النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

وفي" بعته داري" من الدار ، وفي" بعته البر" من البر ، وفي" أخذت زكاة ماله" من التاء.

فيكون التقدير : فارضا هذا الفرض ، ومن" الزكاة" فتكون : مفروضة هذا الفرض.

وعلى هذا يجري ما أشبهه.

قال : " وزعم الخليل أنه يجوز بعت الشاء شاة ودرهم ، والمعنى شاة بدرهم".

ورفعه على الابتداء والخبر ، والجملة في موضع الحال ، والتقدير شاة منه ودرهم مقرونان ، وجاز حذف الخبر لأن الواو التي بمعنى مع : تدل على الاقتران كما يقال : " كل رجل وضيعته" بمعنى : مع ضيعته ، والتقدير : كل رجل وضيعته مقرونان.

باب ما ينتصب فيه الاسم لأنه حال يقع فيه السعر

وذلك قولك : لك الشاء شاة بدرهم شاة بدرهم"

هذا يجوز فيه الرفع والنصب :

ـ فوجه النصب : أن تجعل" لك" خبرا يكتفي بها الكلام وتنصب" شاة" على الحال.

ـ ووجه الرفع : أن تلغى" لك" وترفع ما بعدها بالابتداء والخبر ، وقياس هذا على قولك : في الدار زيد قائم وقائما.

باب يختار فيه الرفع والنصب لقبحه أن يكون صفة

وذلك قولك : مررت ببر قبل قفيز بدرهم ، وسمعنا بعض العرب ينصبونه

أجاز سيبويه نصب هذا على الحال جوازا حسنا ، وقبح أن يكون صفة وإنما حسن أن يكون حالا ، ولم يحسن أن يكون صفة لأنهم قد يجعلون الجواهر أحوالا كقولك : " هذا مالك درهما" و" هذا خاتمك حديدا" لأن الحال مفعولة ، والمفعول يكون جوهرا وغير جوهر والصفة لا تكون جوهرا ، لا تقول : " مررت بخاتم حديد" ولا" مررت بمال درهم" إلا على بعد من الكلام وحمل على معنى".

هذا باب ما ينتصب من الصفات كانتصاب الأسماء في الباب الأول

وذلك قولك : أبيعكه الساعة ناجزا بناجز.

معنى ناجزا : بيعا ماضيا ، كأنه قال : أبيعكه بيعا مبتولا لا خيار فيه ولا مرجوع.

والناجز : صفة لأنه من نجز ينجز وكذلك : " سادوك كابرا عن كابر" لأن معناه : من كبر يكبر ، كأنه قال : سادوك كبيرا بعد كبير ، والمعنى أن آباءه لم يزالوا يسودوا آباءك واحدا بعد واحد. ونصبه كنصب : " بعته رأسا برأس" إلا أن هذا ليس بصفة ، وهو كقولك : " بعته يدا بيد" في أنهما اسمان جعلا في موضع الحال.

هذا باب ما ينتصب فيه الصفة لأنه حال وقع فيه الأمر وفيه الألف واللّام

وذلك قولك : ادخلوا الأول فالأول.

٢٠١

اعلم أن حق الصفة أن تكون تحلية في الموصوف في حال الإخبار عنه

كقولك : القائم والقاعد والأحمق العاقل ، فهذه أشياء حاصلة في المحلّى بها.

فإذا قلت : ليدخل العاقل ، فقد عرف العاقل في الوقت الأمر ، فإذا قلت ليدخل الأول.

لم يجز إلا أن يكون واحدا قد استحق هذا الاسم ، وهذا هو القياس.

وقد يتسعون في مثل هذا فيأمرون بالفعل الذي يستحق فاعله صفة ما ، فيوقعون عليه تلك الصفة من قبل وقوعها منه على معنى ما يكون ، فيقولون : فيدخل الأول ، ومعناه : ليدخل رجل من القوم إذا صار الأول ، فهذا الغرض فيه قد سموه قبل استحقاقه على هذا المعنى ، ومن أجل هذا جاز أن تجعل الأول فالأول حالا ، لأنه ليس بصفة قد استقرت فيكون بمنزلة العاقل ، وإنما يصير أولا في ترتيب الفعل إذا سبق فأشبه النكرات.

وقال المبرد : إنما أدخلوا الألف واللام ، إذا قلت : ادخلوا الأول فالأول ، كأن القائل قال : أعرفكم إذا دخلتم. ولو قال : ادخلوا أولا فأولا لكان منكورا لا يعرف ترتيبهم إذا دخلوا على ذلك.

وقال سيبويه : " وإذا قلت : ادخلوا الأول والآخر والصغير والكبير رفعت على التوكيد كقولك : ادخلوا كلكم ، ولم يجز العطف في مثل هذا بالفاء لأنها للتفرقة والواو للجمع.

وأنشد لأمية بن أبي عائذ :

* ويأوي إلى نسوة عطّل

وشعث مراضيع مثل السّعالى (١)

فعطف شعثا على عطل بالواو ، وهما نعتان للنسوة ولو قال : عطل فشعث لم يحسن.

هذا باب ما ينتصب من الأسماء والصفات لأنها أحوال تقع فيها الأمور

وذلك قولك : هذا بسرا أطيب منه تمرا

اعلم أن هذا الباب يأتي لتفضيل شيء في زمن من أزمانه على نفسه في سائر الأزمان.

ويجوز أن يكون زمان تفضيله ماضيا ، ويجوز أن يكون مستقبلا ، ولا بد من إضمار ما يدل على المضي منه والاستقبال ، فإن كان زمانا ماضيا ، أضمرت" إذ" وإن كان مستقبلا أضمرت" إذا".

فإذا قلت : " هذا بسرا أطيب منه تمرا" وكانت الإشارة إليه في حال ما هو تمر ، فالتفضيل وقع له فيما مضى ، فتقدره" بإذ".

وإن كانت الإشارة إليه قبل أن يكون بسرا ، قدرته بإذا ، ونصبت تمرا وبسرا في الوجهين على الحال ، والعامل في الحال" كان".

__________________

(١) ديوان الهذليين ٢ / ١٨٤ ، الكتاب وشرح الأعلم (١ / ١٩٩ ، ٢٥٠) ، معاني القرآن (١ / ١٠٨ ، ٣ / ٢١٢).

٢٠٢

قال : " البرّ أرخص ما يكون قفيزان ، أي : البرّ أرخص أحواله التي يكون عليها قفيزان ... ومن ذلك هذا البيت تنشده العرب على أوجه ... وهو لعمرو بن معدي كرب :

* الحرب أوّل ما تكون فتيّة

تسعى ببزّتها بكلّ جهول (١)

فقوله : " البر" مبتدأ و" أرخص ما يكون" مبتدأ ثان ، " وقفيزان" خبره والجملة خبر الأول ، والعائد إليه محذوف كأنه قال : أرخص ما يكون البر منه ومعناه أرخصه.

والحذف في هذه الأشعار مطرد ، وقد أنشد سيبويه البيت على ثلاثة أوجه فرفع الأول وفتية ، ورفع الأول ونصب فتية ، ونصب فتية ، ونصب الأول ورفع فتية.

ـ فأما من رفع الأول وفتية وأنت" تكون" ، فإنه جعل" الحرب" مبتدأ و" الأول" مبتدأ ثانيا. و" فتية" خبر الأول. وكان حقه أن يقول : فتيّ لأنه خبر أول ، وأول مذكر ، ولكنه حمله على المعنى فأنّث. لأن معناه : أول أحوالها ،. فهو كقولك : بعض أحوالها ، وأنث المضاف لتأنيث المضاف إليه كقولك : " ذهبت بعض أصابعه".

ـ والذي نصب أول ورفع فتية ، جعل فتية خبر الحرب ، ونصب أول على الظرف ، كأنه قال : الحرب فتية في أول ما تكون.

ـ ومن رفع أول ونصب فتية ، فإن" أول" يكون بدلا من الحرب ، وتكون فتية منصوبة على الحال ، كأنه قال : الحرب أول ما تكون إذا كانت فتية.

واعلم أن العامل في" إذا"" وإذ" المقدرتين في هذا الباب : أطيب ونحوه.

وإنما جاز أن يعمل فيهما وهو لا ينصرف ، وما لا ينصرف لا يعمل في ما قبله من الحال والمصدر لأن العامل في الظرف قد يكون متأخرا ضعيفا يعمل في معناه.

ألا ترى أنك تقول : زيد الساعة في الدار ، ولا تقول : زيد قائما في الدار.

وتقول : زيد الساعة أخوك ، تريد من الصداقة ، ولا تقول : زيد قائما أخوك.

وتقول : زيد أخوك أخوة على التوكيد ، ولا تقول : زيد أخوة مؤكدة.

أخوك. فهذا فرق بين الظرف والحال والمصدر.

قال : " وتقول : آتيك يوم الجمعة ... أبطؤه"

فرفع" أبطؤه" على معنى : ذلك أبطؤه.

وتقول : آتيك يوم الجمعة أو يوم السبت أبطؤه على ذلك التفسير. وإن شاء قال : أو يوم السبت أبطؤه على الابتداء والخبر.

وكذلك أعطيته درهما أو درهمين أكثر ما أعطيت ، فتنصب أكثر على أنه مفعول به بدل

__________________

(١) ديوان عمرو ١٥٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٠٠ ، المقتضب ٣ / ٢٥١.

٢٠٣

من الدرهمين. وإن شئت نصبته على الحال ، كأنه قال : أو درهمين في حال كثرة ، لأنه أكثر مما دونه ، ففيه تأويل كثير.

ويجوز أن تقول : أو درهمان أكثر ما أعطيته على الابتداء والخبر.

وإنما جاز نصب" أكثر" على الحال وهو مضاف إلى" ما" لأن" ما" قد يجوز أن تكون نكرة فلا يتعرف" أكثر" بالإضافة إليها.

كما قال :

ربما تكره النّفوس من الأم

ر له فرجة كحل العقال (١)

فأدخل عليها رب.

هذا باب ما ينتصب من الأماكن والوقت

وذلك أنها ظروف توقع فيها الأشياء ... وعمل فيها ما قبلها وما بعدها

ـ اعلم أن ظاهر كلام سيبويه أن ما قبل الظرف عاملا فيه ، فكأن قولك : " هو خلفك" الناصب لخلفك" هو" وكذلك زيد خلفك.

ـ وإنما أراد سيبويه ـ فيما ينتظم على مذهبه ـ أن الذي هو الدال على المحذوف ، فناب عنه ، فجعل ما ناب عنه كالنصب للظرف.

ـ وإنما مثل سيبويه الظرف بقولك : أنت الرجل علما ، وعشرون درهما ، لأن الرجل إنما ينصب علما إذا قدرناه تقدير الكامل ، أو ما جرى مجراه مما هو في معنى فعل.

ـ " وعشرون درهما" إنما يقدر نصبه على مذهب ضاربين زيدا أو نحو هذا من التقدير.

وكذلك : زيد خلفك ، على معنى : استقر. فكان اشتراكها في نصب ما بعدها كاشتراكها كلها في تقدير ناصب لما بعدها.

قال : " وتقول : هو قصدك كما قال الشاعر :

سرى بعد ما غار الثّريّا وبعد ما

كأن الثريا حلّة الغور منخل (٢)

أي : قصده ، وأصله من حلّ يحلّ : إذا نزل واستقر وشبه الثريا ـ حين اجتمعت واستدارت للغور ـ بالمنخل.

وأنشد أيضا للأعشى :

__________________

(١) ديوان أمية ٥٠ ديوان عبيد بن الأبرص ١١٢. الكتاب وشرح الأعلم (١ / ٢٧٠ ، ٣٦٢) المقتضب ١ / ٤٢ ، مجالس العلماء ١٢٦ ، شرح النحاس ١٩٦ ، شرح السيرافي ٢ / ٣ ، شرح المفصل (٤ / ٢ ، ٨ / ٣٠).

(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٠١ ، الكتاب ١ / ٤٠٥.

٢٠٤

نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية

جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل (١)

فنصب جنب على الظرف وفطيمة : اسم موضع ومعنى ضاحية بارزة ظاهرة. والأميل : الذي لا يثبت في الحرب. والأعزل : الذي لا رمح له.

وقال أبو عبيدة : هو الذي لا سلاح معه.

واعلم أن المصادر بمنزلة أسماء الأماكن المأخوذة من الفعل كقولك : هو قصدك ، ومشيت قصدك ، فتجري مجرى المذهب والمجلس.

وكذلك" حلّة الغور" بمنزلة" قصده" ، وهو مأخوذ من حل يحل ، ومنزلته بمنزلة المحل.

والمحل بمنزلة المذهب ، ألا ترى أنك تقول : قمت محل فلان ، وحللت محله.

قال : " سمعنا من العرب من يقول : دارك ذات اليمين ، قال الشاعر :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها (٢)

يعني أن ما جرى ذكره من الظروف قد يجوز أن يكون اسما بخبر عنها.

ومعنى البيت أنه يصف بقرة وحشية وضميرها في" غدت" ، أي : غدت هذه الوحشية تحسب أن كلا طريقيها فيه ما يريبها وتخاف منه. والطريقان : هما خلف وأمام. وكلا الفرجين : موضعه رفع بالابتداء ، وتحسب : خبره ، ومولى المخافة خبر" إن" ومعناه : صاحب المخافة. وخلفها وأمامها : بدل من كلا ، والفرج والثغر : موضع المخافة. وأراد بالفرجين هنا : طريقيها من خلفها وأمامها.

وذكر سيبويه في هذا الباب أن سواء لا تكون إلا ظرفا ، إلا أن يضطر شاعر فيجره لأنه بمعنى غير.

وإنما خص سواء الممدود دون المقصور ، لأن الإعراب يتبين فيه ، وهما سواء في الظروف ، وغيروهما بمنزلة غير ، وفيهما زيادة على غير ، فإذا قلت : زيد سواك أو سواءك ، أو مررت برجل سواك ، فمعناه أنه غيرك ويغني غناك ، ويكون بدلك ، وحقهما أن يستعملا ظرفين ، فمعناهما يتغير عن معناهما اسمين ، لأن سواء في معنى مستو ، وسواء الشيء : وسطه ، وهي في الظروف بمعنى غير ، وغير ليس بظرف وإنما جعل بمنزلة غير على الوجه الذي ذكرته من البدل والغناء على أنه ظرف ، فإذا خرج عن ذلك لم يستعمل اسما إلا في ضرورة على تأويل غير.

__________________

(١) ديوان الأعشى ٤٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٠٢ ، شرح النحاس ١٦٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ١٤٩ ، فرحة الأديب ٤١.

(٢) شرح المعلقات العشر ٧٨ ، جمهرة أشعار العرب ١٤٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٠٢ ، المقتضب (٣ / ١٠٢ ، ٤ / ٣٤١) ، شرح السيرافي ٣ / ٢١٦.

٢٠٥

ومثل سيبويه سواء ـ إذا استعمل اسما في ضرورة الشعر ـ بالكاف التي هي حرف ، وقد يضعها الشاعر في موضع" مثل" اسما لأنها للتشبيه كقوله :

فصيروا مثل كعصف مأكول

ومثل الكاف ـ في إنها حرف ـ بالباء الجارة فقال : " ومثل ذلك : أنت في حال كعبد الله فأجري مجرى : بعبد الله".

أي : أن الكاف حرف بمنزلة الباء إلا أن الشاعر إذا اضطر أجرى الكاف مجرى مثل فجعلها اسما.

قال : " وتقول : كيف أنت أقبل قبلك ونحي نحوك"

فجعل" قبلا" و" نحوا" اسمين وأقامهما مقام الفاعل.

قال : " وهو بمنزلة قولك : كيف أنت إذا أقبل النقب الركاب".

فالركاب اسم للإبل ، وقد أقامها مقام الفاعل في أقبل ، ونصب" النقب" ومعناه : الطريق في الجبل ، فشبه قبلك ونحوك وناحيتك بالركاب في إقامتها مقام الفاعل.

قال : " وأما دونك فإنه لا يرفع أبدا"

اعلم أن دونك تستعمل على معنيين.

ـ أحدهما : في المكان : كقولك : زيد دون عمر ، ويكون هذا على ضربين :

أحدهما : أن تريد الموضوع بعينه.

والآخر : أن تريد أنه دونك في الشرف والعلم ونحو ذلك ، فيكون على طريق المثل.

ـ وأما الموضع الآخر : فأن تكون بمعنى : حقير ومسترذل ، فيقال : هذا دونك ، أي هذا حقير ، وهذا مسترذل ، كما تقول : ثوب دون إذا كان رديئا.

وقد ذكر سيبويه هذا الوجه. وإنما قطع على أن" دون" لا ترفع أبدا إذا كانت للموضع والمنزلة من الشرف وغيره.

وذكر سيبويه في هذا الباب حروفا غرائب استعملت ظروفا ، ففسر معانيها.

قال : فمن ذلك حرفان ذكرناهما في الباب الأول ثم نفسر معناهما وهما :

صددك ، ومعناه : القصد ، وسقبك ومعناه : القرب ، ومنه قول العرب : هو وزن الجبل ، أي : ناحية منه ، وهم زنة الجبل ، أي : حذاءه فرقوا بين المعنيين لاختلاف اللفظين ومن ذلك قول العرب : هم قرابتك أي : قربك.

فهذه ظروف لأنها جهات أجريت مجرى : خلف وقدام.

ومنه قول أبي حية النميري :

٢٠٦

* إذا ما نعشناه على الرحل ينثني

مساليه عنه من وراء ومقدم (١)

ومسالاه : عطفاه وناحيتاه. ومعنى نعشناه : أقمناه ورفعناه ، وينثني : يميل في أحد جانبيه لغلبة النوم عليه.

هذا باب ما يشبه من الأماكن المختصة

بالمكان غير المختص ، شبهت به إذ كانت تقع على الأماكن وذلك قول العرب.

هو مني منزلة الشغاف ، وهو مني منزلة الولد ... وكذلك : هو مني مزجر الكلب ، وأنت مني مقعد القابلة

قال أبو ذؤيب :

فوردن والعيوق مقعد رابئ الض

ضرباء خلف النّجم لا يتتلّع (٢)

فنصب مقعد على الظرف.

يصف حميرا وردت الماء ليلا وقد ارتفع العيوق والثريا في وسط السماء سحرا في آخر الليل ، وذلك في شدة الحر.

ومثل موضع الثريا من العيوق ـ إذا ارتفع عليها وقرب منها بمقعد رابئ الضرباء وهو الأمين المشرف على الذين يضربون بالقداح كي لا يخونوا وموضعه أعلاه منهم وأراد بالنجم : الثريا ، ومعنى تتتلع : تبعد وتزول.

قال : ومما استعملت العرب هو مني درج السيول قال الشاعر وهو أمية بن هرمة :

* أنصب للمنية تعتريهم

رجالي ، أم هم درج السيول (٣)

يقال : رجع أدراجه ، أي : رجع في الطريق الذي جاء فيه ، فاستعملوا درج السيول ظرفا ، كما استعملوا ما قبله.

وتقدير البيت : أرجالي نصب للمنية تعتريهم؟ والنصب : ما يطاف به ويتكرر عليه كالضم وغيره. والرج : الموضع ، موضع يتردد فيه بالمجيء والذهاب.

قال : وإذا قلت : وهو مني فرسخان فمعناه : بعده مني مقدار فرسخين ، وكذلك : هو مني دعوة الرجل وفوت اليد أي مقدار ما تبلغه صحة الرجل ومعنى فوت اليد بيني وبينه

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٠٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٢٣ الأزمنة والأمكنة ١ / ٣٠٧ ، اللسان (مسل) ١١ / ٦٢٣ ، سيل ١١ / ٣٥١.

(٢) ديوان الهزليين ١ / ٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٠٥ ، المفضليات ٤٢٤ جمهرة أشعار العرب ٥٤١ المقتضب ٤ / ٣٤٤ ، شرح النحاس ١٦٣.

(٣) شعر ابن هرمة ١٨١ الكتاب وشرح السيرافي ٣ / ٢٢٨ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٢٨٤ ، الخزانة ١ / ٤٢٤.

٢٠٧

مقدار ما إذا امددت اليد إليه لم أنله ، وفاتني أخذه باليسر من المسافة بيننا.

قال : " وأما الخلف والأمام والتحت فتكون أسماء وكينونة تلك أسماء أكثر وأجرى في كلامهم.

يعني أن القصد والنحو والقبل والناحية أكثر في الأسماء من الخلف والأمام ، واعتبر كون مرأى ومسمع ظرفين لقول العرب : هو مني بمرأى ومسمع ، فلما أدخلوا الباء علم أنهم جعلوه غير الأول ، فإذا نزعوا الباء ، فهو غيره أيضا فينصبونه كما ينصبون الظرف الذي هو غير الاسم الأول.

وأنشد فيما كان الاسم الثاني فيه الأول :

* وأنت مكانك من وائل

مكان القراد من است الجمل (١)

فجعل مكان الثاني هو المكان الأول ، فكأنه قال : مكانك من وائل مثل مكان القراد كقوله :

له رأس رأس الحمار ومعناه : مثل رأس الحمار ، ولو نصب مكان على الظرف لجاز وكأنه قال : مكانك في مكان القراد من است الجمل.

قال : وتقول : أنت مني فرسخين.

أي : أنت مني ما دمنا نسير فرسخين ، فأنت : مبتدأ ومني خبره وفرسخين ظرف ، ومعنى مني : من أصحابي وأشياعي كما قال الله عزّ وجلّ : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) [إبراهيم : ٣٦].

فجعل : ويقال : الهلال الليلة.

فجعل الليلة ظرفا ، والهلال جثة لأنه جزء من القمر ، وإنما جاز ذلك لأن الهلال يتغير تغيرا دائما بصورة يتغير إليها ، فكأنه قال : استهلاله الليلة أو تصوره بهذه الصورة الليلة.

قال : واعلم أن ظروف الدهر أشد تمكنا في الأسماء إلى قوله : فأجر الأسماء كما أجروها.

قال المبرد : غلط سيبويه في هذا لأنه ذكر في أول الكتاب أن ظروف المكان أقرب إلى الأناسي ونحوهم ، لأن لها جثثا وأسماء تعرف بها كما تعرف الأناسي.

وصوب الزجاج سيبويه فقال : أصاب ، لأن ظروف الزمان يقل فيها ما لا يتمكن ، ألا ترى أن سحر إذا نكر تمكن؟.

وردّ أبي إسحاق على أبي العباس ضعيف ، لأن في ظروف الزمان : قبل وبعد ، وبعيدات

__________________

(١) ديوان الأخطل ٣٣٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٠٧ ، الشعر والشعراء ١ / ١٥١ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٣٠ ، المؤتلف ٨٤ شرح ابن السيرافي ١ / ٣٧٨ ، فرحة الأديب ٨٩ ، الخزانة ١ / ٤٦٠ ، ٥٠٣.

٢٠٨

بين ، وذات مرة وذا صباح ، وما أشبه ذلك.

ورد أبي العباس أيضا على سيبويه ضعيف لا يلزم وظروف الزمان أقوى في الاسمية ، وذلك أن الفعل لفظ مبني على الزمان الماضي وغيره ، كما أنه مبني من لفظ حروف المصدر ، وليس كذلك المكان. فأسماء الزمان بمنزلة المصادر ، والمصادر متمكنة كسائر الأسماء في وقوع الفعل منها وبها ، والزمان شبيهها ، وكذلك المكان وعلى أن ظرف الزمان اللفظ العام لها هو الزمان والوقت والدهر ، وذلك كله متمكن ، ثم ينقسم ذلك إلى الليل والنهار وهما متمكنان وينقسم إلى الساعة وهي متمكنة وليس كذلك المكان ، لأن الاسم العام له هو المكان ، ثم ينقسم إلى الجهات الست وهي ضعيفة التمكن.

وأما ما حكاه أبو العباس من كلام سيبويه : أن ظرف المكان أقرب إلى الأناس ونحوهم ، فإنما قربها من الأناسي أن في الأماكن ما لا يكون ظرفا ، كما أن الأناس لا تكون ظرفا ، وجميع ألفاظ الزمان تكون ظروفا وإن استعملت أسماء.

باب الجر

جعل سيبويه الجر في كل اسم مضاف إليه ، وجعل المجرور : بحرف جر وإضافة اسم إليه كله مضافا إليه.

واعلم أن الجر يكون بشيئين :

أحدهما : بدخول حرف ليس باسم ولا ظرف.

والآخر : بإضافة اسم إلى اسم.

ومن حروف الخفض ما قد يكون اسما في حال وهي : على وعن وكاف التشبيه ومنذ ومذ.

ومنها ما قد يكون فعلا فينصرف به وهي : خلا ، وحاشى في الاستثناء.

وذكر الأخفش أن عدا قد يخفض بها وينصب.

وأما إضافة اسم إلى اسم فهو على ثلاثة أقسام :

ـ أحدهما : أسماء هي ظروف مضافة إلى ما بعدها.

ـ والثاني : أسماء كثر استعمالها مضافة فذكرها النحويون في ما يجر لغلبة الجر عليه.

ـ والثالث : أسماء تضاف في حال ، وليست الإضافة بالغالبة عليها وهي أكثر الأسماء.

هذا باب مجرى النعت على المنعوت

والشريك على الشريك

اعلم أن النعت هو اختصاص الاسم المنعوت وإخراجه من إبهام وعموم إلى ما هو أخص منه. فأما في النكرة ، فالنعت يخرج المنعوت من نوع إلى نوع أخص منه.

٢٠٩

وأما في المعارف فيخرجه من شخص مشترك الاسم عند وقوع اللبس فيه إلى أن يزول اللبس.

وذكر سيبويه أصناف النعوت ، وكان في ما ذكر أي ، وهو اسم غير مشتق من معنى يعرف به ، وإنما يضاف إلى الاسم الأول للمبالغة في مدحه ، فلذلك وصف به.

وذكر مصادر ينعت بها على التأويل أسماء الفاعلين ، فمنها : حسبك وكافيك ، وهمك وشرعك وهدك وهو كله على معنى واحد.

فأما حسبك : فهو مصدر موضع محسب ، يقال : أحسبني الشيء ، أي : كفاني.

وشرعك وهدك وهمك في معنى ذلك وإن لم يستعمل منها فعل وهي في المعنى للحال لا للماضي ، فلذلك نعت بها النكرة ، وامتنعت هذه النعوت من التثنية والجمع لأنها مصادر نعت فهي بمنزلة عدل ورضى وما أشبه ذلك.

قال : ومنه : مررت برجل مثلك.

أي : شبيه بصورتك ، وكذلك : مررت برجل ضربك وشبهك ونحوك ، وهن مضافات بمعنى أسماء الفاعلين في معنى : مماثلك ومشابهك للحال. كما أن المماثلة موجودة فيه في وقت مرورك.

قال : ومما يكون نعتا للنكرة وهو مضاف إلى معرفة قول امرئ القيس :

* بمنجرد قيد الأوابد لاحه

طراد الهوادي كل شأو مغرب (١)

ومنه : مررت على ناقة عبر الهواجر.

ومعنى قيد الأوابد : أنّه مقيد الأوابد ، أي : إذا اصطادها لم تنج منه فكأنه قد قيدها.

والأوابد : الوحش ، والشأو : الطلق. والمغرب : البعيد. ومعنى عبر الهواجر : جمع هاجرة ، والسير يضعف فيها ، وإنما يريد قوتها على السير في هذا الوقت.

وأنشد لجرير :

* ظللنا بمستن الحرور كأننا

لدى فرس مستقبل الرّيح صائم (٢)

فنعت الفرس بمستقبل الريح لأنه في نية التنوين.

يصف أنهم في خيمة ، والريح تحركها فيصل إليهم الحر كأنه عند فرس مستقبل الريح فالريح تأخذه. والمستن من قولهم : أخذ على سنته ، أي طريقه. والصائم : القائم الممتنع من

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ٤٦ ، ديوان علقمة ٢٣. الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢١١ ، شرح النحاس ١٦٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٤٥ ، المسائل البغداديات ٢٧٦ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٥٧.

(٢) ديوان جرير ٢ / ٥٥٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢١١ ، مجالس ثعلب ١ / ٥٧ ، شرح النحاس ١٦٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٤٦ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٣٣٩.

٢١٠

الذهاب أو العلف.

وأنشد للمرار :

* سل الهموم بكل معطي رأسه

ناج مخالط صهبة متعيس

مغتال أحبله مبين عنقه

في منكب زين المطي عرندس

فنعت معطي رأسه بما تنعت به النكرة المفردة لأنه في معنى معط رأسه.

يعني : جملا ذلولا منقادا. والمتعيس : الأبيض. والعرندس : الشديد وقد مر تفسير البيتين.

وأنشد لذي الرمة :

* سرت تخبط الظلماء من جانبي قسا

وحب بها من خابط الليل زائر (١)

فنعت خابط الليل بزائر.

يصف امرأة سرى خيالها إليه وقسا : اسم موضع وحب بها في معنى : أحبب بها ، ولك أن تصرف قسا وأن لا تصرفه.

وأنشد لجرير :

* يا رب غابطنا لو كان يطلبكم

لاقى مباعدة منكم وحرمانا (٢)

فغابطنا نكرة ، فلذلك دخلت رب عليه.

وأنشد لأبي محجن الثقفي (٣) :

* يا رب مثلك في النساء غريرة

بيضاء قد متعتها بطلاق (٤)

فأدخل رب على مثل لأنها نكرة.

والغريرة : المغترة الغافلة.

قال : ومنه مررت برجل رجل صدق ومررت برجل رجل سوء.

كأنك قلت : مررت برجل صالح ، ومررت برجل فاسد ، لأن الصدق صلاح ، والسوء فساد.

وليس الصدق هاهنا بصدق اللسان لأنك تقول : هذا ثوب صدق وحمار صدق ،

__________________

(١) ديوان ذي الرمة ٣٩١ وبه فحبب الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢١٢ ، شرح النحاس ١٦٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٤٠ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٩٠ ، اللسان (خبط) ٧ / ٢٨٢ ، (قسا) ١٥ / ١٨٦.

(٢) ديوان جرير ٢ / ٥٩٥ ، الكتاب ١ / ٢١٢. معاني القرآن ٣ / ٢٢٧.

(٣) اسمه مالك بن حبيب الثقفي شاعر صحابي له سماع ورواية ، كان من الأبطال في الجاهلية والإسلام ـ حد في الخمر مرات توفي ٣٠ ه‍.

(٤) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢١٢ ، ٣٥٠ المقتضب ٤ / ٢٨٩ ، شرح النحاس ١٦٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٤٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٤٠ ، فرحة الأديب ١٨٨ ، المقتصد ١ / ٥٨٨.

٢١١

وكذلك السوء ليس في معنى سؤته. والسوء هنا بمعنى الفساد والرداءة وليس من ساءني يسوؤني. والصدق بمعنى الجودة والصلاح ، فكأنه قال مررت برجل صاحب فساد ، وحمار ذي رداءة ، أي قال : مررت بحمار سوء.

قال : ومنه مررت برجلين مثلك ، أي : كل رجل منهما مثلك ، ووجه آخر : أنهما جميعا مثلك.

أي إذا اجتمعا كانا مثلك في القوة والغناء ، فإذا انفردا لم يكونا كذلك.

قال : ومما جاء في الشعر قد جمع فيه الاسم ، وفرق النعت وصار مجرورا.

قوله :

* بكيت وما بكا رجل حزين

على ربعين مسلوب وبالي (١)

كذا سمعنا العرب تنشده والقوافي مجرورة. وقد رد قوله والقوافي مجرورة.

فقال الراد عليه : بال مرفوع ومجرور على لفظ واحد لأنه من بنات الياء. والجواب عن سيبويه أن اعتماده في ذلك على ما سمعه من العرب في خفض مسلوب ، وقوى ذلك ببناء القافية على الجر ، لأن الشاعر المجيد قد يبني القافية على ما يوجب الإعراب ، ويجري باقي الشعر على تقديره ذلك الإعراب ، وإن كان لا يظهر ولا يلفظ به كقول الحطيئة :

* شاقتك أظعان لليلى

دون ناظرة بواكر (٢)

وهذه القصيدة موقوفة ، ولو أطلق أبياتها كلها لكانت مرفوعة.

وكقول الكميت :

قف بالديار وقوف زائر

وتأبى أنك غير صابر (٣)

فلو أطلق أبيات هذه القصيدة لكانت مخفوضة كلها.

وأنشد قول الرجز (٤) :

* خوى على مستويات خمس

كركرة وثفنات ملس (٥)

__________________

(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٥١٤ ، المقتضب ٢ / ٢٩١ ، شرح النحاس ١٦٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٥٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٦٠٣ ، شرح عيون الكتاب ١٣١ ، أوضح المسالك ٣ / ٩ ، مغني اللبيب ٢ / ٤٦٥ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٤.

(٢) ديوان الحطيئة ١٦ ، شرح الأعلم ١ / ٢١٥ شرح السيرافي ٣ / ٢٥٥.

(٣) ديوان الكميت ١ / ٢٢٣ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٥٥ ، شرح الأعلم هامش الكتاب ١ / ٢١٥ ، معجم مقاييس اللغة ١ / ٤١.

(٤) هو العجاج كما في الكتاب وشرح الأعلم وابن منظور في اللسان.

(٥) ديوان العجاج ٧٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢١٥ ، شرح النحاس ١٦٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٥٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٢ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٢١٨ ، اللسان ٦ / ١١١ ، ١٣ / ٧٨.

٢١٢

قال : فهذا يكون على وجهين : على البدل وعلى الصفة.

قال الزيادي : لا تكون الكركرة والثفنات وصفا لأنها أسماء.

ولم يقصد سيبويه إلى الوصف الذي هو تحلية في الموصوف ، وإنما أراد أنها تبين لما قبلها كالوصف.

يصف جملا ومعنى خوى : تجافى في بروكه. على مستويات خمس : ثفناته وكركرته.

والثفنات : ما ولي الأرض من قوائمه. والكركرة : ما ولي الأرض من صدره.

وأنشد لكثير :

* وكنت كذي رجلين : رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزّمان فشلت (١)

والقول فيه من طريق الإعراب كالقول فيما تقدم.

قال : ومثله : ما مررت برجل صالح بل طالح.

أبدلت الصفة الآخرة من الصفة الأولى وأشركت بينهما بل في الإجراء على المنعوت ، ومثله : ما مررت برجل صالح ولكن طالح ، أبدلت الآخر من الأول فجرى مجراه.

واستعمل سيبويه في هذا الموضع لفظ البدل على غير ما يعتاده النحويون لأن البدل في كلامهم هو أن يقدر ما قبله مسقطا ، ويقام الثاني مقامه ، ونحن إذا قدرنا هذا في هذا الموضع لم يصلح الكلام ، لأنك لو قلت في كلامك : " ما مررت برجل كريم بل لئيم : ما مررت برجل لئيم ضم الكلمة المعنى.

فليس هذا المراد وإنما المراد أنك أبدلت الإيجاب من النفي على ما يصلح من اللفظ والمعنى فيصير التقدير : ما مررت برجل صالح ولكن مررت برجل طالح ، فالأول من الكلام مطرح غير معمول به ، والثاني هو المعتمد عليه فأبدل كلاما معتمدا عليه من كلام مطرح وهو معنى البدل.

وأنشد للعجاج مستشهدا لما حمل على الجواز :

* كأن نسج العنكبوت المرمل (٢)

فخفض المرمل على العنكبوت وهو في الحقيقة نعت للنسج ، والمرمل والمرمول : المنسوج.

__________________

(١) ديوان كثير ١ / ٤٦ ، المقتضب ٤ / ٢٩٠ ، شرح النحاس ١٦٨ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٥٧ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٤٢ ، شرح المفصل (٣ / ٦٨ ، ٤ / ١٠٤) ، مغني اللبيب ٢ / ٦١٤ ، حاشية الصبان ٣ / ١٢٨ ، المقاصد النحوية ٤ / ٢٠٤.

(٢) ديوان العجاج ٤٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢١٧ ، شرح النحاس ١٦٨ ، شرح السيرافي ١ / ٤٩٠ ، الخصائص ٣ / ٢٢١ الإنصاف ٢ / ٦٠٥ ، الخزانة (٥ / ٨٦ ، ٨٨).

٢١٣

ومثل هذا على مذهب الخليل غلط لا يجوز حتى يكون المتجاورات متساويين في التذكير والتأنيث والإفراد والجمع. والعنكبوت مؤنثة ، والمرمل مذكر.

ورد عليه سيبويه مذهبه ، واستشهد بهذا البيت.

وقال بعض النحويين : إنما جاز الخفض في قولهم : " هذا جحر ضب خرب على تقدير : هذا جحر ضب خرب الجحر ، فكأنه من باب : حسن الوجه ، وعلى هذا تقول : مررت برجل حسن الأبوين لا قبيحين ، والتقدير : لا قبيح الأبوين ، فكان التقدير خرب جحره ، ثم أضمر الجحر في خرب لما جرى ذكره.

هذا باب ما أشرك بين الاسمين

فجريا عليه كما أشرك بينهما في النعت فجريا على المنعوت. وذلك قولك : مررت برجل وحمار قبل.

ساق سيبويه في هذا الباب حروف العطف وبدأ بالواو لأنها أقواها من حيث عطف بها في الإيجاب والجحد وفي كل ضرب من الفعل.

وذكر سيبويه في هذا الباب كيف نفى الموجب وفي ما ذكر : أنك إذا قلت : مررت بزيد وعمرو جائز أن يكون وقع عليهما في حال واحدة.

وجائز أن يكون مر بهما مرورين في حالين. فإذا كان المرور بهما واحدا ، فنفيه أن تقول :

ما مررت بهما وإن كانا مرورين قلت : ما مررت بزيد وما مررت بعمرو.

وقال المازني رادّا على سيبويه : نفي هذا ـ وإن أراد مرورين ما مررت بزيد وعمرو.

قال : والذي قاله سيبويه خطأ.

ولو قال : ما مررت بزيد ومررت بعمرو ، كان نفيه : ما مررت بزيد وما مررت بعمرو.

وقول سيبويه أصح وأجود ، وذلك أن النافي يكذب المثبت في ما يثبته ويخبره. فإذا كان الذي أخبر به مرورين ، كل واقع منهما وقع بأحد الرجلين ، فقال : ما مررت بهما ـ احتمل التأويل أن يكون : ما مررت بهما مرورا واحدا ، فلا يكون مكذبا ، فإذا قال ما مررت بزيد وما مررت بعمرو ، فقد كشف التكذيب له وأبطل التأويل.

قال سيبويه : (وجواب) أو (إن نفيت الاسمين).

يعني إذا قلت : مررت بزيد أو عمرو ، وما مررت بواحد منهما ، وإن أثبت أحدهما قلت : ما مررت بفلان.

قال المازني : ما مررت بواحد منهما في جواب أو إنما هو جوابها في المعنى ، وجوابها في اللفظ : ما مررت بزيد أو عمرو.

٢١٤

وقول سيبويه أصح لأنه إذا قال : ما مررت بزيد أو عمرو ، فالظاهر أنه نفى مروره بأحدهما ، والمثبت إنما مروره بأحدهما ، فيجوز أن يكون الذي نفاه هو الذي لم يثبته المثبت ، فلا يكون تكذيبا.

هذا باب المبدل من المبدل منه

وذلك قولك : مررت برجل حمار ، ومررت برجل بل حمار ، وما مررت برجل ولكن حمار.

وقال في الباب : ومن المبدل أيضا مررت برجل أو امرأة فجعل" أو" من الباب لأنك ابتدأت بالأول على لفظ اليقين ثم شككت فيه ، فالشك فيه كالإبطال له فشبه أو بلكن لما ابتدأ بيقين ثم جعل مكانه شكا ، فهو شبيه بقولك : ما مررت بزيد لكن عمرو ، ابتدأت بنفي ثم جعلت مكانه يقينا.

فإن قال قائل : فهلا جعل قولك : مررت بزيد لا عمرو من هذا الباب لأنه نفي بعد إيجاب؟.

فالجواب : أن الجحد الذي بعد الإيجاب بمنزلة التوكيد للإيجاب المتقدم ، كما أن قولك : هذا زيد ، لا شك فيه ، كقولك : هذا زيد حقّا.

قال : وإن شئت رفعت فقلت : ما مررت برجل بل حمار على إضمار مبتدأ.

جعل سيبويه رفع هذا وما أشبهه بإضمار اسم مكني يكون الظاهر خبره ويكون ذلك المكني على ضربين أحدهما : أن يكون قد جرى ذكره فيضمر الاسم الذي ذكر والآخر : أن يعرف المعنى فيضمر ذلك المعنى ، وإن لم يجر ذكره.

فأما ما جرى ذكره فيضمر ، فهو الكلام الظاهر المعروف ، وهو تمثيله بالرجل الذي يذكر ، فتقول : أنت قد مررت به ، فما مررت برجل بل حمار على معنى : بل هو حمار وهو الرجل المذكور.

فأما الذي أضمر ولم يذكر ، فقولك : ما مررت ببغل ولكن حمار تريد ولكن هو حمار ، ولم يجز ذكر شيء كنى عنه بهو ، ومعناه : لكن الذي مررت به حمار. لأن قولك : ما مررت ببغل ، قد دل عليه فيكثر إضماره لدلالة الكلام عليه ، وجعل الأقوى في الكناية ما جرى ذكره لقرب المكنى بالذكر الجري ، وإضمار الذي لم يجر ذكره عربي جائز ، لأن معناه : ما مررت بشيء هو بغل بل هو حمار ، فجاز هذا إن لم يجز ذكره كما جاز في المنعوت الذي جرى ذكره وهو نحو قولك : ما مررت برجل صالح بل طالح ، أي : بل هو طالح والضمير لرجل.

وقوله عز وجل : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] : رفعه على الوجهين المتقدمين : أحدهما : أنهم كانوا ذكروا الملائكة عليهم السّلام باتخاذ الله إياهم ولدا ، فنزه نفسه عن ذلك ،

٢١٥

وقال : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) أي : هم عباد مكرمون ، وهم إضمار شيء جرى ذكره في كلام القوم فأضمروا على ذلك.

والوجه الآخر : بتقدير ، بل الذين قالوا : اتخذهم الله ولدا عباد مكرمون من غير ذكر جرى لهم.

هذا باب مجرى نعت المعرفة عليها

اعلم أن التعريف معلق بمعرفة المخاطب دون المتكلم ، وقد يذكر المتكلم ما يعرفه هو ، ولا يعرفه المخاطب ، فيكون منكورا كقولك للمخاطب : في داري رجل ، ولي بستان فتعرف الرجل بعينه والبستان وهو لا يعرفهما.

واعلم أن المعارف كلها توصف ، إلا الإضمار ، لأن فائدة النعت تخصيص المنعوت وإخراجه من الاشتراك بصفة ينفرد بها ، والمضمر لا يخلو من أن يكون عائدا على معهود أو يقع على المتكلم أو المخاطب فلم يحتج إلى النعت بخروجه عن الاشتراك.

واعلم أن الاسم المبهم مخالف لغيره في النعت ، وذلك أن ينعت بأسماء الأجناس كقولك : مررت بهذا الرجل ، وركبت هذا الفرس وما أشبه ذلك ، وإنما نعت بالجنس لأن طريق نعته على غير طريق نعت غيره ، وذلك أن غير المبهم يحتاج إلى النعت إذا شاركه غيره في لفظه ، فيبان من غيره بذكر شيء فيه دون غيره مما يحلى به على ما تقدم من ذكر ذلك.

والمبهم ، إنما دخل وصله لخروج ما فيه الألف واللام عن العهد إلى الحضور ، لأن الشيء قد يكون بحضرة اثنين لم يكن بينهما فيه عهد ، فيريد أحدهما الإخبار عنه معرفا له فلا يمكنه الإخبار عنه لعدم العهد بينه وبين مخاطبه فيه ، فيأتي بأسماء الإشارة فيتوصل بها إليه ، وينتقل من تعريف العهد إلى تعريف الإشارة.

ألا ترى أنك تقول ابتداء من غير عهد تقدم : ما فعل هذا الرجل؟

فالأصل في نعت المبهم أن ينعت بالاسم لما ذكرته من أنه وصلة إلى ذكر الاسم الذي فيه الألف واللام. وقد يجوز أن ينعت بالصفة التي فيها الألف واللام من حيث جاز أن تنقلها من تعريف العهد إلى تعريف الإشارة والحضرة ، ألا ترى أنك تقول : مررت بالظريف ، فيكون للعهد. تقول : مررت بهذا الظريف فيصير للإشارة. ولو لا ما احتيج إليه من التوصل إلى هذا بما فيه الألف واللام ، لما احتاجت إلى صفة لأنها ليست باسم ثابت لما تقع عليه ، ثم يشاركه غيره فيحتاج إلى فصل بينهما بالنعت والتحلية.

واعلم أن المبهم لا ينعت بالمضاف لأنه دخل لينقل ما فيه الألف واللام من تعريف العهد إلى تعريف الإشارة. والمضاف تعريفه بالمضاف إليه.

ولا يغيره ، ولا يجوز الفصل بين المبهم ونعته لأن المبهم أحدث تعريفا لنعته : صار

٢١٦

كجزء في التعريف : الألف واللام ، ولا يفصل بين الألف واللام وما اتصلا به. وأشبه أيضا : يا أيها الرجل ، ولا يفصل بينهما.

ومذهب سيبويه : أن يكون نعت المعرفة دونها في التخصيص أو مساويا لها لأن حق الكلام أن يجعل الأخص هو الذي يبدأ به فإن اكتفى به المخاطب لم تحتج إلى أن تأتي بنعت وإن احتاج إلى زيادة ـ ولم يكتف ـ زدت من المعرفة وما يزداد به المخاطب معرفة.

وأنشد في هذا الباب :

* فإلى ابن أمّ أناس أرحل ناقتي

عمرو فتبلغ حاجتي أو تزحف

ملك إذا نزل الوفود ببابه

عرفوا موارد مزبد لا ينزف (١)

فحمل عمرا على ابن ، ولو قطعه منه لجاز ، وكذلك قوله : ملك إذا نزل.

وزعم بعض النحويين أن ترك صرف ما لا ينصرف جائز في الشعر واستشهد بقوله : (فإلى ابن أم أناس ارحل)

وهذا عند البصريين غير جائز ، والرواية الصحيحة خفض وتخفيف الهمزة من أرحل ، وإلقاء حركتها على التنوين ، وعمرو : الممدوح ، وهو عمرو بن هند اللخمي.

وأم أناس بعض جداته. ومعنى تزحف : تعيي وتسقط.

وأنشد للفرزدق :

* فأصبح في حيث التقينا شريدهم

طليق ومكتوف اليدين ومزعف (٢)

الشريد هنا : جماعة وهم المنهزمون وطليق وما بعده على الابتداء على معنى منهم كذا ومنهم كذا ـ والمزعف بكسر العين على ما رواه ـ حملة الكتاب. وغيرهم قال : مزعف بفتح العين ، أزعفه الموت ، إذا قاربه وهو مأخوذ من قولهم : موت زعاف : أي : معجل ، وقيل المزعف : للذي لا حراك به.

وأنشد أيضا :

* فلا تجعلي ضيفي : ضيف مقرب

وآخر معزول عن البيت جانب (٣)

__________________

(١) ديوان بشر ١٥٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٢٢ ، شرح النحاس ١٦٩ شرح السيرافي ٣ / ٢٨٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٤ ، الإنصاف ٢ / ٤٩٦ ، شرح القصائد السبع الطوال ٥٠٠ ، الخزانة ١ / ١٤٩ ، الهمع ٢ / ١٢٧.

(٢) ديوانه ٢ / ٥٦٢ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٢٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٨٦ ، شرح النحاس ١٦٩ ، الخزانة ٥ / ٣٦.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٢٢ ، شرح النحاس ١٧٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٨٦ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٣٦ ، فرحة الأديب ٩٦ ، الخزانة ٥ / ٣٤.

٢١٧

التقدير : منها ضيف مقرب ، ومنها آخر معزول ، ولو نصب لجاز

كما قال :

* وكانت قشير شامتا بصديقها

وآخر مرزيا وآخر رازيا (١)

ولو رفع شامتا وما بعده لجاز.

وأنشد لذي الرمة :

* ترى خلقها نصف قناة قويمة

ونصف نقا يرتج أو يتمرمر (٢)

قال : وبعضهم ينصبه على البدل ، وإن شئت كان بمنزلة رأيته قائما كأنه صار خبرا يعني حالا.

ورد المبرد نصب نصفا على الحال ، وقال : لأن نصفا ينبغي أن يكون معرفة والعلة التي ادعى بها التعريف ، أن نصفا بمنزلة بعض وكل ، فالمعنى عنده في نصف : نصفه ، كما أنه إذا قال : مررت ببعض إنما يريد بعضه ، وكذلك كل. والقول ما قاله سيبويه ، لأن النصف من باب الثلث وسائر الأجزاء إلى العشرة ، وهو يثنى ويجمع كما يفعل ذلك بالثلث وما بعده ، فيقال : المال بينهما نصفان ، وهذه أوضح ما يدل على بطلان قوله أنه يقال : النصف بالألف واللام ، ولو كانت معرفة لم تدخله كما تدخل بعضا وكلّا.

قال : ومن الصفة قولك : أنت الرجل كل الرجل فإن قلت : هذا عبد الله كل الرجل فليس في الحسن كالألف واللام.

اعلم أن الصفة قد تأتي على غير وجه البيان لما قبلها ، ولكن على المدح وتعريف المخاطب من أمر الموصوف ما لم يكن يعرفه ، ويأتي ذلك في صفات الله عز وجل على جهة التقرب إليه بالثناء عليه ، وذكر صفاته ، ويأتي في صفات الآدميين على المدح لهم لمن لا يعرفهم بذلك ، ويعرفهم به على جهة الإخبار عن نفسه بمعرفة ذلك والتقرب إلى الممدوح به.

وقد يستعمل في صفات المدح والذم ألفاظ يراد بها المبالغة في ما تضمنه لفظ الموصوف كقولك : أنت الرجل كل الرجل ، ومعناه : الكامل في الرجال وكذلك لو قال : هو اللئيم جد اللئيم ، لكن مبالغة في وصفه باللؤم. ولم يحسن هذا عبد الله كل الرجل كحسن ما

__________________

(١) ديوان النابغة الجعدي ١٧٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٢٢ وفي الكتاب (مزريا عليه وزاريا) ورواية الأعلم مثل روايته في النكت ، شرح النحاس ١٧٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٨٧ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٦٠٦ الخزانة ٥ / ٣٤.

(٢) ديوان ذي الرمة ٢٢٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٢٣ لذي الرمة ، شرح السيرافي ٣ / ٢٨٧ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٠٠ ، الخصائص ١ / ٣٠١.

٢١٨

فيه الألف واللام لأنه ليس من لفظ عبد الله معنى يكون على الرجل مبالغة فيه وكمالا ، وهو يجوز لأنه لو قال : هذا كل الرجل ، لجاز ودل على معنى المبالغة والكمال.

والنكرة كالمعرفة في المدح لا فرق بينهما.

هذا باب بدل المعرفة من النكرة

والمعرفة من المعرفة ، وقطع المعرفة من المعرفة مبتدأة

أنشد في هذا الباب لمالك بن خويلد الخناعي الهذلي :

* يامي إن تفقدي قوما ولدتهم

أو تخلسيهم فإن الدهر خلاس

عمرو وعبد مناف والذي عهدت

ببطن مكة أبي الضيم عباس (١)

فرفع عمرا وما بعده على القطع مما قبله ، والخلس : أخذ الشيء من حيث لا يشعر به عجلة وسرعة ، والضيم : الذل والظلم.

وأنشد لمهلهل أيضا :

* ولقد خبطن بيوت يشكر خبطة

أخوالنا وهم بنو الأعمام (٢)

فرفع ، كأنه لما قال : خبطن بيوت يشكر ، قيل له : من هم؟ فقال هم أخوالنا وهم بنو الأعمام.

وأنشد أيضا :

* ورثت أبي أخلاقه عاجل القرى

وعبط المهاري كومها وشنونها (٣)

فرفع" كومها" على معنى هي كومها شنونها. ولم يذكر قائل هذا البيت في كتاب سيبويه ببائين. ومعنى الشبوب : السماع منها.

وبعض الناس ينسبه إلى الفرزدق ـ والشنون بالنون : الذي أخذ من السمن شيئا ولم يبلغ منه كل المبلغ ـ والغبط : الذبح من غير علة. والمهري : جمع مهرية ، وهي إبل منسوبة إلى مهرة ، حي من اليمن ـ والكوم : جمع كوماء ، وهي العظيمة السنام.

وبين سيبويه أن النكرة في هذا الباب ـ في الحمل على الأول والقطع منه ـ بمنزلة المعرفة.

وأنشد قول الراجز :

__________________

(١) ديوان الهذليين ٣ / ١ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٢٥ ، شرح النحاس ١٣٥.

(٢) الأصمعيات ١٥٦ الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٢٥ ، ٢٤٨ ، شرح النحاس ١٣٦ شرح السيرافي ٣ / ٢٩٦ شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٥.

(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٢٥ ، شرح النحاس ١٣٤ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٩٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٠٣ ، فرحة الأديب ٩٧.

٢١٩

* وساقيين مثل زيد وجعل

سقبان ممشوقان مكنوزا العضل (١)

فرفع معنى هما سقبان ، ولو خفضه على البدل أو نصبه على المدح لجاز والممشوق : الطويل الضريب اللحم والمكنوز : الشديد.

والعضل : جمع عضلة وهي لحمة الساق.

هذا باب ما تجري عليه صفة ما كان من سببه

وصفة ما التبس به أو بشيء من سببه كمجرى صفته التي خلصت له

أما صفته التي خلصت له فقولك : مررت برجل ضارب زيدا وملازم عمرا.

وأما صفة ما كان من سببه ، فقولك : مررت برجل ضارب أبوه رجلا ، وملازم أبوه رجلا ، فالضرب والملازمة للأب وهو من سبب الرجل الأول.

وأما صفة ما التبس به ، فقولك : مررت برجل مخالطه داء فمخالطه فعل للداء وقد وقع بضمير الرجل فالتبس به.

وأما ما التبس بشيء من سببه ، فقولك : مررت برجل ملازم أباه رجل فملازم فعل للرجل الآخر ، وقد التبس بالأب ، ووقع على ضميره من سبب الأول.

واعلم أن في هذا الباب أشياء قد أجمع النحويون عليها واختلفوا في غيرها فجعل سيبويه ما أجمعوا عليه أصولا ، ورد إليها ما اختلفوا فيه بتشبيه صحيح لا يقع على المتأمل له لبس.

والذي أجمعوا عليه : أن الصفة إذا كانت فعلا للأول أو لسببه أو لما التبس به ، وكانت منونة ، فهي تجري على الأول وتنجر بجره.

وذلك قولك : مررت برجل ضارب زيدا ، وضارب أبوه وضارب أباه زيد ثم اختلفوا إذا كانت الصفة مضافة.

فأما سيبويه فأجراها كلها على الأول على حكمها إذا كانت منونة ، وأجرى مخالفه بعضها على الأول ومنع إجراء بعضها. وطالبه سيبويه لإجراء الجميع على الأول وألزمه المناقضة بما ضمن الباب من كلامه.

وإذا تأملته وجدته أثبته بما يكون من المقايسة وعضده بالاحتجاج بكلام العرب.

وأنشد مستشهدا لذلك بقول ابن ميادة :

* وارتعشن حين أردن أن برميننا

نبلا بلا ريش ولا بقداح

__________________

(١) الكتاب ١ / ٢٢٦ وشرح الأعلم ، شرح النحاس ١٣٤ (صقبان) شرح السيرافي ٣ / ٢٩٦ شرح ابن السيرافي ٢ / ١٠ اللسان (سقب) ١ / ٤٦٨ كنز ٥ / ٤٠٢.

٢٢٠