النكت في تفسير كتاب سيبويه

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري

النكت في تفسير كتاب سيبويه

المؤلف:

أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى أعلم الشنتمري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

لضربهم وجاز أن يكون لبعضهم ، فصار ذكر البعض كالتحلية للضرب والتمييز بين أحواله.

(وقوله) هذا وجه اتفاق الرفع والنصب في هذا الباب واختيار الرفع واختيار النصب.

يحتمل أن يكون هذا الكلام راجعا إلى ما تقدم من المسائل ، ويحتمل أن يكون لما يأتي (من) بعد (لا) لما تقدم.

قوله : والرفع في هذا أعرف ، لأنهم شبهوه بقولك رأيت زيدا أبوه أفضل منه.

يعني أن قولك : رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض. وإنما ذلك لأنك إذا رفعت فلست تنوي أطراح المتاع وإبدال غيره منه ، وإذا كان منصوبا ، فقد أبدل الثاني من الأول ، واعتمد بالحديث على الثاني.

وأنشد لعبدة بن الطبيب.

* فما كان قيس هلكه هلك

واحد ولكنه بنيان قوم تهدما (١)

فالاختيار في قولك هلك واحد الرفع. والنصب جائز على ما تقدم.

(والمرثى قيس بن عاصم المنقري وكان سيد أهل الوبر من بني تميم).

وأنشد لرجل من خثعم أو بجيلة :

* ذريني إن أمرك لن يطاعا

وما ألفيتني حلم مضاعا (٢)

فالحلم بدل من النون والياء ...

وقال آخر في البدل :

* إن على الله أن تبايعا

تؤخذ كرها أو تجيء طائعا (٣)

فأبدل تؤخذ من تبايعا ولو رفعه على معنى وأنت تؤخذ لكان جليّا.

واعلم أن بدل الفعل من الفعل أنما يكون على وجه واحد ، وهو أن يبدل الفعل من الفعل وهو هو في معناه ، لأنه لا يتبعض ولا يكون فيه الاشتمال.

قوله وتقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض ، فله ثلاثة أوجه (في) النصب إلى قوله «وهو مفعول من قولك : سقط متاعك بعضه على بعض».

اعلم أن جعلت يكون بمعنيين بمعنى عملت وبمعنى صيرت.

ـ فإذا كان بمعنى عملت تعدت إلى مفعول واحد كقوله عز وجل (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : ١]. بمعنى عمل وخلق.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ٧٧ ، شرح النحاس ٥٢ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٥٢ ، أبي تمام للأعلم ١ / ٤٠٩.

(٢) شرح الأعلم ١ / ٧٨ ، المقتضب ٢ / ٦٣ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٥١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٠٢.

(٣) شرح الأعلم ١ / ٧٨ ، معاني القرآن (٢ / ٧٤ ـ ٤٢٤) ، شرح السيرافي ٢ / ٧٥١.

١٢١

وإذا كانت بمعنى صيرت تعدت إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما وهي في هذا الوجه تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

ـ أحدهما : بمعنى سميت : كقوله عز وجل : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] أي : صيروهم إناثا بالقول والتسمية ...

ـ والوجه الثاني : أن تكون على معنى الظن والتخيل كقولك : اجعل الأمير عاميا وكلمته أي : صيره في نفسك كذلك.

ـ والوجه الثالث : أن يكون بمعنى النقل كقول الله عز وجل : (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : ٣٥].

أي : صيره بلدا آمنا ، وانقله عن هذا الحال.

فأما الثلاثة (الأوجه) التي ذكرها سيبويه ، فوجهان فيها يرجعان إلى الوجه الأول مما ذكرنا ، وهو أن تجعل جعلت متعديا إلى واحد.

فأحد الوجهين هو الأول الذي قال فيه : إن شئت جعلت فوق في موضع الحال فيكون معناه : عملت متاعا عاليا ، كأنك أصلحت بعضه وهو عال ، كما تقول : عملت الباب مرتفعا ، أي أصلحته وهو في هذه الحال [وهذا الوجه قسمه سيبويه ثلاثة أقسام وهو أن تقدر «فوق» في موضع «على» والآخران تقدرهما في موضع «أحسن» كما تقول : زيد فوق عمرو ، فتكون «فوق» مثلا لا حقيقة ، فلذلك مثله بقولك : رأيت زيدا وجهه أحسن من وجه عمرو ، فكأنك قلت : عملت متاعك بعضه أحسن من بعض ، فهذان وجه واحد في التحصيل ، لأن «فوق» وقعت فيهما في موضع الحال.

وأما الوجه الثالث : فأن يكون «جعلت» في معنى ألقيت ، فيقع «فوق» موقع المفعول به إلا أنه مفعول زائد في الفائدة ، كما كانت الحال ، فمجراه مجرى الأول من هذه الجهة].

والوجه الثاني من هذين الوجهين هو الثالث مما ذكره سيبويه في قوله «وإن شئت نصبته على أنك إذا قلت : جعلت متاعك ، دخله معنى ألقيت متاعك بعضه فوق بعض ، فيكون هذا متعديا إلى مفعول فيوافق الوجه الأول في التعدي إلى مفعول واحد ويخالفه في غير ذلك ، لأنك لم تعمل المتاع هاهنا لإصلاح شيء منه وتأثير فيه ، كما تعمل الباب بنجزه ونحته وقطعه».

و «فوق» في هذا كالمفعول لا في موضع الحال ، لأنه في جملة الفعل الذي هو ألقيت وعمل فيه على طريق الظرف.

وفي المسألة الأولى عمل فيه الاستقرار وصار في موضع الحال ، فهذان الوجهان كوجه واحد.

١٢٢

وقوله : «وإن شئت نصبت على ما نصبت عليه رأيت زيدا وجهه أحسن من وجه فلان».

أي : فتعديه إلى مفعولين من جهة النقل والعمل جميعا ، كما تقول صيرت الطين خزفا ، وإنما حملنا هذا الوجه على هذا ، لأنه في ذكر جعلت الذي في معنى عملت وأثرت.

قال : والوجه الثالث أن تجعله مثل ظننت متاعك بعضه أحسن من بعض

فهذا الوجه الذي في معنى التخيل ، والذي هو من طريق التسمية يشبه هذا الوجه ، إلا أنه لم يذكره اكتفاء بهذا.

قوله : «لأنك إذا قلت : أحزنت قومك بعضهم على بعض .. لم ترد» (أحزنت قومك و) بعضهم على بعض في عون.

يعني في إمارة وولاية ، ولا أبكيتهم وبعض أجسادهم على بعض. وإنما هو منقول من بكاء قومك بعضهم على بعض وبكى بعضهم بعضا.

قوله «وإن كان مما يتعدى إلى مفعولين أنفذته إليه ، لأنه كأنه لم يذكر قبله شيئا».

يعني إذا جعلت مكان : حزنت قومك بعضهم على بعض فعلا يتعدى إلى مفعولين ، عديته إليه كقولك : حسبت قومك بعضهم قائما وبعضهم قاعدا.

ومعنى قوله «كأنه لم يذكر قبله شيئا يعني أن حال المفعولين بعد حسبت في الاحتياج إليهما ، كحالهما في الابتداء إذا لم تذكر قبلهما فعلا لأن أحدهما يخبر عن الآخر».

هذا باب من الفعل يبدل فيه الآخ

ر من الأول ويجري على الاسم كما يجري أجمعون

قوله في هذا الباب : مطرنا سهلنا وجبلنا ومطرنا السهل والجبل

يجوز أن تبدل السهل والجبل من الضمير بدل الاشتمال ، ويجوز أن تجعله تأكيدا بمنزلة أجمعين ، كأنك قلت : مطرنا بقاعنا كلها ويجوز أن تنصب على أن تجعله مفعولا ثانيا على تقدير حذف حرف الجر ، ولا يطرد هذا في الأشياء كلها.

وكذلك تقول : ضرب زيد ظهره وبطنه بالرفع والنصب على ذلك التقدير ولا يقال : ضرب زيد يده ورجله على الظرف.

وإنما خالف الظهر والبطن الرجل واليد لأن الظهر والبطن عامان في الأشياء ، ألا ترى أن لكل شيء بطنا وظهرا ، فأشبها المبهمات من الظروف لعمومها ، وليس كذلك اليد والرجل.

والسهل والجبل بمنزلة الظهر والبطن ، لأن المواضع إما أن تكون سهلا وإما أن تكون جبلا ، فجعلت ظروفا لهذا الإبهام ، وهي مع ذلك شاذة لا تطرد ، وكذلك الزرع والضرع ، يشبه السهل والجبل لأن أكثر ما يراد له المطر : الزرع والمواشي ، فجاز النصب والرفع على الوجهين.

١٢٣

قال : «وتقول مطر قومك الليل والنهار فتنصبهما على الظرف وعلى المفعول في سعة الكلام».

ويجوز رفعه على البدل كما قالوا : صيد عليه الليل والنهار ، فيكون على وجهين :

ـ أحدهما : مطر أصحاب الليل وأصحاب النهار ثم حذف المضاف اختصارا.

ـ والآخر : أن تجعلهما ممطورين على المجاز والاتساع.

وأنشد لجرير :

* لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى

ونمت وما ليل [المطي] بنائم (١)

فأخبر عن الليل بالنوم ، والمعنى ينام المطي فيه.

وأنشد أيضا.

* أما النهار ففي قيد وسلسلة

والليل في بطن منحوت من الساج (٢)

والمنحوت : مقطرة تنحت من خبب الساج.

وقال الشاعر في البدل :

* وكأنه لهق السراة كأنه

ما حاجبيه معين بسواد (٣)

فحاجبيه بدل من الهاء ، وقال معين لأن الإخبار عن الهاء وإن كنت قد أبدلت منها.

واللهق : البياض والسراة : الظهر.

وأنشد :

* ملك الخورنق والسدير ودانه

ما بين حمير أهلها وأوال (٤)

فأبدل أهلها من حمير ، وجعل حمير مكانا وحمير في الأصل أبو قبيلة ولكنهم لما سكنوا اليمن ، جعل حمير عبارة عن بلادها ، كأنه قال ما بين أهل حمير وأوال.

ودانه في معنى أطاعه.

قال فأما قوله :

* مشق الهواجر حلمهن مع السرى

حتى ذهبن كلّا كلّا وصدورا (٥)

فنصب كلّا كلّا وصدورا عند سيبويه على الحال ، وجعلها في معنى ناحلات. وكان

__________________

(١) ديوان جرير ٢ / ٥٥٤ ، شرح الأعلم ١ / ٨٠ ، الكامل (١ / ١٣٥ ـ ٢١٩) ، المقتضب (٣ / ١٥٠ ـ ٣٣١).

(٢) شرح الأعلم ١ / ٨٠ ، الكامل ٣ / ٤١٠ ، المقتضب ٤ / ٣٣١.

(٣) شرح الأعلم ١ / ٨٠ ، شرح القرطبي ٩٤ ، شرح المفصل ٣ / ٦٧ ، الهمع ٢ / ١٥٧.

(٤) ديوان النابغة ٢٢٧ ، شرح الأعلم ١ / ٨١ ، شرح النحاس ١٠٠.

(٥) ديوان جرير ١ / ٢٩٠ ، شرح الأعلم ١ / ٨١ ، شرح النحاس ١٠٠.

١٢٤

المبرد يقول : نصبها على التمييز ، لأن الكلا كل أسماء ليس فيها معنى الفعل.

قال سيبويه ومثل ذلك ذهب زيد قدما وذهب أخرا.

فجعل قدما في معنى متقدما ، وجعل أخرا في معنى متأخرا.

يصف إبلا أذهب السفر لحومهم. والسرى : سير الليل والكلكل الصر.

وقال آخر.

* طويل متل العنق أشرف كاهلا

أشق رحيب الجوف معتدل الجرم (١)

فجعل كاهلا حالا في معنى : عاليا.

والكاهل : أصل العنق وهو من أعاليه ، فجعله نائبا عن قوله : عاليا أو صاعدا

والمتل : العظيم العنق الغليظ مغرزه.

ومثله للعماني الراجز :

* إذا أكلت سمكا وفرضا

ذهبت طولا وذهبت عرضا (٢)

فجعل «طولا» و «عرضا» في معنى : ذاهبا في الطول وذاهبا في العرض.

وأبو العباس يجعل هذا كله على التمييز. والطول والعرض مصدران والمصادر تجعل أحوالا فشبهت الأسماء في الأبيات المتقدمة بهذا الضرب من المصادر ، فجعلت أحوالا.

والفرض : ضرب من التمر لأهل عمان.

والقول عندي : أن نصب هذه الأشياء في الأبيات على التمييز دون الحال على ما ذكره المبرد وغيره ، وأن سيبويه ـ رحمه الله ـ لم يقصد إلا إلى هذا. وأن من تأول عليه نصبه على الحال واتبعه فيه مخطئ كما أن من ظن به ذلك ولم يتبعه فيه مخطئ في ظنه أو متعسف عليه.

وقد كان ـ رحمه الله ـ أذكر وأعلم من أن يغلط هذا الغلط فيوهم أن الكلكل والصدر والكاهل ونحوها من الأعضاء والجواهر أن تكون أحوالا كالأعراض من الأفعال ، وما أجرى عليها من الصفات وما كان في معناها ، ولكنه سمى التمييز حالا لتناسبهما بوقوعهما فضلتين نكرتين ولعمل الفعل ومعناه فيهما فعبر عن التمييز بالحال كما يعبر عن الحال بالتمييز إن شاء لاشتراكهما في اللفظ والمعنى ، فاعلمه.

قال سيبويه : «وليس هذا كقول الشاعر».

* فلأبغينكم قنا وعوارضا

ولأقبلن الخيل لابة ضرغد (٣)

قنا وعوارضا : مكانان. وأراد بقنا وعوارض ، فحذف حرف الجر. شبهه بدخلت

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ٨١ ، شرح النحاس ١٠١ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٦٥.

(٢) شرح الأعلم ١ / ٨٢ ، مجالس الثعلب ١ / ١٧٩ ، شرح النحاس ١٠١ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٦٦.

(٣) ديوان عامر ٥٥ ، شرح الأعلم (١ / ٨٢ ـ ١ / ١٠٩) ، المفضليات ٣٦٣ ، اللسان ٣ / ٢٤٦.

١٢٥

البيت واللابة : الحرة.

وضرغد : جبل. وإنما ذكر هذه الأبيات التي جعل فيها الأسماء أحوالا ليريك أنها مخالفة ل :

مطرنا السهل والجبل ، وأنها على معنى التمييز فعمل فيها الفعل عمله في الحال ، وسماها أحوالا لما بينا من التناسب بينهما.

باب اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل المضارع

في المفعول في المعنى

أنشد سيبويه في هذا الباب (مستشهدا) لما عمل من أسماء الفاعلين عمل الفعل.

* مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعبا إلا ببين غرابها (١)

يقول : الغراب لشؤمهم لا ينعب أبدا إلا بالفراق. واستشهد على ما حمل من المعطوف على المعنى بقول الشاعر :

* أعني بخوار العنان تخاله

إذا راح يردي بالمدجج أحردا (٢)

وأبيض مصقول السطام مهندا

وذا حبك من نسج داود مسردا

فنصب أبيض لأن معنى أعني بخوار : أعطينه. والخوار العنان الضعيف العنان أي : ينقاد معك حيث سقته ، والأحرد : الذي في يديه استرخاء ، أي تخال هذا الفرس أحرد من نشاطه ومرحه. والسطام الجوانب. والحبك : الطرائق.

وأنشد :

* بينا نحن نطلبه أتانا

معلق وفضة وزناد راع (٣)

فحمل الزناد على الموضع.

والوفضة : الجعبة ، وجمعها وفاض.

وأنشد أيضا في الحمل على المعنى :

* يهدي الخميس نجادا في مطالعها

إما المصاع وإما ضربة رغب (٤)

الخميس الجيش .. والنجاد : جمع نجد وهو المرتفع من الأرض. والمصاع القتال.

ورغب : واسعة.

وحمل ضربة رغب على المعنى ، وذلك أن معنى قوله : إما المصاع : إما يماصع مصاعا ،

__________________

(١) شرح الأعلم (١ / ٨٣ ـ ١٥٤ ـ ٤٨١) ، شرح النحاس ١٠٧ ـ ١٤٢ ، الخصائص ٢ / ٣٥٤.

(٢) شرح الأعلم ١ / ٨٧ ، شرح النحاس ١١١ ، الصاحبي ٢١٢ ، مغني اللبيب ١ / ٤٩٤.

(٣) شرح الأعلم ١ / ٨٧ ، شرح النحاس ١١١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٠٥ ، المفصل ٤ / ٩٧.

(٤) ديوان نصيب ١٠٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٠٥ ، الصاحبي ٢١٢.

١٢٦

ولو جعل مكان ذلك : إما أمره مصاع كان مستقيما نائبا عن ذلك المعنى ، فحمل ما بعده عليه فقال :

* فلم يجدا إلا مناخ مطية

تجافى بها زور نبيل وكلكل (١)

ومفحصها عنها الحصا بجرانها

ومثنى نواج لم يخنهن مفصل

وسمر ظماء واترتهن بعد ما

مضت هجعة من آخر الليل ذبل

الشاهد في هذه الأبيات رفع سمر ظماء وما قبلها منصوب بقوله فلم يجدا كأنه قال : فلم يجدا في هذا المكان إلا مناخ مطية ، يعني ذئبين طرقا رحل رجل بعد رحيله ، فلم يجدا إلا مناخ مطية وإلا مفحص هذه المطية الحصى عنها بجرانها.

وكان ينبغي أن يقول : وإلا سمرا ظماء ذبلا ، وإنما يعني بالسمر الظماء الذبل : بعر هذه المطية وكأنه قال : وبها سمر ظماء.

والجران : باطن العنق. وأراد بالمثنى : قوائمها ، وقيل هو موضع تثني قوائمها بالأرض.

ومعنى قوله : تجافى بها زورا ، أي لم تلقه على الأرض لقوتها.

ووصف البعر بالذبول لبعد عهد الناقة بشرب الماء والنواجي : السريعة.

وقال آخر :

* بادت وغير أيهن مع البلى

إلا رواكد جمرهن هباء (٢)

ومشجع أما سواء قذاله

فبدا وغير ساره المعزاء

والشاهد في رفع (مشجع) كالبيت الأول ، والمشجع : الوتد تدقه في الأرض وقد بدا وسط رأسه وظهر وغير ساره المعزاء ، وهي الأرض ذات الحصى وقيل : سار في معنى سائر ، كما قيل : هار في معنى هائر .. ورواكد : يريد بها الأثافي واستثناها من أي الدار لأنها لم تبل ولم تتغير فيما قد تغير.

وأنشد للفرزدق فيما يقدر فيه التنوين :

* أتاني على القعساء عادل وطبه

برجلي لئيم واست عبد تعادله (٣)

أراد بالقعساء : ناقته ، وقيل أراد أتانا. والوطب : زق اللبن ونصب عادل في الحال.

وأنشد للزبرقان بن بدر :

* مستخفي حلق الماذي يحفزه

بالمشرفي وغاب فوقه حصد (٤)

__________________

(١) ديوان كعب ٥٢ ، شرح الأعلم ١ / ٨٨ ، شرح النحاس ١١٣ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٧٣.

(٢) ديوان الشماخ ٤٢٧ ، ديوان ذي الرمة ٦٦١ ، شرح الأعلم ١ / ٨٨.

(٣) شرح الأعلم ١ / ٨٤ ، شرح النحاس ١٠٨ ، فرحة الأديب ١٧٦.

(٤) ديوان بشر ٧٥ ، شرح الأعلم ١ / ٨٥ ، المفضليات ٣٤٣ ، شرح النحاس ١٠٨.

١٢٧

الماذي : الدروع. ويحفزه : يرفعه ويشمره. والمشرفي : [السيف] والغاب : الرماح وأصله الغيضة ، ضربة مثلا لكثرة الرماح. والحصد : المقطوع وهو أيضا الملتف

وأنشد للسليك بن السلكة :

* تراها من يبيس الماء شهبا

مخالط درة منها غرار (١)

فإن قال قائل : لم احتج بقوله : مخالط درة وهو مضاف إلى نكرة فنعت بنكرة لأنه نكرة ، ولو كان مضافا إلى معرفة وهو نعت لنكرة لعلم أن إضافته غير صحيحة لما فيها من نية التنوين والنصب؟.

فالجواب : أنه لما رفع ما بعده كان كالفعل له ، فكأنه قال : يخالط درة منها غرار.

ولو كان في تأويل الماضي وكانت إضافته صحيحة للحق بالأسماء ولم يجر على ما قبله نعتا ، ولا رفع ما بعده ، ألا ترى أنك لو قلت : رأيت رجلا غلام امرأة أبوه ، لم يجز إلا بالرفع على معنى أبوه غلام امرأته.

فكذلك لو كان : مخالط درة لمعنى المضي لرفعه وجعله خبرا عما بعده ولكنه قدر في : مخالط التنوين ثم حذفه تخفيفا.

يصف خيلا. والماء : العرق ، فإذا يبس صار أشهب والدرة الدفعة من العرق والغرار : ذهاب الشيء وقلته. يريد أن ذلك العرق يبس عليها فتصير كأنها لم تعرق.

وأنشد للمرار الأسدي :

* سل الهموم بكل معطي رأسه

ناج مخالط (صهبة) متعيس (٢)

مغتال أحبله مبين عنقه

في منكب زين المطي عرندس

يريد : معطي رأسه ، أي : منقاد. ومتعيس يضرب إلى البياض يصف جملا.

ومغتال : أي واسع الجوف ، فيغتال أحبله ، أي يستغرقها ويستوفيها كلها حتى لا يبطل منها شيء لسعة جوفه ، وأراد بالأحبل : اتساع الرحل وهي مثل الحزام للسرج. وأصل الاغتيال : الذهاب بالشيء. وزين : دفع يصفه بالسرعة في السير. وعرندس : شديد.

هذا باب ما جرى مجرى الفاعل .. في اللفظ لا في المعنى

أنشد في هذا الباب للشماخ :

* رب ابن عم لسليمي مشمعل

طباخ ساعات الكرى زاد الكسل (٣)

فهذا وجه الإنشاد بالنصب للزاد ، وإضافة طباخ إلى ساعات الكرى.

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٢ / ٧٣٧ ، شرح الأعلم ١ / ٨٤ ، شرح النحاس ١٠٧.

(٢) شرح الأعلم (١ / ٨٥ ـ ٢١٢) ، شرح النحاس ١٠٩ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٦٩.

(٣) ديوان الشماخ ١٠٩ ، شرح النحاس ٤٥ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٨٠.

١٢٨

وقد روى (طباخ ساعات الكرى زاد الكسل) وتكون ساعات في موضع نصب والمشمعل : المنكمش السريع.

وأنشد أيضا للأخطل :

* وكرار ـ خلف ـ المحجرين جواده

إذا لم يحام دون أنثى حليلها (١)

والقول في هذا البيت كالقول في الذي قبله إلا أن الفصل بين المضاف والمضاف إليه بخلف أحسن ، لأن «خلف» أقل تمكنا وأضعف من «ساعات»

وأنشد لعمرو بن قميئة :

* لما رأت ساتيدما استعبرت

لله در ـ اليوم ـ من لامها (٢)

وهكذا كالبيت الذي قبله في الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف خاصة.

ولا يجوز أن تقدر «من» منصوبة «بدر» ، لأنه لا يعمل عمل الفعل وساتيدما : اسم جبل.

واستعبرت : حزنت وبكت.

وأنشد لأبي حية النميري :

* كما خط الكتاب بكف

يوما يهودي يضارب أو يزيل (٣)

وهذا كالبيت الذي قبله.

وأنشد للأعشى :

* ولا نقاتل بالعصىّ

ولا نرامي بالحجارة

إلا علالة أو بداهة

قارح نهد الجزارة (٤)

فأضاف علالة إلى قارح وأسقط التنوين من أجل الإضافة وفصل بينهما وبين قارح بالبداهة ، وهذا أجود من الذي مضى ؛ لأنهما شيئان يتناولان المضاف تناولا واحدا. ومثله يجوز في الكلام.

وأنشد لذي الرمة :

* كأن أصوات من إيغالهن بنا

أواخر الميس أصوات الفراريج

أراد كأن أصوات أواخر الميس.

والميس : شجر تصنع منه الرحال. والإيغال : السرعة في السير. وأنشد لدرنا بنت عبعبة من بني قيس بن ثعلبة :

__________________

(١) ديوان الأخطل ٢٣٥ ، شرح الأعلم ١ / ٩٠ ، معاني القرآن ٢ / ٨١ ، شرح النحاس ٤٥.

(٢) ديوانه ٦٢ ، شرح الأعلم ١ / ٩٠ ، مجالس ثعلب ١ / ١٢٥ ، إعراب القرآن ٢ / ٤٦٨ ، شرح النحاس ٤٤.

(٣) شرح الأعلم ١ / ٩١ ، والكتاب ١ / ٢٩٥.

(٤) ديوان الأعشى ١١٥ ، شرح الأعلم ١ / ٩١ ، والكتاب ١ / ٢٩٥.

١٢٩

* هما أخوا ـ في الحرب ـ من لا أخا له

إذا خاف يوما نبوة فدعاهما (١)

ففرقت بين المضاف والمضاف إليه «بفي» ومما يشبه قول الأعشى :

إلا علالة أو بدا

هة قارح نهد الجزارة

قول الفرزدق :

* يا من رأى عارضا أرقت له

بين ذراعي وجبهة الأسد (٢)

العارض ههنا : عارض السحاب ، ومعنى أرقت له : أي سهرت من أجله وأراد بالأسد ههنا : أحد نجوم الأنواء

وأنشد :

* ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه

وسائره باد إلى الشمس أجمع (٣)

وكان الوجه أن يقول : مدخل رأسه الظل ، فيقدم الرأس ؛ لأنه المفعول الأول ، وهو الداخل في الظل ، فكأنه الناصب له ، ولذلك قال سيبويه «فحد الكلام أن يكون الناصب مبدوءا به».

هذا باب صار فيه الفاعل بمنزلة الذي فعل في المعنى

إن قال قائل : لم جعل سيبويه الضارب مفسرا «بالذي ضرب» ولم يفسره بالذي يضرب؟

قيل له : من قبل أن اسم الفاعل الذي في معنى المضي لا ينصب الاسم بعده مع غير الألف واللام ، والذي في معنى المستقبل والحال ينصب الاسم دون ألف ولام ، فإذا ذكرت أن الماضي ينصب هنا لم يقع شك في أن المستقبل يعمل ذلك العمل ، ولو فسره بالمستقبل جاز أن يقول قائل : إن الماضي لا يعمل ذلك العمل.

وأجاز سيبويه في هذا الضارب الرجل وزيد وهذا الضارب الرجل وزيد على عطف البيان ، فأجاز في المعطوف والبيان ما لا يجوز في الاسمين قبلهما لو لم تدخلهما الألف واللام.

وإنما ذلك لأنه قد يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع ، ألا ترى أنك تقول : يا أيها الرجل ذو الجمة ، ولو قلت يا لرجل لم يجز إلا في الشعر.

وأنشد للمرار الأسدي :

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ٩٢ ، إعراب القرآن ٢ / ٦٨١ ، شرح النحاس ٤٤ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٨٣.

(٢) ديوان الفرزدق ٢١٥ ، شرح الأعلم ١ / ٩٢ ، المقتضب ٤ / ٢٢٩.

(٣) شرح الأعلم ١ / ٩٢ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٨٦ ، شرح القرطبي ٩٧.

١٣٠

* أنا ابن التارك البكري بشر

عليه الطير ترقبه وقوعا (١)

فجعل بشر عطف بيان للبكري ، ولا يصلح أن يكون بدلا.

وكان أبو العباس ينصبه ولا يجيز فيه الجر ، والقياس ما ذكر فيه سيبويه لما بينا ، مع إنشاد العرب البيت بالجر.

وأنشد في العطف للأعشى :

* الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجّى بينها أطفالها (٢)

وقد خولف سيبويه في هذا ، ولم تجعل له فيه حجة ؛ لأن الضمير عائد على المائة ، والتقدير : الواهب المائة الهجان وعبد المائة ، ثم أضمرها كما تقول : هذا الضارب الرجل وغلامه ، وهذا جائز بإجماع.

وإنما احتج سيبويه بهذا بعد أن صح القياس عنده في جواز الجر في الاسم المعطوف ، فأنشد البيت ليري ضربا من المثال في المعطوف ، وإن لم تكن له فيه حجة قاطعة.

وأنشد لابن مقبل :

* يا عين بكّي حنيفا رأس حيهم

الكاسرين القنا في عورة الدبر (٣)

فالقنا في موضع نصب.

وحنيف قبيلة ، والعورة : الموضع الذي يتقى فيه العدو ، ولا يكون بينهم وبينه حاجز ، وعورة الدبر : ما يتقى من خلف ، فهؤلاء يقاتلون إذا أدبر غيرهم وولى.

قوله في فصل بعد هذا «لأنه لا يكون واحدا معروفا ثم يثنى» إلى قوله : «لأن المعرفة بعد النكرة».

يعني أن التثنية لحقت المنكور ، ودخلت عليه ، وكان المنكور منونا فجعلت النون في التثنية عوضا من الحركة والتنوين ، ثم دخلت الألف واللام على المثنى وقد ثبتت فيه النون فلم تحذف لقوتها ، وحذف التنوين من الواجب لضعفه.

وأنشد للفرزدق :

* أسيد ذو خريطة نهارا

من المتلقطي قرد القمام (٤)

أضاف المتلقطي إلى القرد ، وأسيد تصغير أسود. يصف رجلا أرسله إلى من يحب أن يتجسس له أخبارها. وقرد القمام : ما تراكب من القمامة وهي الكناسة وإنما وصفه بهذا ؛ لأنه

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ٩٣ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٩١ ، شرح ابن السيرافي ١ / ١٠٦.

(٢) ديوان الأعشى ٢٥ ، شرح الأعلم ١ / ٩٤ ، المقتضب ٤ / ١٦٣ ، الهوامع ٢ / ٤٨.

(٣) ديوان تميم ٨٢ ، شرح الأعلم ١ / ٩٤ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٩٣ ، فرحة الأديب ١٦٩.

(٤) ديوان الفرزدق ٢ / ٨٣٥ ، معاني القرآن ٢ / ٢٢٦ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٩٥ ، اللسان ٣ / ٣٤٨.

١٣١

أراد أن لا يفطن له ولا يشعر بإرساله.

وأنشد لرجل من بني ضبة :

* الفارجي باب الأمير المبهم (١)

فحذف النون تخفيفا وأضاف ، والمبهم : المغلق ، والمعنى أن الأمير لا يحجب عنهم لشرفهم وعلو منزلتهم.

وأنشد لرجل من الأنصار :

* الحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائنا وكف (٢)

فحذف النون اختصارا ونواها ، فنصب ما بعدها ويروى الحافظو عورة العشيرة بالخفض.

وأنشد للأشهب بن رميلة ويقال ابن زميلة أيضا :

* إن الذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كل القوم يا أم خالد (٣)

أراد : الذين والدليل على ذلك قوله : دماؤهم فجعل المضمر في قوله الضارباك والضاربوك في موضع نصب على كل حال.

وحجته في ذلك أن اتصال الكناية قد عاقبت النون والتنوين ، فصار الاسم بمنزلة ما لا ينصرف ، وهو يعمل من غير تنوين كقولك : هؤلاء ضوارب زيدا.

وحكى بعضهم جواز : ضاربونك ، وضاربونني في الشعر.

وأنشد بعضهم ، وزعم سيبويه أنه مصنوع :

* هم القائلون الخير والآمرونه

إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما (٤)

وأنشد أيضا :

* ولم يرتفق والناس محتضرونه

جميعا وأيدي المعتقين رواهقة (٥)

فوصل الكناية في : آمرونه ومحتضرونه بالنون فزعم سيبويه أن هذا ضرورة الشاعر.

وجعل الهاء كناية.

وزعم أبو العباس أن هذه الهاء هاء السكت فأجراها في الوصف مجراها في الوقف ، وشبهها بهاء الكناية لثباتها في الوصف فحركها.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ٩٥ ، المقتضب ٤ / ١٤٥ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٩٦ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٤٠٠.

(٢) ديوان قيس بن الخطيم ٨١ ، الكتاب ١ / ٩٥ ، المقتضب ٤ / ١٤٥ ، شرح النحاس ٦٤.

(٣) شرح الأعلم ١ / ٩٦ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٩٩ ، المنصف ١ / ٦٧ ، الهمع (١ / ٤٩ ـ ٢ / ٧٣).

(٤) شرح الأعلم ١ / ٩٦ ، شرح السيرافي ٢ / ١٠٨ ، شرح المفصل ٢ / ١٢٥.

(٥) شرح الأعلم ١ / ٩٦ ، الكامل ١ / ٣٦٤ ، شرح السيرافي ٢ / ١٠٨.

١٣٢

باب من المصادر جرى مجرى الفعل المضارع في عمله ومعناه

أنشد في هذا الباب :

* فلو لا رجاء النصر منك ورهبة

عقابك قد صاروا لنا كالموارد (١)

فعدى قوله «رهبة» إلى «عقابك».

والموارد : الطرق ، أي لو لا خوفنا عقابك لوطئناهم كما توطأ الموارد وهي الطرق إلى الماء.

وأنشد :

* أخذت بسجلهم فنفحت فيه

محافظة لهن إخا الذمام (٢)

فنصب «إخا الذمام» بمحافظة.

والسجل : الدلو والنصيب ، وإنما ضرب المثل في العطا بالدلو ؛ لأن العيش إنما يكون بالماء ، وأراد إخاء الذمام فقصر الممدود ، ونفحت أعطيت.

وقال آخر :

* بضرب بالسيوف رءوس

قوم أزلنا هامهن عن المقيل

نصب الرءوس بضرب ، ومقيل الهام : الأعناق ، وأضاف الهام إلى ضمير الرءوس توكيدا ومجازا ، وجاز ذلك لاختلاف اللفظين.

ومما جاء من المصادر غير منون قول لبيد :

* عهدي بها الحي الجميع وفيهم

قبل التفرق ميسر وندام (٣)

أضاف العهد إلى الياء ونصب الحي به. وعهدي في موضع ابتداء ، والخبر قوله : وفيهم ؛ لأن الواو وما بعدها تنوب مناب الحال والحال تكون خبرا للمصدر ، كقولك : قيامك ضاحكا ، وقيامك وأبوك يضحك وأنشد لرؤبة :

* ورأي عيني الفتى أخاكا

يعطي الجزيل فعليك ذاكا (٤)

الشاهد فيه نصب الفتى وما بعده بقوله : رأي عيني والقول فيه كالقول في الذي قبله.

فيعطي حال تسد مسد الخبر.

وقال الراجز :

* قد كنت داينت بها حسانا (٥)

مخافة الإفلاس والليانا

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ٩٧ ، شرح النحاس ٦٦ ، شرح السيرافي ٢ / ٨٠٦ ، شرح المفصل ٦ / ٢١.

(٢) شرح الأعلم ١ / ٩٧ ، شرح النحاس ٧٤ ، شرح المفصل ٦ / ٢١.

(٣) ديوان لبيد ٢٨٨ ، شرح الأعلم ١ / ٩٨ ، شرح النحاس ٧٤ ، شرح السيرافي ٢ / ٨٠٧.

(٤) ديوانه ١٨١ ، شرح الأعلم ١ / ٩٨ ، المقتضب ٣ / ٧١ ، شرح النحاس ٧٥.

(٥) الكتاب ١ / ٩٩ ، شرح النحاس ٧٥ ، شرح السيرافي ٢ / ٨١٠ ، المنصف ٣ / ٧١.

١٣٣

يحسن بيع الأصل والقيانا

فنصب القيان على المعنى ، وأما نصب الليان ، فيجوز أن يكون من هذا الوجه ، كأنه قال : وخاف الليانا.

ويجوز أن يكون مخافة الإفلاس ومخافة الليان فحذف المخافة ، وأقام الليان مقامها.

ويجوز أن يكون على المفعول له.

وأنشد :

* ضعيف النكاية أعداءه

يخال الفرار يراخي الأجل (١)

فنصب أعداءه بالنكاية.

وقال المرار :

* لقد علمت أولي المغيرة أنني

لحقت فلم أنكل عن الضرب مسمعا (٢)

فنصب مسمعا بالضرب ، ويجوز نصبه بلحقت.

وقال بعض النحويين لا ينصب المصدر إذا عرف بالألف واللام ؛ لأنه قد زال عن شبه الفعل ، فإذا انتصب بشيء بعده فعلى إضمار مصدر منكور فيقدر ضعيف النكاية نكاية أعدائه ، وعن الضرب ضرب مسمعا.

باب الصفة المشبهة بالفاعل فيما عملت فيه

اعلم أن أصل هذا الباب أن تقول : مررت برجل حسن وجهه فتجرى الحسن على الرجل ، وترفع الوجه به ، وما سوى هذا من المسائل ، فهو داخل عليه ومغير عن لفظه.

وأحسن الوجوه بعد هذا أن تقول : مررت برجل حسن الوجه ، فيختار هذا من وجهين :

ـ أحدهما أن اسم الفاعل في هذا الباب لم يكن فيه فعل مؤثر فيما بعده كما كان ذلك في اسم الفاعل ، فاختاروا في ما كان منه فعل مؤثر أجراه على الفعل ونصبه وما لم يكن له فعل مؤثر يجري عليه ، جعلوه بمنزلة الاسم إذا اتصل بالاسم كقولك : غلام زيد ، ودار عمرو.

ـ ووجه ثان : يوجب اختيار الجر ، وهو أن الاسم المضاف إليه لا تستغنى عنه الصفة ؛ لأنك لو حذفته تغير المعنى ، والمفعول بعد اسم الفاعل إذا حذف لم يتغير معناه.

فلما كان ذكر الوجه من ذكر المفعول الصحيح وجب أن يكون الجر أولى به ؛ لأن المجرور داخل في الاسم الأول كبعض حروفه.

__________________

(١) شرح الأعلم ١ / ٩٩ ، المقتضب ١ / ٤١ ، شرح النحاس ٧٦ ، شرح السيرافي ٢ / ٨١٠.

(٢) المقتصد ١ / ٥٦٧ ، شرح المفصل ٤ / ٦٤ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٩٧.

١٣٤

وأنشد في ما ينتصب على التشبيه :

* أهوى لها أسفع الخدين مطرق

ريش القوادم لم ينصب له الشبك (١)

أراد مطرق ريش قوادمه ، أي متراكب كثير ، يعني بذلك صقرا.

وقال العجاج :

* محتبك ضخم شئون الرأس (٢)

أي شئون رأسه. والمحتبك : الشديد.

وقال النابغة :

* ونأخذ بعده بذناب عيش

أجب الظهر ليس سنام (٣)

فنصب الظهر بأجب على نية التنوين ولو أراد الإضافة لقال : أجب الظهر.

وأنشد لعمرو بن شأس :

* ألكني إلى قومي السّلام رسالة

بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا (٤)

ولا سيئي زيّ إذا ما تلبسوا

إلى حاجة يوما مخيسة بزلا

فهذا كقولك : مررت برجل حسن وجه.

ومعنى ألكنى : بلغ عني. والآية : العلامة. والمخيسة : المحبوسة المذللة.

والبزل : المسنة من الإبل.

وأنشد لحميد الأرقط :

* لاحق بطن بقرا سمين (٥)

أراد : لاحق البطن والقرى : الظهر ، واللاحق : الضامر ، ونفى أن يكون ضمره من هزال بقوله : سمين. يصف فرسا.

وأنشد لأبي زبيد :

* كأن أثواب نقاد قدرن له

يعلو بخملتها كهباء هدّابا (٦)

أراد كهباء هدابها ، ولو كان مما ينصرف لقلت : متكهبا هدابا. يصف أسدا ، والنقاد : الراعي صاحب النقد وهو ضرب من الغنم صغار ، فشبه لون الأسد بثوب النقاد.

والكهباء : الغبراء.

__________________

(١) ديوان زهير ١٣٢ ، شرح النحاس ٦٨ ، شرح السيرافي ٢ / ٨١٢ ، اللسان ٥١ / ٢٧٠.

(٢) ملحقات ديوانه ٧٩ ، شرح الأعلم ١ / ١٠٠ ، شرح النحاس ٦٦.

(٣) ديوان النابغة الذبياني ٧٥ ، شرح الأعلم ١ / ١٠٠ ، الإنصاف ١ / ١٣٤.

(٤) شرح الأعلم ١ / ١٠١ ، المقتضب ٤ / ١٢٠ ، شرح النحاس ٦٨.

(٥) شرح الأعلم ١ / ١٠١ ، المقتضب ٤ / ١٥٩ ، شرح النحاس ٦٩.

(٦) شرح الأعلم ١ / ١٠١ ، مجالس ثعلب ١ / ١٧٢ ، اللسان ٣ / ٤٢٧.

١٣٥

وقال أيضا :

* هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة

محطوطة جدلت ، شنباء أنيابا (١)

كأنه قال : نقية أنيابا.

والهيفاء : اللطيفة الخصر. والمحطوطة : البراقة اللون المصقولة.

وقال عدي بن زيد :

* من حبيب أو أخى ثقة

أو عدو شاحط دارا (٢)

أراد شاحط داره ، والشاحط : البعيد.

وأجاز سيبويه في الشعر هي حسنة وجهها وضعفه.

وإنما كان ضعيفا من قبل أن في حسن ضميرا يرتفع به يعود إلى زيد ، فلا حاجة بنا إلى الضمير الذي في الوجه ، لأن الأصل : زيد حسن وجهه ، وهند حسنة وجهها. والهاء تعود إلى زيد فنقلنا هذه الهاء بعينها إلى حسن فجعلناها في حال رفع فاستكنت فيه ، فلا معنى لإعادتها ، ولكن من أعادها ضرورة جعل الضمير مكان الألف واللام وبقي الضمير الأول على حاله مرفوعا ، وصيره كقولك : زيد ضارب غلام.

وعلة ثانية أوجبت امتناعه ، وذلك أن وجه الجر في : حسن الوجه إنما يكون حيث يجوز النصب فيه ، فكما تقول : برجل حسن الوجه تقول برجل حسن الوجه فتشبههما بقولك : مررت برجل ضارب الغلام. وضارب الغلام يشبه الوجه من جهة اللفظ حيث لم تضفه إلى الضمير بالغلام ولم يجز أن تقول : مررت برجل حسن وجهه بالخفض ، كما لم يجز قولك حسن وجهه بالتنوين والنصب ؛ لأن الوجه فاعل لما قبله والفاعل لا يجوز نصبه فلما امتنع نصبه امتنع خفضه ؛ لأن هذه الصفة مشبهة باسم الفاعل وأنت لو قلت : مررت برجل ضارب أبوه زيدا ، لم يجز أن تنصب الأب لأنه فاعل ، ولا أن تجره لأنك لا تضيف.

وأنشد قول الشماخ :

* أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما

فجونتا بمنزلة حسنتا. ومصطلاهما بمنزلة وجوههما ، والضمير الذي في مصطلا يعود إلى قوله : جارتا صفا. والصفا هو الجبل ، وهما أثفيان والجبل هو الثالث.

قوله : كميتا الأعالي ، يعني أن الأعالي من الأثافي لم يسود ؛ لأن الدخان لم يصل إليهما فهي على لون الجبل ، وجونتا مصطلاهما : يعني مسودتا المصطلى وهو موضع الوقود.

وأنكر بعض النحويين هذا على سيبويه وخرج للبيت ما يخرج به عن حسن وجهه ،

__________________

(١) شعر أبي زبيد ٣٦ ، شرح الأعلم ١ / ١٠٢ ، شرح النحاس ٣٩ ـ ٢٣ ، شرح السيرافي ٢ / ٨٢٥.

(٢) ديوان عدي ١٠١ ، شرح الأعلم ١ / ١٠٢ ، معاني القرآن ٢ / ٤٠٩ ، شرح السيرافي ٢ / ٨٢٦.

١٣٦

وذلك لأنه لا خلاف بين النحويين أن قولنا زيد حسن وجه الأخ جميل وجهه جائز ، فالهاء تعود إلى الأخ لا إلى زيد فكأنا قلنا : زيد حسن وجه الأخ وكأنه قال في البيت : كميتا الأعالي جونتا مصطلا الأعالي ، فالضمير في المصطلى يعود إلى الأعالي لا إلى الجارتين.

فإن قال قائل : فلم ثنى الضمير والأعالي جمع؟.

قيل له : الأعالي في معنى الأعليين ، فرد الضمير إلى الأصل.

ومثله.

* متى ما تلقني فردين ترجف

روانف إليتيك وتستطارا (١)

فرد تستطارا إلى رانفين ؛ لأن روانف في معنى رانفين.

والقول عندي ما ذكره سيبويه من حمله على الضرورة تشبيها بغيره وذلك أن معنى البيت إنما يصح بأن يصف أعالي الأثفيين بالكميت ، لبعدهما عن مباشرة النار والدخان ، وأسافلها بالجونة والسواد لاتصالهما بذلك ، فوضع المصطلى كنية عن الأسافل ، فكأنه قال : كميتا الأعالي جونتا أسافلهما ، أي أسافل الأثفيين ، فالأسافل إنما تصح إضافتها إلى الأثفيين لا إلى أعاليهما.

ألا ترى أنك لو قلت هذه أثفية كميت الأعلى جونة الأسفل ثم اضطررت أن تضيف الأسفل إلى ضمير الأثفية أو ضمير الأعلى ، جاز لك أن تقول كميت الأعلى جونة أسفلها ، فتعيد الضمير على الأعلى ؛ لأنك لم ترد أن تجعل أعلى وأسفل مختلفين وإنما أردت أن تجعل ذلك للأثفية ، وهو صحيح.

وأنشد لرؤبة على قولك : الحسن وجها :

* الحزن بابا والعقور كلبا (٢)

معناه : الحزن بابه ، وهو الشديد. والعقور كلبه ، أي : بابه خشن غليظ لمن زاره ، وكلبه عقور لمن دنا منه.

وأنشد للحارث بن ظالم :

* فما قومي بثعلبة بن سعد

ولا بفزارة الشّعرى رقابا (٣)

فنصب رقابا بدخول الألف واللام في الشعرى ، والشعرى مؤنث الأشعر وهو الكثير الشعر. وكانت العرب تمدح بالجلاء وخفة الشعر ، فانتفى الحارث بن ظالم بن ثعلبة بن سعد

__________________

(١) ديوان عنترة ١٠٨ ، الخزانة (٤ / ٢٩٧ ، ٧ / ٥٠٧).

(٢) ديوان رؤبة ١٥ ، شرح الأعلم ١ / ١٠٣ ، المقتضب ٤ / ١٦٢ ، شرح النحاس ٦٩ ، الخزانة ٨ / ٢٢٧.

(٣) شرح الأعلم ١ / ١٠٣ ، المفضليات ١ / ٣١٤ ، معاني القرآن ٢ / ٤٠٨.

١٣٧

من فزارة ، وهجاهم بكثرة شعورهم ـ وانتسب إلى قريش ـ في قصيدة له طويلة.

وأنشد :

* لا يبعدن قومي الذين هم

سم العداة وآفة الجزر

النازلين بكل معترك

والطيبون معاقد الأزر (١)

فنصب معاقد لثبات النون في «الطيبون».

قولنا : سم العداة ، أي : هم حتف من عاداهم. وآفة الجزر ، أي ينحرونها للأضياف ، والنازلين بكل معترك ، أي ينزلون بمواضع القتال ويغشون الحروب ، والطيبون معاقد الأزر ، أي هم أعفاء ، يقال : فلان طيب معقد الأزر وهو كناية عن العفة.

قال سيبويه «وتقول فيما لا يقع إلا منونا عاملا في نكرة» إلى قوله «هو خير منك أبا وأحسن منك وجها».

إن قال قائل : لم لم يقع خير منك وأفضل منك وبابهما مضافا؟ ففي ذلك جوابان :

ـ أحدهما أن هذا الباب وضع التفضيل ، فإذا قلت : زيد أفضل من عمرو فقد زعمت أن فضل زيد ابتداء من فضل عمرو راقيا صاعدا إلى فوق باب الفضل ، فدللت بهذا على أنه أفضل من كل أحد مقدار فضله كفضل عمرو ، فكأنك قلت علا فضله عن هذا التقدير ، فتبين المخاطب أنه قد علا عن هذا الابتداء ولم يعلم موضع الانتهاء.

فلما كان معنى الباب الدلالة على ابتداء التفضيل على مقدار الفضل عليه ، وعلى كل من كان في محله ومنزلته ـ لم يكن بد من ظاهرة أو مضمرة فلما كانت كذلك : نون ولم تصلح إضافته إلى المفضل عليه لدخول من فاصلة بينهما لفظا أو تقديرا.

ـ والعلة الثانية أنك إذا قلت زيد أفضل منك «فأفضل» بمنزلة الفعل ، كأنك قلت فضله يزيد على فضلك ، ولذلك لم يثن ولم يجمع لتضمنه المصدر وزيادته ، فكان بمنزلة الفعل الذي يتضمن المصدر والزمان ولم يجز تعريف «أفعل» إذا نصب ما بعده ؛ لأنه منع التثنية والجمع لحلوله محل الفعل كما يمنع الفعل فلم يعرف كما لا يعرف الفعل ، ولم يعمل «أفعل» إلا في النكرة ؛ لأن المنتصب بعده دال على نوع كما دل مفسر العشرين وما جرى مجراه ، فنكر كما ينكر مفسر العشرين ؛ لأنه لا يدل على شيء بعينه.

فقوله : «وهكذا مبدوء به في أنه يثبت التنوين»

يعني أنك إذا قلت : هو أفضل أبا منك «فمنك» مبدوء به في المعنى قبل التفسير ، وهو الذي جلب التنوين ومن أجله دخل الكلام وإن كان مؤخرا في اللفظ ، فمن حيث جاز أن تقدم المفعول على الفاعل كذلك يجوز تقدير التفسير على «منك» كأن كل واحد منهما لا

__________________

(١) ديوان خرنق ١٠ ، شرح الأعلم ١ / ١٠٤ ، شرح النحاس ١٨٠ ، شرح السيرافي ٢ / ٨٤١.

١٣٨

يحل به تأخيره عن موضعه في المعنى الذي دخل في الكلام.

قوله : «ولم يدخلوا الألف واللام كما لم يدخلوا في الأول»

يعني أنك قلت «أفضل رجل» وبابه لم يدخل فيه الألف واللام كما لم تدخل في أفضل منك ، وإنما قال : الأول ؛ لأنه أول ما ذكر هو أفضل منك أبا ، ثم بأفضل أب.

قوله : «وفرقوا بترك التنوين والنون بين معنيين»

أراد : بين معنى الإضافة ومعنى التمييز.

قوله : «وتقول هو أشجع الناس رجلا وهما خير الناس اثنين».

معنى هذا الكلام هو أشجع الناس إذا صنفوا رجلا رجلا ، وهما خير الناس إذا صنفوا اثنين. ولا يصلح في هذا أن تقول : هو أشجع الناس رجالا ؛ لانقلاب المعنى ؛ لأنك إذا قلت : هو أشجع الناس رجالا كان بمنزلة قولك : هذا أفره الناس عبيدا ، ومعناه : عبيده أفره الناس عبيدا ، ومعناه : عبيده أفره من عبيد غيره.

وإنما أراد ب : هو أشجع الناس رجلا : ما أراد بقوله حسبك به رجلا على التمييز ، وإن أردت به ما أردت بقولك : هو أشجع الناس رجالا جاز.

وإنما تقول هذا إذا أردت أن قبيله ورجاله أشجع من رجال غيره ، فإذا أدخلت «من» في الوجه الأول فقلت : هو أشجع الناس من رجل جاز كما تقول : حسبك به من رجل. ولا يجوز دخول «من» على الوجه الآخر كما لا تدخل في قولك : هو أفره الناس عبيدا.

قال : «والرجل هو الاسم المبتدأ».

يعني في قولك : هو أشجع الناس رجلا ، كما تقول : حسبك بزيد رجلا ولم يرد هو أشجع الناس رجلا على حد قولك : هو أفره الناس عبدا إذا كان هو المولى.

وقال أبو الحسن : «هو جميع الرجال ، لأنك إنما أردت من الرجال» وقول أبي الحسن هذا على التفسير الثاني في المسألة إلا أن «زيد» وإن كان الأول كما ذكر سيبويه ، وهو دال على الجنس إذا صنفوا رجلا رجلا ، أو رجلين رجلين فيكون شرحا وتفسيرا لقول سيبويه ، وإن لم يرد هذا المعنى فقد غلط في رده على سيبويه.

قال سيبويه «ومما أجري هذا المجرى أسماء العدد»

إن قال قائل : إلى ما أشار «بهذا» وكيف جريه مجراه؟

فالجواب : أن الفصل الذي قبل هذا وهو قولك : زيد أشجع رجل وأشجع الناس رجلا ، قد يكون فيه منصوب ومخفوض على معنيين مختلفين ومعنيين متفقين ، فجرى باب العدد مجرى أشجع الناس رجلا ، وأشجع رجل في الناس.

في معنى اجتماع الجر والنصب فيه لأنك تقول في باب العدد ثلاثة أثواب ، وعشرون

١٣٩

درهما ومائة درهم ، فيكون بعضه منصوبا وبعضه مخفوضا كما كان في ذلك.

قال : وإذا ضاعفت أدنى العقود كان له اسم من لفظه إلى قوله ويكون حرف الإعراب الواو والياء وبعدهما النون يعني العشرين.

فإن قال قائل : ما هذه الكسرة التي لحقت أول العشرين؟ وهلا جرت على عشرة أو عشر؟ فإن الجواب في ذلك : أن عشرين لما كانت واقعة على الذكر والأنثى ، كسروا أولها للدلالة على التأنيث وجمع بالواو والنون للدلالة على التذكير ، فتكون آخذة من كل واحد منهما بتأثير.

ـ وعلة أخرى في كسر أول العشرين أنه لما وضعوا العشرين مكان تثنية العشرة صار بمنزلة اثنين وثنتين فكسروا أوله كما كسروا أولها ...

وأنشد على تنوين المائة ونصب ما بعدها :

* إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب اللذاذة والفتاء (١)

فأثبت النون ضرورة ، فنصب ما بعدها.

وقال آخر

* أنعت عيرا من خنزره

في كل عير مائتان كمره (٢)

واعلم أن مائة ناقصة بمنزلة «رئة» فلذلك جمعت بالواو والنون ؛ لأنهم يخصون المنقوص من المؤنث بهذا الجمع كثيرا .. وقد تجمع بالألف والتاء.

فأما قول الشاعر :

* وحاتم الطائي وهاب المئي (٣)

ـ فقال بعضهم أراد جمع المائة على الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء فكأنه قال مائة ومئي ، ثم أطلق القافية للجر.

ـ وقال بعضهم أراد المئي وكان أصله المئي على مثال فعيل فكسرت الميم ؛ لأن بني تميم يكسرون الفاء من «فعيل» إذا كانت العين أحد حروف الحلق ، كقولهم : شعير ورحيم ، ونظير هذا من الجمع بعير وكليب وعبيد. فمئي على هذا القول مشددة ويجوز تخفيفها في القافية المقيدة.

ـ وقال بعضهم إنما هو مئين فاضطر إلى حذف النون كقوله :

* قواطنا مكة من ورق الحمي

__________________

(١) الكتاب ١ / ١٠٦ ، المقتضب ٢ / ١٦٦ ، شرح السيرافي ٢ / ٩١١ ، المقتصد ٢ / ٧٤٣.

(٢) شرح الأعلم ١ / ١٠٦ ، شرح النحاس ٧٠ ، شرح السيرافي ٢ / ٩١١ ـ ٩٢١.

(٣) نوادر أبي زيد (٩١ ـ ٣٢٢ ـ ٣٢٤) ، الخصائص ١ / ٣١١.

١٤٠