هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

ولكلّ منهما ردّه (١) قبل (٢) إجازة الآخر.

ولو رجع (٣) الأوّل ، فأجاز الثاني ، فإن جعلنا الإجازة ـ كاشفة لغا (٤)

______________________________________________________

(١) أي : ردّ بيع الفضول ، وهذا إشارة إلى فرع ثالث من فروع بيع المأخوذ بالمعاطاة فضولا. وحكمه : أنه يجوز لكلّ منهما ردّه ، لأنّ من له الإجازة له الرّد أيضا ، فكما تكون إجازته رجوعا فكذا ردّه. نعم سلطنة كلّ منهما على الرّد مقيّدة بعدم سبق إجازة الآخر.

ولا فرق بين كون الرّد من قبل المعطي أو الآخذ ، كما لا فرق بين الملك والإباحة. فإن ردّ المعطي فبناء على الملك المتزلزل يكون ردّه لعقد الفضول رجوعا عن المعاطاة وإعادة للمال في ملكه. وبناء على الإباحة فالأمر أوضح ، لبقاء العين على ملكه ، ولم يطرأ ما يلزم المعاطاة بعد.

وإن ردّ الآخذ فكذلك ، إذ بناء على الملك يكون ردّه تصرّفا في ملكه وتصير المعاطاة لازمة. وبناء على الإباحة فإنّ العين وإن لم تكن ملكه ، إلّا أنّ الرّد تصرف ، وهو يكشف عن سبق الملك.

(٢) إذ لا مورد للرّد بعد إجازة الآخر ، لسقوط حقّ الرجوع في المعاطاة حينئذ ، فلا ينفذ ردّه.

(٣) يعني : ولو رجع الأوّل عن المعاطاة ثم أجاز الثاني عقد الفضول. وهذا إشارة إلى آخر فروع عقد الفضول ، وتوضيحه : أنّه يفرض أزمنة أربعة في المقام ، ففي الساعة الأولى تحققت المعاطاة بين زيد وعمرو ، وفي الساعة الثانية وقع عقد الفضول ، وفي الثالثة رجع زيد عن المعاطاة ، وفي الرابعة أجاز عمرو عقد الفضول.

وقد فصّل المصنف في حكم هذا الفرع بين الكشف والنقل ، فبناء على الكشف احتمل وجهين : أحدهما لغوية الرجوع ونفوذ الإجازة ، وثانيهما لغوية الإجازة ونفوذ الرجوع. وبناء على النقل جزم بلغوية الإجازة ، وسيأتي بيان كلّ منها.

(٤) توضيحه : أنّه إذا رجع المالك الأوّل عن المعاطاة وردّها ، فأجاز المالك

٢٤١

الرجوع.

ويحتمل (١) عدمه ، لأنّه رجوع قبل (*) تصرف الآخر ، فينفذ ، ويلغو الإجازة. وإن جعلناها (٢) ناقلة لغت الإجازة قطعا (٣).

______________________________________________________

الثاني العقد الفضولي ، فعلى القول بكون الإجازة كاشفة لغا رجوع المالك الأوّل ، لكشف الإجازة عن صحة العقد حين وقوعه ، فلا يبقى مورد للرّد ، حيث إنّه رجوع بعد التصرف الملزم.

(١) يعني : ويحتمل عدم كون الرجوع لغوا ، لأنّ الرّجوع تحقّق قبل التصرف بالإجازة ، فينفذ. وكاشفيّة الإجازة منوطة بصحّتها المفقودة بعد رجوع الأوّل.

وبعبارة أخرى : يعتبر في المجيز أن يكون مالكا لأمر العقد ، فإذا عادت العين إلى المالك الأوّل برجوعه كانت إجازة الثاني من إجازة الأجنبي ، فتلغو ، إذ لا عبرة بإجازته في باب عقد الفضول.

(٢) معطوف على «جعلنا» وحاصله : أنّه بناء على كون الإجازة ناقلة لغت الإجازة قطعا ، ضرورة أنّ عقد الفضولي لا يؤثّر حقيقة إلّا بعد تماميّته ، والمفروض أنّه لا يتمّ إلّا بالإجازة ، وأنّ رجوع المالك الأوّل وقع قبل تأثير العقد ، فيمنع عن تأثير الإجازة اللاحقة ، فلا أثر للإجازة فيه وتقع لغوا ، لارتفاع قابلية العقد للتأثير بسبب الرّد.

(٣) إذ لا يبقى لها مورد بعد ارتفاع عقد الفضولي بالرجوع عن المعاطاة.

هذا تمام الكلام في فروع الملزم الثالث أعني به التصرف الاعتباري في إحدى العينين أو كلتيهما.

__________________

(*) هذا خلاف فرض الكشف الحقيقي ، لأنّ مقتضى تمامية العقد المؤثّر من حين وقوعه هو ترتب الأثر عليه في أوّل أزمنة وقوعه ، وكون الرجوع لغوا ، لتحقّقه بعد تأثير العقد. نعم بناء على الكشف غير الحقيقي كان احتمال عدم لغوية الرجوع قويّا.

٢٤٢

ولو امتزجت العينان أو إحداهما سقط (١) الرّجوع على القول بالملك ،

______________________________________________________

الملزم الرابع : مزج إحدى العينين

(١) هذا شروع في الملزم الرابع وهو امتزاج إحدى العينين أو كلتيهما. والمقصود بالامتزاج هنا ما لا يوجب تبدّل الصورة النوعية ولم يحصل الاستهلاك ، وإلّا كان بحكم التلف.

ثم إن المصنف فصّل بين الملك والإباحة ، فرجّح اللزوم بالامتزاج بناء على إفادة المعاطاة للملك ، واختار بقاء جواز التّراد بناء على الإباحة.

وتوضيح المقام : أنّ الامتزاج تارة يكون بمال ثالث ، وأخرى يكون بمال أحد المتعاطيين. وعلى التقديرين إمّا أن نقول بالملك في المعاطاة أو بالإباحة ، فالصور ست.

الأولى : أن يكون الامتزاج بمال ثالث ، وقلنا بإفادة المعاطاة للملك ، وحكمها اللزوم لامتناع تراد العينين على الوجه المعتبر وهو الخلوص عن مال الغير.

قال في المسالك : «لو اشتبهت بغيرها أو امتزجت بحيث لا تتميّز ، فإن كان بالأجود فكالتلف ، وإن كان بالمساوي أو الأردإ احتمل كونه كذلك ، لامتناع التراد على الوجه الأوّل. واختاره جماعة. ويحتمل العدم في الجميع ، لأصالة البقاء» (١).

وعن تعليق الإرشاد والميسيّة : «أنّ ذلك في معنى التلف» (٢) ، هذا.

الثانية : أن يكون الامتزاج بمال البائع ، فيمتنع التّراد أيضا ، لعدم إمكان الرجوع بعين ماله ، بل يصير المال بسبب الامتزاج مشتركا بين البائع والمشتري.

وإن شئت فقل : إنّ الامتزاج بمنزلة التلف في كونه مانعا عن التراد.

__________________

(١) : مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٠

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٥٧

٢٤٣

لامتناع التّراد. ويحتمل (١) الشركة ، وهو ضعيف (٢).

أمّا على القول بالإباحة (٣)

______________________________________________________

ومنه يظهر عدم الوجه في الرجوع إلى الكسر المشاع.

الثالثة : أن يكون الامتزاج بمال المشتري ، وحكمها أيضا لزوم المعاطاة ، لامتناع التّراد ، إذ المفروض امتزاج ماله المأخوذ بالمعاطاة بماله الآخر ، فالمال كلّه له ، ولا يمكنه ردّ المأخوذ بالمعاطاة على وجه بحيث يردّ عين المال إلى البائع. وردّه بالكسر المشاع مما لا وجه له.

والحاصل : أنّ الحكم في هذه الصور الثلاث هو لزوم المعاطاة ، وعدم جواز الرجوع على القول بالملك ، لامتناع التّراد.

(١) معطوف على قوله : «سقط الرجوع» وغرضه بيان احتمال جواز الرجوع ، وإنّ الامتزاج ليس بملزم للمعاطاة ، بل يوجب الشركة ، بأن يقال : أنّه بالرجوع يقدّر ملك الشخص للأجزاء الواقعية من ماله الممتزج بمال غيره ، ويحكم بالشركة لأجل الامتزاج ، وبه يجمع بين دليلي الشّركة وجواز المعاطاة.

(٢) وجه ضعفه : أنّ موضوع جواز الرجوع في المعاطاة هو إمكان ترادّ العينين ، وبالامتزاج يمتنع ترادّهما ، فلا يصح الرجوع حتى يقدّر الملك بعده ، ثم يحكم بالشركة. فالحكم بالشركة متفرّع على الملك ، وهو مترتب على الرجوع ، وهو مترتب على إمكان التّراد ، فبإمتناع التراد يسقط ما يتفرع عليه.

(٣) الصور الثلاث المتقدمة كانت مبنيّة على القول بإفادة المعاطاة للملك.

وأمّا الصور الثلاث المترتبة على الإباحة فأولاها : امتزاج العين بمال ثالث. وحكمها بطلان المعاطاة بمعنى زوال الإباحة ، لأنّ موضوع الإباحة لم يبق على ملك المبيح بالاستقلال ، لأنّه صار مشتركا بسبب الامتزاج بينه وبين الثالث ، ولم يكن المال المشترك موضوعا للإباحة الحاصلة بالمعاطاة. هذا.

وثانيتها : امتزاج العين بمال المشتري. وحكمها بطلان المعاطاة أيضا ، لأنّ

٢٤٤

فالأصل بقاء التسلّط (١) على ماله الممتزج بمال الغير ، فيصير المالك شريكا مع مالك الممتزج به.

نعم (٢) لو كان المزج ملحقا له بالإتلاف جرى عليه حكم التلف.

______________________________________________________

الامتزاج أوجب الشركة القهرية بين المتعاطيين ، ولم يكن هذا الملك الجديد الإشاعي موردا لإباحة المالك.

وثالثتها : امتزاج العين بمال البائع ، وحكمها جواز الرجوع كما كان قبل الامتزاج ، فإنّ امتزاج ماله بماله الآخر لا يمنع عن بقاء المعاطاة ـ المفيدة للإباحة ـ على جوازها.

فالمتحصل : أنّ في الصور الثلاث المبنية على القول بالملك تلزم المعاطاة بالامتزاج المانع عن جواز التراد ، وفي الصور الثلاث المبنية على القول بالإباحة تبطل المعاطاة في الصورتين الأوليين منها ، وتبقى على الجواز في الصورة الثالثة منها.

(١) لبقاء المال على ملك مالكه ، وعدم ترتب أثر على المزج إلّا الشركة. وكونه مباحا للغير لا يمنع من حصول الشركة بالمزج. وسلطنة الناس على أموالهم عامّة للملك الاستقلالي والإشاعي ، فيجوز الرجوع على الإباحة.

لكن يمكن أن يقال : إنّ جواز التراد ليس بدليل السلطنة ، بل بالإجماع ، والمتيقن منه هو جواز ردّ ماله إذا كان متميّزا عن مال غيره ، بأن يكون موضوع جواز الرجوع خصوص المال المتميّز عن غيره كما كان ذلك قبل المعاطاة ، فلا بدّ حينئذ من القول بالإباحة اللازمة ، إذ لا موجب للملك ، فتدبّر.

(٢) استدراك على قوله : «فالأصل بقاء التسلط .. إلخ» وحاصله : أنّ عدم جواز الرجوع في صورة الامتزاج ـ بناء على القول بالإباحة ـ مختصّ بما إذا كان المزج ملحقا للمأخوذ بالمعاطاة بالإتلاف ، كالمزج بغير الجنس ، نظير خلط مقدار من ماء الورد بالزيت على ما مثّل به المصنف قدس‌سره في خيار الغبن ، فإنّ الرجوع حينئذ يسقط ، لكون هذا المزج بمنزلة الإتلاف.

٢٤٥

ولو تصرّف (١) في العين تصرّفا مغيّرا للصورة كطحن الحنطة وفصل الثوب ، فلا لزوم (٢) (*) على القول بالإباحة. وعلى القول بالملك ففي اللزوم

______________________________________________________

التصرف غير المغيّر للصورة ملزم للمعاطاة أم لا

(١) هذا إشارة إلى أمر آخر قد يعدّ من ملزمات المعاطاة ، وهو التصرف الخارجي في إحدى العينين ـ أو كلتيهما ـ بما يغيّر صورتها ، بحيث لا تبقى العين على ما كانت عليه من الصفات. ومثّل له المصنف بصيرورة الحنطة دقيقا بالطحن ، والقماش ثوبا بالفصل وخياطته. وحكم بعدم كون هذا النحو من التصرف ملزما ، بلا تفاوت بين القول بالملك والإباحة ، ولكنّه احتمل اللزوم بناء على الملك ، للشك في بقاء موضوع الاستصحاب ، وسيأتي توضيحه.

(٢) لعدم ما يوجب لزوم المعاطاة من التلف والتصرف الناقل ، فكلّ من المالين باق على ملك مالكه ، فله السلطنة على استرداده ، لعدم تبدل طبيعة الحنطة بالطحن ، ولا القماش بالفصل والخياطة.

__________________

(*) بل يمكن القول باللزوم ، لما مرّ من أنّ المتيقّن من الإجماع على جواز الرجوع هو صورة عدم تغير وصف من أوصاف العينين ليمكن ترادّهما على وجههما ، ولأنّ تلف الجزء الصوري ـ وهو الوصف الموجب لتفاوت رغبات الناس مع عدم رجوع المتعاطيين بالمثل والقيمة ـ يوجب تعيّن الباقي على حاله بدلا عمّا تلف منه جزؤه الصوري ، فمقتضى القاعدة اللزوم. كما أنّ مقتضاها اللزوم على القول بالملك ، اقتصارا على المتيقن من التخصيص ، وهو بقاء العين على أوصافها.

ويمكن استفادة حصول التغيير بمثل فصل الثوب من مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام : «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا؟ قال : إن كان الشي‌ء قائما بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن. وإن كان الثوب قد قطع أو خيط

٢٤٦

وجهان مبنيّان على جواز جريان استصحاب جواز التراد (١).

ومنشأ الإشكال أنّ الموضوع في الاستصحاب عرفي أو حقيقي (٢).

______________________________________________________

(١) فبناء على جريان الاستصحاب يجوز الرجوع ، وبناء على عدمه لا يجوز ، قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «وإن أوجب ـ أي التصرف ـ تغيرا إلى حالة أخرى ـ كطحن الحنطة وصبغ الثوب ـ احتمل كونه كذلك ، لأصالة بقاء الملك مع بقائه. ولزوم المعاطاة بذلك ، وبه جزم بعض الأصحاب. لما تقدّم من امتناع التراد بسبب الأثر المتجدّد. وعندي فيه إشكال» (١).

(٢) فإن كان عرفيّا جرى الاستصحاب ، لأنّ الملكية والطهارة والنجاسة ونحوها من الأمور الاعتبارية تعرض الذّوات لا العناوين ، مثلا إذا تنجّست الحنطة وبعد طحنها شكّ في طهارتها ، فاستصحاب النجاسة محكّم مع كون المتنجس هو الحنطة لا الدقيق. لكن موضوع النجاسة لمّا كان بنظر العرف هو الجسم كان استصحاب نجاسته جاريا.

وإن كان حقيقيّا أي دليليّا فلا يجري ، لأنّ الدقيق غير الحنطة التي هي موضوع الدليل. ولا ينبغي الارتياب في كونه عرفيّا لا حقيقيّا.

لكن ليس المقام من موارد الاستصحاب ، بل من التمسك بعموم دليل اللزوم.

__________________

أو صبغ رجع بنقصان العيب» (٢) حيث إنّه عليه‌السلام منع من الرّد بمجرّد التصرف بالصبغ والخياطة والقطع ، وأنّه يتعيّن الأرش لو أراد. ولو لم يكن هذا المقدار من التغيير تصرفا مسقطا للرّد لم يكن وجه لتعيّن الأرش.

وعليه فجعل فصل الثوب من التصرف غير المغيّر للصورة ـ كما في المتن ـ لا يخلو من شي‌ء ، فمقتضى الرواية جعله ملزما للمعاطاة.

__________________

(١) : مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٥٠

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٦٣ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، الحديث : ٣

٢٤٧

ثم إنّك (١) قد عرفت ممّا ذكرنا (٢) أنه ليس جواز الرّجوع في مسألة المعاطاة نظير (٣) الفسخ (٤) في العقود اللّازمة حتى يورث بالموت (٥) ويسقط بالإسقاط

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّ الغرض من التنبيه على كون جواز الرجوع في المعاطاة حكما لا حقّا ـ كما سبق تفصيله في أوّل هذا الأمر السادس ـ هو التمهيد لبيان ملزم آخر من ملزمات المعاطاة ، وهو موت أحد المتعاطيين ، والدليل على ملزميته كون جواز التّراد حكما لاحقا ، ومن المعلوم أنّ الجواز الحكمي كالجواز في الهبة غير موروث ، وذلك لأنّ ما ينتقل الى الوارث هو «ما تركه الميت من ملك أو حقّ» بحيث لو لم ينتقل الى الوارث بقي بلا محلّ ، لوضوح قيام إضافة الملكية بطرفيها من المالك والمملوك ، كقيام إضافة الحقّيّة بمن له الحق ومن عليه الحق ، فلا بد من انتقال الملك والحق إلى الوارث حتى لا يلزم بقاء المملوك بلا مالك ولا بقاء الحق بلا ذي الحق.

وأمّا جواز المعاطاة والهبة شرعا فليس شيئا تركه الميّت حتى يورث ، بل هو حكم شرعي ثبت لعنوان المتعاطيين وللواهب. ولو فرض ثبوت هذا الجواز للوارث ـ كما كان للمورّث ـ فإنّما هو بدليل خاص ، لا لأدلة الإرث العامة.

ويتفرّع على كون جواز المعاطاة حكما ـ لا حقّا ـ لزومه بموت أحدهما سواء قلنا بالملك أم بالإباحة. أمّا على الملك فتنتقل نفس العين إلى الوارث ، لا حكمها وهو جواز التراد الثابت حين حياة المورّث ، فتنتهي الملكية الجائزة إلى اللازمة.

وأمّا على الإباحة فلقيام السيرة على عدم التراد بعد موت أحد المتعاطيين ، وهي تكشف عن لزوم الإباحة قبل الموت ، وانتقال كل من المالين إلى من بيده ، هذا.

(٢) بقوله : «ولم يثبت قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري حتى يستصحب بعد التلف ، لأن ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين ..».

(٣) خبر «ليس جواز».

(٤) يعني : الفسخ بالخيار في العقود اللّازمة ، الذي هو من قبيل الحق لا الحكم.

(٥) بمقتضى عموم «ما تركه الميت من مال أو حقّ فهو لوارثه».

٢٤٨

ابتداء (١) أو في ضمن المعاملة (٢) ، بل هو (٣) على القول بالملك نظير (*) الرجوع في الهبة. وعلى القول بالإباحة نظير الرجوع (**) في إباحة الطعام بحيث يناط الحكم فيه بالرّضا الباطني ، بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف.

فلو (٤) مات أحد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع على القول

______________________________________________________

(١) كإسقاطه بعد العقد.

(٢) كأن يقول : بعتك المتاع الفلاني بشرط إسقاط الخيار.

(٣) أي : جواز الرجوع في المعاطاة على القول بالملك يكون نظير الرجوع في الهبة في كونه حكما غير قابل للإسقاط ، فكما لا يسقط جواز الرجوع في الهبة بالإسقاط فكذلك الرجوع في المعاطاة.

وعلى القول بالإباحة يكون كالرجوع في إباحة الطعام في إناطة الإباحة بالرّضا الباطني الذي يرتفع بالكراهة. فالفرق بينهما أنّ الرجوع على القول بالملك يتعلّق بمال الغير ، وعلى القول بالإباحة يتعلق بمال نفسه.

الملزم الخامس : موت أحد المتعاطيين

(٤) هذا متفرّع على قوله : «أنّه ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة نظير

__________________

(*) لعلّ وجه كون الجواز في المعاطاة حكما ـ كجواز الرجوع في الهبة ـ هو : أنّ المخرج عن أصالة اللزوم لمّا كان هو الإجماع ، فلا بدّ من الأخذ بالمتيقن منه ، وهو خصوص المتعاطيين ، فلا يثبت لغيرهما من الورثة ، كما لا يسقط بالإسقاط للاستصحاب.

(**) هذا صحيح في الإباحة المالكية لا الشرعية ، والمفروض أنّ الإباحة في المقام شرعية لا مالكية ، فإناطة الإباحة بالرّضا الباطني غير ظاهر ، فيحكم ببقاء الإباحة ولو مع رجوع المالك في المعاطاة ، بل بعد التصرفات الناقلة منه أيضا ، فتدبّر.

٢٤٩

بالملك (١) (*) للأصل (٢) (**)

______________________________________________________

الفسخ ..» وحاصله : أنّ جواز التراد حكم كجواز الرجوع في الهبة ، وليس حقّا ، إذ لو كان حقّا كحقّ الخيار لانتقل إلى الوارث ، لكونه «ممّا تركه الميّت» ومن المعلوم صيرورة الملك بالموت لازما ، فيكون المال للوارث ملكا لازما.

واعلم أنّ الفرق بين موت أحد المتعاطيين وبين الملزمات المتقدمة هو أنّ منشأ اللزوم فيها كان عروض أمر على إحدى العينين من تلف وتصرّف ناقل ونحوهما. ومنشأ اللزوم في هذا الملزم سقوط المتعاطيين عن أهلية التملك مع بقاء العوضين على ما كانا عليه حين التعاطي.

(١) تقييد ملزمية الموت بالملك مشعر ببقاء الجواز بناء على الإباحة ، لئلّا يلزم لغوية التقييد بالملك.

(٢) أي : استصحاب عدم انتقال الحكم ـ وهو الجواز ـ إلى الوارث ، وأنّ المنتقل إليه هو المال ، وبالانتقال إليه يسقط حقّ الرجوع ، نظير سقوطه بانتقال المال بالنواقل الاختيارية الملزمة للمعاطاة.

__________________

(*) وكذا على القول بالإباحة ، لأنّها شرعيّة ، ومن المعلوم أنّها حكم غير قابل للانتقال ، فتسقط بمجرّد انتقال موضوعها إلى الوارث ، فينتقل المال إليه بدون إباحته من المباح له ، حيث إنّ المتيقن من الإجماع هو ثبوت الإباحة من طرف المبيح لشخص المباح له ، وثبوتها لوارثه مشكوك فيه ، فيرجع إلى الاستصحاب القاضي بعدم انتقال الإباحة إلى الوارث ، فتبطل المعاطاة رأسا.

نعم بناء على صدق العقد على المعاطاة المفيدة للإباحة يحكم بلزومها بعد موت المبيح كما تقدم في بعض المباحث.

(**) لا يخفى أنّ الرجوع إلى الأصل مبني على عدم ثبوت كون الرجوع حكما. وأمّا بناء عليه فلا وجه للرجوع إليه ، لعدم الشك ، ضرورة أنّ من لوازم الحكم عدم

٢٥٠

لأنّ (١) (*) من له وإليه الرجوع هو المالك الأصلي.

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «لم يجز» وحاصله : أنّ وجه عدم انتقال «جواز الرجوع» إلى الوارث هو كون الرجوع متقوّما بنفس المتعاطيين ، فلا ينتقل إلى الوارث.

__________________

الانتقال إلى الوارث ، فيسقط جواز الرجوع بموت مالكه الأوّل ، ويصير ملكا لازما لمالكه الثاني. هذا على القول بالملك.

وأمّا على الإباحة فينتقل المال الى وارث المبيح بدون الإباحة ، لكونها حكما مجعولا للمبيح ، ومن المعلوم انتفاء الحكم بانعدام موضوعه. وبعد الانتقال إلى الوارث يكون كسائر أمواله ، فله السلطنة على الإباحة المالكية كسائر الملّاك ، كما أنّ له السلطنة على إيجاد موضوع الإباحة الشرعية أعني به المعاطاة.

والحاصل : أنّه لا منافاة بين عدم جواز انتقال الرجوع إلى الوارث وبين جواز الإباحة للوارث. وجه عدم المنافاة : أنّ جواز الرجوع من حيث كونه حكما لا ينتقل إلى الوارث ، إذ المفروض عدم كونه حقّا ، فلا يندرج في : ما تركه الميت.

وبالجملة : انتفاء الموضوع يوجب انتفاء جواز الرجوع قطعا ، لأنّه شأن الموضوع والحكم ، فلا يرث الوارث جواز الرجوع من المورّث وإن كان سلطانا على ذلك من باب تسلط كل مالك على ماله.

(*) هذا التعليل يشبه المصادرة ، لأنّه بمنزلة أن يقال : إنّ هذا الحق يختص بالمالك الأصلي ، لأنّ من له وإليه الرجوع هو المالك الأصلي.

فلعلّ الأولى أن يعلّل الحكم بعدم جواز الإرث بهذا الوجه ، وهو : أنّ علّة عدم انتقال جواز الرجوع إلى الوارث هي كون مقتضى القدر المتيقن من الإجماع اختصاص جواز الرجوع بالمتعاطيين وعدم ثبوته لغيرهما ، فمع الشك في ثبوته للوارث يرجع إلى أصالة عدم جعله للوارث.

والحاصل : أنّ الوجه في اختصاص جواز الرجوع بالمتعاطيين وعدم انتقاله إلى

٢٥١

ولا يجري (١) الاستصحاب.

ولو جنّ (٢) أحدهما

______________________________________________________

(١) أي : لا يجري استصحاب جواز الرجوع الذي كان ثابتا للمورّث ، بأن يقال : إنّ الجواز كان متيقنا حال حياته ، ويشك في زواله بالموت فيستصحب ، فيبقى الملك متزلزلا على ما كان عليه في حال حياة المتعاطي ، فيجوز للوارث الرجوع كما جاز للمورّث.

وجه عدم الجريان : عدم إحراز الموضوع ، لاحتمال أن يكون الموضوع عنوان «المالك» المنطبق على الوارث ، وأن يكون خصوص المتعاطي. فعلى الأوّل ينتقل إلى الوارث ، ويصح جريان الاستصحاب فيه. وعلى الثاني لا يصح جريانه. وحيث إنّ الموضوع دائر بين ما هو مرتفع قطعا ، وبين ما هو باق جزما ، فلا يحرز بقاء الموضوع حتى يجري الاستصحاب.

الفرق بين موت المتعاطيين وجنونهما

(٢) معطوف على «فلو مات» ومقصوده قدس‌سره بيان الفارق بين الموت والجنون بأنّ الأوّل ملزم للمعاطاة ، دون الثاني ، للفرق بين قيام الوارث مقام مورّثه ، وبين قيام الولي مقام المولّى عليه. وبيانه : أنّ الولي بمنزلة الوكيل في كون فعله فعل الغير ومضافا إلى المتعاطي حقيقة ، فالولي غير الوارث ، لأنّ هذا يثبت له الحق بعنوان المالك ومن له الحق ، لكون الإرث جهة تعليليّة تقتضي ثبوت الحق لنفس الوارث.

__________________

الوارث هو قصور الدليل عن إثباته لغيرهما من الوارث.

إلّا أن يقال : إن مقتضى الاستصحاب بقاء الحق وعدم سقوطه بموت المتعاطيين ، فيندرج في : ما تركه الميت ، فينتقل إلى الوارث.

إلّا أن يستشكل فيه بأنّ الشك في المقتضي.

لكن يجاب عنه بأن الاستصحاب يجري في الشك في المقتضي أيضا.

٢٥٢

فالظاهر قيام وليّه مقامه في الرّجوع على القولين (١).

______________________________________________________

بخلاف الولي ، فإنّه يأخذ الحق لغيره ، فالحقّ ثابت لنفس المتعاطيين ، غاية الأمر أنّ أخذه يكون بمباشرة الولي كالوكيل ، ولم يثبت اعتبار المباشرة في ثبوت الحق للمتعاطيين ، حتى يقال : «إنّ المجنون يسقط حقّ رجوعه ، لعدم قدرته على المباشرة» فلا يسقط جواز الرجوع بالجنون ، بل لوليّه الرجوع ، ومن المعلوم أنّ الرجوع مما يقبل الولاية كقبوله للوكالة (*).

ولا يخفى أنّ قيام الولي مقام المتعاطي ـ الذي عرض عليه الجنون بعد المعاطاة ـ يجري من أوّل الملزمات إلى آخرها ، فلا فرق في عدم لزوم المعاطاة بمجرّد الجنون بين التلف والتصرف الاعتباري والخارجي والمزج وغيرها ممّا تقدّم من الفروع ، فإنّ تحقّق أحد الملزمات عند تصدّي الولي يوجب صيرورة المعاطاة لازمة ، وإلّا فهي باقية على جوازها ، بلا فرق بين القول بالملك والإباحة.

(١) أي : الملك والإباحة ، لما عرفت من كون الحق ثابتا لنفس المتعاطيين مع مباشرة الولي.

__________________

(*) ومما ذكرنا يظهر غموض في تقرير سيدنا الخويي قدس‌سره من قول المقرر : «وقد تبيّن لك مما أوضحناه أنّه لو جنّ أحد المتعاطيين لم يجز له الرجوع إلى الآخر ، سواء فيه القول بالملك والقول بالإباحة ، فإنّ الدليل على جواز المعاطاة إنّما هو الإجماع على تقدير تحققه ، ولا نطمئن بوجوده في هذه الصورة ، بل يرجع إلى أدلة اللزوم على كلا القولين. وإذن فلا وجه صحيح لما أفاده المصنف من ثبوت حق الرجوع لوليّ المجنون على كلا القولين» (١).

وذلك لما عرفت من كون الحق ثابتا للمجنون لا للولي حتى يكون الجنون كالموت في كون المتيقن من الإجماع على الجواز هو خصوص المتعاطيين لئلّا يرثه

__________________

(١) : مصباح الفقاهة ، ج ٢ ، ص ٢١٧

٢٥٣

.................................................................................................

__________________

الوارث ، ولئلّا ينتقل إلى الولي. ففرق واضح بين الموت والجنون.

نعم يكون الجنون مثل الموت إذا ثبت اعتبار المباشرة ، وعدم قابلية الرجوع للوكالة والولاية ، وأنّ الرجوع في المعاطاة من الأمور غير القابلة لهما ، نظير الرجوع في الطلاق الرجعي على ما في وكالة وسيلة سيدنا الفقيه الأصفهاني قدس‌سره وإن كان فيه تأمّل ، لأنّ الرجوع ليس إلّا إبقاء للزوجية. ولا فرق في نظر العقلاء بين إبقائها وإحداثها في قابلية كلّ منهما للوكالة. فيصح أن يقول الوكيل : «بوكالتي عن فلان أرجعت فلانة إلى زوجيّتها له» (١).

فالظاهر ـ بعد عدم منع شرعي عن هذه الوكالة ـ جواز التوكيل في الرجوع القولي ، وقد ثبت في محله إطلاق أدلة الوكالة في كلّ أمر يكون عرفا قابلا للتفويض إلى الغير ، ولم يرد دليل شرعي على اعتبار المباشرة فيه كالرجوع الفعلي في الطلاق الرجعي.

إلّا أن يقال : إنّ نفس التوكيل في الرجوع رجوع عرفا ، ومعه لا يبقى موضوع للوكالة ، فتأمّل.

__________________

(١) : وسيلة النجاة ، ج ٢ ، ص ١٥٠

٢٥٤

السابع (١) : أن الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف أو معاوضة مستقلّة ، قال (٢) : «يحتمل الأول ، لأنّ (٣) (*)

______________________________________________________

التنبيه السابع : المعاطاة بعد اللزوم بيع أو معاوضة مستقلة

(١) الغرض من عقد هذا التنبيه هو البحث عن إمكان فسخ المعاطاة بالخيار والإقالة بعد طروء أحد الملزمات عليها وعدمه. ومورد الكلام هو المعاطاة المقصود بها الملك سواء أفادت الملك الجائز أم الإباحة ، فإذا صارت لازمة بما تقدم في التنبيه السادس ـ من التلف والنقل بالعقد الجائز أو اللازم ، والمزج ونحوها ـ يبحث عن قبولها للفسخ بالخيارات المعهودة من العيب والغبن وتخلف الوصف وغيرها ، وتجري فيها الإقالة ، أو أنّها لا تقبل الفسخ أصلا؟ وابتدأ المصنف بنقل كلام الشهيد الثاني قدس‌سره ، ثمّ علّق عليه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

(٢) قال في المسالك : «الثامن : على تقدير لزومها بأحد الوجوه المذكورة ، فهل تصير بيعا أو معاوضة برأسها؟ يحتمل الأوّل .. إلخ».

(٣) حاصله : أنّ حصر المعاوضات في الأمور المعهودة وعدم كون المعاطاة منها يقتضي اندراجها في البيع ، ولا دليل على كونها معاوضة مستقلة في قبال المعاوضات المعهودة.

__________________

(*) لا يخفى ما في هذا التعليل ، ضرورة أنّ حصر المعاوضات ـ التي منها البيع ـ

٢٥٥

المعاوضات محصورة ، وليست إحداها. وكونها معاوضة برأسها يحتاج إلى دليل. ويحتمل الثاني ، لإطباقهم (١) على أنّها ليست بيعا حال وقوعها ، فكيف تصير بيعا بعد التلف (٢)؟

______________________________________________________

(١) حاصله : أنّ إطباقهم على عدم كون المعاطاة بيعا حين وقوعها يدلّ على كونها معاوضة مستقلة ، إذ لا معنى لكون التلف موجبا لصيرورتها بيعا ، فلا مقتضي لكونها بيعا.

(٢) يعني : بعد البناء على عدم بيعيّتها حين وقوعها كيف تصير بالتلف بيعا؟

إلّا أن يقال : إنّ المنفي هو البيع الشرعي ، لا العرفي المتقوم بقصد المبادلة بين المالين الموجود هنا ، لأنّ المفروض قصد المتعاطيين للتمليك ، فالمراد عدم شمول دليل

__________________

في الأمور المعهودة ـ وعدم كون المعاطاة منها ـ يقتضي ضدّ المقصود وهو عدم بيعيّتها.

وإن أراد من المعاوضات غير البيع ، فلا يقتضي نفيها عن المعاطاة ثبوت بيعيتها ، لأنّ نفي الدليل على كونها من المعاوضات غير البيع لا يدلّ على كونها بيعا ، بل بيعيّتها منوطة بصدق مفهومه عليها عرفا ، فإن لم يصدق عليها فلا دليل على بيعيّتها. بل مقتضى الإجماع المدّعى على عدم بيعيتها قبل التلف هو عدم صيرورتها بعد التلف بيعا بالاستصحاب.

إلّا أن يقال : إنّ مفهوم البيع صادق عليها ، غاية الأمر أنّ دليل حلّية البيع خصّص بالإجماع قبل التلف ، وصارت المعاطاة مفيدة للإباحة مع كونها بيعا عرفا. لكن المتيقّن من الإجماع لمّا كان هو إفادة المعاطاة للإباحة قبل التلف فيرجع بعده إلى عموم دليل لزوم البيع ، فالمراد بصيرورة المعاطاة بعد التلف بيعا هو ترتب الأثر ـ أعني به الملكية ـ بعده ، فالمعاطاة بيع ، غاية الأمر أنّ الإجماع قام على عدم ترتب الأثر الملكي عليها إلّا بعد التلف.

وبهذا التقريب يظهر وجه اندفاع التعجب المستفاد من قوله قدس‌سره : فكيف يصير بيعا بعد التلف؟

٢٥٦

وتظهر الفائدة في ترتب الأحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن (١) أو بعضه (٢).

وعلى تقدير ثبوته (٣)

______________________________________________________

نفوذ البيع للمعاطاة ، للإجماع ، لكنه بعد التلف لا إجماع ، فيتشبّث بأدلة صحة البيع.

وبالجملة : فإن أريد بقولهم : «ليست بيعا حال وقوعها» نفي البيع الشرعي فلا بأس به. وإن أريد به نفي البيع العرفي فلا إشكال في فساده ، لأنّ الحاكم بثبوت البيع ونفيه حينئذ هو العرف ، ومن المعلوم عدم ارتيابهم في صدق مفهوم البيع العرفي عليها.

(١) أمّا التقييد بالتلف فلأنّ المفروض جعل موضوع البحث ـ في ثبوت الخيارات ـ المعاطاة التي صارت لازمة بأحد ملزماتها التي منها التلف ، وأمّا التقييد بكون التالف الثمن أو بعضه دون المثمن ـ أعني : الحيوان ـ فوجهه : أنّه يلزم من فرض وجود الخيار عدمه ، وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال.

توضيحه : أنّ المفروض كون المعاطاة اللازمة بسبب التلف موضوعا للخيار ، ومن المعلوم توقف الخيار كغيره من الأحكام على وجود موضوعه. وقد قرر في محلّه انحلال البيع وانفساخه بتلف المبيع في زمن الخيار ، لقاعدة «كل مبيع تلف في زمن الخيار فهو ممّن لا خيار له».

وعلى هذا فالتلف الذي هو سبب وعلّة للخيار موجب لانعدام موضوع الخيار. وهذا محال ، ففرض ثبوت الخيار في المعاطاة بعد لزومها لا بدّ أن يكون بغير تلف المبيع.

(٢) بناء على ما تقدم من كون تلف بعض أحد العوضين ملزما كتلف تمام أحد العوضين.

(٣) أي : ثبوت الخيار بأن نختار بيعيّة المعاطاة.

٢٥٧

فهل الثلاثة (١) من حين المعاطاة أو (*) من حين اللزوم؟ كلّ (٢) محتمل.

ويشكل الأوّل (٣) بقولهم : إنّها ليست بيعا ، والثاني (٤) بأنّ التصرف ليس معاوضة بنفسها.

______________________________________________________

(١) أي : الأيام الثلاثة في خيار الحيوان ، فإنّ مبدء الخيار هل هو حين وقوع المعاطاة أم حين اللزوم؟

(٢) أي : كل واحد من كون مبدء زمان الخيار حين وقوع المعاطاة أو حين لزومها. منشأ الاحتمال الأوّل هو احتمال كون موضوع الخيار مطلق البيع العرفي الفعلي سواء أكان شرعيا بالفعل أم بالشأن.

ومنشأ الثاني هو احتمال كون موضوعه البيع الفعلي عرفا وشرعا.

(٣) أي : الوجه الأوّل ، وهو صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف ، ووجه الإشكال هو تصريحهم بعدم كون المعاطاة بيعا ، فإنّه ينافي احتمال بيعيّتها.

(٤) يعني : ويشكل الوجه الثاني وهو كون المعاطاة معاوضة مستقلة.

ومحصّل وجه الإشكال : أنّ التصرف أو التلف أو غيرهما من ملزمات المعاطاة لا تجعل المعاطاة معاوضة بنفسها بحيث تكون أجنبية عن البيع ، حتى لا يدخل فيها الخيارات المختصة بالبيع.

__________________

(*) لا يخفى أنّ هذا الترديد خلاف ما فرضه من كون المعاطاة بيعا بعد التلف.

توضيحه : أنّه ـ بعد البناء على توقف المعاطاة على بيعيتها المنوطة بلزوم المعاطاة بالتلف. وبعد البناء على إطباقهم على عدم بيعيّتها حين وقوعها ـ لا بدّ من الالتزام بكون مبدء ثلاثة الحيوان حين التلف الذي هو زمان لزوم المعاطاة وحصول بيعيّتها ، فلا مجال للترديد في كون مبدء الخيار حين الوقوع أو اللّزوم.

٢٥٨

اللهم (١) إلّا أن تجعل المعاطاة جزء السبب والتلف تمامه (٢).

والأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا (٣) بناء (*) على أنّها ليست لازمة. وإنّما يتمّ على قول المفيد (٤) ومن تبعه.

أمّا خيار العيب والغبن (٥) فيثبتان على التقديرين.

______________________________________________________

(١) غرضه تصحيح كونها معاوضة مستقلّة بأن تكون المعاطاة جزء سبب المعاوضة ، ويكون التلف متمّم السبب ، فيصح أن تعدّ المعاطاة حينئذ معاوضة مستقلة.

(٢) أي : تمام السبب ، فيكون التلف كالقبض في بيعي الصرف والسّلم في متمّميّته للعقد.

(٣) أي : في المعاطاة بناء على عدم لزومها ، استنادا إلى كون موضوع الخيار هو العقد اللازم ، فالمعاطاة المبنية على الجواز ليست موضوعا للخيار.

(٤) بناء على ظهور كلامه في كون المعاطاة بيعا لازما. وقد تقدّم البحث عنه في نقل أقوال الأصحاب في المعاطاة ، فراجع. (١)

(٥) يحتمل أن يكون هذه الفقرة في قبال خيار الحيوان المختص بالبيع ، فالمراد حينئذ بقوله : «على التقديرين» هو صيرورة المعاطاة بعد التلف بيعا أو معاوضة مستقلة.

__________________

(*) هذا الابتناء ممنوع ، لأنّ دعوى انحصار موضوع الخيار بالعقد اللازم تقييد في إطلاق أدلة الخيار بلا مقيّد. وقد تقدّم في بعض المباحث عدم التهافت بين جواز العقد وثبوت الخيار ، كما يأتي عدم التنافي بين الخيارين الثابتين في عقد واحد إن شاء الله تعالى.

نعم يختص دليل خيار الحيوان بالبيع كدليل خيار المجلس ، فثبوتهما ، في المقام منوط بصدق البيع على المعاطاة من دون فرق بينهما.

__________________

(١) : هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٣٢٨ و٥٦٣

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومحصل المرام على هذا هو : أنّه تظهر الثمرة بين الاحتمالين في الأحكام المختصة بالبيع كخيار الحيوان. فبناء على صيرورتها بيعا بعد التلف يثبت فيها خيار الحيوان ، وبناء على كونها معاوضة مستقلة لا يثبت فيها ذلك.

وأمّا الأحكام غير المختصة بالبيع كخيار العيب والغبن فلا تظهر الثمرة فيها ، لثبوتها على كلا الاحتمالين ، حيث إنّ مقتضى عموم أدلّتها عدم الاختصاص بالبيع ، فتثبت للمعاطاة على كلا التقديرين ، وهما صيرورة المعاطاة بعد التلف بيعا أو معاوضة مستقلة ، هذا.

ويحتمل أن تكون راجعة إلى قوله : «والأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا .. إلخ» والمراد حينئذ بقوله : «على التقديرين» هو لزوم المعاطاة قبل التلف كما هو المحكي عن المفيد قدس‌سره ، وعدم لزومها قبله كما هو قول غيره. أمّا وجه ثبوتهما في المعاطاة على التقديرين هو عموم دليلهما الشامل للمعاطاة اللّازمة والجائزة.

__________________

ومما يدلّ على عدم التقييد بلزوم البيع في ثبوت خيار العيب رواية جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام : «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع ، فيجد فيه عيبا ، فقال : إن كان الشي‌ء قائما بعينه ردّه على صاحبه ، وأخذ الثمن. وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب» ومثلها غيرها.

ومما يدل على الثاني رواية ميسّر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال غبن المؤمن حرام» ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : «ان رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا ضرر ولا ضرار».

وعن المسالك : «المشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين منهم ثبوت خيار الغبن». ونقل عن الدروس القول بعدمه ، والأخبار خالية عنه.

نعم ورد في تلقي الركبان تخييرهم إذا غبنوا. واستدلّوا عليه أيضا بخبر الضرار. وعن التذكرة ظهور عدم الخلاف فيه بين علمائنا.

٢٦٠