هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

ثم إنّه (١) هل يعتبر (*) كون المتكلم عالما تفصيلا بمعنى اللّفظ بأن يكون فارقا بين معنى «بعت وأبيع وأنا بائع» أو يكفي مجرّد علمه بأنّ هذا اللّفظ يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع؟ الظاهر هو الأوّل (٢) ، لأنّ عربيّة الكلام

______________________________________________________

(١) هذا الفرع الثالث من فروع اعتبار العربية ، ومحصّله : أنّه هل يعتبر أن يكون المتكلم بالألفاظ العربية عالما بمعانيها تفصيلا ، بأن يميّز بين معنى «بعت» و «أبيع» مثلا ، أم يكفي مجرّد علمه بأنّ هذا اللفظ يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع؟ وجهان ، رجّح المصنف قدس‌سره الأوّل ، وسيأتي.

(٢) وهو اعتبار العلم تفصيلا بمعاني الألفاظ العربية ، لما أفاده المصنف قدس‌سره بقوله : «لأنّ عربية الكلام ليست باقتضاء نفس الكلام .. إلخ».

وحاصله : أنّ الإنشاء والإخبار لمّا كانا من وجوه الاستعمال الذي هو متقوّم بلحاظ اللفظ والمعنى ، وإيجاد المعنى باللفظ بالإرادة ، فلا محيص عن تصوّر المعنى بالمقدار الذي يريد إيجاده باللّفظ حتّى يعقل توجه القصد إليه ، فإنشاء ما لا معرفة له به تفصيلا غير معقول. فهذا الوجه يقتضي معرفة معنى الكلام تفصيلا حتى يقصده المتكلّم ، ويستعمل الكلام فيه ، فبدون المعرفة التفصيلية بالمعنى لا يصح استعمال اللفظ فيه (**).

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا الكلام لا يترتب على اعتبار العربية.

(**) إلّا أن يقال : إنّ المقصود ليس وجود المعنى بالذات باللفظ ، لاستحالة وجوده كذلك حتى يحتاج إلى لحاظه تفصيلا ، بل الغرض وجود المعنى بالعرض ، فيكفي في وجوده بالعرض قصد المعنى بالعرض ، بأن يقصد العنوان المنطبق عليه قهرا ، فيستعمل اللّفظ في معنون هذا العنوان المقصود ، وليس استعماله إلّا أن يكون وجود اللفظ بالذات وجودا بالعرض لذلك المعنى المقصود بالعرض. وعليه فيقصد العنوان المقصود كالبيع ، ويستعمل اللفظ في معنون هذا العنوان المقصود ، فيكون المعنون

٤٢١

ليست باقتضاء نفس الكلام ، بل بقصد المتكلم منه المعنى الذي وضع له عند العرب ، فلا يقال : إنّه تكلّم وأدّى المطلب على طبق لسان العرب إلّا إذا ميّز (١) بين معنى بعت وأبيع وأوجدت البيع وغيرها.

بل على هذا (٢) لا يكفي معرفة أنّ «بعت» مرادف لقوله : «فروختم» حتى يعرف أنّ الميم في الفارسي عوض تاء المتكلم ، فيميّز بين «بعتك وبعت» بالضمّ و «بعت» بفتح التاء ، فلا ينبغي ترك الاحتياط ، وإن كان في تعيّنه (٣) نظر ، ولذا نصّ بعض على عدمه.

______________________________________________________

(١) ليقصد من كل جزء من أجزاء الكلام ـ مادّة وهيئة ـ معناه الموضوع له في لغة العرب ، ويستعمله فيه ، هذا.

لكن توقف صدق العربية على التمييز بهذا النحو مشكل جدّا ، لإناطته بكمال معرفة وخبرة ، مع اختلاف بين أهل العربية في بعض الخصوصيات.

(٢) أي : على هذا الوجه المقتضي لمعرفة المعنى تفصيلا ـ حتّى يصحّ استعمال اللفظ فيه ـ لا يكفي معرفة أنّ «بعت» مرادف .. إلى آخر ما أفاده المصنف قدس‌سره.

(٣) أي : في تعيّن الاحتياط ومعرفته بهذا الوجه. وجه النظر عدم الدليل على الاعتبار ، بعد كون المجموع في نظر العرف مبرزا للاعتبار النفساني.

__________________

مقصودا بالعرض ، وهو كاف في الاستعمال.

نعم لو كان جاهلا بمضمون الصيغة رأسا فلا يصح الإنشاء بها قطعا ، لأنّه حينئذ بمنزلة استعمال كلمة «ضربت وأكلت وشربت» مثلا مكان «بعت».

فالمتحصل : أنه لا دليل على اعتبار معرفة خصوصيات معاني الصيغ ، وكون كل خصوصية مدلولا عليها بكلمة خاصة ، بل معرفته إجمالا بأنّ مجموع الكلام يدلّ على المعنى المقصود كافية.

٤٢٢

مسألة (١) : المشهور (٢) (*) كما عن غير واحد : اشتراط الماضويّة ، بل في التذكرة (٣):

______________________________________________________

الجهة الثانية : اعتبار الماضويّة

(١) هذه المسألة متكفلة لشرط الهيئة الإفرادية للصيغة ، وهي اعتبار الماضوية ، وعدمه.

(٢) كما في كلام المحقق الأردبيلي قدس‌سره حيث قال : «لا دليل عليه ـ أي على عدم انعقاد البيع بغير الماضي ـ واضحا ، إلّا أنّه مشهور» (١). ونحوه المحكي عن مفاتيح الشرائع (٢).

(٣) لمّا كانت الشهرة تؤذن بوجود المخالف في المسألة تصدّى المصنف قدس‌سره لنقل

__________________

(*) الظاهر من الكلمات أنّ في اعتبار الماضويّة قولين :

أحدهما : وهو المنسوب إلى المشهور اعتبارها ، استنادا الى وجوه ثلاثة :

أحدها : الإجماع.

ثانيها : صراحة الماضي في الإنشاء ، دون غيره من الأمر والمستقبل ، لكون الثاني ، أشبه بالوعد ، والأوّل استدعاء لا إيجابا. قال المحقق قدس‌سره : «لأن ذلك أشبه بالاستدعاء والاستعلام».

ثالثها : أنّ قصد الإنشاء في المستقبل خلاف المتعارف.

ولكن الكلّ كما ترى ، لعدم إحراز كون الإجماع تعبّديّا ، مع احتمال استناد المجمعين إلى الوجوه الاعتبارية.

وعدم صراحة الماضي في الإنشاء إن أريد بها الوضع له ، بداهة عدم الوضع له ، إن لم نقل بوضعه للإخبار. وإن أريد بها الصراحة من ناحية القرينة ، فالصراحة حينئذ ثابتة لغير الماضي أيضا.

__________________

(١) : مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٤٥

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦٢

٤٢٣

الإجماع على عدم وقوعه بلفظ أبيعك أو اشتر منّي.

______________________________________________________

الإجماع على اعتبار الماضوية حتى لا يتوهم مخالفة أحد فيه. قال العلّامة في عداد شرائط الصيغة ـ ما لفظه : «الثاني : الإتيان بهما بلفظ الماضي ، فلو قال : أبيعك ، أو قال : أشتري ، لم يقع إجماعا ، لانصرافه الى الوعد» (١).

وفي القواعد : «ولا بدّ من صيغة الماضي» (٢) وقريب منه عبارة التحرير (٣).

وفي الدروس : «فلا يقع بالأمر والمستقبل» (٤) وربما يستفاد منه كونه من المسلّمات.

ولكن الأولى الإكتفاء بالشهرة الفتوائية بعد وجود المخالف ، وهو القاضي ابن البرّاج كما سيأتي في المتن.

وكيف كان فالمستفاد من المتن وجوه ثلاثة على اعتبار الماضوية في صيغ العقود.

الأوّل : الإجماع المنقول.

الثاني : صراحة الماضي في الإنشاء.

الثالث : انصراف إطلاق أدلة الإمضاء إلى العقود المتعارفة خارجا.

__________________

وعدم كون التعارف مقيّدا للإطلاقات.

وثانيهما : عدم اعتبار الماضوية ، وجواز الإنشاء بالمضارع والأمر ، لصدق العقد على المنشأ بهما ، فتشمله العمومات. وهذا القول منسوب إلى القاضي قدس‌سره استنادا إلى ما ذكره المصنف قدس‌سره في المتن.

__________________

(١) : تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢

(٢) قواعد الأحكام ، ص ٤٧

(٣) تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ١٦٤

(٤) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩١

٤٢٤

ولعلّه (١) لصراحته (٢) في الإنشاء ، إذ المستقبل أشبه (٣) بالوعد ، والأمر استدعاء (٤) لا إيجاب. مع (٥) أنّ قصد الإنشاء في المستقبل خلاف المتعارف.

______________________________________________________

(١) أي : ولعلّ اشتراط الماضوية لأجل صراحة الماضي في الإنشاء ، كما ورد في كلام جمع منهم المحقق والشهيد الثانيان ، وأوضحه في المسالك بقوله : «إنّما اعتبر في العقد لفظ الماضي ، لأنّ الغرض منه الإنشاء ، وهو صريح فيه ، لاحتمال الوعد بالمستقبل ، وعدم اقتضاء الأمر إنشاء البيع من جانب الآمر ، وإنّما أنشأ طلبه. وأمّا الماضي فإنّه وإن احتمل الإخبار ، إلّا أنّه أقرب إلى الإنشاء ، حيث دلّ على وقوع مدلوله في الماضي ، فإذا لم يكن ذلك هو المقصود كان وقوعه الآن حاصلا في ضمن ذلك الخبر. والغرض من العقود ليس هو الإخبار. وإنّما هذه الصيغة منقولة شرعا من الإخبار إلى الإنشاء ، والماضي ألصق بمعناه» (١).

(٢) ليس المراد بالصراحة الوضع اللغوي ، ضرورة عدم وضع صيغة الماضي لذلك ، بل المراد بها الصراحة في الإنشاء ، ومنشؤها النقل الشرعي من الحكاية إلى الإيجاد ، كما تقدم في عبارة المسالك.

وقال الشهيد قدس‌سره : «والمأخذ في صراحة هذه ـ أي صيغ العقود والإيقاعات ـ مجيئها في خطاب الشارع لذلك ، وشيوعها بين حملة الفقه» (٢).

(٣) فلا يكون ظاهرا في الإنشاء حتّى يقع به.

(٤) يعني : أنّ الأمر استدعاء وطلب لإيجاب البيع ، لا إيجاب له.

(٥) هذا هو الدليل الثالث على اعتبار الماضوية ، وهو مؤلف من مقدمتين :

الأولى : أنّ المتعارف من العقود ـ بحسب الوجود الخارجي ـ هو ما ينشأ بلفظ الماضي ، لا المضارع ولا الأمر ، ولا الجملة الاسمية.

الثانية : أنّ دليل الإمضاء ـ كوجوب الوفاء بالعقود ـ منزّل على العقود

__________________

(١) : مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٣

(٢) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ١٥٣ ، رقم القاعدة : ٤٠ ، ولاحظ أيضا ص ٢٥٣

٤٢٥

وعن (١) القاضي في الكامل والمهذّب عدم اعتبارها. ولعلّه (٢) لإطلاق البيع والتجارة ، وعموم العقود (٣) ،

______________________________________________________

المتعارفة في عصر التشريع ، ولا يشمل إنشاءها بغير المتعارف.

ونتيجة المقدمتين : عدم ترتب الأثر على العقود المنشئة بما عدا الماضي.

(١) هذا إشارة إلى القول الآخر في المسألة ، وهو عدم إناطة الصحة بالإنشاء بالماضي ، فيجوز بالمضارع ، كما ذهب إليه القاضي ابن البرّاج ، على ما حكي عنه.

قال العلّامة في المختلف : «وقال ابن البرّاج في الكامل : لو قال المشتري : بعني هذا ، فقال البائع : بعتك ، انعقد» (١) ونحوه كلامه في المهذّب (٢).

واستدلّ له المصنف قدس‌سره بأدلة ثلاثة :

الأول : إطلاق الآيات المباركة.

الثاني : خصوص النصوص الواردة في البيع ، المتضمّنة للإنشاء بالمضارع ، فإنّها صريحة في المدّعى.

الثالث : فحوى النصوص المجوّزة لإنشاء عقد النكاح بالمضارع ، وسيأتي بيانها.

(٢) أي : ولعلّ عدم اعتبار الماضوية.

(٣) هذا إشارة إلى الدليل الأوّل على صحة الإنشاء بالمضارع ، وحاصله : أنّ مقتضى إطلاق آيتي حلّ البيع والتجارة عن تراض ، وعموم وجوب الوفاء بالعقود ـ الشاملين للعقود المنشئة بغير لفظ الماضي ـ هو نفي اعتبار الماضوية. والتعارف بحسب غلبة أفراد الإنشاء بالماضي غير صالح لتقييد شمول الآيات المباركة.

ودعوى الصراحة في الماضي مجازفة بعد كون إرادة الإنشاء منه خلاف وضعه اللغوي. وإرادة الإنشاء من المضارع على طبق وضعه ، لاشتراكه بين الحال والاستقبال.

__________________

(١) : مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٣

(٢) المهذّب ، ج ١ ، ص ٣٥٠

٤٢٦

وما دلّ (١) في بيع الآبق واللبن

______________________________________________________

(١) معطوف على «إطلاق البيع» وهذا إشارة إلى الدليل الثاني ، وهو الأخبار المتضمّنة لإنشاء البيع بالمستقبل مع تقديم القبول على الإيجاب في بعضها.

فمنها : ما ورد في بيع العبد الآبق مع الضميمة ، كصحيحة رفاعة النخّاس ، قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام قلت له : أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ قال : لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا ، فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما ، فإنّ ذلك جائز» (١).

وتقريب الدلالة : أنه عليه‌السلام علّم رفاعة إنشاء شراء الجارية الآبقة مع ضميمتها ، بأن يقول للقوم : «اشتري منكم ..» وظهور الصحيحة في انعقاد المعاملة بصيغة المضارع ممّا لا ينكر.

وقريب منها معتبرة سماعة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في شراء العبد الآبق.

إلّا أن يخدش في دلالتهما على المدّعى بأنّهما في مقام بيان تجويز بيع الآبق مع الضميمة ، لا في مقام بيان ما يتحقق به البيع والشراء ، فتأمّل.

ومنها : ما ورد في بيع اللبن في الضّرع من صحّته بصيغة الأمر ، كما في موثقة سماعة ، قال : «سألته عن اللبن يشترى وهو في الضّرع؟ فقال : لا ، إلّا أن يحلب لك منه أسكرّجة ، فيقول : اشتر منّي هذا اللبن الذي في الأسكرجة وما في ضروعها بثمن مسمّى ، فان لم يكن في الضّرع شي‌ء كان ما في الاسكرجة» (٣).

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٦٢ ، الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث : ١

(٢) المصدر ، ص ٢٦٣ ، الحديث : ٢

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٥٩ ، الباب ٨ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث : ٢ والأسكرّجة «بضمّ السّين والكاف والرّاء والتشديد : إناء صغير يؤكل فيه الشي‌ء القليل من الأدم. وهي فارسية .. وقيل : والصواب فتح الراء ، لأنّه فارسي معرّب» راجع المجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ٣١٠.

٤٢٧

في الضّرع (١) من الإيجاب بلفظ المضارع. وفحوى ما دلّ عليه في النكاح (٢).

______________________________________________________

ولا يقدح إضمارها ، للتصريح بأنّ المسؤول هو الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، كما في الفقيه بنقل الوسائل. مضافا إلى عدم قدح الإضمار من مثل زرارة وسماعة كما قرّر في محلّه.

ولا يخفى أنه قد تقدم في (ص ٣٤١ ـ ٣٤٣) نقل جملة من الأخبار التي ورد فيها الإنشاء بصيغة المستقبل إمّا من البائع أو المشتري ، فراجع.

(١) قد عرفت أنّ رواية بيع اللبن متضمنة لإيجاب البيع بصيغة الأمر ، لا المضارع. ولعلّ المراد عدم خصوصية في صيغة الماضي ، سواء أكانت بلفظ المضارع أم الأمر ، والأمر سهل.

(٢) هذا إشارة إلى الدليل الثالث على عدم توقف صحة عقد البيع على الإنشاء بصيغة الماضي ، وهو الاستدلال بأولوية جواز إنشاء البيع بالمضارع من جواز إنشاء النكاح به ، وقد دلّت أخبار عديدة على صحة انعقاد الزواج المنقطع بالمضارع مع ابتداء الزوج به ، كرواية أبان بن تغلب ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوّجك متعة على كتاب الله وسنّة نبيّه لا وارثة ولا موروثة ، كذا وكذا يوما ـ وإن شئت كذا وكذا سنة ـ بكذا وكذا درهما ، وتسمّي من الأجر (*) ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فإذا قالت : نعم ، فقد رضيت ، وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها» (١).

ولا ريب في ظهور تعليمه عليه‌السلام لصيغة النكاح المنقطع في انعقاده بلفظ المضارع.

وقريب منه روايات أخرى من نفس الباب ، فراجع.

وتقريب الفحوى : أنّ الشارع الأقدس قد اهتمّ بالنكاح وأمر بالاحتياط فيه.

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٤٦٦ ، الباب ١٨ من أبواب المتعة ، الحديث : ١

٤٢٨

ولا يخلو هذا من قوة (*)

______________________________________________________

فإذا جوّز إنشاءه بصيغة المضارع لزم تجويزه في البيع بطريق أولى ، لأن أمر الأعراض أشدّ من الأموال.

__________________

(*) بل ينبغي الجزم بصحّته بعد وضوح عدم توقف إنشاء مفاهيم العقود والإيقاعات عرفا على اللفظ ، فعموم أدلة العقود يشمل ما ينشأ منها بغير اللفظ مثل ما ينشأ منها باللفظ. وتخصيصه باللفظ ـ فضلا عن الماضوية ـ منوط بالدليل ، وهو مفقود. ومع الشك فيه يرجع إلى أصالة العموم ، إذ هو المرجع في المخصص المجمل المردّد بين الأقل والأكثر ، فإنّه بعد فرض تخصيص عموم وجوب الوفاء بالعقود باللفظ ـ وأنّ وجوب الوفاء مختص باللفظ ـ إذا شكّ في اعتبار هيئة خاصة كالماضوية في اللفظ يتمسك في نفي اعتبارها بعموم دليل وجوب الوفاء.

إلّا أن يستشكل في ذلك بعدم صدق مفهوم العقد على ما ينشأ بغير الماضي.

لكنه مندفع بما مرّ من وضوح صدقه عليه ، هذا.

فقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ قول القاضي بعدم اعتبار الماضوية هو الأقوى ، للعمومات ، ومعها لا حاجة إلى النصوص المشار إليها ، لإمكان المناقشة في بعضها سندا ودلالة ، وفي الآخر دلالة ، لاحتمال ورودها في المقاولة ، لا إنشاء المبايعة ، أو اختصاصها بموردها كبيع الآبق واللبن في الضرع ، وعدم التعدّي إلى غيره ، فيكون الدليل أخص من المدّعى.

نعم روايات النكاح ظاهرة في كون الإنشاء بالمستقبل ، إلّا أن الفحوى ممنوعة ، لأنّ عظم المفسدة في السّفاح يقتضي التوسعة والتسهيل في النكاح حفظا للأنساب ، وصونا لهم عن الوقوع في المفاسد. بخلاف الأموال ، فإنّ من الممكن اعتبار بعض الأمور في إنشاء تبديلها.

فالأولى الاستدلال على عدم اشتراط الماضوية في ألفاظ الإيجاب والقبول بالعمومات.

٤٢٩

لو فرض (١) صراحة المضارع في الإنشاء على وجه لا يحتاج إلى قرينة المقام ، فتأمّل (٢).

______________________________________________________

(١) اختار المصنف قول القاضي في جواز الإنشاء بالمضارع ، لكن لا مطلقا بل قيّده بما إذا كانت دلالة المستقبل على الإنشاء بنفسه ، لا بمعونة قرينة مقامية ، وهي كون المتكلم في مقام إيقاع المعاملة ، فلو كانت دلالته على الإنشاء بمعونة قرينة مقامية لم يصح ، ولا بدّ من الاقتصار على الفعل الماضي.

والوجه في هذا التقييد هو ما أفاده ـ في المبحث الأول مما يتعلق بمادة الصيغة ـ في توجيه كلمات القوم من : أنّ الصيغة إن دلّت بحسب الوضع أو بمعونة قرينة لفظية منضمّة إليها جاز الإنشاء بها. وإن دلت بقرينة مقامية مقارنة لها أو بقرينة لفظية سابقه على الإنشاء بالصيغة غير الصريحة لم يصح.

فعلى هذا لا بد من تقييد جواز الإنشاء بالمضارع بما إذا كانت الدلالة مستندة الى الوضع ولو بضميمة قرينة لفظية ، كقرينية التأبيد وعدم البيع والهبة والإرث على إرادة الوقف من صيغة «حرّمت».

(٢) إشارة إلى : أنّ الصراحة الناشئة عن الوضع ـ بحيث لا تحتاج إلى قرينة لفظية أو مقامية ـ مفقودة في الماضي أيضا ، ضرورة أنّ فعل الماضي وضع للإخبار لا الإنشاء ، فهو صريح في الإخبار ، ولا يكون ظاهرا في الإنشاء إلّا بالقرينة. فدعوى : صراحة الماضي في الإنشاء بدون قرينة المقام في غاية الوهن والسقوط.

هذا بناء على وضع الماضي للإخبار كما هو المشهور عند النحاة. وأمّا بناء على كون الإخبارية والإنشائية من شؤون الاستعمال ـ من دون دخلهما في نفس المعنى الموضوع له ـ فلا وجه أيضا لدعوى الصراحة في الإنشاء أصلا ، فلا بدّ من الالتزام بدلالة الماضي مع القرينة على الإنشاء. وحينئذ يكون الأمر والمضارع مع القرينة المقامية دالّين على الإنشاء أيضا.

٤٣٠

مسألة (١) : الأشهر كما قيل (٢) لزوم تقديم الإيجاب على القبول ،

______________________________________________________

شرائط الهيئة التركيبية

المبحث الأوّل : تقديم الإيجاب على القبول.

(١) الكلام من هذه المسألة إلى آخر المقدمة ـ التي عقدها لألفاظ صيغة البيع ـ ناظر إلى ما يعتبر في الهيئة التركيبية ، وهي الجهة الثالثة من جهات البحث عن شؤون الصيغة ، وقد أشرنا في (ص ٣٣٠) إلى أنّ مباحث هذه الجهة خمسة ، أوّلها : اعتبار تقديم الإيجاب على القبول وعدمه.

ولا يخفى أنّ في المسألة أقوالا نشير إليها ، وسيأتي تفصيلها في التعليقة إن شاء الله تعالى.

الأوّل : اشتراط تقديم الإيجاب على القبول مطلقا ، وهو الأشهر.

الثاني : عدم اعتباره كذلك.

الثالث : التفصيل بين النكاح وغيره ، بجواز تقديم القبول في النكاح ، واشتراط تقدم الإيجاب في سائر العقود.

الرابع : التفصيل بين كون القبول بصيغة الأمر ، فيجوز التقديم سواء في البيع والنكاح وغيرهما ، وبين غير صيغة الأمر فلا يجوز التقديم.

الخامس : مختار المصنف قدس‌سره وهو التفصيل في ألفاظ القبول ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

(٢) القائل هو العلّامة في المختلف ، قال : «مسألة : وفي اشتراط تقديم الإيجاب على القبول قولان ، أشهرهما ذلك. اختاره الشيخ في المبسوط» (١).

ونسبه فخر المحققين إلى الشيخ أيضا في محكي شرح الإرشاد. لكن تأمّل السيد الفقيه العاملي في النسبة ، وقال : «والموجود فيه ـ أي في المبسوط ـ وإن تقدّم القبول فقال : بعنيه بألف ، فقال : بعتك صحّ. والأقوى عندي أنه لا يصحّ حتى يقول المشتري بعد ذلك : اشتريت. انتهى يعني كلام المبسوط. ولو لم يسمّه قبولا متقدما

__________________

(١) : مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٢

٤٣١

وبه (١) صرّح في الخلاف والوسيلة والسرائر والتذكرة ، كما عن الإيضاح وجامع المقاصد (٢).

ولعلّه (٣) الأصل (٤) بعد حمل آية وجوب الوفاء على العقود المتعارفة كإطلاق البيع والتجارة في الكتاب والسّنّة.

وزاد بعضهم (٥) : أنّ القبول فرع الإيجاب ، فلا يتقدّم عليه ، وأنّه

______________________________________________________

لأمكن أن نقول : إنّ حكمه بعدم الصحة لمكان الاستيجاب والاستدعاء كما تقدم ، لأنّ محلّ النزاع ما إذا قال المشتري : اشتريت أو نحوه ، فيقول البائع : بعت. لكن التسمية المذكورة وتفرقته في المقام بين البيع والنكاح جوّزتا للمصنف ـ يعني العلّامة ـ نسبة ذلك إليه» (١).

(١) أي : وبالاشتراط صرّح الشيخ وغيره بناء على ما نسبه إليهم فخر المحققين ، حيث قال في الإيضاح : «ذهب الشيخ في المبسوط وابن حمزة وابن إدريس إلى الاشتراط» (٢).

(٢) قال فيه : «والأصحّ الاشتراط» (٣). ولا يخفى أن ظاهر العطف كون المحقق الثاني ناسبا إلى الشيخ وابني حمزة وإدريس تصريحهم بالاشتراط. وليس الأمر كذلك ، بل الناسب للتصريح هو الفخر فقط.

(٣) أي : ولعلّ الاشتراط ، وهذا أحد الوجوه التي استدلّ بها على ما يظهر من المتن ، ومحصّله : جريان الاستصحاب بالتقريب الآتي.

(٤) هذا أوّل وجوه هذا القول ، وهو استصحاب عدم ترتب الأثر ، بعد حمل العقود في الآية على العقود المتعارفة ، وتسليم خروج العقد ـ المقدّم قبوله على إيجابه ـ عن العقود المتعارفة ، وإلّا فلا وجه للتشبّث بالأصل مع الدليل الاجتهادي.

(٥) هذا ثاني الوجوه المستدلّ بها على اشتراط تقدّم الإيجاب على القبول ،

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦٤

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٢ لاحظ : الخلاف ج ٣ ، ص ٢٣٩ المسألة : ٥٦. الوسيلة لابن حمزة ، ص ٧٤٠ (ضمن الجوامع الفقهية) ، السرائر الحاوي ، ج ٢ ، ص ٢٤٣ تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢

(٣) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٠

٤٣٢

تابع له ، فلا يصح تقدّمه عليه.

وحكى في غاية المراد عن الخلاف (١) الإجماع عليه (٢).

وليس في الخلاف (٣) في هذه المسألة إلّا (٤) «أنّ البيع مع تقديم الإيجاب

______________________________________________________

وحاصله : تفرّع القبول على الإيجاب وتبعيّته له ، وقد نقل المحقق الأردبيلي قدس‌سره هذا الاستدلال عنهم بقوله : «وأن القبول فرع الإيجاب ، فلا معنى لتقديمه» (١).

والموجود في جامع المقاصد : «فإنّ القبول مبني على الإيجاب ، لأنّه رضا به» (٢).

(١) قال في الخلاف : «إذا قال بعنيه بألف ، فقال : بعتك ، لم يصح البيع حتى يقول المشتري بعد ذلك : اشتريت أو قبلت. وقال الشافعي : يصح وإن لم يقل ذلك .. إلى أن قال : دليلنا أنّ ما اعتبرناه مجمع على ثبوت العقد به ، وما ادّعوه لا دلالة على صحته ، والأصل عدم العقد. ومن ادّعى ثبوته فعليه الدلالة» (٣).

(٢) هذا ثالث الوجوه المحتج بها على القول باشتراط تقدم الإيجاب على القبول ، ففي غاية المراد : «واستدل عليه في الخلاف بالإجماع وعدم الدليل على خلافه» (٤).

(٣) قال في مفتاح الكرامة : «وقد نسب في غاية المراد والمسالك إلى الخلاف دعوى الإجماع. وهو وهم قطعا ، لأنّي تتبعت كتاب البيع فيه مسألة مسألة ، وغيره حتى النكاح فلم أجده ادّعى ذلك ، وإنّما عبارته في المقام توهم ذلك للمستعجل ، وهي قوله : دليلنا : انّ ما اعتبرناه مجمع على ثبوت العقد به ، وما ادّعوه لا دلالة على صحته ، إلّا أن يريد أنّه استدلّ بأنّه مجمع عليه» (٥).

(٤) هذه العبارة إلى قوله : «فيؤخذ» في محل رفع على أنها اسم «ليس» ،

__________________

(١) : مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٤٥

(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٠

(٣) الخلاف ج ٣ ، ص ٤٠

(٤) غاية المراد ، ص ٨٠

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦٤

٤٣٣

متفق عليه (١) ، فيؤخذ به» فراجع.

خلافا (٢) للشيخ في المبسوط

______________________________________________________

وهي مضمون كلام شيخ الطائفة في الخلاف. وغرض المصنف الاعتراض على الشهيد قدس‌سره ـ في نسبة الإجماع إلى الشيخ بما عرفته من كلام مفتاح الكرامة ، لأنّ قيام الإجماع على ثبوت العقد مع تقدم الإيجاب لا يقتضي ثبوت الإجماع على فساد العقد بتأخره عن القبول ، لإمكان صحته مع التأخر أيضا وإن لم يكن إجماعيا.

(١) هذا توجيه لدعوى الإجماع ، وحاصله : أنّ المراد بالإجماع هنا هو كون العقد المقدّم إيجابه على قبوله متيقّن الصحة ، فيؤخذ به ويترك غيره ، لعدم الدليل على صحته.

وعبارة غاية المراد المتقدمة آنفا قابلة لهذا التوجيه. لكن عبارة المسالك وهي قوله : «وذهب جماعة من الأصحاب إلى اعتبار تقديمه بل ادّعى عليه الشيخ في الخلاف الإجماع» (١) لا تقبله ، لظهورها في الإجماع المصطلح كما لا يخفى.

لكن الإنصاف أن استظهار الشهيدين قدس‌سرهما من عبارة الشيخ لا يخلو من قوة ، لأنّ معقد الإجماع ليس مجرد صحة العقد بتقديم إيجابه على قبوله ، بل معقده اشتراط التقديم ، لقوله : «دليلنا أن ما اعتبرناه مجمع» ومن المعلوم أنّ ما اعتبره شيخ الطائفة هو تقديم الإيجاب على القبول ، لا مجرّد صحة العقد بتقديمه حتى يبقى مجال احتمال صحته إذا تقدّم القبول على الإيجاب.

(٢) إشارة إلى القول الثاني ، وهو عدم اعتبار تقدم الإيجاب على القبول ، الّذي اختاره شيخ الطائفة قدس‌سره في نكاح المبسوط ، لالتزامه فيه بصحّة النكاح والبيع عند تقدم القبول.

ولكنّه قدس‌سره في بيع المبسوط خالف هذه الفتوى ، وفصّل بين البيع والنكاح ، فاعتبر تقدّم الإيجاب على القبول في خصوص عقد البيع ، دون النكاح. فيكون مختاره

__________________

(١) : مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٣

٤٣٤

في باب النكاح (١) وإن وافق الخلاف في البيع (٢) ، إلّا أنّه عدل (٣) عنه في باب النكاح ، بل ظاهر كلامه (٤) عدم الخلاف في صحته بين الإمامية ، حيث إنّه ـ بعد ما ذكر أن تقديم القبول بلفظ الأمر في النكاح ، بأن يقول الرجل : «زوّجني فلانة» جائز بلا خلاف ـ قال : «أمّا البيع فإنّه إذا قال : بعنيها ، فقال : بعتكها صحّ عندنا وعند قوم من المخالفين. وقال قوم منهم : لا يصح حتى يسبق الإيجاب» (١).

وكيف كان (٥) فنسبة القول الأوّل (٦) إلى المبسوط مستندة إلى كلامه في باب البيع (٧).

______________________________________________________

في عقد البيع موافقا لما اختاره في الخلاف ، وسيأتي من المصنف قدس‌سره نقل كلامه في بيع المبسوط ونكاحه ، فانتظر.

(١) فإنّه في باب النكاح قال بعدم اشتراط تقدم الإيجاب على القبول ، سواء في عقد النكاح والبيع ، خلافا لما فصّله بينهما في بيع المبسوط.

(٢) يعني : أنّ رأي شيخ الطائفة في بيع المبسوط موافق لرأيه في الخلاف ، في اعتبار تقديم إيجاب البيع على قبوله.

(٣) يعني : أنّ شيخ الطائفة قدس‌سره عدل في نكاح المبسوط عن تفصيله الذي اختاره في بيع المبسوط ، والتّعبير بالعدول لأجل تقدّم تحرير البيع على النكاح بحسب ترتيب أبواب الفقه ، وإلّا فلا ضرورة إلى تأليف أحدهما قبل الآخر.

(٤) يعني : ظاهر كلامه في نكاح المبسوط عدم الخلاف في صحة البيع مع تقدم القبول على الإيجاب ، لقوله : «صحّ عندنا» وظهور هذا اللفظ في الإجماع ممّا لا ينكر.

(٥) يعني : سواء تمّ ظهور كلمة «عندنا» في الإجماع على جواز تقديم القبول على الإيجاب ، أم لم يتم ، فنسبة .. إلخ.

(٦) وهو اشتراط عقد البيع بتقديم الإيجاب على القبول.

(٧) يعني : في بيع المبسوط ، الموافق لكلامه المتقدّم عن الخلاف.

__________________

(١) : المبسوط في فقه الإمامية ، ج ٤ ، ص ١٩٤

٤٣٥

وأمّا في باب النكاح (١) فكلامه صريح في جواز التقديم كالمحقق رحمه‌الله في الشرائع (٢) والعلّامة في التحرير (١) ، والشهيدين (٣) في بعض كتبهما ، وجماعة (٤) ممن تأخّر عنهما ، للعمومات (٥) السليمة عمّا يصلح لتخصيصها.

وفحوى (٦) جوازه في النكاح الثابت بالأخبار ، مثل خبر أبان بن تغلب الوارد في كيفية الصيغة ، المشتمل على صحة تقديم القبول بقوله للمرأة : «أتزوّجك متعة

______________________________________________________

(١) من المبسوط ، وقد تقدم كلامه في المتن. وعليه فمراد المصنف من باب البيع والنكاح هو كتاب البيع والنكاح من المبسوط ، لا عقد البيع والنكاح.

(٢) حيث قال في كتاب البيع : «وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردّد ، والأشبه عدم الاشتراط» (٢). نعم منع المحقق من انعقاد البيع بالاستدعاء ، فراجع.

(٣) قال الشهيد قدس‌سره : «ولا ترتيب بين الإيجاب والقبول على الأقرب ، وفاقا للقاضي» (٣). وقريب منه كلامه في اللمعة.

وقال الشهيد الثاني بعد ذكر أدلة القولين : «والأقوى الأوّل» (٤) أي : عدم الاشتراط.

ولكنه لم يرجّح في شرح اللمعة أحد القولين ، فراجع.

(٤) كالمحقق الأردبيلي والفاضل السبزواري قدس‌سرهما (٥).

(٥) هذا إشارة إلى وجه القول الثاني وهو عدم الاشتراط ، والمذكور في المتن وجهان ، أوّلهما العمومات السليمة عن المخصص ، فإنّها قاضية بعدم اعتبار تقدّم الإيجاب على القبول ، ورافعة للشك في الاعتبار المزبور.

(٦) هذا ثاني وجهي القول بعدم اشتراط تقدّم الإيجاب على القبول مطلقا ، وحاصله : أنّ بعض الروايات ـ كخبري أبان بن تغلب وسهل الساعدي الدالّين على

__________________

(١) : تحرير الاحكام ، ج ١ ، ص ١٦٤

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٣

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩١ ، الرّوضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٢٥

(٤) مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٥٤

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٤٤. كفاية الأحكام ، ص ٨٩

٤٣٦

على كتاب الله وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال : فإذا قالت : نعم ، فهي امرأتك (١) ، وأنت أولى الناس بها» (١).

ورواية سهل الساعدي المشهورة في كتب الفريقين ـ كما قيل (٢) المشتملة

______________________________________________________

جواز تقديم القبول في صيغة النكاح على الإيجاب ـ يدلّ بالفحوى على جواز ذلك في غير النكاح كالبيع ، لأنّ أمر النكاح أشدّ وأهمّ من غيره ، فإذا كان تقديم القبول فيه جائزا ففي غيره كالبيع الذي هو دون النكاح في الأهمية يكون التقديم جائزا بالأولوية.

(١) لا يخفى أنّ قوله عليه الصلاة والسلام : «فهي امرأتك ..» قرينة على كون «أتزوّجك» في مقام إنشاء القبول ، لا المقاولة ، فيكون دليلا على جواز إنشاء القبول بالمضارع ، وعلى جواز تقديم القبول ـ بلفظ المضارع ـ على الإيجاب.

(٢) القائل هو الشهيد الثاني في مسألة جواز إنشاء النكاح بلفظ الأمر ، حيث قال : «كما ورد في خبر سهل الساعدي المشهور بين العامة والخاصة ، ورواه كلّ منهما في الصحيح» (٢). ولا يخفى أن المروي مسندا بطرقنا خال عن هبة المرأة نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم تزويجها من رجل آخر ، ففي معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : زوّجني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لهذه؟ فقام رجل ، فقال : أنا يا رسول الله زوّجنيها ، فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي‌ء ، فقال : لا. قال : فأعادت ، فأعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام ، فلم يقم أحد غير الرّجل ، ثم أعادت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، فقال : قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن ، فعلّمها إيّاه» (٣).

ودلالتها على إنشاء صيغة النكاح الدائم ـ الّذي تقدّم القبول فيه على الإيجاب ـ قويّة جدّا.

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٤٦٦ ، الباب ١٨ من أبواب المتعة ، الحديث : ١

(٢) مسالك الافهام ، ج ٧ ، ص ٨٩

(٣) الكافي ، الفروع ، ج ٥ ، ص ٣٨٠ ، باب نوادر في المهر ، الحديث : ٥. رواه عنه الشيخ في التهذيب ، ج ٧ ، ص ٣٥٤ ، الحديث : ١٤٤٤

٤٣٧

على تقديم القبول من الزوج بلفظ «زوّجنيها» (١).

والتحقيق (٢) : أنّ القبول إمّا أن يكون بلفظ «قبلت ورضيت» وإمّا أن يكون بطريق الأمر والاستيجاب نحو : «بعني» فيقول المخاطب «بعتك» وإمّا أن يكون بلفظ : «اشتريت وملكت ـ مخفّفا ـ وابتعت».

______________________________________________________

(١) وهو بلفظ الأمر ، ولذا يستدل برواية سهل على أمرين.

أحدهما : صحة إنشاء النكاح بالأمر.

ثانيهما : عدم اشتراطه بتقدم الإيجاب على القبول.

(٢) بعد أن نقل المصنف قدس‌سره قولين في المسألة شرع في بيان مختاره ، في مقامين :

أحدهما : في حكم تقدم القبول على الإيجاب في خصوص عقد البيع.

وثانيهما : في حكمه في سائر العقود ، وسيأتي المقام الثاني بقوله : «ثم إنّ ما ذكرنا جار في كلّ قبول يؤدّى بإنشاء مستقل».

فالكلام فعلا في المقام الأوّل ، وقد فصّل بين ألفاظ القبول ، وقسّمها إلى ثلاثة أقسام ، وهي : أنّ إنشاء القبول يكون تارة بلفظ «قبلت ، رضيت ، أمضيت ، أنفذت» ونحوها ممّا له ظهور في إنشاء تمليك الثمن مع سبق الإيجاب ، بحيث لا ظهور له في ذلك بدون سبقه ، نظير تحريك الرأس في مقام الجواب عن السؤال.

ويكون أخرى بما هو ظاهر في الاستدعاء كلفظ الأمر ، مثل قول المشتري : «بعني الكتاب الفلاني بألف» فيقول البائع : «بعته إيّاك بكذا».

ويكون ثالثة بلفظ «ملكت أو اشتريت أو ابتعت» ونحوها من الألفاظ الظاهرة في إنشاء التملك والتمليك. فهذه أقسام ثلاثة.

وأمّا حكمها فهو عدم جواز تقديم القبول في القسمين الأوّلين ، وجوازه في القسم الثالث.

وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

٤٣٨

فإن كان بلفظ «قبلت» فالظاهر (١) عدم جواز تقديمه ، وفاقا لما عرفت (٢) في صدر المسألة. بل (٣) المحكيّ عن الميسيّة والمسالك ومجمع الفائدة : «أنّه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ : قبلت» (١) وهو (٤) المحكي عن نهاية الأحكام

______________________________________________________

(١) هذا شروع في بيان حكم القسم الأوّل من ألفاظ القبول ، وقد استدلّ له المصنف قدس‌سره بوجوه ثلاثة.

أوّلها : الإجماع المتضافر نقله.

ثانيها : انصراف أدلة الإمضاء إلى العقود المتعارفة ، وهي التي يتأخر قبولها عن إيجابها.

ثالثها : فرعية القبول على الإيجاب ، وسيأتي توضيح كلامه.

(٢) من القول الأوّل أعني اشتراط تقديم الإيجاب على القبول ، حيث قال : «الأشهر كما قيل : لزوم تقديم الإيجاب على القبول ..».

(٣) إشارة إلى وجه عدم جواز تقديم القبول إذا كان بلفظ «قبلت» والمراد بذلك نفي الخلاف. قال في المسالك : «وموضع الخلاف ما لو كان القبول بلفظ ابتعت أو شريت أو اشتريت أو تملّكت منك كذا بكذا ، بحيث يشتمل على ما كان يشتمل عليه الإيجاب. أمّا لو اقتصر على القبول ، وقال : قبلت وإن أضاف إليه باقي الأركان لم يكف بغير إشكال».

(٤) الضمير راجع إلى عدم جواز تقديم القبول ، لا إلى دعوى عدم الخلاف ، وذلك لأنّ المذكور في نهاية العلّامة قدس‌سره هو قوله : «ولا فرق بين أن يتقدّم قول البائع :

بعت على قول المشتري : اشتريت ، ومن أن يتقدم قول المشتري : اشتريت ، ويصحّ البيع في الحالتين على الأقوى. بخلاف ما لو قدّم : قبلت ، فإنّه لا يعدّ قبولا ، ولا جزءا

__________________

(١) : الحاكي عن هذه الكتب هو السيد الفقيه العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦٥ ، ولاحظ مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٤ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٤٦

٤٣٩

وكشف اللثام في باب النكاح (١) ، وقد اعترف به (١) غير واحد (٢) من متأخري المتأخّرين أيضا.

بل المحكي هناك (٣) عن ظاهر التذكرة (٢) الإجماع عليه.

______________________________________________________

من العقد ، فكان لغوا».

وكذا لا أثر من دعوى الإجماع في كلام الفاضل الأصبهاني في نكاح كشف اللثام ، فراجع.

(١) أي : بعدم جواز تقديم القبول.

(٢) منهم السيد الطباطبائي قدس‌سره في الرياض (٣).

(٣) أي : في باب النكاح. ولكن قال الفقيه المامقاني قدس‌سره : «ولكنّي قد لاحظت مسألة تقديم الإيجاب على القبول هناك فليس فيها من ذلك أثر. نعم قال بعد ذكر رواية سهل الساعدي وما في ذيله مما قدمنا ذكره ما لفظه : وقال أحمد : لا يصح العقد إذا قدم القبول ، لأنّ القبول إنما يكون للإيجاب ، فمتى وجد قبله لم يكن قبولا ، لعدم معناه ، فلم يصح كما لو تقدّم بلفظ الاستفهام. ولأنّه لو تأخّر عن الإيجاب بلفظ الطلب لم يصحّ ، فإذا قدّم كان أولى كصيغة الاستفهام. ولأنّه لو أتى بالصيغة المشروعة مقدّمة ، فقال : قبلت هذا النكاح ، فقال الوليّ : زوّجتك ابنتي ، لم يصحّ ، فلأن لا يصحّ إذا أتى بغيرها كان أولى. ولا بأس بهذا القول. انتهى. فلعلّ من حكى الإجماع عن ظاهرها ـ أي ظاهر التذكرة ـ استفاد منها دعواه ، من جهة أنّه جعل الصيغة المشروعة الّتي أراد بها بقرينة المثال لفظ : قبلت ، مقيسا عليه في مقام الاستدلال ، فدلّ

__________________

(١) : الحاكي عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٦٥ ، لاحظ : نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٤٨ ، كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ٧

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٥٨٣

(٣) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١١

٤٤٠