هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

ويدل عليه ـ مضافا إلى ما ذكر (١) ، وإلى كونه (٢) خلاف المتعارف من العقد ـ أنّ (٣) القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة فرع الإيجاب ، فلا يعقل تقدّمه عليه.

______________________________________________________

ذلك على أنّ حكم المقيس عليه مما قام عليه الإجماع» (١).

والأمر كما أفاده قدس‌سره لعدم الظفر بالإجماع في هذه المسألة من نكاح التذكرة ، وإنّما هو نفي البأس عمّا قاله أحمد. ولم أعثر على حكاية الإجماع في بيع مفتاح الكرامة والجواهر أيضا ، ولم يظهر معتمد المصنف قدس‌سره في نسبة الإجماع إلى العلّامة قدس‌سره.

(١) وهو نفي الخلاف المتقدّم بقوله : «بل المحكي عن الميسيّة .. أنه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ : قبلت». وكذا الإجماع المحكي عن التذكرة ، بناء على صحة الحكاية.

(٢) أي : وإلى كون تقديم القبول على الإيجاب خلاف المتعارف.

(٣) هذا في محلّ الرفع على أنه فاعل «يدل عليه» وهذا الوجه الثالث ، وهو العمدة في اعتبار تأخّر مثل «قبلت» عن الإيجاب ، لكون القبول متفرّعا على الإيجاب ومبنيّا عليه ، فلا يتقدم عليه.

وتوضيح كلام المصنف قدس‌سره هو : أنّ القبول العقدي متقوم بأمرين ، أحدهما الرّضا بالإيجاب ، والآخر إنشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب تبعا لنقل الموجب ماله إلى القابل. وبهذه الملاحظة يكون القبول فرع الإيجاب ، بمعنى : كون تمليك الثمن تابعا لتمليك المبيع. وهذا المعنى من القبول لا يتحقق إلّا إذا تأخّر عن الإيجاب ، فلفظا : «قبلت ورضيت» إذا تقدّما على الإيجاب لا يحصل المعنى المزبور بهما.

وببيان أوضح : أنّ القبول ـ الذي هو أحد ركني العقود المعاوضية ـ يدلّ بالمطابقة على تملّك مال الموجب ، وبالالتزام على تمليك مال نفسه إلى الموجب بعنوان العوضية التي دلّ عليها حرف الباء في «ملّكتك هذا بهذا». ولأجله يعتبر في القبول أمران :

__________________

(١) : غاية الآمال ، ص ٢٤٤ و٢٤٥

٤٤١

وليس (١) المراد من هذا القبول الذي هو ركن العقد مجرّد الرّضا بالإيجاب حتى يقال : إنّ الرضا بشي‌ء لا يستلزم تحققه (٢) قبله ، فقد يرضى الإنسان بالأمر المستقبل. بل المراد منه (٣) الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله

______________________________________________________

الأوّل : الرّضا بإيجاب الموجب المقتضي لنقل ماله إلى القابل بعوض.

الثاني : أن ينشئ القابل تمليك ماله للموجب ـ في حال إنشاء القبول ـ بعنوان كونه رضا بنقل الموجب.

وعلى هذا فإن تقدّم الإيجاب اجتمع هذان الأمران في القبول المتأخر ، سواء أكان بلفظ «قبلت» أم بسائر ألفاظه. لأنّ المشتري ينشئ تملكه للمبيع ، وينقل مال نفسه ـ في حال قبوله ـ على وجه العوضية إلى الموجب ، ويتحقق معنى المعاوضة.

وأمّا إذا تقدّم القبول على الإيجاب فلا يتحقق إلّا الأمر الأوّل ، وهو أصل الرّضا بتمليك الموجب ماله للقابل ، لإمكان تعلق الرضا بما مضى وبما يأتي ولم يتحقق الأمر الثاني ، وذلك لأنه لم ينتقل بعد الى القابل شي‌ء حتى يتضمن قبوله تمليك مال نفسه إلى الموجب بعنوان العوضية ، فيصير القبول المتقدّم لغوا ، إذ لم ينشأ نقل مال إلى القابل حتى ينشئ هو تمليك مال نفسه إلى الموجب. وبهذا تصح دعوى فرعيّة القبول على الإيجاب.

(١) هذا إلى قوله : «بالأمر المستقبل» إشارة إلى دليل القائل بجواز تقدم القبول على الإيجاب ، ومحصله : أنّ القبول ليس إلّا الرّضا بالإيجاب ، ومن المعلوم إمكان تعلّق الرضا النفساني المبرز ب «قبلت» بكلّ قول ، سواء تحقق في الزمان السابق على الرضا ، أم في الحال أم في المستقبل.

(٢) أي : تحقق الشي‌ء المرضي قبل تحقق نفس الرضا الذي هو صفة نفسانية منشأة بقوله : «قبلت».

(٣) أي : بل المراد من القبول هو الرّضا بالإيجاب بحيث .. إلخ. وهذا جواب

٤٤٢

في الحال (١) إلى الموجب على وجه العوضية ، لأنّ (٢) المشتري ناقل كالبائع.

وهذا (٣) لا يتحقق إلّا مع تأخّر الرّضا عن الإيجاب ، إذ مع تقدمه لا يتحقق النقل في الحال (٤) ، فإنّ من رضي بمعاوضة ينشئها الموجب في المستقبل لم ينقل (٥) في الحال ماله إلى الموجب ، بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشأها الموجب سابقا ، فإنّه (٦) يرفع بهذا الرّضا يده من ماله ، وينقله إلى غيره على وجه العوضية.

ومن هنا (٧) يتضح فساد ما حكي عن بعض المحققين (٨) في ردّ الدليل

______________________________________________________

الاستدلال ، ومحصله : أنّ القبول رضا متفرع على الإيجاب ، لا مطلقا حتى يمكن تحققه قبله.

(١) أي : في حال القبول ، يعني : أنّ القبول يدلّ بالمطابقة على تملك مال الموجب ، وبالتضمن على تمليك مال نفسه له بعنوان كونه عوضا.

(٢) تعليل لدلالة القبول تضمّنا على تمليك العوض للموجب ، وأنّه ليس مجرّد تملّك المعوّض ، وهذا مفاد قوله : «على وجه يتضمّن».

(٣) أي : المعنى المذكور للقبول ـ أعني المتضمن للنقل والتمليك ـ لا يحصل إلّا مع تأخّر الرّضا عن الإيجاب.

(٤) أي : في حال إنشاء القبول المتقدم على الإيجاب ، لعدم حصول المتبوع ـ وهو نقل الموجب ـ حال إنشاء القبول حتى يملّكه القابل بعنوان العوضية.

(٥) بل سينقل القابل ـ في المستقبل بعد إنشاء الإيجاب ـ ماله إلى الموجب. فلا نقل فعلا في القبول المتقدّم على الإيجاب.

(٦) أي : فإنّ القابل يرفع ـ برضاه بالإيجاب المتقدم ـ يده عن ماله.

(٧) أي : من أنّ القبول هو الرّضا بالإيجاب ـ على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب ـ يتضح فساد .. إلخ.

(٨) وهو السيد بحر العلوم قدس‌سره ، على ما في مفتاح الكرامة ، قال السيد العاملي قدس‌سره

٤٤٣

المذكور ـ وهو (١) كون القبول فرع الإيجاب وتابعا له ـ وهو (٢) : «أن تبعية

______________________________________________________

في تصحيح تقديم القبول على الإيجاب : «أو يقال : إنّ تبعيّة القبول للإيجاب إنّما هي على سبيل الفرض والتنزيل ، لا تبعية اللفظ للفظ حتى يمتنع التقديم عقلا ، ولا القصد للقصد ..» إلى آخر ما نقله في المتن ، ثم قال السيد : «وهذا قد ذكره الأستاد دام ظله منذ سنين. فكان الأقرب عدم الاشتراط» (١).

(١) أي : أنّ الدليل المذكور هو فرعيّة القبول للإيجاب.

(٢) أي : وردّ الدليل المذكور أن تبعية .. إلخ ، وهذا تقريب الردّ الذي حكي عن السيد بحر العلوم قدس‌سره ، والمستفاد من كلامه فرض أنحاء ثلاثة لتبعية شي‌ء لشي‌ء آخر ، ويعتبر تقدّم المتبوع في اثنين منها.

الأوّل : تبعية لفظ للفظ آخر ، وهو مخصوص بباب التوابع المذكورة في علم النحو ، كتبعية المعطوف للمعطوف عليه ، والصفة للموصوف ، وهكذا.

الثاني : تبعية قصد لقصد آخر ، مثل ما ذكروه في بحث مقدمة الواجب ، من تبعية قصد التقرب بالمقدمة لقصد التوصّل بها إلى ذيها ، بناء على اعتبار قصد التوصّل في اتصاف المقدمة بالمقدمية ، فلو لم يقصد التوصّل بها إلى ذيها امتنع قصد التقرّب بالمقدمة ، لعدم اتّصافها بالمقدمية بدون قصد التوصّل حتى يتقرّب بها.

الثالث : تبعية شي‌ء لشي‌ء فرضا لا حقيقة ، يعني : أنّ للتابع وجودا مستقلّا غير متقوّم بوجود المتبوع ، ولكنه يفرض أحدهما متبوعا والآخر تابعا.

إذا اتّضحت أنحاء التبعية فاعلم : أنّ تقدّم المتبوع على تابعه معتبر في القسمين الأوّلين ، دون القسم الثالث. أمّا تقدم المتبوع في القسم الأوّل فلأن الصفة والحال ونحوهما تكون بيانا لملابسات متبوعاتها ، فلا معنى لذكرها مقدّما على الموصوف وذي الحال.

وأمّا تقدم أحد القصدين على الآخر في القسم الثاني فلما عرفت من أنّه عقلي.

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦٥

٤٤٤

القبول للإيجاب ليس تبعية اللفظ للفظ (١) ولا القصد للقصد حتى يمتنع تقديمه ، وإنّما هو على سبيل الفرض والتنزيل ، بأن يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقى إليه من الموجب ، والموجب مناولا ، كما يقول السائل في مقام الإنشاء : أنا راض بما تعطيني ، وقابل لما تمنحني ، فهو متناول قدّم (٢) إنشاءه أو أخّر. فعلى هذا (٣) يصح تقديم القبول ولو بلفظ قبلت ورضيت إن لم يقم إجماع (٤) على خلافه» انتهى.

______________________________________________________

وأمّا عدم لزوم التقدم في القسم الثالث ـ وهو تبعية القبول للإيجاب ـ فلأنّ القابل يفرض نفسه متناولا لما يأخذه من الموجب ، والموجب يفرض نفسه مناولا لما يأخذه القابل ، وإلّا فكلّ منهما يعطي شيئا ويأخذ بدله.

وحيث كانت تبعية القابل للموجب بالتنزيل والادّعاء ـ لا بالحقيقة ـ أمكن تقدم إنشاء الرّضا بالإيجاب قبل تحققه خارجا. ونظيره إنشاء السائل رضاه بما سيعطيه المسؤول ، فهو يفرض نفسه متناولا قبل أن يناوله المسؤول مالا.

ونتيجة هذا البيان : جواز تقديم القبول على الإيجاب ، إذ ليس الإيجاب أصلا حقيقة والقبول فرعا كذلك حتى يمتنع تقدم الفرع على الأصل ، إذ الفرعية تكون بمحض الفرض والتنزيل ، هذا.

(١) قد عرفت آنفا تبعية اللفظ للفظ ، والقصد للقصد ، فإذا كانت التبعية حقيقيّة تعيّن تأخر التابع عن متبوعة.

(٢) أي : سواء قدّم السائل إنشاء رضاه بما يعطيه المسؤول أم أخّره ، فكما أنّ تقديمه لا يصيّره مناولا ومعطيا حقيقية بل هو متناول ، فكذا في عقد البيع ، فلو تقدّم القبول لم يصر القابل مناولا ، بل هو متناول على كل حال ، والمناول هو الموجب.

(٣) أي : بناء على كون تبعية القبول للإيجاب فرضيّة ـ لا حقيقية ـ يصح تقديم القبول حتى إذا كان بلفظ «قبلت» إلّا إذا منع من تقديمه الدليل التعبدي كالإجماع.

(٤) يعني : فالاستدلال بفرعية القبول باطل ، إذ لا أصل ولا فرع حقيقة. وعليه فالمعوّل في منع تقديم القبول هو الإجماع لو تمّ.

٤٤٥

ووجه الفساد (١) : ما عرفت سابقا من أنّ الرّضا بما يصدر من الموجب في المستقبل من (٢) نقل ماله بإزاء مال صاحبه ليس فيه إنشاء نقل من القابل في الحال ، بل هو رضا منه بالانتقال في الاستقبال.

وليس المراد (٣) أنّ أصل الرّضا بشي‌ء تابع لتحققه في الخارج أوّلا قبل الرّضا به حتى يحتاج إلى توضيحه بما ذكره من المثال (٤). بل المراد الرّضا الذي

______________________________________________________

(١) حاصل ما أفاده المصنف في ردّ كلام السيد بحر العلوم قدس‌سرهما هو : منع مقايسة البيع بقبول السائل لما يعطيه المسؤول. وبيانه : أنّ القبول ليس مجرّد الرّضا بالإيجاب حتى يصح تعلّقه بالمستقبل ، بل هو الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله إلى الموجب في الحال بعنوان العوضية. ومن المعلوم أنّ القبول ـ بهذا المعنى ـ يتوقف على سبق الإيجاب ، ولا يصح بدونه. وعلى هذا فعدم كون القبول تابعا للإيجاب ـ نظير تبعية الصفة للموصوف ـ لا يوجب جواز تقدمه عليه.

(٢) بيان ل «ما يصدر» يعني : إذا تقدّم القبول لم يكن رضا القابل بنقل ماله إلى الموجب فعليا ، بل هو رضاه بنقل ماله إلى الموجب في المستقبل.

(٣) يعني : أنّ السيد الأجل بحر العلوم قدس‌سره فهم من الفرعية ـ المذكورة في كلمات الأصحاب ـ تبعية الرّضا بشي‌ء لتحقق ذلك الشي‌ء خارجا ، وأنّ القبول متفرّع على وجود الإيجاب خارجا ، ولذا أورد عليهم بالنقض بما يقوله الفقير المستعطي من رضاه بإعانة من يعينه ، حيث إنّ رضاه موجود فعلا مع عدم تحقق المرضيّ بعد.

وليكن الإيجاب والقبول من هذا الباب. ولكن يرد على السيد منع هذا الاستظهار ، إذ ليس المراد بالرّضا في عقد البيع طبيعيّ الرّضا ، بل صنف خاص منه ، وهو الرّضا على وجه يتضمّن نقل مال فعلا إلى الموجب بعنوان العوضية ، ومن المعلوم ترتب هذا الرّضا على الإيجاب وتفرّعه عليه وتبعيته له.

(٤) وهو قول السيد : «كما يقول السائل في مقام الإنشاء أنا راض .. إلخ».

٤٤٦

يعدّ ركنا في العقد (١).

ومما ذكرنا (٢) يظهر الوجه في المنع عن تقديم القبول بلفظ الأمر كما لو قال : «بعني هذا بدرهم ، فقال : بعتك» لأنّ غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة

______________________________________________________

(١) وهو الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله إلى الموجب في الحال على وجه العوضية.

وبهذا أثبت المصنف قدس‌سره وجود المقتضي لمدّعاه ، وهو امتناع تقديم «قبلت ورضيت» على الإيجاب ، وبقي عليه رفع المانع ، والمانع هو دليل القائل بجواز تقديم القبول مطلقا على الإيجاب. ولكنّه أخّر بيانه وتعرّض لمنع تقديم القبول في القسم الثاني من ألفاظ القبول ، وهو الأمر ، هذا.

(٢) يعني : يظهر مما ذكرنا من وجه تأخير «قبلت» عن الإيجاب ـ الوجه في منع تقديم القبول بلفظ الأمر ، حيث إنّ القبول هو الرّضا المتضمن لنقل مال بالفعل إلى الموجب على وجه العوضية ، وهذا الدليل الجاري في إنشاء القبول بلفظ «قبلت» يجري في إنشائه بصيغة الأمر ، وبيانه : أنّ الأمر لا يدلّ على الرّضا بالإيجاب المزبور ، إذ طلب المعاوضة لا يدلّ على أزيد من الرّضا بالمعاوضة المستقبلة ، ولا يدلّ على الرّضا بالنقل في الحال إلى البائع ، فلا ينطبق مفهوم القبول على إنشائه بالأمر ، فلا يصح تقديمه على الإيجاب ، كما لا يصح إنشاء القبول بالأمر في صورة التأخّر ، لأنّه طلب للحاصل.

وبالجملة : فلا يقع القبول بلفظ الأمر مطلقا تقدّم أو تأخّر.

ولا يخفى أنّ قوله : «ومما ذكرنا يظهر الوجه .. إلخ» جملة معترضة بين الوجوه التي استدلّ بها المصنف على عدم جواز تقديم «قبلت ورضيت» وهي من قوله : «ويدلّ عليه مضافا إلى ما ذكر» الى قوله : «ومما ذكرنا يظهر الوجه» وبين بعضها الآخر ، وهو إبطال ما بقي من دليل الجواز ، وهو قوله الآتي : «وأمّا فحوى جوازه في النكاح .. إلخ» فتفطّن.

٤٤٧

على الرّضا بها ، لكن (١) لم يتحقق ـ بمجرّد الرّضا بالمعاوضة المستقبلة ـ نقل في الحال للدرهم إلى البائع كما لا يخفى.

وأمّا ما يظهر من المبسوط ـ من الاتفاق هنا (٢) على الصحة به ـ فموهون بما ستعرف من مصير الأكثر على خلافه.

وأمّا فحوى (٣) جوازه في النكاح ففيها (٤)

______________________________________________________

(١) يعني : مع أنّ المعتبر في القبول ـ الذي هو ركن العقد المعاوضي ـ إنشاء نقل ماله بالفعل بعنوان العوض ، والمفروض عدم تحقق هذا النقل الفعلي إذا كان القبول بلفظ الأمر.

(٢) أي : في باب البيع ، يعني : وأمّا ما يظهر من المبسوط ـ من الاتفاق في باب البيع على صحته بأمر المشتري ـ فموهون بما سيأتي من مصير الأكثر إلى خلافه ، فكيف يدّعى الإجماع على الصحة بالأمر؟

وغرضه قدس‌سره من التعرض لكلام شيخ الطائفة قدس‌سره الإشارة إلى ما استدلّ به على جواز تقديم القبول إذا كان بصيغة الأمر على الإيجاب ، ثم ردّه والتنبيه على ضعفه بعدم تحقق الإجماع ، لمصير الأكثر على خلافه. وعليه فالمنع من تقديم القبول في باب البيع إذا كان بصيغة الأمر غير مخالف للإجماع حتّى يشكل المصير إليه.

(٣) هذا من الوجوه الدالة على جواز تقديم القبول بصيغة الأمر والمضارع. وقد تقدم تقريب الاستدلال بالفحوى في (ص ٤٣٦) عند قوله : «وفحوى جوازه في النكاح .. إلخ» فراجع.

(٤) جواب «وأما فحوى» وقد ردّها المصنف قدس‌سره بوجهين :

الوجه الأوّل : منع الحكم في الأصل ـ وهو النكاح ـ لعدم دلالة رواية سهل على تحقق القبول بلفظ الأمر وهو قول الصّحابي : «زوّجنيها» حتى يدلّ على جواز تقديم القبول في غير النكاح بالأولوية. وجه عدم الدلالة : أنّ في رواية سهل احتمالين :

أحدهما : أن يكون قول الصحابي : «زوّجنيها» قبولا مقدّما على إيجاب النكاح

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «زوّجتكها بما معك من القرآن» وقد أقرّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا الاحتمال مبنى استفادة جواز تقديم القبول بلفظ الأمر ـ في باب البيع ـ على الإيجاب ، من باب الأولوية ، لكون الأموال دون الأعراض في الأهمية والاحتياط.

ثانيهما : أن يكون قول الصّحابي مجرّد استدعاء التزويج بالمرأة فالرّجل طلب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزوّجها منه إن لم يكن لنفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاجة بها. ومن المعلوم أنّ هذا الاستدعاء أجنبي عن تقدم قبول النكاح على إيجابه ، بل لا بد أن يكون الصّحابي أنشأ القبول بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «زوّجتك أو زوّجتكها».

ويؤيد هذا الاحتمال الثاني ما ذكره جمع من الفقهاء من أنّه لو كان قول الصحابي : «زوّجنيها» قبولا مقدّما على الإيجاب لزم تخلّل الكلام الأجنبي بين الإيجاب والقبول ، وهو محاورة النبي مع الرّجل حول الصّداق. وحيث إنّ الموالاة بين الإيجاب والقبول معتبرة في العقود تعيّن حمل رواية سهل على مجرّد الاستدعاء ، ويوهن به الاحتمال الأوّل ، ولا يبقى موضوع لاستفادة الفحوى.

الوجه الثاني : لو سلّمنا دلالة رواية سهل على صحة النكاح بالقبول المقدّم على الإيجاب قلنا بمنع أولوية البيع ـ بجواز التقديم ـ من النكاح ، وذلك لأنّ الترتيب بين الإيجاب والقبول يقتضي تقديم الإيجاب ، بلا فرق بين عقد البيع وغيره. لكن الحكمة الخاصة بباب النكاح ـ وهي أنّ الإيجاب فيه من المرأة ، وهي تستحي غالبا من الابتداء ـ اقتضت توسعة الشارع فيه وترخيصه في ابتداء الزوج بالقبول. كما وسّع الشارع للمكلّفين في جهات أخرى ، فجوّز نكاح الفضول ، والمتعة حذرا من الابتلاء بالحرام. ومن المعلوم أنّ هذه الحكمة منتفية في باب البيع ، فليس هو مساويا للنكاح في هذا الحكم فضلا عن كونه أولى منه في تقديم قبوله على إيجابه.

هذا كله إذا أريد استفادة الفحوى من رواية سهل الساعدي.

وأمّا إذا أريد استفادتها من رواية أبان فسيأتي الإشكال فيها.

٤٤٩

ـ بعد الإغماض (١) عن حكم الأصل (٢) بناء (٣) على منع (٤) دلالة رواية سهل على كون لفظ الأمر هو القبول (٥) ، لاحتمال (٦) تحقق القبول بعد إيجاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويؤيّده (٧) أنّه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الإيجاب والقبول ـ منع (٨) الفحوى. وقصور (٩) دلالة رواية أبان من حيث اشتمالها على كفاية قول المرأة :

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى أوّل الوجهين ، وقد تقدّم بقولنا : «الأوّل : منع الحكم في الأصل ..».

(٢) أي : النكاح.

(٣) وأمّا بناء على تمامية دلالة الرواية على جواز تقديم قبول النكاح على إيجابه لم يتّجه هذا الإشكال الأوّل على شيخ الطائفة ، وعليه فالإشكال مبنائيّ.

(٤) هذا تقريب الإشكال على حكم النكاح ، وحاصله : منع دلالة رواية سهل على كون لفظ الأمر قبولا لعقد النكاح ، لاحتمال تحقّق القبول بلفظ «قبلت» مثلا بعد إيجاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ثم أيّد ذلك بأنه لو لا تحقق القبول بعد إيجابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلزم فوات الموالاة بين الإيجاب والقبول ، فيبطل العقد.

(٥) أي : القبول المقدّم على الإيجاب.

(٦) تعليل لمنع دلالة رواية سهل ، وقد عرفت توضيحه.

(٧) لم يقل : «ويدلّ عليه» لاحتمال كون الرواية دليلا على عدم اعتبار الموالاة في هذا المورد.

(٨) مبتدأ مؤخّر لقوله : «ففيها» وجه منع الفحوى : ما أفاده العلّامة ـ وتبعه من تأخّر عنه ـ بقوله : «والجواب : المنع من المساواة بين النكاح والبيع ، وإنّما سوّغنا في النكاح ، لضرورة لم توجد في البيع ، وهي الحياء الحاصل للمرأة ، فلا تبادر إلى تقديم الإيجاب ، فلهذا جوّزنا تقديم القبول ، بخلاف البيع» (١).

(٩) معطوف على «منع الفحوى» وغرضه دفع توهّم ، حاصل الوهم : أنّ

__________________

(١) : مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٢ و٥٣

٤٥٠

«نعم» في الإيجاب (١).

ثم اعلم (٢) أنّ في صحة تقديم القبول بلفظ الأمر

______________________________________________________

المناقشة الأولى في رواية سهل الساعدي لا تجري في رواية أبان بن تغلب الواردة في إنشاء النكاح المنقطع بصيغة المضارع مع تقدّم القبول على الإيجاب.

وجه سلامة هذه الرواية عن المناقشة الأولى هو : أنّ الإمام عليه‌السلام علّم أبان كيفية إنشاء المتعة بأن يقول لها : «أتزوّجك متعة .. إلخ» وتقول المرأة بعده : «نعم» ولعلّ هذه الرواية صريحة في جواز تقديم القبول على الإيجاب في باب المتعة.

والاحتمال المتقدم في رواية سهل ـ من تحقق القبول بعد إيجاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : «زوّجتك» ـ غير جار في رواية أبان. وعليه يمكن الاستناد إلى هذه الرواية في استفادة الفحوى.

وقد دفع المصنف قدس‌سره هذا الوهم بما حاصله : قصور دلالة رواية أبان على تقديم قبول النكاح على إيجابه ، وذلك لما ذكره جمع من الفقهاء من أنّ قولها : «نعم» في جواب القبول المقدّم لا يكون إيجابا مؤخّرا (١). وعليه يشكل العمل بظاهر رواية أبان لمخالفتها للقاعدة المسلّمة ، وهي توقف العقد على إيجاب وقبول ، سواء تقدّم الإيجاب أم تأخّر. ففي رواية سهل الساعدي لا مانع من جعل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «زوّجتك إيّاها» إيجابا مؤخّرا ، وقول الرّجل : «زوّجنيها» قبولا مقدما ، لكون كلتا الصيغتين صريحتين في النكاح. بخلاف قولها : «نعم» في رواية أبان ، فإنّه ليس إيجابا. وحيث كانت الرواية.

مخالفة للقاعدة المسلّمة لم يمكن الأخذ بظاهرها فضلا عن استفادة الفحوى منها.

(١) يعني : والحال أنّ الاقتصار على «نعم» في إيجاب النكاح ممنوع عندهم.

(٢) بعد أن اختار ما هو التحقيق عنده من عدم جواز تقديم القبول بصيغة الأمر أراد أن ينبّه على كلمات الأصحاب فيه ، وقد تعرّض لجملة منها.

__________________

(١) : جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ٧٢

٤٥١

اختلافا كثيرا (١) بين كلمات الأصحاب ، فقال في المبسوط : «إن قال : بعنيها بألف ، فقال : بعتك صحّ. والأقوى عندي أنّه لا يصح حتى يقول المشتري بعد ذلك : اشتريت» (١).

واختار ذلك في الخلاف (٢) (٢). وصرّح به (٣) في الغنية ، فقال : «واعتبرنا حصول الإيجاب من البائع والقبول من المشتري حذرا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري ، وهو أن يقول : بعنيه بألف ، فيقول : بعتك ، فإنّه لا ينعقد حتى يقول المشتري بعد ذلك : اشتريت أو قبلت» (٣).

وصرّح به (٤) أيضا في السرائر والوسيلة (٤).

وعن جامع المقاصد (٥) «أن ظاهرهم أنّ هذا الحكم اتفاقي» (٥).

______________________________________________________

(١) الأولى إسقاط : «كثيرا» إذ ليس في المسألة أزيد من قولين ، والتعبير بالاختلاف الكثير إنّما يحسن مع كثرة الأقوال في المسألة ، والمفروض أنّه ليس في هذه المسألة إلّا قولان.

(٢) تقدّمت عبارة الخلاف في (ص ٤٣٣) فراجع.

(٣) يعني : صرّح السيد أبو المكارم ابن زهرة بعدم صحة البيع عند تقدم القبول على الإيجاب.

(٤) أي : صرّح ابنا حمزة وإدريس بعدم الصحة كما صرّح به أبو المكارم.

(٥) قال في شرح قول العلامة : «ولا الاستيجاب والإيجاب» ما لفظه : «ظاهرهم أنّ هذا الحكم اتفاقي ، وما قيل بجوازه في النكاح مستند إلى رواية ضعيفة».

__________________

(١) : المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٢ ، ص ٨٧ وهذه العبارة مذكورة في بيع المبسوط.

(٢) الخلاف ، ج ٣ ، ص ٣٩ ، المسألة : ٥٦

(٣) غنية النزوع في الأصول والفروع ، ص ٥٢٢ (الجوامع الفقهية).

(٤) الوسيلة لابن حمزة (ضمن الجوامع الفقهية) ص ٧٤٠ ، السرائر الحاوي ، ج ٢ ، ٢٤٩ و٢٥٠

(٥) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٥٩

٤٥٢

وحكي الإجماع (١) عن ظاهر الغنية أيضا أو صريحها (١).

وعن المسالك (٢) : «المشهور».

بل قيل (٣) : إنّ هذا الحكم ظاهر كلّ من اشترط الإيجاب والقبول.

ومع ذلك (٤) كلّه فقد صرّح الشيخ في المبسوط (٢) في باب النكاح بجواز

______________________________________________________

(١) الحاكي هو السيد العاملي ، حيث قال : «والإجماع ظاهر الغنية أو صريحها».

(٢) يعني : وحكي عن المسالك أنّ عدم صحة البيع ـ بتقديم القبول على الإيجاب ـ هو المشهور ، حيث قال فيه ـ في شرح كلام المحقق : «ولا ينعقد إلّا بلفظ الماضي .. وكذا في طرف القبول» ـ ما لفظه : «نبّه بذلك على خلاف ابن البرّاج ، حيث جوّزه بهما ، والمشهور خلافه» (٣).

ولا يخفى أنّ الشهيد الثاني ادّعى الشهرة في مسألة جواز الإنشاء بغير الماضي ، لا في تقديم الإيجاب على القبول ، إلّا أن يدّعى التلازم بين الحكمين ، فراجع المسالك.

(٣) القائل هو السيد الفقيه العاملي في عدم انعقاد البيع بالاستيجاب والإيجاب ، قال قدس‌سره : «والحكم ظاهر كلّ من اشترط الإيجاب والقبول والماضوية فيهما» (٤).

ولعلّ وجه الاستظهار هو دعوى ظهور «الأمر» في غير القبول ، فلا يصح إنشاء القبول به. أو دعوى اعتبار الترتيب بينهما في مقام الاشتراط من جهة عطف القبول على الإيجاب في كلماتهم ، دون العكس.

(٤) أي : ومع هذه الكلمات ـ الدالة على عدم انعقاد البيع باستدعاء المشتري وقبوله بلفظ الأمر ـ فقد صرّح الشيخ في باب النكاح بجواز تقديم القبول بصيغة الأمر ، وعبارته مشعرة بكون الجواز إجماعيّا.

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦١

(٢) المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٤ ، ص ١٩٤

(٣) مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٥٩

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦١

٤٥٣

التقديم بلفظ الأمر بالبيع ، ونسبته إلينا (١) مشعرة ـ بقرينة السياق ـ إلى عدم الخلاف فيه بيننا ، فقال : «إذا تعاقدا ، فإن تقدّم الإيجاب على القبول ، فقال : زوّجتك ، فقال : قبلت التزويج صحّ. وكذا إذا تقدّم الإيجاب على القبول في البيع صحّ بلا خلاف. وأمّا إن تأخّر الإيجاب وسبق القبول ، فإن كان في النكاح فقال الزوج (٢) : زوّجنيها ، فقال : زوّجتكها صحّ ، وإن لم يعد الزوج القبول ، بلا خلاف ، لخبر الساعدي ، قال الرجل : زوّجنيها يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال زوّجتكها بما معك من القرآن ، فتقدّم القبول وتأخّر الإيجاب. وإن كان هذا في البيع فقال بعنيها ، فقال : بعتكها ، صحّ عندنا وعند قوم من المخالفين. وقال قوم منهم : لا يصحّ حتى يسبق الإيجاب» انتهى.

وحكي جواز التقديم بهذا اللّفظ (٣) عن القاضي في الكامل.

بل يمكن نسبة هذا الحكم (٤) إلى كلّ من جوّز تقديم القبول على الإيجاب بقول مطلق ، وتمسّك (٥) له في النكاح برواية سهل الساعدي المعبّر فيها عن

______________________________________________________

(١) يعني : قال شيخ الطائفة : «صحّ عندنا وعند قوم من المخالفين» ومن المعلوم إشعار «عندنا» بالإجماع عند الخاصة لو لا ظهوره فيه. وحينئذ كيف يمكن الجمع بين دعوى اتفاق الأصحاب ـ على صحة تقديم القبول بلفظ الأمر بالبيع ـ مع الكلمات المتقدمة عن جماعة منهم؟

(٢) يعني : قال الزوج لوليّ الزوجة : «زوّجنيها» فزوّجها الوليّ منه.

(٣) أي : لفظ الأمر ، مثل «بعنيها» وحكاه في المختلف عن المهذّب أيضا (١).

(٤) وهو جواز التقديم بلفظ «بعنيها» والوجه في صحة هذه النسبة هو : إطلاق القول بجواز التقديم ، إذ من صغريات القبول لفظ الأمر ، فتدبر.

(٥) معطوف على «جوّز» أي : كلّ من جوّز وتمسّك لجواز تقديم القبول على الإيجاب برواية سهل ، إذ هذا التمسك قرينة على أنّ مراده من القبول هنا ما يعمّ الأمر ،

__________________

(١) : مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٢

٤٥٤

القبول بطلب التزويج (١).

إلّا (٢) أنّ المحقق رحمه‌الله ـ مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب والإيجاب ـ صرّح بجواز تقديم القبول على الإيجاب.

وذكر العلّامة قدس‌سره الاستيجاب والإيجاب ، وجعله خارجا عن قيد اعتبار

______________________________________________________

إذ لو اختص بغير الأمر لما صحّ الاستدلال برواية سهل ، فلا بدّ أن يكون كذلك في باب البيع أيضا ، لعدم الفرق بينهما من هذه الجهة.

(١) بقول الرجل : «زوّجنيها يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

(٢) استدراك على قوله : «بل نسبة هذا الحكم» وتضعيف لاستفادة نسبة تجويز تقديم القبول ـ بلفظ الأمر ـ إلى كلّ من أطلق جواز تقديم القبول على الإيجاب ، وذلك لأنّ المحقق مع تصريحه بعدم كفاية الاستيجاب والإيجاب في البيع أطلق جواز تقديم القبول على الإيجاب ، حيث قال : «ولا ينعقد إلّا بلفظ الماضي ، فلو قال : اشتر أو ابتع أو أبيعك ، لم يصح. وكذا في طرف القبول ، مثل أن يقول : بعني ، لأنّ ذلك أشبه بالاستدعاء أو بالاستعلام. وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردّد. والأشبه عدم الاشتراط» (١).

والعبارة صريحة في عدم صحة البيع بالاستيجاب والإيجاب ، وصحته بتقديم القبول. وكذا العلّامة.

فالجزم بعدم كفاية الاستيجاب والتردّد في شرطية تقديم الإيجاب على القبول ـ كما في قواعد العلّامة (٢) ـ يكشف عن عدم صحة إنشاء القبول بالأمر حتى يقع البحث عن جواز تقديمه على الإيجاب ، وعدمه ، فإنّ هذا البحث فرع صحة إنشاء القبول بالأمر في نفسه. ومع عدم صحّته كذلك لا يبقى موضوع للبحث عن جواز تقديم القبول المنشأ بلفظ الأمر ، وعدمه.

__________________

(١) : شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٣

(٢) قواعد الأحكام ، ص ٤٧ (الطبقة الحجرية).

٤٥٥

الإيجاب والقبول كالمعاطاة (١) ، وجزم بعدم كفايته ، مع أنّه تردّد في اعتبار (٢) تقديم القبول.

وكيف كان (٣) فقد عرفت (٤) أنّ الأقوى المنع في البيع ، لما عرفت (٥).

بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ «قبلت» يمكن المنع هنا (٦) بناء على اعتبار الماضوية فيما دلّ على القبول (٧).

ثم إنّ هذا (٨) كلّه بناء على المذهب المشهور بين الأصحاب من عدم كفاية مطلق اللفظ في اللزوم ، وعدم القول بكفاية مطلق الصيغة في الملك.

______________________________________________________

(١) يعني : كما أنّ المعاطاة خارجة عن العقد ، إذ ليس فيها إيجاب وقبول لفظيان ، فكذا الاستيجاب والإيجاب خارجان عن العقد.

(٢) الأولى التعبير بالجواز ، إذ ليس الكلام في لزوم تقديم القبول واعتباره ، بل في جوازه كما لا يخفى.

(٣) يعني : سواء أكانت نسبة جواز تقديم القبول بلفظ الأمر ـ إلى كلّ من جوّز تقديم القبول على الإيجاب ـ صحيحة بقول مطلق ، أم غير صحيحة فقد عرفت .. إلخ.

(٤) بقوله : «ومما ذكرنا يظهر الوجه في المنع عن تقديم القبول بلفظ الأمر ..».

(٥) من قوله : «لأنّ غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة على الرضا بها ، لكن لم يتحقق بمجرّد الرّضا بالمعاوضة المستقبلة نقل في الحال للدرهم إلى البائع» يعني : أنّه يعتبر في القبول دلالته على الرّضا بالإيجاب ، وعلى تضمّن النقل في حال القبول ، والمفروض قصور صيغة الأمر عن إفادة النقل الضمني.

(٦) أي : في إنشاء القبول بالأمر.

(٧) يعني : فلا ملازمة بين جواز تقديم القبول بلفظ «قبلت» وبين جوازه بلفظ الأمر. وجه عدم الملازمة : أنّ الماضوية روعيت في «قبلت» ولم تراع في صيغة الأمر ، ففي الإنشاء بالأمر إشكال زائد على الإنشاء ب «قبلت» مقدّما على الإيجاب.

(٨) أي : أنّ عدم كفاية إنشاء القبول بالأمر مبني على الالتزام بتوقف العقود

٤٥٦

وأمّا على ما قوّيناه (*) سابقا في مسألة المعاطاة (١) من أنّ البيع العرفي موجب للملك ، وأنّ الأصل في الملك اللزوم ، فاللازم الحكم باللزوم في كلّ مورد لم يقم إجماع على عدم اللزوم ، وهو (٢) ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء باللفظ رأسا ، أو كان اللفظ المنشأ به المعاملة ممّا قام الإجماع على عدم إفادتها اللزوم. وأمّا في غير ذلك فالأصل اللزوم.

______________________________________________________

اللازمة على إنشائها بالصيغ الخاصة المأثورة عن الشارع. وأمّا إن قلنا بكفاية المعاطاة في النقل الملكي ـ لكونها بيعا عرفيا مفيدا للملك ، والأصل في الملك هو اللزوم ـ اتّجه الالتزام بانعقاد البيع بكلّ ما يكون مصداقا له عرفا.

إلّا أن يقوم دليل مانع عن الأخذ بهذا الالتزام ، والمانع هو الإجماع على أحد الأمرين ، إمّا على توقف اللزوم على الإنشاء بمطلق اللفظ ، وأنّ التعاطي لا يفيد الملك اللّازم. وإمّا على توقف اللزوم على صيغة خاصة ، بحيث لا يترتب على مطلق اللفظ الكاشف عن القصد.

فإن تمّ الإجماع على أحد الأمرين أخذ بمقتضاه ، وإلّا فلا بدّ من القول باللزوم إذا أنشئ البيع باللفظ ، ولكن تقدّم قبوله ـ بصيغة الأمر ـ على إيجابه. والمفروض عدم وجود إجماع في البين بعد تصريح شيخ الطائفة قدس‌سره بانعقاد البيع بأمر المشتري وإيجاب البائع بعده.

(١) حيث إنّه قدس‌سره أثبت أوّلا إفادة المعاطاة للملك ، ثم أثبت أصالة اللزوم في كل ملك.

(٢) هذا بيان معقد الإجماع ، وهو أحد الأمرين ، إمّا خلوّ المعاملة عن اللفظ رأسا ، وإما خلوّها عن اللفظ الخاص المأثور عن الشارع. فإذا أنشئت بلفظ كنائي أو مجازي وكانت القرينة مقالية سابقه على الإنشاء ، أو مقامية مقارنة له لم تصحّ ، لانتفاء الدلالة الوضعية. وأمّا إذا أنشئت بلفظ الأمر فلا إجماع على عدم تأثيره في اللزوم.

٤٥٧

وقد عرفت أنّ القبول على وجه طلب البيع قد صرّح في المبسوط بصحته (١) ، بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا (٢) ، وحكي عن الكامل أيضا ، فتأمّل (٣).

وإن كان (٤) التقديم بلفظ : «اشتريت أو ابتعت أو تملّكت أو ملكت هذا بكذا» فالأقوى جوازه ، لأنّه إنشاء ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضا ، ففي الحقيقة

______________________________________________________

(١) يعني : فيفيد الملك ، ولا إجماع على عدم لزومه ، فالأصل يقتضي لزومه.

(٢) حيث قال في عبارته المنقولة في المتن : «صحّ عندنا».

(٣) لعلّه إشارة إلى ما تقدم من موهونيّة دعوى الشيخ لنفي الخلاف بمصير الأكثر إلى خلافه حتّى هو قدس‌سره في بيع المبسوط.

(٤) معطوف على ما تقدم في (ص ٤٣٩) من قوله : «فان كان بلفظ قبلت» وغرضه قدس‌سره الاستدلال على جواز تقديم ثالث أقسام ألفاظ القبول على الإيجاب. وتوضيح ما أفاده : أنّه لا يعتبر في صدق العقد والمعاوضة عرفا المطاوعة لإنشاء الغير ، ضرورة أنّ العقد متقوم بالتزامين مرتبطين مبرزين ، ومن المعلوم حصول إبرازهما بلفظ «ملكت» قبولا و «بعت» إيجابا ، لأنّ معنى «ملكت» و «اشتريت» إنشاء ملكية المبيع بإزاء ماله عوضا ، فالمشتري ينشئ المعاوضة حقيقة كالبائع ، غاية الأمر أن البائع ينشئ ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه ، والمشتري ينشئ تملّك مال صاحبه لنفسه بإزاء ماله ، فكل منهما يخرج ماله إلى ملك صاحبه ، ويدخل مال صاحبه في ملك نفسه.

إلّا أنّ بين الإدخالين فرقا ، فالإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض ، لأنّ دخول الثمن في ملك البائع يفهم من قول البائع : «بكذا» بعد قوله : «بعت» حيث إنّ «بعت» يدلّ على خروج المال عن ملك البائع ، وذكر العوض يدلّ على دخول الثمن في ملكه بإزاء المبيع. والإدخال في القبول يفهم من نفس لفظ «ملكت» فإنّ معناه تملّك المبيع بإزاء الثمن ، فالمشتري ينشئ بمثل «ملكت ، تملّكت ، اشتريت» دخول مال البائع

٤٥٨

كلّ منهما يخرج ماله إلى صاحبه ويدخل مال صاحبه في ملكه ، إلّا (١) أنّ الإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض (٢) ، وفي القبول مفهوم من نفس الفعل (٣) ، والإخراج بالعكس (٤). وحينئذ (٥) فليس في حقيقة الاشتراء من حيث

______________________________________________________

في ملكه ، والبائع ينشئ بقوله : «بعت» خروج المبيع عن ملكه ، وبذكر العوض يتملّك الثمن بإزائه.

والحاصل : أنّ الإدخال في الإيجاب يفهم من ذكر العوض ، وفي القبول من نفس لفظ «تملكت». والإخراج بالعكس ، لأنّه في الإيجاب يكون بنفس اللفظ الذي ينشأ به الإيجاب ، فإنّ معنى «بعت» : أخرجت المبيع عن ملكي. والإخراج في القبول يكون بذكر العوض. فإذا قدّم المشتري القبول ، وقال : «اشتريت هذا الكتاب بدينار» فدلالته على إخراج الدينار عن ملكه تكون بذكر العوض وهو الدينار.

وبالجملة : فما هو المعتبر في القبول من أمرين ـ أحدهما الرّضا بالإيجاب ، والثاني نقل الثمن في حال القبول ـ متحقق في هذا القسم الثالث. أمّا الرّضا فواضح. وأمّا نقل الثمن فلأنّه ينشئ ملكيّته للمبيع بإزاء ماله عوضا. ولا يعتبر في القبول ما عدا هذين الأمرين كالمطاوعة ، إذ لا دليل على اعتبارها في مفهوم القبول.

(١) هذا بيان الفارق بين الإدخالين والإخراجين ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «الّا أنّ بين الإدخالين فرقا .. إلخ».

(٢) يعني من قوله : «بدينار» لا من نفس قوله : «بعت».

(٣) أي : نفس اللفظ ، فإنّ قول القابل : «قبلت» مثلا يدلّ على إدخال المبيع في ملكه ، وإخراج الثمن عن ملكه ، و «بعت» يدلّ على الإخراج عن الملك ، وذكر العوض يدلّ على الإدخال أي إدخال الثمن في ملكه.

(٤) يعني : إخراج الإيجاب يستفاد من نفس «بعت» وإخراج القبول يفهم من ذكر العوض.

(٥) يعني : وحين دلالة «اشتريت» على تمليك القابل ماله للموجب بعنوان

٤٥٩

هو (١) معنى القبول (٢).

لكنه (٣) لمّا كان الغالب وقوعه عقيب الإيجاب ، وإنشاء انتقال مال البائع إلى نفسه إذا وقع عقيب نقله إليه يوجب (٤) تحقق المطاوعة ومفهوم القبول

______________________________________________________

العوضية في حال الإنشاء فليس .. إلخ».

(١) يعني : في نفسه مع الغضّ عن وقوعه عقيب الإيجاب.

(٢) حتّى يلزم تأخّره عن الإيجاب من حيث كونه قبولا ، كما لزم تأخّر لفظ «قبلت» عن الإيجاب.

(٣) هذا دفع دخل يرد على قوله : «فليس في حقيقة الاشتراء معنى القبول» وحاصل الدخل هو : أنّ الاشتراء إن كان دالا على إدخال مال الغير في ملكه وإخراج مال نفسه إلى ملك الموجب كان كالإيجاب الذي هو إخراج وإدخال ، ولم يبق وجه لعدّ «اشتريت» من ألفاظ القبول الذي يفهم منه مطاوعة فعل الغير ، ومن المعلوم اعتبار سبق فعل حتى يمكن مطاوعته.

وعليه فيكون وزان «اشتريت» وزان «قبلت» في اعتبار تأخره عن الإيجاب ، إذ القبول إمضاء فعل الغير.

وقد دفعه المصنف بما حاصله : أنّ تسمية «اشتريت» قبولا ليس لأجل اتحاده مفهوما مع «قبلت» حتى يمتنع تقدّمه على الإيجاب ، بل لأجل أنّ الغالب من العقود والبيوع الخارجية ينشأ فيها الإيجاب أوّلا ، ثم يتبعها القبول ، إمّا بلفظ «قبلت أو رضيت أو اشتريت أو ملكت» فيستفاد من كلّ منها المطاوعة والانفعال ، ومن المعلوم أنّ هذه الغلبة الوجودية لا تغيّر مدلول اللفظ ، فالمطاوعة تستفاد من «قبلت اشتريت» لكنّها في «قبلت» مدلول اللفظ ، وفي «اشتريت» مستفادة من القرينة المقامية ، وهي غلبة تأخّر القبول عن الإيجاب.

(٤) خبر قوله : «وإنشاء».

٤٦٠