هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

على عدم (١) كون المعاطاة بيعا بيان ذلك (٢).

وأمّا على القول بالملك فلأنّ المطلق ينصرف الى الفرد المحكوم باللزوم (٣) في قولهم : «البيّعان بالخيار (٤)» وقولهم (٥) «انّ الأصل في البيع اللزوم ، والخيار (٦) إنّما ثبت لدليل».

______________________________________________________

ليس ببيع ، وإنّما هو إباحة للتصرف» (١). ونحوه غيره من عبارات جملة من الأصحاب.

(١) حيث قال المصنف قدس‌سره بعد نقل كلمات الأعلام في المعاطاة : «وأمّا دعوى الإجماع في كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا كابن زهرة في الغنية فمرادهم بالبيع المعاملة اللازمة التي هي أحد العقود ، ولذا صرّح في الغنية بكون الإيجاب والقبول من شرائط صحة البيع. ودعوى : أنّ البيع الفاسد عندهم ليس بيعا قد عرفت الحال فيها» (٢).

(٢) يعني : بيان إرادة البيع الصحيح الشرعي ـ المحكوم باللّزوم وبالخيار ـ من البيع في كلام المتشرعة ، ومعقد إجماعهم على نفي البيع عن المعاطاة.

(٣) استشهد المصنف قدس‌سره بعبارات أربع على أنّهم أرادوا من «البيع» في فتاواهم البيع المفيد للملك اللازم ، فإذا لم يؤثّر فيه لم يكن بيعا حقيقة.

(٤) هذا هو المورد الأوّل من كلمات الأصحاب ، حيث ينزّل إطلاق «البيّعان» على من أنشأ بيعا لازما ، فلا يجري الخيار في المعاطاة ، لعدم ترتب ملك لازم عليها.

(٥) هذا هو المورد الثاني ، إذ المراد من «البيع» هو اللّازم ، فما ليس بلازم لا يكون بيعا.

(٦) هذه الجملة متمّمة للعبارة الثانية الّتي نقلها المصنف عن الفقهاء ، والأولى تأخيرها عن العبارة الثالثة ، وهي : قول الفقهاء : «ان البيع ـ بقول مطلق ـ من العقود اللازمة» ولا يخفى وجهه.

__________________

(١) : غنية النزوع (ضمن الجوامع الفقهية) ص ٥٢٤

(٢) راجع الجزء الأول من هذا الشرح ، ص ٣٨٤ إلى ٣٨٦

٢١

وأنّ (١) البيع ـ بقول مطلق ـ من العقود اللازمة. وقولهم (٢) : البيع هو العقد الدالّ على كذا. ونحو ذلك (٣).

وبالجملة (٤) : فلا يبقى (*) للمتأمّل شكّ في أنّ إطلاق البيع في النص

______________________________________________________

(١) معطوف على : «قولهم» يعني : وقول الفقهاء : إنّ البيع بقول مطلق ينصرف إلى الفرد المحكوم باللزوم.

(٢) معطوف على «قولهم» وهذه هي العبارة الرابعة ، يعني : أنّ مراد الفقهاء من تعريف البيع بالعقد الدال على نقل الملك هو البيع المبني على اللزوم ، لا الأعم منه ومن المبني على الجواز أو الإباحة.

(٣) كقولهم : «الإقالة في البيع كذا» إذ ينصرف كلامهم إلى إقالة البيع اللازم ، ولا يشمل المعاطاة.

(٤) هذه خلاصة ما أفاده بقوله : «ويشهد للثاني». والمقصود تثبيت انصراف البيع ـ في النص والفتوى ـ إلى خصوص فرده اللازم ، وعدم شمول أحكام البيع للعقد المفيد للملك المتزلزل ، أو للإباحة.

__________________

(*) هذا الجزم بالانصراف مناف لما تكرر في كلماته قدس‌سره ، منها : قوله ـ بعد أسطر في وجه تفصيل آخر في المسألة بين الشرائط ـ : «ويمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النص .. إلخ» لتسليمه الإطلاق ، وعدم الانصراف في النصوص.

ومنها : قوله في تقوية الوجه الأوّل فيما بعد : «والأقوى اعتبارها .. إلخ» لابتنائها على عدم الانصراف في النص والفتوى معا ، أو في خصوص الأوّل.

ومنها : قوله ـ بعد نقل كلام الشهيد ـ من : أنّ مورد أدلة اعتبار الشرائط هو البيع المعاطاتي العرفي ، لندرة البيع العقدي اللفظي.

ومنها : غير ذلك مما سيأتي التنبيه عليه.

٢٢

والفتوى يراد به (١) ما لا يجوز فسخه إلّا بفسخ عقده بخيار أو بتقايل.

ووجه الثالث (٢) : ما تقدّم للثاني (٣) على القول بالإباحة من سلب البيع عنه (٤) ، وللأوّل (٥) على القول بالملك من صدق البيع عليه

______________________________________________________

(١) يعني : يراد به البيع الذي يكون بطبعه لازما ، بحيث لا ينفسخ إلّا بالخيار أو التقايل.

(٢) وهو اعتبار شروط البيع في المعاطاة المفيدة للملك ، وعدم اعتبارها فيها بناء على إفادتها للإباحة. والدليل على هذا التفصيل مؤلّف من الدليلين المتقدمين في الاحتمالين الأوّلين ، وسيأتي تقريب ذلك.

(٣) وهو عدم اعتبار الشروط في المعاطاة مطلقا وإن أفادت الملك ، توضيحه : أنّه قد تقدّم في المعاطاة المقصود بها التمليك عدم اعتبار شروط البيع فيها حتى على القول بإفادتها الملك ، لظهور «البيع» في النصّ والفتوى في البيع اللازم أي المبني على اللزوم ، فالمعاطاة المفيدة للملك الجائز خارجة عن موضوع أدلة شروط البيع. وعليه فالمعاطاة المفيدة للإباحة خارجة عن موضوع أدلة الشروط بالأولوية ، لعدم كونها بيعا حقيقة ، ولذا يصح سلبه عنها.

(٤) أي : عن المعاطاة ، والأولى تأنيث الضمير.

(٥) أي : للوجه الأوّل ، وهو كون المعاطاة مشروطة بشرائط البيع ، توضيحه : أنّ الوجه في الاحتمال الثالث ـ وهو التفصيل في الشروط بين ترتيب الملك والإباحة ـ هو ما تقدم في الاحتمال الثاني أعني به عدم اعتبار الشروط في المعاطاة مطلقا ، وفي الاحتمال الأوّل وهو اعتبارها مطلقا ، فنقول : إنّ وجه اعتبارها في المعاطاة المفيدة للملك هو ما تقدم في الوجه الأوّل من كون المعاطاة بيعا عرفا ، فيشملها أدلة شروط البيع.

ووجه عدم اعتبارها في المعاطاة المفيدة للإباحة ما تقدّم في الوجه الثاني بناء على القول بالإباحة من عدم كون المعاطاة بيعا ، فلا تشملها أدلّة شروط البيع.

٢٣

حينئذ (١) وإن لم يكن لازما.

ويمكن الفرق (٢) بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النص ، فيحمل (*) على البيع العرفي وإن لم يفد عند الشارع إلّا الإباحة ، وبين ما ثبت

______________________________________________________

(١) أي : حين إفادتها للملك وإن كان الملك جائزا متزلزلا.

(٢) مقصوده قدس‌سره إبداء تفصيل آخر في المسألة غير التفصيل المتقدم المبتني على صدق البيع على المعاطاة وعدمه. وتوضيح هذا التفصيل : أنّ المعوّل ـ في اشتراط المعاطاة بشروط البيع اللفظي ـ أدلة الشروط ، فإن ثبت الشرط بدليل لفظي له إطلاق كان معتبرا في المعاطاة المقصود بها الملك أيضا. وإن ثبت بدليل لبّيّ كالإجماع لم يكن معتبرا فيها ، لكون المجمعين بصدد بيان شروط البيع المبني على اللزوم بحسب طبعه ، لا مطلق البيع حتى لو كان مؤثّرا في الملك الجائز ، أو الإباحة التعبدية.

وعلى هذا فشرطية معلومية العوضين ـ مثلا ـ لمّا كانت ثابتة بمثل نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عن بيع الغرر» فلا بد من اعتبارها في المعاطاة أيضا بعد صدق البيع العرفي عليها. وأمّا شرطية التنجيز فلا تجري في المعاطاة ، إذ المستند فيها هو الإجماع على ما سيأتي في شروط الصيغة إن شاء الله تعالى. وعليه فلا مانع من تعليق المعاطاة على أمر متوقّع الحصول.

__________________

(*) هذا أحد مواضع المنافاة لما أفاده بقوله : «وبالجملة فلا يبقى للمتأمّل شك .. إلخ» وجه المنافاة : أنّ حمل «البيع» في النص على العرفي المبني على تسليم الإطلاق وعدم الانصراف في النصوص وإن لم يفد عند الشارع إلّا الإباحة ينافي الجزم بما أفاده من قوله : «انّ إطلاق البيع في النص والفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه .. إلخ» وبما أفاده بقوله : «ويشهد للثاني : أن البيع في النص والفتوى ظاهر فيما حكم فيه باللزوم .. إلخ.»

٢٤

بالإجماع على اعتباره في البيع بناء (١) (*) على انصراف البيع في كلمات المجمعين إلى العقد اللازم.

والاحتمال الأوّل (٢) لا يخلو عن قوّة ، لكونها (٣) (**) بيعا ظاهرا على

______________________________________________________

هذا بناء على تسليم انصراف «البيع» في كلمات المجمعين إلى العقد اللازم. وأمّا إذا أنكرنا الانصراف وسلّمنا إطلاق معقد الإجماع لكل بيع عرفي ـ وإن لم يفد الملك اللازم ـ كان حال الشرط الثابت به حال الشرط الثابت بدليل لفظي.

وبالجملة : فالاحتمالات ـ بناء على هذا التفصيل ـ ثلاثة أيضا.

(١) وأمّا بناء على منع الانصراف كان الشرط الثابت بالإجماع كالشرط الثابت بدليل لفظي في جريانه في كل بيع عرفي ، سواء أكان قوليّا أم فعليّا كما مرّ.

(٢) وهو اعتبار الشروط في المعاطاة المقصود بها التمليك مطلقا ، يعني : سواء أفادت الملك أم الإباحة. ومقصوده قدس‌سره ترجيح الاحتمال الأوّل ـ من الاحتمالات الثلاثة المتقدمة أوّلا ـ أمّا بناء على إفادة الملك فلأنّها بيع عرفي. وأمّا بناء على ترتب الإباحة الشرعية عليها فلأنّ القدر المتيقن منها اجتماع شرائط البيع فيها ، فمع فقد بعضها يشك في شمول الإجماع لها ، ومن المعلوم أنّ أصالة عدم ترتّب الإباحة محكّمة.

(٣) أي : لكون المعاطاة بيعا ظاهرا بناء على القول بالملك مع قصد المتعاطيين للتمليك كما هو المفروض ، والتقييد بقوله : «ظاهرا» إشارة إلى احتمال كونها معاملة مستقلة وإن كان موهوما.

__________________

(*) هذا أيضا ينافي الجزم بانصراف البيع في النص والفتوى إلى العقد اللازم.

(**) منافاة هذا أيضا للجزم بانصراف البيع إلى العقد اللازم واضحة ، لأنّ المعاطاة على القول بالملك جائزة ، فالبيع منصرف عنها ، فتقوية الاحتمال الأوّل تنافي الجزم بإرادة خصوص البيع اللّازم من إطلاق البيع في النص والفتوى.

٢٥

القول بالملك كما عرفت (١) من جامع المقاصد.

وأمّا (٢) على القول بالإباحة فلأنّها لم تثبت (*) إلّا في المعاملة الفاقدة للصيغة فقط ، فلا تشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضا (٣) (**).

______________________________________________________

(١) في أوائل المعاطاة ـ بعد نقل الأقوال فيها ـ حيث حكى المصنف عن جامع المقاصد ما لفظه : «إن المعروف بين الأصحاب أنّ المعاطاة بيع وإن لم تكن كالعقد في اللزوم» (١).

(٢) معطوف على «على القول بالملك» ومقصوده إثبات اعتبار الشروط في المعاطاة حتى لو أفادت الإباحة خاصة. والوجه في الاعتبار هو الأخذ بالقدر المتيقن من الإجماع على ترتب الإباحة عليها وعدم كونها فاسدة أصلا.

(٣) أي : كما كانت فاقدة للصيغة.

__________________

(*) قال المدقق الأصفهاني قدس‌سره : «وأما قصور دليل تأثير المعاطاة والإباحة عن شموله لفاقد غير الصيغة أيضا فهو خلاف المشاهد من سيرة المسلمين من عدم رعايتهم لما يعتبر في العقد القولي كما عن كاشف الغطاء وغيره» (٢). بل ينبغي الجزم بعدم اعتبار شي‌ء من شروط البيع في المعاطاة بناء على الإباحة المالكية كما لا يخفى ، لكنها غير مقصودة ، إذ المقصود هو الإباحة الشرعية.

(**) هذا وجيه بناء على كون الوجه في الإباحة الإجماع أو السيرة ، لأنّ المتيقّن منها هو صورة استجماع المعاطاة للشرائط ، وأمّا إذا كان الوجه فيها قاعدة طيب النفس أو قاعدة السلطنة ـ بناء على مشرّعيّتها للأسباب ـ فلا وجه لاعتبار شروط البيع فيها أصلا.

__________________

(١) : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٥٨

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٣٨

٢٦

ثمّ إنّه (١) حكي عن الشهيد رحمه‌الله في حواشيه على القواعد :

______________________________________________________

(١) غرضه من نقل كلام الشهيد قدس‌سرهما التنبيه على أنّ اعتبار الشروط في المعاطاة ممّا اختلف فيه الأصحاب وليس من المسلّمات ، فيكون هذا كالاستدراك على قوله : «وأمّا على القول بالإباحة» لأنّ المصنف قدس‌سره حكم باعتبار شروط البيع في المعاطاة المفيدة للإباحة من باب الأخذ بالمتيقن من الدليل اللّبّي ، ومن المعلوم أنّ حكم الشهيد قدس‌سره بترتّب الإباحة على المعاطاة الفاقدة لشرائط البيع ينافي ترجيح الاحتمال الأوّل ، وهو اعتبار الشروط فيها مطلقا سواء أفادت الملك أم الإباحة.

وما أفاده المصنف حول كلام الشهيد أمران ، الأوّل تقرير كلامه ، والآخر توجيهه بنحو لا يعدّ قدس‌سره مخالفا في المسألة.

أما الأوّل فبيانه : أنّ الشهيد منع ـ في حواشيه على قواعد العلّامة ـ من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في ما يتوقّف على الملك كأداء الخمس والزكاة به ، وشراء الهدي به ، لتوقف هذه التصرفات على الملك المفقود على المعاطاة قبل طروء الملزم. ثم ذكر مسائل أربع يظهر منها عدم توقف تأثير المعاطاة في الإباحة ـ مع قصد الملك ـ على اجتماع شروط البيع القولي فيها ، وهي كما يلي :

الأولى : جواز التعاطي على عوضين مجهولين ، فيباح لكلّ منهما التصرف فيما أخذه من الآخر. ومن المعلوم أنّها لو كانت عقدا كالبيع القولي اعتبر فيها العلم بالعوضين حتى ينتفي الغرر.

الثانية : أنّه يعتبر في بيع النسيئة تعيين الأجل الذي يستحق البائع ـ عند حلوله ـ مطالبة الثمن من المشتري ، فلو اشترى زيد من عمرو شيئا معاطاة لم يتوقف إباحة التصرف فيه على تسمية الأجل. ويستكشف من هذه الفتوى أنّ المعاطاة المفيدة للإباحة لا تكون محكومة بأحكام البيع أصلا.

الثالثة : أنّه لا يجوز مباشرة الأمة المشتراة بالمعاطاة ، لتوقف هذا التصرف الخاص على ملك اليمين أو التحليل المعلوم انتفاؤه ، وحيث إنّ المعاطاة لا تؤثّر إلّا في

٢٧

أنّه بعد ما منع (١) من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي إلّا بعد تلف العين ـ يعني العين الأخرى ـ ذكر : «أنّه يجوز (٢) أن يكون الثمن والمثمن في المعاطاة مجهولين ، لأنّها ليست عقدا. وكذا (٣) جهالة الأجل ، وأنّه (٤) لو اشترى أمة بالمعاطاة لم يجز له (٥) نكاحها قبل تلف الثمن» انتهى.

______________________________________________________

الإباحة المجرّدة عن الملك لم يجز للمشتري ذلك ، نعم لو تحقّق الملزم بأن تلف الثمن في يد البائع جاز نكاحها للمشتري ، لدخولها في ملكه حسب الفرض.

الرابعة : أنّه لا ريب في توقف الملك في بيع الصرف على التقابض في مجلس العقد ، وكذا يعتبر قبض الثمن في بيع السّلم ، وهذا واضح في البيع بالصيغة. وأمّا لو باع الدرهم والدينار بالمعاطاة فلا يتوقف إباحة التصرف فيهما على التقابض ، بل يكفي إعطاء أحدهما وأخذ الآخر ، فيكون كبيع النسيئة. وهذا كاشف عن عدم بيعية المعاطاة المفيدة للإباحة تعبدا وإن كان مقصودهما الملك.

هذا توضيح نظر الشهيد ، وأمّا توجيهه فسيأتي إن شاء الله تعالى.

(١) هذا المنع ظاهر في عدم إفادة المعاطاة للملك ، ولذا لا يجوز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي إلّا بعد حصول ما يوجب الملك كتلف العين الأخرى عند المتعاطي الآخر.

(٢) غرضه أنّ المعاطاة المفيدة للإباحة لا يعتبر فيها معلومية العوضين التي هي شرط صحة البيع. وهذه هي المسألة الأولى.

(٣) معطوف على «يجوز» وهذه هي المسألة الثانية.

(٤) معطوف على «أنّه» وهذه هي المسألة الثالثة.

(٥) لعدم صيرورتها ملكا للمشتري قبل تلف الثمن عند البائع. وأمّا بعد التلف فيجوز التصرف في الأمة ، لحصول الملك بتلف إحدى العينين.

وبالجملة : فالمعاطاة المفيدة للإباحة وإن قصد بها التمليك ـ كما هو المفروض ـ لا يعتبر فيها شروط البيع.

٢٨

وحكي عنه في باب الصرف أيضا : «أنّه (١) لا يعتبر (*) التقابض في المجلس في معاطاة النقدين».

أقول (٢) : حكمه قدس‌سره (**) بعدم جواز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في

______________________________________________________

(١) هذه هي المسألة الرابعة. ولا يخفى عليك أنّ كلام الشهيد قدس‌سره مبني على كفاية الإعطاء من طرف واحد والأخذ من آخر في تحقق المعاطاة ، فلو اعتبر فيه التعاطي لم يتصوّر المعاطاة بدون التقابض من الطرفين. وسيأتي تحقيق هذه الجهة في التنبيه الثاني إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا هو الأمر الثاني أعني به توجيه كلام الشهيد بنحو لا يعدّ مخالفا في مسألة اعتبار شروط البيع القولي في المعاطاة سواء أفادت الملك أم الإباحة. توضيحه : أنه قدس‌سره أفتى أوّلا بحرمة التصرف ـ المتوقف على الملك ـ في المأخوذ بالمعاطاة سواء أفادت الملك أم الإباحة. ثم أفتى ثانيا بعدم اعتبار معلومية العوضين في المعاطاة ، وعلّله قدس‌سره بقوله : «لأنّها ليست عقدا». وهذه الفتوى الثانية وإن كانت ظاهرة في أنّ شرائط البيع ملغاة في المعاطاة المبيحة ، فيكون قدس‌سره مخالفا لما أفاده المصنف من اعتبار شروط البيع فيها سواء أفادت الملك أم الإباحة. إلّا أنّ التعليل المذكور في كلام الشهيد ربما يكون قرينة على خروج المعاطاة عن عقد البيع رأسا ، فعدم اعتبار شروطه فيها يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

__________________

(*) لم يظهر شهادة هذا الفرع بعدم اعتبار شروط البيع في المعاطاة ، إذ المستفاد منه توقف الملك على العقد ، فلا يجوز التصرف في الأمة المشتراة بالمعاطاة. ولا دلالة فيها على عدم اعتبار شروط البيع في إفادة الإباحة ، فتدبّره.

(**) ربما يقال : بأن المناسب التعرض لكلام الشهيد قدس‌سره ذيل الوجه الثالث ،

٢٩

الصدقات الواجبة وعدم جواز نكاح المأخوذ بها صريح في عدم إفادتها

______________________________________________________

وبيانه : أنّ في التعليل احتمالين :

الأوّل : أن يكون مراده من عدم كون المعاطاة عقدا عدم تأثيرها في الملك ، بدعوى ترتب الملك على خصوص العقد المؤلّف من إيجاب وقبول لفظيّين ، فإذا أفادت إباحة التصرف فيما لا يتوقف على الملك كان عدم اعتبار شروط البيع فيها مقتضى القاعدة ، إذ لا وجه لكون المعاطاة المفيدة للإباحة التعبدية محكومة بأحكام البيع الذي هو عقد مملّك.

الثاني : أن يكون مراده عدم تأثيرها في الملك اللازم ، وإنّما تفيد ملكا جائزا ، ويكون عدم اعتبار معلومية العوضين في المعاطاة لأجل اختصاص هذا الشرط بالبيع المبني على اللزوم بحسب طبعه وهو المنشأ باللفظ. وعلى هذا فإلغاء شروط البيع اللازم في المعاطاة المؤثّرة في الملك المتزلزل موافق للقاعدة ، واعتبارها فيها منوط بدليل.

إذا عرفت هذين الاحتمالين في التعليل يتضح عدم كون الشهيد قدس‌سره مخالفا في المسألة ، وذلك لأنّ تقوية المصنف قدس‌سره جريان شروط البيع في المعاطاة سواء أفادت الملك أم الإباحة مبنيّة على كونها بيعا عرفيا ، لقصدهما تمليك عين بعوض ، وهذا حقيقة البيع. وأمّا الشهيد قدس‌سره النافي لاعتبار العلم بالعوضين في المعاطاة فإنّما هو لمنع صدق العقد عليها ، لظهور العقد في الإنشاء بالصيغة المعهودة.

نعم لو التزم الشهيد ببيعية المعاطاة المفيدة للإباحة كان مخالفا في المسألة.

__________________

قبل تقوية الوجه الأوّل ، ليظهر أنّ الوجه الثالث يستفاد من كلام الشهيد. هذا.

لكن لا يخلو ذكره بعد تقوية الوجه الأوّل من المناسبة ، إذ بعد ترجيح المصنف له لا بدّ من التعرض لما ينافيه ظاهرا وتوجيهه. والأمر سهل.

٣٠

للملك (١) ، إلّا أنّ حكمه قدس‌سره بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع والصرف معلّلا بأنّ المعاطاة ليست عقدا يحتمل (٢) (*) أن يكون باعتبار عدم الملك ، حيث إنّ المفيد للملك منحصر في العقد (٣). وأن (٤) يكون باعتبار عدم اللزوم ، حيث إنّ الشروط المذكورة (٥) شرائط للبيع العقدي اللازم.

______________________________________________________

(١) إذ مع إفادة المعاطاة للملك ـ ولو للملك الجائز ـ يجوز التصرف في المأخوذ بالمعاطاة بلا إشكال ، لسلطنة الناس على أموالهم ، وليس اللزوم شرطا في صحة التصرفات ، فنفس جواز التصرفات المزبورة يكشف عن عدم إفادة المعاطاة إلّا للإباحة ، هذا.

لكن الحق جواز التصرفات المذكورة وعدم توقفها على الملك كما قرّر في محله.

نعم بناء على إفادة المعاطاة للإباحة المالكية وبناء على كفاية ذلك في حصول التحليل المسوّغ لوطي أمة الغير جاز وطؤها بالمعاطاة المفيدة للإباحة ، وإلّا فلا.

(٢) خبر قوله : «أنّ حكمه» وهذا هو الاحتمال الأوّل ، أي : لأنّ المعاطاة تفيد الإباحة لا الملك.

(٣) يعني : فإذا لم تكن المعاطاة مفيدة للملك لم تكن عقدا ، فعدم اعتبار شروط البيع فيها يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

(٤) معطوف على قوله : «أن يكون» وهذا هو الاحتمال الثاني في التعليل.

(٥) مثل معلومية العوضين والتقابض في بيع الصرف ، وإقباض الثمن في بيع السّلم ، ونحوها.

__________________

(*) هذا الاحتمال أقوى من الاحتمال الثاني الذي ذكره بقوله قدس‌سره : «وأن يكون باعتبار عدم اللزوم» وذلك لأنّ عدم جواز التصرفات المزبورة المتوقفة على الملك يكشف عن عدم الملك ، فعدم اعتبار الشروط حينئذ في المعاطاة إنّما هو لعدم كونها بيعا مفيدا للملك ، والمفروض أنّ الشرائط مختصة بالبيع.

٣١

والأقوى (١) اعتبارها (٢) وإن قلنا بالإباحة ، لأنّها (٣) بيع عرفي وإن لم تفد شرعا إلّا الإباحة ، ومورد الأدلة الدالة على اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفي ، لا خصوص العقدي (٤) (*)

______________________________________________________

(١) بعد أن فرغ المصنف قدس‌سره من الاستدلال لكلّ واحد من الوجوه الثلاثة أراد أن يبيّن مختاره في المسألة ، واعترض في خلاله على التعليل المتقدم في كلام الشهيد قدس‌سره وقال : إنّ الأقوى هو الاحتمال الأوّل ، أعني به اعتبار شرائط البيع في المعاطاة مطلقا سواء أفادت الملك أم الإباحة ، واستدل عليه بدليلين :

الأوّل : أنّ المعاطاة المذكورة بيع عرفي ، إذ المفروض قصد المتعاطيين لتمليك عين متموّلة بمال ، الذي هو معنى البيع على ما تقدم في تعريفه ، فبيعيّة المعاطاة عرفا حينئذ مما لا إشكال فيه وإن أفادت شرعا الإباحة ، ومورد أدلة شروط البيع هو البيع العرفي الصادق على المعاطاة ، لا خصوص البيع العقدي حتّى لا يصدق عليها.

وبعبارة أخرى : كلام المصنف قدس‌سره مؤلّف من صغرى ، وهي قوله : «انّ المعاطاة بيع عرفي» وكبرى ، وهي : «أنّ كل بيع عرفي محكوم بشرائط البيع الواردة في الأدلة» وهذه الكبرى مفاد قوله : «ومورد الأدلة .. إلخ».

(٢) أي : اعتبار شروط البيع في المعاطاة سواء أفادت الملك أم الإباحة الشرعية.

(٣) هذا هو الدليل الأوّل على مختاره ، وقد تقدّم توضيحه.

(٤) كما زعمه الشهيد ، حيث قال : «لأنها ليست عقدا» إذ لا وجه لمنع بيعية المعاطاة المقصود بها التمليك.

__________________

(*) هذا أحد مواضع المنافاة لقوله : «وبالجملة : فلا يبقى للمتأمّل شك في أنّ إطلاق البيع في النص والفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه إلّا بفسخ عقده .. إلخ» لأنّ كلامه هذا صريح في إرادة خصوص العقد اللازم ، لا البيع العرفي فقط ، وهو مناف

٣٢

بل (١) تقييدها بالبيع العقدي تقييد بغير الغالب (*).

ولما (٢) عرفت

______________________________________________________

(١) غرضه أنّ تقييد إطلاق البيع العرفي في أدلة الشروط بخصوص البيع العقدي تقييد بالفرد النادر ، لكون الغالب في الخارج هو البيع المعاطاتي ، ومن المعلوم أنّ تقييد الإطلاق بالفرد النادر ممّا لا سبيل للالتزام به.

(٢) معطوف على قوله : «لأنها بيع عرفي» وإشارة إلى الدليل الثاني ، وحاصله : أنّه ـ بعد البناء على عدم استفادة حكم المعاطاة من الأدلة الاجتهادية من حيث إفادتها للملك ـ يكون مقتضى الأصل العملي عدم ترتب الأثر المقصود وهو الملكية على المعاطاة المقصود بها الملك ، وقد خرجت المعاطاة الجامعة لشروط البيع ـ عدا الصيغة ـ عمّا يقتضيه الأصل من حرمة التصرف في مال الغير ، وبقي الباقي ، لأنّ

__________________

لقوله : «لأنّها بيع عرفي وإن لم تفد شرعا .. إلخ» لأنّه مبني على تسليم الإطلاق وعدم الانصراف. ومنافاة هذا الكلام لقوله : «وبالجملة فلا يبقى للمتأمّل شك .. إلخ» من الواضحات.

وأيضا ينافي قوله : «لا خصوص العقدي» ما تقدم عنه سابقا من جعل المعاطاة عقدا ، لأنّه قضية تمسّكه على صحتها بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ومجرّد عدم إفادتها الملك على قول بعض لا يخرجها عن العقد العرفي ، كما لا يخرجها عن البيع العرفي فالأنسب حينئذ مقابلة البيع العرفي للبيع الشرعي لا العقدي.

(*) هذا أيضا من مواضع التنافي المزبور ، لأنّ غلبة أفراد المعاطاة وندرة أفراد البيع العقدي تنافي دعوى انصراف البيع إلى خصوص العقدي ، لأنّ التقييد بالعقدي بناء على ندرته يكون من تقييد الإطلاق بالفرد النادر المستهجن عند أبناء المحاورة ، ومع ندرته كيف يكون هو المتيقن والمنصرف إليه الإطلاق؟

٣٣

من أنّ الأصل (١) في المعاطاة ـ بعد القول بعدم الملك ـ الفساد ، وعدم تأثيره (٢) شيئا (٣) ، خرج ما هو محلّ الخلاف بين العلماء من (٤) حيث اللزوم وعدمه (٥) ، وهو (٦) المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة ، وبقي الباقي (٧).

______________________________________________________

موضوع إباحة التصرفات هو المعاطاة الجامعة لتلك الشرائط دون غيرها.

فالمتحصل : أنه يعتبر في المعاطاة المقصود بها التمليك ـ وإن أفادت الإباحة ـ جميع الشروط المعتبرة في البيع.

(١) المراد به استصحاب عدم ترتب الأثر على المعاملة ، ويعبّر عنه بأصالة الفساد ، وقد نبّه المصنف على هذا الأصل عند مناقشة استبعادات كاشف الغطاء قدس‌سره ، حيث قال : «وأما ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملّكا فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضى الجمع بين الأصل ودليل جواز التصرف المطلق .. إلخ». وكذا قال في ردّ قاعدة التبعيّة : «أما المعاملات الفعلية التي لم يدلّ على صحّتها دليل فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها» (١).

(٢) أي : عدم تأثير المعاطاة ، والأولى تأنيث الضمير.

(٣) أي : لا ملكا ولا إباحة.

(٤) متعلق ب «الخلاف».

(٥) يعني : من حيث إنّ الصيغة دخيلة في اللزوم أو غير دخيلة فيه.

(٦) بيان للموصول في «ما هو محل الخلاف» يعني : أنّ محلّ النزاع بينهم هو خصوص المعاملة الجامعة لشروط البيع ، ولا تغايرها إلّا من حيث فقد الصيغة فيها.

(٧) يعني : تحت أصالة الفساد ، كالمعاطاة مع الجهل بأحد العوضين ، أو بدون القبض في الصرف والسّلم ، وغير ذلك.

__________________

(١) : لاحظ الجزء الأوّل من هذا الشرح ، ص ٤٤١ و٤٥٥

٣٤

وبما (١) ذكرنا يظهر وجه تحريم الرّبا فيه (٢) أيضا (٣) وإن (٤) خصّصنا الحكم

______________________________________________________

المقام الثاني : جريان أحكام البيع في المعاطاة

أ : حرمة الرّبا

(١) أي : بما ذكرناه في وجه اعتبار شرائط البيع في المعاطاة مطلقا ـ من أن موردها البيع العرفي ، والمعاطاة بيع عرفا ـ يظهر وجه تحريم الرّبا فيها .. إلخ.

توضيح المقام : أنّه قد تقدم في أوّل هذا التنبيه : أنّ المصنّف تعرّض للبحث عن جريان شرائط البيع وأحكامه في المعاطاة في مقامين ، أحدهما في الشرائط ، والآخر في الأحكام. وهذا شروع في المقام الثاني ، وهو يتضمن جهتين ، الأولى : في حكم جريان الرّبا المعاوضي في المعاطاة ، والثانية في حكم جريان الخيار فيها.

أمّا الجهة الأولى فمحصلها : أنّ الظاهر حرمة الربا في المعاطاة إذا كان العوضان من الجنس الربوي ، كحرمته في البيع العقدي ، سواء قلنا باختصاص دليل حرمة الرّبا بالبيع ، أم بشموله لكل معاوضة عرفية أو شرعية ، وسواء أكان مقصودهما الملك أم الإباحة. أمّا بناء على اختصاص الحرمة بالبيع فلصدقه على المعاطاة المقصود بها الملك. وأمّا بناء على جريان حرمة الربا في كل معاوضة فالأمر أوضح ، إذ لو فرض الشك في بيعية المعاطاة لم يكن شك في صدق المعاوضة عليها سواء قصد الملك أم الإباحة. والشاهد على كونها معاوضة كلام الشهيد في حواشي القواعد من «أنّ المعاطاة معاوضة مستقلة لازمة أو جائزة».

وعليه فلا مجال للقول بمشروعيّتها عند كون العوضين من جنسين ربويّين مع التفاضل ، هذا. ولا يخفى أنّ المذكور من صور المسألة في المتن ـ ثلاث ، سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.

(٢) أي : في المعاطاة ، والأولى تأنيث الضمير.

(٣) يعني : كحرمة الرّبا في البيع العقدي.

(٤) وصلية. والوجه في حرمة الرّبا واضح بناء على اختصاص حرمته بالبيع ، لفرض صدقه عرفا على المعاطاة كما مرّ مرارا. ثم إنّ قوله : «وإن خصّصنا ..» إشارة

٣٥

بالبيع (١) ، بل (٢) الظاهر التحريم حتى عند من لا يراها مفيدة للملك ،

______________________________________________________

الى الخلاف في حرمة الرّبا في مطلق العقود المعاوضية. فمنهم من خصّ الحرمة بالبيع كما حكي عن غصب السرائر ، والمختلف والقواعد والإرشاد. ومنهم من عمّمها لكلّ معاوضة ، كما حكي عن السيد المرتضى وشيخ الطائفة. والقاضي ، وجمع من المتأخرين. ومنهم من توقّف في ذلك كما حكي عن العلامة في غصب القواعد وصلحه ، وعن فخر المحققين في غصب الإيضاح. وإن شئت الوقوف على التفصيل فراجع مفتاح الكرامة (١).

(١) فلو عمّمنا حرمة الرّبا لكلّ معاوضة ـ وإن لم تكن بيعا ـ فالأمر أوضح ، لصدق المعاوضة على المعاطاة وإن لم يحرز بيعيّتها.

(٢) هذا إضراب عن مجرد ظهور جريان حرمة الرّبا في المعاطاة ـ بناء على اختصاصها بالبيع ـ إلى إثبات حرمتها فيها حتى مع التشكيك في صدق البيع على المعاطاة. وكلام المصنف هنا إشارة إلى توهم ودفعه.

أمّا التوهم ، فهو : أنّه لا مجال للجزم بحرمة الرّبا في المعاطاة ، لأنّ وزانها وزان الشروط التي تقدّم البحث فيها في المقام الأوّل من تطرّق احتمالات ثلاثة فيها من جريانها مطلقا ، وعدمه كذلك ، والتفصيل بين إفادة الملك والإباحة ، فينبغي إلحاق حرمة الرّبا ببحث الشروط ، لا استظهار جريانها فيها مطلقا على ما هو مفاد قوله : «وبما ذكرنا يظهر وجه تحريم الرّبا فيه ..».

وأما الدفع فحاصله : أنّه ليس في الرّبا إلّا احتمال الجريان مطلقا ، لبطلان المعاملة الرّبوية ، فلا مجال لأن يقال : إن موضوع حرمة الرّبا هو البيع اللازم أو الصحيح ، اللّذان هما وجهان للاحتمال الثاني والأخير في مسألة اعتبار الشروط وعدمه. فالمراد بقوله : «بل الظاهر» هو أنّه لا بد من القول بتحريم الرّبا في المعاطاة مطلقا حتى عند من يراها مفيدة للإباحة ، إذ لا شبهة في كون موضوع حرمة الرّبا

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٥٠٢

٣٦

لأنّها (١) معاوضة عرفية وإن لم يفد (٢) الملك ، بل (٣) معاوضة شرعية كما اعترف بها (٤) الشهيد رحمه‌الله في موضع من الحواشي ، حيث قال : «إنّ المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة» (١) انتهى (*).

______________________________________________________

هو مطلق المعاوضة العرفية ومن المعلوم أنّ المعاطاة معاوضة عرفية ، فيحرم الرّبا فيها.

(١) تعليل للتعميم المستفاد من قوله : «بل الظاهر» والمستفاد من هذه العبارة حكم صورة ثانية ، وهي ما لو شكّ في صدق البيع على المعاطاة المفيدة للإباحة تعبدا. والوجه في حرمة الرّبا فيها صدق المعاوضة عليها عرفا ، بضميمة إطلاق دليل حرمة الرّبا لكلّ معاوضة وإن لم ينطبق عليها حدّ البيع.

(٢) بل أفادت الإباحة تعبّدا كما هو مسلك مشهور القدماء.

(٣) إضراب عن مجرّد كون المعاطاة معاوضة عرفية ، إلى أنّها معاوضة ممضاة شرعا وإن اختلف في حكمها لزوما وجوازا. وحيث كانت معاوضة شرعية كانت محكومة بأحكام المعاوضات المالية التي منها حرمة الرّبا ، فلا مجال لدعوى اختصاص الحرمة بالمعاوضات المشروعة كالبيع والصلح ، وعدم جريانها في المعاوضة العرفية التي لم يحرز إمضاؤها شرعا.

(٤) أي : بشرعية المعاوضة. والمراد بالمعاوضة الشرعية هنا المعاوضة بين العينين في الإباحة ، في قبال المعاوضة العرفية التي هي المبادلة بينهما في الملك.

__________________

(*) الاستشهاد بهذه العبارة على كون المعاطاة الإباحية معاوضة شرعية مبني على ما استظهره المصنّف منها في التنبيه السابع من أنّها ناظرة إلى حكم المعاطاة الإباحية لا التمليكيّة ، فيكون مراد الشهيد من جواز الإباحة ولزومها حكمها قبل طروء الملزم وبعده. وإلّا فلو كانت العبارة ناظرة إلى المعاطاة المفيدة للملك لم يتجه

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٨

٣٧

ولو قلنا (١) بأن المقصود للمتعاطيين الإباحة ـ لا الملك ـ فلا يبعد أيضا (٢) جريان الرّبا ، لكونها معاوضة عرفا (*) ،

______________________________________________________

(١) هذه إشارة إلى صورة ثالثة ، وهي : إثبات حرمة الرّبا في المعاطاة المقصود بها الإباحة المالكية ، لا الملك ، والوجه فيه صدق المعاوضة العرفية على إباحة كل منهما ماله للآخر ، فيحرم الرّبا فيها بناء على جريان الرّبا في مطلق المعاوضات وعدم اختصاص حرمتها بالبيع.

(٢) يعني : كما لا يبعد جريان الرّبا في الصورة الثانية ، وهي المعاطاة المفيدة للإباحة تعبدا مع قصدهما الملك.

__________________

الاستشهاد بها على المقام من كون المعاطاة المفيدة للإباحة معاوضة ، وذلك للشبهة في صدق المعاوضة على المقابلة بين الإباحتين.

(*) ينبغي أن يقال : بأنّ المعاطاة إمّا أن يقصد بها الملك ، وأمّا أن يقصد بها الإباحة. والأوّل على قسمين : أحدهما : إفادتها الملك ، والآخر : الإباحة ، فالأقسام ثلاثة.

ثم إنّ الرّبا إمّا تختص بالبيع ، وإمّا تعمّ جميع المعاوضات ، فمن ضرب الثلاثة في الاثنين يحصل ست صور.

أمّا المعاطاة المقصود بها الملك مع ترتب الملك عليها فلا إشكال في جريان الرّبا فيها سواء قلنا باختصاصها بالبيع أم لا.

وأمّا المعاطاة التي تترتب عليها الإباحة مع قصد التمليك بها ، فبناء على صدق البيع أو المعاوضة عليها يجري فيها الرّبا. وبناء على عدم الصدق نقول بجريان الرّبا فيها أيضا ، للزوم الاقتصار في الإباحة على القدر المتيقن ، وهو اجتماع الشرائط التي منها التساوي بين العوضين مع وحدة الجنس وكونهما من المكيل والموزون ، بعد كون الأصل الفساد.

وأمّا المعاطاة المقصود بها الإباحة ، فإن صدق عليها عنوان المعاوضة مع تعميم

٣٨

فتأمّل (١).

وأمّا حكم (٢) جريان الخيار فيها قبل اللزوم (*)

______________________________________________________

(١) لعلّه إشارة إلى : أنّه ـ بناء على اختصاص الرّبا بالبيع ـ لا تجري الرّبا في المعاطاة التي قصد بها الإباحة ، لوضوح عدم صدق البيع عليها حينئذ. وبناء على تعميم الرّبا لمطلق المعاوضة يكون الظاهر إرادة المعاوضة بين المالين لا بين الإباحتين ، فلا تجري الرّبا على كلا التقديرين في المعاطاة المقصود بها الإباحة.

ب : جريان الخيار في المعاطاة قبل لزومها

(٢) هذه هي الجهة الثانية المتكفلة للبحث عن جريان حكم آخر من أحكام البيع في المعاطاة ، وهو الخيار. وتوضيح المقام : أنّه يقع الكلام تارة في ثبوت جريان الخيارات في المعاطاة قبل طروء أحد الملزمات وعدمه ، وأخرى في ثبوتها فيها بعد طروئه. والبحث في الأخير موكول إلى التنبيه السابع والثامن ، كما نبّه عليه بعد أسطر. فيقتصر فعلا على التقدير الأوّل وهو المعاطاة قبل طروء الملزم.

__________________

الرّبا لمطلق المعاوضة جرت الرّبا فيها ، وإلّا فلا ، لعدم كونها بيعا ولا معاوضة أخرى ، فمع الشك في جريان الرّبا فيها يتمسك بإطلاق دليل هذه المعاطاة ، وهو قاعدة طيب النفس على ما قيل.

هذا لو تمت إطلاقات الأدلّة اللفظية. وإن كان الدليل على مشروعيّتها السيرة وشكّ في انعقادها على هذا النحو من الإباحة المعوّضة كان مقتضى القاعدة الأخذ بالقدر المتيقن منها وهو عدم التفاضل بين العوضين ، إذ في غير المتيقن تجري أصالة الفساد المقتضية لحرمة التصرف.

(*) المانع المتوهم من جعل الخيار قبل اللزوم أمور : أحدها : تحصيل الحاصل. ثانيها : اجتماع المثلين ، ثالثها : اللّغوية. والجميع مندفع باعتبار حقّية الخيار المترتبة عليها الآثار.

٣٩

فيمكن (١) نفيه على المشهور ، لأنّها إباحة (٢) عندهم ، فلا معنى للخيار.

وإن قلنا (٣) بإفادة الملك فيمكن (٤) القول بثبوت الخيار فيه

______________________________________________________

وقد فصّل المصنف قدس‌سره بين المعاطاة المفيدة للإباحة فلا يجري شي‌ء من الخيارات فيها ، لجواز رجوع المبيح ما دامت العين باقية ، فلا معنى للخيار الذي هو حقّ إقرار العقد وإزالته. وبين المعاطاة المفيدة للملك الجائز ، وفيها احتمالان :

أحدهما : جريان الخيارات بأجمعها فيها.

ثانيهما : التفصيل بين الخيارات الخاصة بالبيع فلا تجري ، والعامّة لغيره فتجري. هذا مجمل ما أفاده ، وسيأتي مفصّلة إن شاء الله تعالى.

(١) لأنّ الخيار «ملك فسخ العقد ورفع مضمونه بالفسخ» وهذا المعنى من الخيار مفقود هنا ، لأنّ العقد على القول بالإباحة لا مضمون له ، بداهة أنّ مضمونه وهو التمليك لم يتحقق ، والإباحة ليست مضمون العقد ، بل هي حكم شرعي بناء على كون الإباحة شرعية. وكذا إذا كانت الإباحة مالكيّة ، لأنّها تحصل بنفس الإعطاء والتسليط ، وليست مضمون عقد. فمانع الخيار في المعاطاة المفيدة للإباحة ثبوتي لا إثباتي.

(٢) هذا هو الصحيح كما في بعض النسخ المصححة. وأمّا ما في غيرها من : «أنها جائزة» فغير سديد. أمّا أوّلا فلأنّ المشهور بين القدماء هو أنّ المعاطاة تفيد الإباحة لا الملك الجائز.

وأمّا ثانيا فلأنّ الجواز لا ينافي الخيار كما عرفت آنفا.

وأمّا ثالثا : فلأنّ حكم الخيار ـ بناء على إفادة الملك الجائز ـ قد أفاده بقوله : «وإن قلنا بإفادة الملك ، بعد اللزوم» فيكون تكرارا مخلّا.

(٣) هذا عدل قوله : «على المشهور» ، فكأنّه قال : «فيمكن نفيه إن قلنا بإفادة الإباحة كما هو مختار المشهور .. وان قلنا بإفادة الملك .. إلخ».

(٤) هذا الاحتمال في قبال الاحتمال الآتي في كلامه بقوله : «ويحتمل أن يفصّل» يعني : أنّه بناء على إفادة الملك يتطرّق احتمالان في ثبوت الخيارات في المعاطاة.

٤٠