هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

مع (١) أنّ هذا (٢) لا يجري في الشرط المشكوك المتحقق في الحال ، فإنّ العقد حينئذ (٣) يكون مراعى (٤)

______________________________________________________

التعليق في بعض الأقسام ، أعني ما إذا كان المعلّق عليه استقباليا ، فلو كان مقارنا للعقد فلا بد من صحته ، إذ لا يلزم حينئذ تخلّف الأثر عن المؤثّر ، كما إذا علّقه البائع على قبول المشتري أو على مشيّته ، فقال : «بعتك إن قبلت ، أو : إن شئت» فقال المشتري : «قبلت» فإنّ النقل لا ينفك عن هذا الإنشاء كما هو واضح. مع أن مقصود صاحب الجواهر منع التعليق مطلقا مهما كان المعلّق عليه.

(١) هذا خامس ما أورده على كلام الجواهر ، ومحصله أيضا أخصّيّة الدليل من المدّعى ، وغرض المصنف قدس‌سره : أنّ دليل صاحب الجواهر قدس‌سره ـ على فرض تماميته ـ يقتضي صحة التعليق على شرط متحقق واقعا ، ولكنه مشكوك الحصول بنظر المتعاقدين ، كما إذا قال البائع : «بعتك إن كان لي ، أو : بعتك إن كان هذا اليوم يوم الجمعة» فتبيّن كونه مالكا للمبيع وكون يوم الإنشاء الجمعة.

والوجه في الصحة : أنّ محذور تخلّف المسبب عن السبب ـ الّذي اعتمد عليه صاحب الجواهر في اعتبار التنجيز ـ لا يلزم في المثالين ، غايته أنّ المتبايعين لا يعلمان بترتب الأثر الشرعي على العقد ، للجهل بحصول المعلّق عليه ، فإذا انكشف لهما تحققه حال الإنشاء تبيّن لهما موضوعية العقد لوجوب الوفاء به. هذا مقتضى دليل صاحب الجواهر قدس‌سره ، مع أنّه جعله وجها لبطلان العقد المعلّق مطلقا حتى فيما كان المعلّق عليه حاصلا حال العقد ، وكان مشكوك الحال بنظر المتعاقدين.

(٢) أي : ما استدل به صاحب الجواهر ـ من اقتضاء الآية الشريفة ترتب الأثر على العقد فورا ـ لا يجري .. إلخ.

(٣) يعني : حين كون الشرط ـ المشكوك تحقّقه ـ موجودا في حال الإنشاء.

(٤) حتّى ينكشف حال الشرط ، فإن كان موجودا حال الإنشاء كان العقد

٥٦١

لا موقوفا (١).

مع (٢) أنّ ما ذكره لا يجري في غيره من العقود التي قد يتأخّر مقتضاها عنها ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

صحيحا من حينه ، وإن كان معدوما كان العقد باطلا ، لمحذور تخلّف الأثر عن المؤثّر.

(١) يعني : حتى يلزم التخلّف ، إذ الموقوف هو العقد المتخلّف مقتضاه عن نفس العقد ، لتوقّفه على ما لا وجود له فعلا.

(٢) هذا إيراد سادس على كلام الجواهر ، ومحصله : أخصيّة الدليل من المدّعى ، وذلك لأمرين مسلّمين :

الأوّل : أنّ البحث عن شرطيّة التنجيز لا يختص بالبيع ، بل عام لجميع الإنشاءات من العقود والإيقاعات ، فإن نهض دليل على الاشتراط لم يختص بباب دون آخر ، وإن لم ينهض فكذا ، أي يجوز تعليق الإنشاء مطلقا.

والوجه فيه : أنّ ما استدلّ به على الاعتبار ـ كالإجماع وما تقدّم من كلام الجواهر ـ لا يختص بالبيع. وعليه فاللّازم القول بالاشتراط مطلقا ، أو بالعدم كذلك ، ولا وجه للتفصيل بين العقود.

الثاني : أن سببيّة العقود لترتب مسبباتها عليها مختلفة ، فمنها ما يكون بمقتضى طبعه سببا تامّا ، ولا ينفك مسبّبه عنه كالبيع والإجارة والصلح وغيرها. ومنها ما لا يكون كذلك ، بل يتخلّف الأثر عن العقد كالوصية التمليكية والوقف والهبة والمضاربة والمساقاة ونحوها ، فالعقد يكون جزء السبب ، والجزء الآخر هو الأمر المتأخر كالموت في باب الوصية ، والقبض في الهبة والوقف ، وهكذا.

وبناء على هذين الأمرين نقول : إنّ الآية الشريفة التي استدلّ بها صاحب الجواهر ـ لو تمّ دلالتها ـ تقتضي شرطية التنجيز في القسم الأوّل من العقود ، مع أنّ المدّعى اعتباره مطلقا. وبيانه : أنّ الآية تدلّ على ترتب المسبّب على السبب ـ أي العقد ـ مباشرة وبلا فصل ، ومن المعلوم عدم كون جميع العقود مقتضية لترتيب الأثر فورا ، لما عرفت من أنّ جملة منها ليست أسبابا تامّة لمسبّباتها ، بل هي مشروطة

٥٦٢

وليس الكلام (١) في خصوص البيع ، وليس على هذا الشرط في كل عقد دليل على حدة.

ثم الأضعف (٢) من الوجه المتقدم : التمسّك (٣) في ذلك بتوقيفية الأسباب الشرعية الموجبة لوجوب الاقتصار فيها على المتيقن ، وليس (٤) إلّا العقد العاري عن التعليق.

______________________________________________________

بأمور متأخرة عن العقد كالقبض في بيع الصرف ، وظهور الرّبح في المضاربة ، وهكذا. فيلزم جواز تعليق هذا القسم بأن يقول الموصى : «أوصيت بهذا المال لزيد إن قدم الحاج» ووجه الجواز واضح ، لفرض اختصاص مدلول الآية بالعقود التي تكون أسبابا تامّة ، لا مقتضية.

مع أنّ الالتزام بهذا التفصيل ممّا لا وجه له ، لما عرفت من أنّ هذا البحث لا يختص ببعض العقود ، ولا دليل آخر على شرطية التنجيز في سائر العقود ، فلو قيل ببطلان مثل الوصية بالتعليق كان قولا بغير علم.

(١) قد تقدم توضيح هذا آنفا بقولنا : «الأوّل : أن البحث عن شرطية التنجيز ..».

(٢) الجمع بين تعريف صيغة التفضيل و «من» لا يساعده القواعد الأدبية.

(٣) هذا رابع الوجوه المستدل بها على اعتبار التنجيز ، وهو مذكور في مفتاح الكرامة ، لكنه منعه بقوله : «وفيه ما فيه» وتقدم في كلام المحقق والشهيد الثانيين «أن العقود لمّا كانت متلقاة من الشارع نيطت بهذه الضوابط ، وبطلت في ما خرج عنها» وينسب هذا الوجه إلى جماعة من القدماء كالقاضي في جواهره. وأشار إليه صاحب الجواهر قدس‌سره في عبارته المتقدمة أيضا. وحاصله : أنّ الإنشاءات أسباب حكم الشارع بتأثيرها في مسبّباتها ، فإذا شك في جواز التسبّب بالإنشاء ـ المعلّق على شي‌ء ـ للأثر تعيّن الاقتصار على المتيقن ، وهو العقد العاري عن التعليق ، إذ لو علّقه لم يندرج في دليل الصحة ، فيرجع فيه إلى أصالة الفساد.

(٤) يعني : وليس المتيقن من الأسباب الشرعية إلّا العقد العاري عن التعليق.

٥٦٣

إذ فيه (١) : أنّ إطلاق الأدلة مثل حلّيّة البيع ، وتسلّط الناس على أموالهم ، وحلّ التجارة عن تراض ، ووجوب الوفاء بالعقود ، وأدلة (٢) سائر العقود كاف (٣) في التوقيف.

وبالجملة (٤) : فإثبات هذا الشرط في العقود ـ مع عموم أدلتها ووقوع كثير منها في العرف (٥) على وجه التعليق ـ

______________________________________________________

(١) هذا ردّ الاستدلال المزبور ، وحاصله : أنّ إطلاق الأدلة المصحّحة للعقود كاف في التوقيف ، فمع الصدق العرفي على العقد المعلّق يتشبّث بتلك الإطلاقات ، ومعها لا مجال للاقتصار على المتيقّن الذي يكون مورده إجمال الدليل. وقد سبق هذا المطلب في أوّل ما أورده المصنف على صاحب الجواهر قدس‌سرهما.

(٢) معطوف على «الأدلة» يعني : إطلاق أدلة العقود ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النكاح سنّتي ، والصلح جائز بين المسلمين» ونحوهما أدلة صحة الإجارة والقرض والمضاربة وغيرها ، فإنّ إطلاقها مسوق لإمضاء المتعارف منها. ولمّا كان المتعارف إنشاءها منجّزا تارة ومعلّقا اخرى كان مقتضى إطلاق الأدلة صحة كلا القسمين.

وعليه تكون العقود التعليقية توقيفية أيضا ، لكفاية الإطلاق في إثبات صحتها شرعا.

(٣) خبر قوله : «أنّ إطلاق» يعني : أنّ توقيفيّة الأسباب المعلّقة ـ كالمنجّزة ـ ثابت بالإطلاق ، ولا وجه لحصر الأسباب الممضاة شرعا في خصوص المنجّزة منها.

(٤) هذا ملخّص ما أفاده بقوله : «وربما يتوهّم أن الوجه في اعتبار التنجيز ..» إلى هنا. يعني : أنّ المعتمد من الوجوه المستدل بها على شرطية التنجيز هو الإجماع ، لا سائر الوجوه التي عرفت ضعفها.

(٥) غرضه من هذه الجملة أنّه لا مجال لتوهم انصراف إطلاق الأدلة إلى خصوص المنجزة ـ لشيوعها وندرة المعلّقة ـ كما هو حال سائر الإطلاقات المنصرفة عن أفرادها النادرة. وجه عدم المجال ما تقدّم من منع ندرة العقود المعلّقة ، بل المتعارف كلا القسمين.

٥٦٤

بغير (١) الإجماع محقّقا أو منقولا (٢) مشكل (٣).

ثمّ إن القادح هو تعليق الإنشاء (٤). وأمّا إذا أنشأ من غير تعليق صحّ

______________________________________________________

(١) متعلّق ب «إثبات».

(٢) ظاهر العبارة تسليم أصل الإجماع وتردّده بين المحصّل والمنقول.

لكن في مفتاح الكرامة والجواهر ما ظاهره الجزم بتحصيل الإجماع فضلا عن نقله ، ففي الأوّل : «والدليل على ذلك بعد الإجماع نقلا وتحصيلا : أنّ الأصل عدم جواز الوكالة ، خرجت المنجّزة بالإجماع وبعض الأخبار ، وبقي الباقي» (١).

وفي الثاني : «وشرطها ـ أي الوكالة ـ أن تقع منجّزة كغيرها من العقود ، بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه» (٢).

(٣) لأنّ رفع اليد عن العمومات ـ المقتضية للصحة ـ بدون المخصّص مشكل جدّا.

(٤) هذا هو المطلب الثالث الذي تعرّض له في المقام الرابع ، وغرضه من هذا الكلام إلى آخر المسألة بيان حكم ما إذا كان الإنشاء منجّزا صورة ، ولكن تردّد المنشئ في تحقق شرط عرفي أو شرعي ممّا يتوقف عليه الأثر ، وهذا قسم من أقسام التعليق غير الصريح ، بل هو لازم الكلام ، على ما سبق منه في (ص ٥٤١) من التنظير بما إذا باع شخص مال مورّثه بظنّ موته ، وقد نقل هناك عن العلّامة احتمال بطلانه لكونه معلّقا واقعا وإن كان منجّزا صورة.

وكيف كان فمحصّل ما أفاده قدس‌سره : أنّ ما دلّ على بطلان الإنشاء بالتعليق ـ كالإجماع ـ يقتضي الاختصاص بإناطة الإنشاء بشرط أو صفة. وأمّا إذا كانت الصيغة منجّزة ولكن تردّد المنشئ في ترتب الأثر عليها ـ للشك في تحقق شرط صحتها عرفا أو شرعا ـ كانت صحيحة وخارجة عن مورد مبطلية التعليق ، كما

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٥٢٦

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٧ ، ص ٣٥٢

٥٦٥

العقد (١) وإن كان المنشئ متردّدا في ترتب الأثر عليه شرعا أو عرفا ، كمن ينشئ البيع وهو لا يعلم أنّ المال له (٢) ، أو أنّ المبيع مما يتموّل (٣) ، أو أنّ المشتري راض حين الإيجاب (٤) أم لا ، أو غير ذلك ممّا يتوقف صحة العقد عليه

______________________________________________________

إذا باع شيئا وهو متردّد في ماليّته العرفية أو الشرعية ، أو شكّ في رضا المشتري جدّا بالإيجاب ، وغير ذلك من الأمثلة المذكورة في المتن.

ووجه الصحة في الجميع ـ يعني سواء أكان الشرط المشكوك تحقّقه مقوّما للعنوان عرفا أم مأخوذا فيه تعبّدا ـ هو تجرّد الإنشاء عن أداة الشرط ، ولا دليل على اعتبار جزم المنشئ.

هذا ما ذكره المصنف قدس‌سره في مطلع كلامه ، ولكنه استدرك عليه بالفرق بين كون المشكوك فيه مقوّما ، فيبطل الإنشاء ، وغيره فيصح ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(١) هذا مبني على الاستناد إلى الإجماع. وأمّا بناء على ما حكاه عن العلّامة من اعتبار الجزم في الإنشاء فيبطل في هذا القسم أيضا ، كما احتمله هو وفخر المحققين في بيع مال المورّث بظنّ موته ، فراجع.

(٢) هذا مثال للشرط الذي له دخل شرعا في ترتب الأثر على الإنشاء ، ولا دخل له فيه عرفا.

(٣) هذا مثال للشرط المصحّح للعقد عرفا ، فإنّ البيع عندهم «مبادلة مال بمال» فمع عدم ماليّة المبيع لا يقع البيع العرفي حتى يمكن إمضاؤه شرعا ، فإذا شكّ البائع في أنّ المبيع ممّا يتموّل ، لم يكن جازما بالبيع والمبادلة ، ومع ذلك يصحّ إنشاؤه ، لخلوّه عن الشرط.

(٤) هذا أيضا لو كان شرطا مصحّحا للعقد كان بالتعبّد ، لا لدخله عرفا في العقد.

٥٦٦

عرفا (١) أو شرعا (٢).

بل (٣) الظاهر أنّه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الأثر (٤) عليه إذا تحقّق القصد إلى التمليك العرفي.

وقد صرّح بما ذكرنا (٥) بعض المحققين (٦) ، حيث قال : «لا يخلّ زعم فساد المعاملة ما لم يكن سببا لارتفاع القصد».

______________________________________________________

(١) كالشك في رضا المشتري بالإيجاب وكراهته له ، فإنّ المعاهدة الاختيارية متوقفة عرفا على الرّضا.

(٢) كجملة من شرائط المتعاقدين والعوضين ، فالبلوغ شرط تعبدي ، وكذا عدم سقوط العوضين عن المالية ، فمبادلة الخمر والخنزير عقد عرفي ، لكن نهى الشارع عنها ، لعدم قابلية العوض للتملّك شرعا. والعقل وقابلية الخطاب شرط عرفي.

(٣) غرضه الإضراب ـ عن عدم قدح تردّد المنشئ ـ إلى أنّ اعتقاد عدم ترتّب الأثر شرعا لا يقدح أيضا في الصحة إذا اجتمعت الشرائط العرفية المقوّمة للمعاملة ، وكان عدم إمضاء الشارع لأجل فقد شرط تعبدي كبلوغ المتعاقدين ، فلا مانع من تمشّي القصد إلى البيع إذا كان المشتري صبيّا مميّزا.

(٤) يعني : الأثر الشرعي. وأمّا الأثر العرفي فيمتنع القصد إليه عند العلم بعدم ترتبه.

(٥) من صحة الإنشاء غير المعلّق ، ولكن اعتقد المنشئ بعدم إمضائه شرعا.

(٦) وهو المحقق صاحب المقابس ، في مسألة اشتراط البيع بالقصد ، حيث قال : «ولا يعتبر أيضا علمه بصحّة العقد ، ولا يخلّ زعمه فساده ما لم يتسبّب لارتفاع قصده من الأصل ، وإلحاقه باللعب والهزل» (١).

والظاهر أنّ مورد كلامه اعتقاد الفساد الناشئ من اختلال الشرائط الشرعية ، فيقصد البيع العرفي ، ولا ينقاد للأحكام التعبدية.

__________________

(١) : مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١٢

٥٦٧

نعم (١) ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقوّمة ، كعدم الزوجية ، أو الشّك فيها في إنشاء الطلاق ، فإنّه لا يتحقق القصد إليه منجّزا من دون العلم بالزّوجية. وكذا الرّقية في العتق (٢). وحينئذ (٣) فإذا مسّت الحاجة إلى شي‌ء من

______________________________________________________

(١) هذا استدراك على قوله : «وأما إذا أنشأ من غير تعليق صحّ العقد وإن كان المنشئ متردّدا».

ومحصّله : أنّ ما ذكرناه ـ من صحة العقد المنجّز مع تردّد المنشئ ، بل مع اعتقاده بالفساد شرعا ـ لا يمكن تسليم إطلاقه ، سواء أكان الشرط المشكوك تحقّقه مقوّما عرفيا للمعاملة أم شرعيّا ، بل ينبغي التفصيل بينهما ، ونقول ببطلان العقد في الشرط المقوّم عرفا ، سواء أكان مقطوع الانتفاء أم مشكوكا فيه ، كما إذا طلّق امرأة يشكّ في زوجيّتها ، فقال : «هي طالق».

والوجه في البطلان عدم تمشّي القصد الجدّي إلى الطلاق ـ الذي هو فكّ علقة الزوجية ـ مع الشكّ في موضوعه ، فيكون كإنشاء الهازل والعابث في عدم ترتب الأثر عليه.

وكذا الحال في إنشاء العتق مع الشك في كون المعتق مملوكه ، أو مع العلم بعدم مملوكيته له.

(٢) لتقوّم العتق بالرّقّية ، كتقوّم الطلاق بالزوجية ، والزوجية بأجنبية المرأة ، وهكذا.

ثم لا يخفى انّ مقصود المصنف قدس‌سره من «عدم تحقق القصد إليه منجّزا» هو القصد الجدّي. فلا يمكن التسبّب بصيغتي الطلاق والعتق عند عدم إحراز الزّوجية والرّقية. وأمّا إيجادهما رجاء فلا مانع منه ، كما نبّه عليه بقوله : «فإذا مسّت الحاجة ..» وسيأتي.

(٣) يعني : وحين انتفاء القصد المنجّز ـ في فقد الشرط المقوّم ـ فإذا مسّت .. إلخ ، وغرضه قدس‌سره بيان طريق الاحتياط فيما لو شك في تحقق الشرط المقوّم ، كما إذا شك في زوجيّة المرأة ـ إمّا للشك في محرميّتها بالرّضاع أو لفقد بعض ما يشكّ شرطيته في الصيغة أو لغير ذلك ـ جاز له التخلّص منها بأحد طريقين :

٥٦٨

ذلك للاحتياط (١) ـ وقلنا بعدم جواز تعليق الإنشاء على ما هو شرط فيه (٢) ـ فلا بدّ (٣) من إبرازه بصورة التنجّز وإن كان في الواقع معلّقا (٤) ، أو يوكّل غيره الجاهل (٥) بالحال بإيقاعه.

______________________________________________________

الأوّل : أن ينشئ ـ بنفسه ـ صيغة الطلاق منجّزا ، فيقول لها : «أنت طالق» ولا يعلّقه على قوله : «إن كنت زوجتي» فيصحّ الطّلاق ، لكونه منجّزا صورة وإن كان برجاء تحققه.

الثاني : أن يوكّل من يكون جاهلا بالشبهة التي حصلت للزوج ، فيطلّقها الوكيل منجّزا أيضا. وبكلا الطريقين يتحقق الاحتياط ، وتبين المرأة منه.

فإن قلت : إن في كلا الوجهين جهة مشتركة مصحّحة للطلاق ، وهي الإنشاء منجّزا ، وذلك لأنّ توكيله لغيره منجّز صورة ومعلّق حقيقة ، إذ لو لم تكن الزوجية متحققة واقعا كانت الوكالة صورية أيضا ، فلا يبقى فرق بين طلاق الزوج وطلاق وكيله.

قلت : نعم وإن كان التوكيل في الطلاق معلّقا واقعا على تحقق الزوجية ، فيبطل على تقدير انتفاء الزوجية ، إلّا أنّ أصل الإذن في الطلاق باق بحاله ، ويتمشّى من الوكيل القصد إلى الطلاق ، فيقع صحيحا. هذا في تقوم الطلاق بالزوجية.

وكذا الحال في مثال العتق ، كما إذا تردّد الوارث في أنّ مورّثه أعتق عبده أم لا ، فيمكنه الاحتياط بإجراء الصيغة بنفسه ، فيقول : «أنت حرّ» أو بتوكيل الغير الجاهل بشبهة موكّله.

(١) متعلق ب «الحاجة» يعني : احتاج الى الاحتياط لينجو من الشبهة.

(٢) إذ لو قلنا بجواز تعليق الإنشاء على مصحّحه لم يكن وجه للتوكيل ، بل يطلّقها معلّقا بقوله : «أنت طالق إن كنت زوجتي».

(٣) جزاء قوله : «فإذا مسّت».

(٤) هذا هو الطريق الأوّل ، وقوله : «أو يوكّل» إشارة إلى الطريق الثاني.

(٥) تقييد الغير بالجاهل لأجل أنه يتمشّى منه الجزم بالإنشاء ، إذ لو كان عالما

٥٦٩

ولا يقدح فيه (١) تعليق الوكالة واقعا على كون الموكّل مالكا للفعل (٢) ، لأنّ (٣) فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الإذن.

إلّا (٤) أنّ ظاهر الشهيد في القواعد الجزم بالبطلان فيما لو زوّج امرأة يشكّ في أنّها محرّمة عليه ، فظهر حلّها. وعلّل ذلك بعدم الجزم حال العقد ، قال :

______________________________________________________

بشبهة موكّله كان مثله في عدم القصد الجدّي.

(١) أي : ولا يقدح في التوكيل في الطلاق كونه معلّقا واقعا على موضوعه وهو الزوجية ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «إن قلت ..».

(٢) المراد بالفعل هنا هو الطلاق أي يكون أمره بيد الزّوج ، وكذا أمر العتق بيد السّيّد.

(٣) تعليل لقوله : «لا يقدح» وتقدم توضيحه بقولنا : «قلت ..».

(٤) هذا استدراك على قوله : «فلا بدّ من إبرازه بصورة التنجّز» يعني : أنّ ما ذكرناه من صحة الإنشاء منجّزا ـ مع التردّد في الشرط المقوّم ـ يشكل بما أفاده الشهيد قدس‌سره من الجزم بالبطلان في مسائل ثلاث :

الأولى : تزويج المرأة المشكوك كونها محرما حتى يبطل نكاحها ، وأجنبية حتى يحلّ ، مع أنّ إحراز أجنبية المرأة مقوّم لإنشاء النكاح ، ثم تبيّن بعد العقد كونها ممّن يحلّ نكاحها.

الثانية : طلاق امرأة أو مخالعتها مع الشك في زوجيّتها ، ثم تبيّن كونها زوجة ، مع تقوّم القصد الجدّي إلى الطلاق بإحراز زوجيّتها.

الثالثة : تولية نائب الإمام عليه‌السلام شخصا للقضاء بين الناس ، مع شكّه في أهليّته ، ثم تبيّن كونه أهلا ، مع وضوح توقف إنشاء هذا المنصب الشامخ على إحراز أهليّة المنصوب.

ويظهر من تعليل البطلان في هذه الفروع الثلاثة «بانتفاء الجزم» مخالفة الشهيد لما أفاده المصنف من الصحة ، وكفاية خلوّ الإنشاء عن أداة الشرط وإن كان

٥٧٠

«وكذا الإيقاعات ، كما لو خالع امرأة أو طلّقها وهو شاكّ في زوجيّتها ، أو ولّى نائب الإمام عليه‌السلام قاضيا لا يعلم أهليّته وإن ظهر أهلا» (١) (١).

ثم قال : «ويخرج من هذا (٢) بيع مال مورّثه لظنّه حياته ، فبان ميّتا ، لأنّ الجزم هنا (٣) حاصل ،

______________________________________________________

المنشئ متردّدا.

(١) العبارة منقولة بتصرّف يسير غير قادح في المعنى ، فراجع القواعد.

(٢) أي : ويخرج من الجزم بالبطلان بيع .. ، والأولى أن يقال : «وليس من هذا القبيل بيع ..» لعدم مناسبة الخروج مع التعليل بعدم الجزم.

وكيف كان فاستثنى الشّهيد من عموم حكمه بالبطلان ـ لأجل تردّد المنشئ ـ مسألتين ، واحتمل صحّتهما شرعا.

الأولى : أن يبيع شخص مال مورّثه ظنّا بحياته ، فتبيّن بعد البيع انتقال المال إلى البائع بالإرث. والوجه في الصحّة تحقّق الجزم بالبيع ، غايته كونه فضوليّا. وتردّد المالك بين البائع والمورّث غير قادح في الجزم بنفس المعاملة.

ويحتمل البطلان أيضا كالفروع الثلاثة المتقدّمة ، وذلك لانتفاء القصد إلى الخصوصية وهي بيع المال بما أنّه ملكه ، فإنّ الظن بحياة المالك يوجب تردّده في مالكية نفسه ، فلو قصد البيع لنفسه كان غير جازم حال الإنشاء.

الثانية : أن يزوّج الولد مملوكة أبيه ظنّا بحياته حتى يكون العقد عليها تصرّفا في ملك الغير ، فتبيّن بعده انتقالها إليه ، وأنّه زوّج أمة نفسه. ووجه الصحة والبطلان كما تقدّم في المسألة الأولى ، هذا.

(٣) أي : في هذا المثال ، لإمكان القصد إلى البيع وإن لم يكن مالكا ، كما في بيع الفضولي ، فالتمليك غير معلّق ، وخصوصية المالك مشكوكة.

__________________

(١) : القواعد والفوائد ، ج ٢ ، ص ٢٣٨ ، القاعدة : ٢٣٨

٥٧١

لكنّ خصوصية البائع (١) غير معلومة. وإن قيل بالبطلان أمكن ، لعدم القصد إلى نقل ملكه. وكذا لو زوّج أمة أبيه فظهر ميّتا» (١) انتهى.

والظاهر (٢) الفرق بين مثال الطلاق وطرفيه (٣) بإمكان الجزم فيهما ، دون مثال الطلاق ، فافهم (٤).

______________________________________________________

(١) الأولى تبديله ب «المالك» لأنّ خصوصيّته مشكوكة ، وإلّا فخصوصية البائع ـ وهو المنشئ للبيع ـ معلومة. إلّا أن يكون مراد الشهيد قدس‌سره من البائع من يبيع بوصف كونه مالكا لا مجرّد المنشئ ، ومن المعلوم عدم العلم بخصوصية البائع بوصف مالكيته.

(٢) مقصوده قدس‌سره المناقشة في ما ادّعاه الشهيد قدس‌سره من الجزم بالبطلان ـ في المسائل الثلاث المتقدمة أوّلا ـ بالفرق بين مسألة الطلاق ومسألتي التزويج والتولية ، والفارق إمكان الجزم فيهما ، فيصحّان ، دون الطلاق فيبطل. أمّا صحة التزويج مع المرأة المشكوك حلّها وحرمتها فلأنّ كون المرأة أجنبية غير مقوّم لمفهوم التزويج لا لغة ولا عرفا ، وإنّما تكون معتبرة في صحته شرعا ، فيتمشّى القصد الجدّي إلى التزويج.

وأمّا صحة التولية ـ مع الشك في عدالة المنصوب وأهليّته ـ فلأنّ العدالة شرط شرعي ، وليس مقوّما لعنوان «القاضي» عرفا.

وأمّا بطلان الطلاق فلأنّه مزيل لعلقة الزوجية ، واعتبر في تحقق مفهومه الزوجية ، ولا يتحقق بدونها ، ولذا لا يمكن الجزم فيه ولو تشريعا. وهذا بخلاف التزويج والتولية ، فإنّه يمكن الجزم ولو بعنوان التشريع.

(٣) وهما مسألتا التزويج والتولية.

(٤) لعلّه إشارة إلى أنّ الإنشاء خفيف المئونة ، فمجرّد إناطة التسبّب به شرعا إلى حصول الأمر الاعتباري كالزّوجيّة والحرّية والطلاق لا يمنع عن الإنشاء معلّقا على الأجنبية والرّقية والزوجية.

__________________

(١) : القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٣٦٧ ، رقم القاعدة : ١٤٣

٥٧٢

وقال في موضع آخر : «ولو طلّق بحضور خنثيين فظهرا رجلين أمكن الصحة (١). وكذا بحضور من يظنّه فاسقا فظهر عدلا. ويشكلان في العالم بالحكم ، لعدم قصده إلى طلاق صحيح (٢)» (١) انتهى.

______________________________________________________

(١) هذا أيضا من الفروع التي رتّبها الشهيد قدس‌سره على زعم فقد شرط الصحة الشرعية ، فتبيّن بعد الإنشاء تحقّقه حاله. وقد ذكر قدس‌سره في القواعد فروعا عديدة ، إلّا أنّ المنقول منها في المتن اثنان :

الأوّل : أن يطلّق الزوج أو وكيله بحضور شخصين ظنّ أنّهما خنثيان ، فتبيّن كونهما رجلين.

الثاني : أن يطلّق بحضور رجلين يظنّ فسقهما ، فظهرت عدالتهما. فحكم قدس‌سره بصحة الطلاق ـ مع كون المطلق متردّدا حال الإنشاء ـ وذلك لأنّ مفهوم الطلاق عرفا لا يتوقف على كون الشاهدين رجلين ، فيمكن إنشاؤه ولو مع عدم حضورهما.

غاية الأمر أنّ ترتب الأثر شرعا منوط بحضور عدلين ، فإن تحقّق ذلك لأثّر الطلاق ، وإلّا فلا. وكذا الحال في الظن بفسقهما وظهور عدالتهما.

(٢) لا حاجة إلى قصد عنوان الصحيح بحيث يكون شرطا لصحة العقد ، بل المدار على قصد المعاملة العرفية ولو مع العلم بانتفاء الأثر الشرعي ، لانتفاء شرطه كما في بيع الغاصب (*).

__________________

(*) تنقيح البحث في هذه المسألة منوط بالتعرض لجهات :

الأولى : في معنى التنجيز.

والثانية : في نقل كلمات الأصحاب حتى يظهر أنّ اعتباره ثابت عندهم ، وأنّ التنجيز شرط أو أنّ التعليق مانع.

والثالثة : في مورد اعتباره.

والرابعة : في دليل اعتبار هذا الشرط.

__________________

(١) : القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٣٦٧ ، رقم القاعدة : ١٤٣

٥٧٣

.................................................................................................

__________________

أمّا الجهة الأولى فملخّصها : أنّ التنجيز عبارة عن الإرسال ، وعدم إناطة الإنشاء بشي‌ء ، في مقابل التعليق الذي هو الإناطة بشي‌ء.

وأمّا الجهة الثانية : فتقف عليها بالمراجعة إلى ما حرّرناه في الحاشية التوضيحية. وظاهر عباراتهم كون التنجيز شرطا ، حيث إنّهم جعلوا مبطليّة التعليق متفرعة على اعتبار التنجيز ، فقالوا : «التنجيز شرط في صحة العقد ، فلو علّقه على شرط أو صفة لم يصح» فلاحظ كلماتهم. وتظهر الثمرة في حال الشك ، فعلى شرطية التنجيز لا أصل لإحرازه ، بخلاف مانعية التعليق ، فإنّه يجري فيه أصالة عدم تحققه.

والحاصل : أنّ الشرط لا بدّ من إحرازه ، لكونه وجوديّا ، ولا يحرز بالأصل ، لكونه مسبوقا بالعدم. بخلاف المانع ، فإنّ عدمه المساوق لوجود الممنوع يحرز بالأصل ، فلو اشتملت عبارة الإنشاء على شي‌ء يشكّ في كونه موجبا للتعليق أمكن نفي التعليق بالأصل ، بأن يقال : إنّ الكلام قبل وجود ما يشكّ في إيجاد تعليق العقد لم يكن معلّقا قطعا ، وبعد وجوده يستصحب عدم تعليقه.

وكيف كان فكلماتهم في المقام مضطربة جدّا ، لظهور بعضها ـ كعبارة فخر الإسلام المتقدمة ـ في كون التعليق مبطلا للعقود والإيقاعات مطلقا لازمة كانت أو جائزة. وظهور إطلاق بعضها كعبارة المحقق والشهيد الثانيين المتقدمة أيضا في التعميم للعقود اللازمة والجائزة ، مع التقييد بكون المعلّق عليه مجهول الحصول. وصراحة بعضها في إبطال التعليق مطلقا للعقود اللّازمة من الطرفين ، كعبارة السرائر المتقدمة أيضا.

وبالجملة : فعباراتهم مضطربة بالنسبة إلى المعلّق عليه من حيث كونه معلوم الحصول ومجهول الحصول ، وحاليّا واستقباليا ، وممّا يتوقف صحة العقد عليه شرعا كالقبض في الهبة وبيع الصرف والقدرة على التسليم ، أو مما يتوقف عليه حقيقة المنشأ كالقبول في البيع والزوجية في الطلاق. وكذا بالنسبة إلى المعلّق من حيث كونه عقدا مطلقا أو لازما من الطرفين.

٥٧٤

.................................................................................................

__________________

ولهذا الاضطراب أوضح المصنف قدس‌سره هذه المسألة بتقسيم المعلّق عليه على أقسام ثمانية ، بأنّ المعلّق عليه إمّا معلوم التحقق وإمّا محتملة ، وعلى التقديرين إمّا يكون أمرا حاليّا أو استقباليا ، وعلى التقادير الأربعة إمّا يتوقف عليه صحة العقد شرعا ، وإمّا لا يكون كذلك ، فالأقسام ثمانية.

ولكن في تقريرات بحث السيد المحقق الخويي قدس‌سره : «الأولى جعل الأقسام اثني عشر ، فإنّ المعلّق عليه على التقادير الأربعة إمّا يتوقف عليه حقيقة العقد ومفهومه كتوقف البيع على القبول أو الطلاق على الزوجية. وإمّا يتوقّف عليه صحته شرعا كالقبض في الهبة ، والقدرة على التسليم في بيع السلم. وإمّا لا يكون شي‌ء من ذلك ، فالأقسام اثني عشر» (١) ، هذا.

ولكن الحق صحة تقسيم المصنف وعدم الحاجة إلى إدراج ما علّق عليه مفهوم العقد في التقسيم ، لأنّ مورد البحث هو تعليق العقد ، فتعليق مفهوم العقد خارج عن محل البحث ، لأنّ التعليق يعرض العقد ، فقبل تحققه لا عقد حتى يقال : إنّه منجّز أو معلّق.

إلّا أن يتسامح ويقال : إنّ المراد بالمعلّق أعم من العقد وجزئه حتى يشمل تعليق الإيجاب فقط ، كقوله : «بعتك هذا المتاع بكذا إن قبلت» فإنّ القبول مقوّم للعقد ، ولا يتحقق العقد إلّا به ، ومع ذلك يصح تعليق العقد ـ أي الإيجاب ـ به.

أو يقال : إنّ مفهوم العقد ينشأ بالإيجاب فقط ، وليس القبول إلّا تنفيذا له ، فيصح أن يعلّق العقد وهو الإيجاب على القبول ، فتأمّل.

وبالجملة : فمع فرض تقوّم العقد بالقبول لا يعقل تعليق العقد به ، لأنّه من التعليق على نفسه ، فينحلّ قوله : «بعتك هذا المتاع بكذا بشرط أن تقبل» إلى : إنشاء البيع على تقدير تحققه. والمفروض أنّ العقد أسام للمسبّبات ، وهي بسيطة لا تتحقق إلّا بعد حصول القبول. فمرجع هذا الشرط إلى : أنّ إنشاء البيع متوقف على وجوده ، وليس هذا

__________________

(١) : محاضرات في الفقه الجعفري ، ج ٢ ، ص ١٣٥

٥٧٥

.................................................................................................

__________________

إلّا توقف الشي‌ء على نفسه.

فلعلّ الأولى في التقسيم أن يلاحظ كلّ من الشرط والمشروط والمشروط به ، بأن يقال : إنّ الشرط إمّا صريح وإمّا ضمني ، والمشروط به إمّا ماضوي كمجي‌ء زيد في الأمس وإمّا حالي وإمّا استقبالي.

ثمّ إنّه على التقادير الستة إمّا معلوم العدم وإمّا معلوم الوجود وإمّا مشكوكه ، فالأقسام ثمانية عشر ، ومن ضربها في كون المشروط به مقوّما لمفهوم العقد أو لصحته أو أجنبيّا عن المفهوم والصحة معا تنتهي الصور إلى أربع وخمسين ، ثم بضرب هذه الصور في كون التعليق في الإنشاء والمنشأ مادّة وهيئة تنتهي الصور إلى مائة واثنتين وستّين.

أمّا صور التعليق في الإنشاء بجملتها ـ من كون المعلّق عليه ماضويّا أو حاليّا أو استقباليا ، وكونه معلوم الوجود أو العدم ، أو مشكوك الوجود والعدم ، وكونه مقوّما لمفهوم العقد أو لصحته أو أجنبيّا عنهما ، وكون الشرط صريحا أو ضمنيا ، وكون المعلّق عقدا بأنواعه أو إيقاعا فهي ساقطة عن التقسيم ، لأنّ الإنشاء ـ سواء أكان استعمال اللفظ في المعنى بقصد إيجاده ، وحاصله إيجاد المعنى باللفظ ، في قبال الإخبار الذي هو استعمال اللّفظ في معناه بقصد الحكاية عنه ، أم كان إبرازا للاعتبار النفساني باللّفظ ـ لا يعقل تعليقه بشي‌ء ، لأنّ الإنشاء نظير الإيجاد التكويني ، فكما لا يعقل الإيجاد التكويني كالضرب معلّقا على شي‌ء ، ضرورة أنّه يوجد في الخارج وإن علّقه على كون المضروب شخصا معيّنا ، فإنّ الضرب يوجد وإن لم يكن المضروب ذلك الشخص بل غيره ، فكذلك لا يعقل تعليق الإيجاد الإنشائي ، فإنّ الإنشاء بعد كونه من شؤون استعمال اللّفظ في المعنى كالإخبار ـ والمفروض تحقّق الاستعمال ـ فلا محالة يوجد الإنشاء ، لتقوّمه باستعمال اللفظ في المعنى ، وهو معلوم الحصول. وسيأتي مزيد توضيح لذلك ان شاء الله تعالى.

٥٧٦

.................................................................................................

__________________

وأمّا الجهة الثالثة ـ وهي مورد اعتبار التنجيز ـ فيظهر من كلماتهم أنّ مورده كلّ إنشاء سواء أكان عقدا أم إيقاعا ، كما يظهر من بعض الوجوه التي أقاموها على اعتبار هذا الشرط ، كمنافاة التعليق للإنشاء.

وأمّا الجهة الرابعة ـ وهي الدليل على اعتبار التنجيز المعبّر عنه أحيانا بالجزم ـ فنخبة الكلام فيها : أنّهم استدلّوا على اعتباره بوجوه :

الأوّل : دعوى الإجماع على ذلك ، ولذا فرّعوا عليه مبطليّة التعليق ، حيث إنّه رافع للشرط أعني به التنجيز ، فبطلان العقد يستند إلى فقدان شرطه ، لا إلى وجود المانع. وقد عرفت في الجهة الثانية دعوى جماعة الاتّفاق على ذلك.

لكن فيه : أنّ المحتمل قويّا كونه مدركيّا ، وأنّ مستند المجمعين الوجوه الاعتبارية التي استند إليها الفقهاء ، فلم يثبت كونه إجماعا تعبديّا كاشفا قطعيّا عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره عليه‌السلام.

الثاني : ما عن جماعة من القدماء كالقاضي في جواهره ، حيث إنّه استدلّ على المنع عن المضاربة بغير الدرهم والدينار ، فكان عدم الدليل عندهم دليلا على العدم.

ومحصّل هذا الوجه هو : أنّ العقود والأسباب الشرعية توقيفية لا بدّ فيها من الاقتصار على المتيقن ، وهو العقد الخالي عن التعليق.

وفيه : أنّ الأخذ بالمتيقن إنّما يصح إذا لم يكن هناك إطلاق أو عموم يدلّ على مشروعية كل عقد عرفي ، فإنّ مقتضى القاعدة حينئذ التمسّك بذلك ، والحكم بصحة كل ما يصدق عليه العقد. والمفروض وجود العمومات والإطلاقات الدالة على صحة كلّ عقد ، فلا مجال للأخذ بالمتيقن. نعم له مجال إن كان دليل صحة العقود لبيّا كالإجماع ، لكنه ليس كذلك ، هذا.

الثالث : ما عن شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدس‌سره من : انصراف أدلة صحة المعاملات عن العقود المعلّقة ، لأنّها خلاف ما تعارف بينهم من تنجيز العقود وعدم

٥٧٧

.................................................................................................

__________________

تعليقها ، فأدلّة الصحة منصرفة إلى العقود المتعارفة ، وهي المنجّزة. وعليه فلا دليل حينئذ على صحة العقد المعلّق ، ومقتضى أصالة الفساد بطلانه ) ، هذا.

وفيه : ما مرّ مرارا من عدم صلاحية التعارف للتقييد.

مضافا إلى وقوع التعليق كثيرا في العقود ، فكون التعليق فيها غير متعارف ممنوع.

الرابع : ما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره في عبارته المنقولة في التوضيح ، وحاصله : أنّ ظاهر أدلة الصحة هو ترتيب الآثار من حين العقد ، وذلك منوط بإطلاق العقد ، فمع تعليقه لا تشمله الأدلة من حينه ، ومع عدم شمولها له من زمان صدوره لا تشمله بعده أيضا ، فالعقود المعلّقة غير مشمولة لأدلة الصحة لا حدوثا ولا بقاء أي بعد حصول المعلّق عليه. فمع عدم الدليل على الصحة يرجع إلى أصالة الفساد ، هذا.

وفيه : أنّ العقد إن كان عبارة عن الإيجاب والقبول وما يتعلّق بهما من الشرائط والقيود فوجوب الوفاء به بمعنى ترتيب آثار الصحة عليه منوط بتماميّته ، كما هو شأن كل موضوع وحكم. ومن المعلوم أنّ موضوع وجوب الوفاء لا يتمّ إلّا بحصول المعلّق عليه ، ومقتضى جعل الحكم على نحو القضية الحقيقية هو توقف فعليّة الحكم على فعليّة موضوعه ، فلا موضوع لوجوب الوفاء قبل حصول المعلّق عليه ، حتى لا يشمله دليل وجوب الوفاء.

وإن كان عبارة عن ربط الالتزامين الواردين على مورد واحد فوجوب الوفاء به ـ بمعنى عدم نقضه وحلّه ـ لا يترتب أيضا إلّا على تمامية سببه ، لأنّ العقد المسبّبي لا يحصل إلّا بتحقق جميع ما له دخل في سببه.

والحاصل : أنّ وجوب الوفاء مترتب على موضوعه ـ سواء أكان منجّزا أم معلّقا ـ فإمضاء الشارع للعقد تابع لجعل المتعاقدين ، فإن كان العقد منجّزا أي مطلقا فأثره الشرعي الملكيّة المنجّزة غير المشروطة ، وإلّا كان أثره الملكيّة المعلّقة ، ولا يجب الوفاء

__________________

(١) : منية الطالب ، ج ١ ، ص ١١٣

٥٧٨

.................................................................................................

__________________

إلّا بعد حصول المعلّق عليه كما هو الحال في النذر والعهد ونحوهما ، ولا يتخلّف عنه ، وإلّا يلزم الخلف والمناقضة كما حقق في محلّه. ولا يلزم التخلف المزبور في المقام أصلا ، سواء أكان العقد أمرا بسيطا دائرا بين الوجود والعدم أم مركّبا من الإيجاب والقبول ، هذا.

وقد أجاب عنه المصنف قدس‌سره بوجوه :

أحدها : أنّ دليل الصحة واللزوم غير منحصر بأوفوا بالعقود ، لأنّ دليل حلّية البيع ، وتسلّط الناس على أموالهم كاف في إثبات ذلك ، هذا.

وفيه أوّلا : أنّه أخص من المدّعي الذي هو أعم من البيع ، لاختصاصه بالبيع ، فيبقى غيره من العقود التعليقية خاليا عن دليل الإمضاء. وأمّا دليل السلطنة ففيه : أنّه ليس مشرّعا كما تقدم عن المصنف قدس‌سره في مباحث المعاطاة. هذا ما أفيد.

ويمكن منعه بأن إشكال المصنف ناظر إلى ما ارتضاه صاحب الجواهر من مشرّعية قاعدة السلطنة للأسباب. وعليه يتجه الاستدلال بقاعدة السلطنة على صحة العقد المعلّق كالمنجّز.

وثانيا : أنّ ما ادّعاه المستدلّ ـ من ظهور آية وجوب الوفاء بالعقد في ترتب الأثر من حين وقوع العقد ـ جار في آية حلّ البيع ، ودليل السلطنة أيضا ، فهما يدلّان على ترتب الملكية من حين تحقق البيع أو عقد آخر ، ولا يدلّان على صحة العقود المعلّقة من البيع وغيره.

ثانيها : أنّه ينتقض بالعقود التي يتخلّف مقتضاها بالتأخر عن نفس تلك العقود كبيع الصرف والسلم والوصية والمعاملات المعاطاتية بناء على إفادتها الإباحة مع قصد الملكية ، فإنّ بيع الصّرف مثلا لا يترتب أثره إلّا بعد القبض في المجلس. بل وكذا البيع الخياري ، إذ البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، فالأثر اللزومي لا يترتب إلّا بعد الافتراق.

وفيه : أنّ القياس مع الفارق ، لكون التعليق فيها ثابتا بالدليل الخاص ، فلا وجه

٥٧٩

.................................................................................................

__________________

للنقض ، هذا ما قيل.

لكن الصواب أن يقال : إنّه لا يلزم التخلّف المزبور أصلا ، لما عرفت من أنّ وجوب الوفاء لا ينفك عن موضوعه ، ومن المعلوم أنّ الحكم لا يترتّب إلّا على موضوعه الّذي يتقوّم وجوده بما علّق عليه ، فإذا كان بيع الصرف منوطا بالقبض فالقبض يكون جزء أو شرطا في البيع ، فما لم يتحقق القبض لا يتم موضوع وجوب الوفاء ، هذا.

ثالثها : أنّه أخص من المدّعي الذي هو مبطليّة التعليق مطلقا سواء أكان المعلّق عليه خارجا عن حقيقة العقد كقدوم الحاج أم داخلا في حقيقته كتعليق البيع على القبول ، كما إذا قال البائع : «بعتك هذا الكتاب بدينار إن قبلت» فإنّ مثل هذا التعليق داخل في محل النزاع ، مع عدم لزوم تأخّر مقتضى العقد عن وجوده ، فلا يصح الاستدلال بهذه الآية على عدم صحة التعليق مطلقا ولو لم يلزم تأخّر الأثر زمانا عن العقد.

الخامس : ما عن العلّامة في التذكرة من : أنّ التعليق ينافي الجزم بالإنشاء ، إذ الإنشائية كالإخبارية من وجوه استعمال اللّفظ ، ولا يعقل تعليقهما على شي‌ء ، بل هما إمّا توجدان وإمّا لا توجدان ، فوجودهما معلّقا غير معقول. فالوجود الإنشائي كالتكويني ـ كالضرب على شخص ـ غير قابل للتعليق ، بداهة وقوع الضرب عليه وإن لم يكن المضروب ذلك الشخص المقصود.

وهذا وجه عقلي لاستحالة التعليق في الإنشاء ، لاستلزام التعليق للتناقض ، كما عن المحقق النائيني قدس‌سره (١) ، حيث إنّ لازم التعليق عدم وجود المعلّق ـ وهو الإنشاء ـ قبل تحقق المعلّق عليه ، فوجود الإنشاء قبله مناقض له ، فيلزم أن يكون الإنشاء قبل حصول المعلّق عليه موجودا ومعدوما ، وهذا محال. فلا بدّ أن يكون تعليق الإنشاء خارجا عن مورد البحث ، فمورد اعتبار التعليق هو المنشأ ، لا الإنشاء ، هذا.

وفيه : ما في المتن من أنّ مورد التعليق ليس هو الإنشاء بمعنى إيجاد المعنى

__________________

(١) : منية الطالب ، ج ١ ، ص ١١٢

٥٨٠