هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

الكناية ما أفاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع (١) ، فيفيد إرادة نفسه (٢) بالقرائن ، وهي على قسمين عندهم جليّة وخفيّة.

والذي (٣) يظهر من النصوص المتفرقة في أبواب العقود اللّازمة ، والفتاوى المتعرضة لصيغها في البيع

______________________________________________________

(١) كلفظ «سلّطتك» إذا فرض قيام دليل شرعا على الإكتفاء به في مقام الإنشاء ، بحيث يكون «سلّطتك» بمنزلة «بعتك» وإن لم يكن لفظ «سلّطتك» موضوعا لغة لعنوان البيع ، لأنّه وضع للازم البيع وهو السلطنة ، فلفظ «سلّطتك» وضع للسلطنة التي هي من لوازم التمليك الذي هو مفهوم البيع ، على ما تقدّم تعريفه في كلام المصنف.

(٢) أي : أنّ اللازم يفيد نفس العقد الذي هو الملزوم ، فإنّ إرادته من التسليط ـ الذي هو لازمه ـ منوطة بالقرائن التي تنقسم إلى الجليّة والخفيّة.

(٣) غرضه قدس‌سره التعرض لما ينافي نسبة الحكم المزبور ـ أعني به اعتبار الوضع اللغوي في ألفاظ العقود ، وعدم إنشائها بالمجازات والكنايات ـ إلى المشهور ، وذلك لوجهين :

أحدهما : النصوص المتفرقة في أبواب العقود اللّازمة ، حيث يظهر منها الإكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي في العنوان الاعتباري الإنشائي.

ثانيهما : الفتاوى المتعرضة لصيغ العقود.

فهذان الوجهان يشهدان بمنع النسبة المزبورة إلى المشهور ، فلا تعتبر الصراحة ولا الدلالة الحقيقية المستندة إلى الوضع اللغوي. هذا بحسب الدعوى.

واستدلّ المصنف قدس‌سره بنقل جملة وافية من عبارات الأصحاب في إنشاء البيع والنكاح والوقف والرّهن وغيرها كما سيأتي في المتن ، ولم يذكر هنا من الروايات شيئا ، فلا بأس بالتبرّك بذكر جملة منها :

الأولى : ما ورد فيها إنشاء البيع بلفظ الأمر ، مثل ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السّمسار أيشتري بالأجر؟ الى أن قال ،

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

فيقول : خذ ما رضيت ودع ما كرهت ، فقال : لا بأس» (١).

وظاهر الخبر ـ بملاحظة تقريره عليه‌السلام ـ كفاية إنشاء البيع بلفظ الأمر ، وجواز تخيير المشتري بين الأخذ والتّرك.

ونحوه ما ورد في بيع اللّبن في الضّرع بعد حلب مقدار منه في الاسكرّجة (٢). وبهذا المضمون روايات أخرى في الأبواب المتفرقة.

الثانية : ما ورد فيها إنشاء البيع بصيغة المضارع ، مثل ما في معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قدم لأبي متاع من مصر ، فصنع طعاما ودعى له التجار ، فقالوا له : نأخذه منك بده دوازده ، فقال لهم أبي : وكم يكون ذلك؟ فقالوا : في العشرة آلاف ألفان ، فقال لهم أبي : فإنّي أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألف درهم ، فباعهم مساومة» (٣). وظاهره صحة البيع بصيغة المضارع مع عدم تعقب إيجابه عليه‌السلام بقبولهم ، بل يستفاد القبول من قولهم : «نأخذ منك».

ونحوه ما ورد في شراء العبد الآبق مع الضميمة (٤).

الثالثة : ما ورد في بيع الصرف من إنشاء المعاملة تارة بلفظ «آخذ منك المائة بمائة وعشرة» كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٥) ، ويكون بطلان البيع لأجل الرّبا.

وأخرى من إنشائها بلفظ التحويل كما في رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام من قول المشتري للصرّاف : «حوّلها ـ أي الدراهم الوضح ـ لي دنانير» (٦) الحديث ، وتقريره عليه‌السلام إمضاء لوقوع بيع الصّرف بلفظ التحويل.

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ٣٩٤ ، الباب ٢ من أبواب أحكام العقود ، الحديث : ٢

(٢) المصدر ، ص ٢٥٩ ، الباب ٨ من أبواب عقد البيع ، الحديث : ٢

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٨٥ ، الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود ، الحديث : ١

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٦٣ ، الباب ١١ من أبواب أحكام العقود ، الحديث : ٢

(٥) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٤٦٧ ، الباب ٦ من أبواب الصرف ، الحديث : ٣

(٦) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٤٦٣ ، الباب ٤ من أبواب الصّرف ، الحديث : ١

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وثالثة من إنشائها بالاستبدال والتبديل كما في رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن الرّجل يستبدل الكوفية بالشامية وزنا بوزن ، فيقول الصيرفي : لا أبدّل لك حتى تبدّل لي يوسفية بغلّة وزنا بوزن ، فقال : لا بأس» (١).

الرابعة : ما ورد في بيع الزرع والثمار من إنشاء المعاملة تارة بلفظ «أبتاع» كما في رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في زرع بيع وهو حشيش ، ثم سنبل؟ قال : لا بأس إذا قال : ابتاع منك ما يخرج من هذا الزرع ..» الحديث (٢).

وأخرى بلفظ التقبّل كما في معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «تقبّل الثمار إذا تبيّن لك بعض حملها سنة وإن شئت فأكثر ، وإن لم يتبيّن لك ثمرها فلا تستأجر» (٣).

الخامسة : ما ورد في إنشاء عقد الصلح بقول أحد الشريكين للآخر : «لك ما عندك ولي ما عندي» وقد تقدم في (ص ٧١).

السادسة : ما ورد في إنشاء المزارعة بلفظ المضارع ، كما في خبر أبي الربيع الشّامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا ينبغي أن يسمّي بذرا ولا بقرا ، ولكن يقول لصاحب الأرض : أزرع في أرضك ، ولك منها كذا وكذا» الحديث (٤). ولا يخفى ظهوره في صحة الإنشاء بلفظ المضارع ، مع تقدم القبول فيه على الإيجاب.

السابعة : ما ورد في عقد المساقاة من إنشائها بلفظ الأمر ، كما في معتبرة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل يعطي أرضه وفيها ماء أو نخل أو فاكهة ، ويقول : اسق هذا الماء واعمره ، ولك نصف ما أخرج الله عزوجل منه؟ قال : لا بأس» (٥) فإنّ تقريره عليه‌السلام لما حكاه السائل من الصيغة دليل على صحة المساقاة بلفظ الأمر.

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ص ٤٦٩ ، الباب ٧ من أبواب الصرف ، الحديث : ١

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢٢ ، الباب ١١ من أبواب بيع الثمار ، الحديث : ٩

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٨ ، الباب ٢ من أبواب بيع الثمار ، الحديث : ٤

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢٠١ ، الباب ٨ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ، الحديث : ١٠

(٥) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٢٠٢ ، الباب ٩ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ، الحديث : ٢

٣٤٣

بقول مطلق (١) ، وفي بعض أنواعه (٢) ، وفي غير البيع من العقود اللازمة هو (٣) الإكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفيّ معتدّ به في المعنى المقصود ، فلا فرق بين قوله : «بعت وملّكت» وبين قوله : «نقلت إلى ملكك» أو «جعلته ملكا لك بكذا»

______________________________________________________

الثامنة : ما ورد في وقوع عقد المضاربة بغير الصيغة المعهودة ، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «انّه قال في الرّجل يعطي المال ، فيقول له : ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها ، واشتر منها ، قال : فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن» (١) وظاهرها تحقق المضاربة بإعطاء المال ، وضمان العامل بمخالفة ربّ المال بتجاوزه عن البلدة المعيّنة للعمل والاتّجار فيها.

والمستفاد من مجموع هذه النصوص وغيرها جواز الإكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي في المعنى المقصود من العقد أو الإيقاع ، ولا تتوقف الصحة على صراحة الصيغة كما في التذكرة ، ولا على الظهور الوضعي كما حكي عن المصابيح ، بل كما يجوز إنشاء البيع بلفظ «بعت» فكذا يجوز بلفظ «ملّكت ونقلته إلى ملكك» ونحوهما من الألفاظ الظاهرة عرفا في إنشاء الأمر الاعتباري البيعي.

(١) يعني : جميع أقسام البيع ، سواء أكان المبيع كلّيا أم شخصيا ، وسواء أكان عرضا أم نقدا كالدرهم والدينار ، وسواء أكان البيع برأس المال أم بأزيد منه أم بوضيعة منه ، وغير ذلك من الأقسام ، فيجوز إنشاء البيع في هذه الأقسام بما ليس صريحا فيه ، كإيجابه بلفظ «السّلم» مع كون المبيع شخصيا حالّا لا مؤجّلا.

(٢) كإنشاء بيع الصّرف بلفظ التبديل والتحويل ، وإنشاء بيع الزرع بلفظ التقبّل ، وإنشاء بيع التشريك بلفظ «شرّكتك» وبيع التولية بلفظ «ولّيتك» مع عدم صراحة هذه الألفاظ في مفهوم البيع وهو إنشاء تمليك عين بمال.

(٣) خبر قوله : «والّذي يظهر».

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ١٨١ ، الباب ١ من كتاب المضاربة ، الحديث : ٢

٣٤٤

وهذا (١) هو الذي قوّاه جماعة من متأخّري المتأخّرين.

وحكي عن جماعة ممّن تقدّمهم كالمحقق على ما حكي عن تلميذه كاشف الرموز «أنّه حكى عن شيخه المحقق : أنّ عقد البيع لا يلزم منه لفظ مخصوص» وأنّه (٢) اختاره أيضا.

وحكي عن الشهيد رحمه‌الله في حواشيه «أنّه جوّز البيع بكلّ لفظ دلّ عليه مثل : أسلمت إليك وعاوضتك» (٣).

وحكاه في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين (٤).

______________________________________________________

(١) يعني : الإكتفاء بكل لفظ ظاهر عرفا بنحو يعتدّ به. ومقصود المصنف قدس‌سره عدم تفرّده بهذا الإكتفاء ، لأنّه مختار جمع من طبقة متأخري المتأخرين كالمحدث الفيض في محكي المفاتيح (١) ، وصاحب الحدائق (٢). بل يستفاد من كلمات المتقدمين أيضا كما سيأتي نقل جملة منها في المتن ، وقد ابتدأ الماتن بحكاية ما ذكروه في البيع ، ثم ما يتعلق بصيغ سائر العقود.

(٢) معطوف على «أنّه» يعني : وحكي عن الفاضل الآبي أنّه اختار مذهب المحقق. قال في بيع الفضولي : «وإذا تقرّر هذا فلا إشكال على شيخنا ـ وهو المحقق ـ دام ظله ، لأنّ النهي عنده في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ولا للبيع لفظ مخصوص ، بل يشكل على الشيخين ، لأنّهما يخالفانه في المسألتين. والمختار عندنا اختيار شيخنا دام ظله» (٣).

(٣) قال في مفتاح الكرامة : «فجوّز ـ أي الشهيد ـ البيع بكل لفظ دلّ عليه ، فقال : مثل : قارضتك وسلّمت إليك ، وما أشبه ذلك» (٤).

(٤) قال في المسالك : «غير أن ظاهر كلام المفيد قدس‌سره يدل على الإكتفاء في تحقق البيع بما دلّ على الرّضا به من المتعاقدين إذا عرفاه وتقابضا. وقد كان بعض

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٠

(٢) الحدائق الناظرة ، ج ١٨ ، ص ٣٥٤

(٣) كشف الرموز ، ج ١ ، ص ٤٤٦ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٠

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٠

٣٤٥

بل هو ظاهر العلّامة في التحرير ، حيث قال : «إنّ الإيجاب اللفظ الدالّ على النقل مثل : بعتك ، أو ملّكتك ، أو ما يقوم مقامهما (١)» (١).

ونحوه المحكي عن التبصرة والإرشاد (٢) ، وشرحه لفخر الإسلام.

فإذا كان (٢) الإيجاب هو اللفظ الدالّ على النقل فكيف لا ينعقد بمثل «نقلته إلى ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا؟»

بل (٣) ربما يدّعى : أنّه (٤) ظاهر كلّ من أطلق اعتبار الإيجاب والقبول فيه من دون ذكر لفظ خاص كالشيخ وأتباعه (٥)

______________________________________________________

مشايخنا المعاصرين يذهب إلى ذلك أيضا ، لكن يشترط في الدال كونه لفظا. وإطلاق كلام المفيد أعم منه» (٣).

(١) من كل لفظ يدلّ على إنشاء البيع وإن لم تكن دلالته عليه بالوضع ، وعليه فيمكن نسبة عدم اعتبار لفظ خاصّ في البيع إلى العلّامة قدس‌سره.

(٢) هذا ما استنتجه المصنف من كلام العلامة وغيره. ووجهه : أنّ البيع لمّا كان بمعنى «نقل العين» لزم جواز إنشائه بلفظ النقل وما يفيده.

(٣) الإتيان بكلمة الإضراب من جهة أنّ مختار العلّامة قد علم من تصريحه بقوله : «أو ما يقوم مقامهما» والمدّعي لكفاية مطلق اللفظ يقول بعدم الحاجة إلى هذا التصريح ، وذلك لكفاية نفس إطلاق اعتبار الإيجاب والقبول في جواز الإنشاء بكلّ لفظ يدل على مقصود المتعاملين.

(٤) أي : أنّ الإكتفاء بكلّ لفظ له ظهور معتدّ به في المعنى المقصود.

لكن يمكن المناقشة فيه بورود الإطلاق في مقام اعتبار أصل اللفظ ، لا في مقام بيان صحة إنشائه بكلّ لفظ له ظهور في المعنى المقصود من العقد أو الإيقاع ، فتدبّر.

(٥) قال في مفتاح الكرامة : «وقد يدّعى أنّه ـ أي أنّ عدم اعتبار لفظ

__________________

(١) : تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ١٦٤

(٢) تبصرة المتعلمين ، ص ٨٨ ، إرشاد الأذهان ، ج ، ص ٣٥٩

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٤٧

٣٤٦

فتأمّل (١).

وقد حكي (٢) عن الأكثر : تجويز البيع حالّا بلفظ السّلم.

______________________________________________________

مخصوص ـ ظاهر الأكثر كالشيخ وأبي يعلى وأبي القاسم القاضي وأبي جعفر محمد ابن علي الطوسي وأبي المكارم حمزة الحلبي وغيرهم ، حيث اقتصروا على الإيجاب والقبول مطلقين ، من دون تنصيص على لفظ مخصوص» (١).

(١) إشارة إلى : أنّ إطلاق كلام من إطلاق ناظر إلى اعتبار هذا الجنس في مقابل غيره كالفعل ، وليس مسوقا لبيان صحة الإيجاب والقبول بكلّ لفظ له ظهور في إنشاء عنوان العقد أو الإيقاع. ولا بأس بنقل عبارة واحدة من عبارات الذين أطلقوا في المقال حتى تكون أنموذجا نهتدي بها إلى حقيقة الحال ، وهي عبارة الغنية ، قال فيها : «أمّا شروطه فعلى ضربين : أحدهما شرائط صحة انعقاده ، والثاني شرائط لزومه. فالضرب الأوّل ثبوت الولاية في المعقود عليه ، وأن يكون معلوما مقدورا على تسليمه منتفعا به منفعة مباحة ، وأن يحصل الإيجاب من البائع والقبول من المشتري ، من غير إكراه ولا إجبار إلّا في موضع» (٢). انتهى المقصود من كلامه زيد في علوّ مقامه.

ومثله المحكي عن الشيخ رحمه‌الله في المبسوط.

(٢) الحاكي هو الشهيد الثاني في المسالك ، حيث قال في الاستدلال على ما أفاده المحقق من انعقاد البيع بلفظ السّلم : «وهذا هو اختيار الأكثر» (٣). ونسبه السيد العاملي إلى العلامة والمحقق والشهيدين والمحقق الثاني (٤).

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٠

(٢) غنية النزوع (ضمن الجوامع الفقهية) ، ص ٥٢٣

(٣) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٤٠٥

(٤) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٤٩

٣٤٧

وصرّح جماعة (١) أيضا (٢) في بيع التولية

______________________________________________________

(١) كالمحقق والعلّامة والشهيد قدس‌سرهم (١).

(٢) يعني : كما جوّز جماعة انعقاد البيع بلفظ السّلم ـ الموضوع لنوع خاص منه ـ فكذا صرّح جماعة بانعقاد بيع التولية والتشريك بلفظ «ولّيتك وشرّكتك» مع عدم كونهما موضوعين لغة للتمليك البيعي ، بل يدلّان عليه بالقرينة.

ولا بأس بتوضيح هذين القسمين ، فنقول : إنّ المعروف بين الفقهاء تقسيم البيع باعتبار الإخبار برأس المال ، وعدم الإخبار عنه إلى أربعة أقسام ، لأنّه إن أخبر البائع بالثمن فباعه بزيادة كان مرابحة ، وإن باعه بنقيصة كان مواضعة ، وإن باعه بنفس الثمن كان تولية ، وإن لم يخبر برأس المال أصلا كان مساومة.

وزاد الشهيد في الدروس واللمعة قسما خامسا وسمّاه التشريك. وفسّره بقوله : «والتشريك هو أن يجعل له فيه نصيبا برأس ماله ، وهو بيع أيضا. ولو أتى بلفظ التشريك فالظاهر الجواز ، فيقول : أشركتك في هذا المتاع نصفه بنصف ثمنه» (٢).

ومحصله : أنّ التشريك بيع جزء مشاع بجزء من الثمن الذي بذله المشتري ، فهو نظير بيع التولية في كونه تمليك العين بنفس رأس المال لا أزيد منه ولا أنقص. ولكنه يفترق عن بيع التولية بأنّ التشريك بيع كسر مشاع من المبيع ، كما إذا اشترى زيد دارا من عمرو بألف دينار ، وأراد بيع نصفها من بكر بخمسمائة دينار ، فيقول : «شرّكتك بنصفه بنسبة ما اشتريت» أو : «أشركتك بنصف الثمن» فيقبله بكر. ويصير شريكا في الدار مع زيد ، ولكل منهما نصفها. قال الشهيدان قدس‌سرهما : «وهو أي التشريك في الحقيقة بيع الجزء المشاع برأس المال ، لكنه يختص عن مطلق البيع بصحته بلفظه» (٣).

وحيث اتضح بيع التولية والتشريك فنقول : إنّ غرض المصنف قدس‌سره من

__________________

(١) : راجع : شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٤٢ و٤٣ ، تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٥٤٥ ، قواعد الأحكام ص ٥٣ ، (الطبعة الحجرية) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٢٢١

(٢) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٢٢١

(٣) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٤٣٧

٣٤٨

بانعقاده (١) بقوله : «ولّيتك العقد ، أو : ولّيتك السلعة» والتشريك (٢) في المبيع بلفظ «شرّكتك».

______________________________________________________

الاستشهاد بكلام جماعة في هذين البيعين هو : أنّ تجويزهم إنشاء بيع التولية بلفظ «ولّيتك» دليل على كفاية مطلق اللفظ في البيع وعدم اعتبار الصراحة فيه. وجه الدلالة : أنّ معنى «ولّيتك العقد أو السلعة» ليس تمليك عين بعوض ـ الذي هو حقيقة البيع ـ بل معناه جعل المشتري متوليا على العقد أو السلعة التي باعها بنفس الثمن الذي اشتراها به ، ودلالة التولية على بيع المتاع برأس المال يكون بالقرينة كالمقاولة بين المتبايعين قبل العقد ، هذا.

وكذا الحال في البيع بالتشريك ، فإنّ قول البائع ، «أشركتك في هذا المتاع نصفه بنصف ثمنه» لا يدلّ بالوضع على «إنشاء تمليك عين بمال» إلّا مع القرينة ، لأنّ «الشركة» أعم من أن تكون في العين والمنفعة ، ومن كونها حاصلة بسبب قهري كالإرث أو اختياري كالمزج وغير ذلك من موجباتها.

وعلى هذا فتجويزهم بيع التولية والتشريك بغير لفظ البيع ـ والتمليك والنقل والتبديل ـ شاهد على كفاية مطلق اللفظ في انعقاد البيع ، وعدم اعتبار الدلالة الوضعية فيه.

(١) أي : بانعقاد بيع التولية. فلا يرد على المصنف : أنّه لا شهادة في جواز إنشاء بيع التولية بهذه الصيغة على جواز إنشاء مطلق البيع بهذا اللفظ.

وجه عدم الورود : أن المصنف لا يقصد الاستشهاد بكلام الجماعة على انعقاد مطلق البيع بلفظ التولية ، بل غرضه : أنّ البيع في جميع موارده «تمليك عين بعوض» فإذا جاز إنشاء صنف خاص منه بلفظ التولية ـ ممّا ليس موضوعا للمبادلة بين المالين ـ كان دليلا على صحة انعقاد البيع بالمجاز والكناية ، لأنّ مفاد البيع في جميع أفراده هو المبادلة بلا فرق بين التولية والمساومة وغيرهما.

(٢) ظاهره كونه معطوفا على «بيع التولية» فيكون القائل بجواز التشريك في البيع جماعة كما في التولية ، وهو غير بعيد. لكن لم أقف في هذه العجالة على كلام غير

٣٤٩

وعن المسالك (١) في مسألة تقبّل أحد الشريكين في النخل حصّة صاحبه بشي‌ء معلوم من الثمرة «أن ظاهر الأصحاب جواز ذلك بلفظ التقبّل» مع أنّه

______________________________________________________

الشهيدين قدس‌سرهما في جوازه وعدّه من أقسام البيع ، ولذا فالأولى عطفه على «عن الأكثر» يعني : وقد حكي التشريك في المبيع بلفظ شرّكتك ، وإن كان المحكي عنه بعضا لا جماعة.

(١) قال في المسالك : «وظاهر الأصحاب أنّ الصيغة تكون بلفظ القبالة ، وأنّ لها حكما خاصّا زائدا على البيع والصلح ، لكون الثمن والمثمن واحدا ، وهو عدم ثبوت الرّبا لو زاد أو نقص ، ووقوعه بلفظ التقبيل ، وهو خارج عن صيغتي العقدين» (١).

والتقبّل عبارة عن أن يكون بين اثنين نخل أو شجر أو زرع فيتقبّل أحدهما بحصّة صاحبه ـ بعد خرص المجموع ـ بشي‌ء معلوم على حسب الخرص ، وهي معاوضة مستثناة من المزابنة والمحاقلة معا.

وقد دلّ على صحّته شرعا صحيحة يعقوب بن شعيب التي رواها المشايخ الثلاثة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجلين يكون بينهما النخل ، فيقول أحدهما لصاحبه : اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيل (*) مسمّى ، وتعطيني نصف هذا الكيل إمّا زاد أو نقص. وإمّا أن آخذه أنا بذلك؟ قال : نعم لا بأس به» (٢).

وصحيحة أبي الصلاح الكناني قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف ، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرّص عليهم ، فجاؤا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إنّه قد زاد علينا ، فأرسل إلى عبد الله بن رواحة ، فقال : ما يقول هؤلاء؟ فقال : خرصت عليهم بشي‌ء ، فإن شاؤا يأخذون بما خرصت ، وإن شاؤا أخذنا. فقال رجل من اليهود : بهذا قامت السموات والأرض» (٣).

__________________

(١) : مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٣٧٠

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ١٨ ، الباب ١٠ من أبواب بيع الثمار ، الحديث : ١

(٣) المصدر ، ص ١٩ ، الحديث : ٣

٣٥٠

لا يخرج عن البيع أو الصلح (١) أو معاملة ثالثة لازمة عند جماعة (١).

هذا ما حضرني من كلماتهم في البيع.

وأمّا في غيره (٢) ، فظاهر جماعة (٣) في القرض عدم اختصاصه بلفظ خاصّ ، فجوّزوه بقوله : «تصرّف فيه ، أو : انتفع به وعليك ردّ عوضه ، أو : خذه بمثله

______________________________________________________

وغيرهما من الأخبار الكثيرة ، وإن ردّها الحلّي بناء منه على عدم حجية أخبار الآحاد. وضعف مبناه يغني عن التكلم في ردّه. والمثبتون اختلفوا في كون هذه المعاملة صلحا أو بيعا أو معاملة مستقلّة لازمة.

(١) يعني : أنّ لفظ «التقبّل» أجنبي ـ بحسب الوضع ـ عن كلّ من البيع والصّلح ، فلو كانت القبالة بيعا أو صلحا كان إنشاؤها بصيغة «تقبّل هذا بكذا» شاهدا على كفاية مطلق الدلالة اللفظية. نعم بناء على كون القبالة معاوضة مستقلّة كانت الصيغة المزبورة حقيقة فيها.

وعليه فكان المناسب أن يقتصر المصنف على احتمال كونها بيعا أو صلحا حتى يكون لفظ القبالة مجازا فيهما ، إذ بناء على الاستقلال لم يلزم مجاز ولا كناية ، مع أنّ مقصوده قدس‌سره الاستناد إلى كفاية إنشائها بعنوان القبالة حتى إذا كانت معاملة مستقلة.

إلّا أن يقال : إنّ مادّة «القبول والقبالة» لا تدل بالوضع على هذه المعاملة ، فتتّجه دعوى الماتن من عدم وضع صيغة «قبّلتك» لشي‌ء من البيع والصلح والمعاملة المستقلة.

(٢) أي : غير البيع. وقد أشرنا إلى أنّ المصنف تصدّى لإثبات مرامه ـ من كفاية مطلق اللفظ في إنشاء العقود اللّازمة ـ بالاستشهاد بكلمات الفقهاء في موضعين ، أحدهما فيما يخصّ البيع ، وقد فرغ منه. وثانيهما ما ذكروه في سائر العقود ، وقد شرع فيه بذكر صيغ القرض.

(٣) كالمحقق والعلّامة والشهيدين والمحقق الثاني ، فراجع كلماتهم (٢).

__________________

(١) : راجع للوقوف على الأقوال ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٣٩١ و٣٩٢

(٢) راجع شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٦٧ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٥. الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٣١٨. مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ٤٤٠ ، جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٢٠ ، وغيرها ممّا نقلها السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٣٣ و٣٤

٣٥١

وأسلفتك» وغير ذلك (١) ممّا عدّوا مثله في البيع من الكنايات (٢). مع (٣) أنّ القرض من العقود اللّازمة (٤) على حسب لزوم البيع والإجارة.

وحكي عن جماعة (٥) في الرّهن : أنّ إيجابه يؤدّي بكل لفظ يدلّ عليه ، مثل قوله : «هذه وثيقة عندك» وعن الدروس (٦) : تجويزه بقوله : «خذه أو أمسكه بمالك».

______________________________________________________

(١) كقول المقرض : «اصرفه وعليك مثله ، وملّكتك بمثله» ولا ريب في أنّ التصرف في العين المقترضة ـ والانتفاع بها ـ من لوازم القرض الذي هو «تمليك مال مع ضمان بدله» مثل «سلّطتك عليه بكذا» في باب البيع ، ومن المعلوم أنّ ذكر اللّازم وإرادة الملزوم كناية.

(٢) يعني : فلا يعتبر لفظ خاص في إنشاء القرض.

(٣) فإنشاؤه بأيّ لفظ مع كونه من العقود اللازمة ـ ولو من طرف الدائن ـ يدل على عدم اعتبار لفظ خاص فيه.

(٤) لعلّ مراده قدس‌سره لزوم القرض من طرف المقرض ، أو اللّزوم من طرف المقترض أيضا إذا شرطاه في عقد لازم كالبيع والإجارة. وإلّا فيشكل عدّ القرض بنفسه من العقود اللازمة ، فمقتضى تصريح الشهيد الثاني وظاهر المحقق الثاني قدس‌سرهما كون القرض من العقود الجائزة ، فراجع (١).

(٥) قال السيد الفقيه العاملي : «وصريح الشرائع والتحرير والكتاب ـ يعني القواعد ـ والتذكرة والدروس واللمعة والمسالك والرّوضة ومجمع البرهان والكفاية والمفاتيح أنه ـ أي عقد الرّهن ـ لا يختص بلفظ ، ولا بلفظ الماضي» (٢).

(٦) قال الشهيد فيه : «ولو قال : خذه على مالك أو بمالك فهو رهن. ولو قال : أمسكه حتى أعطيك مالك وأراد الرّاهن جاز. ولو أراد الوديعة أو اشتبه فليس

__________________

(١) : جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٢٠ و٢٤ ، مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ٤٤٠

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٧٢

٣٥٢

وحكي عن غير واحد (١) تجويز إيجاب الضمان الذي هو من العقود اللازمة بلفظ «تعهّدت المال وتقلّدته» وشبه ذلك.

وقد ذكر المحقق (٢) وجماعة ممن تأخّر عنه جواز الإجارة بلفظ العارية معلّلين بتحقق القصد.

______________________________________________________

برهن» (١). وعليه فتجويز إنشاء الرهن بصيغة الإمساك ليس مطلقا ، بل مقيّد باقترانه بقصد الرّهن.

وعلى كلّ حال فجواز إيجاب الرّهن ـ مع كونه لازما من قبل الراهن ـ بالألفاظ غير الدالّة عليه بالوضع دليل على عدم اعتبار الصراحة أو الظهور الوضعي في إنشاء العقد.

(١) كشيخ الطائفة والعلّامة ، قال السيد العاملي في شرح قول العلامة : «الصيغة ، وهي : ضمنت وتحمّلت وتكفّلت وما أدّى معناه» ما لفظه : «من الألفاظ الدالة عليه صريحا كتقلّدته والتزمته ، وأنا بهذا المال ظهير ، أو كفيل ، أو ضامن ، أو زعيم ، أو حميل ، أو قبيل ، كما في المبسوط وغيره. وكذا لو قال : دين فلان عليّ كما في التذكرة ، لأنّ عليّ ضمان ، لاقتضاء عليّ الالتزام» (٢).

(٢) قال المحقق قدس‌سره : «أمّا لو قال : ملّكتك سكنى هذه الدار سنة بكذا صحّ.

وكذا : أعرتك ، لتحقق القصد إلى المنفعة» (٣) ووافقه المحقق الأردبيلي وغيره. ووجه الصحة ـ كما في المسالك ـ هو : «أنّ الإعارة لمّا كانت لا تقتضي ملك المستعير للعين ، وإنّما تفيد تسلّطه على المنفعة وملكه لاستيفائها كان إطلاقها بمنزلة تمليك المنفعة ، فتصحّ إقامتها مقام الإجارة ، كما يصح ذلك بلفظ الملك» (٤).

والمسألة خلافية ، فاستشكل العلّامة في التحرير في جوازه ، ومنعه في القواعد (٥)

__________________

(١) : الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٣٨٣

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٣٥١

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧٩

(٤) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ١٧٣

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٧٤

٣٥٣

وتردّد جماعة (١) في انعقاد الإجارة بلفظ بيع المنفعة.

وقد ذكر جماعة (٢) جواز المزارعة بكلّ لفظ يدلّ على تسليم الأرض للمزارعة.

______________________________________________________

ووافقه في المنع المحقق والشهيد الثانيان (١).

وعلى تقدير الجواز فلا ريب في كون العارية مجازا في «تمليك المنفعة بعوض معيّن» عند وجود القرينة والقصد إلى تمليك المنفعة وأخذ العوض ، فتمام المناط في انعقاد الإجارة بلفظ العارية هو القصد إلى تمليك المنفعة سواء أكان الدالّ عليه حقيقة أم كناية أم مجازا. وعليه فيكون فتوى المحقق دليلا على صحة التجوّز في صيغ العقود.

(١) كالمحقق والشهيد في اللمعة ، قال في الشرائع : «وكذا ـ أي لم تصح الإجارة ـ لو قال : بعتك سكناها سنة ، لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان ، وفيه تردّد» (٢). ووجه التردّد : أنّ البيع موضوع لنقل الأعيان ، فلا ينشأ به نقل المنافع ، فلا يجوز ، وأنّه مع التصريح بقصد تمليك المنفعة ينبغي الجواز.

وكيف كان فنفس تردّد المحقق قدس‌سره شاهد على عدم اعتبار الصراحة في صيغ العقود ، إذ لو كانت معتبرة فيها لم يبق وجه للتردد ، بل تعيّن الحكم بالبطلان.

(٢) كالمحقق والعلّامة وغيرهما قدس‌سرهم ، قال في الشرائع : «وعبارتها أن يقول : زارعتك ، أو : ازرع هذه الأرض أو سلّمتها إليك ـ وما جرى مجراه ـ مدّة معلومة بحصّة من حاصلها». وزاد العلامة في التذكرة على الصيغ المذكورة ألفاظا أخرى وهي : «أو قبّلتها بزراعتها أو بالعمل فيها مدة معلومة .. أو خذ هذه الأرض على هذه المعاملة وما أشبه ذلك ، ولا تنحصر في لفظ معيّن ، بل كل ما يؤدّي هذا المعنى» وفي القواعد زيادة صيغة «عاملتك» (٣).

__________________

(١) : جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٨٣ ، مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ١٧٣

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٧٩ ، الروضة البهية ، ج ٤ ، ص ٣٢٨

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤٩ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٣٧ ، قواعد الأحكام ، ص ٩٤ (الطبعة الحجرية).

٣٥٤

وعن مجمع البرهان (١) ـ كما في غيره ـ أنّه لا خلاف في جوازها بكلّ لفظ يدل على المطلوب مع كونه ماضيا.

وعن المشهور (٢) جوازها بلفظ «أزرع».

______________________________________________________

وحكى السيد العاملي انعقادها بما أشبه هذه الصيغ عن آخرين ، فراجع.

والغرض : أنّ ما عدا لفظ «زارعتك» لا يدلّ بحسب الوضع اللّغوي على عقد المزارعة ، ولا بدّ من قرينة معيّنة للمراد ، فهذا دليل على جواز الإكتفاء بمطلق اللفظ في العقود اللّازمة.

(١) ظاهر العبارة : أنّ المحقق الأردبيلي جوّز إنشاء المزارعة بالألفاظ المتقدمة إلّا صيغة الأمر المذكورة في الشرائع والتذكرة وغيرهما ، فاعتبر الماضوية فيها. ولعلّ المصنف قدس‌سره اعتمد في نقل كلامه على مفتاح الكرامة (١) أو غيره ، وإلّا فالمحقق الأردبيلي استظهر انعقادها بالمضارع والأمر ، قال : «والظاهر أن لا خلاف في الجواز بكل لفظ يدلّ على المطلوب ، مع كونه ماضيا ، والظاهر جوازها بالأمر أيضا» فراجع (٢).

(٢) الناسب إلى المشهور هو الشهيد الثاني في الروضة ، حيث قال : «والمشهور جوازها بصيغة : ازرع هذه الأرض» (٣).

وفي الرياض : «واستدلّ الأكثر بالصحيح السابق ونحوه على جواز المزارعة والمساقاة بصيغة الأمر» (٤).

لكن تأمّل السيد العاملي في صحة النسبة (٥) ، فراجع.

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٧ ، ص ٢٩٩

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ١٠ ، ص ٩٦ و٩٨

(٣) الروضة البهية ، ج ٤ ، ص ٤٧٦

(٤) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٦١١

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٧ ص ٢٩٩

٣٥٥

وقد جوّز جماعة (١) الوقف بلفظ «حرّمت وتصدقت» مع القرينة الدالّة على إرادة الوقف ، مثل «أن لا يباع ولا يورث» مع عدم الخلاف ـ كما عن غير واحد ـ على أنّهما من الكنايات (٢).

وجوّز جماعة (٣) وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع ، مع أنّه ليس صريحا فيه.

______________________________________________________

(١) كالمحقق والعلّامة والشهيدين والمحقق الثاني قدس‌سرهم (١) ، ففي اللّمعة وشرحها : «وأمّا حبّست وسبّلت وحرّمت وتصدقت فمفتقر إلى القرينة كالتأبيد ، ونفي البيع والهبة والإرث ، فيصير بذلك صريحا» (٢).

ولا يخفى صراحة كلامهما في افتقار بعض الصيغ إلى القرينة ، مع عدم وضعها بأنفسها للوقف ، مع أنّه يجوز إنشاؤه بها.

(٢) ووجه كون «حرّمت وتصدّقت وأبّدت» كناية عن الوقف ـ كما في جامع المقاصد ـ هو اشتراكها في الاستعمال بين الوقف وبين غيره ، فيتوقّف على ضمّ قرينة تدلّ على حكم من أحكام الوقف مثل عدم جواز بيعه وهبته.

(٣) كالمحقّق والعلّامة في بعض كتبه ، والمحقق الثاني وغيرهم ، قال في الشرائع : «وفي متّعتك تردّد ، وجوازه أرجح» (٣). وجوّزه العلّامة في القواعد والإرشاد ، ومنع منه في التذكرة (٤).

والغرض أنّ لفظ «التمتع» لم يوضع لغة للنكاح الدائم ، فجواز إنشائه به دليل على الإكتفاء باللفظ غير الصّريح.

هذه جملة الكلمات التي استظهر المصنف قدس‌سره منها كفاية مطلق اللفظ في العقود

__________________

(١) : شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢١١ ، تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٤٢٧. الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٦٣. جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ٨ و٩

(٢) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ١٦٤

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٧٣ ، قواعد الأحكام ، ص ١٤٧ (الطبعة الحجرية) ، إرشاد الأذهان ، ج ٢ ، ص ٦ ، جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ٦٩ و٧٠

(٤) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٥٨١

٣٥٦

ومع هذه الكلمات (١) كيف يجوز أن يسند إلى العلماء ـ أو أكثرهم ـ وجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له (٢) ، وأنّه (٣) لا يجوز بالألفاظ المجازية خصوصا (٤) مع تعميمها للقريبة والبعيدة؟ كما تقدّم عن بعض المحققين (٥).

ولعلّه (٦) لما عرفت من تنافي ما اشتهر بينهم ـ من عدم جواز التعبير بالألفاظ المجازية في العقود اللازمة ـ مع (٧) ما عرفت منهم من الإكتفاء في

______________________________________________________

اللازمة ، وإن كان استفادة الحكم من بعضها لا تخلو من شي‌ء كما تقدم في مطاوي التوضيح.

(١) غرضه الاستنتاج من الفتاوى التي بدأت بقوله : «والذي يظهر من النصوص والفتاوى المتعرّضة لصيغها في البيع بقول مطلق ، وفي بعض أنواعه ، وفي غير البيع من العقود اللازمة هو الإكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي معتدّ به في المعنى المقصود».

(٢) أي : الصريح ، كما نصّ عليه في التذكرة.

(٣) يعني : كيف يجوز أن يسند إلى العلماء المنع من الإنشاء بالألفاظ المجازية؟

(٤) قيد ل «لا يجوز» يعني : أنّ المانع من الانعقاد بالمجاز إن كان مانعا عن خصوص المجاز البعيد ربما أمكن توجيهه. وإن كان مانعا عن مطلق المجاز قريبه وبعيده ـ كما نقله السيد العاملي عن مصابيح السيد بحر العلوم ـ كان في غاية الإشكال ، إذ مع هذه الفتاوى المتقدمة في صيغ العقود اللّازمة كيف يمنع عن المجاز القريب؟

(٥) وهو العلامة السيد الطباطبائي بحر العلوم قدس‌سره في المصابيح.

(٦) الضمير للشأن. غرضه الجمع بين الكلمات من القول بوجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له ، وعدم جواز إيقاعه بالألفاظ المجازية مع الإكتفاء في أكثر العقود بالألفاظ غير الموضوعة لذلك العقد. وحاصل وجه الجمع الذي أفاده المحقق الثاني هو حمل المجازات الممنوعة على المجازات البعيدة ، ومثّل للمجاز البعيد ، بالخلع والكتابة بالنسبة إلى إنشاء البيع ، ومثّل للمجاز القريب بالتمليك والسّلم. وقريب منه كلامه في كتاب النكاح.

(٧) متعلق بالتنافي ، يعني : التنافي بين ما اشتهر وبين ما عرفت منهم.

٣٥٧

أكثرها بالألفاظ غير الموضوعة لذلك العقد جمع المحقق الثاني ـ على ما حكي عنه في باب السّلم والنكاح ـ بين كلماتهم بحمل المجازات الممنوعة على المجازات البعيدة (١) ، وهو جمع حسن.

والأحسن منه (١) أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية سواء كان اللفظ الدّال على إنشاء العقد موضوعا له بنفسه أو مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ موضوع آخر (٢) ليرجع الإفادة بالأخرة إلى

______________________________________________________

(١) لعلّ وجه الأحسنيّة هو الأشملية ، توضيحه : أنّ لهم في عدم كفاية الألفاظ المجازية في العقود عبارتين : إحداهما : أنّه لا يجوز التعبير بالألفاظ المجازية. والأخرى : أنّه يعتبر كون ألفاظ العقود اللازمة من قبيل الحقيقة ، كما أشار إليها بقوله : «أن يراد باعتبار الحقائق».

والجمع الذي ذكره المحقق الثاني لا ينطبق على العبارة الثانية ، إلّا بأن يراد بالحقيقة ما هو أعمّ منها ومن المجاز القريب ، وهو تكلّف بعيد.

بخلاف ما ذكره المصنف قدس‌سره من وجه الجمع ، فإنّ مقتضاه التوسعة في اعتبار الحقيقة ، بمعنى كون الدلالة مستندة إلى الحقيقة ، سواء أكانت هي المفيدة لمضمون العقد ابتداء ، بأن يقع الإنشاء به ، كأن يقول : «بعتك هذا المتاع بكذا» أم كانت ممّا يستند إليه دلالة اللفظ الذي وقع به الإنشاء ، كقوله : «نقلت إليك هذا المتاع بالبيع» فإنّ نفس اللفظ الذي ينشأ به البيع ـ وهو لفظ «نقلت» ـ ليس موضوعا لمعنى البيع ، لكنّ دلالته على البيع يكون بسبب الوضع ، حيث إنّ قرينته ـ وهي قوله : «بالبيع» ـ تدلّ بالوضع على معنى البيع ، فيصدق على الصيغة : أنّها تدلّ بالوضع على معنى البيع.

(٢) كما في دلالة «تصدّقت» على الوقف بقرينة دلالة لفظ موضوع مثل «لا تباع ولا توهب ولا تورث» وكدلالة «متّعت» على النكاح المؤبّد بقرينة كلمة «الدائم» الموضوعة للدوام.

__________________

(١) : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٢٠٧ و٢٠٨ ، ج ١٢ ، ص ٧٠ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٤٩

٣٥٨

الوضع ، إذ (١) لا يعقل (*) الفرق في الوضوح ـ الذي هو مناط الصراحة ـ بين إفادة لفظ للمطلب بحكم الوضع ، أو إفادته له بضميمة لفظ آخر يدلّ بالوضع على إرادة المطلب من ذلك اللفظ. وهذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال (٢) أو سبق مقال (٣) خارج عن العقد ، فإنّ الاعتماد عليه (٤) في متفاهم المتعاقدين وإن كان من المجازات القريبة جدّا.

______________________________________________________

وهذا معنى رجوع دلالة مثل «تصدّقت ومتّعت» إلى الوضع ، يعني : أنّ القرينة تكون دلالتها وضعية ، فتعيّن المراد من ذي القرينة ببركة الوضع.

(١) تعليل لقوله : «والأحسن منه» وقد عرفت توضيحه.

(٢) كما إذا أسّس مكانا للصلاة فيه وعلم من حاله أنّه يريد جعله مسجدا ، ولكنّه اقتصر في صيغة الوقف على قوله : «تصدّقت» بدون تعقيبه بقوله : «صدقة لاتباع ولا توهب ولا تورث» فإنّ العلم بالوقفية وإن كان حاصلا من قرينة حالية ، ولكن هذا الإنشاء لا يكفي في مقام الوقف ـ بناء على توجيه المصنف ـ لخلوّ الصيغة عن القرينة اللفظية المعيّنة للمراد.

(٣) كما إذا تقاول الرجل والمرأة على النكاح الدائم بدون ذكر قرينة في صيغة العقد ، كما إذا قالت : «متّعتك نفسي بكذا» فإنّ القرينة المقالية السابقة على العقد غير كافية حينئذ ، بل لا بد أن يؤتي بقيد الدوام في نفس العقد.

(٤) أي : فإنّ الاعتماد على المقترن بالعقد ـ من حال أو مقال سابق عليه ـ رجوع عمّا أسّسوه من دوران صحة العقود مدار الأقوال.

__________________

(*) عدم معقولية الفرق في الوضوح ـ بناء على كون مناط الصراحة مطلق الوضوح في المراد وإن نشأ من القرينة ـ وإن كان متينا ، لكنه يوجب عدم الفرق حينئذ بين القرينة اللفظية وغيرها ، لأنّ ظهور اللفظ في المراد وإن كان بمعونة قرينة حالية أيضا لفظي ، فيكون الإنشاء باللفظ الظاهر في المقصود ، لا بغيره حتى يكون عدولا عما بنى

٣٥٩

رجوع (*) عمّا بني عليه من عدم العبرة بغير الأقوال في إنشاء المقاصد ، ولذا (١) (**) لم يجوّزوا العقد بالمعاطاة ولو مع سبق مقال أو اقتران حال تدلّ على إرادة البيع جزما.

ومما ذكرنا (٢) يظهر الإشكال في الاقتصار على المشترك اللفظي اتّكالا

______________________________________________________

(١) أي : ولأجل عدم العبرة بغير الأقوال منعوا من تحقق العقد بالمعاطاة حتّى مع سبق مقاولة ، أو اقتران التعاطي بقرينة حاليّة دالة على إرادة التمليك البيعي.

(٢) أي : من اعتبار الدلالة اللفظيّة الوضعيّة ـ إمّا في نفس الصيغة ، وإمّا في قرينتها على المراد ، وأنّه لا تكفي القرينة القولية السابقة كالمقاولة ، ولا القرينة الحالية المقارنة ـ يظهر عدم جواز الاقتصار في مقام إنشاء العقود على المشترك اللفظي والمعنوي ، لقصور اللفظ عن إفهام المقصود ما لم ينضمّ إليه قرينة لفظية. والقرينة الحالية لا عبرة بها ، لعدم كونها لفظا. نعم لو انضمّت القرينة الدالّة بالوضع على المراد من المشترك صحّ الإنشاء به.

__________________

عليه من عدم العبرة بغير الألفاظ في إنشاء المقاصد.

وأمّا بناء على كون مناط الصراحة هو الوضع المستند إلى خصوص وضع اللفظ للمعنى المنشأ به ـ كما هو صريح تفسيرهم الصريح بما كان موضوعا لعنوان العقد المنشأ به ـ فعدم الفرق غير معقول.

والحاصل : أنّه لم يظهر وجه لحسن ما أفاده فضلا عن أحسنيّته ، فتدبّر.

(*) كيف يكون رجوعا مع وقوع الإنشاء بالقول ، وكذا الإفهام؟ دون الفعل.

(**) فيه : أنّ ما لم يجوّزوه عقدا هو الإنشاء بالفعل المقرون بالقرينة ، دون الإنشاء باللفظ المفهم للمراد بسبب القرينة ، فلا مجال لقياس أحدهما بالآخر.

٣٦٠