النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

وقال الكميت :

* نعاء جذاما غير موت ولا قتل

ولكن فراقا للدعائم والوصل (١)

يريد : انع ، ومعنى البيت أن جذاما من أسد بن خزيمة فانتقلوا إلى اليمن ، فيقول : انعهم من غير موت ، ولكن لفراقهم أصلهم وهم أسد بن خزيمة.

وقال ذو الإصبع :

* عذير الحي من عدوا

ن كانوا حية الأرض (٢)

ولا يظهر الفعل الذي نصب «عذيرا» ولا الفعل الواقع على «نعاء» ؛ لأن ذلك قام مقام الفعل ، ودخول فعل على فعل محال.

وقوله «حية الأرض» أي يخاف منهم كما من الحية.

واعلم أن العرب تقول : من يعذرني من فلان ، ويفسر على وجهين :

ـ أحدهما : من يعذرني في احتمالي إياه.

ـ والآخر : من يذكر لي عذرا فيما يأتيه.

وقوله : «عذيرك من خليلك من مراد» يخرج على وجهين :

ـ أحدهما : من يعذرني في احتمالي إياه ، وإن لم يذكر لي عذرا فيما يأتيه.

ـ والآخر : من يذكر لي عذره فيما أتاه. واختلفوا في «عذير» فقالوا هو في معنى عاذر كشاهد وشهيد ، وقادر وقدير.

وقال بعضهم : هو مصدر بمعنى العذر ، وقد رد هذا القول وضعف ؛ لأن المصادر على فعيل لا تأتي إلا في الأصوات نحو الصهيل والزئير.

وسيبويه يقدر «عذر» تقدير عاذر ، وقد أفصح به في غير هذا الموضع.

ومن جعل عذيرك بمعنى عاذرك ، فكأنه قال : هات عاذرك وأحضر عاذرك ، وكذلك أحضر عاذر الحي من عدوان.

هذا باب ما يكون معطوفا في هذا الباب

على الفاعل المضمر في النية

ويكون معطوفا على المفعول

أنشد لجرير :

* إياك أنت وعبد المسيح

أن تقربا قبلة المسجد (٣)

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٣٩ ، شرح النحاس ١٢٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٣١ ، اللسان ١ ٢ / ٨٩.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٣٩ ، شرح النحاس ١٢٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٣٢.

(٣) شرح الأعلم ١ / ١٤١ ، المقتضب ٣ / ٢١٣ ، شرح النحاس ١٢٦.

١٦١

فعطف «عبد المسيح» على : «إياك» ولو رفعه عطفا على المضمر المقدر المؤكد بأنت لجاز.

وأنشد أيضا :

* إياك إياك المراء فإنه

إلى الشر دعاء وللشر جالب

غير سيبويه يقدره على حذف «من» كأنه قال : من المراء وسيبويه يذهب إلى أن المراء منصوب بفعل غير الفعل المقدر لإياك كأنه أضمر بعد إياك : اتق المراء.

وذكر سيبويه في هذا الباب أشياء من كلام العرب وأشعارها حذفوا فيها الفعل ، فمن ذاك قول العرب : (هذا ولا زعماتك) معناه أن المخاطب كان يزعم زعمات ، فلما ظهر خلاف قوله قال له قائل : هذا الحق ولا زعماتك ، أي لا أتوهم ما زعمت.

قال : «ومنه قول ذي الرمة» :

* ديار مية إذ مي تساعفنا

ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (١)

كأنه قال : اذكر ، ولكنه حذف لعلم السامع.

قال : " ومن ذلك قول العرب كليهما وتمرا التقدير أعطني كليهما وتمرا ، كأنما إنسانا خير آخر بين شيئين فطلبهما جميعا : المخير وزيادة عليهما فقال : أعطنيهما وتمرا وأنشد :

* اعتاد قلبك من سلمى عوائده

وهاج أهواءك المكنونة الطلل

ربع قواء أذاع المعصرات به

وكل حيران سار ماؤه خضل

أراد ذلك ربع ، أو هو ربع.

ولو نصب على معنى اذكر لجاز.

القواء : القفر. ومعنى أذاع : فرق ونشر.

والمعصرات : السحاب وقيل الرياح ، وأراد بالحيران السحاب إذا كان يمطر في موضع واحد يدور عليه كالحيران.

والخضل : الغزير.

وأنشد أيضا :

* هل تعرف اليوم رسم الدار والطللا

كما عرفت بجفن الصيقل الخللا (٢)

دار لمية إذ مي وأهلهم

بالكناسية ترعى اللهو والغزلا

ولو نصب دارا على : اذكر لجاز.

والخلل : الأغشية التي يغشى بها جفن السيف ، واحدتها خلة ، شبه بها رسوم الدار ؛ لأنها كانت موشية ، والكناسية : موضع. والغزل : الطرب إلى النساء.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٤٢ ، إعراب القرآن ٣ / ٨٨٧ ، شرح النحاس ١٢٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٤١.

(٢) ديوان عمر ٤٧٩ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ١٩٩.

١٦٢

وأنشد لعمر بن أبي ربيعة :

* فواعديه سرحتي مالك

أو الربا بينهما أسهلا (١)

فنصب «أسهلا» بإضمار فعل ؛ لأنه قال : واعديه دل على أنها تقول له : ائت مكان كذا وكذا «وأسهل» على وجهين :

ـ أحدهما مكانا سهلا فيه رمل وليس بخشن.

ـ والآخر أن يكون مكانا بعينه بين سرحتي مالك والربا

وقيل : المعنى يكن ذلك أسهل لك.

قال «ومثل ذلك قول القطامي» :

* فكرت تبتغيه فوافقته

دمه ومصرعه السباعا (٢)

ومثله أيضا :

* لن تراها ولو تأملت إلا

ولها في مفارق الرأس طيبا (٣)

قال : «ومثل ذلك قول ابن قميئة» :

* تذكرت أرضا بها أهلها

أخوالها فيها وأعمامها (٤)

لما رأت ساتيدما استعبرت

لله در اليوم من لامها

نصب السباع في البيت الأول و «الطيب» في البيت الثاني ؛ لأنه حين قال" صادفته" و" لن تراها" علم أن «السباع» و «الطيب» قد دخلا في الرؤية والمصادفة ونصب الأخوال والأعمام حين دخلوا في التذكير.

وأنشد أيضا :

* إذا تغنى الحمام الورق هيجني (٥)

ولو تعزّيت عنها أم عمّار

فنصب أم عمار بإضمار فعل دل عليه هيجني ، كأنه قال : هيجني فذكرني أو فتذكرت أم عمار.

وقد رد بعض هذه الأبيات المبرد ، وذكر في قوله : «في مفارق الرأس طيبا» أن مثل هذا لا يجوز ؛ لأنه لا يحمل على المعنى إلا بعد تمام الأول.

وكذلك قوله : «على دمه ومصرعه السباعا» قال فلما لم يتم ما قصده ـ لأنه أراد

__________________

(١) ديوان عمر ١٦٠ ، وشرح الأعلم ١ / ١٣٤ ، الائتلاف ٢٧٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٤.

(٢) ديوان القطامي ٤٥ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٣ ، نوادر أبي زيد ٢٠٤.

(٣) ديوان ابن الرقيات ١٧٦ ، شرح النحاس ١٢٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٥.

(٤) ديوان عمرو بن قميئة ٧٨ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٤ ، شرح النحاس ١٣٠.

(٥) جمهرة أشعار العرب ١٨٩ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٤ ، شرح النحاس ١٣٠.

١٦٣

فصادفته على حال ما ، ولن تراها إلا في حالة ما وكان تمام الكلام مقصود ذكر الحال ـ لم يجز أن يحمل النصب على إضمار معنى اللفظ الأول.

فرد هذا الزجاج وذكر أن القصد في قوله : فصادفته إنما هو إلى الولد ، وذلك لأن الوحشية طلبت ولدها فصادفته وصادفت على دمه السباعا ، فلما كان المعنى يدل على هذا ـ واحتاج الشاعر إلى إيقاع المصادفة على الولد المطلوب ـ أضمر للسباع فعلا دل عليه أول الكلام ، كأنه قال صادفته وصادفت السباع على دمه.

وقوله : «لن تراها ولو تأملت» إنما يصفها بأن الطيب لا يفارقها وقد علم ذلك من مقصده ، فجاز استغناؤه باللفظ الأول فأضمر إلا رأيت.

وأنشد سيبويه :

* قد سالم الحيات منه القدما

الأفعوان والشجاع الشجعما

وذات قرنين ضموزا ضرزما

الضموز : الساكنة. والضرزم : المسنة وهي أخبث الحيات. والأفعوان وما بعده حيات ، وهي منصوبة والحيات الأولى مرفوعة.

وإنما حمل الأفعوان على المعنى ، وذلك أنه يصف رجلا بخشونة قدميه وصلابتهما ، وأن الحيات لا يعملن فيها ، وأنها قد سالمتها ، فإذا سالمت الحيات القدم فالقدم أيضا قد سالمت الحيات فكأنه قال سالمت القدم الأفعوان.

وأنشد سيبويه لأوس :

* تواهق رجلاها يداها ورأسه

لها قتب خلف الحقيبة رادف (١)

وكان وجه الكلام تواهق رجلاها يديها ، والمواهقة : المتابعة والمسابقة ، فحمله على المعنى ؛ لأنه إذا واهقت الرجلان اليدين ، فقد واهقت اليدان الرجلين على مؤخرة الأتان إذا غشيها مسابقا لها ، والحقيبة ما يعلق في مؤخر الرحل ، وأراد بها مؤخر الإنسان.

وأنشد :

* ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومحتبط مما تطيح الطوائح (٢)

فرفع ضارعا بإضمار فعل دل عليه «ليبك» ، كأنه قال ليبك ضارع.

والضارع : الذليل ، والمحتبط : الطالب المعروف ، ومعنى تطيح : تهلك وتذهب ، يقال : أطاحه فهو مطيح والجمع مطاوح ، ولكنه بنى قوله الطوائح على حذف الزيادة كقوله عز وجل : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : ٢٢]. أي ملاقيح.

__________________

(١) ديوان أوس ٧٣ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٥ ، المقتضب ٣ / ٢٨٥ ، شرح النحاس ١٣١.

(٢) الكتاب ١ / ١٨٣ ـ ١٩٩ ، المقتضب ٣ / ٢٨٣ ، الخصائص ٢ / ٣٥٣ ، المقتصد ١ / ٣٥٤.

١٦٤

وأنشد في الحمل على المعنى :

* وجدنا الصالحين لهم جزاء

وجنات وعينا سلسبيلا

لأن الوجدان مشتمل على الجزاء ، فحمل الآخر على المعنى ، وموضع قولهم «لهم جزاء» موضع نصب على الحال أو على المفعول الثاني إذا أردت «بوجدنا» معنى علمنا.

وكلام سيبويه دال على أن «وجدنا» بمعنى «أصبنا» بقوله : «لأن الوجدان مشتمل على الجزاء».

ولو كانت بمعنى علمت لم يكن مصدرها الوجدان.

وأنشد :

* أسقى الإله جنبات الوادي (١)

وجوفه كل ملث غادي

كل أجش حالك السواد

رفع كل الأخير ونصب الذي قبله ؛ لأنه حمله على معنى سقاها كل أجش ؛ لأن فيما تقدم من قوله : دليلا على سقاها كل أجش. والأجش من صفة السحاب. والملث : المقيم : وهو أيضا من صفات السحاب ، ويروى «عدوات الوادي» والعدوة : الجانب وأصله من عدا يعدو إذا جاوز.

هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل

المتروك إظهاره في غير الأمر والنهي

وذلك قولك أخذته بدرهم فصاعدا.

معنى هذا أن يشتري أشياء بأثمان مختلفة أدناها درهم ، فإذا قلت : أخذت كل ثوب أو غيره من الأشياء بدرهم فصاعدا ، كان أدنى الثمن صاعدا فصار بعضها بدرهم وبعضها بدرهم وقيراط وبعضها بدرهم ودانق وهذا معنى قوله : «ثم قروت شيئا بعد شيء» مأخوذ من قروت الأرض إذا أنبتت قطعة منها بعد قطعة على جهة التتبع لشيء فيها ، ولا يحسن أن تقول أخذته بدرهم فصاعد من جهتين :

ـ أحدهما أن صاعدا نعت ولا يجوز أن تعطف على الدرهم إلا المنعوت.

ـ والجهة الأخرى : أن الثمن لا يعطف بعضه على بعض بالفاء ؛ لأن الثمن يقع جملة عوضا من المبيع ، فلا يتقدم بعضها على بعض ، وإنما لم يعطف بالواو ؛ لأنها للجمع ، وإنما هو على ما فسره سيبويه أنك أخذت بعضه بثمن ، ثم زاد الثمن في بعض ، وتقديره فزاد الثمن صاعدا.

__________________

(١) ملحقات ديوان رؤبة بن العجاج ١٧٢ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٦ ، شرح النحاس ١٣٣ ، الخصائص ٢ / ٤٢٥.

١٦٥

قال : «ومن ذلك قول العرب : من أنت زيدا».

أصل هذا أن رجلا غير معروف بفضل ، كأنه سمي بزيد ، وكان زيد معروفا بشجاعة وضرب من ضروب الفضل التي يذكر بها الرجل ، فلما تسمى الرجل المجهول بزيد الذي هو معروف بالشجاعة والفضل عن ذلك وأنكر عليه فقيل له : من أنت زيدا؟ أي من أنت ذاكرا زيدا ومعروفا بهذا الاسم؟

وقد يجوز الرفع ، والنصب أقوى ؛ لأنك إذا رفعت فتقديره : كلامك زيد أو ذكرك زيد على معنى ذكرك ذكر زيد ، وكلامك اسم زيد فيكون على سعة الكلام.

وقد يجوز أن تقول لمن ليس اسمه بزيد من أنت زيدا؟ على المثل الجاري كما قالوا : «أطري إنك ناعلة» و «الصيف ضيعت اللبن» فتخاطب الرجل بهذا وإن كان اللفظ للمؤنث ؛ لأن المعنى أنت عندي بمنزلة التي قيل لها هذا.

ويجوز أن يذكر غير زيد باسمه ، كأن رجلا ذكر عمرا وذكر ملابسة بينه وبينه أو سؤالا عنه وكأن منزلة عمرو ترفع عند بكر إن يسأل عنه مثل هذا الرجل السائل ، فقال له : من أنت عمرا؟ كأن في سؤاله عن عمرو ما يتشرف به أو يكتسب به حالا فيها فخر فقال من أنت سائلا عن عمرو مفتخرا به؟

وأما ما حكاه من قول القائل لرجل سأله لم يذكر ذلك الرجل «من أنت فلانا» فيجوز أن يكون على معنى التعريض ؛ لأنه ليس بموضع يذكر معه غيره قال : «ومن ذلك قول العرب أما أنت منطلقا انطلقت معك .. وقال الشاعر :

* أبا خراشة أما أنت ذا نفر

فإن قومي لم تأكلهم الضبع (١)

قال : «فإنما هي «أن» ضمت إليها ما للتوكيد ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضا من ذهاب الفعل».

اختلف البصريون والكوفيون في قولهم (أما أنت منطلقا)

فقال الكوفيون هو بمعنى إن وأن المفتوحة فيها معنى إن التي للمجازاة عندهم ، وعلى هذا يحملون (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢]. وهي قراءة حمزة.

وأما البصريون فالتقدير عندهم لئن كنت منطلقا أنطلق معك ، أي لانطلاقك في الماضي أنطلق معك ، ولذلك شبهها سيبويه ب «إذ» وجعلها كشيء واحد.

وإذا ولي «أن» الفعل الماضي فهو ماض لا غير كما إذا وليها المستقبل فهو للاستقبال لا غير ومن أجل أن الثاني استحق بالأول جاز دخول الفاء في الجواب في قوله : «فإن قومي لم

__________________

(١) ديوان العباس ١٢٨ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٨ ، شرح النحاس ١٣٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٤.

١٦٦

تأكلهم الضبع» والضبع ههنا السنة الشديدة.

قال : «ومثل ذلك قولهم : «إما لا» الأصل فيه أن الرجل قد يمتنع من أشياء يلزمه أن يفعلها ويسومه إياها سائم ، فيقنع منها بالبعض فيقول له «إما لا» على معنى إن كنت لا تفعل غير هذا فافعل هذا ، ثم زيدت ما كما تزاد في حرف الجزاء ثم حذف الفعل لكثرة هذا في كلامهم وصار «إما» مع «لا» كالشيء الواحد عندهم.

وقولهم : آثرا ما معناها من قولك آثرا أن تفعل كذا وأنت تريد افعل هذا أول شيء أي أول ما يؤثر يقدم في الفعل.

قال : «ومن ذلك قولهم : مرحبا وأهلا. وإن تأتني فأهل الليل وأهل النهار».

وتقدير الناصب في هذا : أتيت رحبا وأهلا وإن تأتني فتأتي أهل الليل ، وأهل النهار ، على معنى أنك تأتي من يكون لك كالأهل بالليل والنهار.

وقد قدره سيبويه برحبت بلادك وأهلت ، وهذا التقدير إنما قدره بفعل ؛ لأن الدعاء إنما يكون بالفعل ، فقدره بفعل من لفظ الشيء المدعو به وإن لم يكن المعنى على ذلك ، ألا ترى أن الإنسان الزائر إذا قال له المزور : مرحبا وأهلا ، فليس يريد : رحبت بلادك وأهلت ، إنما يريد ، أصبت رحبا وسعة وأنسا ؛ لأن الإنسان إنما يأتي بأهله ومن يألفه.

قال : «ومنهم من يرفع فيقول : أهل ومرحب. وأنشد :

* وبالسهب ميمون النقيبة قوله

لملتمس المعروف : أهل ومرحب (١)

أي : هذا أهل ومرحب.

وحقيقته : هذا أهل مثل أهلك.

والسهب : موضع مستمر. يصف أنه بذلك الموضع رجل ميمون النقيبة ، والنقيبة : الخليفة.

وأنشد أيضا :

* إذا جيت بوابا قال : مرحبا

ألا مرحب واديك غير مضيق (٢)

كأنه قال : ألا مرحب ، أو لك مرحب ، ولو نصب أيضا لجاز.

هذا باب ما يظهر فيه الفعل وينتصب الاسم لأنه مفعول

معه ومفعول به ...

وذلك قولك : ما صنعت وأباك ... ومثل ذلك : ما زلت وزيدا حتى فعل.

وقال الشاعر :

__________________

(١) ديوان طفيل ١٩ ، شرح الأعلم ١٤٩ ، المقتضب ٣ / ٢١٩ ، شرح النحاس ١٣٧.

(٢) ديوان أبي الأسود ١٠٩ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٩ ، المقتضب ٣ / ٢١٩ ، شرح النحاس ١٣٨.

١٦٧

* فكونوا أنتم وبني أبيكم

مكان الكليتين من الطحال (١)

وقال آخر :

* فكان وإياها كحران لم يفق

عن الماء إذ لاقاه حتى تقددا (٢)

فنصب بني أبيكم على أنه مفعول معه.

وقوله : فكان وإياها بتلك المنزلة.

ومذهب سيبويه أنك إذا قلت : ما صنعت وأباك؟ أن الأب منصوب بصنعت ، وكان الأصل فيه : ما صنعت مع أبيك؟

ومعنى «مع» والواو متقاربان ؛ لأن معنى «مع» الاجتماع والانضمام ، والواو تجمع ما قبلها مع ما بعدها وتضمه إليه ، وأقاموا الواو مقام «مع» ؛ لأنها أخف في اللفظ. والواو حرف لا يقع عليه الفعل ولا يعمل في موضعه ، فجعلوا الإعراب الذي كان في «مع» من النصب في الاسم الذي بعد الواو ، إذ لم تكن الواو معربة ولا في (موضع) معرب كما قالوا : ما جاءني أحد إلا زيد ، وجاءني القوم إلا زيدا فإذا جئت «بغير» أعربتها بإعراب الاسم الذي يقع بعد «إلا» فقلت : ما قام أحد غير زيد ، وما جاءني غير زيد وجاءني القوم غير زيد ، فإذا جعلوا إلا مكان غير تجاوز الإعراب الذي كان في غير إلى ما بعد إلا ؛ لأنها حرف غير عامل.

وكذلك ما زلت وزيدا ، لما كانت «الباء» عاملة في قولك : ما زلت بزيد ، لم يكن للفعل الذي قبلها عمل في ما بعدها لأن الباء في موضع نصب فإذا قلت : ما زلت وزيدا ، ، تجاوز النصب الذي كان يقدر في الباء إلى ما بعد الواو.

وكان الزجاج يقول : إذا قلت : ما صنعت وأباك فإنما تنصب بإضمار فعل ، كأنه قال : ما صنعت ولابست أباك ، قال : من أجل أنه لا يعمل الفعل في المفعول وبينهما الواو.

والقول قول سيبويه ؛ لأنك تقول : ضربت زيدا وعمرا ، فتعمل ضربت في زيد دون واسطة إذ كان الكلام مستغنيا عنها لعمله في عمرو بواسطة حرف عطف ، فقد عمل الفعل في مفعوله وبينهما حرف. وكذلك : «ما ضربت إلا زيدا» فتعمل ضربت في زيد وبينهما إلا.

واعلم أن الواو لا يذهب بها إلا معنى «مع» حتى يكون فيها معنى غير العطف المحض ، والعطف المحض : أن توجب لكل واحد من الاسمين الفعل من غير أن يتعلق فعل أحدهما بالآخر كقولك : قام زيد وعمرو وما صنع زيد وعمرو إذا أردت أن كل واحد منهما فعل فعلا لا يتعلق بالآخر.

فإن أردت : ما صنع زيد مع عمر؟ على معنى إلى أي شيء انتهيا فيما بينهما من

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٥٠ ، مجالس ثعلب ١ / ١٠٣ ، شرح النحاس ١٣٩.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٥٠ ، شرح ابن السيرافي ١ / ١٣٤.

١٦٨

خصومة أو مواصلة أو غير ذلك ـ جاز النصب.

هذا باب معنى الواو فيه كمعناها

في الباب الأول

إلا أنها تعطف الاسم ههنا على ما لا يكون ما بعده إلا رفعا على كل حال. وذلك قولك : أنت وشأنك ... وما شأنك وشأن زيد؟ وما أنت وعبد الله؟.

قال الشاعر :

* يا زبرقان أخا بني خلف

ما أنت ـ ويب أبيك ـ والفخر (١)

وقال آخر :

* وأنت امرؤ من أهل نجد وأهلنا

تهام فما النجدي والمتغور (٢)

وقال :

* وكنت هناك أنت كريم قيس

فما القيسى بعدك والفخار (٣)

إن قال قائل : نحن متى عطفنا شيئا على شيء بالواو ، دخل الآخر في ما دخل فيه الأول ، واشتركا في المعنى وكانت الواو بمعنى «مع» كقولنا : قام زيد وعمرو ، فكيف اختصصتم هذا الباب والذي قبله بمعنى «مع»؟

قيل له : قولنا : قام زيد وعمرو ، ليس أحدهما لابسا للآخر ولا بينهما فرق في وقوع الفعل من كل واحد منهما على حدة.

وإذا قلنا : ما صنعت وأباك؟ ، أو ما أنت والفخر؟ فإنما تريد : ما صنعت مع أبيك؟ وأين بلغت في فعلك به وفعله بك؟ وما أنت مع الفخر في افتخارك وتحققك به.

ويدلك على صحة هذا المعنى أن قائلا لو قال : زيد وعمرو ، وهو يريد : خارجان أو قائمان ، لم يجز حذف الخبر ؛ لأنه بمنزلة قولك : زيد معرى من الخبر.

ويجوز أن تقول : أنت وشأنك ، فتكتفي بهذا اللفظ وتضمر الخبر ، وتقديره : أنت وشأنك معروفان ؛ لأن الواو إذا كانت بمعنى «مع» دلت على ذلك.

وأجاز سيبويه أن تقول : ما أنت وعبد الله؟ وكيف أنت وعبد الله؟ وقدره على معنى : ما كنت وزيدا ، وكيف تكون وزيدا؟

وأنكر المبرد لفظه في تقدير الناصب ، وقال : لم جعل «كيف» مختصة بتكون ، و «ما» مختصة بكنت؟.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٥١ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٦ ، المؤتلف ١٧٩.

(٢) ديوان جميل ٩١ ، شرح الأعلم ١ / ١٥١ ، الكامل ١ / ٣٣٣ ، شرح النحاس ١٤٠.

(٣) شرح الأعلم ١ / ١٥١ ، شرح النحاس ١٤٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٦٦.

١٦٩

ولم يذهب سيبويه في ذلك إلى اختصاص «كيف» بالمستقبل و «ما» بالماضي وإنما أراد التمثيل على الوجه الذي يمكن أن يمثل به.

واستدل سيبويه على أن قولهم : ما أنت وزيدا؟ وهم يريدون معنى مع.

وأنشد :

* تكلفني سويق الكرم جرم

وما جرم وما ذاك السويق (١)

استكثر لها شرب الخمر.

وبعد هذا البيت :

وما عرفته جرم وهو حل

فلما أنزل التحريم فيها

وما غالى بها إذ قام سوق

إذا الجرمي عنها لا يفيق

يريد أنه لم يكن محل جرم أن تعرف الخمر في الجاهلية ولا تشربها ، وإنما ذكر «عرفته» ؛ لأنه رده إلى لفظ «السويق» وسويق الكرم : الخمر. فسماها بذلك لانسياقها في الحلق. وبذلك سمي السويق لأنه يشرب ولا يؤكل.

وأنشد لبعض الهذليين :

* وما أنا والسير في متلف

يبرح بالذكر الضابط (٢)

كأنه قال : ما كنت مع السير؟

ومعنى يبرح : يشق عليه ويجده. والضابط : القوي الشديد. يصف جملا.

وأنشد :

* فمن يك سائلا عني فإنّي

وجروة لا ترود ولا تعار (٣)

فعطف «جروة» على المنصوب «بإن» والمعنى مع ، فاستغنى عن ذكر الخبر لذلك ، وهو كقول العرب (إنك وما وخيرا) يريدون إنك مع خير ، و «ما» زائدة ، والخبر محذوف ، وقد بينت جواز حذفه.

أنشد :

* أزمان قومي والجماعة كالذي

منع الرحالة أن تميل مميلا (٤)

أراد : أزمان قومي كان مع الجماعة ، وحذف «كان» ؛ لأنهم يستعملونها كثيرا في مثل

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٥٢ ، الكامل ١ / ٣٣٣ ، شرح النحاس ١٤٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٠.

(٢) ديوان الهذليين ٢ / ١٩٥ ، شرح الأعلم ١ / ١٥٣ ، شرح النحاس ١٤١ ، شرح السيرافي ٣ / ٧١.

(٣) ديوان عنترة ٦٥ ، شرح الأعلم ١ / ١٥٢ ، أنساب الخيل ٢٢ ، شرح النحاس ١٤١.

(٤) جمهرة أشعار العرب ٧٤٣ ، شرح الأعلم ١ / ١٥٤ ، شرح النحاس ١٤٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٧١.

١٧٠

هذه المواضع ، ولا لبس فيه ولا تغير معنى.

وأنشد عن أبي الخطاب عن بعض العرب :

* أتوعدني بقومك يا ابن حجل

أشابات يخالون العبادا (١)

بما جمعت من حضن وعمرو

وما حضن وعمرو والجيادا

فنصب الجياد على تقدير : وما حضن وعمرو مع الجياد وأشابات : أخلاط. نصبهم على الذم ، وإن شئت كان مخفوضا على البدل من القوم.

وأنشد فيما حمل على المعنى :

* فلم أر مثلها خباسة واحد

ونهنهت نفس بعد ما كدت أفعله (٢)

أراد : كدت أن أفعله ، فحذف «أن» ضرورة بعد أن قدرها مستعملة للضرورة ، وغير سيبويه يقول : أنهم أرادوا : بعد ما كدت أفعلها فحذفوا الألف وسكنوا الهاء وألقوا حركتها على اللام ، وقد جاء مثل ذلك في كلامهم ، وبعضهم يقول : أراد فعلته ، فحذف النون وبقيت اللام مفتوحة.

كما قال :

* اضرب عنك الهموم طارقها

ضربك بالسوط قونس الفرس (٣)

فحذف النون من «اضربن»

ومعنى الخباسة في البيت : الظلامة ، ومنه يقال : رجل خبوس ، أي ظلوم.

هذا باب ما يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام

إذ حمل آخره على أوله ، وذلك قولك : مالك وزيدا ، وما شأنك وعمرا

قال الشاعر :

* فما أنا والتلدد حول نجد

وقد غصت تهامة بالرجال (٤)

وقال آخر :

* فما لكم والفرط لا تقربونه

وقد خلته أدنى مرد لعاقل (٥)

التلدد : الذهاب والمجيء كالتخير ، وأصله من الديدين ، وهما صفحتا العنق.

ونصب التلدد بإضمار الملابة ، وكذلك نصب الفرط في البيت الذي بعده.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٥٣ ، شرح النحاس ١٤٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٢.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٥٥ ، فرحة الأديب ٨٠ ، الإنصاف ٢ / ٥٦١.

(٣) نوادر أبي زيد ١٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٤ ، المسائل العسكرية ١٩٦ ، الخصائص ١ / ١٢٦.

(٤) ديوان الهذليين ٢ / ٤٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٧٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ١٣٠.

(٥) شرح السيرافي ٣ / ٧٩ ، الأعلم ١ / ١٥٥.

١٧١

واستدل سيبويه على أنه لا يحسن عطف «عمرو» على «الشأن» بأنك لو قلت : ما شأنك وما عبد الله؟ لم يحسن لأن الشأن ليس يلبس بعبد الله كالتباس «جرم» «بالسويق» إذا قلت : ما جرم وما ذاك السويق ، وإنما التباس عبد الله بالكاف إلا أنه لا يعطف عليها ؛ لأنها ضمير مجرور ، ولو كان اسما ظاهرا لعطف عليه.

هذا باب ما ينتصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره

وذلك قولك : سقيا لك وجوعا ونوعا ورعيا.

قال الشاعر :

* تفاقر قومي إذ يبيعون مهجتي

بجارية بهرا لهم بعدها بهرا (١)

معنى بهرا : قهرا ، أي : غلبوا غلبا من قولك : بهرني الشيء ، أي غلبني. ومنه القمر الباهر إذا تم ضوؤه وغلب.

ومعنى قولهم : جوعا وبوعا ، أي : جوعا وعطشا ، وقيل : هو اتباع وأنشد لأبي زبيد يصف أسدا :

* أقام وأقوى ذات يوم وخيبة

لأول من يلقى وشر ميسر (٢)

أراد : أقام السد. وأقوى : لم يأكل شيئا. والقواء : فناء الزاد.

وخيبة لأول من يلقى الأسد المقوى الجائع ، وليس هذا على معنى الدعاء عليه ولكنه متوقع كما أن المدعو به متوقع في حال الدعاء ، فلذلك استشهد به سيبويه.

قال : ومثله في الرفع :

* عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم

يقول الخنا أو تعتريك زنابره (٣)

فرفع عذيرك ، والأكثر نصبه ، والذي يرفعه يضمر خبره. أراد بالزنابر : ذكره إياه بالسوء واغتيابه.

قال : «ومثله قول حسان» :

* أهاجيتم حسان عند ذكائه

فغي لأولاد الحماس طويل (٤)

فهذا دعاء من حسان عليهم ؛ لأنه هجا رهط النجاشي ، ورفع كما رفع ما تقدم ، وفيه معنى الدعاء ، والذكاء : انتهاء السن.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٥٧ ، الكامل ٢ / ٢٤٥ ، شرح النحاس ١٤٣.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٥٧ ، شرح المفصل ١ / ١١٤ ، اللسان ٥ / ٢٩٧.

(٣) شرح الأعلم ١ / ١٥٨ ، شرح النحاس ١٤٤ ، شرح السيرافي ٣ / ٨٢.

(٤) ديوان حسان ٣٥٨ ، شرح الأعلم ١ / ١٥٨ ، شرح النحاس ١٤٤.

١٧٢

هذا باب ما أجري من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها

وذلك قولك : تربا وجندلا

اعلم أن هذا الباب يدعى فيه بجواهر لا أفعال لها ، وعبر عنها سيبويه «بأفعال» على جهة التمثيل لوقوعها موقع المصادر المدعو بها ، والرفع فيها أقوى من الرفع في المصادر.

وأنشد :

* لقد ألب الواشون ألبا بجمعهم

فترب لأفواه الوشاة وجندل (١)

معنى ألب : جمع ، وكنى بالترب والجندل عن الخيمة.

فتا : «ومثله : «فاها لفيك يريد فا الداهية» فجعل فاها منصوبا بمنزلة تربا ، كأنه قال : تربا لفيك ، وإنما يخصون في مثل هذا : الفم ؛ لأن أكثر المتالف فيما يأكله الإنسان أو يشربه من السم وغيره.

وجعل سيبويه هذا بدلا من اللفظ بقولك :

«دهاك الله» تقريبا ؛ لأنه في معنى الدعاء به.

وأنشد :

* تحسب هواس وأقبل أنني

بها مفتد من واحد لا أغامره

فقلت له : فاها لفيك فإنّها

قلوص امرئ قاريك ما أنت حاذره (٢)

يصف أسدا ، والهواس : من أسماء الأسد. وتحسب تحسس ويجوز أن يكون بمعنى اكتفى ، والمعنى أنه عرض لناقة له فحكى عن الأسد أنه توهم أنني أدع الناقة وأفتدي بها من الأسد ، وواجه هو الأسد.

وقوله : «لا أغامره» أي : لا أرد معه غمرات الموت. ويروى : «وأقبل أنني» فيكون تحسب على هذا بمعنى ظن ، وقوله : «فاها لفيك» دعاء عليه بإصابة الداهية له ، وهو على وجه التهدد.

قال : «والدليل على أنه يريد الداهية قوله» :

* وداهية من دواهي المنو

ن يرهبها الناس لا فالها (٣)

المعنى أنها لشناعتها وعظيم أمرها ، لا يدري الناس كيف يأتونها ويتوصلون إليها.

هذا باب ما أجري مجرى المصادر المدعو بها من الصفات

وذلك : هنيئا مريئا

وليس في الباب غير هذين الحرفين ، وإنما أفرد لهما بابا لأنهما صفتان يدعى بهما ، ألا

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٥٨ ، المقتضب ٣ / ٢٢٢ ، شرح النحاس ١٤٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٨٤.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٥٩ ، نوادر أبي زيد ١٨٩ ، شرح النحاس ١٤٥ ، أمالي القالي ١ / ٢٣٦.

(٣) شرح الأعلم ١ / ١٥٩ ، شرح النحاس ١٤٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٨٦.

١٧٣

ترى أنك تقول : هذا شيء هنيء مريء ، كما تقول : هذا رجل صبيح جميل.

واستدل سيبويه على أنهما بدل من الفعل باستعمال الفعل مكانهما.

وأنشد :

* إلى إمام تغادينا فواضله

أظفره الله فليهنئ له الظفر (١)

فجعل «فليهنئ» بمنزلة : هنيئا له الظفر.

وأنشد :

* هنيئا لأرباب البيوت بيوتهم

وللعزب المسكين ما يتلمس (٢)

فجعل «هنيئا» بدلا من هنأة ذلك.

هذا باب ما أجري من المصادر المضافة مجرى

المصادر المفردة المدعو بها

وذلك قولك : ويحك وويسك.

ذكر سيبويه هذه الأشياء على نحو استعمال العرب لها ، ولم يجز «سقيك» ؛ لأن العرب لم تدع به.

ولم يجعل هذا قياسا يتبع ؛ لأنها أشياء وضعت موضع الفعل دون أن يذكر معها فلا يجوز تجاوزها إلى غيرها ؛ لأن الإضمار والحذف اللازم ليس بمستمر.

قال : «وهذا حرف لا يتكلم به مفردا .. وهو قولك : ويلك وعولك»

وهذا كالإتباع الذي لا يؤتى به إلا بعد شيء يتقدمه.

فإن قال قائل : عولك لا يجري مجرى الإتباع لأمرين :

ـ أحدهما : أن فيه الواو ، والإتباع المعروف لا يكون بعد الواو.

ـ والآخر : أن «عولك» معنى معروف ؛ لأنه من عال يعول كما تقول : جاز ، يجوز ، قيل له : إنما أراد سيبويه أنه لا يستعمل في الدعاء ـ وإن كان مفعول المعنى ـ إلا عطفا ، ولم يرد باب الإتباع الذي هو بمنزلة أجمعين أكتعين.

هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره

من المصادر في غير الدعاء

ومن ذلك قولك : حمدا وشكرا

اعلم أن هذه المصادر أخبار يخبر بها المتكلم عن نفسه وليس بدعاء ، ولكنها ضارعت الدعاء لاستعمال الأفعال المضمرة.

__________________

(١) ديوان الأخطل ١١٠ ، المقتضب ٤ / ٣١٢ ، شرح النحاس ١٤٦ ، شرح المفصل ١ / ١٢٣.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٦٠ ، شرح النحاس ١٤٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٨٧.

١٧٤

ومعنى قوله : «ولا كيدا ولا همّا» أي : لا أكاد أفعل ذلك كيدا ، ولا أهم به همّا تبعيدا لما بقي أنه يفعله.

قال : «وقد جاء بعض هذا رفعا».

وأنشد لرجل من مذحج :

* عجبت لتلك قضية وإقامتي

فيكم على تلك القضية أعجب (١)

كأنه قال : أمر عجب.

يصف قضية غير مرضية يتعجب منها. وقبل هذا :

* أم السوية أن إذا أخصبتم

وأمنتم فأنا العبيد الأجنب

وإذا تكون كريهة أدعى لها

وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

هذا وجدكم الصغار بعينه

لا أم لي إن كان ذاك ولا أب

ثم قال : عجبا لتلك قضية ...

قال : ومثل هذا في الرفع قوله :

* فقالت حنان : ما أتى بك ههنا

أذو نسب أم أنت بالحي عارف (٢)

كأنها قالت : أمرنا حنان ، ولم ترد الفعل ، ولو أرادته لقالت : حنانا. والحنان : الرحمة.

ومثله قول الشاعر :

* يشكو إلىّ جملي طول السرى

صبر جميل فكلانا مبتلى (٣)

والنصب في هذا أجود ؛ لأنه يأمره بالصبر لما تشكى إليه طول السرى.

هذا باب من المصادر ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره

ولكنها وضعت موضعا واحدا لا تتصرف

وذلك قولك : سبحان الله ومعاذ الله. وريحانة الله وعمرك الله ، وقعدك الله إلا فعلت كذا وكذا.

فصل سيبويه هذا الباب مما قبله من المصادر ؛ لأنه منصوب لا يتصرف تصرف غيره.

وأنشد :

* عمّرتك الله إلا ما ذكرت لنا

هل كنت جارتنا أيام ذي سلم (٤)

وأنشد أيضا :

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٦١ ، شرح النحاس ١٤٧ ، شرح ابن السيرافي ٣ / ٩٣ ، الخزانة ٢ / ٣٤.

(٢) الكتاب ١ / ١٦١ ، المقتضب ٣ / ٢٢٥ ، شرح النحاس ١٤٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٩٤.

(٣) شرح الأعلم ١ / ١٦٢ ، معاني القرآن ٢ / ٤٥ ـ ١٥٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٩٤.

(٤) شرح الأعلم ١ / ١٦٣ ، الكامل ٤ / ٧٧ ، المقتضب ٢ / ٦٢٨ ، شرح النحاس ١٤٨.

١٧٥

* عمرتك الله الجليل فإنني

ألوي عليك لو أن لبك يهتدي (١)

فعمرتك الله بمنزلة : عمرك الله ، ومعناه ذكرتك الله تذكيرا.

وأما سبحان الله : فإنه يستعمل مضافا وغير مضاف ، وإذا لم يضف ، ترك صرفه ؛ لأنه معرفة وفي آخره زيادتان ، فهو كعثمان ونحوه.

قال الأعشى :

* أقول لما جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاخر (٢)

أي : براءة منه. وقد ينون في الشعر.

قال أمية :

* سبحانه ثم سبحانا يعود له

وقبلنا سبح الجودي والجمد (٣)

أي : براءة له بعد براءة ، وتنزيها مما نسب إليه المشركون والملحدون.

والجود والجمد : جبلان معروفان. وأما ريحانة ففيه معنى الاسترزاق ، فإذا دعوت به كان مضافا وهو متصرف في الكلام متمكن.

وذكره سيبويه في جملة ما لا يتمكن ، ولعله أراد إذا ذكر مع سبحانه ، فقيل : سبحان الله وريحانة ، كان غير متمكن كسبحان.

فأما : «عمرك الله» فهو مصدرا ونصب على تقدير فعل ، فمنهم من يقدر : أسألك بعمرك الله ، وبتعميرك الله ، أي : وصفك الله بالبقاء.

ومنهم من يقدر أنشدتك بعمرك الله ، أي : أسألك ، وهم يستعملون أنشدتك في هذا المعنى فيقولون : أنشدتك بالله ، فإذا حذفوا الباء وصل الفعل ، ويصرفون منه فعلا ، فيقولون : عمرتك الله بمعنى ذكرتك الله وسألتك به.

وأما نصب اسم الله بعد عمرك ، فإنه منصوب بالمصدر فكأنه قال : أسألك الله ، وبوصفك الله بالبقاء.

وأجاز الأخفش رفعه على أن الفاعل للتذكير هو الله ، كأنه قال : أسألك بما ذكرك الله به.

وأما قعدك الله : فبمعنى : عمرك الله وفيه لغتان : قعدك الله ، وقعيدك الله ، وتقديره : أسألك بقعدك وبقعيدك ، ومعناه : بوصف الله عز وجل بالثبات والدوام ، مأخوذ من القواعد التي هي الأصول لما يثبت ويبقى. ولم يتصرف منه فعل فيقال : قعدتك الله كما يقال : عمرتك الله ؛ لأن العمر معروف في كلام العرب ، وهي كثيرة الاستعمال في اليمين ، فلذلك تصرف.

__________________

(١) ديوان عمرو بن أحمر ٦٠ ، شرح الأعلم ١ / ١٦٣ ، المقتضب ٢ / ٣٢٨ ، شرح النحاس ١٤٨ ، الخزانة ٢ / ١٥.

(٢) ديوانه ١٠٣ ، شرح الأعلم ١٦٣ ، المقتضب ٣ / ٢١٨ ، مجالس ثعلب ١ / ٢١٦ ، شرح النحاس ١٤٨.

(٣) ديوان أمية ٣٠ ، شرح الأعلم ١ / ١٦٤ ، المقتضب ٣ / ٢١٧ ، شرح النحاس ١٤٩.

١٧٦

وجواب هذه الأشياء يكون بستة وهي :

الاستفهام والأمر والنهي ، وإن ، وإلا ، وإما ؛ لأن هذه الأشياء كلها في معنى الطلب ، ومعناها : سألتك بالله ، وطلبت منك به ، وهذه الستة تصلح أن تتعلق بالسؤال على معنى الجواب.

ومن هذه المصادر قولهم : «سلاما» أي : براءة منك وتسليما ، وقد يضاف.

قال أمية :

* سلامك ربنا في كل فجر

بريئا ما تغنثك الذموم (١)

أي : تنزيها من السوء. ومعنى ما تغنثك ، أي : ما تلصق بك صفة ذم. وتغنثك بالثاء المنقوطة ثلاث نقط.

هذا باب يختار فيه أن يكون المصادر مبتدآت مبنيا عليها ما بعدها

وذلك قولك : الحمد لله والعجب لك وما أشبه ذلك.

اعلم أن العرب اختارت رفع هذه المصادر ، لأنهم جعلوها كالشيء اللازم الواجب فأخبروا عنها فجعلوها مبتدآت وما بعدها خبر عنها ، وصارت بمنزلة قولك : الغلام لزيد.

ثم ذكر سيبويه أن مواضع الابتداء للمعرفة ، ثم بين قبح ابتداء النكرة ، ووصل ذلك بأشياء قد ابتدأت العرب فيها بالنكرة.

فوجه لها وجها ، وذلك قولك : «شيء ما جاء بك» و «شر أهرّ ذا ناب» فذكر أنه حسن ذلك معناه : ما جاء بك ، وجرى مثلا فاحتمل.

ومعنى هذا : كأنهم سمعوا هرير كلب في وقت لا يهر في مثله إلا لسوء ، ولم يكن غرضهم الإخبار عن شر ، وإنما يريدون أن الكلب أهره شيء.

وكذلك قولهم : «شيء ما جاء بك» يقوله الرجل لرجل جاءه ، ومجيئه غير معهود في ذلك الوقت ، هذا ، ومعناه ، ما جاء بك إلا شيء حادث لا يعهد مثله.

ثم قال :

* «وقد ابتدئ المنكور في الكلام على غير الوجه الذي ذكر وعلى غير ما فيه معنى المنصوب».

وهو قولهم : «أمت في الحجر لا فيك» ومعناه : اعوجاج في الحجر لا فيك ، فحمله على أنه إخبار محض ، وجاز ذلك لأنه مثل.

وقال المبرد : أريد به معنى الدعاء ، كأنهم قالوا : جعل الله في الحجر أمتا لا فيك.

__________________

(١) ديوان أمية ٥٤ ، شرح الأعلم ١ / ١٦٤ ، شرح السيرافي ٣ / ١٠١ ، اللسان ٢ / ١٧٤.

١٧٧

هذا باب من النكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء

وذلك قولك : «سلام عليك ، ولبيك ، وخير بين يديك».

المراد في هذا : قوله : «خير بين يديك» ولكنه ذكره مع لبيك على ما استعملته العرب.

وجملة ما في هذا الباب قد تقدم في تضاعيف الأبواب المتقدمة.

وأجاز سيبويه النصب في هذا الباب وأنشد :

* كسا اللؤم تيما خصرة في جلودها

فويلا لتيم من سرابيلها الحصر (١)

قال : «ويقول الرجل : يا ويلاه ، فيقول الآخر : نعم ويلا كيلا».

وربما قالوا : ويل كيل ، يعني أن الذي قال : نعم ويلا كيلا ، يضمر مبتدأ وخبرا ، ويجعل ويلا كيلا في موضع الحال ، كأنه أظهر ، فقال : لك الويل ويلا كيلا أي : كثيرا ، ثم جعل «نعم» دليلا على الإضمار ؛ لأن «نعم» تحقيق لكلام يتكلم به وذلك الكلام الذي تحقيقه «نعم» هو قولهم : لك الويل : وما أشبهه.

وقوله : «وإن شاء جعله على قوله : جدعا وعقرا».

أي : إن شاء نصب «ويلا» و «كيلا» بإضمار فعل فجعله كأنه مصدر له ؛ لأن جدعا وعقرا على معنى : جدعك الله وعقرك عقرا.

هذا باب ما استكرهه النحويون وهو قبيح

فوضعوا الكلام فيه على غير ما وضعته العرب

وذلك قولك : ويح له ، وتب وتبا له وويحا

أما قوله : «استكرهه النحويون».

فيعني أنهم جمعوا في الدعاء بين شيئين لا تجمع العرب بينهما ، وقاسوا كلام العرب ، والشيئان :

ـ أحدهما : ويح لك وما جرى مجراه مما يكثر رفعه في كلامهم.

ـ والآخر : تبا لك. والاختيار نصبه في كلامهم.

فإن جمعوا بينهما ، فقدموا الذي يستحق الرفع حملوا الثاني عليه ، وكان يستحق النصب ، وإن قدموا المستحق للنصب أتبعوه المستحق للرفع فنصبوه.

وسيبويه يختار أن يحمل كل واحد منهما على وجهه إذا أفرد. فإن قالوا : تبا له وويحا فلم يأتوا بخبر للآخر ، وافقهم سيبويه على النصب لعدمه الخبر ؛ لأن العرب لا تقول : ولا ويل إلا مع خبرها.

__________________

(١) ديوان جرير ١ / ٢١٢ ، شرح الأعلم ١ / ١٦٧ ، شرح ابن السيرافي ١ / ١٥١.

١٧٨

هذا باب ما ينتصب فيه المصدر كان فيه الألف

واللام أو لم يكونا فيه .. وذلك قولك : ما أنت إلا سيرا

وما أنت إلا ضربا

هذا ونحوه يقال : لمن كثر منه الفعل وواصله واستغنى عن إظهار الفعل بدلالة المصدر عليه ، ولك أن ترفع فتقول : إنما أنت سير على معنى إنما أنت صاحب سير.

وأنشد لجرير :

* ألم تعلم مسرجي القوافي

فلا عيّا بهن ولا اجتلابا

كأن قائلا قال : هو عيابهم واجتلابا لهن على معنى يعي بهن عيّا ، ويجتلبهن اجتلابا ، فأدخل «لا» على التقدير ، والفاء في قوله «فلا عيّا بهن» دخلت لمعنى الاتصال ، أي : إذا سرحت القوافي ، اتصل بتسريحي لها أن لا أعيى ولا اجتلب.

وأنشد للخنساء في الرفع :

* ترتع ما غفلت حتى إذا اذكرت

فإنما هي إقبال وإدبار (١)

أي : ذات إقبال وذات إدبار.

تصف ناقة فقدت ولدها فهي ترتع ما غفلت عن ذكره حتى إذا ذكرته ، ألهاها ذلك عن الرعي فأقبلت وأدبرت.

وأنشد لمتمم :

* لعمري وما دهري بتأبين هالك

ولا جزع مما أصاب فأوجعا (٢)

أي : بدهر تأبين مالك ، وجعل الدهر هو التأبين مجازا ، والتأبين : الثناء على الرجل بعد موته.

وأنشد للعجاج :

* أطربا وأنت قنّسري (٣)

كأنه قال : أتطرب وأنت قنسري ، ينكر عليه الطرب مع هذه الحال والقنسري : المسن في هذا الموضع.

قال : ومثله قول بعض العرب ـ وهو يعزى إلى عامر بن الطفيل ـ أغدة كغدة البعير ، وموتا في بيت سلولية.

يقول هذا حين أصابته الغدة ، وهو داء إذا أصاب البعير لم يلبثه حتى يموت ، وكان قد أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم هو وأربد بن ربيعة أخو لبيد ليغتالاه ، فأطلعه الله على ذلك ودعى عليهما فقال :

__________________

(١) ديوانها ٤٨ ، شرح الأعلم ١ / ١٦٩ ، الكامل ١ / ٢٨٧ ، المقتضب ٣ / ٢٣٠ ، مجالس العلماء ٢٦٠.

(٢) المفضليات ٢٦٥ ، شرح الأعلم ١ / ١٦٩ ، شرح السيرافي ٣ / ١١٧ ، اللسان ٤ / ٢٩٤.

(٣) ديوان العجاج ٦٦ ، المقتضب ٣ / ٢٢٨ ، شرح النحاس ١٤٩ ، شرح السيرافي ٣ / ١١٨.

١٧٩

«اللهم اكفني عامرا وأربد» فأصابت أربد صاعقة ، وأصابت عامرا الغدة.

وأنشد لجرير :

* أعبدا حل في شعبي غريبا؟

ألؤما لا أبا لك واغترابا؟ (١)

الشاهد في قوله : ألؤما.

وبخه على ما يأتيه من اللؤم مع غربته ، وشعبي : اسم موضع.

قال : «ومثل ما تنصبه في هذا الباب وأنت تعني نفسك قول الشاعر» :

* سماع الله والعلماء أنّي

أعوذ بحقو رأسك يا ابن عمرو (٢)

كأنه قال : أسمع الله هذا ، كما تقول : أشهد الله بهذا على نفسي ، ولو نون سماعا لنصب «الله» و «العلماء» فقال : سماعا الله بمعنى : إسماعا الله كما تقول : أعطيته عطاء بمعنى إعطاء.

هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي أخذت من الأفعال انتصاب الفعل

استفهمت أو لم تستفهم

وذلك قولك : أقائما وقد قعد الناس ، وأقاعدا وقد سار الركب

وهذا الباب مثل الذي قبله ، غير أن الأول مصدر وهذا اسم فاعل ، وقدره سيبويه في العمل تقدير المصدر فقال : «كأنه لفظ بقوله : أتقوم قائما؟ وأتقعد قاعدا ولكنه حذف استغناء».

وهذا ينكره بعض الناس ؛ لأن لفظ الفعل لا يكاد يعمل في اسم الفاعل الذي من لفظه ، فإذا جاء ذلك صرف إلى أنه مصدر لا اسم فاعل.

والقول فيه ما قاله سيبويه ، أنه حال لا مصدر ؛ لأنه قد تكون الحال توكيدا ، كما يكون المصدر تأكيدا وإن كان الفعل قد دل عليه ، قال الله عز وجل : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء ٨٩].

واعلم أنه لا يجوز أن تقول : قائما زيد مبتدئا بهذا من غير حال تدل عليه ، لأنه يجوز أن يكون التقدير : أثبت قائما ، وتكلم قائما ، وشبهه مما لا يحصر.

فأما قوله : «عائذا بالله من شرها».

فإنما جاز ذلك لأنه رأى شيئا يتقى فصار عند نفسه في حال استعاذة حتى صار في منزلة الذي رآه في حال قيام أو قعود ، فقال : عائذا بالله ، كأنه قال : أعوذ بالله عائذا.

وأنشد لعبد الله بن الحارث السهمي من الصحابة :

* ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا

وعائذا بك أن يعلوا فيطغوني (٣)

__________________

(١) ديوان جرير ١ / ٦٢ ، شرح الأعلم ١ / ١٧٠ ، شرح السيرافي ٣ / ١١٩.

(٢) شرح الأعلم (١ / ١٧٠ ـ ١٧٣) ، شرح النحاس ١٤٩.

(٣) شرح الأعلم ١ / ١٣١ ، شرح النحاس ١٥٠ ، شرح السيرافي ٣ / ١٢٢.

١٨٠