هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

الثمن (١) ، هذا.

ولكنّ (٢) الذي يظهر من جماعة منهم قطب الدّين والشهيد رحمهما‌الله في باب

______________________________________________________

إذن صحيح ، فيتوقف وقوع البيع للمبيح وتملّكه للثمن على إجازته.

(١) إذ لو نوى المالك تملّك الثمن ـ حين إباحة ماله للغير ـ لم تتوقف صحة بيع المباح له على إجازة المبيح ، لوقوع البيع للمالك من جهة كون الإذن توكيلا للمباح له ، ومن المعلوم نفوذ تصرف الوكيل كالأصيل.

وقد تحصّل من كلمات المصنّف إلى هنا : أنّ إباحة جميع التصرّفات غير صحيحة ، لعدم الدليل على مشروعيّتها.

(٢) غرضه النقض على ما ذكره من عدم جواز التصرفات المتوقفة على الملك بمجرّد إباحة التصرف. توضيحه : أنّ جماعة بنوا على أنّ الغاصب إذا باع العين المغصوبة بثمن مع علم المشتري بغصبية المبيع جاز للغاصب أن يشتري بذلك الثمن متاعا ويملك المثمن. وليس للمشتري إجازة شراء الغاصب ، لأنّه بدفع الثمن إلى الغاصب البائع للمغصوب ـ مع علمه بغصبية المبيع ـ أباح للغاصب التصرف في الثمن بحيث يصير مالكا لبدله.

وكذا الحال فيما حكي عن المختلف من جواز وطي الجارية التي اشتراها بعين مغصوبة مع علم بائعها بغصبية الثمن. فإنّ هذين الموردين منافيان لما ذكرناه من عدم جواز التصرف المتوقف على الملك بمجرّد الإباحة.

وهكذا الكلام فيما نحن فيه ، فيقال : إنّ المباح له وإن لم يصر مالكا ، إلّا أنّه إذا اشترى بمال المبيح شيئا ملك المبيع ، أو إذا باعه ملك الثمن ، فهو كالغصب الذي يبيع العين المغصوبة ، فإنّه يصح تصرفه في الثمن بشراء شي‌ء به ، ويملك المثمن مع عدم كونه مالكا للثمن.

وعليه لا وجه لما ذكره الماتن بقوله : «أو موقوفا على الإجازة» إذ ليس للمالك المسلّط إجازة تصرّف بيع المباح له ووقفه وعتقه.

١٢١

بيع الغاصب أنّ (١) تسليط المشتري للبائع الغاصب على الثمن والإذن (٢) في إتلافه يوجب جواز شراء الغاصب (٣) به شيئا ، وأنّه (٤) يملك المثمن بدفعه إليه ، فليس للمالك (٥) إجازة هذا الشراء (٦).

ويظهر (٧) أيضا من محكي المختلف ، حيث استظهر من كلامه ـ فيما

______________________________________________________

(١) خبر «ولكن» والعبارة منقولة بالمعنى ، قال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره : «والمنقول عن قطب الدين في بيان إشكال الكتاب ـ أي الإشكال المذكور في القواعد في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصب ـ أنّه في التتبّع ، ووجّهه بأنّ المشتري مع العلم يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن ، ولهذا لو تلف لم يكن له الرجوع عليه. ولو بقي ففيه وجهان ، فلا ينفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلّط بدفعه ثمنا عن مبيع اشتراه ..» ثم حكى كلام الشهيد في حواشي القواعد ، فراجع (١).

(٢) معطوف على تسليط ، يعني : كالإذن والإباحة فيما نحن فيه.

(٣) يعني : شراء الغاصب لنفسه بالثمن الذي أخذه من المشتري.

(٤) معطوف على «جواز» يعني : أنّ تسليط المشتري للبائع الغاصب على الثمن ـ مع علم المشتري بغصبية المبيع ـ يوجب جواز شراء الغاصب بالثمن وصيرورته مالكا للمثمن بسبب دفع المشتري ـ العالم بالغصبية ـ الثمن الى الغاصب. يعني : أنّ ملكية المثمن له مسبّبه عن ملكية الثمن له ، الناشئة من دفع المشتري له إلى الغاصب.

(٥) أي : ليس لمالك الثمن ـ وهو الذي اشترى من الغاصب ـ إجازة شراء الغاصب ، إذ المفروض صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب وأجنبيا عن المشتري ، فليس له الإجازة.

(٦) هذا ما نقله المصنف عن قطب الدين والشهيد قدس‌سرهما.

(٧) معطوف على «يظهر من جماعة» أي : ويظهر أن تسليط .. إلخ من العلّامة كما ظهر من قطب الدين والشهيد قدس‌سرهم. ولعلّ الوجه في إفراد كلام العلامة قدس‌سره بالذّكر

__________________

(١) : مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٢

١٢٢

لو اشترى جارية بعين مغصوبة ـ

______________________________________________________

وعدم ضمّه إلى كلام قطب الدين الرازي والشهيد قدس‌سرهما هو عدم صراحة عبارة المختلف في أنّ بائع الجارية يسلّط المشتري ـ الغاصب للثمن ـ على مملوكته ، وإنّما يستبيح المشتري التصرف فيها.

والأولى ملاحظة نصّ كلامه ، فنقول : نقل في باب الغرر والمجازفة حكمين متغايرين عن شيخ الطائفة ، أحدهما في النهاية ، والآخر في المسائل الحائرية ، فقال :

«قال الشيخ في النهاية : من غصب غيره مالا واشترى به جارية كان الفرج له حلالا ، وعليه وزر المال ، ولا يجوز أن يحج به» ثم حكى جواب الشيخ في المسائل الحائرية الذي نقله الحلّي في السرائر بما لفظه : «فأجاب الشيخ : إن كان الشراء وقع بعين المال كان باطلا ولم يصح جميع ذلك. وإن كان الشراء قد وقع بمال في ذمته كان الشراء صحيحا ، وقبضه ذلك المال فاسدا ، وحلّ له وطي الجارية وغلّة الأرض والشجر ، لأنّ ثمن الأصل في ذمته» واستصوب ابن إدريس هذا الجواب.

ثم قال العلامة : «أقول : كلام الشيخ في النهاية يحتمل أمرين. أحدهما : ما ذكره من أنّ الشراء بالمال أعمّ من أن يكون بالعين أو في الذمّة .. والثاني : أن يكون البائع عالما بأنّ المال غصب ، فإنّ المشتري يستبيح وطي الجارية. وعليه وزر المال وإن كان الشراء وقع بالعين» (١).

وهذه الجملة الأخيرة هي محطّ نظر المصنف قدس‌سره ، إذ ربما يستفاد منها أنّ بائع الأمة سلّط المشتري على التصرف في المبيع ـ وهي الأمة ـ مع علمه بعدم تحقق المعاوضة من جهة كون الثمن مغصوبا وغير مملوك للمشتري ، ومن المعلوم توقف جواز وطي الأمة على الملك ، أو التحليل المنشأ بصيغة خاصة.

وقد اتّضح من نقل عبارة المختلف أمران :

الأوّل : أنّ أصل الفتوى بحلية التصرف في الأمة من الشيخ ، لا من العلامة ،

__________________

(١) : مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٢٥٨ و٢٥٩

١٢٣

أنّ (١) له وطي الجارية (٢) مع علم البائع بغصبية الثمن ، فراجع.

ومقتضى (٣) ذلك أن يكون تسليط الشخص لغيره على ماله ـ وإن لم يكن على وجه الملكية ـ يوجب (٤) جواز التصرفات المتوقفة على الملك ، فتأمّل (٥) وسيأتي توضيحه في مسألة الفضولي (٦).

______________________________________________________

وإنّما كان غرضه توجيهه بنحو لا يخالف قواعد الفقه المسلّمة.

الثاني : أنّ المسألة المنقولة عن قطب الدين والشهيد والمسألة المنقولة عن المختلف تشتركان في كون أحد العوضين مغصوبا ، وتفترقان في أنّ البائع هو الغاصب في كلام قطب الدين ، فيكون التسليط على الثمن من قبل المشتري ، والمشتري هو الغاصب في كلام العلامة ، فيكون التسليط على المبيع ـ وهي الأمة ـ من طرف البائع.

(١) نائب فاعل «استظهر».

(٢) يعني : مع أنّهم جعلوا وطي الجارية من التصرفات المتوقفة على الملك.

(٣) أي : ومقتضى حكمهم في هذين الموردين : أنّ إذن المالك وتسليطه كاف في جواز التصرف المنوط بالملك من دون أن يقع بيع أصلا حتى تتوقف صحّته على إجازة المالك.

(٤) خبر «أن يكون» والأولى تبديله ب «موجبا للجواز».

(٥) لعلّه إشارة إلى : عدم ظهور الكلمات المذكورة في كون التسليط ـ على وجه الإباحة ـ موجبا لجواز التصرف المتوقف على الملك ، لأنّ التسليط المزبور يوجب الملكية لا مجرّد الإباحة ، فكلمات الجماعة أجنبية عن المقام.

(٦) سيأتي هناك بقوله : «انّ المشتري مع العلم يكون مسلّطا للبائع الغاصب ..». هذا تمام الكلام في الإشكال الأوّل المشترك بين القسم الثالث والرابع ، وقد عرفت عدم اندفاع الإشكال بشي‌ء من الوجوه الثلاثة ، ونتيجة ذلك عدم صحة إباحة جميع التصرفات.

١٢٤

وأمّا (١) الكلام في صحة الإباحة بالعوض ـ سواء صحّحنا إباحة التصرفات

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «أما إباحة جميع التصرفات حتّى المتوقفة على الملك» وهذا شروع في تحقيق الإشكال الثاني المتقدم بقوله : «وثانيا : الإشكال في صحة الإباحة بالعوض الراجعة إلى عقد مركّب من إباحة وتمليك» وكان هذا الإشكال مختصا بالقسم الثالث ـ من الأقسام الأربعة المذكورة في التنبيه الرابع ـ وهو كون الإباحة في مقابل التمليك. كما أنّ الإشكال الأوّل كان مشتركا بين القسمين الثالث والرابع.

وغرضه قدس‌سره إقامة الدليل على صحة الإباحة بعوض التمليك ـ ولو بالنسبة إلى غير التصرفات المنوطة بالملك ـ وأمّا الإباحة بعوض الإباحة فسيأتي بيان حكمها في آخر التنبيه إن شاء الله تعالى ، فالمقصود فعلا تحقيق العقد المركّب من إباحة وتمليك.

وقد بيّن المصنف أوّلا الإشكال في صحة الإباحة المعوّضة ، ثم صحّحها ثانيا بإدراجها في الصلح أو بكونها معاوضة مستقلة.

أمّا ما أفاده في مقام الإشكال فحاصله : أنّ هذا النحو من الإباحة لا يندرج في المعاوضات المالية ليدخل كل من العوضين في ملك ، الآخر ، لكون العوضين كليهما ملكا للمبيح. أمّا ما أباحه فمعلوم ، وأمّا عوضه ـ الذي دفعه المباح له إليه ـ فالمفروض أنّه عوض الإباحة ، فصار ملكا للمبيح.

ولا دليل على مشروعيّة هذه الإباحة المعوضة ، لأنّ ما يمكن أن يستدلّ به على الصحة هو آية الوفاء بالعقود والتجارة عن تراض وحلّ البيع. والكل غير جار.

أمّا الأوّل فلاختصاص «العقود» التي يجب الوفاء بها بالعهود المتعارفة بين الناس ، وهي محصورة في أمور معيّنة معهودة كالبيع والصلح والإجارة والهبة ونحوها من عناوين المعاملات.

وأما الثاني فلأنّ «التجارة» هي التكسب بالمال بقصد الاسترباح بالبيع والشراء ، ولا أقلّ من الشك في صدقها على الإباحة ، إذ ليس فيها مبادلة الأموال ،

١٢٥

المتوقفة على الملك أم خصّصنا الإباحة بغيرها (١) ـ فمحصّله : أنّ هذا النحو من الإباحة المعوّضة ليست معاوضة مالية (٢) ليدخل كلّ (٣) من العوضين في ملك مالك العوض الآخر ، بل كلاهما ملك (٤) للمبيح ، إلّا أنّ المباح له يستحق التصرف (٥) ، فيشكل الأمر فيه (٦)

______________________________________________________

ولم تنقطع إضافة الملكية بين المبيح والمال.

وأمّا الثالث فلوضوح تقوم «البيع» بالمبادلة بين المالين وتمليك كل منهما الآخر ، ولا مبادلة ولا تمليك حسب الفرض.

وعلى هذا فالإباحة بالعوض أجنبية عن المعاوضات المعهودة التي يكون العوضان فيها ملكا للمتعاملين.

هذا كله في توضيح ما أفاده المصنف قدس‌سره أوّلا في تقريب الإشكال. وأما ما أفاده ثانيا في التفصّي عنه ، فسيأتي إن شاء الله تعالى.

(١) أي : بغير التصرفات المتوقفة على الملك.

(٢) لاختصاصها بالأموال ، ومن المعلوم عدم كون الإباحة ـ بما هي فعل من الأفعال ـ من الأموال ، بل المال موضوعها.

(٣) هذا بيان للمنفي وهو المعاوضة ، يعني : أنّ شأن المعاوضة التبادل في الملكية.

(٤) أمّا المال المباح فلأنّ المفروض بقاؤه على ملك المبيح ، لعدم خروجه عن ملكه بمجرّد الإباحة. وأمّا العوض فلأنّ المقصود من عوضيّته هو كونه ملكا للمبيح. فالغرض من العوض هنا الجزاء ، لا قيامه مقام المعوّض في إضافة الملكية.

وإن شئت فقل : إنّ العوضين هنا مملوكان لشخص واحد ، وهذا خلاف مقتضى المعاوضة ، وهو كون العوضين مملوكين لشخصين.

(٥) يعني : لا يستحق نفس الرقبة ، بل يستحق التصرف تكليفا لا وضعا ، ولذا لا يسقط بالإسقاط.

(٦) أي : في هذا القسم الثالث ، وهو الإباحة بالعوض.

١٢٦

من جهة (١) خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا وعرفا (٢) ، مع التأمّل (٣) في صدق التجارة عليها فضلا عن البيع.

إلّا (٤) أن يكون نوعا من الصلح ،

______________________________________________________

(١) هذا وجه أصالة الفساد التي ذكرها بقوله : «فيشكل الأمر فيه».

(٢) فتكون هذه الإباحة المعوّضة بالتمليك أجنبية عن العقود التي يجب الوفاء بها.

(٣) يعني : أنّه يكفي في عدم شمول آية «التجارة عن تراض» لهذه الإباحة الشّكّ في صدق «التجارة» على مجرّد الإباحة ، ولا يعتبر إحراز عدم كونها تجارة.

وعلى هذا فلو لم يعوّل على تفسير اللّغوي للتجارة «بأنّها الإعطاء والأخذ بقصد الاسترباح» كفى الشك في صدقها على الإباحة في عدم جواز التمسك بالآية المباركة لإثبات مشروعيّتها.

(٤) هذا استثناء من قوله : «فليست معاوضة ماليّة ، فيشكل الأمر فيه» وهو شروع في التفصّي عن الإشكال ، وتصحيح الإباحة المعوّضة بأحد وجهين :

الأوّل : دعوى دخولها في الصلح ، فتندرج في المعاوضات المعهودة ، وذلك بعد تمامية مقدمتين.

إحداهما : أنّ المبيح والمباح له تسالما على أمر ، وهو إباحة التصرف في المال في قبال عوض ، وهذا التسالم والتوافق هو الصلح المعدود من المعاوضات.

وثانيتهما : أنّه لا يعتبر في صحة الصلح إنشاؤه بصيغة خاصة ، بل يكفي في إنشائه كل ما يدلّ عليه من صيغة خاصة أو مقاولة ، أو فعل ، أو كتابة. ويشهد لعدم اعتبار الصيغة الخاصة فيه ما ورد في بعض الأخبار من تحقّق الصلح بقول أحدهما : «لك ما عندك ولي ما عندي» وكذا ما ورد في مصالحة الزوجين. فليكن قول المبيح : «أبحت لك التصرف في مالي على أن تملّكني دينارا» إنشاء للصلح.

الثاني : أن تكون الإباحة بالعوض معاملة مستقلة ، ويدلّ على مشروعيّتها أمران.

١٢٧

لمناسبته (١) له لغة ، لأنّه (٢) في معنى التسالم على أمر ، بناء (٣) على أنّه لا يشترط فيه لفظ الصلح ، كما يستفاد (٤) من بعض الأخبار الدالة على صحّته (٥) بقول المتصالحين : «لك ما عندك ، ولي ما عندي (٦)»

______________________________________________________

أحدهما : قاعدة السلطنة ، فإنّ السلطنة المطلقة للمالك تقتضي حلّيّة كلّ تصرف للمالك في ماله ، سواء أكان ذلك التصرف الخاص مما أحرزه جوازه أم لا.

ثانيهما : قاعدة وجوب وفاء المؤمنين بشروطهم ، فإنّ التزام أحدهما بإباحة التصرف ، والتزام الآخر بتمليك ماله للمبيح شرط يجب الوفاء به ويحرم نقضه ، فالتشكيك في الصحة ينافي إطلاق وجوب الوفاء بالشرط.

(١) أي : لمناسبة الصلح لهذا النحو من الإباحة أي الإباحة المعوّضة.

(٢) أي : لأنّ هذا النحو من الإباحة يكون بمعنى التراضي والتسالم على أمر.

(٣) قيد لقوله : «نوعا من الصلح» وهذا إشارة إلى المقدمة الثانية التي لا بدّ من إثباتها حتى تندرج الإباحة بالعوض في الصلح ، وقد تقدّمت بقولنا : «ثانيتهما : أنه لا يعتبر في صحة الصلح .. إلخ».

(٤) يعني : كما يستفاد عدم الاشتراط بلفظ الصلح. ولعلّ وجه الاستفادة هو الجهل بمقدار المال الموجود عند كل واحد من الشريكين ، والجهل غير قادح في الصلح.

(٥) هذا الضمير وضمير «فيه» راجعان الى الصلح.

(٦) روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «في رجلين كان لكلّ واحد منهما طعام عند صاحبه ، ولا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه ، فقال كل واحد منهما لصاحبه : لك ما عندك ، ولي ما عندي ، فقال : لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت أنفسهما» (١).

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ١٦٥ ، الباب ٥ من أحكام الصلح ، الحديث : ١

١٢٨

ونحوه (١) ما ورد في مصالحة الزوجين.

ولو (٢) كانت معاملة

______________________________________________________

(١) ففي مصحح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن قول الله عزوجل : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) فقال عليه‌السلام : هي المرأة تكون عند الرجل ، فيكرهها فيقول لها : إنّي أريد أن أطلّقك ، فتقول له : لا تفعل ، إنّي أكره أن تشمت بي ، ولكن أنظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت ، وما كان سوى ذلك من شي‌ء فهو لك ، ودعني على حالتي ، فهو قوله تعالى (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) وهذا هو الصلح» (١) (*).

(٢) الأولى أن يقال : «وأن يكون معاوضة مستقلّة» ليكون معطوفا على «أن يكون نوعا من الصلح».

وكيف كان فهذا ثاني وجهي صحة الإباحة مع العوض ، وحاصله : أنّ هذه الإباحة وإن كانت خارجة عن المعاملات المعهودة حتى الصلح ، إلّا أنّه لا يقدح في الصحة ، لوجود دليل يمنع عن الرجوع إلى أصالة الفساد ، وذلك الدليل هو حديث

__________________

(*) لكن الظاهر عدم إجداء شي‌ء من هاتين الروايتين في المقام.

أمّا الرواية الأولى فلعدم ظهورها في الصلح ، لاحتمال كونها هبة معوّضة ، أو معاوضة مستقلة ، وإن ذكرها صاحب الوسائل في كتاب الصلح. وبعد تسليم ظهورها في الصلح لا يدلّ على عدم اعتبار اللفظ مطلقا في باب الصلح ، بل غايته دلالتها على عدم اعتبار لفظ خاصّ فيه.

وأمّا الرواية الثانية فلأنّ ظاهرها هو الصلح الحقيقي الخارجي في مقابل النشوز والنزاع ، لا الصلح الاعتباري الإنشائي الذي هو مقابل سائر العناوين الإنشائية. ومورد البحث هو الثاني ، لا الأوّل كما لا يخفى.

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، ص ٩٠ ، الباب ١١ من أبواب القسم والنشوز والشقاق ، الحديث : ١

١٢٩

مستقلة (١) كفى فيها عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» (*) و «المؤمنون عند شروطهم» (٢) (**).

وعلى تقدير الصحّة (٣) ، ففي لزومها مطلقا ، لعموم «المؤمنون عند

______________________________________________________

السلطنة والشرط.

(١) كما في الجواهر ، حيث قال بعد منع حصر المعاوضات في المعهودة : «فلا بأس بإجراء حكم المعاوضة المستقلّة عليها ، كما صرّح به الشهيد في المحكيّ عن حواشيه ..» (١).

(٢) بناء على تعميم الشرط لنفس العقد وعدم اختصاصه بالشرط الخارج عن العقد كما هو الظاهر ، فالتمسك به محلّ تأمّل بل منع.

(٣) الظاهر أنّ البحث عن لزوم الإباحة المعوّضة وجوازها مخصوص بما إذا صحّحت بالمعاوضة المستقلة ، دون ما إذا كانت صلحا ، ضرورة كونه عقدا لازما ، فلا يبقى مجال لاحتمال الجواز حينئذ.

وكيف كان فقد أشار إلى وجوه ثلاثة :

أحدها : اللزوم مطلقا أي من كلا الطرفين ، فلا يصح رجوع المبيح عن إباحته ، ولا رجوع المباح له عن تمليكه للعوض.

ثانيها : اللزوم من طرف المباح له دون المبيح ، فيجوز رجوع المبيح عن إباحته ، لبقاء ما أباحه على ملكه ، وعدم انتقاله عنه.

ثالثها : الجواز من كلا الطرفين.

__________________

(*) هذا خلاف مبناه قدس‌سره من عدم مشرّعية «الناس مسلّطون على أموالهم» للأسباب.

(**) هذا مبنيّ على عموم الشروط للشروط الابتدائية ، وذلك غير ظاهر ، بل خلافه ظاهر.

__________________

(١) : جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٢٦

١٣٠

شروطهم» أو من طرف المباح له ، حيث (١) إنّه (*) يخرج ماله عن ملكه ، دون المبيح ، حيث إنّ ماله باق على ملكه ، فهو مسلّط (**) عليه (٢). أو جوازها مطلقا؟ وجوه (٣) ، أقواها

______________________________________________________

(١) حاصله : أنّ المباح له يخرج ماله عن ملكه ، لفرض كونه عوضا عن الإباحة.

(٢) يعني : أنّ مقتضى قاعدة السلطنة هو بقاء سلطنة المبيح على ماله.

(٣) وجه اللزوم مطلقا ما أفاده قبيل ذلك من عموم «المؤمنون عند شروطهم».

ووجه اللّزوم من طرف المباح له ما ذكره أيضا بقوله : «حيث إنه يخرج ماله عن ملكه». ومحصّله أصالة اللزوم في الملك ، فليس للمباح له أن يتصرف فيه إلّا بإذن المبيح ، لأنّه مالكه.

ووجه الجواز مطلقا : كون هذه الإباحة بالعوض من المعاطاة التي بنوا على جوازها ، وأناطوا لزومها بأحد ملزماتها المعهودة.

__________________

(*) هذا التعليل عليل ، لأنّ مجرد الإخراج عن الملك لا يصلح لأن يكون دليلا على اللزوم ، إلّا أن يثبت كون الأصل في الخروج عن الملك هو اللزوم. كما هو مقتضى استصحاب بقاء الملك للمبيح على ما تقدّم في أصالة اللزوم ، فتصرّف المباح له فيه منوط بإذن المبيح.

(**) لكن حكومة دليل وجوب الوفاء بالشروط على قاعدة السلطنة تقتضي رفع سلطنته على ماله ، لكون الإباحة لازمة ، هذا.

مضافا إلى : أنّ المصنف قدس‌سره بنى سابقا على عدم مشرّعية قاعدة السلطنة للأسباب والأحكام. إلّا أن يكون مقصوده المماشاة مع مثل صاحب الجواهر الذي صحّح الإباحة المطلقة بقاعدة السلطنة.

١٣١

أوّلها (١) ، ثم أوسطها (٢).

وأمّا حكم الإباحة بالإباحة (٣) فالإشكال فيه أيضا يظهر

______________________________________________________

(١) وهو اللزوم مطلقا ، لعموم دليل نفوذ الشروط الذي هو مستند هذه الإباحة. وجه أقوائيّته : أنّ مقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم» وجوب وفاء كل واحد من المؤمنين بشرطه والتزامه ، سواء أكان التزامه بإباحة ماله للغير ليتصرف فيه ، أم بتمليك رقبة ماله للغير ، ولا يجوز نقض الالتزام بوجه من الوجوه.

(٢) وهو اللزوم من طرف المباح له ، لأصالة اللزوم كما مرّ آنفا.

وجهه : أنّه لو نوقش في صدق الشرط على التزام المبيح بالإباحة ، لكنه لا ريب في شموله لالتزام المباح له بتمليك ماله للمبيح ، فيلزمه الوفاء بشرطه وعدم نقضه ، بخلاف المبيح ، فإنّه لا دليل على وجوب الوفاء بإباحته ، إذا شكّ في صدق «الشرط» على الإباحة المالكية.

ووجه أولويّة هذا الاحتمال من الاحتمال الثالث ـ الّذي يجوز لكل منهما الرجوع فيه ـ هو : أنّه يلزم طرح عموم «المؤمنون» كلّيّة ، وهذا خلاف ما فرضناه من دلالة الحديث على صحة الإباحة المعوّضة.

(٣) هذا هو القسم الرابع من أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين. ولا يخفى أنّ المصنف قدس‌سره لم يتعرّض عند بيان الإشكالين ـ الواردين على هذا القسم وسابقه ـ لما يختص بهذا القسم من الإشكال حتى يتصدّى لدفعه ، وإنّما اقتصر على الإشكال المختص بالقسم الثالث من كونه عقدا مؤلّفا من إباحة وتمليك. ثم أجاب عنه بما عرفت آنفا.

وأمّا هذا القسم الرابع فقد أفاد فيه المصنف أنه كالقسم الثالث إشكالا وجوابا. فالإشكال فيه هو : عدم كون «الإباحة بعوض الإباحة» من المعاوضات المالية المعهودة ، ولا تجارة عن تراض ، ولا بيعا ، وعليه يشكل إباحة المالك التصرّف في ماله بإزاء إباحة الآخر التصرف في ماله ، ولو فيما لا يتوقف على الملك.

١٣٢

مما ذكرنا (١) في سابقه. والأقوى فيها أيضا الصحة واللزوم ، للعموم (٢) (*). أو الجواز (٣) من الطرفين ، لأصالة التسلّط (٤).

______________________________________________________

والجواب هو : أنّ الإباحة المعوضة من المالك صحيحة شرعا ، لكونها صلحا أو معاوضة مستقلة. وحيث كانت صحيحة جرى فيها احتمال الجواز مطلقا واللزوم كذلك.

ولا مجال للاحتمال الآخر المتقدم في القسم الثالث من كونها لازمة من طرف المالك دون المبيح ، ووجهه واضح ، إذ لا تمليك هنا أصلا ، بل هو إباحة في قبال إباحة ، فإمّا اللزوم من الجانبين عملا بوجوب الوفاء بالشرط والالتزام به. وأمّا الجواز من الجانبين أخذا بأصالة الإطلاق في تسلّط الملّاك على أموالهم ، فللمالك الرجوع عن إباحته متى شاء.

(١) من خروجها عن المعاوضات المعهودة شرعا وعرفا ، مع التأمّل في صدق التجارة عليها.

(٢) أي : عموم «المؤمنون عند شروطهم» كما ذكره في الإباحة بالعوض.

(٣) معطوف على «اللزوم».

(٤) إذ المفروض في هذه الإباحة بقاء المالين على ملك مالكيهما ، فيكونان مسلّطين على استردادهما بمقتضى إطلاق قاعدة السلطنة.

__________________

(*) مراده عموم «المؤمنون عند شروطهم» لكن قد عرفت المناقشة فيه ، بل الوجه فيه هو عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

والإشكال فيه : بأن الإباحة هنا مالكية ، ومن المعلوم زوالها بمجرد كراهة المالك فليس للعقد مضمون يشك في ارتفاعه بالفسخ حتى يقال بدلالة العموم على بقائه. مندفع بأنّ الزائل بالكراهة هو الإباحة النفسانية ، دون الاعتبارية الإنشائية التي هي منشأ الآثار ، فمع الشك في زوالها بالفسخ يتمسك بعموم (أَوْفُوا) الدال على اللزوم. فدليل

١٣٣

.................................................................................................

__________________

السلطنة ـ مضافا إلى قصوره في نفسه ـ محكوم بدليل وجوب الوفاء بالعقود ، بل وبدليل صحة التجارة عن تراض بناء على ما هو الصحيح من صدق «التجارة» على الإباحة بالإباحة وبالمال.

فالقاعدة تقتضي لزوم الإباحة مطلقا ولو بدون العوض كما هو ظاهر وفاقا للسيد قدس‌سره (١).

ثم إنّه ينبغي التعرّض لشطر من الكلام في القسمين الأخيرين ، فالقسم الثالث هو إباحة الموجب بالعوض ، بحيث تكون المقابلة بين الإباحة والمال عروضا أو ثمنا ، والقسم الرّابع هو كون الإباحة بإزاء الإباحة أو لداعي الإباحة. فنقول : قد استشكل المصنف قدس‌سره فيهما بوجهين :

الأوّل : الإشكال في صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على ملكية المال للمتصرف ، بأن يقول : «أبحت لك كل تصرف» من دون أن يملّكه العين.

الثاني : الإشكال في صحة الإباحة بالعوض ، حيث إنّ مرجعها إلى العقد المركّب من إباحة وتمليك ، وهي خارجة عن المعاوضات المعهودة ، وصدق «التجارة عن تراض» عليها لا يخلو عن التأمّل كما سيأتي في كلام المصنف قدس‌سره.

ثم إنّ الإشكال الأوّل وهو إباحة جميع التصرفات حتّى المتوقّفة على الملك جار في كلا القسمين الثالث والرابع ، وفي غير المعاطاة أيضا ، لجريانه في الإباحة القولية سواء أكانت مع العوض أم بدونه ، وسواء أكانت مستقلة أم ضمنية. والاشكال الثاني وهو تركب العقد من إباحة وتمليك مختص بالقسم الثالث كما لا يخفى.

أمّا الإشكال الأوّل فهو تارة يكون عقليّا ، وأخرى عقلائيا وعرفيّا ، وثالثة شرعيّا أي من ناحية الأدلة الشرعية بناء على كون ماهية البيع تبادل إضافة المالكية والمملوكية في العوضين ، بمعنى تبدّل إضافة المبيع إلى مالكه ـ وهي إضافة المالكية والمملوكية ـ

__________________

(١) : حاشية المكاسب ، ص ٨١

١٣٤

.................................................................................................

__________________

بإضافة الثمن إلى صاحبه التي هي أيضا إضافة المالكية والمملوكية ، فلا يعقل تحقق ماهية البيع بدون هذه المبادلة.

وعلى هذا فالإباحة تضادّ المبادلة في إضافة المالكية والمملوكية التي هي حقيقة البيع.

ويظهر من هذا البيان تقريب الإشكال العقلائي ، حيث إنّ الإباحة بالعوض لا تكون بيعا عقلائيا بعد كون البيع عندهم تبادل الإضافتين المزبورتين المفقود في الإباحة بالعوض ، إذ المفروض عدم تبادل الإضافتين فيها ، فمفهوم البيع لا يصدق عليها.

والحاصل : أنّ هذا الاشكال مبني على كون البيع عبارة عن تبادل إضافة المالكية والمملوكية في العوضين.

لكن فيه منع تقدّم في تعريف البيع ، وحاصله : أنّ حقيقة البيع ليست تبادل الإضافة المالكية والمملوكيّة في العوضين ، وإلّا لم يصح بيع الوقف العام المسوّغ بيعه بأحد مسوّغاته ، وكذا شراء الجنس الزكوي بسهم سبيل الله من الزكاة ، واشتراء الأخيار من الوجوه البرّية ما يحتاج إليه الفقراء والمساكين من المأكول والملبوس وغيرهما لهم.

وبالجملة : فصحة البيع في هذه الموارد تكشف عن سعة دائرة مفهوم البيع ، وأنّه عبارة عن التعاوض بين المالين ، وعدم تقوّمه بتبادل إضافة الملكية. فالإشكال العقلي والعقلائي مندفع بعدم كون ماهية البيع تبادل الإضافتين ، هذا.

وأمّا إشكال منافاة إباحة البيع ـ للمباح له ـ لما دلّ من الأدلة الشرعية على توقف البيع وغيره من التصرفات على الملك ، مثل ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا بيع إلّا فيما تملك» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طلاق إلّا فيما تملكه ، ولا بيع إلّا فيما تملكه» وجه المنافاة : أنّ البيع وإن لم يكن بمفهومه مانعا عقلا ولا عقلائيا عن بيع المباح له مال المبيح ، لكن الدليل النقلي يعتبر ملكية المبيع للبائع ، فإذن المبيح في بيع ماله لغيره ـ وهو المباح له ـ

١٣٥

.................................................................................................

__________________

ينافي الدليل الشرعي.

ففيه : أنّ الظاهر عدم قيام دليل تام على اعتبار كون المبيع ملكا للبائع ، لأنّ ظاهر الروايتين المزبورتين ـ بعد تسليم اعتبار سندهما ـ هو عدم نفوذ بيع مال الغير بلا إذنه ، لوضوح صحّته مع إذنه كالوكيل ، فالمراد : أنّ البيع لا بدّ أن يكون مضافا إلى المالك إمّا بمباشرته للبيع ، وإمّا بتسبيبه له كالتوكيل.

بل ظاهر الرواية الثانية هو ملك التصرّف بشهادة الفقرة الأولى ، فإنّ مالكية الطلاق لا معنى لها إلّا ذلك ، فليست الروايتان بصدد بيان لزوم دخول الثمن في كيس الذي يخرج المبيع من كيسه كما هو مناط الإشكال ، ومن المعلوم أنّ المباح له لا يبيع إلّا بإباحة المالك المبيح له بيع ماله ، فهو مأذون من المالك في البيع.

وإن أبيت عن ذلك وناقشت فيما ذكرناه ـ بأنّ مفهوم البيع هو تبادل الإضافتين ـ فنقول : إنّ مقتضى الإباحة المطلقة ليس دخول الثمن في ملك المباح له حتى يكون منافيا لحقيقة البيع ، بل مقتضاها جواز التصرف في الثمن كجوازه في نفس المثمن ، فبيع المباح له نافذ ، لاقترانه بإذن المالك المبيح.

وإن شئت فقل : إنّ إطلاق الإباحة للتصرفات في مال يقتضي جواز التصرف في المال بجميع شؤونه من الشخصية والنوعية والمالكية ، فكما يباح للمباح له التصرف في شخص المال الذي أبيح له ، فكذلك يباح له التصرف في ماليّته المتحققة في ضمن شي‌ء آخر ، فالمال إذا كان كتابا فكما يجوز للمباح له التصرف فيه ، فكذلك يجوز التصرف في بدله إذا بيع بدينار مثلا.

فالمتحصل : أنّه ـ بعد تسليم كون ماهية البيع دخول الثمن في ملك من خرج عن ملكه المبيع ـ لا إشكال ولا تنافي بين ماهيّة البيع وبين إباحة كل تصرف حتى ما يتوقف منه على الملك كالبيع ، هذا.

ولا يندفع الإشكال بالوجوه الثلاثة المذكورة في كلام المصنف قدس‌سره.

١٣٦

.................................................................................................

__________________

أحدها : كون غرض المبيح توكيل المباح له في نقل المال إلى نفسه ليقع البيع له ـ أي : للمباح له ـ أو توكيل المباح له في بيع المال لمالكه ، ثم نقل الثمن الذي هو ملك المبيح إلى نفسه ، أو تمليك المبيح ماله للمباح له بقوله : «أبحت» أو بالفعل المؤدي للإباحة الذي هو بمنزلة إنشاء الهبة ، وكون بيع المباح له بمنزلة القبول ، نظير قوله : «أعتق عبدك عنّي بكذا» هذا.

إذ فيه : أنّ هذا الوجه بجميع شقوقه بعيد عمّا نحن فيه ، إذ ليس المقصود هنا إلّا إذن المالك للمباح له في التصرف ، ومجرّد إمكان قصد أحد الوجوه المزبورة لا يثبت وقوعه الذي هو المدار في الجواز.

ثانيها : أن يدلّ دليل خاص على كون مال المبيح ملكا للمباح له بمجرد الإباحة ، فيقع البيع في ملك المباح له. أو يدلّ دليل على صيرورة الثمن ملكا للمباح له ، فإنّه يكشف عن دخول الثمن في ملك المبيح آنا ما لئلّا يستحيل صدق مفهوم البيع عليه ، ثم انتقاله عنه إلى المباح له ، نظير شراء العمودين ، حيث إنّهما يدخلان في ملك المشتري آنا ما ، ثم ينعتقان عليه ، لأنّه قضية الجمع بين الأدلّة ، وهي ما دلّ على صحة الشراء ، وما دلّ على أنّه لا عتق إلّا في ملك ، وما دلّ على أنّ الإنسان لا يملك عموديه ، هذا.

إذ فيه : أنّ من المعلوم فقدان دليل خاص في المقام يدل على كون مال المبيح ملكا للمباح له بمجرد الإباحة. أو يدلّ على صيرورة الثمن ملكا للمباح له حتى نلتزم فيه بما التزموا به في مثال شراء العمودين ، حيث إنّ ما يمكن أن يكون دليل على الإباحة في المقام هو دليل السلطنة الذي لا يزاحم الأدلة الدالة على توقف بعض التصرفات على الملك كالعتق والبيع والوطي ونحوها ، بل هي حاكمة على دليل السلطنة ، لما أفاده المصنف قدس‌سره من أنّ مفاد دليل السلطنة هو نفوذ سلطنة المالك على التصرفات التي ثبت جوازها في الشرع مع الغضّ عن دليل السلطنة. وليس دليل السلطنة مشرّعا. فاتّضح الفرق بين المقام وبين مسألة شراء العمودين.

١٣٧

.................................................................................................

__________________

ثالثها : ما أشار إليه بقوله : «وأمّا حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع والعتق فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه .. إلخ» وحاصله : تنظير المقام برجوع الواهب عن هبته ليقع البيع في ملكه ، فكما يقتضي بيع الواهب رجوعه عن الهبة ودخول العين الموهوبة في ملكه ، فكذلك التصرف في المباح تصرفا موقوفا على الملك يقتضي دخول المال في ملك المباح له.

إذ فيه أيضا ما لا يخفى ، لعدم دليل على صحة مثل هذا التصرف للمباح له حتى يكشف ذلك الدليل عن حصول الملكية التحقيقيّة آنا ما قبل تحقق ذلك التصرف.

والحاصل : أنّ شيئا من هذه الوجوه الثلاثة المذكورة في كلام المصنف قدس‌سره لا يصلح لتصحيح بيع المباح له للمال الذي أبيح له التصرف فيه كما نبّه هو قدس‌سره أيضا على ذلك.

هذا حال البيع الذي قيل بتوقفه على الملك.

وأمّا سائر صغريات التصرف المتوقف على الملك فلا بأس بالإشارة إلى جملة منها ، فنقول :

إنّه عدّ منها العتق. وقد نسب ذلك إلى المشهور ، ولذا حكموا بالملك التقديري في مثل قوله : «أعتق عبدك عنّي» بل ربما يدّعي الإجماع على ذلك.

ويدل عليه صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك» (١).

ورواية مسمع أبي سيّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا عتق إلّا بعد ملك» (٢). ونحوهما غيرهما.

وما في حاشية السيد قدس‌سره «من حمل الملك على ملكية الإعتاق كما تقدم في

__________________

(١) : وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٧ ، الباب ٥ من أبواب كتاب العتق ، الحديث : ١

(٢) المصدر ، الحديث : ٢

١٣٨

.................................................................................................

__________________

البيع ، لا ملكية العبد ، فلا مانع حينئذ من جواز العتق إذا كان بإباحة المالك وإذنه ، لكون المباح له حينئذ مالكا للإعتاق وسلطانا عليه» (١) خلاف الظاهر جدّا ، لكون الظاهر هو إضافة الملكية لا مجرّد السلطنة ولو بإذن من المالك. والحمل المزبور مما لا موجب له ولا داعي إليه ، إذ لا قرينة على هذا الحمل ، كما كانت موجودة في بعض الروايات الدالة على اعتبار الملكية في المبيع كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طلاق إلّا فيما تملكه ، ولا بيع إلّا فيما تملكه» ضرورة عدم اعتبار ملكية الزوجة في الطلاق.

نعم في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان الّذين من قبلنا يقولون :

لا عتاق ولا طلاق إلّا بعد ما يملك الرجل» (٢). ولا بأس بقرينية هذه الرواية على إرادة ملكية الإعتاق.

إلّا أن يقال : بعدم منافاة الجمع بين اعتبار إضافة الملكيّة وبين اعتبار السلطنة ، لأنّ اعتبار هذه يرجع إلى عدم الحجر ، وأنّ من يتصدّى الإعتاق لا بدّ أن يكون سلطانا على ذلك وغير محجور عنه.

وعلى هذا فيعتبر في المعتق الملكية وعدم الحجر ، فلا تكون رواية أبي بصير قرينة على إرادة السلطنة من الملكية في سائر الروايات ، لكونهما من المثبتين اللّذين لا تنافي بينهما ، ومقتضى الجمع بينهما هو اعتبار كون المعتق مالكا غير محجور عن التصرف ، ويجري مثل هذا الكلام في البيع أيضا ، فتدبّر.

ومنها : مسألة الخمس والزكاة ، بمعنى : أنّ ما يخرج خمسا أو زكاة لا بدّ أن يكون ملكا. وتوضيح الكلام في ذلك : أنّه بناء على تعلّق الخمس بنفس المال بنحو الإشاعة كما هو الأظهر أو الكلّيّ في المعيّن ـ مع بقاء العين وعدم تبديل الحق ـ فالظاهر وجوب الدفع من نفس العين ، لعدم موجب لجواز الأداء بغير عين المال الذي تعلّق الحق بهما ،

__________________

(١) : حاشية المكاسب ، ص ٧٩

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٧ ، الباب ٥ من أبواب كتاب العتق ، الحديث : ٣

١٣٩

.................................................................................................

__________________

إذ الموجب له هو تخلّص تلك العين عن الحق بالتبديل بعين أخرى خارجية أو ذميّة ، بمقتضى ولاية المالك على التبديل.

وإن شئت فقل : إنّه بدون التبديل لا يصدق الدّين على من عليه الحق حتى يجوز أداؤه بمال الغير بإذنه ، فليس للمباح له إخراج ما أبيح له خمسا أو زكاة.

وبناء على كونهما في الذمة ـ إمّا للقول بتعلقهما بها لا بنفس العين ، وإمّا لتلف العين التي تعلّق بها الخميس أو الزكاة على وجه يوجب ضمانهما واشتغال ذمته بهما بحيث صارا دينا عليه. وإمّا لنقل الحق في ذمته بإذن المجتهد ـ لا مانع حينئذ من أدائهما بمال الغير بإذنه ، والمفروض كون المال من ناحية مالكه مباحا له ، فيجوز للمباح له أداء دينه الذي منه الخمس والزكاة.

وبالجملة : يجب الأداء من نفس العين بناء على تعلقهما بها ، وعدم تبديل الحق بمال آخر. ولا يكفي الأداء من مال غيره ولو مع إذنه وإباحته ، لأنّ ولاية التبديل الرافع للشركة ثابتة للمالك لا لكل أحد حتى تثبت الولاية للمبيح ، ويكون إذنه في الأداء من ماله رافعا للشركة ، ويجوز الأداء من مال غيره ، مع صيرورة الحق في ذمّته بأحد الوجوه الموجبة لانتقال الحق إلى الذمة.

فقد ظهر مما ذكرنا أنّ توقف جواز إخراج مال خمسا أو زكاة على الملك ـ كما قيل ـ ليس في محله ، لأنّهما بعد صيرورتهما دينا على من عليه الخمس والزكاة يجوز التبرّع بأدائهما من مال الغير بلا إشكال ، لما دلّ على جواز التبرّع بأداء دين الغير ، فلا مانع حينئذ من قصد القربة.

فما في تقرير سيدنا الخويي قدس‌سره من الإشكال في قصد القربة (١) لا يخلو من غموض.

وقبل صيرورتهما دينا عليه ـ بأن كانت العين باقية ولم يبدّلها المالك بمال آخر ـ

__________________

(١) : مصباح الفقاهة ، ج ٢ ، ص ١٨٨

١٤٠