ، نزعت منه الإشارة التي كانت فيه وألزمته إشارة النداء فصار" يا" عوضا من نزع الإشارة ، ومن أجل ذلك لا يقال : هذا أقبل.

٢٧٣

وباقي الباب مفهوم.

هذا باب لا يكون فيه الوصف المنفرد إلا رفعا

ولا يقع في موضعه غير المفرد

وذلك قولك : يأيها الرجل ويأيها الرجلان

اعلم أن الأصل في دخول" أي" أنهم أرادوا نداء الرجل وهو قريب من المنادي فلم يمكن نداؤه من أجل الألف واللام ، وكرهوا نزعهما وتغيير اللفظ ، فأدخلوا" أيا" وصلة إلى نداء الرجل على لفظه وجعلوه الاسم المنادي ، وجعلوا الرجل نعتا له وألزموه" هاء" دلالة على خروجه عما كان عليه في الكلام ، وعوضا من المحذوف منه ، والذي حذف منه الإضافة كقولك : أي الرجلين؟ وأي القوم؟ والصلة التي توجد في نظائره. ألا ترى أنك إذا ناديت" من" ، قلت : يا من في الدار أقبل ، ويا من أبوه قائم تعال.

وقال سيبويه : وجعلوا : ها : فيها بمنزلة يا وأكدوا التنبيه.

قال : وقد يجعل الأسماء المبهمات بمنزلة أي ، كقولك : يا هذا الرجل ، ويا هذان الرجلان.

وذكر" أولئك" في هذا الموضع وهي لا تنادي لأن الكاف للمخاطب و" أولاء" غير الذي له الكاف ، فكيف ينادى من ليس بمخاطب ، والذي أراد ـ والله أعلم ـ بذكرها هنا ، أن يعدها في المبهمات لا في ما ينادى.

ولا يجوز في نعت" أي" إلا الرفع لأن قولك : يأيها ، لا يتم بها النداء ولا بد من الرجل بعدها ، والرجل هو المقصود بالنداء على ما تقدم ، فيلزم رفع الرجل من وجهين : أحدهما : أنه يلزمه لفظ المنادي المفرد إذ هو في التقدير المنادي.

والآخر : أن الباب أن لا يحمل الشيء على الموضع إلا بعد تمام الكلام ، والنداء لم يتم ب يأيها ، فحمل الرجل على اللفظ دون الموضع.

وأنشد سيبويه في نعت المبهم بالمضاف الذي يقدر فيه الانفصال :

* يا صاح يا ذا الضامر العنس

والرحل ذي الأنساع والحلس (١)

ومثله :

* يا ذا المخوفنا ـ بمقتل شيخه

حجر تمنى صاحب الأحلام (٢)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٠٦ ، مجالس ثعلب ١ / ٢٧٥ ، مجالس العلماء ٨٨ ، المقتضب (٤ / ٢٢٣ ـ ٢٤٣.

(٢) ديوانه ١٢٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٠٧ ، شرح النحاس ٢١٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٣٨ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٤٥ ، الخزانة ٢ / ٢١٩.

٢٧٤

فهذا في البيتين للإشارة وما بعدها نعت لها وهو رفع ، وإن كان مضافا لأن الأصل فيه غير الإضافة ، فتقدير البيت الأول :

ياذا الضامر عنسه ، والبيت الثاني : يا ذا المخوف لنا

ومثله : يا ذا الحسن الوجه ، وتقديره : يا ذا الحسن وجهه.

والكوفيون ينشدون : يا ذا الضامر العنس بخفض الضامر ، وإضافة ذا إليه ، ويجعلونه مثل ذا الجمة. ويحتجون لصحة روايتهم بخفض الرحل وما بعده ، ويقدرون البيت : يا ذا العنس الضامر والرحل ، بمعنى : يا صاحب العنس والرحل.

وقالوا : لو كان على ما قاله سيبويه لم يستقم خفض الرحل لأنا إن عطفناه على العنس ، فقلنا : يا ذا الضامر عنسه ورحله لم يستقم ، لأن الرحل لا يوصف بالضمر.

والذي أنكروه ليس بمنكر لأن هذا من باب قوله :

* فعلفتها تبنا وماء باردا

فيحمل الثاني على ما يليق به ، ولا يخرج من قصد الأول ، فيكون معنى الضامر المتغير ، والرحل محمول عليه ، كأنه قال : المتغير العنس والرحل.

وتقول : يا حسن الوجه بالنصب ، ولا يجوز الرفع كما جاز في قولك :

يا حسن وليس امتناعه من أجل أنه مضاف ، وكأنه لما كان تمام حسن الوجه ، نصب كما نصب يا خيرا من زيد ، ويا ضاربا أخاه ، وهذا المنصوب إذا نعت به ، جرى مجرى المفرد ، كقولك : يا زيد الحسن الوجه ، ويا عمرو الضارب زيدا ، وكذلك ما أشبهه.

وأنشد سيبويه في نعت الاسم المنادى" بأي" المضافة :

* يأيها الجاهل ذو التنزي (١)

ويجوز نصبه على البدل من موضع" أي" والتنزي : التوثب ، يقال نزي عليه وتنزي.

وأنشد أيضا في نعت المبهم بالألف واللام ونعت" أي" بالمبهم :

* ألا أيها ذا المنزل الدارس الذي

كأنك لم يعهد بك الحي عاهد (٢)

فهذا نعت" لأي" والمنزل نعت لهذا.

يقول : كأنك لدروسك وقدم عهدك ، لم يعهد بك الحي المقيم عاهد.

هذا باب ما ينتصب على المدح والتعظيم

أو الشتم لأنه لا يكون وصفا للأول ، ولا عطفا عليه ـ وذلك قولك : يأيها الرجل

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٠٨ ، المقتضب ٤ / ٢١٨ ، شرح السيرافي ٣ / ٣٩ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٧١ ، شرح المفصل ٦ / ١٣٨ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢١٩.

(٢) ديوان ذي الرمة ١٢٢.

٢٧٥

وعبد الله المسلمين الصالحين ... وكذلك يا هؤلاء وزيد الطوال).

وقد تقدم أن المبهم يوصف بما فيه الألف واللام وينقله المبهم من تعريف العهد الماضي إلى تعريف القرب والإشارة ، فيصير المبهم وصفته كشيء واحد ، فإذا قلنا : يا هؤلاء وزيد الطوال ، فقد فصلنا بزيد بين هؤلاء والطوال ، فخرج عن المذهب الموضوع لصفة المبهم فلم يسم بالصفة ، وسمي بعطف البيان ، لأن فيه شرحا وبيانا كالبدل والتوكيد وليس بصفة له ، ولو أراد الصفة لقال : يا هؤلاء الطوال وزيد.

وفصل سيبويه بين الصفة والعطف بأن الصفة تجيء بمعنى الألف واللام.

يريد أن الصفة في غير المبهمة ما أتي بمعنى فيه يختص به ويتبين من غيره ، فلهذا جعل الأخ صفة لأن فيه معنى الأخوة التي عرف بها الموصوف وباين بها غيره ، وكذلك المبهم ، لأن فيه معنى القرب والإشارة ، ولو قلت : مررت بأخيك زيد ، لم يكن زيد بصفة لأنه لم يسم بزيد لمعنى فيه فيقدر بمعنى الذي من أمره كذا وكذا ، ولكنه عطف لما فيه من البيان والشرح.

ووقع بعد هذا الفصل في كتاب سيبويه : وكل شيء جاز أن يكون هو والمبهمة بمنزلة شيء واحد ، فهو عطف عليها.

فمعنى" حاز" جاوز وفي بعض النسخ : جاوز.

قال الأخفش : واعلم أن قولك : يأيها الرجل ، أن يكون الرجل صفة" لأي" أقيس ، لأن" أيا" لا يكون اسما في غير الاستفهام والمجازاة إلا بصلة.

قال الزجاج : هذا خطأ لو كان كذلك ، لوجب أن لا تضم" أيها" لأنه لا يبنى في النداء ما يوصل ، ألا ترى أنه لا يقال : يا خير من زيد ، وإنما يقال : يا خيرا من زيد لأن ما بعده من صلته فلو كان الرجل من صلة" أي" لوجب نصبه.

وذكر سيبويه أن العرب لا تنادي اسما فيه الألف واللام ألبتة ، إلا أنهم قد قالوا : يا الله اغفر لنا.

واعتل لذلك بأن الألف واللام لا تفارقه فأشبها الأصلي مع كثرة الاستعمال.

وفرق بينه وبين" الذي"" والتي" لأنهما صفتان ، فيمكن أن ينادى موصوفهما ويؤتى بهما صفتين كقولك : يا زيد الذي في الدار ، ويا هند التي أكرمتني ، ولا يكون ذلك في اسم الله تعالى.

وأصل اسم" الله" كأنه قال : " إلاه" ثم دخلت عليه الألف واللام فصار" الإلاه" ، ثم لينت الهمزة وألقيت حركتها على لام التعريف وأسقطت هي فصار" اللاه" ثم أدغمت اللام في اللام فصار" الله" وصارت الألف واللام عوضا من الهمزة المحذوفة.

٢٧٦

وقال بعضهم حذفت الهمزة على غير وجه التليين ، وذلك أبلغ في إثبات الألف واللام ، وقد حذفوا الهمزة من : " خذ" و" كل" على غير وجه التليين.

قال سيبويه : " ومثل ذلك أناس" فإذا أدخلوا الألف واللام أسقطوا الهمزة ، وهذا تقديره ـ في التخفيف والإدغام والعوض ـ تقدير اسم الله تعالى ، كأن الهمزة من" أناس" خففت وألقيت حركتها على لام التعريف فصار" الناس" ثم أدغمت اللام في النون فصار" الناس" ولا يستعمل مع الألف واللام إلا بإسقاط الهمزة.

فهو عند سيبويه كاسم" الله" في أن الألف واللام عوض من الهمزة.

وذكر عن المازني أنه أنشد في إبطال العوض في الأناس :

* إن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا

وليس في هذا مندفع لما ذكرناه من العوض ، لأن البيت غير معروف ويجوز مع ذلك أن يكون الشاعر اضطر فرد المعوض منه مع وجود العوض وهذا كثير في الشعر.

وذكر سيبويه أشياء من التعويضات تقوية للعوض في اسم" الله" وفي" الناس".

قال : وقال الخليل : " اللهم" نداء ، والميم هاهنا بدل من" يا".

وزعم أنه لا يوصف من قبل أنه صار مع الميم بمنزلة صوت كقولك : يا" هناه" و" نومان" و" فل" ، وليس شيء من هذا ينعت.

قال المبرد : إذا كانت" الميم" عوضا من" يا" فإنا إذا قلنا : يا الله الكريم ، فالكريم نعت ، وكذلك إذا قلنا : اللهم الكريم فالكريم نعت لله ، واستشهد بقوله عز وجل : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الزمر : ٤٦] وعلى مذهب سيبويه (فاطر السموات والأرض) : نداء ثان.

وأما" يا هناه" ، فهو في معنى : " ياهن" ، وأصل" هن" : هنة ثم بني على" فعال" فصار هناه ، وقال بعض النحويين أصله" هن" ، وأدخل عليه الألف واللام لبعد الصوت في النداء ، وأدخلت الهاء بعد ذلك للوقف ، وكثر في كلامهم حتى صارت الهاء كأنها أصلية فحركوها كما يحرك المنادى المفرد ويثنى ويجمع على هذا المذهب فيقال : يا هنانيه ، ويا هنوناه.

وأنشد سيبويه في نداء" التي" ضرورة :

* من أجلك يا التي تيمت قلبي

وأنت بخيلة بالود عني (١)

وكان المبرد لا يجيز هذا ، ويطعن على البيت.

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٠ ، المقتضب ٤ / ٢٤١ ، شرح النحاس ٢١٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٣ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١٤٦ ، الإنصاف ١ / ٣٣٦.

٢٧٧

وسيبويه غير متهم في ما حكاه ، وبعض النحويين يقول هو على الحذف ، كأنه قال : يا أيتها التي تيمت قلبي ، فحذف وأقام النعت مقام المنعوت.

واستدل سيبويه على تعريف ما يقصد من الأسماء المناداة وأن حرف النداء يصيره إلى حال التعريف بقولهم : يا خباث ويا لكاع لأن فعال المبنية على الكسر ، إنما تكسر في حال التعريف. وهذه الأسماء المبنية على الكسر لا تستعمل إلا في النداء نحو : " يا نومان"" ويا هناه" و" يا فل" ، وإنما كان ذلك لأن أصل النداء تصويت وزجر ، وربما زجر بتنحنح وهمهمة وما لا يتبين فيه حروف التهجي ، فجعلت هذه الحروف كبعض الزجر ، ولا يكون مثل هذا في غير النداء.

وأنشد في نداء النكرة لذي الرمة :

* أدارا بحزوى هجت للعين عبرة

فماء الهوى يرفض أو يترقرق (١)

فنصب دارا لأنها نداء منكور. وقوله : بحزوى في موضع الوصف لها ، أي : مستقرة بحزوى وهو اسم موضع. وقوله : فماء الهوى يعني الدمع ، لأن الهوى والشوق يبعثه. ومعنى يرفض : يتفرق ومنه سميت الرافضة لأنهم تفرقوا عن زيد بن علي حين سألوه عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال خيرا. ويترقرق : يجول.

وأنشد لتوبة بن الحمير :

* لعلك يا تيسا نزا في مريرة

معذب ليلى أن تراني أزورها (٢)

كأنه قال : نازيا. والمريرة : طاقة الحبل. ويقول هذا لزوج ليلى الأخيلية وشبهه بالتيس إذا تحرك في حبله.

وأنشد لعبد يغوث (٣) وقيل لمالك بن الريب :

* فيا راكبا إما عرضت فبلغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا (٤)

وأنشد للطرماح :

__________________

(١) ديوان ذي الرمة ٣٨٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١١ ، المقتضب ٤ / ٢٠٣ ، شرح النحاس ٢١٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٨٨ ، شرح المفصل ٧ / ٦٣ ، أوضح المسالك ٣ / ٣٣٠ ، الهمع ٢ / ١١ ، الخزانة ٢ / ١٦٠ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٣٦.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٢ ، نوادر أبي زيد ٧٦ ، المقتضب (٤ / ٢٠٣ ـ ٢١٥) ، شرح النحاس ٢١٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٦٠٢.

(٣) جمهرة الأنساب ٤١٧ ، المفضليات ١٥٥ ، الخزانة ٢ / ٢٠٢.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٢ ، المفضليات ١٥٦ ، المقتضب ٤ / ٢٠٤ ، شرح النحاس ٢١٨ ، أمالي القالي ٣ / ١٣٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٤ ، الخصائص ٢ / ٤٤٨ ، شرح المفصل ١ / ١٢٧ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦٧٦ ، حاشيه الصبان ٣ / ١٤ ، الخزانة ٢ / ١٩٤ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٢.

٢٧٨

* يا دار أقوت بعد أصرامها

عاما وما يعنيك من عامها (١)

استشهد بهذا على أنه أراد دارا بعينها. وقوله : " أقوت" إخبار عنها وليس بوصف لها ، كأنه ينادي الدار ثم أقبل على إنسان فقال : أقوت وتغيرت ، ولو جعله وصفا لها لكانت نكرة منصوبة. والأصارم : الجماعات يصف أنها خلت من أهلها عاما.

قال : ومثل ذلك قول الأحوص :

* يا دار حسرها البلي تحسيرا

ووسفت عليها الريح بعدك مورا (٢)

فخاطب الدار ، ثم جعل يخبر عنها بأن البلي قد غيرها وعفا آثارها وأن الريح قد سفت عليها التراب حتي خفيت رسومها.

وأنشد أيضا للمرادي :

* ألا يا بيت بالعلياء بيت

ولو لا حب أهلك ما أتيت

نادى البيت الأول ثم جعل يخبره أن له بالعلياء بيتا غيره ، ثم قال : ولو لا حب أهلك ما أتيت ولا تركت داري بالعلياء لك وبعد هذا :

ألا يا بيت أهلك أو عدوني

كأني كل ذنبهم جنيت

المعنى : كأني جنيت كل ذنب أتاه إليهم آت.

قال سيبويه : أما قول الأحوص :

* سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (٣)

فإنما لحقه التنوين كما لحق ما لا ينصرف.

يعني : أن" مطرا" اسم معروف ، فكان قياسه أن يضم ولا ينون ، ولكن الشاعر اضطر فنونه وتركه على لفظه كما ينون ما لا ينصرف ولو كان تنوينه من أجل أنه نكرة لانتصب.

وحكى عن عيسى بن عمر : مطرا ، وحجته أن التنوين رده إلى أصله ، لأن أصل النداء النصب ، كما ترد الإضافة إلى الأصل.

هذا باب ما يكون الاسم والصفة فيه بمنزلة اسم واحد

وذلك قولك : يا زيد بن عبد الله.

__________________

(١) ديوان الطرماح ١٦٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٢ ، شرح النحاس ٢١٨ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٦٨ ، اللسان (صرم) ١٢ / ٣٣٨.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٢ ، شرح النحاس ٢١٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٢٣.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٣ ، المقتضب ٤ / ٢١٤ ، مجالس ثعلب (٩٢ ، ٢٣٩ ، ٢ / ٥٤٢) ، شرح النحاس ٢١٩.

٢٧٩

قال الراجز :

* يا حكم بن المنذر الجارود

سرادق المجد عليك ممدود (١)

ومثله :

* يا عمر بن معمر لا منتظر (٢)

ويروى : " فتى مضر" الأصل في هذا : يا حكم بن المنذر وعمر بن معمر ، لأن" حكما" مفرد و" ابن المنذر" نعت مضاف ، ولكن لما كثر الكلام بالاسم العلم المضاف إلى اسم أبيه العلم ، استجازوا فيه من التخفيف ما استجازوا في غيره.

فقالوا : يا زيد بن عبد الله ففتحوا الدال اتباعا لفتحة النون. وجعلوا حركة الدال من زيد كحركة الراء من امرئ : الهمزة وحركة النون من ابنم : الميم.

وجروا على هذا المنهاج في الرفع والخفض ، فقالوا : هذا زيد بن عبد الله وهذه هند بنت عبد الله ، فجعلوا ضمة دال زيد وهند للاتباع لا للإعراب ، ولذلك حذفوا التنوين منهما وهما منصرفان.

ويبين أن سقوط التنوين لما ذكرته من الإتباع لا لاجتماع الساكنين قولهم : هذه هند بنت عبد الله في من صرف ، وهذه حال المخفوض أيضا كقولك : مررت بزيد بن عبد الله ، وبهند بنت عبد الله فالكسرة فيها كالكسرة في راء امرئ.

وأصل ابنم : ابن ، وكان الإعراب يقع على النون ، فلما زاد والميم تخفيفا واختصاصا ، ووقع الإعراب عليها ، سلموا النون من حركات الإعراب التي كانت تقع عليها ، فبقيت ساكنة ، فلم يمكن إقرارها على السكون ، لسكون ما قبلها ، فاضطروا إلى إتباعها الميم.

و" امرئ" نحو : ابنم لأن الراء قد كان يجري عليها ـ " في مرء" الإعراب إذا خففوا الهمزة فقالوا : " المرء" فلما أسكنوا الميم وأدخلوا ألف الوصل : لم يكن بد من تحريك الراء ، وبعدها همزة يقع الإعراب عليها ، ولم يكن للراء حركة ثابتة لأنها ساكنة في أصل البناء أو متحركة بحركات الإعراب ، فعمل بها ما عمل بابنم.

وأما من قال : يا زيد بن عبد الله فضم الدال ، فإنما هو على قول من قال : هذه هند بنت عبد الله ، فنون الدال ولم يتبعها حركة التاء ، لأنه لو أتبعها لحذف تنوينها ، وهو على قول

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٣ ، ملحقات ديوان رؤبة ١٧٢ ، الكامل ٢ / ٥٩ ، المقتضب ٤ / ٢٣٢ ، الشعر والشعراء ٢ / ٦٨٤ ، شرح النحاس ٢٢٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٧٢ ، شرح المفصل ٢ / ٥ ، أوضح المسالك ٣ / ٧٩.

(٢) ديوان العجاج ١٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣١٤ ، شرح النحاس ٢٢٠ شرح السيرافي ٣ / ٤٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٧٣.

٢٨٠