هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

.................................................................................................

__________________

بين الالتزامين ، ومن المعلوم كونه بسيطا لا مركّبا حتى تلاحظ الموالاة بين أجزائه. نعم يعتبر في صحة العقد بقاء الالتزام الإيجابي إلى زمان تحقق الالتزام القبولي.

الثاني : أنّ قياس العقد على القراءة والتشهد والأذان وغيرها ـ كما في عبارة الشهيد المتقدمة ـ في غير محله ، لأنّها من الأمور المتدرجة الوجود ، بخلاف العقد الذي هو دفعي الوجود ، لبساطته.

وبالجملة : فلا موضوع للموالاة في العقود حتى يبحث عن اعتبارها وعدمه.

نعم هذان الإشكالان مبنائيّان ، لأنّ الشهيدين جعلا ألفاظ المعاملات أسامي للأسباب على ما تقدم مشروحا في محلّه (١).

الثالث : أنّه لا فرق في العقود بين أنواعها في عدم موضوع لاعتبار الموالاة فيها ، لكون مفهوم العقد في جميع أنواعه واحدا غير قابل لتطرّق بحث الموالاة فيه ، هذا.

ثم إنّه لو سلّم كون العقد من مقولة اللفظ حتى يندرج في الأمر التدريجي ـ القابل لجريان بحث الموالاة فيه ـ فنقول : إنّه لا دليل على اعتبار الموالاة فيه ، لإطلاق أدلة الإمضاء ، ومعه لا تصل النوبة إلى أصالة عدم ترتب الأثر.

نعم لمّا كان الإيجاب والقبول بمنزلة السؤال والجواب كانت الموالاة المعتبرة بينهما بمثابة لا يخرج القبول عمّا هو بمنزلة الجواب. وأمّا الموالاة على حدّ الموالاة المعتبرة في الأذان والصلاة والقراءة ونحوها فهو ممّا لا يساعده دليل.

بل ربما يستدل على عدم اعتبار الموالاة في العقود بما دلّ على إهداء مارية القبطية ، حيث إنّه وقع بين إيجابه وقبوله فصل طويل. وذلك لأنّ النجاشي ملك الحبشة ـ بعد تشرفه بالإسلام ـ بعث إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهدايا ، وبعث إليه مارية القبطية أمّ إبراهيم عليه‌السلام ، وبعث إليه بثياب وطيب كثير وفرس.

ويدلّ أيضا على عدم اعتبار الموالاة فحوى ما ورد في قول الصّحابي : «زوّجنيها»

__________________

(١) : راجع الجزء الأول عن هذا الشرح ، ص ٢٨٩ إلى ٢٩٦

٥٢١

.................................................................................................

__________________

والإيجاب بعد فصل طويل «زوّجتكها».

وما في تقريرات المحقق النائيني قدس‌سره من توجيه الاتصال والموالاة في الهدايا المرسلة من الأمكنة البعيدة بقوله : «ولكن الحق اعتبار الاتصال فيها أيضا. وإرسال الهدايا من البلاد البعيدة لا يدل على جواز الانفصال ، فإنّ تحقق الأفعال مختلف ، فمنها ما لا يحتاج إلى زمان ممتدّ ، كما لو وقعت في حضور المتعاطيين. ومنها ما يحتاج إليه كالهدايا المرسلة من الأماكن البعيدة ، فإنّ الفعل لا يتحقق إلّا بوصولها إلى يد المهدي إليه.

وجميع هذه الأفعال الصادرة من الواسطة كأنّها صادرة من الموجب ، فهو بمنزلة من كان في المشرق ، وكانت يده طويلة تصل إلى المغرب ، فمدّ يده وأعطى شيئا لمن كان في المغرب ، فإنّ فعله يتم في زمان وصول يده إلى المغرب ، فتأمّل جيّدا» (١).

لا يخلو من غموض ، للفرق الواضح بين ما نحن فيه وبين المثال المزبور ، وذلك لأنّ المهدي من المكان البعيد ربما يغفل عن هديّته حين وصولها إلى المهدي إليه ، فلا يمكن تنزيل فعل الرسول منزلة فعل المرسل. وهذا بخلاف المثال ، فإنّ المهدي في ذلك هو المرسل الذي يكون بنفسه متصديا لإنشاء العقد من دون فصل بين إيجابه وقبوله ، لعدم كون طول اليد مخرجا للفعل الواحد عن وحدته كما لا يخفى.

ويدل أيضا على عدم اعتبار الموالاة قيام السيرة بين التجار المتدينين على المعاملة بالكتابة والبرقية مع تخلّل فصل طويل بين إيجابها وقبولها ، مع عدم مناقشة أحد في صحتها.

فالمتحصل : أنّ العقد ـ بناء على كونه المسبّب ـ لا معنى لاعتبار الموالاة فيه. وبناء على كونه السبب وهو الإيجاب والقبول ـ كما هو ظاهر الشهيدين قدس‌سرهما ـ يتصور فيه التوالي ، لكن لا دليل على اعتبار أزيد من الموالاة الرابطة للجواب بالسؤال ، فقياس العقد

__________________

(١) : منية الطالب ، ج ١ ، ص ١١٢

٥٢٢

.................................................................................................

__________________

من ناحية الموالاة على الصلاة وأشباهها في غير محله.

بقي الكلام فيما أفاده الشهيد قدس‌سره بقوله : «وهي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين المستثنى والمستثنى منه .. إلخ» والظاهر أنّ مراده كون الاستثناء منشأ للانتقال إلى اعتبار الموالاة في العقد وغيره مما يعتبر فيه الاتصال ، وذلك لأنّ تبعية المستثنى للمستثنى منه أوجبت اعتبار الاتصال والموالاة بينهما ، ففي جميع موارد التبعية لا بدّ من مراعاة الموالاة.

والإيجاب والقبول في العقود من هذا القبيل ، حيث إنّ القبول تابع للإيجاب ، فالتبعية تقضي باعتبار الاتصال بينهما أيضا ، هذا.

وأنت خبير بما فيه ، حيث إنّ منشأ اعتبار الاتصال بين المستثنى والمستثنى منه هو تقوّم معنى كلمة «إلّا» الذي هو معنى حرفي بالطرفين ، فلا محيص عن اعتبار الاتصال بين المستثنى والمستثنى منه حتى يتحقق تلك النسبة والربط. وهذا بخلاف العقد بمعنى الإيجاب والقبول ، فإنّهما بمنزلة السؤال والجواب ، ومن المعلوم عدم اعتبار الفورية العرفية بينهما ، وإنّما المعتبر فيهما عدم تخلّل زمان معتدّ به بينهما بحيث يخرجان عن السؤال والجواب.

وكذا ما هو بمنزلتهما كالسّلام وردّه ، والورود في المسجد وصلاة تحيّته.

وأمّا العقد بالمعنى البسيط ـ أعني به المسبّب ـ فقد عرفت امتناع جريان نزاع اعتبار الموالاة وعدمه فيه. فعلى التقديرين لا وجه لجعل الموالاة في باب الاستثناء أصلا لاعتبار الموالاة في العقد ، هذا.

٥٢٣

ومن جملة الشروط التي ذكرها جماعة : التنجيز (١) في العقد ، بأن (٢) لا يكون معلّقا على شي‌ء بأداة الشرط ، بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود

______________________________________________________

المبحث الثالث : اعتبار التنجيز

(١) هذا ثالث المباحث المتعلقة بالجهة الثالثة المتكفلة لشروط الهيئة التركيبية لصيغ العقود ، وهو ما ذكره جماعة من شرطيّة التنجيز أو مانعية التعليق ، وقد تعرّض المصنف قدس‌سره في هذا البحث لمقامات أربعة :

الأوّل : في معنى التنجيز.

الثاني : في نقل كلمات الأصحاب حتى يظهر منها أنّ اعتباره ثابت عندهم ، وأن التنجيز شرط أو التعليق مانع.

الثالث : في دليل اعتبار هذا الشرط.

الرابع : في تحقيق المسألة موردا ودليلا ، وسيأتي الكلام في كلّ منها بالترتيب.

(٢) هذا إشارة إلى المقام الأوّل ، وهو معنى التنجيز المبحوث عنه في صيغ العقود ، ومحصله : أنّ التنجيز عبارة عن الإرسال وعدم إناطة الإنشاء بشي‌ء من أدوات الشرط ، وفي مقابله التعليق الذي هو إناطة العقد بشي‌ء من أداة الشرط ، بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشرط ، كما إذا قال : «بعتك هذا الكتاب بدينار إن جاء زيد في هذا اليوم» وقال المشتري : «قبلت هكذا» أي القبول كالإيجاب مشروط بمجي‌ء زيد ، فقصدهما للبيع منوط بمجيئه ، بحيث لا يقصدان البيع في صورة عدم ذلك الشرط ، فالتنجيز حينئذ عبارة عن قصدهما البيع بدون الإناطة بالشرط.

٥٢٤

ذلك الشي‌ء ، لا في غيرها (١).

وممّن (٢) صرّح بذلك (٣) الشيخ والحلّي (٤) والعلّامة (٥) وجميع من تأخّر

______________________________________________________

(١) يعني : في غير صورة وجود ذلك الشي‌ء الذي أنيط العقد به ، من شرط أو صفة.

(٢) هذا إشارة إلى المقام الثاني ، وهو أقوال الفقهاء في اعتبار التنجيز في العقود.

(٣) أي : باشتراط التنجيز ، قال شيخ الطائفة قدس‌سره في الخلاف : «إذا قال ـ أي الموكّل ـ إن قدم الحاج أو رأس الشهر فقد وكّلتك في البيع ، فإنّ ذلك لا يصحّ .. دليلنا أنّه لا دليل على صحة هذا العقد ، وعقد الوكالة يحتاج إلى دليل» (١).

وقال في المبسوط : «وأما الوقف فلا يدخله الخياران ـ يعني خياري المجلس والشرط ـ لأنّه متى شرط فيه لم يصحّ الوقف» (٢).

(٤) قال في وقف السرائر : «وشيخنا أبو جعفر رحمه‌الله ذهب إلى أنّ دخول الشرط في الوقف يبطله. ذكر ذلك في المبسوط وفي مسائل خلافه في كتاب البيوع ، لأنّ عقد الوقف لازم من الطرفين ، مثل عقد النكاح» (٣) والمستفاد من التعليل أنّ كل عقد لازم من الطرفين حكمه التنجيز ، وعدم صحة دخول الشرط فيه.

(٥) قال في التذكرة : «يشترط في الوقف التنجيز ، فلو علّقه على شرط أو صفة لم يجز ، مثل أن يقول : إذا جاء زيد فقد وقفت داري. أو يقول : إذا جاء رأس الشهر وقفت عبدي ، كما لا يصح تعليق البيع والهبة» (٤).

وقال في الهبة : «وأن يكون العقد منجّزا ، فلو علّقه على شرط لم يصح ، كالبيع» (٥).

__________________

(١) : الخلاف ، ج ١ ، ص ٦٥٥ (الطبعة الثانية ١٣٧٧).

(٢) المبسوط في فقه الإمامية ، ج ١ ، ص ٨١

(٣) السرائر الحاوي : ج ٣ ، ص ١٥٨ و١٥٩

(٤) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٣٣

(٥) المصدر ، ص ٤١٥

٥٢٥

عنه كالشهيدين (١)

______________________________________________________

وقال في هبة القواعد : بعد اعتبار التنجيز : «ولا يصح تعليق العقد».

وفي نكاحه : «ويشترط التنجيز ، فلو علّقه على شرط لم يصح» وفي وقفه : «ويشترط تنجيزه ، فلو علّقه بصفة أو بشرط لم يقع» (١).

(١) قال الشهيد في الدروس في شرائط الوقف : «وخامسها : التنجيز ، فلو علّق بشرط أو وصف بطل ، إلّا أن يكون واقعا ، والواقف عالم بوقوعه كقوله : وقفت إن كان يوم الجمعة» (٢).

وفي اللمعة وشرحها في شرائط الوقف : «وشرطه ـ مضافا إلى ما سلف ـ التنجيز» إلى آخر ما في الدروس ، وأضاف قوله : «وكذا في غيره من العقود اللازمة» (٣).

واشترط المحقق التنجيز في صحة الوقف ، وفرّع عليه قوله : «ولو قال : وقفت إذا جاء رأس الشهر ، أو : إن قدم زيد ، لم يصحّ» (٤).

وعلّق عليه الشهيد الثاني بما لفظه : «هذا تفريع على اشتراط التنجيز .. ونبّه بالمثالين على أنّه لا فرق بين تعليقه بوصف لا بدّ من وقوعه كمجي‌ء رأس الشهر ، وهو الذي يطلق عليه الصفة ، وبين تعليقه بما يحتمل الوقوع وعدمه كقدوم زيد ، وهو المعبّر عنه بالشرط. واشتراط تنجيزه مطلقا موضع وفاق كالبيع وغيره من العقود ، وليس عليه دليل بخصوصه» (٥).

وقال أيضا في مسألة «إن كان لي فقد بعته» ما لفظه : «إنّ التعليق ينافي الإنشاء

__________________

(١) : قواعد الأحكام ، ص ١١٠ ، ١٤٧ ، ص ١٠٧ (الطبعة الحجرية)

(٢) الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٦٤

(٣) الرّوضة البهية ، ج ٢ ، ص ١٦٩

(٤) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢١٧

(٥) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٥٧

٥٢٦

والمحقّق الثاني (١) وغيرهم (٢) قدس الله أرواحهم.

وعن فخر الدّين في شرح الإرشاد في باب الوكالة : «أنّ تعليق الوكالة على الشرط لا يصحّ عند الإمامية ، وكذا غيره من العقود لازمة كانت أو جائزة» (١).

وعن تمهيد القواعد : دعوى الإجماع عليه (٢).

وظاهر المسالك في مسألة اشتراط التنجيز في الوقف : الاتّفاق عليه (٣).

والظاهر عدم الخلاف (٣)

______________________________________________________

في العقود والإيقاعات حيث يكون المعلّق عليه مجهول الحصول» (٤).

(١) قال في شرائط الوقف : «أحدها : تنجيزه ، فلو علّق بشرط أو صفة ... لم يصحّ ، لعدم الجزم به ، كما لا يصح تعليق البيع والهبة» (٥).

وقال في بطلان عقد الهبة بالتعليق : «لأنّه مع التعليق لا جزم بإنشاء التمليك» (٦).

وقال في النكاح : «يشترط في عقد النكاح التنجيز قطعا ، لانتفاء الجزم بدونه ، فيبطل لو علّقه بأمر محتمل أو متوقع الحصول» (٧).

(٢) منهم الفاضل المقداد في التنقيح والسيد الطباطبائي في وقف الرياض ووكالته.

(٣) لكن تأمّل جمع في اعتبار التنجيز في الوكالة كالمحقق الأردبيلي والفاضل

__________________

(١) : حكاه السيد الفقيه العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٥٢٦

(٢) حكاه السيد الفقيه العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦٥ ، تمهيد القواعد ، ص ١١٧ ، وليس فيه دعوى الإجماع : ولعلّ السيد حكاه عن موضع آخر.

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٣٥٧ الحدائق الناضرة ، ج ٢٢ ، ص ١٠ و ١١

(٤) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٢٧٦

(٥) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ١٤ و١٥

(٦) جامع المقاصد ، ٩ ، ص ١٤٣

(٧) جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ٧٧

٥٢٧

فيه كما اعترف به غير واحد وإن لم يتعرّض الأكثر في هذا المقام (١).

ويدل عليه (٢) فحوى فتاواهم ومعاقد الإجماعات في اشتراط التنجيز في الوكالة ، مع كونه من العقود الجائزة التي يكفي فيها كلّ ما دلّ على الإذن ، حتّى أنّ العلّامة (٣) ادّعى الإجماع

______________________________________________________

السبزواري والمحدّث البحراني ، فراجع كلماتهم (١).

بل عن المحقق القمي قدس‌سره التصريح بأن التعليق في الوكالة لا يضرّ بصحتها (٢).

(١) يعني : أنّ أكثر الفقهاء لم يتعرّضوا لشرطية التنجيز في خصوص عقد البيع ، ولكن يستفاد من كلماتهم في أبواب متفرّقة ـ كالوقف والهبة والنكاح والوكالة وغيرها ـ تسالمهم على الاشتراط.

(٢) أي : على اشتراط التنجيز ، وهذا إشارة إلى المقام الثالث وهو بيان الدليل على توقف صحة العقد على عدم تعليقه على شرط أو صفة ، وقد تعرّض المصنف قدس‌سره أوّلا لكون المسألة إجماعية ، وثانيا للوجه الذي استند إليه المجمعون.

أمّا أصل اتفاقهم على الاشتراط في باب البيع فيستفاد من فحوى شرطيته عندهم في عقد الوكالة مع كونه من العقود الإذنية التي لا يعتبر في إنشائها ما يعتبر في إنشاء العقود اللازمة كالماضوية والموالاة بين الإيجاب والقبول ، فإذا توقّفت صحة الوكالة على تنجيزها كان توقّف صحة البيع والنكاح ـ ونحوهما من العقود اللازمة ـ عليه بالأولوية القطعية.

وأمّا وجه الاشتراط فهو منافاة التعليق للجزم حال الإنشاء ، وسيأتي بيانه.

(٣) مقصوده قدس‌سره من الاستشهاد بكلام العلّامة قدس‌سره إثبات وضوح شرطية التنجيز ـ ومبطلية التعليق ـ في عقد الوكالة التي يكفي فيها كلّ ما دلّ على الإذن. وبيانه : أنّ تعليق الوكالة مبطل ، بخلاف تعليق الموكّل فيه ، مع اشتراكهما في الإناطة

__________________

(١) : مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ص ٥٣٣ و٥٣٤ ، كفاية الأحكام ، ص ١٢٨ ، الحدائق الناضرة ، ج ٢٢ ، ص ١٠ و١١

(٢) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ٣٠٧

٥٢٨

على ما حكي (١) عنه على عدم صحة أن يقول الموكّل : أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي وعلى صحة قوله : أنت وكيلي ، ولا تبع عبدي إلّا في يوم الجمعة مع كون المقصود واحدا (٢)

______________________________________________________

والتوقف ، فإذا قال : «أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي» كان باطلا ، لعدم فعلية التوكيل ، لفرض توقفه على حلول يوم الجمعة ، وهو معدوم حال الإنشاء. وإذا قال : «أنت وكيلي ، ولا تبع عبدي إلّا في يوم الجمعة» صحّ ، لفعلية التوكيل وإن كان التصرّف الموكّل فيه استقباليا.

والفارق بين المثالين ـ مع اشتراكهما في التعليق ـ أنّ المعلّق في الأوّل هو أصل مضمون العقد وهو التوكيل والإذن ، والمفروض اشتراط العقود بالتنجيز. وهذا بخلاف المثال الثاني ، فإنّ المعلّق ليس أصل التوكيل ، بل الموكّل فيه. ولو لا دخل التنجيز تعبّدا في العقود لكان اللازم التسوية بين المثالين بصحتهما معا أو بطلانهما كذلك. إلّا أن الدخل التعبدي اقتضى بطلان الأوّل وصحة الثاني.

(١) الحاكي لهذه العبارة عن العلّامة جمع منهم الشهيد الثاني والمحقق الأردبيلي والسيد الفقيه العاملي قدس‌سرهم (١) وهو حكاية بالمعنى ، لا لنصّ كلامه ، قال في التذكرة : «لا يصحّ عقد الوكالة معلّقا بشرط أو وصف ، فإن علّقت عليهما بطلت ، مثل أن يقول : إن قدم زيد ، أو : إذا جاء رأس الشهر فقد وكّلتك ، عند علمائنا .. والفرق ظاهر بين تنجيز العقد وتعليق التصرف ، وبين تعليق العقد. إذا ثبت هذا فلا خلاف في تنجيز الوكالة وتعليق العقد ، مثل أن يقول : وكّلتك في بيع العبد ولا تبعه إلّا بعد شهر ، فهذا صحيح» (٢).

(٢) وهو الإذن في إنشاء البيع يوم الجمعة.

__________________

(١) : مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٢٤٠ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٩ ، ٥٣٣ ، مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٥٢٧

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ١١٤

٥٢٩

وفرّق (١) بينهما جماعة بعد الاعتراف بأنّ هذا في معنى التعليق «بأنّ (٢) العقود لمّا كانت متلقّاة من الشارع أنيطت بهذه الضوابط ، وبطلت فيما خرج عنها وإن أفادت فائدتها» فإذا كان الأمر كذلك (٣) عندهم في الوكالة فكيف الحال في البيع؟

وبالجملة : فلا شبهة في اتفاقهم على الحكم (٤).

وأمّا الكلام (٥) في وجه الاشتراط ، فالذي صرّح به العلّامة في التذكرة «أنّه مناف للجزم حال الإنشاء (٦)» بل (٧) جعل الشرط هو الجزم ، ثمّ فرّع عليه عدم جواز التعليق.

______________________________________________________

(١) هذا الفارق مذكور في المسالك ، قال قدس‌سره بعد نقل المثالين عن التذكرة : «وهذا وإن كان في معنى التعليق ، إلّا أنّ العقود لمّا كانت متلقّاة من الشارع أنيطت بهذه الضوابط .. إلخ». وقد تقدّم بيان الفارق بين بطلان تعليق الوكالة ، وصحة تعليق التصرف الموكّل فيه.

(٢) متعلّق بقوله : «فرّق» وهذا كلام الشهيد الثاني قدس‌سره.

(٣) يعني : فإذا كان التعليق مبطلا في عقد جائز مثل الوكالة فكيف لا يكون مبطلا في عقد لازم كالبيع؟

(٤) أي : بطلان العقد بالتعليق يكون متّفقا عليه بينهم.

(٥) مقصوده من هذا الكلام : أن اعتبار التنجيز وإن كان إجماعيا ، لاتفاقهم عليه ، لكن اشتراطه ليس تعبّدا محضا ، بل من جهة إناطة الإنشاء بالجزم ، وهو منوط بتجريده عن التعليق.

(٦) هذا نقل بالمعنى ، إذ الموجود في عبارة التذكرة «الجهل بثبوتها ـ أي المشيّة ـ حال العقد» (١). نعم في عبارة المسالك الآتية في المتن التصريح بمنافاة التعليق للإنشاء.

(٧) الوجه في الإضراب واضح ، إذ لو كان مستند اعتبار التنجيز مجرّد منافاة

__________________

(١) : تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢

٥٣٠

قال : «الخامس من الشروط : الجزم ، فلو علّق العقد على شرط لم يصحّ وإن كان الشرط المشيّة ، للجهل بثبوتها حال العقد ، وبقائها (١) مدّته. وهو أحد قولي الشافعي ، وأظهرهما عندهم الصّحة ، لأنّ هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد ، لأنّه لو لم يشأ لم يشتر» (١) انتهى كلامه.

وتبعه على ذلك الشهيد رحمه‌الله في قواعده (٢) ، قال : «لأنّ الانتقال بحكم الرّضا (٣) ، ولا رضا إلّا مع الجزم ، والجزم ينافي التعليق» (٢) انتهى.

______________________________________________________

التعليق للجزم كان ظاهرا في مانعية التعليق ، لا في شرطية التنجيز. وهذا بخلاف ما لو كان التنجيز شرطا ، فإنّ بطلان العقد بالتعليق يستند إلى فقد الشرط ، لا إلى وجود المانع ، ومن المعلوم تقدّم رتبة الشرط على عدم المانع.

وعليه فيظهر من عبارة التذكرة أمران :

أحدهما : كون التنجيز ـ المعبّر عنه بالجزم ـ هو الشرط ، لا كون التعليق مانعا.

والآخر : كون اعتبار التنجيز على طبق القاعدة ، وأنّه ليس من باب التعبد.

(١) أي : بقاء المشيّة مدّة العقد في ما لو علم ثبوتها قبل العقد ، وجهل بقاءها حال العقد.

(٢) ذكره الشهيد في قاعدة عنونها بقوله : «التكاليف الشرعية بالنسبة إلى قبول الشرط والتعليق أربعة أقسام» إلى أن قال : «الثالث : ما يقبل الشرط دون التعليق على الشرط ، كالبيع والصلح والإجارة والرّهن ، لأن الانتقال .. إلخ».

(٣) توضيحه : أنّ الانتقال وترتّب الأثر على العقد إنّما هو لأجل الرّضا فعلا بالانتقال ، ولا رضا بالانتقال مع التعليق ، لأنّه رضا تقديري لا فعلي ، ولا يحرز الرّضا الفعليّ ـ الذي أنيط به نفوذ المعاملة ـ إلّا بالجزم بالإنشاء.

وبالجملة : لا يحرز الرّضا الفعلي ـ المحكوم بالعدم بالأصل ـ إلّا بالجزم ، فالتعليق ينافيه.

__________________

(١) : تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢

(٢) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٦٥ ، رقم القاعدة : ٣٥

٥٣١

ومقتضى ذلك (١) أنّ المعتبر هو عدم التعليق على أمر مجهول الحصول (٢) كما صرّح به (٣) المحقق في باب الطلاق.

وذكر المحقق والشهيد الثانيان في الجامع والمسالك في مسألة إن كان لي فقد بعته «أنّ التعليق إنّما ينافي الإنشاء في العقود والإيقاعات

______________________________________________________

(١) يعني : ومقتضى منافاة التعليق للجزم هو اختصاص بطلان العقد بما إذا كان المعلّق عليه مجهول الحصول. وغرض المصنف قدس‌سره التنبيه على أنّ استدلال الشهيد قدس‌سره على مبطليّة التعليق بقوله : «ولا رضا إلّا مع الجزم ..» وإن كان مقتضيا ـ بإطلاقه ـ لمبطليّة التعليق سواء أكان المعلّق عليه مجهول الحصول أم معلومة ، إلّا أنّ الشهيد قدس‌سره صرّح في كلامه الآتي بأنّه لا مانع من تعليق العقد على أمر معلوم الحصول سواء أكان حاليا أم استقباليا ، فالحالي كما إذا قال المالك : «إن كان لي فقد بعته» والاستقبالي كما إذا قال : «بعتك إن قدم يوم الجمعة» فالتعليق فيهما غير قادح ، لفعلية رضاه بالبيع.

وعليه يختص البطلان بما إذا كان المعلّق عليه مجهول الحصول ، كقوله : «بعتك إن قدم زيد من السّفر» مع عدم إحراز مجيئه.

(٢) إذ مع العلم بحصوله يكون التعليق صوريّا ، فالرّضا الفعلي محرز.

(٣) يعني : صرّح المحقق بأنّ المعتبر هو عدم التعليق على أمر مجهول الحصول ، قال قدس‌سره في كتاب الطلاق : «ويشترط في الصيغة تجريدها عن الشرط والصفة في قول مشهور ، لم أقف فيه على مخالف منّا» إلى أن قال : «تفريع : إذا قال : أنت طالق في هذه الساعة إن كان الطلاق يقع بك ، قال الشيخ قدس‌سره : لا يصح ، لتعليقه على الشرط. وهو حق إن كان المطلق لا يعلم. أمّا لو كان المطلق يعلمها على الوصف الذي يقع معه الطلاق فينبغي (*) القول بالصحة ، لأنّ ذلك ليس بشرط ، بل أشبه بالوصف وإن كان بلفظ الشرط» (١).

__________________

(١) : شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٨ و١٩

٥٣٢

حيث (١) يكون المعلّق عليه مجهول الحصول (٢)» (١).

لكن (٣) الشهيد في قواعده ذكر في الكلام المتقدم «أنّ الجزم ينافي التعليق

______________________________________________________

(١) ظرف لقوله : «انما ينافي» وهذا تقريب المنافاة وموردها ، وحاصله : أنّ منافاة التعليق للإنشاء إنّما تكون في التعليق على أمر مجهول الحصول ، لأنّه مع العلم بحصوله لا تعليق حقيقة وإن كان تعليقا صورة.

(٢) فإذا كان المعلّق عليه معلوم الحصول ـ ولو في المستقبل ـ لم يقدح في صحة الإنشاء.

والأولى نقل جملة من كلام الشهيد الثاني في شرح قول المحقق «وطريق التخلّص أن يقول الموكّل : إن كان لي فقد بعته من الوكيل ، فيصح البيع ، ولا يكون هذا تعليقا للبيع على الشرط ، ويتقاصّان» فقال في المسالك : «إنّما لم يكن ذلك شرطا ـ مع كونه بصيغته ـ لأنّ الشرط المبطل ما أوجب توقف العقد على أمر يمكن حصوله وعدمه. وهذا أمر واقع يعلم الموكّل حاله ، فلا يضرّ جعله شرطا. وكذا القول في كل شرط علم وجوده ، كقول البائع يوم الجمعة مع علمه به : إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك بكذا».

والمستفاد منه صحة التعليق في ما كان المعلّق عليه متحقّقا خارجا ، مثل كون المبيع مملوكا له.

(٣) غرضه من هذا الاستدراك التنبيه على اختلاف الشهيدين قدس‌سرهما في مورد منافاة التعليق للجزم ، فالشهيد الأوّل جوّز التعليق في مورد واحد ، وهو كونه معلوم الحصول حال الإنشاء ، كما في مثل : «إن كان لي فقد بعته» مع كونه مملوكا له ، فلو كان المعلّق عليه معلوم الحصول في المستقبل لم يصحّ.

ولكن ظاهر الشهيد الثاني صحّته إذا علم وجوده ، حيث قال في عبارته المتقدّمة آنفا : «وكذا القول في كل شرط علم وجوده». لكن عموم هذه العبارة

__________________

(١) : جامع المقاصد ، ج ٨ ، ص ٣٠٥ ، مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ٢٧٦

٥٣٣

لأنّه بعرضة عدم الحصول ـ ولو قدّر العلم بحصوله كالتعليق على الوصف (١) ـ لأن (٢) الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه (٣) ، فاعتبر المعنى العام (٤) دون خصوصيات الأفراد».

ثم قال : «فإن قلت : فعلى هذا (٥) يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل : إن كان لي فقد بعته منك بكذا.

______________________________________________________

للشرط غير الموجود فعلا محل تأمّل.

(١) عبارة القواعد هكذا : «ولو قدّر علم حصوله كالمعلّق على الوصف ..».

(٢) تعليل لمنافاة التعليق للإنشاء وإن كان المفروض العلم بحصوله كالتعليق على الوصف. وحاصل تقريبه : أنّ جنس الشرط بحسب الوضع الأوّلي ـ مع الغضّ عن الخصوصيات الخارجية المنوّعة الموجبة للتفصيل في منافاة الشرط للإنشاء بين الوجود والعدم ـ ينافي الجزم المعتبر في الإنشاء.

وبعبارة أخرى : اعتبار عدم التعليق في العقد إنّما هو بلحاظ جنس الشرط بمعناه العام الساري في جميع الأفراد ، لا الشرط بلحاظ خصوصياته النوعية والشخصية ، فأداة الشرط تخرج الإنشاء عن الإرسال وتجعله منوطا بشي‌ء ، مهما كان المعلّق عليه.

(٣) المراد بأنواع الشرط هو معلوم الحصول في الحال أو في الاستقبال ، ومجهوله كذلك ، فإنّ الشرط في جميع موارده محتمل الحصول والعدم. نعم إذا كان معلوم التحقق حال الإنشاء صحّ ، لكون التعليق صوريّا لا جدّيا.

(٤) يعني : أنّ المعتبر هو مانعية الشرط ومنافاته للجزم ـ بما هو شرط ـ مع الغضّ عن كون المعلّق عليه حاصلا حين الإنشاء أم لا.

(٥) أي : فبناء على تقدير كون المناط في مبطلية التعليق جنس الشرط يلزم بطلان العقد حتى في قوله في صورة إنكار التوكيل : «إن كان لي فقد بعته منك» ممّا كان التعليق على أمر معلوم الوجود في ظرف الإنشاء. والحال أنّه صحيح ، فيستكشف من ذلك أنّ المدار على خصوصيات الشرط لا جنسه ، إذ المفروض وجود الجنس.

٥٣٤

قلت (١) : هذا تعليق على واقع ، لا متوقع الحصول ، فهو (٢) علّة للوقوع أو مصاحب له (٣) ، لا معلّق عليه الوقوع.

وكذا نقول (٤) لو قال في صورة إنكار وكالة التزويج ، وإنكار التزويج

______________________________________________________

وأمّا كون التعليق هنا على أمر معلوم الوجود فلقوله في الجواب : «إنّ هذا تعليق على واقع» يعني على أمر يعلمان أنّه واقع في ظرف الإنشاء ، ضرورة أنّ مجرّد وقوعه في ظرف الإنشاء في الواقع ـ بدون العلم به ـ لا يمنع عن الترديد ، ومعه يبقى التنافي ـ بين التعليق عليه وبين الجزم ـ على حاله.

(١) محصّل هذا الجواب : أنّ التعليق هنا صوري لا حقيقة له ، لأنّ التعليق الحقيقي منوط بعدم العلم بتحقق المعلّق عليه حين الإنشاء ، فمرجع قوله : «إن كان لي فقد بعته» إلى قوله : «لمّا كان لي فقد بعته».

والحاصل : أنّ العبرة بجنس الشرط ، لكن يعتبر فيه الجهل بتحقق المعلّق عليه وترقّب حصوله ، وهنا لا ترقّب ، إذ لا جهل.

(٢) يعني : أنّ وجود المعلّق عليه واقعا علّة لوقوع المنشإ ـ أي البيع ـ الذي أنشأه بقوله : «إن كان لي فقد بعته» فمملوكية المبيع فعلا علّة لوقوع البيع بهذا الإنشاء المزبور.

(٣) معطوف على «علّة» يعني : أنّ مملوكية المال ليست علّة لوقوع البيع ، وإنّما تكون مصاحبة للعلّة ، إذ العلّة هي إرادة البيع ، ويصحبها مملوكية المال.

(٤) يعني : يصح التعليق في مثالين آخرين ، أحدهما : إذا تنازع رجل وامرأة في الزوجية ، فادّعتها المرأة وأنكرها الرجل ، فتنحلّ المرافعة بأن يقول الرّجل : «إن كانت زوجتي فهي طالق» فيقع الطلاق ـ على تقدير تحقق الزوجية واقعا ـ مع كونه معلّقا. ولا يقدح هذا التعليق ، لأنّ المعلّق عليه ـ وهو الزوجية ـ متحقق في وعاء الاعتبار ، وليس متوقع الحصول كما في قدوم زيد من السفر. هذا إذا كان أصل التزويج ثابتا. وأمّا إذا لم تكن بينهما علقة كان الطلاق المزبور لغوا ، من جهة انتفاء الموضوع.

٥٣٥

حيث تدّعيه (١) المرأة : إن كانت زوجتي فهي طالق» (١) انتهى كلامه رحمه‌الله.

وعلّل العلامة في القواعد صحّة ـ إن كان لي فقد بعته ـ «بأنه (٢) أمر واقع يعلمان وجوده ، فلا يضرّ جعله شرطا. وكذا كلّ شرط علم وجوده ، فإنّه (٣) لا يوجب شكّا في البيع ، ولا وقوفه (٤)» انتهى (٢).

وتفصيل الكلام (٥) : أنّ المعلّق عليه إمّا أن يكون معلوم التحقّق ، وإمّا

______________________________________________________

ثانيهما : إذا تنازع الرّجل والمرأة ، فادّعت أنّ الرّجل وكّل شخصا في أن يزوّجني منه ، وقد تزوّجت به ، وأنكر الرّجل هذه الوكالة ، فيصحّ أن يقول : «إن كانت زوجتي فهي طالق» على ما تقدّم في المثال الأوّل.

(١) بأن ادّعت التزويج أو التوكيل فيه.

(٢) هذا نقل بالمعنى ، وإلّا فعبارة القواعد هكذا : «فإن قال : إن كانت الجارية لي فقد بعتكها ، أو قال الموكّل : إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها ، فالأقرب الصحة ، لأنّه أمر واقع يعلمان وجوده ..» الى آخر ما في المتن.

(٣) يعني : أنّ الشرط المعلوم وجوده لا يوجب شكّا ولا ترديدا في إنشاء البيع.

(٤) يعني : لا يوجب هذا التعليق توقّف البيع على ذلك المعلّق عليه ، إذ العلم بحصوله حال البيع يوجب كون التعليق صوريّا لا حقيقيّا.

(٥) بعد أن أشار المصنف قدس‌سره إلى جملة من كلمات الفقهاء وما استدلّوا به على شرطية التنجيز تعرّض للمقام الرابع المتكفّل لتحقيق المسألة موضوعا ومحمولا ، وأفاد فيه مطالب ثلاثة :

الأوّل : في ذكر أقسام التعليق بالنظر إلى المعلّق عليه ، وبيان حكم كلّ منها.

الثاني : في تحقق الوجوه المستدل بها على اعتبار التنجيز.

الثالث : في حكم تردّد المنشئ وعدم جزمه بتحقق شرط الصحة ، وسيأتي تفصيل الأخيرين بتبع المتن. فنقول وبه نستعين وبوليه صلوات الله وسلامه عليه وآله نستجير :

__________________

(١) : القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ٦٦

(٢) قواعد الأحكام ، ص ١٠٥ (الطبعة الحجرية)

٥٣٦

يكون محتمل التحقق. وعلى الوجهين فإمّا أن يكون تحقّقه ـ المعلوم أو المحتمل ـ في الحال أو المستقبل.

______________________________________________________

المطلب الأوّل في أقسام التعليق ، ومحصله : أنّ المعلّق عليه إمّا معلوم الحصول ، أو مشكوك الحصول ، وعلى كلّ منهما فإمّا أن يكون المعلّق عليه ممّا يتوقف عليه صحة العقد شرعا ، أو يكون أجنبيا عن العقد ، فالمجموع ثمانية أقسام.

أمّا التعليق على مصحّح العقد ـ كشرائط العوضين والمتعاقدين بالنسبة إلى البيع ـ فكالموارد الأربعة التي ذكرها في المتن.

أوّلها : قابلية المبيع للتملّك وللبيع شرعا ، بأن لا يكون ساقطا عن المالية كالخمر والخنزير.

ثانيها : قابلية المبيع للإخراج عن ملك البائع بعد الفراغ عن ملكيته ، كعدم كون الأمة أمّ ولد ، وعدم كونه وقفا ولا رهنا.

ثالثها : قابلية المشتري للتملّك ، بأن لا يكون عبدا مملوكا لا يقدر على شي‌ء.

رابعها : قابلية المشتري للمعاملة معه ـ بعد كونه مالكا ـ بأن لا يكون صبيّا.

فإذا قال : «بعتك هذا بشرط أن لا يكون خمرا» أو «بعتك هذه الأمة على أن لا تكون أمّ ولد» أو «بعتك هذا على أن تكون حرّا» أو «بعتك على أن لا تكون صغيرا» كان المعلّق عليه ممّا يتوقف صحة العقد عليه. وفي كل واحد من هذه الأمثلة تقادير أربعة ، إذ المعلّق عليه إمّا معلوم الحصول في الحال أو في الاستقبال ، وإما مجهول الحصول كذلك.

وأمّا الصور الأربع التي يصرّح فيها بالتعليق ولم يكن المعلّق عليه دخيلا في صحة العقد ، فقد ظهرت مما تقدّم عند نقل الأقوال ، كما إذا باع ماله معلّقا على مجي‌ء زيد أو طلوع الشمس ، فإن المجي‌ء والطلوع ليسا من شرائط صحة البيع ، فإذا علّق البيع عليهما فإمّا أن يكونا معلوم الحصول حال الإنشاء ، وإمّا في الاستقبال ، وإمّا أن يشك في الحصول في الحال أو في الاستقبال. فهذه صور أربع.

هذا كلّه في صور التصريح بالتعليق. وزاد المصنف قدس‌سره ما إذا كان التعليق لازما

٥٣٧

وعلى التقادير فإمّا أن يكون الشرط ممّا يكون مصحّحا للعقد ، ككون (١) الشي‌ء ممّا يصحّ تملّكه شرعا ، أو ممّا (٢) يصحّ إخراجه عن الملك كغير أمّ الولد وغير الموقوف ونحوه (٣) ، وكون (٤) المشتري ممّن يصح تملكه شرعا ، كأن لا يكون عبدا ، وممّن يجوز العقد معه (٥) بأن يكون بالغا.

______________________________________________________

للكلام وإن لم يصرّح فيه بأداة الشرط ، كما إذا قال : «بعتك هذا يوم الجمعة» بأن يكون ظرف حصول الملكية للمشتري هو يوم الجمعة ، فيجري فيه ما تقدّم من أنّ الإنشاء إن كان في يوم الجمعة فالمعلّق عليه محرز الحصول في الحال ، وإن كان يوم الخميس فالمعلّق عليه محرز الحصول في الاستقبال.

هذا إجمال صور التعليق ، وسيأتي بيان أحكامها عند شرح كلمات المصنف قدس‌سره إن شاء الله تعالى.

(١) قد عرفت أنّ المذكور في المتن ـ من شرائط الصحة ـ أمور أربعة.

أوّلها : قابلية المبيع للتملّك ، وعدم إلغاء ماليّته العرفية ، بأن لا يكون خمرا ولا خنزيرا ، فإذا قال : «بعتك هذا على أن لا يكون خمرا» كان المعلّق عليه ممّا يتوقف صحة العقد عليه شرعا.

(٢) هذا ثاني الأمور التي تتوقف صحة العقد عليها شرعا.

(٣) ممّا لا يكون المال ملكا طلقا لأحد المتبايعين ، كبيع الراهن العين المرهونة بدون إذن المرتهن ، كأن يقول : «بعتك هذا على أن لا يكون رهنا».

(٤) معطوف على «كون» في قوله : «ككون الشي‌ء» وهذا ثالث الأمور ، وهو قابلية المشتري للتملّك بأن لا يكون عبدا ولا كافرا حربيّا.

(٥) هذا رابع الأمور المعتبرة شرعا في البيع ، وهو بلوغ المتعاقدين ، فإنّ الصبي مسلوب العبارة ، بأن يقول البائع : «بعتك على أن تكون بالغا».

ونظير هذه الأمور الأربعة الدخيلة في الصحة ما تقدّم من تعليق الطلاق على زوجية المرأة ، كما إذا قال : «إن كانت هند زوجتي فهي طالق» وأنه من التعليق على واقع لا على متوقّع.

٥٣٨

وإمّا (١) أن لا يكون كذلك (٢).

ثمّ التعليق إمّا مصرّح به (٣) ، وإمّا لازم من الكلام ، كقوله : «ملّكتك هذا بهذا يوم الجمعة» وقوله في القرض والهبة : «خذ هذا بعوضه (٤)» أو «خذه بلا عوض يوم الجمعة (٥)» فإنّ التمليك (٦) معلّق على تحقق الجمعة في الحال أو في

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «فإما أن يكون الشرط ممّا يكون مصحّحا للعقد».

(٢) بأن يكون أجنبيا عن المصحّح للعقد ، كأن يقول : «بعتك هذا المتاع إن صلّيت صلاة الليل» فإن هذا الشرط ليس من شروط صحة البيع.

(٣) قد عرفت صور صراحة التعليق ، وأمّا التعليق المستفاد من الدلالة الالتزامية فالمستفاد من المتن أنّ له صورتين :

إحداهما : أن يتضمّن الإنشاء ظرفا ، مثل «اليوم ، وعند ، وحين» ونحوها ، كما إذا قال : «بعتك هذا بهذا يوم الجمعة» فإنّ البيع معلّق على تحقق يوم الجمعة إمّا في الحال كما إذا كان زمان الإنشاء يوم الجمعة ، أو في الاستقبال كما إذا كان الإنشاء يوم الخميس.

ثانيتهما : أن يكون لا يتضمّن الإنشاء ظرفا ، وإنّما يستفاد التعليق من توقف صحة البيع على أمر واقعي كالملكية ، كما إذا باع الولد مال والده بظنّ موته حتى ينتقل إليه ، ويخرج عن الفضول ، فيقول : «بعتك هذا بكذا» فإنّ توقف صحة البيع على مملوكية المبيع ـ أو ملك أمر البيع ـ أمر واقعي سواء علّق الإنشاء عليه بأن يقول : «بعتك إن كان لي» أم لم يعلّق عليه.

(٤) أي : «خذ هذا بعوضه يوم الجمعة» وهذا تعليق القرض ـ بالدلالة الالتزامية ـ على يوم الجمعة ، وهو من التعليق على أمر معلوم الحصول في الحال إن كان ظرف الإنشاء يوم الجمعة ، أو في الاستقبال إن كان الإنشاء قبل الجمعة.

(٥) هذا مثال تعليق الهبة بما ليس صريحا.

(٦) يعني : فإنّ التمليك ـ بالقرض أو بالهبة ـ وإن كان منجّزا ، لعدم التصريح بأداة

٥٣٩

الاستقبال. ولهذا (١) احتمل العلّامة في النهاية وولده في الإيضاح بطلان بيع الوارث لمال مورّثه بظنّ موته ، معلّلا «بأنّ العقد وإن كان منجّزا في الصورة ، إلّا أنّه معلّق ، والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك» (١).

فما كان منها معلوم الحصول (٢) حين العقد فالظاهر أنّه غير قادح ، وفاقا

______________________________________________________

الشرط ، لكنه معلّق واقعا على تحقق الجمعة في الحال أو في الاستقبال.

(١) أي : ولأعمية التعليق من الصريح والضمني احتمل العلّامة وولده قدس‌سرهما بطلان بيع الوارث مال مورّثه بظنّ موته. قال العلّامة : «ولو باع مال أبيه بظنّ أنّه حيّ وهو فضولي ، فبان أنّه كان ميّتا حينئذ ، وأنّ المبيع ملك للعاقد ، فالأقوى الصحة ، لصدوره من المالك» ثم فرّق قدس‌سره بين إخراجه زكاة فيبطل ، وبيعه فيصح ، لعدم توقف البيع على النيّة ، ثم قال : «ويحتمل البطلان ، لأنّه وإن كان العقد منجّزا في الصورة ، إلّا أنّه في المعنى معلّق ، وتقديره : إن مات مورثي فقد بعتك. ولأنّه كالعابث عند مباشرة العقد ، لاعتقاده أنّ المبيع لغيره» ونحوه كلام فخر المحققين ، فراجع.

هذا تمام الكلام في ذكر صور التعليق ، وسيأتي بيان أحكامها إن شاء الله تعالى.

(٢) يعني : معلوم الحصول مطلقا سواء توقف عليه صحة العقد أم لا. وهذا شروع في بيان حكم الأقسام المتقدمة ، فأفاد عدم قدح التعليق في صورتين ، ويجمعهما كون المعلّق عليه معلوم التحقق حين العقد مطلقا ، سواء أكان من قبيل ما هو مصحّح للعقد أم لا ، كما إذا قال : «إن كان لي فقد بعتك» مع كونه ملكا له أو قال : «بعتك إن كان اليوم الجمعة» مع كون يوم الإنشاء الجمعة.

والوجه في صحة العقد : ما تقدّم في كلام جمع من أن التعليق فيها صوري ، وأنّه تعليق على واقع لا على متوقّع ، فشرط الصحة ـ وهو الجزم بالإنشاء ـ متحقق بالفعل.

__________________

(١) : نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٦ و٤٧٧ ، إيضاح الفوائد ج ١ ، ص ٤٢٠

٥٤٠