هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

لمن عرفت كلامه كالمحقّق والعلّامة والشهيدين والمحقق الثاني والصيمري (١).

وحكي (٢) أيضا عن المبسوط والإيضاح في مسألة ما لو قال : إن كان لي فقد بعته (١).

بل لم يوجد في ذلك (٣) خلاف صريح. ولذا (٤) ادّعى في الرّياض في باب

______________________________________________________

(١) ظاهر العطف أنّ المصنف قدس‌سره نقل كلاما عن الصيمري كما نقل عن المحقق والعلّامة والشهيدين وغيرهم ، فأحال بقوله : «وفاقا لمن عرفت» على ما سبق نقله عنهم.

لكن لم نجد في المتن من أوّل بحث التنجيز إلى هنا تصريحا بكلام الصيمري. ولعلّ مراد المصنف بقوله : «وفاقا لمن عرفت» أعمّ ممّن صرّح باسمه ومن أدرجه في عموم : «وجميع من تأخّر عنه كالشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم قدس‌سرهم» فتصحّ نسبة عدم القدح إلى هذه الجماعة حتّى الصيمري.

وكيف كان فهو ـ كما في مقدمة المقابس والذريعة ـ الشيخ مفلح بن الحسن (*) الصيمري من تلامذة ابن فهد الحلّي قدس‌سره ، وله كتاب غاية المرام في شرح شرائع الإسلام (٢) ، ونقل السيد العاملي عنه في كتاب الوكالة اعتبار التنجيز ، فراجع (٣).

(٢) يعني : وحكي عدم القدح ـ في التعليق على ما هو معلوم الحصول حين العقد ـ عن المبسوط والإيضاح ، وسيأتي في المتن نقل كلام المبسوط ، ومورده وإن كان معلوم التحقق حال الإنشاء ، لكنه مختص بمصحّح النقل لا مطلقا.

(٣) أي : في عدم قادحية التعليق على الشرط المعلوم حصوله حال العقد.

(٤) أي : ولأجل عدم وجود الخلاف الصريح ـ في جواز التعليق على معلوم الحصول ـ ادّعى السيد الطباطبائي عدم الخلاف في الصحة ، قال قدس‌سره في وقف الرياض :

__________________

(١) : المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٢ ، ص ٣٨٥ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٦٠

(٢) مقابس الأنوار ، المقدمة ، ص ١٨ ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٢٠

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٥٢٦

٥٤١

الوقف : عدم الخلاف فيه صريحا (١).

وما كان معلوم الحصول في المستقبل وهو المعبّر عنه بالصفة (٢) فالظاهر أنّه (٣) داخل في معقد اتّفاقهم على عدم الجواز ،

______________________________________________________

«ويشترط فيه التنجيز ، فلو علّقه على شرط متوقع أو صفة مترقبة ، أو جعل له الخيار في فسخه متى أراده من دون حاجة بطل بلا خلاف فيه ، وفي الصحة لو كان المعلّق عليه واقعا ، والواقف عالم بوقوعه كقوله : وقفت إن كان اليوم الجمعة. وكذا في غيره من العقود. وبعدم الخلاف صرّح جماعة» (١).

والمقصود من نقل كلام السيد أنّه ادّعى عدم الخلاف في الصحة ، كما حكاه عن جماعة ، وبه يقوى نقل الإجماع على عدم مانعية التعليق على الشرط المعلوم وقوعه حال الإنشاء. هذا حكم التعليق على معلوم الحصول في الحال.

(١) هذا بيان حكم قسم آخر ، وهو التعليق على معلوم التحقق في الاستقبال كطلوع الشمس ومجي‌ء الجمعة إذا كان الإنشاء قبلهما ، وهو مبطل للإنشاء ، لكونه داخلا في معقد إجماعهم على عدم جواز التعليق. فالمعوّل في البطلان هو الاتفاق المزبور.

فان قلت : إنّ تعليل اعتبار التنجيز في بعض الكلمات «باشتراط الجزم» ـ كما تقدّم في عبارة التذكرة ـ يقتضي جواز التعليق على ما يعلم بحصوله بعد الإنشاء ، لتحقق الجزم بالإنشاء عند العلم بحصول المعلّق عليه في المستقبل.

قلت : نعم ، لكن لمّا كان مستند شرطية التنجيز هو الإجماع تعيّن الحكم بالبطلان في هذا القسم.

(٢) في قبال التعليق على الشرط ، وهو ما لا يقين بحصوله في المستقبل كقدوم زيد.

(٣) أي : أنّ معلوم الحصول في المستقبل مشمول للإجماع على بطلان التعليق عليه.

__________________

(١) : رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ١٨

٥٤٢

وإن كان (١) تعليلهم للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه كما اعترف به (٢) الشهيد فيما تقدم عنه (٣) ، ونحوه الشهيد الثاني فيما حكي عنه (٤).

بل يظهر من عبارة المبسوط في باب الوقف كونه (٥) ممّا لا خلاف فيه بيننا ، بل بين العامة ، فإنّه قال : «إذا قال الواقف : إذا جاء رأس الشهر فقد

______________________________________________________

(١) مقصوده من هذه الجملة : أنّ المجمعين استندوا إلى منافاة التعليق للجزم بالإنشاء ، ومقتضاه جواز التعليق على معلوم الحصول في المستقبل ، لفعلية الجزم والرّضا حال الإنشاء. إلّا أنه مع ذلك يحكم ببطلان هذا التعليق ، لأجل الإجماع.

(٢) يعني : كما اعترف الشهيد قدس‌سره بدخول الشرط المعلوم الحصول في المستقبل في معقد اتفاقهم على عدم الجواز.

(٣) حيث قال : «إنّ الجزم ينافي التعليق ، لأنّه بعرضة عدم الحصول ولو قدّر العلم بحصوله كالتعليق على الوصف لأن الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه .. إلخ» وقد تقدّم كلامه في (ص ٥٣٠).

(٤) حيث قال : «من شرط الوكالة وقوعها منجّزة عند علمائنا ، فلو علّقها على شرط متوقّع ، وهو ما يمكن وقوعه وعدمه ، أو صفة وهي ما كان وجوده في المستقبل محقّقا كطلوع الشمس .. لم يصح» (١).

(٥) يعني : يظهر من عبارة المبسوط : كون عدم جواز التعليق على معلوم التحقق في المستقبل ممّا لا خلاف فيه عند الكلّ. والوجه في الإتيان بكلمة «بل» هو أنّ المصنف استظهر أوّلا شمول معقد الإجماع لهذا القسم ، من جهة الإطلاق. ولكن عبارة المبسوط صريحة في الإجماع على بطلان الوقف بالتعليق على معلوم الحصول في المستقبل ، ومعه لا يبقى مجال توهّم الجواز ، بأن يقال : إنّ الإجماع دليل لبّي يقتصر على المتيقن منه ، فلا يبطل التعليق على ما يعلم تحققه بعد الإنشاء.

__________________

(١) : مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٢٣٩

٥٤٣

وقفته (١) لم يصحّ الوقف بلا خلاف ، لأنّه مثل البيع والهبة. وعندنا مثل العتق أيضا» (١) انتهى ، فإنّ ذيله (٢) يدلّ على أنّ مماثلة الوقف للبيع والهبة غير مختص بالإمامية (٣). نعم مماثلته للعتق مختصة بهم.

وما كان منها مشكوك الحصول (٤) ـ وليس صحة العقد معلّقة عليه في الواقع كقدوم الحاج ـ فهو المتيقّن من معقد اتّفاقهم.

______________________________________________________

(١) عبارة المبسوط هكذا : «فقد وقفت هذه الدار على فلان لم يصح .. إلخ».

(٢) يعني : فإنّ ذيل قول الشيخ : «لأنّه مثل البيع والهبة .. إلخ» يدلّ على اتفاق المسلمين على اشتراط التنجيز في الوقف والبيع والهبة. وأمّا العتق ، فاشتراطه بالتنجيز من مختصّات الفرقة المحقّة أيّدهم الله تعالى.

(٣) إذ لو كانت مماثلة الوقف للبيع والهبة مختصّة بالإمامية لنبّه الشيخ عليها كما نبّه عليها في العتق فقال : «وعندنا مثل العتق» فكان المناسب أن يقول : «لأن الوقف مثل البيع والهبة والعتق عندنا» فتفرقته قدس‌سره في المماثلة ـ بين البيع والهبة وبين العتق ـ كاشفة عن اتفاق جميع المسلمين على بطلان البيع والهبة والوقف بالتعليق على ما يعلم حصوله في المستقبل.

(٤) هذا بيان حكم قسم آخر من أقسام التعليق ، وهو كون المعلّق عليه مشكوك الحصول ولم يكن مصحّحا للعقد ، سواء أكان ظرف تحققه حال الإنشاء أم بعده ، كما إذا قال : «بعتك إن قدح الحاج» وشكّ في قدومهم حال العقد وفي المستقبل.

وحكم هذا القسم البطلان ، لكونه القدر المتيقن من معقد إجماعهم على شرطية التنجيز ، فلو نوقش في إطلاق المعقد بالنسبة إلى القسم السابق ـ وهو معلوم الحصول في المستقبل ـ لم يكن مجال للمناقشة في بطلان هذا القسم ، لكونه المتيقن من مورد اتّفاقهم على قدح التعليق.

__________________

(١) : المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٣ ، ص ٢٩٩

٥٤٤

وما كان صحة العقد معلّقة عليه (١) كالأمثلة المتقدمة (٢) فظاهر إطلاق كلامهم يشمله.

إلّا أنّ (٣) الشيخ في المبسوط حكى في مسألة : «إن كان لي فقد بعته» قولا

______________________________________________________

(١) هذا حكم قسم رابع ، وهو التعليق على مصحّح العقد ، وقد تقدّم أنّ المذكور في المتن أمور أربعة يتوقف عليها صحة البيع شرعا ، وهي ماليّة المبيع شرعا بأن لا يكون خمرا ، وقابليته للبيع بأن يكون ملكا طلقا ، وقابلية المشتري للتملّك بأن لا يكون عبدا ، وقابليته للمعاقدة معه بكماله بالبلوغ والعقل.

والتعليق على كل واحد منها إمّا بالتصريح بأداة الشرط ، وإمّا بالدلالة الالتزامية. وحكم هذا القسم ـ بماله من الصور ـ لا يخلو من بحث ، فذهب المصنف أوّلا إلى البطلان ، لإطلاق معقد الإجماع على قادحيّة التعليق ، ثمّ نقل ـ ثانيا ـ عن شيخ الطائفة ما يقتضي تجويزه. ثمّ تأمّل فيه ثالثا ، وسيأتي بيانها بالترتيب إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا ما أبداه أوّلا ، وهو بطلان التعليق على مصحّح العقد.

(٣) مقصود المصنف قدس‌سره من نقل كلام شيخ الطائفة المناقشة في تحقق الإجماع على بطلان الإنشاء بتعليقه على ما يكون دخيلا في صحّته. وبيانه : أنّه إذا اشترى الوكيل جارية بعشرين دينارا ، وخالفه الموكّل ، أمّا لإنكار أصل الوكالة ، وإمّا لدعواه بأنّ التوكيل كان في شرائها بعشرة لا بعشرين ، فترافعا إلى الحاكم ، فقال قوم بأنّه يأمر الموكّل بأن يبيعها للوكيل ، ويأمر الوكيل بالقبول ، فيقول الموكّل : «إن كنت أمرتك أن تشتريها بعشرين فقد بعتك إيّاها بعشرين» ويقبله الوكيل. فإن أجاب الموكّل أمر الحاكم وباعها من وكيله تملّكها الوكيل ظاهرا وباطنا ، ويثبت للموكّل على ذمته العشرون دينارا ، كما يثبت العشرون له على ذمة الموكّل ، لأنّ الوكيل اشتراها بماله ، فيتقاصّان في الثمن.

وفي هذا الفرض قال الشيخ بعد ما نقل إيجاب الموكّل : «فمن الناس من قال : لا يصحّ ، لأنّه علّقه بشرط ، والبيع بشرط لا يصحّ. ومنهم من قال : يصحّ ، لأنّه لم يشرط إلّا ما يقتضيه إطلاق العقد ، لأنّه إنّما يصحّ بيعه لهذه الجارية من الوكيل إن

٥٤٥

من بعض الناس بالصحة ، وأنّ الشرط لا يضرّه ، مستدلا (١) «بأنّه لم يشترط إلّا ما يقتضيه إطلاق العقد ، لأنّه إنّما يصحّ البيع لهذه الجارية من الموكّل (٢) إذا كان أذن له في الشراء (٣) ، فإذا اقتضاه (٤) الإطلاق لم يضرّ إظهاره وشرطه ،

______________________________________________________

كان قد أذن له في الشراء بعشرين ، فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضرّ إظهاره وشرطه ، كما لو شرط في البيع تسليم الثمن وتسليم المثمن ، وما أشبه ذلك» (١).

والجملة الأخيرة وهي قوله : «لأنّه إنّما يصح بيعه .. فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضرّ إظهاره» هي محطّ نظر المصنف من نقل عبارة المبسوط ، لأنّ الشيخ قدس‌سره لم يناقش في دليل بعض الناس ، ولم يحكم ببطلان بيع الموكّل من جهة التعليق. ومقتضاه صحة البيع المعلّق على شرط صحّته.

(١) حال من «بعض الناس».

(٢) يعني : يكون بائع الجارية هو الموكّل ، والمشتري لها هو الوكيل.

(٣) إذ لو لم يكن أذن للوكيل في شراء الجارية بعشرين لم يصحّ بيع الموكّل ، لكونه أجنبيّا عن الجارية. فقوله : «بعتك إن كانت لي» تعليق على ما يتوقف صحة البيع عليه ، ولا مانع من هذا التعليق.

(٤) الضمير راجع الى الشرط ، والمقصود بالإطلاق هو إطلاق البيع وعدم تعليقه على «إن كان لي» ومقصود بعض الناس من هذه الجملة : أنّ بيع الموكّل للجارية يتوقف على أن تكون ملكا له ، إذ لو لم يكن المبيع ملكا للبائع ـ أو بحكم الملك ـ لم يترتب الأثر شرعا على الإنشاء. وحيث اعتبرت الملكية فيه كانت صحة البيع منوطة بها ، سواء صرّح بهذا الاشتراط بأن يقول : «بعتك الجارية إن كانت لي بكذا» أم لم يصرّح به ، كما إذا قال : «بعتكها بكذا» فإنّ التعليق على الملكية ثابت في الواقع ونفس الأمر ، ولا يختلف حكمه من حيث الإظهار والإطلاق.

__________________

(١) : المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٢ ، ص ٣٨٥

٥٤٦

كما (١) لو شرط في البيع تسليم الثمن أو تسليم المثمن أو ما أشبه ذلك (٢)» انتهى.

وهذا الكلام (٣) وإن حكاه عن بعض الناس ، إلّا أنّ الظاهر ارتضاؤه له. وحاصله (٤) : أنّه كما لا يضرّ اشتراط بعض لوازم (٥) العقد المترتبة عليه ، كذلك لا يضرّ تعليق العقد بما هو معلّق عليه (٦) في الواقع ، فتعليقه ببعض مقدّماته كالإلزام (٧) ببعض غاياته ، فكما لا يضرّ الإلزام بما يقتضي العقد

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ التعليق على شرط صحة البيع ومقدماته الشرعية غير قادح ، كما لا يقدح تعليق البيع على لوازمه وآثاره الشرعية ، بأن يقول : «بعتك هذا المال بكذا إن قبضته وأقبضت الثمن» ، وجه عدم القدح : أنّ العقد الصحيح يجب الوفاء به بتسليم المبيع والثمن ، بلا فرق بين التصريح به في العقد وإهمال ذكره.

(٢) مثل كون تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع.

(٣) أي : القول بالصحّة ـ في التعليق على شروط الصحة التي يقتضيها إطلاق العقد ـ وإن حكاه شيخ الطائفة عن بعض الناس ، لكن ظاهر سكوته ارتضاؤه له ، وبهذا الارتضاء لا وجه لدعوى الإجماع على بطلان التعليق في هذا القسم.

(٤) يعني : وحاصل هذا الكلام ، ومقصود المصنف قدس‌سره تقريب كلام بعض الناس الذي اختاره الشيخ أيضا ، ومحصّله التسوية في جواز التعليق بين كون المعلّق عليه مصحّحا للعقد ودخيلا في ترتب الأثر عليه ، وبين كونه من آثار صحته ولوازمه المترتبة عليه. والوجه في التسوية تقيّد العقد واقعا بما علّق عليه ، سواء صرّح به أم لا ، فلا فرق بين قوله : «بعتك إن كان لي» وقوله : «بعتك إن سلّمت المبيع».

(٥) قد عرفت المراد بكلّ من لوازم العقد ومقدّماته.

(٦) مثل كون المبيع ملكا للبائع ، وممّا يجوز بيعه ، وقابلية المشتري للتملّك ، وقابليته للخطاب.

(٧) خبر قوله : «فتعليقه» والمراد بغايات العقد آثاره وأحكامه المترتبة على صحته.

٥٤٧

التزامه (١) ، كذلك التعليق بما كان الإطلاق معلّقا عليه ومقيّدا به.

وهذا الوجه (٢) وإن لم ينهض لدفع محذور التعليق في إنشاء العقد ،

______________________________________________________

(١) مثل إلزام المشتري بدفع الثمن ، لأنّ إطلاق العقد يقتضي هذا الإلزام وإن لم يصرّح به في الإنشاء.

(٢) الّذي نقله في المبسوط وارتضاه. وغرض المصنف قدس‌سره من هذا الكلام أنّ حكم شيخ الطائفة قدس‌سره بصحة البيع المعلّق على مملوكية المبيع وإن كان مانعا عن انعقاد الإجماع على مبطلية التعليق في هذا القسم ، إلّا أن أصل هذا الوجوه الذي اعتمد عليه بعض الناس ـ لإثبات عدم منافاة التعليق هنا للجزم بالإنشاء ـ غير سديد ، وبيانه : أنّ في البيع مرحلتين :

إحداهما : الإنشاء القائم بالبائع ، وهو لا يتوقف على أزيد من اعتبار النقل الملكي وإيجاده بالصيغة المعهودة ، أو إبرازه بها ، على الخلاف في حقيقة الإنشاء. وهذا هو البيع بالمعنى المصدري ، ويتمشّى من غير المالك أيضا ، خصوصا بناء على القول بأنّ صحة عقد الفضول تكون على طبق القاعدة ، على ما سيأتي تفصيله في محله إن شاء الله تعالى.

ثانيتهما : إمضاء الشارع وحكمه بالملكية المماثلة لما أنشأه المتبايعان ، وهذا هو البيع المسببي أو الاسمي. وكلّ شرط اعتبره الشارع في موضوع حكمه فهو دخيل في هذه المرحلة مثل كون المبيع ملكا طلقا للبائع ، وبلوغ المتعاقدين ، وأهلية المشتري للتملّك ، وغيرها.

ومن المعلوم أنّ البيع بمعناه المصدري الذي هو فعل البائع غير معلّق على شي‌ء من الشرائط الشرعية ، بل هي أمور خارجة عن الإنشاء ، وإنّما تكون دخيلة في البيع الاسمي.

وعليه فإذا قال الموكل : «بعتك الجارية بعشرين إن كانت لي» كان الإنشاء معلّقا ، ولم يحصل الجزم المعتبر في العقد. ولا يمكن تصحيحه «بأن المعلّق عليه مما يقتضيه إطلاق العقد» حتى يكون التعليق صوريا.

٥٤٨

لأنّ (١) المعلّق على ذلك الشرط في (٢) الواقع هو ترتّب الأثر الشرعي على العقد ، دون إنشاء مدلول الكلام الذي (٣) هو وظيفة المتكلّم ، فالمعلّق (٤) في كلام المتكلم غير معلّق في الواقع على شي‌ء ، والمعلّق (٥) على شي‌ء ليس معلّقا في كلام المتكلم

______________________________________________________

وجه عدم الإمكان : أن المعلّق عليه ـ وهو ملكية المبيع ـ ليس ممّا يقتضيه إطلاق العقد ، وذلك لعدم توقف إنشاء البيع على ملكية المبيع حتى يكون العقد ـ بحسب طبعه ـ مقتضيا لها ، وإنّما يكون المعلّق على هذا الشرط هو البيع بمعناه الاسمي ، والمفروض أن الملكية الشرعية أمر خارج عن فعل العاقد ، وليس مما يقتضيه إنشاء البيع.

والحاصل : أنّ مدلول العقد لا تعليق فيه واقعا على ملكية المبيع لعدم كونها شرطا للإنشاء كما عرفت. وما فيه التعليق ـ وهو إمضاء الشارع وترتيب الأثر على العقد ـ ليس من كلام المتكلّم ، إذ المنشئ إنّما يتمكّن من اعتبار الملكية والنقل في نظر نفسه ، لا في نظر الشارع ، فالملكية الشرعية لم ينشئها البائع أصلا حتى تكون معلّقة أو منجّزة.

(١) تعليل لعدم النهوض ، وقد عرفته آنفا.

(٢) وهو ملكية المبيع.

(٣) صفة ل «إنشاء» والمراد بالكلام الإنشائي هو «بعت» يعني : دون إنشاء هو مدلول الكلام الإنشائي الذي هو صفة المتكلم في مقام الإنشاء. وعليه فإضافة «الإنشاء» إلى «مدلول الكلام» بيانية ، ولا يراد بالمدلول الملكية الاعتبارية المنشئة.

(٤) وهو البيع المصدري ، فإنّه غير معلّق على ملكية المبيع ، ولا على غيرها من الشرائط الشرعية.

(٥) وهو إمضاء الشارع وحكمه بترتيب الأثر على العقد ، فإنّه معلّق على ملكية المبيع ، سواء صرّح بهذا التعليق أم لم يصرّح به.

٥٤٩

على شي‌ء ، بل ولا منجّزا (١) ، بل هو شي‌ء خارج عن مدلول الكلام (٢).

إلّا (٣) أنّ ظهور ارتضاء الشيخ له كاف في عدم الظّن بتحقق الإجماع عليه (٤).

مع أنّ (٥) ظاهر هذا التوجيه ـ لعدم قدح التعليق ـ يدلّ على أنّ محلّ

______________________________________________________

(١) لعدم كون الأثر الشرعي ممّا أنشأه البائع حتى يتمكن من إنشائه منجزا تارة ومعلّقا أخرى ، ومن المعلوم أنّ المعلّق والمنجّز وصفان للإنشاء الذي هو فعل المنشئ ، فالملكية الشرعية لا تقبل التعليق ولا التنجيز.

(٢) وهو «بعت». ووجه خروج الأثر الشرعي عن الإنشاء هو كون وضعه ورفعه بيد الشارع لا البائع.

(٣) استدراك على قوله : «وإن لم ينهض» وحاصله ـ كما عرفت ـ أنّ الوجه المنقول في المبسوط وإن كان مخدوشا ، لكن ارتضاء شيخ الطائفة له يمنع عن تحقق الإجماع على مبطلية التعليق في هذا القسم ، وهو ما إذا كان المعلّق عليه مصحّح العقد وكان مشكوك الحصول.

(٤) أي : على قدح التعليق على ما يكون صحة العقد متوقفا عليه.

(٥) هذه الجملة إلى قوله : «فلا وجه لتوهم اختصاصه بصورة العلم» ليست إشكالا آخر على ما حكاه شيخ الطائفة قدس‌سره عن بعض الناس وارتضاه ، بل هي متمّمة لقوله : «إلّا أن ظهور ارتضاء الشيخ له كاف في عدم الظن بالخلاف» فكأنه قال : «إلّا أن ارتضاء الشيخ له يفيد أمرين ، أحدهما عدم الظن بانعقاد الإجماع على قدح التعليق على مصحّح العقد. ثانيهما : أنّ دعوى بعض الناس وتوجيهه يقتضيان صحة التعليق ـ إذا كان المعلّق عليه ممّا يقتضيه إطلاق العقد ـ سواء أكان العاقد عالما بتحققه حال الإنشاء أم شاكّا فيه».

ومقصود المصنف قدس‌سره من قوله : «مع أن .. إلخ» هو أنّ التعليل المتقدم في عبارة المبسوط ـ لو تمّ في نفسه وسلم عن الإشكال ـ يقتضي صحّة العقد المعلّق على ما يقتضيه إطلاقه ، كملكية المبيع في قول الموكّل : «بعتك هذه الجارية بعشرين

٥٥٠

الكلام فيما لم (١) يعلم وجود المعلّق عليه وعدمه ، فلا وجه لتوهّم اختصاصه بصورة العلم (٢).

______________________________________________________

إن كانت لي» سواء أكان عالما واقعا بملكيّتها ـ ويكون إنكار الوكالة في الظاهر ـ أم شاكّا فيها كما إذا عرض النسيان عليه ، ولم يتذكر التوكيل.

والوجه في اقتضاء التعليل إطلاق الجواز لصورتي العلم والشك هو كون المعلّق عليه مما يتوقف عليه تأثير العقد ، حتى أنّ إنشاء الموكّل لو كان منجزا كان تنجيزه صوريّا ، لكون البيع معلّقا بحسب الواقع ونفس الأمر على الملكية.

وعليه ينبغي أن يكون شيخ الطائفة قائلا بجواز التعليق ـ في ما يقتضيه إطلاق العقد ـ في قسمين أحدهما : أن يكون المعلّق عليه معلوم الحصول. ثانيهما : أن يكون مشكوك الحصول.

فكما يحصل الظن بعدم الإجماع على البطلان في صورة العلم بحصول الشرط ، فكذا يحصل الظن بعدم الإجماع في صورة الشك في حصوله. ولا موجب لاختصاص نظر الشيخ بالعلم بالحصول كما توهّمه بعضهم.

هذا ما استفاده المصنف قدس‌سره من أصل دعوى بعض الناس ومن تعليله ، ثمّ أيّد المصنف هذا التعميم بكلام الشهيد قدس‌سره وسيأتي.

(١) ظاهر العبارة اختصاص مورد النزاع بالشك في وجود المعلّق عليه ، مع أنّ غرضه قدس‌سره أعمية التعليل من العلم والشك ، ولذا فالأولى أن يقال : «إنّ محل الكلام أعمّ ممّا لم يعلم وجود المعلّق عليه .. إلخ» وذلك بقرينة قوله بعده : «بصورة العلم».

(٢) لم أقف على من خصّ صحة التعليق ـ المذكور في كلام الشيخ ـ بصورة العلم ، لكن يظهر من تعبير جمع كالمحقق والشهيد الثانيين الاختصاص ، لما تقدّم عنهما من : «أن التعليق إنّما ينافي الإنشاء حيث يكون المعلّق عليه مجهول الحصول. أمّا مع العلم بوجوده فلا ، لانتفاء الشك حينئذ في الإنشاء» ومفروض كلامهما تعليق البيع على ملكية الجارية ، فراجع.

٥٥١

ويؤيّد ذلك (١) أنّ الشهيد في قواعده جعل الأصحّ صحّة تعليق البيع على ما هو شرط فيه ، كقول البائع : بعتك إن قبلت (١).

ويظهر منه (٢) ذلك أيضا (٣) في آخر القواعد.

______________________________________________________

(١) يعني : ويؤيّد أنّ محلّ النزاع أعمّ ـ من صورة علم العاقد بالمعلّق عليه ، وشكّه فيه ـ ما يستفاد من موضعين من قواعد الشهيد قدس‌سره ، ففي الموضع الأوّل حكم بصحّة تعليق البيع على شرط صحة العقد ، كانضمام القبول إلى الإيجاب ، فإذا قال : «بعتك هذا بكذا إن قبلت» صحّ ، مع أن عقديّة العقد متوقفة على لحوق القبول ، فصحّة تعليق الإيجاب على تحقق القبول ـ مع الجهل بتحققه ـ تقتضي أولوية صحة ما تقدم في كلام المبسوط ، حيث إن المعلّق عليه ـ فيه ـ ليس شرط أصل العقد ، بل شرط ترتب الآثار الشرعية عليه.

قال الشهيد قدس‌سره : «ومنه تعليق البيع على الواقع ، أو على ما هو شرط فيه. والأصح انعقاده مثل : بعتك إن كان لي ، أو : بعتك إن قبلت. ويحتمل البطلان».

وفي الموضع الثاني حكم الشهيد قدس‌سره بصحة تعليق البيع على مشيّة المشتري ، وهو ـ كالتعليق على القبول ـ شرط صحة نفس الإنشاء ، لا شرط ترتب الأثر الشرعي عليه ، قال : «أمّا لو علم الوجود فإنّ العقد صحيح ، ولا شرط وإن كان بصورة التعليق .. ولو قال : بعتك بمائة إن شئت ، فهذا تعليق بما هو من قضاياه ، إذ لو لم يشأ لم يشتر» (٢).

(٢) يعني : يظهر من الشهيد صحة تعليق العقد على ما هو شرط فيه ـ وهو مشكوك الحصول ـ كقبول المشتري ومشيّته.

(٣) يعني : كما ظهر جواز التعليق في أوائل القواعد.

هذا تمام الكلام في أقسام التعليق الصريح ، وأحكامها.

__________________

(١) : القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ١٥٥ و١٥٦. رقم القاعدة : ٤١

(٢) القواعد والفوائد ، ج ٢ ، ص ٢٣٧ ، رقم القاعدة : ٢٣٨

٥٥٢

ثم إنّك (١) قد عرفت أنّ العمدة في المسألة هو الإجماع.

وربما يتوهم أنّ الوجه في اعتبار التنجيز هو (٢) عدم قابلية الإنشاء للتعليق.

______________________________________________________

وأما التعليق الذي يكون لازم الكلام فسيأتي حكم بعض أقسامه في (ص ٥٦٥) بقوله : «ثم إن القادح هو تعليق الإنشاء .. إلخ» فانتظر.

(١) هذا شروع في المطلب الثاني الذي تعرّض له في المقام الرابع ، وهو تحقيق الوجوه التي استدل بها الفقهاء على اعتبار التنجيز. فالدليل الأوّل ـ وهو المعتمد ـ الإجماع الذي حكاه عن جمع ، كالشيخ وابن إدريس والعلّامة وغيرهم ، وقد تقدمت كلماتهم في المقام الثاني ، فراجع.

(٢) هذا إشارة إلى ثاني الوجوه المستدل بها على اعتبار التنجيز ، وقد تقدم نقله ـ في أوّل المسألة ـ عن تذكرة العلّامة قدس‌سره من منافاة التعليق للجزم ، وتقدّم بيانه إجمالا هناك ، ويأتي مزيد توضيح له في التعليقة إن شاء الله تعالى.

وأورد المصنف قدس‌سره عليه بأنّ المراد بالإنشاء ـ الذي ينافي التعليق للجزم به ـ إمّا هو إيجاد المعنى باللفظ ، وإمّا هو المنشأ أي البيع المسبّبي المفسّر بالمبادلة والتمليك والنقل. فإن أريد التنافي للإنشاء ـ بالمعنى الأوّل ـ قلنا باستحالة التعليق فيه ، وذلك لأنّ الإنشاء من قبيل الإيجاد الحقيقي في عدم القابلية حينئذ للإناطة والتعليق ، لأنّ الإنشاء ـ بهذا المعنى ـ عبارة عن استعمال اللفظ في المعنى ، وإخطار المعنى بسببه ، ومن المعلوم ترتب هذا الإخطار على إلقاء اللّفظ فقط.

وإن أريد بالإنشاء ما هو محلّ الكلام ـ أعني به المنشأ ـ بأن يكون المعلّق على الشرط هو الأمر الاعتباري كالملكية في باب البيع فلا مانع من تعليقه ، بل هو واقع كما يظهر من نظائره سواء في باب الأوامر والمعاملات. أمّا في الأوامر فكتعليق وجوب الإكرام بالمجي‌ء في قوله : «إن جاءك زيد فأكرمه» حيث إنّ المجي‌ء قيد للمنشإ وهو الوجوب المستفاد من الهيئة. وأما في المعاملات فكالوصية التمليكية ، فإنّ

٥٥٣

وبطلانه واضح (١) ، لأنّ المراد بالإنشاء إن كان هو مدلول الكلام (٢) فالتعليق غير متصوّر فيه ، إلّا أنّ الكلام ليس فيه (٣).

وإن كان الكلام (٤) في أنّه ـ كما يصحّ إنشاء الملكية المتحققة على كلّ تقدير ـ فهل يصحّ إنشاء الملكية المتحققة على تقدير دون آخر كقوله : «هذا لك إن جاء زيد غدا» و «خذ (٥) المال قرضا أو قراضا إذا أخذته من فلان» ونحو

______________________________________________________

الموصى ينشئ ملكية المال للموصى له ، ولكنها معلّقة على موته.

وعليه فالإنشاء بالمعنى الثاني يكون تعليقه واقعا شرعا وعرفا فضلا عن إمكانه ، فلا وجه لما قيل من «منافاة التعليق للجزم بالإنشاء» لحصول الجزم بالملكية على تقدير ، كحصوله في الملكية على كل تقدير ، هذا.

(١) قد اتضح وجه البطلان بقولنا : «وأورد المصنف قدس‌سره عليه بأنّ المراد بالإنشاء .. إلخ».

(٢) قد عرفت بما ذكرناه في توضيح الإيراد أنّ الأولى أن يقال : «إن كان هو الكلام» أي تعليق نفس اللفظ ، وذلك بقرينة الشقّ الثاني الذي هو من تعليق المنشأ.

ويمكن أن تكون الإضافة بيانية ، فتأمّل.

(٣) يعني : أنّ مراد العلامة وغيره من منافاة التعليق للجزم بالإنشاء ليس منافاته لنفس الكلام والصيغة.

(٤) الأنسب ـ بقرينة المقابلة ـ أن يقال : «وإن كان المراد تعليق المنشأ كالملكية .. إلخ» فإذا قال : «بعتك هذا بهذا إذا قدم الحاج» يراد به تعليق الملكية ـ الحاصلة من البيع ـ على قدوم الحاج ، فلا بيع قبل قدومهم.

(٥) بأن يكون معناه : تحقق الملكية بالاقتراض على تقدير أخذ مال المقرض ممّن هو عنده ، فلو لم يأخذه منه فلا قرض. وكذا الحال في إنشاء عقد المضاربة على تقدير أخذ رأس المال ممّن بيده المال.

٥٥٤

ذلك (١) فلا ريب (٢) في أنّه أمر متصوّر (٣) واقع في العرف والشرع كثيرا في الأوامر (٤) والمعاملات من العقود والإيقاعات.

ويتلو هذا الوجه (٥) في الضعف ما قيل من : أنّ ظاهر ما دلّ على سببية

______________________________________________________

(١) كالوصية التمليكية ، والنذر والسبق والرّماية والجعالة.

(٢) جزاء الشرط في قوله : «وإن كان الكلام».

(٣) يعني : أنّ الملكية التعليقية ممكنة في نفسها ، وواقعة في الخطابات الشرعية والعرفية.

(٤) كتعليق وجوب الحج والزّكاة مثلا على الاستطاعة والنّصاب ، وغيرهما من سائر الواجبات المشروطة.

(٥) أي : عدم قابلية الإنشاء للتعليق. وهذا إشارة إلى ثالث الوجوه المستدلّ بها على اعتبار التنجيز. وهو ما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره ـ بعد إبطال عدم قابلية الإنشاء للتعليق ـ بقوله : «بل لمنافاته ـ أي : التعليق ـ ما دلّ على سببية العقد ، الظاهر في ترتب مسبّبه عليه حال وقوعه ، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين دون الشارع معارض لذلك ، بل هو شبه إثبات حكم شرعي من غير أهله. وللشك في شمول الآية ونحوها له .. إلخ» (١). وكذا منع قدس‌سره من التعليق في بحث الشروط (٢) ، وفي باب الطلاق (٣) ، فراجع.

وحاصله : أنّ ظاهر أدلة الإمضاء والصحة هو ترتيب الآثار المقصودة من حين العقد ، وذلك منوط بإطلاق العقد وتنجيزه حتى تترتب عليه فعلا ، فمع تعليقه لا تشمله الأدلّة من حينه ، ومع عدم شمولها له من زمان صدوره لا تشمله بعده أيضا ، فالعقود المعلّقة غير مشمولة لأدلّة الصحة لا حدوثا ولا بقاء أي بعد حصول المعلّق عليه ، فمع عدم الدليل على الصحة يرجع إلى أصالة الفساد ، هذا.

وأورد المصنف قدس‌سره عليه بوجوه خمسة أو ستة :

__________________

(١) : جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٥٣

(٢) جواهر الكلام ج ٢٣ ، ص ١٩٨

(٣) جواهر الكلام ، ج ٣٢ ، ص ٧٨ و٧٩

٥٥٥

العقد ترتّب مسبّبه عليه حال وقوعه ، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك (١).

وفيه ـ بعد الغضّ عن عدم (٢) انحصار أدلّة الصّحة واللّزوم في مثل قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لأنّ (٣) دليل حلّية البيع وتسلّط الناس على أموالهم

______________________________________________________

الأوّل : أنّه لو سلّمنا اقتضاء الأمر بالوفاء بالعقود لترتيب الأثر الشرعي على كلّ عقد من حين الإنشاء ، قلنا بعدم انحصار دليل صحة البيع في هذه الآية المباركة حتى يقال ببطلان العقد المعلّق ، فيمكن القول بصحّته ، وذلك بعد تمامية مقدمتين :

الأولى : أنه قد تقدم في أدلة مملكية المعاطاة ولزومها دلالة آيتي (حلّ البيع) و (التجارة عن تراض) على صحّة كلّ ما هو بيع ـ بالحمل الشائع ـ بنظر العرف. وكذلك استدلّ صاحب الجواهر قدس‌سره على مشروعية بعض أقسام المعاطاة بحديث السلطنة.

الثانية : أنّ تعليق بعض أفراد البيع على الشرط واقع عرفا وشرعا ، ولا تترتّب الملكية فيه على نفس العقد ، ففي بيع الصرف لا يفيد نفس الإنشاء الملكية الشرعية ، بل تتوقف على القبض.

وبعد تمامية هذه الكبرى والصغرى يظهر أنّ إطلاق «حلية البيع» يقتضي صحة كل بيع عرفي سواء أكان منجّزا أم معلّقا ، فإن كان منجّزا ترتب المسبّب من حين إنشاء السبب. وإن كان معلّقا توقّف ترتب المسبّب على حصول المعلّق عليه ، ولا محذور في تأخر المسبب عن سببه وانفكاكه عنه بعد إطلاق دليل الإمضاء.

هذا توضيح الإيراد الأوّل ، وسيأتي بيان سائر المناقشات.

(١) أي : لترتب المسبّب حال وقوع سببه وهو العقد.

(٢) هذا إشارة إلى أوّل إيرادات المصنف على صاحب الجواهر قدس‌سرهما ، وقد عرفته آنفا.

(٣) تعليل لقوله : «عدم انحصار».

٥٥٦

كاف في إثبات ذلك (١) ـ أنّ (٢) العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به على

______________________________________________________

(١) أي : في إثبات صحة البيع ولزومه ، سواء أكان منجّزا أم معلّقا.

ولا يخفى أن عدّ حديث السلطنة من أدلة الصحة واللزوم مبني على اعتراف صاحب الجواهر قدس‌سره بكونه مشرّعا ، إذ على هذا يتجه إشكال المصنف قدس‌سره عليه بأنّ الحديث يدلّ ـ كآية حلّ البيع ـ على نفوذ تصرف المالك في ماله بالبيع والوقف والهبة ونحوها ، سواء أكانت أسبابها منجّزة أم معلّقة.

وبهذا يظهر عدم المجال للإشكال على المصنف بأنّ الحديث غير مشرّع أصلا أو لخصوص الأسباب ، فلا وجه لعدّه من أدلة الصحة واللزوم.

وجه عدم المجال ما عرفت من توجيه الإيراد على ما يعترف به صاحب الجواهر أعلى الله مقامه.

(٢) هذا هو الإشكال الثاني على كلام الجواهر ، ومقصود المصنف منع ما استفاده صاحب الجواهر من آية وجوب الوفاء بالعقود حتى لو كان دليل الإمضاء منحصرا فيها.

وتوضيحه : أن الآية الشريفة وإن دلّت على سببية العقد لترتب المسبّب عليه ، إلّا أنّها قاصرة عن إثبات ترتب المسبّب من حين الإنشاء ، وذلك لأنّ المراد بالعقود التي يجب الوفاء بها هو العهود على ما ورد تفسيرها بها في معتبرة عبد الله بن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ومن المعلوم أنّ العهد يصدق حقيقة على العهد المعلّق كصدقه على المنجّز ، فإن كان مدلول العهد منجّزا وجب الوفاء به فورا ، وإن كان مدلوله معلّقا على أمر مترقب الحصول ـ كما في غالب موارد النذر ـ وجب الوفاء به معلقا على حصول الشرط.

وعلى هذا فليس مفاد «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» عدم ترتب الأثر على العقود المعلّقة على ما يتوقّع حصوله ، بل مفادها وجوب العمل بمقتضى العقد ، فإن كان منجّزا

__________________

(١) : تفسير القمي ، ج ١ ، ص ١٦٠

٥٥٧

طبق مدلوله (١). فليس مفاد (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إلّا مفاد (أَوْفُوا بِالْعَهْدِ) في (٢) أنّ العقد كالعهد إذا وقع على وجه التعليق فترقّب تحقّق المعلّق عليه ـ في تحقق المعلّق ـ لا يوجب (٣) عدم الوفاء بالعهد.

والحاصل (٤) : أنّه إن أريد بالمسبّب هو مدلول العقد (٥) فعدم تخلّفه عن إنشاء العقد من البديهيات التي لا يعقل خلافها. وإن أريد به (٦) الأثر الشرعي

______________________________________________________

ففورا ، وإن كان معلّقا فعند حصول المعلّق عليه.

هذا إذا كان المراد بالأثر الذي يجب ترتيبه على العقد والعهد هو حكم الشارع ، كالملكية الشرعية في البيع ، والزوجية كذلك في النكاح ، وهكذا.

وإمّا إذا كان المراد بالأثر ما يعتبره نفس العاقد ـ مع الغضّ عن إمضائه شرعا ـ فهو يترتب على الإنشاء معلّقا كان أو منجّزا ، ويستحيل انفكاكه عنه. فإنّ النسبة بين الإنشاء والمنشأ ـ بهذا المعنى ـ نسبة الإيجاد والوجود ، لا يعقل انفكاكهما ، لا نسبة الإيجاب والوجوب.

(١) فإن كان مدلول العقد منجّزا ترتب المسبّب عليه من حينه ، وإن كان معلّقا وجب الوفاء به عند تحقق الشرط.

(٢) هذا وجه اتّحاد مفاد الوفاء بالعقد وبالعهد.

(٣) خبر قوله : «فترقب» وقوله : «إذا وقع» قيد للعهد.

(٤) هذا الحاصل وإن كان متينا ، لكن المصنف لم يتعرّض قبله لاستحالة تخلّف المسبّب عن الإنشاء ، كالملكية التي يعتبرها البائع مع الغضّ عن إمضاء الشارع ، كما يعتبر الفسّاق ملكية الخمر ونحوه مما أسقط الشارع ماليّته. فهذه لا تتخلّف عن العقد أصلا مع فرض التفات العاقد وقصده.

وكيف كان فقد تقدم توضيح كلا الشقّين.

(٥) أي : مضمونه العرفي ، لكن مع قطع النظر عن تقرير الشارع وتصحيحه.

(٦) أي : وإن أريد بالمسبب الأثر الشرعي ـ كما هو ظاهر كلام الجواهر ، لأنّه

٥٥٨

ـ وهو ثبوت الملكية ـ فيمنع (١) كون أثر مطلق البيع الملكية المنجّزة ، بل (٢) هو مطلق الملك ، فإن كان البيع غير معلّق (٣) كان أثره الشرعي الملك غير المعلّق ، وإن كان معلّقا (٤) فأثره الملكية المعلّقة.

مع أنّ (٥) تخلّف الملك عن العقد كثير جدا.

______________________________________________________

الذي قد ينفك عن العقد ، فيتخيّل عدم وجوب الوفاء به فيمنع كون .. إلخ.

(١) جزاء الشرط في قوله : «وإن أريد» وقد تقدّم وجه المنع.

(٢) يعني : بل المسبّب الذي هو الأثر الشرعي يكون مطلق الملك أعم من المنجّز والمعلّق. والدليل على هذه الأعمية صدق «العقد والعهد» على كلّ من الإنشاء المنجّز والمعلّق ، ولا مقيّد في البين حتى تختصّ الصحة بالمنجّز.

(٣) كما إذا قال : «بعتك هذا الكتاب بدينار» فقبل المشتري ، فيجب الوفاء به فورا.

(٤) كما إذا قال : «بعتك هذا الكتاب بدينار إن كان لي ، أو : إن جاء زيد» فقبل المشتري.

(٥) ظاهر السّياق ـ كما استفاده بعض أجلّة المحشين كالفقيه المامقاني قدس‌سره (١) ـ أنّه إشكال ثالث على استدلال صاحب الجواهر قدس‌سره ، فيكون المقصود منع اختصاص مفاد الآية المباركة بما إذا كان العقد سببا تامّا حتى يترتب الأثر عليه حال وقوعه كي تختص الصحة بالعقد المنجّز.

وجه المنع : أنّ الشارع حكم بصحة عقود كثيرة مقتضية للملكيّة ، ويتوقف تمامية السبب على تحقّق أمر آخر ، فلو اختصّت الآية بالعقود التي تكون تمام السبب في التأثير لزم التخصيص الكثير ، أو عدم كون الآية دليلا على صحتها.

فمنها : بيع الصّرف ، فتتخلّف الملكية عن الإنشاء حتى القبض.

ومنها : بيع المعاطاة بناء على الإباحة ، لتوقف الملك ـ عند القائل به ـ على

__________________

(١) : غاية الآمال ، ص ٢٦٠

٥٥٩

مع (١) أنّ ما ذكره لا يجري في مثل قوله : «بعتك إن شئت ، و : إن قبلت ، فقال : قبلت» فإنّه لا يلزم هنا تخلّف أثر العقد عنه.

______________________________________________________

طروء الملزم.

ومنها : بيع الفضولي بناء على النقل ، فالملكية متوقفة على لحوق الإجازة.

ومنها : الهبة ، فإنّ انتقال العين إلى المتّهب منوط بالقبض.

ومنها : الوقف على الذّرّيّة ، فإنّ البطون المتأخّرة تتلقّى الملكية من الواقف ، مع ما بين الإنشاء والتملّك من الفصل الكثير.

ومنها : الوصية ، فالعين الموصى بها تنتقل إلى الموصى له بعد موت الموصى.

ومنها : المضاربة ، فإنّ العامل يتملّك الحصّة بعد ظهور الرّبح ، لا بنفس العقد.

ومنها : عقد المساقاة ، فإنّ العامل يتملّك حصّته من الثمرة بعد ظهورها.

ومنها : عقد السبق والرّماية ، لتوقف تملّك السّبق على تقدّم أحدهما على الآخر.

ومنها : غير ذلك من موارد تخلّف الملك عن العقد. ويستكشف من مجموعها عدم كون العقد سببا تامّا لحصول الملك في جميع الموارد ، فكيف ادّعى صاحب الجواهر حصر مفاد الآية في ترتب المسببات على الإنشاءات حال وقوعها؟ هذا.

ولا يخفى أنّه يمكن أن تكون العبارة متمّمة للإشكال الثاني ، وتقريبه : أنّ المصنف قدس‌سره جعل مفاد الآية الشريفة وجوب الوفاء بمضمون العقد ، فإن كان منجزا فمنجّزا ، وإن كان معلّقا فمعلّقا. ولكنّه لم يأت بشاهد على هذه الدعوى ، فكان لصاحب الجواهر قدس‌سره منعها ، وحصر المدلول في وجوب الوفاء بالعقود منجّزا. وحينئذ يمكن جعل قول المصنف قدس‌سره : «مع أن تخلف الملك عن العقد كثير جدّا» دليلا على منع الحصر ، وأنّ العقود المملّكة التي يتخلّف أثرها عنها كثير كما عرفت ، فتكون الآية دليلا على صحة كلا القسمين ، والوفاء في كلّ منهما بحسبه ، وعليك بالتأمّل في المتن ليتبيّن لك حقيقة الأمر.

(١) هذا رابع ما أورده المصنف على صاحب الجواهر قدس‌سرهما ، ومحصّله : أخصّيّة الدليل من المدّعى ، وهو مبطليّة مطلق التعليق ، وبيانه : أنه لو كان مفاد وجوب الوفاء بالعقود ترتيب الأثر الشرعي على سببه ـ وهو العقد ـ فورا كان مقتضاه قدح

٥٦٠