النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

وأنشد سيبويه في ما يكون لفظه واحدا ومعناه جمع قول علقمة :

* بها جيف الحسرى فأما عظامها

فبيض وأما جلدها فصليب (١)

وقال آخر :

* ولا تنكر القتل وقد سبينا

في حلقكم عظم وقد شجينا (٢)

أراد علقمة وأما جلودها ، فاكتفى بالواحد عن الجمع.

وصف فلاة قطعها وذكر بعدها فقال بها جيف الحسرى ، أي جيف الإبل المعيبة التي تركت في الفلاة لبعدها ، فأما عظامها فبيض ، أي : قد تفصلت عنها وظهرت من اللحم وأكلت الطيور والسباع ما عليها ، وأما جلودها فقد سال ودكها عنها بوقوع الشمس وإحمائها عليها.

وأراد في البيت الثاني حلوقكم عظم ، وكان هؤلاء قوما سبوا من عشيرة هذا الشاعر ، وباعوا ما سبوا منهم ثم شاب لعشيرة هذا الشاعر ظفر بمن سبي منهم فقتلوا منهم ، فقال شاعرهم وهو المسيب بن زيد مناة الغنوي من القبيلة التي عاقبت وقتلت ، يخاطب الآخرين الذين سبوا منهم لا تنكروا القتل وقد سبينا.

وقوله شجينا ، أي شجينا نحن وفي حلقكم عظم ، وهذا مثل ، كأنه يقول : قد غصصتم بشدة ما نزل بكم ، كأنه في حلوقكم عظاما لا تنزل ولا تخرج ، ومعنى شجينا : أي غصصنا نحن كما غصصتم أنتم بما أصابنا قبلكم من السبي.

وأنشد :

* كلوا في بعض بطنكم تعفوا

فإن زمانكم زمن خميص (٣)

أراد في بعض بطونكم.

ومعنى البيت أنهم في زمن مجاعة فيأمرهم أن يأكلوا بعض الشبع ، فإن

الزمان فيه جدوبة.

باب استعمال الفعل في اللفظ لا ف

ي المعنى لاتساعهم في الكلام والإيجاز والاختصار

اشتمل هذا الفصل الذي في صدر الباب على أشياء تحتاج إلى تفسير.

ـ اعلم أن في الظروف ما يجوز أن يستعمل اسما كزيد وعمرو وكقولك :

صمت اليوم على مثل : ضربت زيدا.

__________________

(١) ديوانه ١٠٩ ، المفضليات ٣٩٤ ، المقتضب ٢ / ١٧٠ ، الخزانة ٧ / ٥٥٩.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٠٧ ، المقتضب ٢ / ١٧٠ ، شرح النحاس ٧٢.

(٣) شرح الأعلم ١ / ١٠٨ ، الكتاب ٢ / ٢١٠ ، المقتضب ٢ / ١٧٠.

١٤١

ـ واعلم أن المبتدأ إذا وقع الفعل على ضميره فنصبه جاز أن يسمى مفعولا على المعنى كقولك : زيد ضربته ، يجوز أن يقال : زيد مفعول.

ـ واعلم أن الاسم الذي يستفهم به إذا كان له موضع من الإعراب ، فجوابه يكون على لفظ ما يستحقه الاستفهام ، وعلى تقدير عامله الذي عمل فيه.

ـ واعلم أن الظرف الذي يجوز إجراؤه مجرى الابتداء ، يجوز أن يقام الفاعل مجازا لأنا قد جعلناه بمنزلة زيد كقولك : سير بزيد يوم طويل.

ـ واعلم أن المقادير المضافة إلى الأنواع والمميزة بها ، حكمها حكم الأنواع كقولك : سرت عشرة أيام ، فعشرة ظرف ؛ لأنها مقدار أضيفت إلى أيام ، وأيام ظرف ، وكذلك : سرت عشرين يوما.

وجميع هذا تفسير للفصل الذي صدر به سيبويه ، ومعنى قوله :

«ولذلك وضع السائل كم غير ظرف».

يريد أن الضمير الذي في «صيد» إذا قلت : كم صيد عليه؟ ضمير يعود إلى «كم» قد أقيم مقام الفاعل ولم يجعل ظرفا ، فعبر بلفظ كم عن ضميره.

قال «ومثال ذلك بنو فلان يطؤهم الطريق» يريد : يطؤهم أهل الطريق. وهذا مدح ، والمعنى فيه أن بيوتهم على الجادة فالمارة تنزل عليهم ويضيفونهم ، فجعل مرور أهل الطريق بهم وطأهم إياهم.

قال : «وفي السعة مثله أنت أكرم عليّ من أن أضربك».

والقول في هذا ما قاله الزجاج ، قال : إن قدرته «أنت أكرم علي من ضربك» لم يجز وهو ظاهر الكلام ، فإن حمل المعنى عليه بطل. قال : وتهذيب هذا هو كأن قائلا قال : أنت تضربني ، فنسب الضرب إلى نفسه ، فقال الآخر : أنت أكرم علي من صاحب الضرب الذي نسبته نفسك ، وليس لك .. فكأنه قال : أنت أكرم على ممن يستحق ما زعمت أنه لك ونسبته إلى نفسك.

ونظير هذا قوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) [القصص : ٦٢] فأضاف الشركاء إلى نفسه حكاية لقولهم وزعمهم أنهم له شركاء والمعنى : أين شركائي على زعمكم.

وأنشد للنابغة الجعدي :

* كأن عذيرهم بجنوب سلى

نعام قاق في بلد قفار (١)

العذير : الصوت ههنا والمعنى كأن صوتهم نعام ، ثم حذف وقاق صوت.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٠٩ ، الكامل ٢ / ٣٢٢ ، شرح النحاس ٧٢ ، شرح السيرافي ٢ / ٩٣٤.

١٤٢

وأنشد لعامر بن الطفيل :

* ولأبغيكم قنا وعوارضا

ولأقبلن الخيل لابة ضرغد

أراد بقنا وعوارض ، فحذف الباء وأوصل الفعل. ومعناه لأطلبنكم بهذين المكانين.

وأنشد للحطيئة :

* وشر المنايا ميت بين أهله

كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضره (١)

يريد وشر المنايا منية ميت مات بين أهله كموت الفتى وقد أسلم الحي حاضره. والحي هو الفتى قد أسلمه الحاضرون له من أهله ؛ لأنه لا حيلة لهم في دفع المرض والموت عنه.

وأنشد للجعدي

* وكيف تواصل من أصبحت

خلالته كأبي مرحب (٢)

يريد : كخلاله : أبي مرحب والخلالة : الصداقة.

هذا باب وقوع الأسماء وتصحيح

للفظ على المعنى

قال «وتقول متى سير عليه؟ فيقال أمس وأول من أمس فيكون ظرفا. على أنه كان السير في ساعة منه. دون سائر الساعات ـ ويكون أيضا على أن يكون السير في اليوم كله».

اعلم أن الظروف تنقسم قسمين :

ـ أحدهما يتضمن أجزاءه كلها الفعل.

ـ والآخر يتضمن جزءا منه الفعل واللفظ يجري على الكل.

ـ فالأول كقولك : صمت اليوم.

ـ والثاني كقولك : ضحكت اليوم ، وتكلمت يوم الجمعة ، وإنما يعلم ذلك بما يعتاده الناس في الأفعال التي تتصل والتي تنقطع.

فإذا كان الفعل يتصل حال وينقطع في حال كالسير وما أشبه جاز أن تنوي اتصاله بالظرف كله ، واتصاله ببعضه ، وسواء في ذلك أن تنصب الظرف أو ترفعه ، فتقيمه مقام الفاعل.

واعلم أن «كم» استفهام عن كل مقدر من عدد أو غيره. ومتى استفهام عن الزمان فقط.

فإذا وقعت «كم» استفهاما عن الزمان ، كان القصد فيها المسألة عن مقداره أو عدده.

و «متى» استفهام عن الزمان من غير اقتضاء مقدار أو عدد.

والجواب عن «متى» واقع على زمان ؛ لأن القصد في السؤال إلى ذلك وأما «كم» فقد

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٠٩ ، شرح النحاس ٧٣ ، شرح السيرافي ٢ / ٨٣٥.

(٢) ديوان النابغة الجعدي ٢٦ ، شرح الأعلم ١ / ١١٠ ، نوادر أبي زيد ١٨٨ ، المقتضب ٣ / ٢٣١.

١٤٣

يكون جوابها معرفة ونكرة ، وأيتهما كانت جوابا لها ، فالفعل واقع فيها كلها.

فيقال : يوم الجمعة ، والسير واقع في بعضه إذا كان المجيب مستكثرا للسير في الساعات التي وقع فيها من يوم الجمعة ، فيجري اللفظ على الكل وهو يريد البعض وهذا معلوم في كلامهم.

قال : «وما أجري مجرى الدهر والليل والنهار ـ يعني في أن يكون جوابا لكم ـ المحرم وصفر» إلى قوله «ولو قلت شهر رمضان أو شهر ذي الحجة لكان بمنزلة يوم الجمعة ولصار جواب متى».

اعلم أن ظاهر كلام سيبويه الفصل بين أن تقول : شهر المحرم وبين أن تقول المحرم ؛ وكذلك سائر الشهور ، وهذه رواية رواها كأنهم جعلوا المحرم نائبا مناب قولهم : الثلاثون يوما. وهم لو قالوا : سير عليه الثلاثون يوما لكان السير في كل يوم منهن.

فأما إذا أدخلوا شهرا جعلوه اسما للوقت بعينه فصار بمنزلة يوم الجمعة.

فإن قال قائل : كيف اختلفا وهما بمعنى واحد؟

قيل له : قد يجوز ـ وإن كانا بمعنى واحد ـ أن يكون أحدهما يدل عليه من طريق الكمية ، والآخر من طريق التوقيت ، ألا ترى أنك إذا قلت : سير عليه يوم الجمعة ، جاز أن يكون السير في بعضه ، فإذا قلت سير عليه ساعات يوم الجمعة ، لم يجز أن يكون السير في ساعة منها ، وساعات يوم الجمعة في معنى يوم الجمعة.

وقال الزجاج : أراد أنك إذا عطفت على المحرم صفرا ، فقلت سير عليه المحرم وصفر ، فلا بد أن يكون السير في كل واحد من الشهرين.

ولو ذكرت أحدهما لجاز أن يكون السير في بعضه فالمحرم وشهر المحرم عند الزجاج بمنزلة واحدة.

قال سيبويه : «وبعض ما يكون في كم لا يكون في متى نحو : الدهر والليل ؛ لأن كم الأول يجعل الآخر تابعا له».

يعني أن الدهر والليل والنهار قد يكون جوابا لكم ، لما فيه من التكثير ، ولا يكون جوابا لمتى ؛ لأنه لا دلالة فيه على وقت بعينه.

وقوله : «لأن كم الأول»

يعني لأنه دلالة على المقدار في الزمان وغيره ، ويقع تحته المنكور والمعروف لوقوع التقدير عليهما ، فجعل الآخر وهو «متى» تبعا له.

قال «وتقول ذهبت الشتاء وانطلقت الصيف»

وأنشد لابن الرقاع :

١٤٤

* فقصرن الشتاء بعد عليه

وهو للذود أن يقسمن جار (١)

يصف نوقا قصرت ألبانها على فرس ، وذلك الفرس جار للنوق من أن يغار عليهن فيقسمن ، ويجوز أن يكون الشتاء جوابا لكم ، فيكون قصر ألبانهن في أيام الشتاء كلها ، ويجوز أن يكون في بعض الأيام على جواب متى.

قال «وتقول سير عليه يوم على حد قولك يومان».

يعني على أن تجعله جوابا لكم لأن اليوم مبهم ، واعلم أن غدوة وبكرة تجريان مجرى هذه الظروف في الرفع والنصب وإن كانتا غير منصرفتين.

والذي منعهما من الصرف أنه كان الأصل في غدوة : غداة منكورة ، ثم غيروا لفظ النكرة ليجعلوها علما فصارت غدوة معرفة علامة التأنيث فامتنعت من الصرف لذلك.

وبكرة محمولة عليها ؛ لأنها على لفظها ومعناها ، غير أنها لم تغير عن نكرة كانت لها لتعرف.

هذا باب ما يكون فيه المصدر حينا لسعة الكلام والاختصار

قوله في هذا الباب «إذا كان غد فأتني ... ومن العرب من يقول : إذا كان غدا فالقني».

أما الرفع فعلى أن في كان معنى وقع وحدث.

وأما النصب فعلى إضمار وحذف ، والمعنى إذا لم يحدث لك مانع.

ـ أو حال تعذر في التخلف لحدوثها ـ فالقني ـ وذلك أن مواعيد الناس إنما تقع على بقاء الأحوال التي هم عليها ، فإن تغيرت تلك الأحوال لم ينسب صاحب الوعد إلى جملة المخلفين الكاذبين ؛ لأن وعده كان متعلقا بسلامة الأحوال وإن لم يكن ملفوظا به ، فكأنه قال إذا كان ما نحن عليه من السلامة ، أو من الحال التي نحن عليها غدا فالقني. قال سيبويه «وحذفوا كما قالوا حينئذ الآن».

يريد : حذفوا المرفوع بكان في قولهم : إذا كان غدا فأتني ، كما حذفوا في حينئذ الآن.

وتقديره : كان هذا حينئذ واسمع إلي الآن ، كأن رجلا سمع آخر يذكر شيئا قد مضى لا يهم ولا يعني ، فأراد أن يصرفه عن ذلك ويخاطبه عما يعنيه.

قال : «فإن قلت : إذا كان الليل فأتني لم يجز ذلك».

يعني أن الليل اسم الليالي التي تكون أبدا فلا يتعلق الوعد بها ؛ لأنها غير منقضية ولا موجودة في وقت واحد ، فسبيلها سبيل الدهر ، وأجازها على وجه آخر وذلك أن يكون مع رجل في شيء ، فقال : إذا كان الليل فأتنا ، فعلمت بالحال التي أنتما فيها أنه يعني ليل ليلته التي تجيء.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١١١ ، شرح النحاس ١١٤ ، الخصائص ٢ / ٢٦٥.

١٤٥

ويجوز فيه النصب والرفع كما جاز في غد.

واعلم أن «سحر» إذا أردت به سحر يومك فهو غير منصرف ولا متصرف ، والذي منعه من الصرف أنه معدول عن الألف واللام ومعناهما فيه ، وغير عن لفظ ما فيه الألف واللام وهو معرفة ، فاجتمع فيه التعريف والعدل فلم ينصرف.

والذي منعه من التصرف ، وقصره على الظرف خاصة أنه عرف من غير وجه التعرف ؛ لأن وجوه التعريف خمسة : الإضمار ، والإشارة والعلم والألف واللام والإضافة إلى هذه الأربعة.

وإنما صار سحر معرفة بوضعك إياه هذا الموضع كما صار أجمع وأجمعون وجميع معارف بوضعك إياهن هذا الوضع وهو أنك لا تصف إلا معرفة ، فإن صغرت سحر من يومك انصرف ولم يتصرف.

أما انصرافه فلأنهم يضعون المصغر مكان ما فيه الألف واللام فيكون معرفة أو معدولا.

وإنما وضعوه نكرة ينوب عن المعرفة كما فعلوا بضحوة وعتمة وعشاء ، فلم يتصرف كما لم يتصرفن لقلة تمكنهن حيث جعلن ـ وهن نكرات ـ بمنزلة المعارف المعينة المخصوصة.

قال : «ومثل المعارف ذلك : سير عليه ذات مرة ... وبعيدات بين .. وسير عليه بكرا».

أما ذات مرة وبعيدات بين فلا يستعملان إلا ظرفين ، والذي منعهما من التصرف أنهم استعملتا في ظروف الزمان وليستا من أسماء الدهر ، ألا ترى أنك تقول ضربتك مرة ومرتين ، يعني ضربة وضربتين.

و «بعيدات بين» ليس باسم لشيء من الأوقات وإنما هي جمع «بعد» مصغرا و «بعد» و «قبل» لا يتمكنان ، وإنما استعملا في الوقت للدلالة على التقديم والتأخير.

فلما استعملت «ذات مرة» و «بعيدات بين» في الدهر وليس من أسمائه ضعفتا ولم تتمكنا.

وأما «بكرة» من التصرف ؛ لأنه وضع ـ وهو نكرة ـ موضع المعرفة فعلته كعلة «عتمة» و «صحوة» وما أشبه ذلك.

ومثله : سير عليه ذات يوم ، وذات ليلة ؛ لأن «ذات» ليست من أسماء الزمان ، وإنما هي منقولة إليها فلم تتمكن.

وكذلك سير عليه ليلا ونهارا ، إذا أردت ليل ليلتك ونهار نهارك ، يعني أنك إذا أردت الليل من ليلتك التي تلي يومك ، والنهار الذي أنت فيه فهو يجري مجرى ضحوة وبكرة من يومك.

وذكر سيبويه أنه قد جاء في لغة لخثعم : ذات مرة وذات ليلة.

قال : «وأما الجيدة العربية فأن تكون بمنزلتها» يعني طرفا.

وأنشد :

١٤٦

* عزمت على إقامة ذي صباح

لشيء ما يسود من يسود (١)

فجعل سيبويه «ذا صباح بمنزلة ذات مرة» و «ذات ليلة» واستدل بتمكن ذي صباح وحفظه في هذه اللغة على تمكن «ذات مرة» وذات ليلة فيها ـ يصف أنه أقام في الصباح وهو وقت الغارة لقوته وإدراكه لمطلوبه فهو لا يعترض عدوا بل يجاهره.

قال «وليس يجوز في هذه الأسماء التي لم تمكن من المصادر التي وضعت للحين وغيرها من الأسماء أن تجري مجرى يوم الجمعة وخفوق النجم ونجومهما».

إن قال قائل : هل ذكر سيبويه مصدرا غير متمكن في ما تقدم من الكتاب؟ ففي ذلك جوابان :

ـ أحدهما عن المبرد أنه لم يذكر مصدرا غير متمكن ولكنه قدم هذا ليعلمك أن المصادر إذا لم تتمكن لا يتسع فيها نحو «سبحان» لا يجوز جئتك زمن سبحانه ، كما تقول : جئتك زمن تسبيحه.

ـ والجواب الثاني أن يكون عني صباح مساء ؛ لأنه من لفظ المصدر فهما بمنزلة الإصباح والإمساء كما كان الكلام بمنزلة التكليم.

قوله فيما انتصب من صفات المصادر إذا حذفت المصادر : «فالنصب في ذا على أنه حال» إلى قوله «لأنه ليس بحين يقع فيه الأمر».

يعني أنك إذا قلت : سير عليه شديدا ، فالوجه أن تنصبه على الحال من السير وهو مضمر في سير ولا يحسن رفعه ؛ لأنك لم تأت بالموصوف فضعف.

ومعنى قوله : «وليس بحين يقع فيه الأمر» يعني صفة المصدر ليست بمنزلة : ملى وقريب.

هذا باب ما يكون من المصادر مفعولا فيرتفع

كما ينتصب إذا شغلت الفعل به وينتصب

إذا شغلت الفعل بغيره

معنى هذا الكلام أنك إذا قلت : سير بزيد سيرا شديدا ، فقد شغلت الفعل بزيد فانتصب المصدر لاشتغال الفعل بغيره وترتيب الكلام : «فيرتفع إذا شغلت الفعل بغيره» يعني أنه مصدر مفعول في حال الرفع ، كما أنه في حال النصب.

قال : «وتقول على قول السائل : كم ضربة ضرب به؟» إلى قوله «فتقول ضرب به ضربتان».

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١١٦ ، المقتضب ٤ / ٣٤٥ ، شرح النحاس ١١٥.

١٤٧

تقدير هذا الكلام : كم ضربة ضرب بالسوط؟ والهاء كناية عنه أو عن غيره مما يضرب به. والكلام مجاز لا حقيقة ؛ وذلك لأنه جعل كم لمقدار الضرب ، وجعل ضميره في ضرب مقاما مقام الفاعل ، كأنه قال أعشرون ضربة ضرب بالسوط؟ فجعل الضرب مضروبا على السعة كما تقول نهارك صائم ، والنهار لا يصوم.

قال : «وتقول ضرب به ضربتين أي قدر ضربتين من الساعات كما تقول سير عليه ترويحتين».

يعني أنك تنصب الضربتين على الظرف إذا أردت الوقت ، كأنك قلت : ضرب به وقت ضربتين.

قوله : «ومما يجيء توكيدا وينصب قولك سير عليه سيرا» إلى قوله «ذهب به مشيا وقتل صبرا»

يعني أنك تنصب سيرا على المصدر المؤكد به كقولك : ضربت ضربا ، وعلى الحال تأكيدا أيضا كأنك قلت : سير عليه مسيرا ، على حد قولك قتل الحال به صبرا ، أي مصبورا ، فهذان الوجهان يرجعان إلى معنى واحد من جهة التوكيد.

ومثل الوجه الثاني أن تقول : قام زيد قائما ، على الحال المؤكد بها ، وربما استوحش من هذا بعض النحويين فيقول : ما الفائدة في قولك قام زيد قائما ، وأنت تعني في حال قيامه؟

قيل له إنما يذكر هذا تأكيدا ، ونظير هذا قوله عز وجل : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩]. فجرى قولك رسولا ـ وهو حال في التوكيد ـ مجرى قوله إرسالا.

وأنشد لذي الرمة :

* نظارة حين تعلو الشمس راكبها

طرحا بعيني لياح فيه تحديد (١)

ويروى : تجديد. واللياح : الثور الوحشي ، ومن قال تحديد أراد في بصره ، وناظره تحديد. ومن قال تجديد أراد في لونه. والجدة الطريق في الجبل تخالف سائر لونه.

والشاهد في البيت قوله : طرحا وهو مصدر فعل لم يذكر ولكن نظارة قد دلت عليه ؛ لأنه إذا قال : نظارة ، فقد علم أنها تقلب طرفها وناظرها في جهات ؛ لأن النظر إنما هو تقليب الناظر في الجهات فقد طرحته فيها ، فكأنه قال : تطرح نظرها طرحا.

وأنشد لجرير مستشهدا على أن المزيد في أوله الميم من المصادر بمنزلة غيره :

* ألم نعلم مسرحي القوافي

فلا عيا بهن ولا اجتلابا (٢)

أراد : تسريحي ، والقوافي في موضع نصب وأسكن الياء ضرورة.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١١٨ ، شرح النحاس ١١٥ ، شرح السيرافي ١ / ١٦٧.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١١٩ ـ ١٦٩ ، المقتضب (٢ / ١١٩) ، الكامل ١ / ٢٠١.

١٤٨

وقوله : فلا عيا بهن أي لا أعيا بهن عيّا. وقوله ولا اجتلابا أي لا اجتلبهن مع شعر غيري اجتلابا ، أي لا أسرقهن.

وأنشد :

* تداركن حيّا من نمير بن عامر

أسارى تسام الذل قتلا ومحربا (١)

ويجوز أن يكون حربا في معنى غيظا.

قال سيبويه في شيء قدم ذكره : «وهو بمنزلة قولك : ذهب به السوق».

إن قال قائل : لم أسقط حرف الجر من السوق وليس بظرف ، وقد زعم سيبويه أن قولهم ذهبت الشام شاذ؟

فالجواب أن هذا وإن لم يكن ظرفا ، فإن العرب تتسع فيه لعلم المخاطب فتضمر ، فيكون التقدير ذهب به مكان السوق ، ويحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه.

وأنشد لحمير بن ثور :

* وما هي إلا في إزار وعلقة

مغار ابن همام على حي خثعما (٢)

والشاهد فيه مغار بن همام.

وزعم الزجاج أن سيبويه أخطأ في ذكر هذا البيت في هذا الموضع ، وذلك أنه قدر «مغار» زمانا والزمان لا يتعدى.

وإنما «مغار» مصدر ، قال : والدليل على ذلك أنه قد عداه وإنما تقديره : زمان إغارة ابن همام على حي خثعم.

وهكذا قال أبو العباس.

وقد غلطا في الرد عليه ؛ لأن المصادر التي جعلها سيبويه ظروفا إنما هي مضاف إليها الزمان ، ويحذف الزمان فتكون نائبة عنه ، فمغار بتلك المنزلة.

ومعنى البيت أنه وصف امرأة وذكر أنها في إزار وعلقة ، وهي البقيرة وهي قميص بلا كمين. يريد أنها كانت في وقت إغارة ابن همام في هذا الزي ، فإما أن تكون صغيرة ، أو بمعنى آخر.

ويقال أن ابن همام كان لا يغير إلا وهو عريان وهو الذي ينساق على تأويل الزجاج ، كأنه شبه عريها بعري ابن همام.

__________________

(١) ديوان ابن أحمر ٤٠ ، شرح الأعلم ١ / ١١٩ ، شرح النحاس ١١٢ ، شرح السيرافي ٢ / ٩٧٧.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٢٠ ، الكامل ١ / ٢٠١ ، المقتضب (٢ / ١٢٠ ، ٤ / ٣٤٣).

١٤٩

هذا باب ما لا يعمل فيه ما قبله من

الفعل لأنه كلام قد عمل بعضه في بعض

وذلك قولك : قد علمت أعبد الله ثم أم عمرو ... وأما ترى أي برق ههنا

اعلم أن هذه الأفعال التي يقع الاستفهام بعدها ، إنما هي أفعال القلوب من ظن وعلم وفكر وخاطر. ولا يجوز أن يقع في موضع ذلك فعل مؤثر ، لا يجوز : ضربت أيهم في الدار.

وقال أبو عثمان المازني قوله «أما ترى أي برق ههنا».

يريد به رؤية العين ؛ لأنه أراد أن يقول انظر إليه ببصرك : وجاز هذا في هذا خاصة لأنها محكية ولا يقاس عليها.

وقال غيره : الصحيح أنه يريد الرؤية في معنى العلم وإليه يرجع هذا الكلام ؛ لأن الإنسان إذا قال أما ترى أي شيء ههنا إنما يريد به رؤية العلم.

وقد يقول القائل : اذهب فانظر زيد أبو من هو؟ وليس يريد اذهب فأبصره بعينك إنما يريد اعلم ذلك.

قال : «وتقول قد علمت لعبد الله خير منك» إلى قوله «ولا تحيل على علم غيرك».

يعني أن الأصل : لعبد الله خير منك ، غير أنك لو تكلمت بهذا جاز أن يكون على سبيل التظني منك ، كما أنك إذا قلت : قد علمت أزيد ثم أم عمرو؟ ثم أدخلت علمت لتبين أنك قد استقر في علمك الكائن منها.

قوله «ولو لم تستفهم ولم تدخل لام الابتداء لأعملت علمت كما تعمل عرفت» وذلك قولك : قد علمت زيدا خيرا منك ، قال الله عز وجل (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) [البقرة : ٧٥].

قال المبرد : ذكر علمت التي في معنى عرفت ليبين لك وجوه علمت. وقال غيره : إنما استشهد بعلمت التي في معنى عرفت ؛ لأنه قال قبل هذا ولو لم تستفهم ولم تدخل لام الابتداء لأعملت علمت كما تعمل عرفت.

فتعديه إلى مفعولين.

ثم استدل على جواز إعمال علمت عمل عرفت بما ذكر من الآيات وهو قول قريب.

قال «وتقول قد عرفت زيدا أبو من هو».

«فزيد» منصوب بعرفت ، وأبو من هو عند المبرد حال وهو غلط ؛ لأن الجملة إذا كانت في موضع الحال ، جاز أن تدخل عليها الواو كقولك : مررت بزيد وأبوه قائم وأنت لا تقول عرفت زيدا وأبوه من هو ، فقد بطل الذي قال من الحال. والصواب أن تكون الجملة بدلا من زيد ، وموضعها نصب ، كأنك قلت : عرفت أبو من هو.

وقد يخرج قول المبرد ؛ لأن الجملة المستفهم عنها فضلة مفيدة بعد معرفة ، فوقعت

١٥٠

موقع الحال وإن لم يصلح الواو فيها. وامتناعها من الواو أن الواو لا تدخل إلا على الجمل التي هي أخبار لا استخبار إذ كانت عبارة عن الزمان ، والزمان لا يفسر إلا بالأخبار ، فمن حيث لم يجز قد عرفت زيدا إذا أبو من هو «كما جاز» عرفت زيدا إذ هو أبوك لم يجز : قد عرفت زيدا وأبو من هو كما جاز عرفت زيدا وهو أبوك فاعلمه.

قال : «وإن شئت قلت : قد علمت زيد أبو من هو. كما تقول ذاك في ما لا تتعدى إلى مفعول كقولك اذهب فانظر زيد أبو من هو؟».

يريد أنك إذا رفعت زيدا بعد علمت ؛ لأنه في المعنى مستفهم عنه ـ فقد صارت علمت بمنزلة ما لا يتعدى ، وهو قولك : انظر زيد أبو من هو ، وأنت لا تقول : نظرت زيدا إلا في معنى انتظرت زيدا ، وكذلك اسأل زيد أبو من هو؟ فالسؤال لم يقع بزيد فتنصبه ، وإنما المعنى اسأل الناس زيد أبو من هو. وحكم «انظر» و «اسأل» أن يتعديا بحرف جر ، فالمعنى المقصود بهذا الكلام كأنك قلت انظر في كنية زيد ، وسل عن كنية زيد.

قال سيبويه ممثلا للاسم المبتدأ قبل الاستفهام حين كان مستفهما عنه في المعنى : «ومثل ذلك : إن زيدا فيها وعمرو ... ترد عمرا على موضع زيد لأنه في المعنى مبتدأ ـ ولكنه أكد كما أكد. فأظهر زيدا وأضمره».

يريد أكد «بإن» كما أكد في قوله : علمت زيد أبو من هو بإظهار زيد وإضماره ، فلم يخرج زيد من معنى الاستفهام كما لم يخرج اسم إن من معنى الابتداء.

قال : «وتقول أرأيتك زيدا أبو من هو ... فلم يجز في زيد إلا النصب».

فإن قال قائل : فهلا أجاز رفعه ؛ لأنه في المعنى مستفهم عنه كما أجازه في الذي قبله؟

فجواب سيبويه عن هذا أن «أرأيتك» لا تشبه «علمت» ؛ لأن فيه معنى أخبرني ، وأخبرني فعل لا يلغى ، فلم يلغ «أرأيتك».

ثم عقب سيبويه بما بين أرأيتك وبين أخبرني من الفرق في التعدي وإن كانا بمعنى واحد فقال : «فدخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أخبرني».

يعني دخول معنى أخبرني في أرأيتك لم يمنعه من أن يكون له مفعولان كما كان له قبل أن يدخل فيه معنى أخبرني ، ومنعه هذا من أن يلغى وجرى مجرى علمت في التعدي إلى مفعولين.

قال : «وتقول قد علمت أي حين عقبتي».

والعقبة بمعنى في الركوب ، يريد أي حين يصيبني حظي من الركوب.

وأنشد :

* حتى كأن لم يكن إلا تذكره

والدهر أيتما حال دهارير (١)

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٢٢ ، مجالس ثعلب ١ / ٢٢٠ ، شرح النحاس ١١٧.

١٥١

فأيتما ظرف ، كأنه قال : كل مرة ، ومعناه : أن الدهر مختلف لا يثبت على (حال) واحدة ، أي فيه خير وشر. والدهارير : أول الدهر ولا واحد له من لفظه. والمعنى أن الدهر متجدد أبدا كلما مر دهر أتى دهر ، فكأنه أول ، ومنه سمي الدهر الجديد ، وقيل أبلاه الجديدان ، يراد الليل والنهار.

ويقال الدهارير : الدواهي واحدها دهرور. وقيل هو جمع دهر على غير قياس بمنزلة ذكر ومذاكير ، وقبل هذا البيت :

وبينما المرء في الأحياء مغتبطا

إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير

وذكر أن الفرزدق حضر جنازة رجل غريب قد كان عرفه ، فلما دفن إذا رجل في حاشية القبر ينشد أبياتا منها هذان البيتان ، فقال الفرزدق أتعرفون قائل هذا الشعر؟ قالوا : لا ، قال الموضوع في حفرته.

هذا باب من الفعل سمي الفعل فيه بأسماء

لم تؤخذ من أمثلة الفعل الحادث

اعلم أن هذا الباب مشتمل على أشياء وضعت موضع فعل الأمر ، ولا يجوز أن يذكر الفعل معها وهي مشتقة من لفظه ، ومنها ما لم يشتق ، وليست بالمصادر المعروفة للفعل كقولك : ضربا زيدا في معنى اضرب زيدا.

قال «ومنها قول العرب حي هل الثريد».

جعلوا «حي» و «هل» بمنزلة شيء واحد وفتحوهما وأقاموهما مقام اسم الفعل ، وجعلوهما بمنزلة ايتوا الثريد.

وربما اكتفت العرب بحي فعدوه بحرف الجر فقالوا : حي على الصلاة ، وربما اكتفوا بهل كقول الجعدي.

* ألا حييا ليلى وقولا لها هلا (١)

قال : «وأجريت مجرى ما فيه الألف واللام لئلا يخالف لفظ ما بعدها لفظ ما بعد الأمر والنهي».

يعني أنها جعلت مفردة غير مضافة ، كما أن النجاء مفرد غير مضاف حتى لا ينخفض ما بعدها وينتصب كما ينتصب ما بعد الأمر والنهي.

هذا باب متصرف رويد

تقول : رويدا زيدا ، أي أرود زيدا ، قال الهذلي :

__________________

(١) شعر النابغة الجعدي ١١٣ ، شرح الكافية ٢ / ٧١ ، الخزانة ٦ / ٢٣٧.

١٥٢

* رويد عليا جد ما ثدي أمهم

إلينا ولكن بغضهم متماين (١)

فنصب «عليا» برويد ، وعلى قبيلة. وجد قطع ، وهذا مثل.

يريد قطع نسبهم إلينا بالعقوق ، وبغضهم متماين أي متكاذب ، أي أبغضونا على غير ذنب ، فبغضهم كذب إذ كان على غير أصل. والمين : الكذب.

قال «وسمعنا من العرب من يقول : والله لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشعر».

قال أبو العباس : هذا رجل مدح رجلا ، فقال الممدوح للمادح هذا القول ، أي لو أردت الدراهم لأعطيتك ، فدع الشعر لا حاجة بك إليه.

هذا ضرب من الفعل سمي الفعل فيه

بأسماء مضافة ليست من أمثلة الفعل الحادث

اعلم أن هذا يخالف ما قبله ؛ لأنه اشتمل على ظروف وحروف جر تجري مجرى الظروف ، ومصادر مضافات.

والفرق بينه وبين الذي قبله أن هذا مضاف والذي قبله مفرد ، وينقسم هذا قسمين : قسم يتعدى وقسم لا يتعدى.

ـ فأما ما يتعدى فقولك : عليك زيدا ودونك زيدا وعندك زيدا فهذه كلها بمنزلة : خذ زيدا والكاف فيهن في موضع جر.

وذكر عن المازني أنه كان يقول : الأصل في عليك زيدا خذه من فوقك وكذلك عندك زيدا ودونك زيدا ، أي خذه من عندك ، وخذه من أسفل من موضعك.

وتحصيل هذا : خذ من دونك زيدا ، وخذ من عندك زيدا وخذ من عليك زيد ، كما تقول : خذه من فوقك ثم حذف حرف الجر وحذف فعل الأمر وهو خذ اكتفاء واستخفافا.

قال «وأما تعدي المنهي إلى منهي عنه فقولك حذرك زيدا» ورد عليه أبو العباس هذا اللفظ من وجهين :

ـ أحدهما أن قولك : حذرك إنما هو احذر ، وهذا أمر قد جعله سيبويه نهيا.

قال أبو العباس : فإن قال قائل فمعنى احذر لا تدن ، قيل له فكذلك عليك ، معناه : لا يفوتنك ، وكل أمر أمرت به فقد نهيت عن خلافه.

وإذا نهيت عن شيء فقد أمرت بخلافه ، وإذا كان ذلك فلا حاجة للتفصيل الذي فصل سيبويه بين الأمر والنهي.

ـ والوجه الآخر : أنه وضع في هذا الباب ما لم يؤخذ من أمثلة الفعل وحذرك مأخوذ

__________________

(١) ديوان الهذليين ٣ / ٤٦ ، شرح الأعلم ١ / ١٢٤ ، المقتضب (٣ / ٢٠٨ ـ ٢٧٨) ، المفصل ٤ / ٤٠.

١٥٣

من الحذر ، فهو خارج من هذا الباب ؛ لأن هذا باب عليك ودونك.

وليس الأمر على ما أورده أبو العباس في الوجهين جميعا :

ـ أما الوجه الأول فإن من الألفاظ للأمر ألفاظا الأكثر في عادة الكلام المشهور أن يقال : نهي ، وإن كان بلفظ الأمر كقولك : تجنب فلانا واحذر فلانا ، فجرى سيبويه على اللفظ المعتاد.

ـ وأما الوجه الآخر فإنما أراد سيبويه في هذا الباب تفصيل المضاف من المفرد الذي قبله ؛ لأنه قد ذكر ظروفا وأسماء كلها مضافات ، وقد ترجم الباب بقوله «بأسماء مضافة».

قال : «فأما حي هلك وهاأك وأخواتها فليس فيها إلا ما ذكرنا ؛ لأنهم لم يجعلوهن مصادر».

يعني أن الكاف في هذه الأشياء لا موضع لها وإنما هي للخطاب ، ففرق بين رويدك وبين حيهلك لأن كاف رويدك مرة بمنزلة كاف حيهلك ـ للخطاب خاصة ـ ومرة في موضع جر بمنزلة الكاف في عليك وحذرك.

هذا باب ما جرى من الأمر والنهي على

إضمار الفعل المستعمل إظهاره

اعلم أن الإضمار على ثلاثة أوجه :

ـ وجه يجب فيه الإضمار ولا يحسن فيه الإظهار.

ـ ووجه لا يجوز فيه الإضمار.

ـ ووجه أنت مخير فيه بين الإظهار والإضمار.

ـ فأما ما لا يجوز فيه الإضمار ، فأن تقول مبتدئا : زيد ، من غير سبب يجري ولا حال حاضرة دالة على معنى ؛ لأنه لا يدري ما أضمرت من الأفعال.

ـ وأما ما يجوز إضماره وإظهاره فأن ترى رجلا يضرب أو يشتم ، فتقول زيدا ، تريد أضرب زيدا ، ويجوز إظهاره.

ـ والوجه الثالث قولك : إياك والأسد معناه اتق إياك ولا يحسن إظهار ما نصب إياك.

واستشهد سيبويه على تمثيل إظهار الفعل المضمر في هذا الباب بقول جرير :

* خل الطريق لمن يبني المنار به

وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر (١)

فأظهر الفعل كما ترى.

يقول هذا لعمرو بن لجأ الخزرجي ، وكان قد اعترض جريرا فأراد مهاجاته ومفاخرته ،

__________________

(١) ديوان جرير ١ / ٢٨٤ ، شرح الأعلم ١ / ١٢٨ ، شرح السيرافي ٣ / ١.

١٥٤

فقال هذا. (وبرزة إحدى جداته فعيره بها).

واستشهد سيبويه على جواز الحذف الذي عقد به الباب بقول العرب في مثل من أمثالها (اللهم ضبعا وذئبا) أراد بذلك الدعاء على غنم رجل.

قال أبو العباس : سمعت أن هذا دعاء له لا دعاء عليه ؛ لأن الضبع والذئب إذا اجتمعا يتقاتلان فأفلتت الغنم.

وقال : أما ما وصفه سيبويه فإنه يريد ذئبا من هنا وضبعا من ههنا.

واستشهد على إضمار الفعل بقول الشاعر :

* أخاك أخاك إن من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح (١)

يريد الزم أخاك. إلا أن هذا مما يجوز إظهاره ؛ لأنهم كرروا فجعلوا أحد الاسمين كالفعل ، والاسم الآخر كالمفعول ، ومنه قول العرب : (أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك).

أي عليك أمر مبكياتك واتبع أمر مبكياتك ، ومعناه اتبع أمر من ينصح لك فيرشدك وإن كان مرّا عليك صعب الاستعمال ، ولا تتبع أمر من يشير عليك بهواك ؛ لأنه ربما أدى إلى العطب.

ومنه (الظباء على البقر) والمعنى في المثل أنك تنهاه عن الدخول بين قوم يتشابهون ويتكافئون في شر غيره ؛ لأن الظباء وبقر الوحش متشابهات من حيث كانت وحشيات.

ونصب الظباء على تقدير خل الظباء على البقر.

هذا باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل

إظهاره في غير الأمر والنهي

وذلك إذا رأيت رجلا متوجها وجهة الحج. فقلت : مكة ورب الكعبة كأنك قلت : يريد مكة.

فهذا الباب يشتمل على ما يجوز إظهار الفعل فيه وإضماره لحالة حاضرة ودلالة بينة ، ولا يجوز أن تقول : زيد وأنت ليضرب زيدا ، وليضرب زيد ، لأنك إذا فعلت ذلك فلا بد من أن تقدر للمخاطب ، فعلا كأنك قلت له : قل ليفعل كذا وكذا ، فضعف هذا عندهم لإضمار فعلين لشيئين مع ما يدخل فيه من اللبس ؛ لأن المخاطب لا يعلم أنك أردت : قلت له ليضرب زيدا ، أو أردت لا تقل له ليضرب زيدا ونحو ذلك من الأفعال المتضادة.

وإنما جاز إضمار فعل الغائب في قولهم : أراد مكة ونحوه من الخبر ؛ لأنك لا تضمر للمخاطب المخبر فعلا آخر كما أضمرت في أمر الغائب فاعله.

__________________

(١) ديوان ابن هرمة القرشي ، شرح الأعلم ١ / ١٢٩ ، شرح النحاس ١٢٢ ، الخصائص ٢ / ٣٨٠.

١٥٥

هذا باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل وإظهاره بعد حرف

وذلك قولك : الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر

اعلم أن هذا الباب يجوز فيه أربعة أوجه :

ـ الرفع في الشرط والجواب ، كقولك : إن خير فخير.

ـ والنصب فيهما ..

ـ والنصب في الأول والرفع في الثاني.

ـ والرفع في الأول والنصب في الثاني.

وقد فسر سيبويه جميع هذه الوجوه.

وأنشد لهذبة :

* فإن تك في أموالنا لا نضق بها

ذراعا وإن صبر فنصبر للصبر (١)

أي وإن كان منا صبر. والصبر في هذا الموضع : الأمر الذي يجب الصبر عليه ، ويكون كرما وهو قتله.

وكان قد قتل ابن عمه فقال :

(فإن تك في أموالنا) ـ يعني الدية ـ (لا نضق بها ذراعا) أي لا نضعف عن أدائها (وإن صبر) أي وإن وقع قتل يجب الصبر عليه لما في ذلك من الكرم للصبر.

وأنشد :

* قد قيل ما قيل إن حقّا وإن كذبا

فما اعتذارك من قول إذا قيلا (٢)

ويجوز : إن حق وإن كذب ، على معنى : وإن وقع حق وإن وقع كذب.

قال : «ومثل ذلك قول العرب في مثل من أمثالها إلا حظية فلا ألية».

أصل هذا المثل ، أن رجلا تزوج امرأة ، فلم تحظ عنده ، ولم تكن مقصرة فيما يحظى النساء عند أزواجهن ، فقالت لزوجها (إلا حظية فلا ألية) أي إن لم تكن لك حظية من النساء ؛ لأن طبعك لا يلائم طباعهن فإني غير مقصرة فيما يلزمني للزوج.

وقوله : «ولو عنت بالحظية نفسها لم يكن إلا نصبا»

يعني إن كان التقدير في قولها «إلا حظية : إلا أكن حظية ، فالنصب لا غير».

وأنشد :

* لا تقربن الدهر آل مطرف

إن ظالما أبدا وإن مظلوما (٣)

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٣١ ، الكامل ٣ / ٨٥ ، شرح السيرافي ٣ / ٨ ، مغني اللبيب ١ / ٣٩٨.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٣١ ، شرح النحاس ١٢٣ ، شرح السيرافي ٣ / ٨ ، المفصل (٢ / ٩٧).

(٣) ديوان ليلي ١٠٨ ، ديوان حميد بن ثور ١٣١ ، شرح النحاس ١٢٣.

١٥٦

فهذا لا يجوز فيه إلا النصب ؛ لأنك إنما تريد : إن كنت ظالما وإن كنت مظلوما.

والمعنى لا تقربهم على حال ، فإنهم لا يرشدونك إن كنت ظالما ولا ينصرونك إن كنت مظلوما.

وفي الأمثال (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) ، هكذا فسره بعضهم ، والبيت من قصيدة يمدح بها قومه ، وبعدها ما يدل على ذلك ، والمعنى على هذا : لا تقربنهم ظالما لهم ولا مظلوما منهم.

ويروى آل مطرف وهو أصح ، يريد لا تقربنهم ظالما لهم فإنك لا تستطيعهم ولا مظلوما فيهم فإنك لا تنتصر منهم.

وأنشد أيضا :

* وأحضرت عذري عليه الشهو

د إن عاذرا لي وإن تاركا (١)

هذا رجل يخاطب أميرا في شيء قذف به عنده وعذره حجته. وأراد إن كنت عاذرا لي أيها الأمير وإن كنت تاركا ، فنصبه لأنه عنى الأمير المخاطب ، ولو رفعه على معنى : إن كان له في الناس عاذر أو تارك ومعنى تارك غير عاذر.

قوله في «عند» : «ولا يجوز [بعد إن] أن تبنى عندنا على الأسماء. ولا الأسماء تبنى على «عند» كما لم يجز أن تبني بعد «إن» الأسماء على الأسماء».

يعني لا تجعل «عند» خبرا للاسم إذا جئت بإن ؛ لأن : إن لا يليها إلا الفعل ، ولا تجعل الاسم مرفوعا بعند ؛ لأنه ليس بفعل.

قال : «ولا يجوز أن تقول عبد الله المقتول وأنت تريد كن عبد الله المقتول».

لأنه ليس في الحال دلالة عليه إذ كان يجوز أن يكون على معنى قول عبد الله وأخيه وما أشبه ذلك.

قال : «ومن ذلك قوله» :

* من لد شولا فإلى إتلائها (٢)

اعلم أن «لد» إنما تضاف على ما بعدها من زمان أو مكان إذا اقترنت بها «إلى» كقولك : جلست من لد صلاة العصر إلى المغرب وزرعت من لد الحائط إلى الأسطوانة.

فلما كان الشول جمعا للناقة الشائلة ، ولم يكن زمانا ولا مكانا ، والإتلاء أن تلد فيتبعها ولدها ويتلوها ، فلم يجز أن يقول من شول فأضمر ما يصلح أن يقدر زمانا ، من لد أن كانت شولا ، وإن كانت بمعنى الكون.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ١٣٢ ، شرح النحاس ١٢٣.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٣٤ ، شرح المفصل (٤ / ١٠١ ـ ٨ / ٣٥) ، الهمع ١ / ١٩٤.

١٥٧

والمصادر تستعمل في معنى الأزمنة كقولك : جئتك مقدم الحاج وما أشبهه ، وقد جره قوم على سعة الكلام ، ويحتمل ذلك وجهين :

أحدهما أن تجعل شولا مصدرا صحيحا ، كقولك : شالت الناقة شولا إذا ارتفع لبنها ، فيجوز على هذا أن تجعله وقتا ، ويجوز أن يكون قد حذف المضاف وأقيم إليه مقامه ، فيكون التقدير من لد كون الشول.

قال «وأما قول الشاعر» :

* لقد كذبتك نفسك فاكذبنها

فإن جزعا وإن إجمال صبر (١)

فهذا على معنى إما. ولا يكون على الجزاء.

اعلم أنك إذا قلت : أكرمك إن جئتني ، فإن للجزاء وجوابها مما قبلها ، فإن أدخلت عليها الفاء أو ثم ، بطل أن يكون ما قبلها مغنيا عن الجواب ، لا يجوز أن تقول «أكرمك أن جئتني ، ولا أكرمكم أن جئتني حتى تأتي بالجواب ، فتقول : أكرمك وإن جئتني زدت في الإكرام ، فلذلك بطل أن يكون «فإن جزعا» على معنى المجازاة وصارت «وإن» بمعنى إما ؛ لأنها تحسن في هذا الموضع.

وأنشد للنمر بن تولب مستشهدا بحذف «ما» من «إما» :

* سقته الرواعد من صيف

وإن من خريف فلن يعدما (٢)

وأنكر الأصمعي هذا على سيبويه ، وزعم أن «إن» هنا للجزاء وإنما أراد : وإن سقته من خريف فلن يعدم الرأي ، وحذف سقته لذكره في أول البيت.

وإنما يصف وعلا ، وابتداؤه :

فلو أن من حتفه ناجيا

لكان هو الصدع الأعصما

والقول قول سيبويه في بيت النمر ، وذلك أنه لا ذكر للري ، وإنما المعنى سقته الرواعد إما في الصيف وإما في الخريف فلن يعدم السقي أي هو يسقى من الصيف ومن الخريف ، ولا تحذف «ما» من «إما» إلا في الشعر.

قال : ومن ذلك قولك «أو فرقا خيرا من حب».

هذا كلام تكلم به رجل عند الحجاج ، وكان قد فعل له فعلا فاستجاده فقال له الحجاج : أكل هذا حبا؟ أي فعلت هذا حبّا لي. فقال الرجل مجيبا له : أو فرقا خيرا من حب؟ أي لو فعلت هذا فرقا فهو أنبل لك وأجل وقد قيل إن هذا الرجل عصبان بن القبعثري.

__________________

(١) الكامل ١ / ٢٨٩ ، المقتضب ٣ / ٢٨ ، شرح النحاس ١٢٤.

(٢) شعر النمر ١٠٤ ، وشرح الأعلم (١ / ١٣٥ ـ ١٧١) ، المقتضب ٣ / ٢٨ ، المنصف ٣ / ١١٥.

١٥٨

قال «ومثل ذلك أن ترى رجلا قد أوقع أمرا أو تعرض له فتقول متعرضا لعنن لم يعنه كأنه قال فعل هذا متعرضا».

والعنن : ما عن لك ، أي عرض ، والمعنى : دخل في شيء لا يعنيه ولا ينبغي له التشاغل به.

ومثله :

* مواعيد عرقوب أخاه بيثرب (١)

عرقوب رجل وعد وعدا فأخلفه ، وله قصة طويلة فضرب به المثل في الخلف.

قال أبو عبيدة إنما هي يثرب ، وأنكر يثرب لأن عرقوبا رجل من العماليق ، وكانوا بالبعد من يثرب ويترب بالتاء وفتح الراء موضع عندهم.

قال : «ومثله غضب الخيل على اللجم» وذلك إذا رأيت رجلا غضب غضبا لا يضارى قلت له : غضبت كغضب الخيل على اللجم. (والظباء متروكة على البقر) ، فالرفع فيهما جائز على غضبك غضبة الخيل ، والظباء متروكة على البقر.

هذا باب ما يكون منصوبا على إضمار

الفعل المتروك إظهاره استغناء عنه ، وسأمثله لك مظهرا لتعلم ما أرادوا به إن شاء الله.

هذا الباب ترجمة لأبواب تأتي بعده مفصلة.

هذا باب ما جرى على الأمر والتحذير

وذلك قولك إياك ، كأنك قلت : إياك نح ، وإياك باعد

اعلم أن هذا الفعل الناصب لإياك لا يحسن إظهاره ؛ وذلك أن العرب اكتفت بإياك عن الفعل وكأن موضعه غير مشكل.

وإذا قلت : إياك والأسد ، فإنك تضمر فعلا تنصب به إياك وتعطف الأسد عليه ، كما تقول زيدا فاضرب وعمرا.

فإن قال قائل : فإذا جعلت الأسد عطفا على إياك بالواو فقد شاركه في معناه ، فإذا جعلت الأسد عطفا على إياك بالواو يشارك المعطوف عليه ، ألا ترى أنك تقول : ضربت زيدا وعمرا ، فيشتركان في الفعل ، فينبغي أن يكون الأسد مشاركا لإياك فيكون المخاطب محذورا مخوفا ، كما أن الأسد محذور مخوف.

قيل له : لا يستنكر أن يكون التخويف واقعا بهما جميعا وإن كان طريق التخويف مختلفا ، ألا ترى أنك تقول خوفت زيدا الأسد ، فزيد مخوف والأسد مخوف ، وليس معناه

__________________

(١) الكتاب ١ / ١٣٧ ، السيرافي ٣ / ٢٣ ، الخصائص ٢ / ٢١٧ ، شرح المفصل ١ / ١١٣.

١٥٩

واحدا ؛ لأن الأسد مخوف على معنى مخوف منه ، وزيد مخوف على معنى أنه يجب أن يحذر ، ولفظ خوفت قد تناولهما جميعا.

وكذلك إياك والأسد المعنى الناصب لهما واحد وإن كان طريق التخويف مختلفا فيهما.

وأما إياي والشر ، فليس يخاطب نفسه ولا يزرها ، وإنما يخاطب رجلا يقول إياي من الشر ، فينصب إياي بباعد وما أشبهه ، ويحذف حرف الجر من الشر ويوقع الفعل المقدر عليه فيعطفه على الأول.

ومثله «إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب» يعني يرميه بسهم أو ما أشبهه ، والمعنى أنهم حذروا أن يأتوا فعلهم إلى المتكلم الناهي لهم.

قال «ومثل ذلك أهلك والليل كأنه قال بادر أهلك قبل الليل».

وتحقيق المعنى أنه عطف الليل على الأهل وجعلهما مبادرين ومعنى المبادرة ، مسابقتك الشيء كقولك : بادرت زيدا المنزل فكأن الليل والرجل المخاطب يستبقان إلى أهل الرجل ، فأمره الآمر أن يسابق الليل إليهم ليكون عندهم قبل الليل.

(قال) : «وقال بعض العرب» : «ماز رأسك والسيف».

كثير من النحويين من يقول إنه أراد ترخيم مازن ، ولم يكن اسم الرجل الذي خوطب بهذا مازنا ، ولكنه كان من بني مازن ، واسمه خدام أسر بجير القشيري ، فجاء قعنب اليربوعي ليقتله فمنعه المازني منه فقال للمازني : (ماز رأسك والسيف).

وترتيبه على أحد وجهين :

ـ إما أن يكون سماه بمازن إذ كان من مازن وقد تفعل العرب هذا في بعض المواضع ـ ثم رخمه على ذلك.

ـ وإما أن يكون ترخيما بعد ترخيم ، كأنه رخم «مازينا» ، فصار «مازنا» ثم رخم «مازنا» فصار «ماز» ومثله مذكور في الترخيم.

قال : وإذا قلت الطريق الطريق ، لم يحسن إظهار الفعل ؛ لأن أحد الاسمين قام مقامه ، فإن أفردت الطريق حسن الإظهار.

وأنشد في ذلك :

* خل الطريق لمن يبني المنار به

وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر

قال ومن ثم قال عمرو بن معدي كرب :

* أريد حباءه ويريد قتلى

عذيرك من خليلك من مراد (١)

__________________

(١) ديوان عمرو ٦٥ ، شرح الأعلم ١٣٩.

١٦٠