هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

في مطلق الملك (١) ، وفي خصوص البيع (٢) مما لا ينكر.

لكن (٣) الظاهر فيما نحن فيه (٤) قيام الإجماع

______________________________________________________

بالإجماع على عدم لزوم الملك فيها ، فلا بد من علاج المعارضة ، وستأتي تتمة الكلام في ذلك.

(١) كما اقتضته الأدلة العامة ، وهي آيتا حرمة الأكل بالباطل ووجوب الوفاء بالعقود ، وحديث السلطنة والحل والشرط ، والاستصحاب.

(٢) كما اقتضاه أخبار خيار المجلس ، لاختصاص مدلولها بلزوم عقد البيع.

(٣) هذا شروع في الاشكال على القول بإفادة المعاطاة للملك اللّازم ، وغرضه إقامة الدليل على تخصيص قاعدة اللزوم ـ في الملك والبيع ـ بالمعاطاة ، وأنّ الملك الحاصل بالمعاطاة خارج عن حيّز هذه القاعدة ، لوجوه :

أوّلها : الإجماع ، وهو يقرّر تارة بنحو الإجماع البسيط ، وأخرى بنحو الإجماع المركب.

ثانيها : دلالة بعض الأخبار على اعتبار اللفظ في إنشاء البيع.

ثالثها : السيرة على عدم الاكتفاء بالتعاطي في البيوع الخطيرة.

أمّا الإجماع فالظاهر تحققه ، ففي الجواهر ـ لدى التعليق على قول المحقق : ولا يكفي التقابض ـ ما لفظه : «للأصل المقرّر بوجوه : الإجماع بقسميه أو الضرورة. وصدق البيع مثلا بعد التسليم والتجارة عن تراض لا يستلزم تحقق العقد الذي يترتب عليه اللزوم ..». (١)

وعليه لا بد من تخصيص أصالة اللزوم في الملك والبيع ، والالتزام بالملك المتزلزل الذي اختاره المحقق الثاني ، ويتوقف لزوم المعاطاة على طروء بعض الملزمات من التلف والتصرف ونحوهما.

هذا كله في أصل تحقق الإجماع ، وسيأتي بيان بعض الوجوه المؤيّدة له.

وأمّا سائر الأدلة فسيأتي بيانها بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

(٤) وهو المعاطاة.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢١٠.

٥٦١

على عدم لزوم المعاطاة (١) بل ادّعاه صريحا بعض (٢) الأساطين في شرح القواعد.

ويعضده (٣) الشهرة المحققة ، بل لم يوجد به (٤) قائل

______________________________________________________

(١) هذا هو الإجماع البسيط على عدم لزوم المعاطاة ، في مقابل الإجماع المركب الآتي.

(٢) يعني : أنّ كاشف الغطاء قدس‌سره ادّعى الإجماع على عدم لزوم المعاطاة ، لا مجرّد الإجماع على اعتبار اللفظ في البيع ، لاحتمال إرادة عدم الصحة لا عدم اللزوم. لوضوح أنّ الإجماع على اعتبار اللفظ يلتئم مع القول بالإباحة كما هو المشهور ، والقول بالملك المتزلزل.

وبهذا ظهر وجه إضرابه عن ظهور الإجماع إلى صراحته في نفي اللزوم ، حيث إنّ معقد إجماع مثل صاحب الجواهر مجرّد اعتبار اللفظ في البيع والعقود اللازمة. ومعقد إجماع كاشف الغطاء نفي تأثير المعاطاة في الملك اللازم.

(٣) أي : وتعضد الشهرة الإجماع ، وغرضه تأييد دعواه الإجماع ـ على عدم لزوم المعاطاة ـ بأمور ثلاثة ، وهي الشهرة واجماعان منقولان :

فالأوّل هو الشهرة الفتوائية القطعية على عدم ترتب الملك اللازم على المعاطاة. قال الشهيد الثاني ـ في شرح قول المحقق : ولا يكفي التقابض ـ ما لفظه : «هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعا ، غير أنّ ظاهر المفيد رحمه‌الله يدل على الاكتفاء في تحقق البيع بما دلّ على الرّضا به ..» (١) فإنّ المشهور ينكرون لزوم الملك بالمعاطاة ، سواء أبقيت عبائرهم على ظاهرها من الإباحة المحضة ، أم حملت على الملك الجائز.

وعلى هذا فالإجماع المدّعى على عدم اللزوم يتأيّد بفتوى المشهور ، ويشكل مخالفته بدعوى كونه منقولا بخبر الواحد.

(٤) أي : بلزوم المعاطاة ، وغرضه الترقّي عن الشهرة إلى دعوى الإجماع ، يعني : أنّ الإجماع الذي ادّعاه كاشف الغطاء على عدم اللزوم ليس إجماعا حادثا ، بل هو متلقّى من السلف الصالح ، لذهاب الأصحاب طرّا ـ قبل عصر المحقق الأردبيلي ـ الى عدم اللزوم.

فان قلت : إنّ القائل باللزوم من القدماء هو المفيد ، فلا إجماع منهم على عدم اللزوم ،

__________________

(١) مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٤٧.

٥٦٢

إلى زمان بعض (١) متأخري المتأخرين ، فإن (٢) العبارة المحكيّة عن المفيد قدس‌سره في المقنعة لا تدلّ على هذا القول كما عن المختلف الاعتراف به (٣) ، فإنّ المحكي عنه أنه قال : «ينعقد البيع على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا وتراضيا بالبيع وتقابضا وافترقا بالأبدان» (١) انتهى.

______________________________________________________

ولا ينحصر القائل باللزوم في المحقق الأردبيلي وغيره ممن هو في طبقة متأخري المتأخرين.

قلت : الظاهر اتفاق القدماء على عدم اللزوم ، لعدم إحراز مخالفة الشيخ المفيد لهم ، إذ في عبارته احتمالان ، وليس كلامه صريحا ولا ظاهرا في اللزوم حتّى يعدّ مخالفا للمشهور.

(١) وهو المحقق الأردبيلي والكاشاني (٢) والمحدث الجزائري قدس‌سرهم قال جدّنا الأجل السيد الجزائري قدس‌سره في ذيل الكلام المتعلق بآية التجارة ـ على ما حكي عنه ـ ما لفظه : «واعلم أنّه يمكن أن يستفاد من ظاهر الآية حكمان ، أحدهما عدم توقف المبايعة ولزومها على العقد المصطلح بين فقهائنا من الإيجاب والقبول كميّة وكيفيّة ، لأنّه جعل مناط الصحة هو التراضي ، وهذا عن شيخنا المفيد طاب ثراه في تجويز بيع المعاطاة. وثانيهما : فساد بيع الفضولي ، لأنّه لم يقع عن تراض من أهل المال ، وإليه ذهب الشيخ رحمه‌الله في المبسوط. والمشهور بين علمائنا الجواز تعويلا على رواية عروة ، وذكر مضمون الرواية ، ثم قال : وفيه بعد تسليم الرواية جاز أن يكون ذلك لكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكّله وكالة مطلقة» (٣) انتهى كلامه رفع مقامه.

والشاهد في قوله : «عدم توقف المبايعة ولزومها على العقد المصطلح بين الفقهاء» لصراحة هذا الكلام في إفادة المعاطاة ملكا لازما.

(٢) هذا دفع ما يتوهم من منافاة ما عن المفيد من اللزوم لقوله : «بل لم يوجد به قائل .. إلخ» وقد تقدم توضيحه بقولنا : «ان قلت .. قلت».

(٣) أي : الاعتراف بعدم الدلالة ، قال العلامة في المختلف : «ولا تكفي المعاطاة في العقد ،

__________________

(١) المقنعة ، ص ٥٩١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٤٢ ، مفاتيح الشرائع ، ج ٣ ، ص ٤٨.

(٣) غاية المرام في شرح تهذيب الاحكام ، الجزء الثالث ، مخطوط.

٥٦٣

ويقوى (١) إرادة بيان شروط صحّة العقد الواقع بين اثنين وتأثيره في اللزوم ، وكأنّه لذلك (٢) حكى كاشف الرّموز عن المفيد والشيخ رحمه‌الله : أنّه لا بدّ في البيع عندهما من لفظ مخصوص.

______________________________________________________

ذهب إليه أكثر علمائنا ، وللمفيد رحمه‌الله قول يوهم الجواز ، فإنّه قال : والبيع ينعقد .. إلخ» ثم قال العلّامة : «وليس في هذا تصريح بصحته ، إلّا أنّه موهم». (١)

ومقصوده : أنّ العبارة المذكورة توهم صحة المعاطاة ـ عند المفيد ـ وإفادتها للملك ، وليست صريحة في ذلك حتى يعدّ المفيد مخالفا للقائلين بعدم لزوم المعاطاة.

(١) غرضه أنّ عبارة الشيخ المفيد قدس‌سره تحتمل ضعيفا إرادة اللزوم بعد استجماع البيع للشروط التي ذكرها ، ومن المعلوم أنّ الصيغة لم تذكر من تلك الشروط ، ومقتضى ذلك كون المعاطاة الجامعة لتلك الشرائط لازمة ، فعليه يكون الشيخ المفيد قدس‌سره مخالفا للمجمعين.

ولكن يحتمل في عبارته قويّا عدم إرادة انحصار شروط الصحة واللزوم فيما ذكره حتى يقتضي عدم التصريح بشرط آخر انعقاد البيع ولزومه ، بل مقصوده بيان شرائط الصحة كمعرفة العوضين ، والتراضي بالبيع ، وشرائط اللزوم كالتقابض المترتب على البيع ، والافتراق بالأبدان ، ومقتضى شرطيّة شي‌ء هو فقدان المشروط بانتفائه ، كشرطية الطهارة للصلاة ، فإنّ مقتضى شرطيّتها هو انعدام الصلاة بانعدامها ، ومن المعلوم أنّ شرطية الطهارة لها لا تنافي شرطية شي‌ء آخر للصلاة كما لا يخفى.

وعليه فشرطيّة ما ذكره الشيخ المفيد رحمه‌الله لصحة البيع ولزومه لا تنافي شرطية غيره كالإيجاب والقبول.

ويؤيّده أنّ الشيخ المفيد لم يذكر الصيغة في عقد النكاح ، مع أنّ اعتبارها فيه من القطعيّات ، فحينئذ لا يمكن عدّ المفيد مخالفا.

فغرض المصنف من قوله : «ويقوى» هو عدم كون المفيد مخالفا للمجمعين.

(٢) يعني : ولأجل كون مراد المفيد شروط صحة البيع ولزومه حكى كاشف الرموز .. إلخ ، حيث بنى الفاضل الآبي قدس‌سره صحة بيع الفضولي وبطلانه على اقتضاء النهي في المعاملات فساد

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥١.

٥٦٤

وقد تقدّم (١) دعوى الإجماع من الغنية على عدم كونها بيعا (٢) ،

______________________________________________________

المنهي عنه ، وعدمه ، فالقائل بالاقتضاء يلزمه القول بالفساد ، إلّا أن يقول إنّ عقد البيع لا يستلزم لفظا مخصوصا ، بل كلّ ما يدل على الانتقال فهو عقد ، ثم قال : «وإذا تقرّر هذا فلا إشكال على شيخنا دام ظله ـ وهو المحقق الحلّي ـ لأنّ النهي عنده في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ولا للبيع لفظ مخصوص. بل يشكل على الشيخين ، لأنّهما يخالفانه في المسألتين» (١).

والشاهد في الجملة الأخيرة ، حيث إنه نسب ـ جازما ـ إلى الشيخ المفيد والطوسي قدس‌سرهما اعتبار لفظ مخصوص في عقد البيع ، فيكون مختار الشيخ المفيد ما هو المشهور من اعتبار الصيغة المخصوصة في انعقاد البيع ، وليست المعاطاة بيعا.

ولعلّ إسناد كاشف الرموز اعتبار اللفظ المخصوص في البيع الى المفيد قدس‌سره يكون لأجل اعتبار التقابض بعد قوله : «وينعقد البيع» إذ لا معنى لشرطية التقابض للمعاطاة ، لأنّ حقيقتها التقابض ، ولا معنى لكون شي‌ء شرطا لنفسه ، فلا بد أن يراد بالبيع بقوله : «وينعقد البيع» خصوص القولي. وعليه فمورد كلام الشيخ المفيد هو البيع اللفظي ، لا الأعم منه ومن الفعلي ، ولا خصوص الفعلي حتى يقال : إنّه قائل باللزوم ، ومخالف للمجمعين القائلين بعدم لزوم المعاطاة.

(١) غرضه قدس‌سره من الإشارة إلى كلام السيد ابن زهرة قدس‌سره تأييد ما ادعاه بقوله : «بل لم يوجد به قائل إلى زمان بعض متأخري المتأخرين» وهذا معاضد ثان للإجماع المنقول الذي ادّعاه بعض الأساطين ، فليس ذلك إجماعا منقولا بخبر الواحد حتى يرمى بعدم الاعتبار ، بل هو إجماع متضافر النقل.

(٢) حيث قال في عبارته المنقولة عند نقل الأقوال في المعاطاة : «واحترازا أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة .. فإنّ ذلك ليس ببيع. يدلّ على ما قلناه الإجماع المشار إليه». (٢)

__________________

(١) كشف الرموز ، ج ١ ، ص ٤٤٥ و ٤٤٦.

(٢) غنية النزوع ، ص ٥٢٤ (الجوامع الفقهية).

٥٦٥

وهو (١) نصّ في عدم اللزوم (*).

______________________________________________________

(١) يعني : وإجماع السيد ابن زهرة على نفي بيعية المعاطاة نصّ في عدم لزومها بلحاظ القدر المتيقن منه.

فان قلت : لا وجه لجعل إجماع السيد مؤيّدا ومعاضدا لإجماع بعض الأساطين على عدم ترتب الملك اللازم على المعاطاة ، وذلك لأنّ مقصود السيد من الإجماع على نفي بيعية المعاطاة نفي الماهية والصحة ، لقوله : «وإنّما هو إباحة التصرف» وعليه فالمعاطاة عند ابن زهرة بيع فاسد لا يفيد الملك أصلا لا متزلزلا ولا مستقرا ، وتفيد الإباحة تعبدا ، فلا ربط لكلامه بنفي الملك اللازم وإثبات الملك الجائز حتى يكون معاضدا لإجماع كاشف الغطاء على نفي اللزوم.

قلت : لا مانع من الاستشهاد بكلام السيد وجعل دعواه الإجماع مؤيّدا لعدم اللزوم ، وذلك لدلالة قوله : «ليس ببيع» على أمرين : أحدهما : نفي اللزوم ، والآخر : نفي الصحة.

ودلالته على الأوّل تكون بالصراحة ، إذ الأثر الأقصى المترتب على البيع هو الملك اللازم ، وهو غير مترتب على المعاطاة سواء قيل بإفادتها الإباحة أم بإفادتها الملك المتزلزل.

ودلالته على الثاني ـ وهو نفي طبيعة البيع عن المعاطاة ـ تكون بالظهور ، لاحتمال إرادة نفي اللزوم خاصة. وحينئذ فيؤخذ بالقدر المتيقن من قول السيد : «ليس ببيع» وهو عدم مماثلة المعاطاة للبيع بالصيغة في اللزوم ، ولا يؤخذ بظهور كلامه في نفي أصل بيعية المعاطاة.

وعليه يتجه ما أفاده المصنف قدس‌سره من جعل إجماع الغنية موافقا لإجماع بعض الأساطين على عدم لزوم المعاطاة.

__________________

(*) هذا غير ظاهر ، لأنّ نفي البيعية لا يستلزم عدم اللزوم ، لإمكان أن يكون المعاطاة إباحة لازمة عندهم ، فنفي بيعية المعاطاة لا يدلّ ـ ولو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ـ على نفي اللزوم.

إلّا أن يقال : انّ المدّعى. هو نفي الملك اللازم ، والإباحة اللازمة غير الملك اللازم.

٥٦٦

ولا يقدح (١) كونه (٢) ظاهرا في عدم الملكية الذي (٣) لا نقول به.

وعن جامع المقاصد : «يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع» (٤).

نعم (٥) قول العلّامة رحمه‌الله في التذكرة : «انّ الأشهر عندنا : أنّه لا بدّ من الصيغة» (١)

______________________________________________________

(١) يعني : لا يقدح ظهور كلام الغنية ـ في نفي بيعية المعاطاة ـ في المدّعى ، وهو عدم لزوم المعاطاة.

وجه عدم القدح رفع اليد عن ظهور كلام السيد في نفي مملّكية المعاطاة ، وذلك لقيام الأدلة على إفادتها للملك الجائز ، فهذا الظهور لا يمكن الأخذ به من جهة معارضة الأدلّة على مملّكية المعاطاة بمنعها صغرويّا. وقد تقدم توضيح وجه عدم القدح بقولنا : «فان قلت .. قلت».

(٢) يعني : كون إجماع الغنية ظاهرا في نفي الموصوف وهو طبيعة البيع ، لا خصوص الوصف وهو اللزوم.

(٣) وصف لقوله : «عدم الملكية» يعني : لا نقول بعدم الملكية.

(٤) هذا الإجماع معاضد ثالث لإجماع بعض الأساطين.

وقد تحصّل إلى هنا : أنّ الإجماع المتضافر نقله قد قام على عدم ترتب ملك لازم على المعاطاة ، وعليه لا بدّ من تخصيص أصالة اللزوم ـ في الملك والبيع ـ بهذه الإجماعات المنقولة. وسيشرع المصنف في هدم هذه الإجماعات ، فانتظر.

(٥) استدراك على قوله : «لكن الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة» ومقصوده الإشكال على هذا الإجماع بوجهين :

أحدهما : منع تحققه في نفسه ، لوجود المخالف المعتدّ به.

وثانيهما : منع حجيته ، لكونه فاقدا لمناط الاعتبار وهو الكشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

وتوضيح الوجه الأوّل : أنّ كلام العلّامة في التذكرة : «أن الأشهر عندنا .. إلخ» يدلّ عرفا على وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة ، بحيث يقدح في دعوى الإجماع على عدم اللزوم ، إذ لو كان المخالف شاذّا لعبّر العلامة بالمشهور ، كما لا يخفى على العارف بمحاورات الفقهاء.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٢.

٥٦٧

يدلّ (١) على وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة. ولو كان المخالف شاذّا لعبّر بالمشهور.

وكذلك (٢) نسبته في المختلف (١) إلى الأكثر.

وفي التحرير : «أنّ الأقوى أنّ المعاطاة غير لازمة» (٢).

ثم (٣) لو فرضنا الاتفاق من العلماء على عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم أو أكثرهم إلى أنّها ليست مملّكة ، وإنّما تفيد الإباحة

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «قول العلّامة».

(٢) يعني : وكذلك كلام العلامة في المختلف والتحرير يدل على وجود الخلاف المعتدّ به ، وذلك فإنّ نسبة عدم اللزوم إلى الأكثر في الأوّل ـ وجعله أقوى في الثاني ـ يدلّ أيضا على وجود الخلاف المعتدّ به القادح في دعوى الإجماع على عدم اللزوم في المعاطاة.

ومع دلالة هذه العبارات الثلاث ـ من التذكرة والمختلف والتحرير ـ على وجود الخلاف المعتدّ به كيف تصح دعوى الإجماع على اللزوم؟ فغرض المصنف من ذكر هذه العبائر الثلاث توهين الإجماع المدّعى على عدم اللزوم.

(٣) هذا هو الوجه الثاني من الاشكال على الإجماع البسيط على عدم اللزوم ، وحاصله : أنّ الإجماع على عدم اللزوم ـ بعد تسليمه والإغماض عن وجود الخلاف المعتدّ به الذي استظهرناه من كلمات العلامة قدس‌سره في التذكرة والمختلف والتحرير ـ غير مفيد ، لذهاب كثير من القائلين بعدم اللزوم بل أكثرهم إلى كون المعاطاة مفيدة للإباحة ، وهذا الإجماع لا يكشف عن إفادة المعاطاة للملك الجائز ، لإمكان ذهاب كلّهم أو جلّهم إلى اللزوم على تقدير عدولهم عن الإباحة ، وبنائهم على إفادة المعاطاة للملك. فالإجماع المفيد المطابق للمدّعى هو اتفاقهم على عدم اللزوم على تقدير إفادتها للملك ، وهذا غير معلوم ، فالإجماع المفيد غير متحقق ، والمتحقق غير مفيد.

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥١.

(٢) تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ١٦٤.

٥٦٨

لم يكن (١) هذا الاتفاق كاشفا (٢) ، إذ (٣) القول باللزوم فرع الملكية ، ولم (٤) يقل بها إلّا بعض من تأخّر عن المحقق الثاني تبعا له. وهذا مما (٥) يوهن حصول القطع بل الظنّ من الاتّفاق المذكور ، لأنّ (٦) قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع (٧).

نعم (٨) يمكن أن يقال : ـ بعد ثبوت الاتفاق المذكور ـ إنّ أصحابنا بين قائل

______________________________________________________

(١) جواب «لو فرضنا».

(٢) يعني : عن رأي المعصوم عليه‌السلام بعدم لزوم الملك في المعاطاة ، مع أنّ مناط حجيّة الإجماع عندنا هو الكشف عن رأيه عليه‌السلام.

(٣) تعليل لعدم كاشفية الإجماعات المتقدمة.

(٤) يعني : والحال أنّه لم يقل بالملكية إلّا بعض .. إلخ.

(٥) يعني : وعدم القول بالملكية إلّا من بعض متأخري المتأخرين تبعا للمحقق الثاني يوهن حصول القطع أو الظن بقول المعصوم عليه‌السلام من الاتفاق المزبور الذي ادّعاه السيد والمحقق الكركي ، والمفروض أنّ مناط حجية الإجماع إنّما هو الكشف عن قوله عليه‌السلام أو عن حجة معتبرة.

(٦) تعليل لقوله : «يوهن» توضيحه : أنّ السالبة بانتفاء الموضوع لا تثبت السالبة بانتفاء المحمول التي هي مورد البحث ، فإنّ نفي الملكية لا يثبت الملك الجائز على تقدير القول بإفادة المعاطاة للملك.

وإن شئت فقل : انّ الإجماع تقييدي ، وهو غير كاشف عن كون إفادة المعاطاة للملك المتزلزل إجماعية ، لأنّ نفي اللزوم وإن كان ظاهرا في سلب المحمول على ما هو الأصل في القضايا السلبية ، إلّا أنّ هنا قرينة على إرادة سلب الموضوع ، حيث إنّ الأكثر قائلون بإفادة المعاطاة للإباحة دون الملك ، فالمراد بنفي اللزوم نفي الملك ، لا نفي وصفه وهو اللزوم مع وجود أصل الملك.

(٧) لكونهم قائلين بالإباحة ، فلا بيع حتى يكون لازما أو جائزا.

(٨) هذا بظاهره استدراك على مناقشته في الإجماع على عدم اللزوم ، ولكنه في الحقيقة

٥٦٩

بالملك الجائز (١) وبين قائل بعدم الملك رأسا (٢) فالقول بالملك اللازم قول ثالث (٣) ، فتأمّل (٤).

وكيف كان (٥) فتحصيل (٦) الإجماع على وجه استكشاف قول الامام عليه‌السلام

______________________________________________________

إشارة إلى الدليل الثاني على تخصيص قاعدة اللزوم في المعاطاة ، وهو الإجماع المركّب.

وحاصل تقريبه : أنّ الأصحاب بين قائل بالملك الجائز وبين قائل بعدم الملك رأسا ، بل بالإباحة ، فهم على هذين القولين ، ومن المعلوم أنّ القول بالملك اللازم مخالف لهما معا ، ويكون قولا ثالثا لا يجوز إبداعه.

وعليه فلا بدّ من الالتزام باختصاص الملك اللازم بالبيع القولي ، دون المعاطاتي.

(١) كالمحقق الثاني ومن تبعه.

(٢) كما هو مذهب مشهور القدماء من القول بإباحة التصرف.

(٣) يعني : فلا يجوز إحداثه ، لكونه خرقا للإجماع المركّب.

(٤) لعلّه إشارة إلى : أنّ عدم جواز إحداث القول الثالث مبنيّ على رجوع الإجماع المركّب إلى البسيط ، بأن يكون الفريقان متّفقين على نفي الثالث ، لا أن يكون نفي الثالث منتزعا منهما. ومن المعلوم أنّه لم يثبت اتفاقهم هنا على نفي الثالث.

وعليه فدعوى الإجماع المركب غير مفيدة في المقام.

أو إشارة إلى : أنّه إذا كان المقصود نفي القول بالملك اللازم من دون قصد إلى إثبات الملك الجائز لم يكن حاجة حينئذ إلى التشبث بالإجماع المركب ، لكفاية نفس الإجماع البسيط على عدم اللزوم في نفي الملك اللازم.

(٥) يعني : سواء أريد تخصيص قاعدة اللزوم في المعاطاة بالإجماع البسيط أو المركّب ، فإنّ كليهما ممنوع.

(٦) هذا تقريب الاشكال على كلا تقريبي الإجماع على نفي اللزوم ، ومحصّله : عدم تحقق الاتفاق ـ بسيطا ومركّبا ـ لدلالة كلمات العلّامة في التذكرة والمختلف والتحرير على وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة ، ومعه لا تصحّ دعوى الإجماع على عدم اللزوم في المعاطاة ، إذ

٥٧٠

من قول غيره من العلماء ـ كما هو طريق المتأخرين ـ مشكل (١) ، لما ذكرنا (٢) ، وإن كان هذا (٣) لا يقدح في الإجماع على طريق القدماء ، كما بيّن في الأصول.

وبالجملة (٤) : فما ذكره في المسالك (٥) من قوله ـ بعد ذكر قول من اعتبر مطلق اللفظ في اللزوم ـ : «ما أحسنه وما أمتن دليله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه» في غاية الحسن والمتانة.

______________________________________________________

ليس اتفاق جماعة كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام كما هو مناط حجية الإجماع عند المتأخرين.

(١) خبر «وتحصيل».

(٢) من عدم تحقق الاتفاق على عدم لزوم المعاطاة ، بل المسألة خلافية.

(٣) أي : ما ذكرناه من وجود الخلاف المعتدّ به ، حاصله : أنّ الخلاف قادح في الإجماع على طريقة المتأخرين ، وهي كشف قول المعصوم عليه‌السلام حدسا عن قول المجمعين. وغير قادح فيه على طريقة القائلين بأنّ مناط حجية الإجماع دخول المعصوم عليه‌السلام ، فلا مانع حينئذ من تحقق الإجماع ولو مع مخالفة كثير منهم ممّن هو معلوم النسب ، إذ المفروض وجود الامام عليه‌السلام في غيرهم.

(٤) هذه خلاصة ما ذكره من النقض والإبرام حول الإجماع المدّعى على عدم اللزوم.

(٥) حيث قال : «والذي اختاره متأخرو الشافعية وجميع المالكية انعقاد البيع بكلّ ما دلّ على التراضي ، وعدّه الناس بيعا ، وهو قريب من قول المفيد وشيخنا المتقدم. وما أحسنه وأمتن دليله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه». (١)

وهذه العبارة وإن كانت ظاهرة في كفاية مطلق الكاشف لا خصوص اللفظ ، لكن تعبيره ب «وهو قريب من قول المفيد وشيخنا المتقدم» قرينة على أنّ مراده من الحسن والمتانة هو ما نبّه عليه في أوّل بحث المعاطاة ـ بعد نقل كلام المفيد ـ بما لفظه : «وقد كان بعض مشايخنا المعاصرين يذهب إلى ذلك أيضا ـ أي إلى اللزوم ـ لكن يشترط في الدال كونه لفظا» (٢).

وكيف كان فوجه المناسبة في نقل كلام المسالك هو : تأييد ما أفاده المصنف قدس‌سره من

__________________

(١) مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٥٢.

(٢) المصدر ، ص ١٤٧.

٥٧١

والإجماع (١) وإن لم يكن محقّقا على وجه يوجب القطع ، إلّا أنّ المظنون قويّا تحققه (٢) على عدم اللزوم مع عدم لفظ دالّ على إنشاء التمليك ، سواء لم يوجد لفظ أصلا (٣) أم وجد ولكن لم ينشأ التمليك به (٤) ، بل كان من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض (٥) (*).

______________________________________________________

التردد والتأمل في ثبوت الإجماع على إناطة لزوم الملك باللفظ ، حيث إنّ ظاهر المسالك هو تردّده في ثبوت الإجماع ، ومع التردد فيه يتعيّن التمسك بعموم ما دلّ على لزوم الملك.

(١) مقصوده قدس‌سره ـ بعد أن منع آنفا من تحقق إجماع تعبدي على اعتبار الصيغة في لزوم الملك ـ التفصيل في المسألة ، وتأييد الإجماع في صورتين ، إذ الصّور ثلاث :

الأولى : أن لا يوجد لفظ دالّ على التمليك أصلا ، بأن كانت المقاولة بالإشارة والكتابة ، ثم تحققت المعاطاة. وحكم هذه الصورة عدم اللزوم ، للإجماع المظنون تحققه.

الثانية : أن يوجد لفظ دالّ على التراضي ، ولكن كان في مقام المقاولة ، لا في مقام إنشاء التمليك ، فكان الإنشاء كالصورة السابقة بنفس التقابض. وهذه الصورة كالأولى في عدم اللزوم ، للإجماع.

الثالثة : أن يوجد لفظ دال على التراضي وأنشئت المعاملة به ، لا بنفس التقابض. وحكم هذه الصورة اللزوم ، لفرض تحقق الإنشاء بالصيغة ، سواء أكانت ملحونة مادة أو هيئة ، أم صحيحة جامعة لشرائط الصحة والتأثير في الملك اللازم.

(٢) والظنّ وإن لم يغن من الحقّ شيئا ، لكن لا بأس بالاعتماد عليه في الخروج عن مخالفة المشهور القائلين باعتبار الإنشاء القولي.

(٣) أي : لا في مقام المقاولة ولا في مقام الإنشاء. وهذه اولى الصور الثلاث.

(٤) أي : باللفظ ، وهذا إشارة إلى الصورة الثانية.

(٥) وبقيت صورة واحدة خارجة عن معقد الإجماع ، وهي ما إذا كان إنشاء المعاملة باللفظ الملحون مثلا ، فإنّه يؤثّر في اللزوم كالصيغة الجامعة للشرائط.

__________________

(*) محصل الكلام : أنّ المدعى هو تخصيص عموم قاعدة لزوم الملك بالمعاطاة ،

٥٧٢

.................................................................................................

__________________

فالمقصود هو كون المعاطاة مفيدة للملك الجائز ، ومن المعلوم أنّ الإجماع البسيط على هذا المدّعى غير ثابت ، لأنّ جلّ القائلين بعدم اللزوم ذهبوا إلى أنّ المعاطاة لا تفيد الملك ، بل تفيد الإباحة ، وحيث إنّ مناط حجيّة الإجماع كشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام لم يكن قول القائلين بالإباحة كاشفا عن كون رأيه عليه‌السلام هو الملك الجائز ، بل يكون كاشفا عن عدمه.

وأمّا قول غيرهم ممّن يقول بالملك الجائز فهو وإن كان مطابقا للمدّعى ، لكنه ليس إجماعا كما هو ظاهر ، فالإجماع البسيط المحصّل غير حاصل ، والمنقول منه وإن كان ثابتا ، لكنه ليس فيه طائل ، لعدم اعتباره على ما ثبت في الأصول.

وأمّا الإجماع المركب فهو ما لم يرجع الى البسيط لا يكون حجة ، ومن المعلوم أنّ رجوعه إليه منوط بالعلم بذهاب كل من الطائفتين ـ على تقدير بطلان قوله ـ إلى قول الطائفة الأخرى حتى يثبت إجماعهم على نفي القول الثالث. وعدم ثبوته هنا بديهي ، لكون مسألة المعاطاة ذات أقوال سبعة كما عرفت سابقا ، فالإجماع بقسميه أعني البسيط والمركب غير حاصل.

ثم إنّه على فرض حصول الإجماع المحصّل لا سبيل الى القطع بكونه من الإجماع التعبدي ، لقوة احتمال استناد المجمعين الى بعض الوجوه كالروايات التي زعموا دلالتها على اعتبار اللفظ في اللزوم.

وأمّا الشهرة على ثبوت الملك الجائز ففيها أوّلا : عدم حجيتها كما ثبت في الأصول.

وثانيا : معارضتها لشهرة القدماء على إفادة المعاطاة للإباحة.

وأمّا ما أفاده المصنف قدس‌سره من دعوى السيرة على عدم الاكتفاء في الأشياء الخطيرة بالمعاطاة ، وإنّما يكتفون بها في المحقّرات التي لا يلتزمون بلزوم المعاملة فيها ، ففيه أوّلا : عدم تحقق السيرة كذلك ، بل السيرة في الكل على نهج واحد.

وثانيا : ـ بعد تسليمها ـ تكون أخص من المدّعي الذي هو أعم من المعاطاة الواقعة على الأمتعة الخطيرة والحقيرة.

وثالثا : يمكن أن يكون الوجه في التفصيل احتمال عدم إمكان التعاطي من الطرفين

٥٧٣

وقد يظهر (١) ذلك (٢) من غير واحد من الأخبار (٣) ،

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الدليل الثاني على لزوم تخصيص أصالة اللزوم في الملك بالمعاطاة ، كما أنّ الإجماع المتقدم ـ من بسيطه ومركبة ـ هو الدليل الأوّل على التخصيص.

ومحصّل هذا الوجه : دلالة طائفة من الأخبار على اعتبار اللفظ ـ في الجملة ـ في مقام إنشاء البيع ، وعدم كفاية التعاطي العاري عنه.

(٢) قال السيد الطباطبائي قدس‌سره : «يعني : يظهر اشتراط اللزوم بكون إنشاء المعاملة باللفظ في الجملة» (١). وقال الفقيه المامقاني قدس‌سره : «يعني : أنّه يظهر منها انتفاء اللزوم بانتفاء مطلق اللفظ الدال على الإنشاء ، سواء لم يوجد أصلا أم وجد ولكن لم ينشأ به التمليك» (٢).

ومفاد كلام كلا العلمين واحد بالتأمّل.

(٣) قال السيد : «ولعلّ نظره في ذلك إلى ما أشرنا إليه سابقا من الخبر الوارد في بيع المصحف وأطنان القصب» (٣) مثل قوله عليه‌السلام في موثّق سماعة : «لا تشتر كتاب الله عزوجل ، ولكن اشتر الحديد والورق والدفتين ، وقل : أشتري منك هذا بكذا وكذا» (٤).

__________________

المعتبر في المعاطاة في مثل الدار والبستان والدّكان ونحوها من غير المنقولات التي زعموا أنّه لا يتحقق فيها العطاء من الطرفين.

أو : احتمال عدم إفادة المعاطاة للملكية ، بل للإباحة. وحيث إنّ بناءهم على التمليك اللازم في الأمتعة الخطيرة لئلّا يرجعوا فيها تشبّثوا في نقلها بالبيع القولي.

ومع هذه الاحتمالات لا تكشف السيرة عن اعتبار اللفظ في لزوم الملك حتى تصلح لتخصيص عموم أدلة لزوم الملك في المعاطاة كما لا يخفى.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٧٤.

(٢) غاية الآمال ، ص ١٨٦.

(٣) حاشية المكاسب ، ص ٧٤.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١١٤ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب ، الحديث : ٢.

٥٧٤

بل (١) يظهر منها أنّ إيجاب البيع باللفظ ـ دون مجرّد التعاطي ـ كان متعارفا بين أهل السّوق والتجار.

______________________________________________________

ونحوه غيره من الروايات الواردة بهذا المضمون التي جمعها في الوسائل في باب عدم جواز بيع المصحف وجواز بيع الورق والجلد (١).

ومثل رواية العجلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة طن ، فقال المشتري : قد قبلت واشتريت ورضيت .. إلخ» (٢) (*).

(١) قال الفقيه المامقاني قدس‌سره ما لفظه : «هذا الظهور يحصل من ملاحظة أخبار متعدّدة ، بمعنى : أنّ التعارف يستفاد من المجموع ، لا أنّ كل واحد منها يدلّ عليه ..» ثم ذكر جملة من تلك الروايات :

منها : ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السمسار أيشتري بالأجر؟ فيدفع إليه الورق ويشترط عليه أنّك تأتي بما تشتري ، فما شئت أخذته وما شئت تركته ، فيذهب ويشتري ، ثم يأتي بالمتاع فيقول : خذ ما رضيت ودع ما كرهت. قال :

__________________

(*) لكنّك خبير ـ بعد الغضّ عمّا في سند ما عدا الموثق من الضعف ـ بعدم الدلالة على اشتراط اللزوم بالصيغة ، لقوة احتمال كونها في مقام بيان كيفية إنشاء القبول في البيع القولي ، ومن المعلوم عدم دلالتها حينئذ على اشتراط الصيغة في صحة البيع أو لزومه حتى تدلّ على عدم صحة أو لزوم البيع المعاطاتي ، هذا.

مع أنّ ذلك في الخبر الأخير من كلام الراوي لا الامام عليه‌السلام.

وبالجملة : فهذه الروايات وأمثالها لا تدل على اعتبار الصيغة في صحة البيع أو لزومه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١١٤ ـ ١١٦ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٧٢ ، الباب ١٩ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث : ١.

٥٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لا بأس» (١).

ومنها : ما رواه إسحاق المدائني في جواز بيع المبيع قبل قبضه ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القوم يدخلون السفينة يشترون الطعام ، فيتساومون بها ، ثم يشتريه رجل منهم ، فيسألونه ، فيعطيهم ما يريدون من الطعام ، فيكون صاحب الطعام هو الذي يدفعه إليهم ويقبض الثمن. قال : لا بأس ، ما أراهم إلّا وقد شركوه» الحديث (٢).

ثم قال قدس‌سره : «وجه الدلالة : أنّه ليس شي‌ء من المعاملتين على وجه وقع فيه الصيغة الخاصة المقرّرة ، وإنّما وقع المقاولة كما لا يخفى على من تدبّر فيها. ويمكن استظهار ما ذكره المصنف رحمه‌الله من ملاحظة أخبار أخر في أبواب البيع» (٣) (*).

__________________

(*) لكن في دلالتها على كون المتعارف إيجاب البيع باللفظ تأمّل ، بل منع ، لأنّ ما وقع في تلك الروايات من الألفاظ بين المتبايعين إنّما وقع في مقام المقاولة ، لا في مقام إنشاء البيع ، وإلّا يلزم جواز بيع المجهول ، إذ لا يعلم السمسار المقدار الذي يأخذه صاحب الورق. وأمّا إنشاؤه فهل وقع باللفظ أم بالفعل ـ أي التعاطي ـ فالروايات لا تدل عليه أصلا.

ثم إنّه على فرض دلالتها على التعارف المزبور فلا تنفي تعارف إنشاء البيع بالتعاطي أيضا.

وعلى تقدير دلالتها على عدم التعارف بالتعاطي لا تدلّ على عدم اعتبار التعاطي في مقام الإنشاء ، كما لا توجب انصراف أدلة البيع ونفوذه عن البيع المنشأ بالفعل.

بل يظهر من بعض الأخبار عدم دخل اللفظ في اللزوم ، كصحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل اشترى طعاما ، كلّ كرّ بشي‌ء معلوم ، فارتفع الطعام أو نقص ، وقد اكتال

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٩٤ ، الباب ٢ من أبواب أحكام العقود ، الحديث : ٢.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٨٨ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث : ٧.

(٣) غاية الآمال ، ص ١٨٦.

٥٧٦

بل (١) يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة

______________________________________________________

وبهذا يظهر وجه إضراب المصنف عن قوله : «وقد يظهر ذلك» الى قوله : «بل يظهر» وذلك لأنّ قوله : «قد يظهر» ربما يوهم ضعف ظهور بعض الأخبار في توقف لزوم الملك على اللفظ ، فأراد قدس‌سره التنبيه على قوة دلالة الأخبار على المدّعى ، ووجه القوة : أنّ البيع بالصيغة إذا كان متعارفا بين أهل السوق والتجار في عصر التشريع اقتضى انصراف إطلاق أدلة الإمضاء ـ مثل آية حلّ البيع ـ الى خصوص البيع القولي ، وخروج الفعلي عن حريم تلك الأدلة. فالمهمّ حينئذ إحراز صغرى التعارف ، والمدّعى دلالة مجموع الأخبار على هذا التعارف من قبيل تراكم الظنون وإن كان كل واحد من الأخبار بخصوصه قاصرا عن إثباته.

(١) هذا دليل ثالث على خروج المعاطاة عن عموم قاعدة اللزوم في الملك ـ غير ما سبق من الإجماع والتعارف ـ وظاهره الترقّي عن مجرّد تداول البيع القولي إلى قيام السيرة المستمرة

__________________

بعضه ، فأبى صاحب الطعام أن يسلّم له ما بقي ، وقال : إنّما لك ما قبضت. فقال : إن كان يوم اشتراه ساعره على أنّه له ، فله ما بقي. وإن كان إنّما اشتراه ولم يشترط ذلك ، فإنّ له بقدر ما نقد» (١).

وجه الدلالة : أنّه عليه‌السلام حكم باللزوم بمجرّد المساعرة وإن لم يكن إنشاء المعاملة باللفظ ، فإطلاق «الاشتراء» يشمل الإنشاء باللفظ والفعل ، هذا.

لكن الظاهر أنّه ليس إلّا في مقام بيان حكم الباقي الذي لم يقبضه المشتري ، وأنّه هل يستحق المشتري مطالبته من البائع أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام بأنّه إن كان يوم اشتراه قدّر المبيع بتمام ذلك الطعام فله المطالبة من البائع ، وإلّا فلا. وأمّا كون إنشاء البيع باللفظ أو الفعل فليس الخبر في مقام بيانه حتى يصح التمسك بإطلاقه.

ثم إنّه بعد تسليم الدلالة على عدم التعارف المزبور يقع التعارض بينه وبين ما ذكره الفقيه المامقاني قدس‌سره من الروايات التي ادعى رحمه‌الله دلالتها على التعارف المذكور ، فيرجع الى إطلاق أدلة البيع سواء أكان إنشاؤه باللفظ أم بالفعل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٤٠١ ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث : ٣.

٥٧٧

ـ التي (١) يراد بها عدم الرجوع ـ بمجرد (٢)

______________________________________________________

على إنشاء المعاملات الخطيرة بالصيغة ، فلو لم يكن مجرّد تعارف البيع اللفظي موجبا لانصراف أدلة صحة البيع الى خصوص ما كان متداولا في ذلك العصر قلنا : إنّ قيام سيرة المتشرعة والعقلاء على عدم الإكتفاء بمجرد التعاطي كاف في اختصاص قاعدة لزوم الملك بالبيع اللفظي.

والفرق بين هذا الدليل وسابقيه هو : أنّ الوجهين المتقدمين يدلّان على عدم كفاية التعاطي مطلقا سواء أكان العوضان خطيرين أم حقيرين. ولكن هذا الدليل مخصوص بالأموال الخطيرة مع زيادة قيد ، فهنا صور ثلاث :

الأولى : أن يكون العوضان من المحقّرات ـ وربما يقدّر بما لا يبلغ حدّ القطع في السرقة ـ فهنا جرت سيرتهم على كفاية التعاطي وترتب ملك جائز عليه ، وجواز الرجوع فيه.

الثانية : أن يكون العوضان من الأموال الخطيرة كالدور والبساتين ، ويجعل المتبايعان أو أحدهما خيارا فيه ، فهذه كالصورة الأولى في بنائهم عملا على إنشاء المعاملة بالمعاطاة.

الثالثة : أن يكون العوضان من الأموال الخطيرة مع بنائهم على لزوم المعاملة وعدم جواز فسخها أصلا ، وهذه الصورة مورد قيام سيرة المتشرعة والعقلاء على عدم الاقتصار بالفعل كالمصافقة ، بل يلتزمون بالإنشاء اللفظي ، بحيث يكون لزوم الملك بنظرهم متوقفا عليه.

وعلى هذا فالسيرة مخصّصة لعموم أدلة لزوم الملك في المعاطاة بالنسبة إلى الأموال الخطيرة التي لا يلتزم فيها بعدم الفسخ والرجوع. ومن المعلوم أنّ سيرة المتشرعة حجة بنفسها ، لكونها متلقّاة من الشرع ، ولا يطالب بدليل على إمضائها ، فالمهم إحراز أصل السيرة التي هي إجماع عملي.

(١) هذه إشارة إلى الصورة الثالثة المتقدمة ، ومفهومها يدلّ على الاكتفاء بالتعاطي في الأمور الخطيرة عند جعل الخيار لهما أو لأحدهما.

(٢) متعلق بقوله : «الاكتفاء».

٥٧٨

التراضي (*).

نعم (١) ربما يكتفون بالمصافقة ، فيقول البائع : «بارك الله لك» أو ما أدّى هذا المعنى بالفارسية (٢).

نعم (٣) يكتفون بالتعاطي في المحقّرات ، ولا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها ، بل ينكرون على الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين (٤).

نعم (٥) الاكتفاء في اللزوم بمطلق الإنشاء القولي غير بعيد ،

______________________________________________________

(١) مقصوده قدس‌سره أنّ سيرتهم وإن استقرّت على إنشاء المعاملة باللفظ في البيوع الخطيرة ، لكنّه لا ينافيها اكتفاؤهم في بعض الموارد بالمصافقة ، وعدم الإتيان بالصيغة التامّة مادة وهيئة. ووجه عدم المنافاة واضح ، إذ المناط في السيرة التزام أغلب المتشرعة والعقلاء ، ولا يقدح مخالفة بعضهم في تحققها.

(٢) كقول البائع : «خيرش را ببيني».

(٣) هذا إشارة إلى الصورة الاولى من الصور الثلاث ، وهي الاقتصار على التعاطي في المحقّرات ، مع اعتقادهم جواز المعاملة وعدم لزومها ما دامت العينان باقيتين. وعليه فالاقتصار على المعاطاة في المحقّرات ليس بمعنى كونها عقدا لازما فيها ، بل يلتزمون بكونها جائزة ، يصحّ الرجوع فيها.

(٤) وأمّا مع تلفهما فتصير لازمة قطعا.

(٥) هذه كالتتمّة لما أفاده بقوله : «بل يمكن دعوى السيرة» ومقصوده أنّ البناء العملي على عدم الاكتفاء بمجرد التراضي ـ ولزوم الإتيان باللفظ ـ لا ينافي قيام السيرة العملية على

__________________

(*) هذه الدعوى ممنوعة ، بل دعوى جريان السيرة العقلائية على معاملة أموالهم بالمعاطاة من غير فرق بين الأموال الخطيرة والحقيرة قريبة جدا. وعلى تقدير تسليم السيرة المزبورة يكفي في ردعها مثل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (أَوْفُوا) ونحوهما من أدلّة اللزوم. ومع هذا الردع كيف تكشف عن السنة حتى تخصص العمومات؟.

٥٧٩

للسيرة (١) (*) ولغير واحد من الأخبار (٢) ، كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى في شروط الصيغة.

______________________________________________________

الاقتصار بمطلق اللفظ في إنشاء البيع سواء أكان واجدا لجميع ما يعتبر في الإيجاب والقبول مادّة وهيئة ، أم كان فاقدا لبعض ما يعتبر فيهما. وعلى كلّ يثبت المقصود ، وهو قيام السيرة على عدم الاكتفاء بمجرّد التراضي ، ودخل اللفظ في اللزوم.

(١) أي : سيرة المتشرعة بما هم متشرّعة.

(٢) التي تقدّم بعضها ، وإليك بعضها الآخر :

فمنها : ما ورد في بيع العبد الآبق مع الضميمة ، كموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرجل يشتري العبد ، وهو آبق عن أهله؟ قال : لا يصلح ، إلّا أن يشتري معه شيئا آخر ، ويقول : أشتري منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه» (١). بتقريب : أنّه عليه‌السلام علّم السائل كيفية إنشاء شراء العبد الآبق مع ضميمته ، فكأنّ أصل دخل اللفظ في اللزوم مستغن عن البيان.

ومنها : ما ورد في بيع اللبن في الضّرع ، كموثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «سألته عن اللّبن يشترى وهو في الضّرع ، فقال : لا ، إلّا أن يحلب لك منه أسكرجة ، فيقول : اشتر منّي هذا اللّبن الذي في الأسكرجة وما في ضروعها بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضّرع شي‌ء كان ما في الاسكرجة» (٢) وتقريب الدلالة كما تقدم.

ومنها : فحوى الأخبار الواردة في النكاح المشتملة جميعا على الإيجاب والقبول بلفظ

__________________

(*) هذه السيرة ممنوعة جدّا إن أريد بها سيرة العقلاء بما هم عقلاء. وإن أريد بها بما هم متشرعون فنمنع ثبوت هذه السيرة لهم أيضا. وعلى فرض الثبوت نمنع استقرارها على جنس اللفظ بل يراعون جميع الخصوصيات من الماضوية والعربية وتقديم الإيجاب على القبول.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٦٣ ، الباب ١١ من أبواب عقد البيع ، الحديث : ٢.

(٢) المصدر ، ص ٢٥٩ ، الباب ٨ من أبواب عقد البيع ، الحديث : ٢.

٥٨٠