النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

المخبر يحقق ما خبر به ، فإذا قال : معروفا ، فكأنه قال : لا شك فيه ، والعامل فيه أحق وما أشبهه ، والجملة دالة عليه. ولم يجز أن تقول : هو زيد منطلقا لأنه لو صح له انطلاق ، لم تكن فيه دلالة على صدقه في ما قاله كما أوجب قوله معروفا.

قال : ولو أن رجلا من إخوانك ومعرفتك ، أراد أن يخبرك عن نفسه ، أو عن غيره بأمر فقال : أنا عبد الله منطلقا ، وهو زيد منطلقا كان محالا.

ثم بين فساده ، وقال بعد ذلك : " ألا أن رجلا لو كان خلف حائط أو في موضع تجهله فيه ، من أنت؟ فقال : أنا زيد منطلقا في حاجتك كان حسنا".

وإنما استحسنه سيبويه في هذا الموضع لأنه كان عهده منطلقا في حاجته من قبل أن يقول له : من أنت؟ فصار لما عهده بمنزلة شيء ثبت له في نفسه ، كشجاع وبطل فنصبه كنصب عبد الله هو شجاعا بطلا.

هذا باب ما غلبت فيه المعرفة النكرة

وذلك في قولك : هذان رجلان وعبد الله منطلقين.

نصب منطلقين على الحال ، والعامل فيها التثنية ـ وجميع هذا الباب مفهوم ، وقد مضى تفسيره.

هذا باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب

في المعرفة

أنشد سيبويه في هذا الباب مستشهدا لرفع الخبرين بقول الراجز.

* من يك ذا بت فهذا بتي (١)

فرفع مقيظ وما بعده على أنه خبر بعد خبر والبت : الكساء

قال : " وأما قول الأخطل

* ولقد أبيت من الفتاة بمنزل

فأبيت لا حرج ولا محروم (٢)

فزعم الخليل أن هذا ليس على إضمار أنا"

إنما فر الخليل من إضمار" أنا" ـ وإن كانت قد تضمر في غير هذا الموضع

ـ لأنه يلزمه أن يقول : كنت لا خارج ولا ذاهب وجئت لا مسرع ولا عجل ، وهذا

__________________

(١) ملحقات ديوانه ١٨٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٥٨ ، معاني القرآن ١٧٣ ، شرح النحاس ١٨٧ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٣ ، الإنصاف ٢ / ٧٢٥ ، شرح المفصل ١ / ٩٩ ، شرح ابن عقيل ١ / ٢٥٧ ، الهمع ١ / ١٠٨ ، حاشية الصبان ١ / ٢٢٢ ، المقاصد النحوية ١ / ٥٦١.

(٢) ديوان الأخطل ٨٤ ، معاني القرآن ٣ / ١٢٦ ، شرح النحاس ١٨٨ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٠٣ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥١٠ ، الإنصاف ٢ / ٧١٠ ، شرح المفصل (١٤٦ / ٣ ، ٧ / ٨٧) ، الخزانة ، ٢ / ١٣٩.

٢٤١

قبيح جدّا ، فجعله على الحكاية.

والمعنى : فأبيت" بمنزلة الذي قال له : لا حرج ولا محروم" ، أي إنها لم تحرمني ، فيقال لي محروم ، ولم أتحرج من حضوري معها فيقال لي : حرج.

قال الزجاج : وهو في معنى لا حرج ولا محروم لأنه في مكانه كما قال :

* يأبى الظلامة منك النوفل الزّفر

وهو النوفل الزفر

وكلام الزجاج هذا تفسير لقول سيبويه

وقد زعم بعضهم أن رفعه على النفي

وقوى سيبويه مذهب الخليل في الرفع على الحكاية بقول الشاعر

* على حين إن كانت عقيل وشائظا

وكانت كلاب خامري أم عامر (١)

هجا هذا الشاعر عقيلا وكلابا فجعلهم وشائظ ، واحدهم وشيظ ، وهو : الحميس ـ والوشيظ أيضا : الملزق بالقوم ـ وأما كلاب فجعلهم حمقى ، وذلك أن أم عامر إذا أرادوا صيدها يقولون لها خامري أم عامر ، أي ادخلي الخمر ، فتدخل جحرها فيصطادونها.

وتقدير البيت : وكانت كلاب يقال لها : (خامري أم عامر) ، أي : كانت كضبع يقال لها هذا.

وقوى مذهبه أيضا بقوله :

* كذبتم وبيت الله لا تنكحونها

بني شاب قرناها تصر وتحلب (٢)

فهذا على الحكاية أيضا ، أي : بني من يقال لها ذلك ، يصف أنها عجوز وإنها راعية.

هذا باب ما يرتفع فيه الخبر لأنه مبني على مبتدأ

وينصب وفيه الخبر لأنه حال ...

فأما الرفع فقولك : هذا رجل منطلق ، فالرجل نعت لهذا هو معه كالشيء الواحد ومنطلق : خبر المبتدأ.

وأنشد للنابغة :

* توهمت آيات لها فعرفتها

لستة أعوام وذا العام سابع (٣)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٥٩ ، إعراب القرآن ١ / ١٥ ، شرح النحاس ١٨٨ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٠٣ ، اللسان (وشظ) ٧ / ٤٦٥.

(٢) الكتاب (١ / ٢٥٩ ، ٢ / ٧ ، ٦٥) ، المقتضب (٤ / ٩ ، ٢٢٦) ، الكامل ١ / ٣٨٣ ، ما ينصرف (٢٠ ، ١٢٣) ، شرح النحاس ١٨٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٠٤ ، الخصائص ٢ / ٣٦٧ ، الإنصاف ٢ / ٧١٠.

(٣) ديوان النابغة الذبياني ٥٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦٠ ، المقتضب ٤ / ٣٢٢ ، شرح النحاس ١٩١ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٠٦ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٧٧ ، حاشية الصبان ٢ / ٢٧٦ ، المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٢ ، اللسان (عشر) ٤ / ٥٦٩.

٢٤٢

فالعام : نعت لذا وسابع : خبر ، وآيات : علامات ، توهمت : تفرست ، يصف دارا خلت من أهلها فتغيرت بعدهم ، فلم يعرفها إلا بآيات دلته عليها.

وقوله في هذا الباب" لأن المبتدأ يعمل في ما بعده".

يعني أنه يرفع الخبر ، وفي الخبر قولان :

أحدهما : أن المبتدأ يرفعه ، والآخر : أن الابتداء يرفع المبتدأ والمبتدأ والابتداء يرفعان الخبر.

والظاهر من كلامه ـ في هذا الموضع ـ أن المبتدأ هو العامل ، وقد يجوز أن يريد بالمبتدأ أنه إذا كان إشارة ، عمل في ما بعده نحو : هذا وما جرى مجراه وإنما أراد أن يريك حالين في" منطلق" من المبتدأ ومن الفعل ، تقول : هذا منطلق ، فترفعه على الخبر ، ثم تقول : هذا زيد منطلقا فيصير حلا ، كما تقول ذهب منطلق فترفعه بالفعل ، ثم تقول : ذهب زيد منطلقا فتنصبه على الحال ، لأن" زيدا" قد حال بينه وبين الفعل ، فصار حالا قد ثبت فيها ، وصار فيها ، كما أن الظرف موضع قد صير فيه بالنية ، وإن لم تذكر فعلا ، فإذا قلت : فيها زيد ، فكأنك قلت : استقر فيها زيد ، وهنا أفصح سيبويه بنصب الظرف باستقر ، ثم شبه نصب الظرف بنصب عشرين لما بعده من اسم النوع المميز.

هذا باب ما ينتصب لأنه خبر لمعروف

يرتفع على الابتداء ، قدمته أو أخرته

وذلك قولك : فيها عبد الله قائم وقائما

النصب على الحال وإعمال الظرف ، والرفع على الخبر وإلغاء الظرف.

وأنشد النابغة :

* فبت كأنّي ساورتني ضئيلة

من الرقش في أنيابها السم ناقع (١)

فناقع : خبر" السم" ، وفيه لغو. ولو كان في غير الشعر لجاز ناقعا على الحال. الضئيلة : حية دقيقة قليلة اللحم يقل دمها ويشتد سمها ، وإنما ذلك من الكبر ، وطول مرور الدهر عليها.

والرقش : المنقطة بسواد ، والناقع : الثابت ، ومعنى ساورتني : وثبت على يعتذر إلى النعمان ، ويصف أنه يبيت فزعا.

وأنشد سيبويه للهذلي ، وهو المتنخل :

__________________

(١) ديوان النابغة ٥١ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦١ ، الكامل ٣ / ١٣٠ ، شرح النحاس ١٩١ ، شرح السيرافي ٣ / ٤١٠ ، شرح شواهده (٢ / ٩٠٢ ، ٨١٩) ، حاشية الصبان ٣ / ٦٠ ، المقاصد النحوية ٤ / ٧٣.

٢٤٣

* لا درّ درّي إن أطعمت نازلكم

قرف الحتى وعندي البر مكنوز (١)

فألغى الظرف ، والقرف : القشر والحتي : المقل. يصف أنه ليس ببخيل.

واحتج سيبويه على أن الظرف لا يرفع ما بعده فقال : " لو كان عبد الله يرتفع" بفيها" ـ إذا قلت : فيها عبد الله ـ لارتفع بقولك : بك عبد الله مأخوذ".

ولا خلاف بينهم أن عبد الله لا يرتفع" ببك" ، وكأن قائلا قال لسيبويه : إن" بك" لا تشبه فيها ، لأن" بك عبد الله" لا يتم الكلام به ، وفيها عبد الله : يتم الكلام به ، فأجاب عن هذا بأن العامل الذي يتم به الكلام والذي لا يتم به الكلام سواء لا يتغير ، ألا ترى أن : كان عبد الله لا يكون كلاما ، وضرب عبد الله : كلام ، وعملهما واحد.

ومما جاء في الشعر مرفوعا قوله :

* لا سافر الني مدخولا ولا هبج

عاري العظام عليه الودع منظوم (٢)

فألغى المجرور ، يصف جارية ، وشبهها بالظبي ، فقوله لا سافر الني : أي هو غير منكشف اللحم ظاهره والسافر : المنكشف.

والني : الشحم ، ولا قليل اللحم عاري العظام ، هو بين بين.

والودع : الخزر ، أي : هي ذات حلي وقوله : (لا سافر الني مدخول ولا هبج* عاري العظام) كله داخل في النفي ، وهو كقوله عز وجل : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) [البقرة : ٧١].

قال : ومما جاء في الشعر قد انتصب خبره وقوله :

* إن لكم أصل البلاد وفرعها

فالخير فيكم ثابتا مبذولا (٣)

فنصب ثابتا على الحال من الخبر.

هذا باب من المعرفة يكون فيه الاسم

الخاص شائعا في الأمة

نحو قولك للأسد : أبو الحارث وأسامة ، وللثعلب : ثعالة وأبو الحصين.

وما أشبه ذلك.

هذه الأسماء التي ذكرها في الباب ، معارف ، أعلام للأجناس التي ذكرها كزيد وهند إلا

__________________

(١) الكتاب ١ / ٢٦١ وشرح الأعلم ، ديوان الهذليين ٢ / ١٥ ، شرح النحاس ١٩١ ، شرح السيرافي ٣ / ٤١١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٥٠ ، اللسان (برر) ٤ / ٥٥ ، (كنز) ٥ / ٤٠٢.

(٢) ديوانه ٢٦٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦٢ ، في شرح النحاس ١٩٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٤١٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٤٣ ، اللسان (سفر) ٤ / ٣٦٨.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٤١٤.

٢٤٤

أن اسم زيد وهند يختص شيئا بعينه دون غيره من الأشخاص وأسماء الأجناس يختص كل اسم منها جنسا ، كل شخص من ذلك الجنس يقع عليه الاسم الواقع على الجنس والفرق بينهما : أن الناس تقع أسماؤهم على الشخوص ليختص بعضهم من بعض ، لأن لكل واحد منهم حالا في الناس ، ينفرد بها في معاملته وأسبابه وماله وعلمه ، ليست لغيره ، فاحتاج إلى اسم يختص شخصه ، وكذلك ما يتخذه الناس ويألفونه من الخيل والكلاب والغنم ، ربما خصوها بأسماء يعرف بعضها من بعض ، وهذه السباع ، وما لا يألفه الناس ، لا يخصون كل واحد منها بشيء دون غيره ، فيحتاجون من أجله إلى تسميته ، فصارت التسمية للجنس بأسره ، فيصير الجنس في حكم اللفظ كالشخص ، فيجري خبره ونعته مجرى خبر زيد وعمرو وما أشبه ذلك من الأسماء والكنى.

وإنما كثرت أسماء هذه الأشياء عند العرب ، واتسعت فيها على مقدار ملابستهم لجنس منها وكثرة إخبارهم عن ذلك الجنس كالأسد والذئب والثعلب والضبع ، فإن لها عندهم آثارا تكثر بها أخبارهم عنها ، فيفتنون في أسمائهم وكناها ، ولأن إقامتهم في البوادي ، وكونهم في البراري ، قد تقع أعينهم فيها على طير غريب ، ووحش ظريف ، ويرون من دواب الأرض وهوامها وأجناسها ما لا اسم له عندهم ، فيسمونه باسم يشتقونه من خلقته أو فعله أو من بعض ما يشبهه ، أو غير ذلك ، أو يضيفونه إلى شيء على ذلك المنهاج ، ويلقبونهم كفعلهم بالناس.

واعلم أن تلقيب هذه الأشياء وتسميتها بهذه الأسماء المعارف في مذهب سيبويه ، دلالة على الاسم وبعض صفاته وخواصه ، ألا تراه قال : " فكأنهم إذا قالوا : هذا ابن قترة فقد قالوا : هذا الحية الذي من أمره كذا وكذا".

وكان المبرد يذهب إلى أن أوبر نكرة ، ويحتج بدخول الألف واللام عليه.

قال بعض الشعراء :

* ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

ولقد نهيتك من بنات الأوبر (١)

وليس هذا بحجة لأنه أدخل الألف واللام ضرورة.

كما قال أبو النجم :

* باعد أم العمر من أسيرها (٢)

وكقول الآخر :

__________________

(١) المقتضب ٤ / ٤٨ ، ومجالس ثعلب ٢ / ٥٥٦ ، وشرح السيرافي ٣ / ٢٩٣ ، ٤٢٦ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٥ ، ٢٩١ ، وشرح ابن عقيل ١ / ١٨١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٦٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٩٨.

(٢) المقتضب ٤ / ٤٩ ، وشرح السيرافي ٣ / ٤٢٦ ، والجنى الداني ١٩٨ ، وشرح المفصل ١ / ٣٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٥ ، وشرح ابن عقيل ١ / ١٨١ ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٨ ، ١٦٣) ، والهمع ١ / ٨٠.

٢٤٥

* رأيت الوليد بن اليزيد مباركا (١)

وفي ذكر سيبويه من هذه الأسماء المعارف ، ابن مطر وهو معرفة وهو دويبة حمراء تظهر بأثر المطر وأما ابن ماء ، فطائر طويل العنق يتنكر إذا نكرت الماء ، ويتعرف إذا عرفت الماء.

قال ذو الرمة :

* وردت اعتسافا والثريا كأنها

على قمة الرأس ابن ماء محلق (٢)

فوصف بمحلق وهو نكرة الاعتساف : المشي على غير الهداية. وقمة الرأس : أعلاه. وصف أنه ورد الماء في جوف الليل وأنشد لأبي الهندي في التعريف بالألف واللام :

* مفدمة قزا كأن رقابها

رقاب بنات الماء أفزعها الرعد (٣)

يصف أباريق خمر طوال الأعناق ومشدودة الأفواه بالقز ، وشبهها في طول أعناقها ببنات الماء إذا سمعت الرعد فطولت أعناقها.

وأنشد لجرير :

* وابن اللبون إذا ما لز في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس (٤)

فعرفه بالألف واللام والقنعاس : الشديد. والبزل : المسنة وهي أقواها وأجلدها. والمعنى أن الصغير الذي لم يجرب الأمور ، إذا جعل مع الكبار المجربين لم يستطعهم.

وأنشد للفرزدق :

* وجدنا نهشلا فضلت فقيما

كفضل ابن المخاض على الفضيل (٥)

فعرف ابن المخاطب بالألف واللام. ونهشل وفقيم قبيلتان.

وذكر ابن الأعرابي أن هذا يضرب مثلا للشيئين لا خير فيهما ، ولا فضل لأحدهما على

__________________

(١) شرح السيرافي ٣ / ٤٢٦ ، الإنصاف ١ / ٣١٧ ، وشرح المفصل ١ / ٤٤ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٦٤ ، والخزانة (٢ / ٢٢٥ ، ٧ / ٢٤٧) ، والمقاصد النحوية ١ / ٢١٨.

(٢) ديوان ذي الرمة ٤٠١ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦٦ ، الكامل ٣ / ٣٤ ، المقتضب ٢ / ٦٤ ، شرح النحاس ١٩٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٢٨ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٨٩ ، اللسان (عسف) ٩ / ٢٤٥ (حلق) ١٠ / ٦٤ (قسم) ١٢ / ٤٩٤.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦٥ ، الكامل ٣ / ٤٢ ، المقتضب ٤ / ٤٦ ، الشعر والشعراء ٢ / ٦٧٢ ، شرح السيرافي ٢ / ٤٢٨ ، شرح المفصل ١ / ٣٥ ، اللسان (فدم) ١٢ / ٤٥١.

(٤) ديوان جرير ٣٢٣ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦٥ ، المقتضب ٤ / ٤٦ ، شرح النحاس ١٩٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٢٩ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٥٩ ، شرح المفصل ١ / ٣٥ ، مغني اللبيب ١ / ٧٥ ، شرح شواهد المغني ١ / ١٦٧ ، اللسان (لبن) ١٣ / ٣٧٥ ، (قنعس) ٦ / ١٨٤ (لزز) ٥ / ٤٠٥.

(٥) ديوان الفرزدق ٢ / ٦٥٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦٦ ، المقتضب ٤ / ٤٦ شرح السيرافي ٣ / ٤٢٩ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥١٣ ، شرح المفصل ١ / ٣٥ ، اللسان (مخض) ٧ / ٢٢٩.

٢٤٦

صاحبه ، إلا كفضل ابن المخاض على الفصيل ، وكلاهما لا خير عنده ، ولا فضل له ، ولا منتفع به. فجعل فضل نهشل على فقيم ، كفضل هذا على هذا ، والبيت يروى للفرزدق.

ونهشل : قبيلة ، ولا أدري وجه هذا إلا أن يكون البيت لغير الفرزدق ، وينسب إليه على الغلط.

قال سيبويه : وكذلك ابن أفعل ، إذا كان أفعل ليس باسم لشيء" فهو نكرة كابن أحقب وهو الحمار".

وحكى عن ناس قالوا : " كل ابن أفعل معرفة لأنه لا ينصرف"

وقال سيبويه : " هذا خطأ لأن أفعل لا ينصرف وهو نكرة ألا ترى أنك تقول هذا أحمر قمد فلا تصرفه وهو نكرة ، وقمد صفة له".

وأنشد لذي الرمة :

* كأنا على أولاد أحقب لاحها

ورمى السفا أنفاسها بسهام

جنوب ذوت عنها التناهي وأنزلت

بها يوم ذباب السبيب صيام

الشاهد في البيتين أن" صيام" الذي في آخر البيت الثاني : صفة لأولاد. فأولاد أحقب نكرة. ومعنى البيت : كأنا على حمير قد لاحها ، أي : عطشها. جنوب ذوت عنها التناهي : أي جفت من أجلها الغدران وهي التناهي ، واحدتها تنهية ، سميت بذلك لانتهاء السيل إليها واستنقاعه فيها. وأنزلت الجنوب بهذه الحمير يوم ذباب السبيب ، أي يوم حر احتاجت فيه إلى تحريك أذنابها ، والسبيب في هذا الموضع : أذنابها وصيام : قيام ورمى السفا : معطوف مقدم على جنوب : وأنفاسها : أنوفها لأنها مواضع الأنفاس. والسفا : شوك البهمي" وجعل ما يصيب أنوفها من ذلك بمنزلة السهام ، وإنما يريد أن هذه الحمير أسرع ما تكون في هذه الحال ، فكأنا عليها من السرعة والانزعاج.

هذا باب ما يكون فيه الشيء غالبا على

اسم يكون لكل من كان من أمته ،

أو كان في صفته من الأسماء التي يدخلها الألف واللام

كقولك : فلان بن الصعق وما أشبه ذلك.

اعلم أن الاسم العلم إنما وضع لإبانة شخص من سائر الشخوص ، وليس فيه دلالة على وجود معنى ذلك الاسم في الشخص الذي سمي به ، كرجل يسمى بزيد أو عمرو أو جعفر أو حمزة أو ما أشبه ذلك. ومعنى زيد : الزيادة ، ومعنى عمرو : العمر ، وجعفر هو النهر ، وحمزة : اسم بقلة.

٢٤٧

وقد علم أن المسمى من الناس بشيء من هذا ، لا يرد به أنه نهر ، ولا أنه بقلة ، وإنما وضعوه على الشخص ليميز عن سائر الأشخاص ، فهذا تعريف الاسم العلم الذي لا يحتاج إلى الألف واللام ولا الإضافة. وهذه الأسماء إذا اشترك فيها المسمون ، لم يكن بينهم اتفاق يجب به اشتراكهم كاشتراك الشخوص الذين هم كلهم رجال في تسمية كل واحد منهم بالرجل ، وكذلك سائر ما فيه الألف واللام ، وربما غلب على اسم من هذا الصنف بعض المسمين به حتى يصير له العلم الذي يعرف إذا ذكر مطلقا ولا يعرف به غيره إلا بعهد يتقدم.

فمن ذلك الصعق ، وهو رجل من بني كلاب ، وهو خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب ذكروا أنه كان يطعم الناس بتهامة فهبت ريح فسفت في جفانه التراب ، فشتمها فرمي بصاعقة فقتلته ، فقال فيه بعض بني كلاب :

وإن خويلدا فأبكى عليه

قتيل الريح في البلد التهامي (١)

فعرف خويلد بالصعق ، وغلب عليه حتى إذا ذكر لم يذهب الوهم إلى غيره إلا ببيان ، وكان أشهر ولده وأجمعهم للفضل يزيد بن عمرو بن الصعق ، وليس كل من كان ابنا للصعق عرف بابن الصعق كمعرفة يزيد.

ومثله في الإسلام من شهر بالنسب إلى أبيه دون إخوته ابن عمر بن الخطاب ، وهو عبد الله ، دون غيره من ولد عمر ، وابن الزبير ، وهو عبد الله ، وكذلك ابن عباس ، وهو عبد الله أيضا دون غيره ، فإذا ذكر هؤلاء ، لم يذهب الوهم إلى غيرهم من هؤلاء الثلاثة.

وكذلك إذا قيل : ابن رألان ، علم أنه جابر بن رألان الطائي ، ولا يذهب الوهم إلى آخر لرألان ، وكذلك ابن كراع ، يراد به سويد بن كراع العكلي.

ومن ذلك قولهم للثريا : النجم فإذا ذكر من غير عهد ، لم يذهب الوهم إلى غير الثريا ، وكذلك الثريا : تجري هذا المجرى لأن الأصل فيها ثرواء ، ومعناها : كثيرة من الثروة وهي الكثرة ، لأن كواكبها سبعة أو نحوها فصغرت وجعلت الألف واللام علما.

فأما الحارث والحسن والعباس ، فمذهب العرب في هذه الأسماء وما جرى مجراها ، أن يجعلوها لأولادهم وسائر من يسمونه بها تفاؤلا وترجيا أن يكونوا كذلك ، فالحارث معناه الكاسب الذي يحرث لدنياه ، والعباس الذي يعبس في الحرب لتجربته ومعرفته بشدتها ، فسموا بنحو هذا لأنهم أعدوا له كما يقال الأضحية والذبيحة لما أعد لذلك.

وقوله : تنزع الألف واللام من هذا النحو ، ويجري مجرى زيد ونظائره ، فيقال : حارث وعباس.

__________________

(١) شرح السيرافي ٣ / ٤٣٤ وبه (إن خويلدا) وهامش الكتاب ١ / ٥٦٧ ، شرح المفصل ١ / ٤١ اللسان (صعق) ١٠ / ١٩٩.

٢٤٨

وقد يشبهون الشيء بالشيء فيوقعون عليه اسمه معرفا بالألف واللام فيغلب عليه كقولهم : النسران : للكوكبين تشبيها لهما بالطائرين.

والفرقدان : تشبيها لهما بفرقدي بقرة وحشية لبياضها. وقد يشتقون لبعضها أسماء من معان فيها غير مطردة أسماؤه فيما شاركه من المعاني كالدبران والعيوق والسماك فالدبران : مشتق من دبر يدبر ، وهم يذكرون أنه يتبع الثريا ويطلبها خاطبا لها ، وليس لكل شيء دبر شيئا يقال له دبران ، إلا أن في كلامهم فعلانا في موضع الفعل كقولهم العدوان للعادي ، والصلتان للنشيط الشديد.

والعيوق مشتق من عاق يعوق ، كأنه عاق كواكب وراءه من المجاوزة ، لأنهم يقولون : الدبران يطلب الثريا ويخطبها ، وقد ساق مهرها كواكب صغار معه ، والعيوق بينهما ، فكأنه يعوقه عنها ، وهو على وزن فيعول مثل قيوم وما أشبهه.

وأما السماك : فهو الارتفاع ، ويقال : سمك بمعنى : ارتفع. وسمكه ، أي رفعه ، وهو في معنى سامك ، كما يقال : رجل نقاب أي ناقب عن غوامض العلم فطن بها.

وقد بين سيبويه أن هذه الأشياء لا يقاس عليها ، وإن كل من كان في معناها لا يسمى في أسمائها ثم قال : وكل شيء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة ، فإن كان عربيّا نعرفه ولا نعرف الذي اشتق منه ، فذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا ، أو يكون الآخر لم يصل إليه علم وصل إلى الأول المسمى.

يريد أن المعنى الذي اشتق منه : إما أن يكون نحن لا نعرفه ويعرفه غيرنا من أهل عصرنا وإما أن يكون علم ذلك قد درس ولم يقع إلى أهل عصرنا.

قال : " ومما جرى مجرى الأول : الثلاثاء والأربعاء"

هما مشتقان من الثالث والرابع ، واختص بهذا الاشتقاق اليومان فقط كما اختص بالعيوق الكواكب وهي كلها معارف.

هذا باب ما يكون الاسم فيه بمنزلة الذي في المعرفة

والاحتياج إلى الحشو ، يكون نكرة بمنزلة رجل وذلك قولك : هذا من أعرف منطلقا ، وهذا من لا أعرف منطلقا.

هذا الباب إلى آخره في : " من" و" ما" في الخبر ويكونان معرفتين ونكرتين. أنشد سيبويه في النكرة :

* فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حب النبي محمد إيانا (١)

__________________

(١) ديوان كعب ٢٦٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦٩ ، مجالس ثعلب ١ / ٢٧٣ ، إعراب القرآن ٢ / ٥٢٩ ، ٣ / ٨٢٨ ، شرح النحاس ١٩٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٤٦ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٣٥ ، شرح المفصل ـ ـ

٢٤٩

فغيرنا : نعت لمن وهو نعت لازم كالصلة ، ويجوز رفعه على معنى الذي هو غيرنا.

وقال الفرزدق في مثله :

* إني وإياك إذ حلت بأرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور (١)

فممطور نعت لمن.

وأنشد لعمرو بن قميئة :

* يا رب من يبغض أزوادنا

رحن على بغضائه واغتدين (٢)

ورب : لا يكون ما بعدها إلا نكرة.

وأنشد لأمية بن أبي الصلت :

* ربما تكره النفوس من الأم

ر له فرجة كحل العقال

فجعل ما نكرة ، وهي اسم وليست بكافة لرب لأن الهاء في له تعود إليها. وقد يجوز أن تكون كافة ، فتعود الهاء إلى الأمر وفيه بعد والفرجة بالفتح : في الأمر ، والفرجة بالضم : ما يرى من الحائط وغيره.

وأنشد :

* ألا رب من تغتشه لك ناصح

ومؤتمن بالغيب غير أمين (٣)

فناصح نعت لمن ، لك تبيين لناصح.

ومعنى البيت : أن الإنسان قد يتهم ويستغش من هو له ناصح أمين ، وقد يأتمن من هو غير أمين على سره وغائب أمره.

هذا باب ما لا يكون فيه الاسم إلا نكرة

وذلك قولك : هذا أول فارس مقبل.

فمقبل نعت لأول.

وأنشد للشماخ :

__________________

ـ ٤ / ١٢ ، الجنى الداني ٥٢ ، مغني اللبيب (١ / ١٤٨ ، ٤٣٢ ، ٤٣٤) شرح شواهد المغني (١ / ٣٣٧ ، ٢ / ٧٤١) ، همع الهوامع (١ / ٩٢ ، ١٦٧) ، الخزانة ٦ / ١٢٠.

(١) ديوان الفرزدق ١ / ٢٦٣ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٦٩ ، شرح النحاس ١٩٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٤٧ ، المسائل البغداديات ٣٧٦ ، شرح السيرافي ١ / ٤٩٣ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٤١.

(٢) ملحقات ديوانه ٦٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٧٠ ، المقتضب ١ / ٤١ ، شرح النحاس ١٩٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٤٩ ، المسائل البغداديات ٥٦٦ ، شرح المفصل ٤ / ١١ ، وفي معجم الشعراء ٢١٤.

(٣) لعبد الله بن همام في حماسة البحتري ٢٧٨ ، محاضرات الأدباء ١ / ٧٨ ، أساس البلاغة ٢ / ١٦٥.

٢٥٠

* وكل خليل غير هاضم نفسه

لوصل خليل صارم أو معارز (١)

فجعل غيرا نعتا لكل ولو حملها على خليل لجاز.

والمعارز : المنقبض. والهاضم : الظالم المتحامل ، ومعناه أن الصديق إذا لم يهضم نفسه للصديق فيحتمله ويغضي عنه وقع الصرم والانقباض.

وأنشد أيضا :

* كأنا يوم قرى إنما نقتل إيانا

قتلنا منهم كل فتى أبيض حسانا (٢)

فجعل أبيض وحسانا نعت. وقرى : اسم موضع ، والحسانا : الحسن والمعنى كأنا إذا قتلنا من هذه صفته فكأنا قتلنا أنفسنا لأن هذه صفتنا.

وأنشد أيضا لابن أحمر :

* ولهت عليه كل معصفة

هوجاء ليس للبها زبر (٣)

فهو جاء نعت لكل ومعنى هوجاء : تجيء من كل ناحية فكأنها حمقاء ، يعني ريحا شديدة. ومعنى ولهت عليه : لزمته بهبوبها ولصقت به. وقوله ليس للبها زبر أي : ليس لعقلها إحكام ، يقال زبرت البئر : إذا أحكمت طيها ، ويقال للعقل زبر : لأنه محكم.

وإنما احتج سيبويه بهذه الأبيات ليقطع من زعم أن" أول" وكلا وما أشبههما مما يضاف إلى واحد معرفة إذ كانت الألف واللام لا تدخل في المضاف إليه.

واحتج عليهم أيضا بأن التمييز لا تدخله الألف واللام وهو نكرة فليس امتناعه من الألف واللام بموجب له أن يكون معرفة.

واحتج بأشياء كثيرة ساقها في الباب.

والذي أوجب لهذه الأسماء أن تكون نكرات ، أنها موضوعة وهي مفردة في معنى الجمع وفعلوا ذلك للتخفيف والاقتصار على أخف لفظ يدل على المعنى الذي أرادوه من الجمع ، وهو الواحد المنكور من الجنس ، فزعم قوم أن المعرفة تكون حالا للمعرفة ، فألزمهم سيبويه أن يجعلوا حال النكرة معرفة ، لأنه لا فرق بين حال المعرفة والنكرة ، ثم ألزمهم أن يقولوا :

__________________

(١) ديوان الشماخ ٤٣ ، الكتاب ١ / ٢٧١ ، ٣٧١ ، شرح النحاس ٢٤٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٥١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٣٦ ، اللسان (عرز) ٥ / ٣٧٣.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم (١ / ٢٧١ ، ٣٨٣) ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٧٩ ، والخصائص ٢ / ١٩٤ ، وما يجوز للشاعر في الضرورة ٢٢٢ ، والإنصاف ٢ / ٦٩٩ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠٢ ، والخزانة ٥ / ٢٨٠.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٧٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٥٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٢.

٢٥١

هذا أخوك عبد الله لأنه قد يكون عبد الله عطف البيان ، يجري مما قبله مجرى النعت ، والحال والنعت كأنهما جنس واحد ، فألزمهم نصب عبد الله على الحال ، وهذا لا يجوز أصلا.

هذا باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة

وهي معرفة لا توصف ولا تكون وصفا

وذلك قولك : مررت بكل قائما ... وببعض جالسا.

اعلم أن هذا وما أشبهه لا يتكلم به مبتدأ وإنما يتكلم به إذا جرى ذكر قوم ، فيقول : مررت بكل وببعض ، أي : بكلهم وببعضهم ، فتستغني بما جرى من الكلام ، ومعرفة المخاطب بما يغني عن إظهار الضمير ، وصار ما عرفه المخاطب مما يغني به مغنيا عن وصفه ولم يوصف به أيضا ، لأنهم لما أقاموه مقام الضمير ، والضمير لا يوصف به إذ لم يكن تحلية ولا فيه معنى تحلية فلم يصفوا به ، لا يقال : مررت بالزيدين كل ، كما لا يقال : مررت بكل الصالحين.

وجعل سيبويه هذا الحذف شاذّا وشبهه بغيره من المحذوفات ومن حمله ما ذكر قولهم : لاه أبوك يريدون لله أبوك فحذفوا منه لامين وقد كانوا حذفوا منه ألف الوصل ، واللامان المحذوفتان عند سيبويه لام الجر واللام التي بعدها.

وقال المبرد : لام الجر هذه اللام المبقاة ، لأنها دخلت لمعنى فلا تحذف وفتحت لأنها مفتوحة في الأصل.

والصواب قول سيبويه ، لأن حروف الجر قد حذفت في مواضع كثيرة.

وجملة القول : أن قول سيبويه أولى لأنه إذا حذف من الكلمة ما قاله ، فالباقي منها هو اللفظ الموجود من غير تغير.

وعلى قول المبرد تبقى اللام المكسورة وتغير ، وليس على التغيير دليل يجب التسليم له.

قال سيبويه : وتقول ما فيهم يفضلك أي : ما فيهم أحد يفضلك.

ونظيره قول الراجز :

* لو قلت ما في قومها لم تيثم

يفضلها في حسب وميسم (١)

والتقدير : لو قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تيثم.

واعلم أن الأغلب في" كلهم" أن يجري مجرى أجمعين لأنها تعم كعموم أجمعين. وقد

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٧٥ ، شرح النحاس ٢٥٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٥٨ ، شرح الرماني (٤٣٣ ، ٤٣٧) ، الخصائص ٢ / ٣٧٠ ، شرح المفصل ٣ / ٥٩ ، الهمع ٢ / ١٢٠ ، حاشية الصبان ٣ / ٧٠ ، الخزانة ٥ / ٦٢ ، المقاصد النحوية ٤ / ٧١.

٢٥٢

اتسع في لفظها فأضيفت إلى المكنى والظاهر والمعرفة والنكرة ، كقول القائل : كل القوم وكل رجل ، وجعل نعتا لأنه على معنى العموم والمبالغة ، كقولك : رأيت الرجل كل الرجل ، فاستحسنوا الابتداء به لهذا التصرف والإضافة ، لأن أول الكلام الابتداء ، ثم تدخل عليه العوامل ، ولأن الابتداء بكلهم ـ بعد كلام ـ يجري مجرى التوكيد ، كقولك : إن قومك كلهم ذاهب ويجوز أن تدخل عليها العوامل كلها ، وإن كان فيها بعض الضعف من حيث دخل عليها الابتداء.

هذا باب ما ينتصب ، لأنه قبيح أن يكون صفة

وذلك قولك : هذا راقود خلا وعليه نحي سمنا.

اعلم أن الراقود والنحي ، مقدار ينتصب ما بعدهما إذا نونتهما كما ينتصب ما بعد أحد عشر وعشرين ، وإن أضفتهما فبمنزلة المائة والألف.

ولم يذكر سيبويه نصب ما بعدهما من أي وجه هو ، إلا أن القياس يوجب ما ذكرته لك. وجعل سيبويه هذه جبتك خزّا حالا لأن الجبة ليست بمقدار يقدر به الخز فيجري مجرى راقود ونحي.

وقال المبرد : خطأ أن يكون حالا ، إنما هو تمييز ، لأنه جوهر وقد تقدم القول في هذا.

هذا باب ما ينتصب لأنه ليس من اسم ما قبله ولا هو هو

وذلك قولك : هو ابن عمي دنيا وهو جاري بيت بيت.

قال سيبويه : ليس باسم ما قبله ، أي : ليس محمولا على إعرابه ، لأنه نكرة بعد معرفة ، فلا يكون نعتا له.

وقوله : ولا هو هو أي ليس الآخر هو الأول ، لأن الثاني مصدر أو معنى مصدر ، والأول اسم ليس بمصدر.

واعلم أن دنيا : مصدر في الأصل. ولا يخبر عنه ولا يكون خبرا وأصله دنوا ، لأنه من دنا يدنو ، فقلبوا الواو ياء لأن بينهما وبين الكسرة نونا وهي خفية ، وهو في معنى دانيا.

وقوله : هو جاري بيت بيت : معناه : هو جاري ملاصقا. وبيت بيت : جعلا اسما واحدا ووضعا موضع مصدر في موضع الحال.

قال : وهذا شيء ينتصب على أنه ليس من اسم الأول ولا هو هو وذلك قولك : هو عربي محضا ، وهذا عربي قلبا.

فمحضا وقلبا ، ليسا بالعربي ، لأنهما مصدران ولا جريا على عربي في نعته وإعرابه فصار بمنزلة دنيا وما أشبهه.

ثم قال : والرفع فيه وجه الكلام وإنما صار الرفع الوجه لأنه كثر في كلامهم أن يجروا

٢٥٣

محضا وقلبا مجرى عدل ، وأنت تقول : هذا رجل عدل بمعنى عادل ، وكذلك محض في معنى ماحض ؛ لأنه يقال : محض يمحض وأمحضته أنا ، ومعناه خالص ، ولم يستعمل الفعل من قلب كاستعماله من محض.

قال المبرد : معناه قد تقلب في العرب : أي دار في أنسابها.

وقال غيره : يجوز أن يكون أخذ من قلب كأنه فتش ونقي من العيب وأما (عربي قح) فلم يستعمل إلا صفة ، لأنه اسم ليس بمصدر وليس له فعل يتصرف.

هذا باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يوصف

بها بعده أو يبنى على ما قبله

وذلك قولك : هذا قائما رجل وهو قائما رجل وفيها قائما رجل.

قال ذو الرمة :

* وتحت العوالي في القنا مستظلة

ظباء أعارتها العيون الجآذر (١)

فنصب مستظلة على الحال من الظباء ، وكان وجه الكلام :

ظباء مستظلة على النعت. والنصب على الحال جائز ، فلما تقدم صارت الحال لازمة ، لأنها قد تقدم على صاحبها ، ولا يقدم النعت على المنعوت يصف السبي تحت العوالي ، وهي صدور الرماح ، والقنا : الرماح ، أي : أنهم إذا حاربوا سبوا ، وشبه السبي بالظباء لطول الأعناق ، وجعل عيونهن ، كعيون الجآذر ، وهي أولاد البقر.

وأنشد أيضا :

* وبالجسم مني بينا لو علمته

شحوب وإن تستشهدي العين تشهد (٢)

فنصب بينا على الحال من شحوب ، والشحوب : التغير.

وأنشد أيضا :

* لمية موحشا طلل

يلوح كأنه خلل (٣)

فنصب موحشا على الحال من طلل ، ومعنى يلوح : يتبين ويظهر ووقع في النسخ وهو قائما رجل ، وهو سهو لم يتفقد ، ونصبه إن صح من متناول بعيد ، كأن قائلا قال : على أي

__________________

(١) ديوانه ٢٥٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٧٦ ، شرح النحاس ١٩٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٦٦ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٠٢ ، شرح عيون الكتاب ٥٥ ، شرح المفصل ٢ / ٦٤.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٧٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٦٧ ، حاشية الصبان ٢ / ٧٥ ، المقاصد النحوية ٣ / ١٤٧.

(٣) ديوان كثير ٥٠٦ ، الكتاب ١ / ٢٧٦ ، مجالس العلماء ١٣١ ، ١٣٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٦٧ ، الخصائص ٢ / ٤٩٢ ، شرح المفصل ٢ / ٦٢ ، حاشية الصبان ٢ / ١٧٤.

٢٥٤

حال زيد رجل؟ يريد من الرجلة والشجاعة ، فقال المجيب ، هو قائما رجل ، أي : إذا كان قائما كما تقول : هذا بسرا أطيب منه تمرا.

هذا باب ما يثنى فيه المستقر توكيدا

وليست تثنيته بالتي تمنع الرفع حاله قبل التثنية

وذلك قولك : فيها زيد قائما وقائم إن شئت.

جعل سيبويه تثنية الظروف وتكريرها بمنزلة ما لم يقع فيه تكرير في حكم اللفظ ، وجعل التكرير توكيدا للأول لا يغير شيئا من حكمه.

وقال الكوفيون : ما كان من الظروف تاما فإنك إذا كررته وجب النصب في الخبر ، وإن لم تكرره فأنت بالخيار في الرفع والنصب ، واحتجوا بقوله عز وجل : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [هود : ١٠٨] وما كان مثله في القرآن ، وذكروا أنه لم يجئ شيء من نحو هذا مرفوعا ، وما ليس فيه تكرير قد جاء بالرفع والنصب.

وحجة سيبويه أن هذه التثنية والتكرير قد أتيا في القرآن وسائر الكلام ، كقوله عز وجل : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) [الأعراف : ٤٥] فأفرد. وفي هود (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ*) [هود ١٩ : يوسف ٣٧ : فصلت : ٧] ، وهم الثانية تثنية وتوكيد.

وإذا جاز : فيك زيد راغب فيك ، ودخول فيك الثانية وخروجها سواء في إعراب ما قبلها ، فمثله قولك : في الدار زيد قائم فيها.

وأما قولهم : إنه ما جاء في القرآن الرفع في ما كرر فيه المستقر ، فليس كل جائز جيد فصيح جاء في القرآن ، ألا ترى أنه لم يجئ في القرآن : ما زيد قائم ، ولا خلاف في أنه جيد فصيح.

هذا باب الابتداء

قد تقدم ذكر الابتداء ما هو ، وللمبتدأ والخبر وما يرتفع به كل واحد منهما وأنا أعيده هنا.

اعلم أن الابتداء : هو تعرية الاسم من العوامل اللفظية لتخبر عنه. وهذه التعرية عاملة فيه لأن العوامل في الإعراب بمنزلة العلامات الدالة على ما يجب من الإعراب ، والتعرية قد تكون عاملة في بعض الأماكن كثوبين أبيضين متشابهين إذا أعلم أحدهما بعلامة وعري الآخر كانت تعريته من العلامة علامة له.

فأما الابتداء والمبتدأ فمن البصريين من يقول : إن الابتداء يرفع الاسم والخبر جميعا.

وقال المبرد : الابتداء يرفع المبتدأ والابتداء والمبتدأ يرفعان الخبر.

ولسيبويه فيها عبارات مختلفة يوهم بعضها أن الخبر يرفعه المبتدأ. وذلك قوله : لأن

٢٥٥

المبني عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء.

يعني : يرتفع بالمبتدأ ويوهم بعضها أن الابتداء يرفع المبتدأ والخبر لقوله : وارتفع المنطلق وهو يعني خبر المبتدأ لأن المبني على المبتدأ بمنزلته.

فإن قال قائل : إن التعرية الموجبة للرفع قد وقعت على المبتدأ والخبر فعملت فيهما.

فهو مصيب ، لأن البصريين لا خلاف بينهم أن خبر المبتدأ قد يتقدم عليه فيرتفع.

فلو كان الابتداء مع المبتدأ عاملا في الخبر لم يتقدم عليه لأن العامل الضعيف لا يعمل في ما قبله ، ويقوي هذا قول سيبويه لأن المبني على المبتدأ بمنزلته.

وقد نسب المبرد سيبويه إلى الغلط في قسمته خبر المبتدأ في هذا الباب على شيء هو هو أو يكون في زمان أو مكان.

ولم يأت بالجمل التي تكون أخبارا كنحو : زيد ضربته ، وزيد أبوه قائم. وكان سيبويه جعل ما فيه ذكره مما يتبين في التثنية والجمع من خبر ما هو هو ، فاقتصر على ذلك لأنه مفهوم لا يشكل.

هذا باب ما يقع موقع الاسم المبتدأ

ويسد مسده لأنه مستقر لما بعده

وذلك قولك : فيها عبد الله .. وأين زيد وكيف عمر؟

جملة هذا الباب : أن المبتدأ الذي خبره ظرف من مكان وزمان ، إذا تقدم الظرف ، فرفع الاسم على ما كان عليه مقدما كقوله :

فيها زيد ، لأنك تقول : إن فيها زيدا ، كما تقول : إن زيدا فيها ، وإذا قلت : أين زيد؟ وكيف زيد؟ فلا يكونان اسمين وإن تقدما ـ ألا ترى أنك لو قلت : أين يعجبني؟ وكيف يسرني؟ لم يجز كجواز من يعجبني؟ وما يسرني؟ لأن من وما اسمان يخبر عنهما ، وليس كذلك أين لك أين وكيف؟ فأراد سيبويه : أن تقديم أين وكيف لم يجعلهما اسمين. وكذلك تقديم فيها وشبهه ، ثم بين أن أين ؛ و" كيف" يلزمهما التقديم من أجل الاستفهام.

هذا باب من الابتداء يضمر فيه ما يبنى على المبتدأ

وذلك قولك : لو لا عبد الله لكان كذا وكذا.

اعلم أن لو لا وجوابها جملتان : إحداهما : جواب للأخرى ، والجملة الأولى مبتدأ وخبر ، والأخرى : فعل وفاعل ، فربطت لو لا إحداهما بالأخرى واحتاجت إلى اللام في الجواب كاحتياج" لو" إلى اللام في جوابها. مثال الجملتين بالأخرى أن تقول : زيد بالحضرة خرج عمرو ، أو زيد أمين بهت عمرو ، فلا تتعلق إحدى الجملتين بالأخرى ، فإذا أدخلت : لو لا علقت إحداهما بالأخرى فصارت الأولى شرطا والأخرى جوابا ، فقلت : لو لا زيد لبهت

٢٥٦

عمرو ولو لا زيد لخرج عمرو ، وحذف الخبر حين كثر استعمالهم له وفهم المعنى ، ومعناها أن الثاني يمتنع لوجود الأول ، وربما جاء بعد" لولا" مكان الابتداء والخبر ، الفعل والفاعل لاستوائهما في المعنى ، فتقول : لو لا قام زيد لجلست معك ، والمعنى لو لا قيام زيد لجلست معك ، وهذا إنما يكون في شعر وإنما ذكرته ، لأن الكوفيين يزعمون أن" لو لا" ترفع الاسم الذي بعدهما لانعقاد الفائدة به مع لو لا.

فلو كان هذا المذهب صحيحا لما وقع بعدها الفعل ، لأن الحرف لا يعمل في نوع حتى ينفرد به.

وشبه سيبويه ما حذف من خبر المبتدأ بعد لو لا بأشياء من المحذوفات كقولهم : " إما لا" والمعنى إن كنت لا تفعل غير هذا ، فافعل هذا ، أي : افعل هذا إن كنت تفعل جميع ما يلزمك. وقد تقدم شرحه في ما مضى.

ومما ذكره قولهم : " ما أغفله شيئا ، أي دع الشك عنك".

لم يفسر هذا الحرف أحد ممن مضى إلى أن مات المبرد ، وفسره أبو إسحاق الزجاج بعد ذلك ، فقال : معناه على الكلام قد تقدم ، كأن قائلا قال : زيد ليس بغافل عني ، فقال النجيب : بل ما أغفله عنك ، انظر شيئا ، أي : تفقد أمرك. فاحتج به على حذف انظر الناصب شيئا ، كأنك لما قلت له : ما أغفله ، أردت أن تبعثه أنت على أن يعرف صحة كلامك ، فقلت له : أنظر شيئا ، فإنك تعرف ما أقوله كما تقول : أنظر قليلا ، أي : تفقد واستثبت.

هذا باب يكون المبتدأ فيه مضمرا ويكون المبني عليه مظهرا

وذلك إنك رأيت صورة شخص ، فصار آية لك على معرفته ، فقلت : عبد الله وربي ، كأنك قلت : ذاك عبد الله أو هذا عبد الله.

هذا الباب كله مفهوم ، فلا يحتاج فيه إلى تفسير.

هذا باب الحروف الخمسة التي تعمل في ما بعدها

كعمل الفعل في ما بعده

وهي من الفعل بمنزلة عشرين من الأسماء التي بمنزلة الفعل.

شبه سيبويه هذه الحروف في نصب ما بعدها بالأفعال في نصب مفعولاتها وجعل منزلتها من الفعل (في الشبه كمنزلة عشرين) وشبه هذه الحروف بالأفعال من وجهين : أحدهما : من جهة اللفظ.

والآخر : من وجهة المعنى فشبهها من جهة اللفظ : أن أواخرها مفتوحة كأواخر الفعل الماضي ، وشبهها من جهة المعنى : أنها تطلب الأسماء ولا تقع إلا عليها.

والعامل في خبر" إن وأخواتها عند سيبويه وغيره من البصريين إن وأخواتها وأهل

٢٥٧

الكوفة يقولون : إن الخبر مرفوع بما كان يرتفع به قبل دخول" إن" لأن" إن" دخلت وعملها ضعيف فعملت في الاسم ولم تجاوزه ، وبقي الخبر مرفوعا على حاله قبل دخول" إن".

وهذا غلط منهم ومناقضة ، فأما الغلط : فلأن خبر المبتدأ كان يرتفع بالتعري من العوامل اللفظية ، وقد دخلت" إن" فزال ذلك التعري ، وأما المناقضة : فإنهم يقولون : زيد قائم ، كل واحد منهما يرافع الآخر ، وإذا دخلت" إن" بطلت المرافعة ، فكيف يبقى الخبر على حاله؟

وأنشد سيبويه في تقديم الظرف على المنصوب بإن :

* فلا تلحني فيها فإن بحبها

أخاك مصاب القلب جم بلابله (١)

فرفع مصابا على الخبر. ولا يجوز نصبه ، لأن المجرور لا يتم به الكلام. والجم : الكثير ، والبلابل : الأحزان.

وأنشد في دخول اللام على الظرف المقدم قبل الخبر لأبي زبيد.

* إنّ امرأ خصني عمدا مودته

على التنائي لعندي غير مكفور (٢)

فغير مكفور : هو الخبر ، وعندي من تمامه مقدم عليه.

وأنشد في تخفيف" كأن" ، وحذف اسمها في الشعر لابن صريم اليشكري

* ويوم توافينا بوجه مقسم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم (٣)

أي : كأنها ظبية ، ويروى : كأن ظبية على إعمال" كأن" المخففة عمل المثقلة ، وحذف الخبر ، كأنه قال : كأن ظبية هذه المرأة ـ ويروى كأن ظبية : بجعل أن توكيدا زائدة ، وبخفض بالكاف.

قال أبو عبيدة : القسمات : مجاري الدموع من الخدين ومعنى مقسم : حسن القسمات ، وتعطو : تتناول ، والوارق : ذو الورق. والسّلم : شجر.

وأنشد للآخر :

* ووجه مشرق النحر

كأن ثدياه حقّان (٤)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٠ ، إعراب القرآن ٢ / ٦٣٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٨٨ ، المقتصد ١ / ٤٥٣ ، مغني اللبيب ٢ / ٩٠٩ ، طرر ابن عقيل ١ / ١٣٧ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٩ ، همع الهوامع ١ / ١٣٥ ، حاشية الصبان ١ / ٢٧٢ ، الخزانة ٨ / ٤٥٢ ، المقاصد النحوية ٢ / ٣٠٩.

(٢) ديوان ٧٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨١ ، شرح النحاس ١٩٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٨٨ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٣٤٢ ، المقتصد ١ / ٤٥٥ ، الإنصاف ١ / ٤٠٤ ، شرح المفصل ٨ / ٦٥ ، مغني اللبيب ٢ / ٨٨٥ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٩٥٣ ، همع الهوامع (١ / ١١٦ ، ٥ / ٥٩).

(٣) الأصمعيات ١٥٧. الكتاب وشرح الأعلم ١ / ١٨١ ، الكامل ١ / ٨٢ ، إعراب القرآن ١ / ٣١٨ ، شرح النحاس ٦٠ ، ١٩٦ أمالي القالي ٢ / ٢١٠ ، شرح السيرافي ١ / ٥٢٥.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨١ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٩٠ ، المنصف ٣ / ١٢٨ شرح عيون الكتاب ـ ـ

٢٥٨

ورواية الأخفش : كأن ثدييه ، يعملها عمل المشددة والمعنى : كأن ثديي صاحب الوجه ، أو صاحب النحر. والنحر : الصدر.

وأنشد للفرزدق :

* فلو كنت صبيّا عرفت قرابتي

ولكن زنجي عظيم المشافر (١)

قال : " والنصب أكثر في كلام العرب"

فمن نصب ، حذف الخبر ، والمعنى ، ولكن زنجيّا لا يعرف قرابتي.

ومن رفع حذف الاسم ، ويكون تقديره ولكنك زنجي ، وإنما صار النصب أكثر وأولى لأن إظهار ما هو الأصل المبني عليه أولى إذا حذفت المحذوف ، ومثله في الحذف قوله :

* فما كنت ضفّاطا ولكن طالبا

أناخ قليلا فوق ظهر سبيل (٢)

أي : ولكن طالبا منيخا" أنا" فحذف الخبر وهو" أنا" ، ولو رفع" طالبا" على قوله : " ولكن زنجي" ، لجاز ، والضفاط : الذي تقضي حاجته من خوفه ، ويقال أيضا : الضفاط الذي يكري الحمير من قرية إلى قرية ، ويقال للحمير ضافطة ، والضافط أيضا : الذي يحمل طعامه إلى مكان فيبيعه.

قال : وأما قول الأعشى :

* في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كل من يحفى وينتعل

فإن هذا على إضمار الهاء ، ولم يحذفوا لأن يكون الحذف يدخله في حروف الابتداء بمنزلة إن ولكن ، ولكنهم حذفوا كما حذفوا الإضمار وجعلوا الحذف علما لحذف الإضمار في إن ، كما فعلوا ذلك في كأن"

اعلم أن" أن" المفتوحة المشددة إذا خففت ووليها ما يقوم بنفسه من مبتدأ وخبر ، وفعل وفاعل فإن اسمها محذوف.

" وجعلوا حذفها علما لحذف الإضمار كما فعلوا ذلك في كأن"

__________________

ـ ١٤٧ ، الإنصاف ١ / ١٩٧ ، الجنى الداني ٥٧٥ ، شرح المفصل ٨ / ٨٢ شرح ابن عقيل ١ / ٣٤٦ ، الهمع ١ / ١٤٣ ، حاشية الصبان ١ / ٢٩٣ ، الخزانة ١٠ / ٣٩٨ ، المقاصد النحوية ٢ / ٣٠٥.

(١) ديوان الفرزدق ٢ / ٤٨٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٢ ، مجالس ثعلب ١ / ١٠٥ ، شرح النحاس ١٩٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٩١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٩٨ ، المنصف ٣ / ١٢٩ ، شرح عيون الكتاب ١٤٧ ، الإنصاف ١ / ١٨٢ ، الجني الداني ٥٩٠ ، شرح المفصل ٨ / ٨١ ، مغني اللبيب ١ / ٣٨٤ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٠١ ، الهمع ١ / ١٣٦ ، الخزانة ١٠ / ٤٤٤ اللسان (شفر) ٤ / ٤١٩.

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٩١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٩٨ ، فرحة الأديب ١٣٠ ، ١٣٢.

٢٥٩

وليست بمنزلة إن المكسورة ولكن المشددة ، لأن إن المكسورة و" لكن" المشددة يدخلان على المبتدأ ولا يغيران معناه ، فإذا خففتا كان الاسم بعدهما مبتدأ ولم يحتج إلى تقدير اسم لهما محذوف. وليست" أن" المفتوحة كذلك لأنها في صلة شيء قبلها ولا يبتدأ بها ، وليس الاسم بعدها في موضع مبتدأ فتسقط هي في التقدير ، ألا ترى أن قوله عز وجل : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] لو أسقطت" أن" لم يصلح : علم سيكون منكم مرضى ، وكذلك قوله : في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل.

لو أسقطت" أن" لم ترفع" كل" ، و" كأن" كذلك لم تتضمنه من معنى التشبيه والكاف داخلة على" أن" وليس كذلك" إن" المكسورة و" لكن" ، لأنها لا يقع عليها شيء قبلها ، وهذه الحروف إذا دخلت عليها" ما" كفتها عن العمل.

وأنشد لابن كراع :

* تحلل وعالج ذات نفسك وانظرن

أبا جعل لعلما أنت حالم (١)

فرفع ما بعد لعل لدخول ما.

هذا باب ما يحسن عليه السكوت في هذه الأحرف الخمسة

لإضمارك ما يكون مستقرّا

وذلك قولك : إن مالا وإن ولدا ... أي : إن لهم مالا وإن لهم ولدا

وقال الأعشى :

* إن محلّا وإن مرتحلا

وإن في السفر ما مضى مثلا (٢)

معناه إن لنا محلّا ، يعني في الدنيا ما عشنا وإن لنا مرتحلا إلى الآخرة إذا فنينا ، والسفر :

المسافرون ، يعني به من مات.

وقوله : مثلا أي : من مات وفنى فهو مثال لمن عاش وبقى يفنى كما يفنى ويروى : إذ مضى مهلا أي : مهلة لمن بقى بعدهم أي يستعد ويصلح من شأنه. وقيل : معنى مهلا ذهابا لا يرجعون ـ وقيل : معنى في السفر مهلا أي من قدم لآخرته فاز وظفر. والمهل : السبق.

وأنشد في مثل هذا :

* يا ليت أيام الصبا رواجعا

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٣ ، شرح النحاس ١٩٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٩٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٧٠ ، فرحة الأديب ١٢٤ ، شرح المفصل (٥٤٨ ، ٥٨ ، ١٣١).

(٢) ديوان الأعشى ١٥٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٤ (مهات) ، المقتضب ٤ / ١٣٠ ، شرح النحاس ٢٠٠ ، المسائل البغداديات ٤٣٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٩٧ الخصائص ٢ / ٢٧٣ ، ودلائل الإعجاز ٣٢١ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦١٢ ، الهمع ١ / ١٣٦ ، الخزانة ١٠ / ٤٥٢.

٢٦٠