هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٨

الإباحة ، فيكون (١) كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع آنا ما ، فيقع البيع في ملكه (٢). أو يدلّ (٣) دليل شرعي على انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع ، فيكون ذلك (٤) شبه دخول العمودين في ملك الشخص آنا ما لا يقبل (٥) غير العتق.

فإنه (٦) حينئذ يقال بالملك المقدّر آنا ما ، للجمع بين الأدلة (٧).

______________________________________________________

الشارع وإن لم يقصدها المبيح أصلا.

(١) يعني : فيكون الدليل الشرعي كاشفا عن الملكية الآنامّائيّة تعبّدا في آن إرادة البيع.

(٢) أي : في ملك المباح له ، لدخول المال في ملكه بإرادة البيع.

(٣) معطوف على «يدلّ» وهذا هو التقريب الثاني لقيام الدليل التبعدي.

(٤) يعني : فيكون دخول ثمن المبيع المباح في ملك المباح له نظير انعتاق العمودين بعد دخولهما آنا ما في ملك المشتري.

والظاهر أنّ مقصود المصنف قدس‌سره تنظير قيام الدليل التعبدي على الملكية الآنية بمسألة ملكية المشتري للعمودين آنا ما ، سواء أريد توجيه دخول المباح في ملك المباح له آنا ما بإرادة البيع ، أم أريد توجيه مالكية المبيح للثمن آنا ما بعد البيع وخروجه عن ملكه.

(٥) صفة لقوله : «ملك شخص» يعني : أنّ هذا الملك التطرّقي لا يترتب عليه شي‌ء من آثار الملك ، وإنّما يترتب عليه العتق القهري.

(٦) الضمير للشأن ، ومقصوده قدس‌سره تطبيق هذا التوجيه الثاني ـ أي الملكية الآنيّة التعبدية الجارية في مسألة بيع مال الغير لنفسه ـ على المقام وهو إباحة جميع التصرفات ، سواء أكانت بعوض إباحة أم بعوض مال.

(٧) الظاهر أنّ المراد بها هو دليل صحة الشراء ، ودليل إناطة العتق بالملك ، ودليل عدم ملكية العمودين.

١٠١

وهذا الوجه (١) مفقود فيما نحن فيه ،

______________________________________________________

(١) الأولى إضافة «أيضا» إليه ، بأن يقال : «وهذا الوجه أيضا مفقود».

وكيف كان فالمراد بهذا الوجه هو الوجه الثاني المذكور بقوله : «الثاني أن يدلّ دليل شرعي .. إلخ» الذي كان متضمنا للملكية الآنيّة بنحوين.

وحاصل ما أفاده في عدم جريان الملكية الآنامّائيّة في المقام هو : أنّ مجرّد احتمال دلالة الدليل الشرعي غير كاف في الالتزام بها ، بل لا بد من الدليل ـ في مقام الإثبات ـ على صحة إباحة جميع التصرفات حتى ما يتوقف منها على الملك ، والمفروض عدم الظفر بهذا الدليل بعد.

فإن قلت : إنّ الدليل على الصحة هو حديث السلطنة ، لاقتضاء إطلاق سلطنة المالك على أمواله حلية كل تصرف تكليفا ، ونفوذه وضعا. وعليه يجوز له أن يبيح ماله للغير إباحة مطلقة.

وحيث إنّه ثبتت صحة هذه الإباحة جرى استكشاف الملكية الآنيّة للمبيح أو للمباح له ، هذا.

قلت : نعم ، وإن اقتضى إطلاق السلطنة صحة هذه الإباحة المطلقة ، لكن لا مجال للأخذ بهذا الإطلاق ، لوجود المعارض ، وهو القواعد المسلّمة الأخرى ، مثل توقف انتقال الثمن إلى شخص على خروج المثمن عن ملكه ، وتوقف صحة العتق والبيع على الملك. ووجه المعارضة واضح ، فإنّ إطلاق السلطنة يقضي بصحة بيع المباح له ودخول الثمن في ملكه ، وقاعدة «لا بيع إلّا في ملك» تقضي ببطلان بيع غير الملك ، فلا بد من تقييد إطلاق السلطنة بأن يقال : بصحة إباحة التصرف غير المتوقف على الملك.

هذا تقريب رفع اليد عن عموم قاعدة السلطنة ، ولكنه سيأتي بعد أسطر حكومة تلك القواعد على حديث السلطنة ، فانتظر.

١٠٢

إذ (١) المفروض أنّه لم يدلّ دليل بالخصوص على صحة هذه الإباحة (٢). وإثبات (٣) صحته بعموم مثل «الناس مسلّطون على أموالهم» يتوقف على عدم مخالفة مؤدّاها (٤) لقواعد أخر (٥) مثل توقف انتقال الثمن إلى الشخص على كون المثمن مالا له (٦) ، وتوقف صحة العتق على الملك ، وصحة (٧) الوطي على التحليل بصيغة خاصّة (٨)

______________________________________________________

(١) تعليل للفقدان ، وقد عرفت توضيحه.

(٢) أي : إباحة كل تصرّف حتى ما يتوقف على الملك.

(٣) مبتدأ خبره : «يتوقف» ومقصوده قصور قاعدة السلطنة عن إثبات مشروعية الإباحة المطلقة ، لوجود المعارض ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «ان قلت ..

قلت».

(٤) الأولى تذكير الضمير ، لرجوعه الى «عموم مثل» إلّا أن يراد قاعدة السلطنة.

(٥) كالقواعد الثلاث المذكورة في المتن ، فيرفع اليد عن الإطلاق بمقدار منافاته له.

(٦) تحقيقا لمفهوم البيع الذي هو من المعاوضات.

(٧) معطوف على «صحة» أي : وتوقف صحة الوطي على التحليل كما هو المشهور ، ويدلّ عليه بعض النصوص. وهذه قاعدة ثالثة معارضة لإطلاق سلطنة المالك. ووجه المعارضة واضح ، لاقتضاء الإطلاق جواز تحليل الأمة بكل ما يدلّ عليه من لفظ صريح أو كناية أو مجاز أو إشارة أو فعل كإرسالها إلى دار المحلّل له مع قصد التحليل. وقاعدة توقف التحليل على إنشائه بصيغة خاصة تقتضي حرمة الوطي بغير الصيغة الخاصة ، ولا مناص من تقييد إطلاق السلطنة بهذه القاعدة. والمقام كذلك.

(٨) قال في الجواهر : «أما الصيغة فلا خلاف في اعتبارها فيه ، بل الإجماع بقسميه

١٠٣

لا بمجرّد (١) الإذن في مطلق التصرف.

ولأجل ما ذكرنا (٢) صرّح المشهور ـ بل قيل لم يوجد خلاف في ـ «أنّه لو دفع إلى غيره مالا ، وقال : اشتر به لنفسك طعاما ، من غير قصد الإذن في

______________________________________________________

عليه ، فلا يكفي التراضي مطلقا. وصيغته هي : أحللت لك وطئها ، أو : جعلتك في حلّ من وطئها» (١).

(١) يعني : لا يحصل التحليل بالإذن في مطلق التصرف ، كما لا يصح العتق والبيع به. ففي المقام لا يجوز لغير المالك البيع والعتق اعتمادا على إباحة المالك المطلقة.

(٢) من كون البيع تبديل طرفي الإضافة ، ودخول كل من العوضين في كيس من خرج عنه الآخر صرّح المشهور بأنّ المالك لو دفع مالا إلى غيره ، وقال له : «اشتر به لنفسك طعاما» لم يصح هذا الشراء ، لبقاء المال على ملك الدافع مع عدم وصول عوضه ـ وهو الطعام ـ إليه. نعم لو قصد أحد الأمور الثلاثة صحّ وجاز للآخذ التصرف في الطعام :

الأوّل : أن يقصد الدافع الإذن في أن يقترض الآخذ المال لنفسه قبل شراء الطعام ، فيتملّك المال بالقرض ، فيشتري بمال نفسه.

الثاني : أن يقصد الدافع الإذن للآخذ في أن يقترض الطعام بعد أن اشتراه من مال الدافع.

الثالث : أن يأذن الدافع للآخذ في أن يشتري طعاما في ذمة نفسه ، ثم يؤدّي دينه بمال الدافع ، فيتملّك الآخذ الطعام بالشراء لنفسه ، ويصير مديونا للدافع بماله الذي أدّى به دينه.

فبناء على كل واحد من هذه الوجوه الثلاثة يصحّ دفع المال وشراء الطعام به ، لفرض تحقق المعاوضة الحقيقية حينئذ.

__________________

(١) : جواهر الكلام ، ج ٣٠ ، ص ٢٩٨

١٠٤

اقتراض المال قبل الشراء (١) أو اقتراض الطعام (٢) أو استيفاء الدّين منه بعد الشراء (٣) (*) لم يصح» (٤) كما صرّح به (٥) في مواضع (٦) من القواعد.

______________________________________________________

(١) لأنّه باقتراض المال يصير مالكا له ، فيشتري بمال نفسه ، فتتحقق المعاوضة الحقيقية حينئذ ، لدخول المثمن في كيسه بدل المال الذي اقترضه.

(٢) هذا الطريق الثاني لتصحيح دفع المال وشراء الطعام ، وهو في صورة بقاء المال على ملك الدافع ، ودخول المثمن في ملكه ، غايته أنّه بعد البيع يقترض الطعام عن الدافع ، فيملك الطعام.

(٣) يعني : أنّه يشتري الطعام على ذمته ، ثم يوفي دينه من مال الدافع ، والأولى تبديل الاستيفاء بالأداء ، أو الوفاء ، أو نحوهما كما لا يخفى.

ولعلّ المصنف اعتمد على نقل كلام المحقق الثاني قدس‌سره في استثناء هذه الموارد الثلاثة ، حيث قال : «إلّا أن يعلم بقرينة أنّه يريد قضاء طعامه بالدراهم وإن كانت من غير الجنس. أو يريد قرضه إيّاها ، أو شراءه لمن عليه الطعام واستيفاؤه بعد الشراء. ويكون التعبير بكون الشراء له ـ أي للآخذ ـ آئلا إلى ذلك» (١).

(٤) جواب «لو» في قوله : «لو دفع إلى غيره».

(٥) أي : بعدم الصحة.

(٦) منها : كلامه في هذه المسألة ، حيث قال : «وكذا لو دفع إليه مالا وأمره بشراء طعام له لم يصح الشراء ولا تتعيّن له بالقبض ، أمّا لو قال : اشتر به طعاما واقبضه لي ، ثم أقبضه لنفسك صح الشراء. وفي القبض قولان» (٢).

ومنها : في مسألة الأمر بعتق عبد الغير ، وقد تقدم في (ص ٩٤).

__________________

(*) أورد السيد قدس‌سره عليه بأنّ إشكال الشراء للنفس بمال الغير يجري في أداء

__________________

(١) : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٤٠٠

(٢) قواعد الأحكام ، ص ٥٧ (الطبعة الحجرية).

١٠٥

وعلّله (١) في بعضها :

______________________________________________________

(١) يعني : وعلّل العلّامة في بعض مواضع القواعد عدم صحة دفع المال ـ بدون قصد أحد الأمور الثلاثة ـ بأنّه لا يعقل .. إلخ. ولا يخفى أنّ الموجود في عبارة القواعد «البطلان» لا عدم المعقولية ، ولعلّ المصنف ظفر بعدم المعقولية في موضع آخر من

__________________

الدين بمال الغير ، فهما مشتركان إشكالا ودفعا (١).

لكن أجاب المحقق الأصفهاني عنه بالفرق ، حيث إنّ محذور الشراء بمال الغير هو امتناع المعاوضة الحقيقية ، المقتضية لدخول كل من العوضين في ملك الآخر ، فلا يعقل تملك المشتري للطعام مع خروج العوض عن ملك المستدعي والآمر.

بخلاف أداء الدين ، فإنّه ليس فيه معاوضة أصلا بين عينين ، لاستقرار الكلي في ذمة المديون ، ولا مانع من أدائه بملك الغير بإذنه.

نعم لو قيل بوقوع الفرد طرفا للمعاملة بمجرّد انطباق الكلي عليه ، أو أنّ نفس وفاء الدين مبادلة ، فيلزم دخول العوض في ملك شخص وخروج المعوّض عن ملك شخص آخر لكان الأداء بمال الغير كالشراء به في الامتناع.

لكنه ممنوع. أمّا الأوّل فلاستحالة خروج المعاملة من حدّ إلى حدّ آخر ، فحيث كان الثمن كلّيا مستقرا في الذمة امتنع أن ينقلب إلى العين الشخصية التي يحصل بها الأداء.

وأمّا الثاني فلأنّ الوفاء ليس بنفسه معاملة ومبادلة ، بل محض تطبيق الكلّي على فرده.

بل وكذا الأمر في الوفاء بغير الجنس ، فإنّ مرجعه إلى رفع اليد عن الخصوصية والقناعة بأصل المالية ، فتدبّر (٢).

__________________

(١) : حاشية المكاسب ، ص ٨٠

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٤٢

١٠٦

بأنه لا يعقل شراء شي‌ء لنفسه بمال الغير (١)». وهو (٢) كذلك ، فإنّ (٣) مقتضى مفهوم المعاوضة والمبادلة دخول العوض في ملك من خرج المعوّض عن ملكه ، وإلّا (٤) لم يكن عوضا وبدلا (*).

ولما ذكرنا (٥) حكم الشيخ وغيره بأنّ الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة

______________________________________________________

كلمات العلّامة ، أو نقل بالمعنى.

(١) هذا التعليل يرجع إلى كون الإشكال في صحة التصرف المتوقف على الملك الذي أبيح له من ناحية المالك عقليا ، لأنّ مفهوم المعاوضة بناء على ما في المتن ـ من كون مقتضاه دخول العوض في ملك من خرج المعوّض عن ملكه ـ عدم تعقّل تحقق المعاوضة حينئذ.

(٢) يعني : أنّ تعليل البطلان بعدم المعقولية ـ الذي أفاده العلّامة ـ متين.

(٣) هذا وجه متانة التعليل.

(٤) أي : وإن لم يدخل العوض في ملك من خرج المعوّض عن ملكه لم تتحقق المعاوضة أصلا.

(٥) يعني : ما ذكره قبل أسطر في نفي مشروعية إباحة جميع التصرفات ، حيث قال : «إذ المفروض أنّه لم يدل دليل شرعي بالخصوص على صحة هذه الإباحة العامّة».

وعلى هذا فمقصود المصنف تأييد إشكاله ـ في إباحة جميع التصرفات ـ بنقل عبارتين ، إحداهما من شيخ الطائفة ، والأخرى من الشهيد ، فالشيخ قدس‌سره أفتى في الهبة المعاطاتية بإباحة التصرف غير المتوقف على الملك ـ كالوطي ـ في العين الموهوبة إذا تجرّدت الهبة عن الصيغة ، وذلك لأنّ جواز الوطي متوقف على الملك ، والمفروض أنّ

__________________

(*) سيأتي في التعليقة أنّ البيع متقوّم بالتعاوض بين المالين ، مع الغضّ عن المالكين ، بل مع عدم مالك في البين ، كبيع الوقف العام بمثله ، فراجع.

١٠٧

التصرف ، لكن لا يجوز وطي الجارية ، مع أنّ الإباحة المتحققة من الواهب يعمّ جميع التصرفات (١).

وعرفت (٢) أيضا : أنّ الشهيد في الحواشي لم يجوّز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي ، ولا وطي الجارية.

مع (٣) أنّ مقصود المتعاطيين الإباحة المطلقة.

ودعوى (٤) «أنّ الملك التقديري

______________________________________________________

الهبة المعاطاتية لا تفيد الملك ، بل إباحة التصرف غير المتوقف على الملك.

(١) لكن لا عبرة بهذه الإباحة المالكية العامة لمطلق التصرفات ، بعد عدم الدليل على مشروعيتها.

(٢) مقتضى السياق أن يكون معطوفا على قوله : «حكم الشيخ» يعني : كما حكم الشيخ بحرمة .. ، فكذا منع الشهيد من إخراج المأخوذ بالمعاطاة ، ولكن لا يستقيم العطف.

وكيف كان فقد حكى المصنف قدس‌سره كلام الشهيد في مواضع ، منها : في الأقوال في المعاطاة ، قال : «مع أن المحكي عن حواشي الشهيد على القواعد : المنع عمّا يتوقف على الملك كإخراجه في خمس أو زكاة وكوطي الجارية» (١).

ومنها : في التنبيه الأوّل من تنبيهات المعاطاة ، وقد تقدم في (ص ٢٨).

(٣) يعني : أنّ المتعاطيين وإن قصدا الإباحة المطلقة الشاملة للتصرف المنوط بالملك ، لكنّها غير ممضاة شرعا بالنسبة إلى ما يتوقف على الملك.

(٤) الغرض من هذه الدّعوى الإشكال على قوله : «وهذا الوجه مفقود فيما نحن فيه ، إذ المفروض أنّه لم يدلّ دليل بالخصوص .. إلخ». وقد عرفت فيما نقلناه من كلام الجواهر أنّه قد استدلّ بهذه الدّعوى على مشروعية الإباحة المطلقة.

ومحصّل الدعوى : أنّ الجميع بين الأدلة ـ المقتضي لتقدير الملك آنا ما ـ

__________________

(١) : لاحظ الجزء الأوّل من هذا الشرح ، ص ٢٥٦

١٠٨

هنا (١) أيضا (٢) لا يتوقف على دلالة دليل خاص (٣) ، بل يكفي الدلالة بمجرّد الجمع بين عموم : الناس مسلّطون على أموالهم ، الدالّ على جواز هذه الإباحة المطلقة ، وبين أدلّة توقف مثل العتق والبيع على الملك. نظير الجمع بين الأدلة في الملك التقديري» مدفوعة (٤)

______________________________________________________

لا يتوقف على وجود دليل خاص يدلّ على حصول الملكية للمباح له بمجرّد الإباحة ، بل يكفي في الالتزام بالملك التقديري كونه مقتضى الجمع بين عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» الذي هو دليل جواز هذه الإباحة المطلقة ، وبين أدلة توقف مثل العتق والبيع على الملك ، نظير الجمع بين الأدلة بالملك التقديري في مثل «أعتق عبدك عنّي».

(١) أي : في مورد البحث وهو الإباحة المطلقة.

(٢) يعني : كما في صورة الأمر بعتق عبد الغير عن نفس الآمر ، فإنّ دلالة الاقتضاء فيها كافية في لزوم الجمع بين الأدلة المقتضي للملك التقديري.

(٣) في قبال ما يقتضيه الجمع بين الأدلة ، فالمراد بالدليل الخاص ما يكون مضمونه تحقق الملك التقديري في بعض الموارد ، كالمقام وهو إباحة أنحاء التصرفات.

(٤) خبر «دعوى» ودفع لها ، ومحصله : عدم صلاحية عموم دليل السلطنة لأن يكون دليلا على جواز الإباحة المزبورة ، كما أشار إليه في الوجه الثاني بقوله : «وإثبات صحته بعموم مثل الناس مسلّطون على أموالهم يتوقف على .. إلخ».

وجه عدم صلاحيّته هو : أنّ دليل السلطنة ليس مشرّعا بحيث يكون دليلا على جواز تصرف شكّ في مشروعيته ، لعدم دليل عليها ، أو مخصّصا لعموم ما دلّ على عدم مشروعيته ، إذ لو كان كذلك لكان المناسب أن يقال : «الناس مسلّطون على أحكامهم» لا «على أموالهم».

وعلى هذا فالقاعدة السلطنة بصدد بيان عدم كون المالك محجورا عن التصرفات المباحة شرعا للمالك في ماله ، فإذا لم يكن مشرّعا فلا يثبت التنافي بينه وبين الأدلة الدالة على توقف البيع ونحوه على الملك حتى يجمع بينهما بالملك

١٠٩

بأنّ عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» إنّما يدلّ على تسلّط الناس على أموالهم لا على أحكامهم ، فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالك كل تصرف جائز شرعا (*).

______________________________________________________

التقديري.

وإن شئت فقل : إنّ أدلة توقف البيع ونحوه على الملك حاكمة على عموم السلطنة.

بتقريب : أنّ موضوع السلطنة المجعولة للمالك هو التصرفات المحرز جوازها بأدلتها ، فكأنّه قيل : «كل تصرف في الملك ثبت مشروعيّته كان المالك مسلّطا عليه» هذا من جهة.

ومن جهة أخرى يدل مثل قوله عليه‌السلام : «لا عتق إلّا في ملك» على توقف صحة العتق بإنشائه من المالك مباشرة أو تسبيبا ، وأنّه ليس من التصرفات الجائزة للمالك أن يبيح للغير عتق عبده لنفسه ، فتخرج حينئذ إباحة عتق غير المالك عن موضوع دليل السلطنة.

ولا يبقى مجال للجمع بينه وبين سائر الأدلة بالملك التقديري ، لتوقف الجمع بين الدليلين المتعارضين على تحقق موضوع كلّ واحد منهما ، ومن المعلوم أنّ الدليل الحاكم يتصرّف في موضوع الدليل المحكوم ويبيّن حدوده ، ولا يستقرّ التعارض حتى تترتب أحكامه عليه ، من الجمع والتساقط أو التخيير ، وغير ذلك.

ونظير المقام حكومة دليل عدم جواز عتق عبد الغير على عموم وجوب

__________________

(*) استظهار دلالة قاعدة السلطنة هنا على نفوذ تصرفات المالك في كل ما هو جائز بذاته ينافي استظهار مشرّعيتها للمسبّبات كالبيع والصلح والإجارة ونحوها من المعاملات ، على ما سبق في أدلة مملّكية المعاطاة وأدلة لزومها ، وقد ذكرنا هناك اختلاف كلمات المصنف قدس‌سره في مدلول القاعدة ، فلاحظ.

١١٠

فالإباحة وإن كانت مطلقة ، إلّا أنّه لا يباح بتلك الإباحة المطلقة إلّا ما هو جائز بذاته (١) في الشريعة ، ومن المعلوم أنّ بيع الإنسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل (٢) والنقل (٣) الدال (٤) على لزوم دخول العوض في ملك مالك المعوّض ، فلا يشمله (٥) العموم في «الناس مسلّطون على أموالهم» حتى يثبت التنافي بينه وبين الأدلة الدالة على توقف البيع على الملك

______________________________________________________

الوفاء بالنذر والعهد ، فيما إذا نذر عتق عبد الغير ، فهل يصحّ أن يقال بالملك التقديري آنا ما؟

(١) المراد بالجائز الذاتي هو التصرف الذي ثبت حليّته للمالك مع الغضّ عن دليل السلطنة ، فتقتضي قاعدة السلطنة استقلاله في ذلك التصرف وعدم كونه محجورا عنه. وأمّا مثل عتق المباح له لعبد المبيح ـ بحيث يقع العتق للمباح له لا للمبيح ـ فليس من شؤون سلطنة المالك على ماله حتى تجوز إباحته للغير.

(٢) بناء على كون مفهوم المعاوضة تبادل الإضافتين الملكيتين عقلا.

(٣) بناء على دلالة الدليل الشرعي ـ ولو إمضاء ـ على التبادل بين الإضافتين الملكيّتين.

(٤) صفة للعقل والنقل ، لا للمقتضي ، إذ المقصود أنّ العقل والنقل يقتضيان دخول العوض في ملك من خرج المعوّض عن ملكه ، فإذا باع المباح له مال المبيح لنفسه لا للمبيح لم يدخل العوض في كيس مالك المعوّض ، فلم يتحقق مفهوم المعاوضة لا عقلا ولا نقلا. وعليه فالأولى أن يقال : «الدالين» لئلا يتوهم كونه وصفا ل «مقتضى».

(٥) هذه نتيجة قوله : «غير جائز» يعني : إذا كان موضوع قاعدة السلطنة خصوص التصرفات المشروعة ـ بأدلتها ـ كانت إباحة المالك لغيره البيع أو العتق أجنبية عن مدلول القاعدة.

١١١

فيجمع (١) بينهما بالتزام الملك التقديري آنا ما.

وبالجملة (٢) : دليل عدم جواز بيع ملك الغير أو عتقه لنفسه حاكم (٣) على عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» الدال على إمضاء الإباحة المطلقة من المالك على إطلاقها (٤) ، نظير (٥) حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير على عموم وجوب الوفاء بالنذر والعهد إذا نذر عتق عبد غيره له أو لنفسه ، فلا يتوهم الجمع بينهما بالملك القهري للناذر.

______________________________________________________

(١) بالنصب ، يعني : لا تعارض بين دليل السلطنة وبين «لا عتق إلّا في ملك» حتى يجمع بينهما بالملك التقديري الآنامّائي ، كما جمعوا به في مثل قول الآمر : «أعتق عبدك عنّي». ووجه عدم التعارض ما عرفت من حكومة «لا عتق إلّا في ملك» عليه ، كحكومة «لا شك لكثير الشك» على أدلة أحكام الشكوك.

(٢) هذه خلاصة ما أفاده في ردّ الجمع بالملك التقديري بقوله : «مدفوعة بأن عموم الناس مسلّطون على أموالهم ..» إلى هنا.

(٣) وجه الحكومة : أنّه رافع لموضوع دليل السلطنة وهو الجواز ، لأنّه يدلّ على بطلان بيع مال الغير لنفسه أو عتقه كذلك.

(٤) متعلق ب «إمضاء» والضمير راجع إلى الإباحة.

(٥) يعني : أنّ عموم قاعدة السلطنة يكون نظير عموم قوله عليه‌السلام : «ف بنذرك» إذا نذر شخص عتق عبد غيره ، سواء قصد عتقه عن مالكه أو عن نفسه ، فمثله لا يجب الوفاء به ، لأنّ الواجب هو الوفاء بما إذا نذر عتق عبد نفسه لا عبد غيره.

وعلى هذا فدليل توقف صحة العتق على إعتاق مالكه له رافع لموضوع دليل وجوب الوفاء بالنذر. ولم يلتزم فقيه بدخول العبد المنذور عتقه في ملك الناذر آنا ما حتى ينعتق في ملكه ، أداء لنذره. لما عرفت من أنّ الجمع بين الدليلين منوط بوحدتهما رتبة ، لا حكومة أحدهما على الآخر.

والمقام كذلك ، لحكومة دليل إناطة البيع والعتق بالملك على دليل السلطنة.

١١٢

نعم (١) لو كان هناك تعارض وتزاحم (٢) من الطرفين بحيث أمكن تخصيص كلّ منهما لأجل الآخر أمكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهري (٣) آنا ما ،

______________________________________________________

(١) هذا استدراك على ما أفاده قدس‌سره من امتناع الجمع ـ بالملك الآنامّائي ـ بين عموم دليل السلطنة ودليل توقف البيع على الملك ، حيث قال قبل أسطر : «فلا يشمله العموم .. حتى يثبت التنافي .. فيجمع بينهما بالتزام الملك آنا ما».

وحاصل الاستدراك : أنّ الدليل على مشروعية إباحة جميع التصرفات حتى المتوقّفة على الملك ليس منحصرا في قاعدة السلطنة حتى يمتنع الالتزام بالملك الآنامّائي من جهة وجود الدليل الحاكم عليها ، بل هناك دليل آخر اعتمد عليه صاحب الجواهر قدس‌سره ـ على ما تقدم من كلامه في التنبيه الأوّل ـ وهو أخبار إناطة حلية التصرف في مال الغير بطيب نفس مالكه ، وهي غير محكومة بدليل توقف العتق على الملك ، بل هما متعارضان ، لاتحادهما رتبة ، فتلك الأخبار تدلّ على حليّة كل تصرف في مال الغير عند رضاه وطيب نفسه ، سواء أكان ذلك التصرف مما يكفي في حليّته إذن المالك ، أم كان متوقفا على الملك. ودليل إناطة صحة البيع والعتق بالملك يقتضي وقوعهما من المالك لا من المباح له ، فعتق المباح له مجمع دليلين يقتضي أحدهما صحته ، والآخر بطلانه.

ولمّا كان الجمع بين الدليلين ـ مهما أمكن ـ أول من الطرح أمكن الالتزام بالملك الآنامّائي ، بأن يدخل العبد في ملك المباح له آنا قبل عتقه حتى يقع في ملكه. وبناء على هذا لا مجال لإنكار الإباحة المطلقة ، بل ينبغي القول بصحتها بالالتزام بالملك القهري آنا ما.

(٢) المراد بالتزاحم هنا التنافي في مرحلة الجعل ، وهو التعارض المصطلح ، ولا يراد به التمانع في مرحلة الامتثال المعبّر عنه بالتزاحم المأموري.

(٣) أي : بغير أسبابه المعهودة من البيع والهبة وغيرهما. ثم إنّ المراد بالملك به

١١٣

فتأمّل (١).

وأمّا (٢) حصول الملك

______________________________________________________

هو الملك التحقيقي ، لا الفرضي التقديري ، لأنّ المعتبر في البيع عندهم هو الملك التحقيقي.

(١) لعله إشارة إلى : أنّ الجمع بالملك التقديري تبرّعي لا شاهد عليه ، فلا بد من الرجوع إلى مقتضى قواعد التعارض وهو التوقف والرجوع إلى القواعد ، أو الترجيح مع المرجح والتخيير بدونه. لا الالتزام بالملك آنا ما. هذا إذا كان التعارض بالتباين.

وإن كان بالعموم والخصوص تعيّن التخصيص ، فتصير أخبار طيب النفس كقاعدة السلطنة في قصورهما عن إثبات جواز الإباحة المطلقة ، لكن الفرق بينهما في أنّ القاعدة محكومة ، والأخبار مخصّصة ، والنتيجة واحدة.

(٢) هذا وجه ثالث لتصحيح الإباحة المطلقة بالالتزام بالملك التقديري بعد أن تعذّر الجمع بنحو الملك الآني. وقد سبق الإشارة إليه أيضا في قوله : «ودعوى : أنّ الملك التقديري هنا لا يتوقف على دلالة دليل خاص» وناقش فيه المصنف بأنّه لا موضوع في المقام للجمع بين الأدلة بالملك الفرضي.

وحاصل ما أفاده هنا هو : تصحيح الإباحة المطلقة بوجود نظائر لها في الشريعة المقدسة ممّا يمكن أن يستأنس بها للمقام.

منها : ما ذكروه في تصرف الواهب ببيع العين الموهوبة من دون أن يفسخ العقد قولا ، ولا أن يستردّ العين من المتهب :

ومنها : تصرّفه في العبد الموهوب بعتقه.

ومنها : تصرّف ذي الخيار ـ فيما انتقل عنه بعقد خياري ـ بمثل البيع والعتق والوقف.

ففي هذه الفروع جمعوا بين الأدلّة بالملك التقديري حتى يقع تصرّف الواهب وذي الخيار في ملك نفسه. وليكن المقام من هذا القبيل ، فالجمع بين دليل حليّة إباحة

١١٤

في الآن المتعقّب (١) بالبيع والعتق فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه (٢) ،

______________________________________________________

كل تصرّف وبين دليل توقف البيع والعتق على الملك يقتضي الالتزام بصحة هذه الإباحة ، وصيرورة المال ملكا تقديريا للمباح له حتى يقع بيعه وعتقه في ملكه. ومع إمكان الجمع بهذا النحو بين الأدلّة. لا يبقى مجال لتخصيص دليل الإباحة المطلقة بما دلّ على إناطة مثل البيع بالملك ، بل يقال ببقاء المال على ملك المبيح ، ويقدّر دخوله في ملك المباح له بإرادة بيعه ، هذا.

وأجاب المصنف عنه بمنع قياس المقام برجوع الواهب وذي الخيار ، للفرق بين الملك التقديري الفرضي الذي التزموا به في مالكيّة الميّت لدية الجناية وبين ملك الواهب وذي الخيار ، فإنّه ملك حقيقي آنيّ في قبال الملك المستقر ، لأنّ تصرّفهما في العين ببيع ونحوه كاشف عن عودها إلى ملكيهما حقيقة ولو آنا ما. وهذا بخلاف مالكية الميت للدية ، فإنّها مجرّد فرض ، لامتناع تملكه حتى في آن واحد ، ولذا يفرض كونه مالكا للدية مقدّمة لصرفها ، ويقولون إنّها بحكم مال الميت.

والحاصل : أنّ كلّا من الملك الحقيقي والفرضي منوط بدليل شرعي ، ولو كان هو الجمع بين الأدلّة ، والمفروض كونه مفقودا في إباحة جميع التصرفات.

ثم إنّ الفرق بين الوجوه الثلاثة المذكورة إلى هنا لتصحيح الإباحة المطلقة هو : أنّ الملكية في الوجه الأوّل مجعولة من المتعاقدين ابتداء. وفي الوجه الثاني مجعولة ابتداء من الشارع ، لكونها مقتضى الجمع بين الدليلين. وفي الثالث مجعولة من الشارع أيضا ، نتيجة للإيقاع ، حيث إنّ فسخ الهبة أو البيع ورجوع الملك إلى مالكه يكون بالإيقاع لا بجعل الواهب أو ذي الخيار ، لكن الملك في الوجه الأوّل يكون مضمون العقد.

(١) بصيغة المفعول ، أي الآن الذي يتعقبه البيع والعتق.

(٢) قد سبق توضيح تملك الواهب بفسخه الفعلي في ما يتعلق باستبعادات

١١٥

فليس (١) ملكا تقديريا (٢) نظير (٣) الملك التقديري في الدية (٤) بالنسبة إلى الميت ، أو (٥) شراء العبد المعتق عليه ، بل (٦)

______________________________________________________

كاشف الغطاء قدس‌سره (١).

(١) جواب «وأمّا» وهذا ردّ الدليل الثالث ، وقد أوضحناه بقولنا : «وأجاب المصنف عنه بمنع قياس المقام .. إلخ».

(٢) أي : فرضيّا ، بل هو ملك حقيقي حاصل في وعاء الزمان ولو في آن واحد.

(٣) هذا مثال للمنفي وهو الملك التقديري ، يعني أنّ الملك في باب الدية فرضيّ لا حقيقي.

(٤) كون الملك فيها تقديريّا لأجل عدم معقولية إضافة الملكية ـ التي هي إضافة التابعية والمتبوعية ـ بالنسبة إلى الميت ، لأنّه جماد كالمال ، ولا معنى لتابعية أحد الجمادين للآخر ، بل لا بدّ من جعل الدية بمنزلة مال الميت وبحكمه ، لا أنّه ملك الميت حقيقة. وهذا التقدير ناظر إلى حال الحياة ليترتّب عليه آثار ملك الميت من إنفاذ وصاياه وإيفاء ديونه من الدية.

وفرق بين دية القتل وبين دية الجناية على أعضائه بعد الموت ، فإنّها تصرف في الوجوه البريّة ، إجماعا كما ادّعاه غير واحد ، ولا تندرج في «ما تركه الميت» حتى تورث. بخلاف دية القتل ، فإنّها تدخل في «ما تركه الميت» وتنتقل إلى الوارث كسائر تركته.

فالمصرف في الديتين مختلف ، لكن ملكها للميت فرضا مشترك بين دية القتل ودية الجناية على الأعضاء بعد الموت.

(٥) معطوف على «الدية» يعني : أنّ للملك التقديري موردا ثانيا في الفقه ، وهو شراء العبد المعتق على المشتري.

(٦) هذا متعلق بقوله : «فليس ملكا تقديريا» ومقصوده إبطال قياس المقام ـ

__________________

(١) : راجع الجزء الأوّل من هذا الشرح ، ص ٣٥٢

١١٦

هو ملك حقيقي (١) حاصل قبل البيع ، من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله (٢) في الآن المتصل بناء (٣) على الإكتفاء بمثل هذا في الرجوع ، وليس (٤) كذلك فيما نحن فيه.

وبالجملة (٥) : فما نحن فيه لا ينطبق على التمليك الضمني المذكور

______________________________________________________

وهو الملك التقديري لو قيل به ـ بمالكية الواهب وذي الخيار ، فإنّها حقيقية آنية جمعا بين الأدلة.

(١) لكنّه آنيّ ، وهو غير ضائر بحقيقيّته المتقومة بالحصول في وعاء الزمان.

(٢) أي : قبل البيع.

(٣) وأمّا بناء على عدم كاشفية البيع عن الرجوع قبله ، وقلنا بتوقف الرجوع على إنشائه باللفظ أو باسترداد العين كان بيع الواهب باطلا ، لعدم وجود كاشف عن عود المال إلى ملكه.

(٤) يعني : أنّ ما تقدم من تصحيح بيع الواهب بملكيته الحقيقية الآنيّة ـ وكذا في مالكية الميت تقديرا وفرضا لديته ـ إنّما هو من جهة وجود الكاشف عن هذا النحو من الملك ، وهو الجمع بين الأدلة. ولا موضوع له في المقام حسب الفرض ، لما عرفت من أنّ دليل الإباحة المطلقة إمّا محكوم وإمّا مخصّص.

(٥) هذا تلخيص ما تقدم من الوجوه الثلاثة التي أفادها لدفع الإشكال الأوّل المشترك بين القسم الثالث والرابع ، وهو الإشكال في صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على صدورها من المالك مباشرة أو تسبيبا.

وغرضه قدس‌سره عدم انطباق شي‌ء من تلك الوجوه الثلاثة على ما نحن فيه.

أمّا الوجه الأوّل ـ وهو التمليك الضمني الموجود في مثال : أعتق عبدك عنّي ـ ففقدانه في المقام وهو الإباحة المطلقة واضح ، لعدم القصد المقوّم للتمليك الضمني فيه ولو قصدا إجماليا. وأمّا الوجهان الثاني والثالث فسيأتي بيان أجنبيتهما عن المقام.

١١٧

أوّلا (١) في «أعتق عبدك عنّي» لتوقفه (٢) على القصد (٣).

ولا (٤) على الملك المذكور ثانيا (٥) في شراء من ينعتق عليه (٦) ، لتوقفه (٧) على التنافي بين دليل التسلّط ودليل توقف العتق على الملك ،

______________________________________________________

(١) وهو ما تقدّم بقوله : «أحدهما : أن يقصد المبيح بقوله : أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك إنشاء توكيل له في بيع ماله .. كما صرّح في التذكرة بأن قول الرجل لمالك العبد : أعتق عبدك عنّي بكذا استدعاء لتمليكه .. إلخ».

(٢) تعليل لقوله : «لا ينطبق» يعني : أنّ المبيح ليس قاصدا للتمليك الضمني حتى يلتزم به ، بخلاف قول الآمر : «أعتق عبدك عنّي» فإنّه قاصد للتمليك الضمني ، إذ بعد العلم بتوقف العتق على الملك لا بدّ من قصد التوكيل وتملّك العبد حتى ينعتق في ملكه.

(٣) ولو إجمالا وارتكازا لا تفصيلا.

(٤) معطوف على «التمليك الضمني».

(٥) وهو ما تقدّم بقوله : «الثاني : أن يدلّ دليل شرعي على حصول الملكية للمباح له بمجرّد الإباحة .. فيكون ذلك شبه دخول العمودين في ملك الشخص آنا ما .. للجمع بين الأدلة»

(٦) هذا ردّ الوجه الثاني ، وهو تقدير الملك في شراء من ينعتق عليه ، ووجه فقدانه في المقام هو عدم الدليل عليه هنا ـ أي في الإباحة ـ حتى يقع التنافي بينه وبين دليل توقف العتق ونحوه على الملك ، فنلتجئ بالالتزام بالملك الآنيّ ، لما مرّ من أن دليل السلطنة لا يصلح لأن يكون مستندا للإباحة إلّا إذا كان مشرّعا ، والمفروض عدم مشرّعيّته ، فلا وجه للالتزام بالملك آنا ما في الإباحة المطلقة ، لتوقفها على دلالة دليل على مشروعيّتها حتّى نلتزم به ، كما نلتزم بالملك الآنيّ في شراء من ينعتق عليه ، جمعا بين دليل صحّة شراء من ينعتق عليه وبين دليل عدم ملكيته ، فإنّ التنافي بينهما أوجب الجمع بينهما بالملك الآني.

(٧) تعليل لقوله : «ولا على الملك المذكور ثانيا» يعني : أنّ الجمع بين الأدلة

١١٨

وعدم (١) حكومة الثاني على الأوّل.

ولا (٢) على التمليك الضمني المذكور ثالثا (٣) في بيع الواهب وذي الخيار ، لعدم (٤) تحقق سبب الملك هنا (٥) سابقا (٦)

______________________________________________________

بالملك الآنيّ يتوقف على أمرين :

أحدهما : التنافي بين الدليلين بعد تمامية المقتضي للحجية في كلّ منهما.

الثاني : عدم حكومة أحدهما على الآخر ، فلو لم يكن تناف أصلا ، أو كان التنافي البدوي وارتفع بحكومة أحدهما على الآخر لم يبق دليل على الملكية الآنيّة.

(١) معطوف على «التنافي» يعني : لتوقف التنافي على عدم حكومة الثاني على الأوّل.

(٢) معطوف على «التمليك الضمني» يعني : ولا ينطبق ما نحن فيه على التمليك الضمني المذكور ثالثا. وهذا إشارة إلى فقدان الوجه الثالث ، وهو الالتزام بالملك الآنيّ في بيع الواهب للعين الموهوبة قبل صيرورة الهبة لازمة ، وفي بيع ذي الخيار.

وجه فقدانه في المقام هو وجود سبب الملك أعني إرادته قبل تحقق البيع في بيع الواهب أو عتقه ، وكذا في بيع ذي الخيار. بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ إرادة الملك فيه مفقودة ، إذ المفروض أنّ المبيح المالك لم يقصد التمليك ، والمباح له لم يقصد التملّك عند البيع ، هذا.

(٣) وهو ما تقدم بقوله : «وأمّا حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع والعتق .. إلخ».

(٤) تعليل لقوله : «ولا على التمليك الضمني المذكور ثالثا ..» وقد تقدم توضيحه.

(٥) يعني : في الإباحة المطلقة الشاملة لجميع التصرفات حتى المتوقّفة على الملك.

(٦) أي : السابق على البيع ولو بآن ، وهو ظرف لقوله : «تحقق سبب الملك».

١١٩

بحيث (١) يكشف البيع عنه (٢) ، فلم يبق (٣) إلّا الحكم ببطلان الإذن في بيع ماله لغيره ، سواء صرّح (٤) بذلك ، كما لو قال : «بع مالي لنفسك ، أو : اشتر بمالي لنفسك» أم (٥) أدخله (٦) في عموم قوله : «أبحت لك كل تصرف». فإذا باع المباح له على هذا الوجه (٧) وقع البيع للمالك ، إمّا لازما بناء على أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مؤثّر (٨) ، أو موقوفا (٩) على الإجازة ، بناء على أنّ المالك لم ينو تملّك

______________________________________________________

(١) هذا بيان لتحقق الملكية الآنيّة السابقة على البيع والعتق ونحوهما ممّا يتوقف على الملك ، فهذه الملكية متحققة في رجوع الواهب وذي الخيار ، وغير متحققة في إباحة أنحاء التصرفات.

(٢) أي : عن الملك الآنيّ السابق على البيع.

(٣) هذه نتيجة أجنبية المقام عن تلك الوجوه الثلاثة ، حيث إنّه بعد فقد دليل الصحة يتعيّن الحكم ببطلان الإباحة المطلقة.

(٤) أي : صرّح المبيح بالإذن للمباح له في بيع المال لنفسه لا للمبيح.

(٥) عدل لقوله : «صرّح» أي : لم يصرّح المبيح بالإذن في خصوص البيع ، ولكنه أباح كل تصرف ، ومنه البيع.

(٦) أي : أدخل الإذن ـ في بيع ماله لغيره ـ في عموم قوله : «أبحت لك .. إلخ».

(٧) أي : على وجه الإذن في التصرف في المال ، إمّا بالتنصيص على البيع ، وإمّا بالإذن العام الشامل له ولغيره.

(٨) لأنّ مقتضى التعاوض بين المالين ـ بناء على ما قيل ـ هو دخول كل مال في كيس من خرج عنه الآخر. ووجه لزومه هو كون المباح له مأذونا في البيع كالوكيل ، فينفذ كلّ تصرّف منه في المال المباح له.

(٩) معطوف على «لازما» والوجه في توقف البيع على الإجارة هو : أنّ المبيح لم يقصد تملّك الثمن ، لزعمه وقوع البيع للمباح له ، ودخول الثمن في ملكه. ولمّا لم تثبت مشروعية هذه الإباحة كان بيع المباح له فضوليا ، لكونه تصرّفا في مال المبيح بغير

١٢٠