هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

وأمّا (١) كون التصرّف مملّكا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه (٢) (*).

______________________________________________________

٤ ـ تصرّف أحد المتعاطيين مملّك للجانب الآخر

(١) هذا رابع الاستبعادات التي ذكرها كاشف الغطاء قدس‌سره من كون تصرف أحد المتعاطيين في المأخوذ بالمعاطاة موجبا لصيرورة العوض في ملك المتعاطي الآخر قهرا.

(٢) يعني : ظهر جوابه ممّا ذكره في الجواب عن الاستبعاد الثاني ، بقوله : «فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضى الجمع .. إلخ» وحاصل ذلك الجواب : أن مملّكية التصرف تكون مقتضى الجمع بين الأدلة ، فإذا كانت مملّكية التصرف من أحدهما للجانب الآخر مقتضى الجمع بين الأدلة فلا إشكال. وإن لم يكن مملّكا للجانب الآخر ـ بأن كان مملّكا للمتصرف فقط ـ لزم اجتماع العوض والمعوّض في ملك المتصرّف ، وهو كما ترى. وعليه فالجمع بين الأدلة يقتضي كون التصرّف مملّكا للطرف الآخر أيضا.

__________________

فيها أصالة عدم ترتب الأثر.

وأمّا توقف الإخراج في الخمس والزكاة على الملك فلم يظهر له وجه وجيه ، لاحتمال جواز تبرّع الغير في وفائهما عمّا استقرّ في ذمة المالك ، لأنّهما كسائر الديون التي يجوز التبرّع بوفائها. نعم توقف تعلقهما على الملك لا يخلو من وجه ، لكن فيه بحث موكول الى محله.

وأمّا ثمن الهدي فالظاهر عدم توقف صحة الهدي على كون ثمنه ملكا للحاجّ كما يظهر من هدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما في بعض الروايات.

وأمّا حق المقاسمة والافراز فهو لا يختص بالمالك ، بل يثبت لكل من أبيح له التصرف في المال المشاع وإن لم يكن مالكا لجزء منه. فعلى القول بإفادة المعاطاة للإباحة لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة من الالتزام بثبوت حقّ الافراز لغير المالك.

(*) قد عرفت أنّ هذا الجمع مخالف لقاعدة سلطنة المالك على ماله ، فمقتضى الجمع هو الالتزام بالملك من أوّل الأمر.

٤٦١

وأمّا (١) «كون التلف مملّكا للجانبين»

______________________________________________________

٥ ـ تلف إحدى العينين مملّك للطرفين

(١) هذا خامس الاستبعادات ، والمراد بالتلف أعم من تلف إحدى العينين أو كلتيهما.

ومحصل ما أفاده جوابا عنه هو : أنه يمكن أوّلا أن لا نلتزم بمملّكية التلف أصلا ، بدعوى كون التلف من مال مالكه بدون ضمان من تلف في يده ، للإذن المالكي أو الشرعي ، غاية الأمر أنّ التالف إن كان إحدى العينين فقط صارت الإباحة لازمة ، فلا يجوز لمن تلف مال الآخر في يده أن يرجع على الآخر بماله الذي في يده.

هذا ، مع الغض عن إجماع أو سيرة على مملّكية التلف. ومع النظر إليه فلا إشكال ، لأنّه قبل التلف آنا ما ينتقل كل من المالين إلى آخذه ، فيقع التلف في ملكه ، فيكون ضمان كل منهما بعوضه المسمّى ، لا بالمثل أو القيمة ، فيكون المقام نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع في رجوعه آنا ما قبل التلف إلى ملكه.

والوجه في الالتزام بالملكية التقديرية هو دوران الأمر بين وجهين :

أحدهما : تخصيص عموم اليد ـ المقتضي للضمان بالمثل أو القيمة في المعاطاة كسائر موارد اليد ـ بالإجماع والسيرة القائمين على عدم الضمان بالمثل أو القيمة في مورد المعاطاة.

وثانيهما : التخصّص ، بأن يلتزم بالملكية من أوّل الأمر ، حفظا لعموم «على اليد» عن التخصيص.

ومقتضى القاعدة ـ على ما قيل في محلّه ـ وإن كان تقديم التخصّص على التخصيص المقتضي للحكم في المعاطاة بالملكيّة من أوّل الأمر ، لكن أصالة عدم الملكيّة تقتضي عدم الملكية إلّا آنا ما قبل التلف ، وعدم حصول الملكية من أوّل الأمر.

ثم إنّ غرض المصنف قدس‌سره مراعاة عموم دليل اليد عن التخصيص وإبقائه على عمومه ، لما ثبت في محله من تقديم التخصّص على التخصيص عند الدوران بينهما ، فيحكم في المقام ـ لأجل عموم اليد ـ بأنّ ضمان المسمّى في المأخوذ بالمعاطاة خارج عن موضوع عموم «على اليد» بالإجماع ، وليس الإجماع مخصّصا لعموم اليد ، لأنّه بعد فرض دخول كلّ من المالين في

٤٦٢

فإن ثبت (١) بإجماع (٢) أو سيرة (٣) كما هو الظاهر كان (٤) كلّ من المالين مضمونا بعوضه (٥) فيكون تلفه (٦) في يد كلّ منهما من ماله مضمونا بعوضه (٧)

______________________________________________________

ملك آخذه آنا ما قبل التلف يقع التلف في ملكه ، فيكون أجنبيّا عن موضوع دليل اليد ـ وهو مال الغير ـ فيبقى عموم اليد بحاله ، ومقتضى عمومها عدم كون الضمان بالمسمّى من أفراده ، لصيرورة العوضين ملكا للمتعاطيين ، فضمان المسمّى ليس مستندا إلى عموم اليد ، بل إلى الإجماع.

والكاشف عن صيرورة المالين قبل التلف آنا مّا ملكا للمتعاطيين هو العموم المذكور ، فلا يكون الإجماع المزبور مخصّصا لعموم اليد ، بل عمومها يثبت كون المأخوذ بالمعاطاة داخلا في ملك الآخذ وأنّ التلف وقع في ملكه ، لا في ملك الغير الذي هو موضوع اليد.

وبالجملة : فغرض المصنف قدس‌سره حفظ عموم اليد عن التخصيص ، لا إثبات ضمان المسمّى به (*).

(١) لم يذكر المصنف عدلا لقوله : «فان ثبت» فالأولى أن يقال : «كما ثبت» بقرينة اعترافه بثبوته بقوله : «كما هو الظاهر».

وكيف كان فقوله : «فان ثبت» وما بعده جواب الشرط في قوله : «وأما كون التلف ..».

(٢) الإجماع على مملّكيّة التصرّف والتلف موجود في بعض كلمات القدماء.

(٣) أي : السيرة العقلائية الممضاة شرعا ولو بعدم الردع.

(٤) جواب «فان ثبت». أي : كان ضمان المأخوذ بالمعاطاة بالمسمّى ، لكون العقد المعاوضي صحيحا ، ولا موجب لانقلاب ضمان المسمّى بالواقعي.

(٥) أي : بعوضه المسمّى.

(٦) أي : تلف المأخوذ بالمعاطاة.

(٧) أي : بعوضه المسمّى لا الواقعي.

__________________

(*) فلا يرد عليه ما أفاده السيد قدس‌سره بقوله : «لا يخفى أن الحكم بالضمان بعوضه

٤٦٣

.................................................................................................

__________________

المسمّى ليس عملا بعموم ـ على اليد ـ لأنّ مقتضاه وجوب المثل أو القيمة لا المسمّى ، فمع فرض الإجماع على الملكية لا بدّ من الالتزام بتخصيص قاعدة اليد إذا لم نحكم بالملكية من أوّل الأمر» (١).

وجه عدم الورود ما عرفته : من أن غرض المصنف قدس‌سره ليس إثبات ضمان المسمّى بعموم اليد ، إذ المفروض أنّ هذا الضمان يثبت بحصول الملكية للمتعاطيين قبل التلف آنا ما ، على ما ادّعي عليه من الإجماع ، فليس ضمان المسمى بعموم اليد حتى يتوجه عليه إشكال السيد قدس‌سره بأن ضمان المسمى ليس عملا بقاعدة اليد .. إلخ ، فلاحظ وتأمل.

ثم لا يخفى أنّ إثبات الملك للآخذ بعموم «على اليد» في المقام من جزئيات مسألة أصولية ، وهي : أنّه إذا ورد عام ، ثم علم بعدم ثبوت حكمه لشي‌ء شكّ في فرديّته للعامّ ، فبالتمسك بأصالة العموم وصيانته عن التخصيص يحكم بعدم كون ما شكّ في فرديّته للعام من أفراده ، وبخروج ذلك المشكوك فيه عن موضوع العام ، لا عن حكمه.

ففي المقام يتمسك بعموم «اليد» وبه يحرز أنّ اليد هنا ليست يدا على مال الغير الذي هو موضوع قاعدة اليد ، بعد العلم بعدم كون الضمان هنا محكوما بحكم العام أعني اليد التي حكمها ضمان المثل أو القيمة. فبعموم اليد يحرز خروج الضمان هنا عن موضوعه وهو مال الغير نظير ما إذا علم بعدم محكومية زيد بوجوب الإكرام ، وشك في أنّ عدم وجوب إكرامه هل هو لأجل التخصيص وإخراجه عن حيّز حكم «العلماء» أم لعدم كونه من أفراد العلماء ، فنشك في أنّ خروجه عن دليل وجوب إكرام العلماء يكون بالتخصص أو التخصيص.

لكن التمسك بالعموم لإثبات أنّ الخارج منه حكما خارج منه موضوعا من المسائل النظرية التي يمنعها بعض ، وإن نسبه المصنف ـ على ما في التقرير المنسوب إليه ـ إلى الأصحاب ، حيث قال المقرّر ما لفظه : «وعلى ذلك ـ أي التمسك بأصالة العموم ـ جرى ديدنهم

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٧٢.

٤٦٤

نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع (١) ، لأنّ (٢) هذا هو مقتضى الجمع بين هذا الإجماع (٣) وبين عموم (٤) «على اليد ما أخذت» (١) وبين أصالة عدم الملك إلّا في

______________________________________________________

(١) في وقوع التلف في ماله ، لا في مال المشتري.

(٢) علّة لكون التلف من مال ذي اليد ، المتوقف على كونه ملكا له قبل التلف.

(٣) أي : الإجماع على كون المأخوذ بالمعاطاة مضمونا بعوضه المسمّى لا بقيمته الواقعية.

(٤) المقتضي للضمان بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة.

__________________

في الاستدلالات الفقهية ، كاستدلالهم على طهارة الغسالة على أنّها لا تنجّس المحل ، فإن كان نجسا غير منجّس يلزم تخصيص قولنا : كل نجس منجّس» (٢).

وعليه فينعكس قولنا : «كل عالم يجب إكرامه» بعكس النقيض الى قولنا : «كل من لا يجب إكرامه ليس بعالم».

لكن الحق عدم صحته ، إذ لم يثبت بناء أهل اللسان على هذا التمسك. ولذا تأمّل فيه في الكفاية.

فالتمسك بعموم «اليد» في المقام لإثبات كون العوضين في المعاطاة ملكا للمتعاطيين محل النظر. فالقول بتخصيص عموم اليد هنا ممّا لا مانع منه ، هذا.

مضافا إلى : عدم التزام الأصحاب بما نسب إليهم في التقريرات في جميع الموارد ، فلاحظ كلماتهم. ولعلّ عدم التزامهم إنّما هو لعدم ثبوت مدركها وهو بناء العقلاء على إحراز عنوان الخارج من حكم العام بأصالة العموم ، فحجيّة العام في ذلك مشكوكة ، والأصل عدم حجيته.

وعليه ففي المقام لا مجال لقاعدة اليد ، لكونها أمانية مالكية أو شرعية ، فمقتضى القاعدة عدم الضمان.

نعم قام الإجماع على ثبوت الضمان بالمسمّى ، فيدلّ إنّا على تحقق الملكية آنا ما قبل التلف ، فيصير كل من المالين ملكا لآخذه ، ويقع التلف في ملكه.

__________________

(١) عوالي اللئالي ، ج ١ ، ص ٢٢٤ ، الحديث : ١٠٦.

(٢) مطارح الأنظار ، ص ٢٩٥.

٤٦٥

الزمان المتيقّن (١) بوقوعه (٢) فيه.

توضيحه (٣) : أنّ الإجماع لمّا دلّ على عدم ضمانه (٤) بمثله أو قيمته حكم بكون التلف من مال ذي اليد (٥) ، رعاية لعموم «على اليد ما أخذت» فذلك الإجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية الواردة في «أنّ تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه» (٦) فإذا قدّر التلف من مال ذي اليد فلا بدّ من أن يقدّر في آخر أزمنة إمكان تقديره ، رعاية (٧) لأصالة عدم حدوث الملكية

______________________________________________________

(١) وهو الزمان المتصل بالتصرف.

(٢) أي : بوقوع الملك في ذلك الزمان ، وهو زمان التصرف.

(٣) أي : توضيح أنّ مقتضى الجمع بين عموم اليد والإجماع واستصحاب عدم الملك هو الالتزام بحدوث الملك للآخذ في الآن المتصل بالتصرف ، أو بالتلف : أن الإجماع .. إلخ.

(٤) أي : دلّ الإجماع على عدم ضمان التالف ببدله الواقعي من المثل أو القيمة ، بل دلّ على ضمانه بالمسمّى.

(٥) يعني : يحكم بحصول الملكية لذي اليد قبل التلف رعاية لعموم «اليد» من عروض التخصيص عليه ، إذ مع بقاء المالين على ملك مالكيهما يلزم تخصيص عموم اليد ، والمفروض أنّ التخصص مقدّم على التخصيص.

(٦) فكما أنّ تلك الرواية تدلّ على أنّ كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ـ لا من مال المشتري ـ المترتب على انفساخ العقد قبل التلف وعوده إلى ملك البائع ، وإلّا لم يكن من ماله ، وكان ضمانه بالمثل أو القيمة لا ضمان المسمّى ، فكذلك الإجماع على الضمان بالمسمّى في المقام ـ بضميمة إبقاء العموم على حاله ـ يدلّ على كون التلف من مال ذي اليد ، المتوقف على حصول الملكية آنا ما قبل التلف.

(٧) تعليل لما أفاده من لزوم فرض ملكية الآخذ في آخر أزمنة تقدير الملكية ، وهو الآن المتصل بالتلف ، لأنّ مقتضى الاستصحاب بقاء المال على ملك الدافع إلى زمان تلفه في يد الآخذ ، وفي آن التلف ينقطع الاستصحاب ، لقيام الدليل على انتقال المال ـ في ذلك الآن ـ الى ملك الآخذ.

٤٦٦

قبله (١) ، كما (٢) يقدّر ملكيّة المبيع للبائع وفسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر (٣) العقد.

وأمّا (٤) ما ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة فالظاهر ـ على القول بالإباحة ـ أنّ لكل منهما (٥) المطالبة ما دام باقيا ، وإذا تلف فظاهر إطلاقهم «التملّك بالتلف» تلفه من مال المغصوب منه (٦).

______________________________________________________

(١) أي : قبل آخر أزمنة إمكان تقدير الملك ، وهو الآن المتصل بالتلف.

(٢) هذا تنظير لجزاء «إذا» الشرطية ، وهو قوله : فلا بد من أن يقدّر في آخر أزمنة إمكان تقديره .. إلخ يعني : كما يقدّر ملكية المبيع للبائع المترتبة على انفساخ البيع من حين تلفه لا قبله ، لكون استصحاب ملكيته للمشتري ـ التي هي أثر العقد ـ مانعا عن حدوث ملكية المبيع للبائع قبل التلف.

(٣) وهو ملكية المبيع للمشتري عند ما يتلف في يد البائع ، ففي الآن قبل التلف ينقطع أثر العقد وتزول ملكية المشتري ، وينتقل المال إلى البائع حتى يقع التلف في ماله ، لا في مال المشتري.

٦ ـ يجوز للمبيح والمباح له المطالبة من الغاصب

(٤) هذا سادس الاستبعادات التي ذكرها كاشف الغطاء قدس‌سره ، وهو ناظر إلى حكم مطالبة المأخوذ بالمعاطاة لو غصبه غاصب.

(٥) أي : من المتعاطيين ، أمّا جواز المطالبة للمالك فواضح ، لأنّه من شؤون سلطنته على ماله. وأمّا جوازها للمباح له فلأنّه ـ بناء على القول بالإباحة ـ يكون الآخذ مسلّطا على جميع التصرفات ، ومطالبة الغاصب به من شؤون تلك السلطنة ، هذا إذا كانت العين باقية.

وأمّا مع تلفها فمقتضى إطلاقهم «كون التلف مملّكا» وعدم تقييده بالتلف عند المباح له ـ وشموله للتلف عند الغاصب ـ هو : صيرورة التالف بيد الغاصب آنا ما قبل التلف ملكا للمباح له. فعلى هذا لا يكون المطالب من الغاصب إلّا المباح له ، لأنّه المالك للتالف حسب الفرض ، فمطالبته على طبق القاعدة ولا يلزم تأسيس قاعدة جديدة كما زعمه كاشف الغطاء قدس‌سره.

(٦) وهو الذي أخذ منه المال ، فله المطالبة ، لا للمالك الأوّل ، لذهاب ملكه بالتلف.

٤٦٧

نعم (١) لو قام إجماع [لو لا قام الإجماع] كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه (٢) قبله.

وأمّا (٣) ما ذكره من حكم النماء فظاهر المحكي

______________________________________________________

(١) هذا استدراك على قوله : «فظاهر إطلاقهم .. إلخ» وحاصله : أنّ مقتضى إطلاق مملّكية التلف هو كونه مملّكا مطلقا سواء أكان العوض باقيا أم تالفا ، فتلف إحدى العينين مملّك للجانبين. نعم إذا لم يتم هذا الإطلاق ، وقلنا باختصاص التملّك بالتلف بتلف كلا العوضين فحينئذ يلاحظ أنّ العوض الآخر تلف قبل تلف المغصوب عند الغاصب أو لا ، فعلى الأوّل يكون المطالب من الغاصب هو المباح له ، وإلّا فالمطالب هو المالك الأصلي.

هذا بناء على كون العبارة كما في النسخ المتداولة : «نعم لو قام إجماع .. إلخ».

وأمّا بناء على كونها : «لو لا قام الإجماع» كما أنّه حكي كون نسخة المصنف المصحّحة كذلك ، فالمراد بها : أنّه لو لا الإجماع على الملكيّة قبل التلف آنا ما كان مقتضى القاعدة اختصاص حق المطالبة من الغاصب بالمالك ، لكون العين تالفة في ملكه ، إلّا إذا تلفت العين الأخرى قبل تلف المغصوب ، فإنّ حق المطالبة حينئذ للمغصوب منه ، لأنّه صار مالكا للمغصوب منه بسبب تلف عوضه قبله.

وعلى كل حال لا تخلو العبارة من سوء التأدية ، فتدبّر فيها.

(٢) أي : لو لم يتلف عوض المغصوب قبل تلف نفس المغصوب.

٧ ـ احتمال حدوث النماء في ملك المبيع

(٣) هذا سابع الاستبعادات ، وهو ما ذكره الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره حول حكم نماء المأخوذ بالمعاطاة ، وكان حاصله : استبعاد كون حدوث النماء مملّكا للأصل.

وحاصل جواب المصنف قدس‌سره : أنّ هنا احتمالين يندفع الاستبعاد بكل منهما :

الأوّل : أنّ حدوث النماء لا يوجب صيرورة النماء ولا أصله ملكا للآخر ، بل كلاهما باق على ملك الدافع ، لا القابض ، فكما يجوز للدافع الرجوع في العين ـ ما دامت باقية ولم يتصرف فيها ـ واستردادها من الطرف الآخر ، فكذا يجوز استرداد نمائها ، لأنّه حدث في ملكه. وعلى هذا لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة ، لأنّ المحكي عن بعض القائلين بالإباحة تبعية النماء للأصل في عدم الانتقال الى الآخذ.

٤٦٨

عن بعض (١) أنّ القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء إلى الآخذ ، بل حكمه حكم أصله (٢) (*).

ويحتمل (٣) أن يحدث النماء في ملكه (٤)

______________________________________________________

الثاني : أنّ حدوث النماء يوجب ملكيّته للآخذ ، لأنّ المالك قد أباح التصرف في العين وتوابعها ، فإباحة الأصل موضوع لحكم الشارع بملكية النماء حين حدوثه ، يعني : أنّ كلّا من إباحة الأصل وحدوث النماء ـ معا ـ موضوع لحكم الشارع بملكية النماء. ومع التزام القائل بالإباحة بملكية النماء للآخذ لم يبق مجال للإشكال عليه بالاستبعاد وتأسيس قاعدة جديدة.

(١) لا يحضرني القول بعدم الانتقال ، كما حكاه المصنف عن بعض. نعم احتمله الشهيد الثاني قدس‌سره حيث ذكر في المراد بالإباحة وجهين : أحدهما الملك المتزلزل ، والآخر : الإباحة المحضة التي هي الإذن في التصرف ، ثم قال : «وعلى الوجهين يتفرّع النماء ، فان قلنا بالأوّل ـ أي الملك المتزلزل ـ كان تابعا للانتقال وعدمه. وإن قلنا بالثاني احتمل كونه مباحا لمن هو في يده كالعين ، وعدمه» (١). وفي الجواهر جزم بتبعية النماء للعين على جميع الأقوال ، سواء قلنا بالملك أم بالإباحة ، وباللزوم أم بالتزلزل ، فلاحظ (٢).

(٢) وهو الذي جعله في شرح القواعد ظاهر الأكثر ، فدخوله في ملك الآخذ يحتاج إلى التصرف الذي تتوقف سببيته للملك على إذن المالك فيه ، وقد تقدّم أنّ شمول إذن المالك ـ في التصرف في ذي النماء ـ للتصرف في النماء خفيّ كما صرّح به بعض الأساطين.

والحاصل : أنّ النماء بحكم الأصل في عدم الملكية ، فكما لا يكون الأصل ملكا للآخذ فكذلك النماء. نعم يباح له التصرف في النماء كإباحة التصرف في الأصل.

(٣) حاصله : أنّ إباحة الأصل موضوع لحكم الشارع بملكية النماء حين حدوثه ، فإباحة الأصل وحدوث النماء معا موضوع لحكم الشارع بملكية النماء.

(٤) أي : في ملك الآخذ ، يعني : بأن يكون حدوث النماء ـ بضميمة إباحة التصرف في الأصل ـ مملّكا له.

__________________

(*) لكن يستشكل فيه بأنّ لازمه جواز الرجوع فيه ما دام باقيا وإن تلف أصله ،

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٤٩.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٣٣.

٤٦٩

بمجرّد الإباحة (*).

__________________

لاختصاص أدلة مملكية التلف بمملكيته للعين ، دون النماء. كما أنّ لازمه عدم جواز تصرف المباح له فيه ، لما عرفت من خفاء شمول الاذن للتصرف في الأصل للإذن في النماء سيّما المنفصل.

(*) وببيان آخر : انّ كلام كاشف الغطاء قدس‌سره يتضمّن استبعادين :

أحدهما : ما ذكره في الصدر من مملّكية حدوث النماء.

وثانيهما : ما أفاده في ذيل كلامه من شمول الإذن المالكي للتصرف في النماء ، خصوصا النماء المنفصل ، مع عدم الملازمة بين الاذن في الأصل ونمائه.

وجواب المصنف قدس‌سره ـ على فرض تسليمه ، لكونه مجرّد احتمال لا يغني شيئا ـ ناظر الى الصدر ، دون الذيل وهو خفاء شمول الإذن المالكي للنماء. فكما يشكل أصل مملّكية حدوث النماء ، كذلك جواز التصرف فيه استنادا إلى إذن المالك في التصرف في الأصل.

وما أفاده المصنف ـ من أنّ القائل بالإباحة لا يلتزم بمملكية حدوث النماء ـ غير كاف ، لأنّ حدوث النماء لو لم يكن مملّكا كان هو ملكا للمبيح لا للمباح له ، ولا بد من استناد جواز تصرف المباح له فيه الى أنّ إذن المالك في الأصل إذن في نمائه. ولكن لا مجال لهذا الإذن المالكي هنا ، لأنّ مفروض الكلام ترتب الإباحة على المعاطاة تعبدا لا مالكيّا ، ومع قصر جواز التصرف على المأخوذ بالمعاطاة لا كاشف عن إباحة التصرف في النماء ، لأنّ المسوّغ في التصرف إمّا تمليك ، وإمّا إباحة مالكية أو شرعية ، والمفروض انتفاء الأوّلين ، فينحصر المسوّغ في تحليل التصرفات بحكم الشارع ، ولا ريب في أنّ المسلّط عليه نفس العين ونماؤه المتصل التابع له عرفا ، وأمّا المنفصل فلا.

ولم يتعرض المصنف قدس‌سره للجواب عن الإشكال المزبور. ولعلّه لشمول الاذن للنماء ، فإنّ الإذن في الأصل ـ مع عدم منع المالك عن التصرف في النماء مع القدرة عليه والعلم بكون العين منشأ للنماء الواقع تحت يد آخذ العين ـ ملازم عرفا للإذن في التصرف في توابعها ، فلو لم يكن راضيا بالتصرف في النماء لكان عليه التنبيه عليه بالنهي عنه ، فيمكن التمسك بالإطلاق المقامي على شمول الإذن للنماء.

فلا يتوجّه عليه ما أفيد من «كون تصرف المباح له في النماء تصرفا في مال غيره بدون

٤٧٠

.................................................................................................

__________________

إذنه ، فهو حرام عقلا وشرعا» (١). وذلك لكفاية الإطلاق المقامي في تحقق الإذن في التصرف في النماء. ومعه لا يكون حراما كما لا يخفى.

وقد أجاب المحقق النائيني قدس‌سره عن إشكال النماء بما هذا نصّه : «فالحق أن يقال : إنّ مقتضى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الخراج بالضمان (٢) أن يكون النماء ملكا له ـ أي للمباح له ـ بناء على ما سيجي‌ء في معنى الخبر .. الى ان قال : وحاصله : أنّ كل من تعهد ضمان شي‌ء بالتضمين المعاملي فمنافعه له ، وهذا من غير فرق بين أن يكون التضمين على نحو الإباحة أو التمليك ، فإنّ مقتضى إطلاقه كون منافعه للضامن. ومعنى كون الشخص ضامنا لما يتملكه أو لما أبيح له هو : أنّه لو تلف كان دركه عليه وصار عوضه المسمّى ملكا للطرف الآخر .. إلخ» (٣).

وفيه : ضعف النبوي ـ سندا وعدم انجباره ـ كما قيل ـ بعمل المشهور.

ولا يرد عليه ما في تقرير سيدنا الخويي قدس‌سره : «من عدم شمول الحديث لموارد التضمين على نحو الإباحة ، لوجهين : أحدهما : أنّ لازم ذلك أن لا يكون للمالك الأصلي حق الرجوع الى النماء ، مع عدم كون الأصل ملكا للمباح له ، وهو بعيد.

ثانيهما : أنّ لازمه التفكيك بين الأصل ونمائه. وهو غريب» انتهى ملخصا (٤).

وذلك لأنّه بعد فرض دلالة النبوي على ذلك ـ واعتباره سندا ـ لا وجه للإشكالين المذكورين ، لأنّه يخصص عموم قاعدة سلطنة المالك على ماله ، وعموم دليل تبعية النماء للعين ، بل يكون حاكما عليهما.

والحاصل : أنّ إطلاق «الخراج بالضمان» للتضمين على نحو الإباحة محكّم ، ومقتضاه ملكية النماء بسبب ضمان الأصل ولو على نحو الإباحة. وتقييده بالتضمين على نحو التمليك

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٢ ، ص ١٢١.

(٢) عوالي اللئالي ، ج ٢ ، ص ٢١٩ ، الحديث : ٨٩.

(٣) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٥٨.

(٤) مصباح الفقاهة ، ج ٢ ، ص ١٢٢.

٤٧١

ثم إنّك (١)

______________________________________________________

المناقشة في سائر وجوه الاستبعاد

(١) لمّا لم يتعرض المصنف قدس‌سره لدفع جميع استبعادات كاشف الغطاء واقتصر على جملة منها أراد إحالة دفع ما بقي منها على ما أفاده من الأجوبة ، ولنذكرها تتميما للكلام :

فمنها : ما أفاده كاشف الغطاء قدس‌سره في الاستبعاد الخامس في مملكية التلف القهري بقوله : «إن ملك التالف فعجيب ، ومعه بعيد ، لعدم قابليته ، وبعده ملك معدوم».

إذ يرد عليه : إمكان اختيار الشق الأوّل وهو تملّك التالف آنا ما قبل التلف ، لما عرفت في نظائره من أنّ الملكية الآنيّة وجه جمع بين الأدلة. وعليه يكون التلف كاشفا عن سبق دخول المال في ملك الآخذ آنا ما ، كما أنّ تلف المبيع في يد البائع ـ قبل قبضه من المشتري ـ كاشف عن انفساخ العقد وعود المال الى ملك البائع آنا ما ، ووقوع التلف في ملكه.

وليس التلف سببا للملك حتى يتجه استعجاب كاشف الغطاء قدس‌سره.

مضافا إلى : أنّ تعليل استحالة دخول المال في ملك الآخذ بعد التلف بقوله : «وبعده ملك معدوم» ممنوع ، إذ لو تمّ لم يختصّ بما بعد التلف ، بل يجري في الدخول مقارنا لآن التلف ، لأنّ حال التلف حال العدم ، ولا واسطة بين الوجود والعدم.

ومنها : ما أفاده كاشف الغطاء قدس‌سره في الاستبعاد السادس من قوله : «انّ التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية ، فلا يتوقف على النيّة فهو بعيد».

إذ يرد عليه : أنّه لا مانع من كون التصرف ناقلا قهريا غير متوقف على النيّة ، لاقتضاء الجمع بين الأدلة ذلك ، ولا بعد فيه.

ومنها : ما أفاده في الاستبعاد الثامن بقوله : «قصر التمليك على التصرف مع الاستناد فيه الى أنّ إذن المالك فيه إذن في التمليك ، فيرجع إلى كون المتصرّف في تمليك نفسه موجبا قابلا ،

__________________

بلا مقيّد ، فإطلاقه محكم.

نعم الاشكال كلّه في ضعف سنده وعدم انجباره ، وسيأتي تفصيل الكلام فيه في المقبوض بالعقد الفاسد إن شاء الله تعالى.

٤٧٢

مما ذكرنا (١) تقدر على التخلّص عن سائر ما ذكره (٢).

مع (٣) أنّه رحمه‌الله لم يذكرها للاعتماد.

______________________________________________________

وذلك جار في القبض بل هو أولى منه».

إذ يمكن أن يجاب عن اتحاد الموجب والقابل بأحد وجوه :

الأوّل : أنّ التصرف مملّك ، للجمع بين الأدلة ، فلا حاجة الى الإيجاب والقبول حتى يلزم اتحاد الموجب والقابل ، إذ ليس هنا إذن من الدافع للآخذ في تمليك المال لنفسه حتى يكون الآخذ موجبا وقابلا ، كي يتوهم استحالته ، لكونهما متقابلين لا يجتمعان في واحد.

الثاني : أنّه لا مانع من اتحاد الموجب والقابل في العقود مع تعددهما اعتبارا كما حقق في محلّه ، وليسا متقابلين حتى يستحيل اجتماعهما في واحد.

الثالث : أنّ اتحاد الموجب والقابل إنّما يترتب على الإذن المالكي في تمليك الآخذ المال لنفسه ، وهذا لا مجال له هنا ، لأنّ الإباحة تعبدية مستندة الى الإجماع ، لا مالكية.

وأمّا قوله في ذيل كلامه : «وذلك جار في القبض» ففيه : أنّ القبض لا يتوقف على الملك حتى يكون الإذن فيه إذنا فيما يتوقف عليه من جهة اقتضاء الجمع بين الأدلة مملكية القبض حينئذ. وهذا بخلاف الإذن في البيع والوقف ونحوهما من التصرفات المتوقفة على الملك ، فإنّ الإذن فيها إذن في التملك الذي تتوقف عليه تلك التصرفات ، وإلّا يلزم لغوية الإذن في البيع وشبهه.

وعليه ففرق واضح بين القبض والبيع ، ومجرّد اقتران القبض بقصد التمليك لا يجعله مساويا لتلك التصرفات ، فضلا عن أولويته منها.

هذا تمام الكلام في الجواب التفصيلي الحلّي الذي أفاده المصنف عن استبعادات كاشف الغطاء قدس‌سرهما.

(١) يعني : في دفع جملة من استبعادات بعض الأساطين قدس‌سره.

(٢) كالاستبعاد الأخير وجملة مما تضمّنه الاستبعادان الخامس والسادس.

(٣) هذه الجملة ناظرة الى جميع الاستبعادات الثمانية التي ذكرها الفقيه

٤٧٣

والانصاف أنّها استبعادات في محلّها (١).

وبالجملة (٢) : فالخروج

______________________________________________________

كاشف الغطاء قدس‌سره وهو جواب ثان عنها كما أشرنا إليه قبل الشروع في مناقشة كل واحد من الأمور الثمانية. ومقصود المصنف : أنّ الأجوبة المتقدمة لو لم تكن وافية بدفع تلك الاستبعادات لم يقدح بقاؤها على حالها في القول بإفادة المعاطاة للإباحة تعبّدا.

ووجه عدم القدح : أنّ كاشف الغطاء قدس‌سره لم يذكر هذه الاستبعادات من باب إقامة الدليل على تعيّن إفادة المعاطاة للملك ، وإنّما كان مقصوده مجرّد استبعاد القول بالإباحة ، فلا بد للقول بالملك من إقامة دليل آخر حتى لو لم يمكن المناقشة في تلك الاستبعادات ، وبقيت على حالها.

(١) وذلك لأنّ غاية ما أفاده المصنف قدس‌سره في تصحيح القول بالإباحة والتخلّص عن تلك الاستبعادات هو اقتضاء الجمع بين الأدلة للقول بالملك الآنامّائي قبل التصرف أو إرادته أو قبل التلف. مع أنّ مقصود كاشف الغطاء قدس‌سره من هذه الوجوه إنكار هذا الجمع ، للخدشة في تلك الأدلة ، فإنّ إجماع السيد ابن زهرة مظنون المدركية بحديث نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع المنابذة والملامسة ، مع أنّه إجماع منقول ، وبسقوطه عن الحجية لا يبقى موضوع للجمع المزبور من باب دلالة الاقتضاء ، حتى يترتب أثر الملك على غير الملك ، أو جعل ما لم يعهد سببيّته للتمليك سببا له كالتلف والتصرف ، أو إرادته على التفصيل المتقدم (*).

فذلكة الكلام في المقام الثالث

(٢) هذا إلى قوله : «فالقول الثاني لا يخلو عن قوّة» نتيجة ما فصّله المصنف قدس‌سره في المقام الثالث المنعقد لتحقيق حكم المعاطاة ، من الاستدلال على الملك بوجوه خمسة ، ثم المناقشة في

__________________

(*) ويمكن الإيراد على بعض الأساطين بالالتزام بعدم مملكية المعاطاة إلى الآخر ، ومع ذلك نلتزم بترتيب جميع آثار الملكية على المأخوذ بالمعاطاة ، ولا يلزم من ذلك إلّا مخالفة قاعدة واحدة ، وهي جعل ما ليس بملك بحكم الملك في جميع الآثار ، فلا يلزم من القول بالإباحة مخالفة قواعد عديدة وتأسيس قواعد جديدة ، فتدبّر.

٤٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الدلالة الالتزامية الشرعية ، وفي السيرة ، وتوجيه الملك الآني ، ثم استبعادات كاشف الغطاء المترتبة على قول مشهور القدماء من إفادتها للإباحة ، ثم المناقشة فيها ، فالمقصود فعلا بيان المختار من الأقوال.

وتوضيح ما أفاده قدس‌سره : أنّ هنا طائفتين من الأدلة تقتضي إحداهما المصير الى مسلك القدماء من الإباحة المحضة ، وتقتضي ثانيتهما القول بالملك بنفسه مع الغضّ عن خصوصيّة الجواز واللزوم.

أما الطائفة الأولى فهي ثلاثة وجوه :

الأوّل : استصحاب بقاء المأخوذ بالمعاطاة على ملك الدافع ، وعدم مملوكيته للآخذ.

الثاني : الشهرة الفتوائية القدمائية على إفادة المعاطاة للإباحة المجرّدة عن الملك ، كما طفحت به كلماتهم المتقدمة في المقام الثاني.

الثالث : الإجماع المدّعى في الخلاف والغنية على عدم تأثير المعاطاة في الملك ، بل تؤثّر في الإباحة.

والمهمّ من هذه الأدلة هو الاستصحاب ، إذ لا دليل على اعتبار الشهرة الفتوائية والإجماع المنقول ، فهما يصلحان لتأييد المطلب ، ومعاضدة الاستصحاب الذي هو دليل معتمد على القول بالإباحة ، لو لم يكن هناك دليل حاكم عليه.

وأما الطائفة الثانية فهي ثلاثة وجوه أيضا.

الأوّل : عمومات حلّ البيع والتجارة عن تراض ، وإطلاقات بعض العقود كالهبة والإجارة الشاملة للعقود القولية والفعلية على حدّ سواء.

الثاني : السيرة العقلائية القطعيّة على ترتيب آثار الملك على المأخوذ بالمعاطاة.

الثالث : الإجماع المدّعى في جامع المقاصد وتعليق الإرشاد على إفادة المعاطاة للملك ، بناء على حمل كلمات القائلين بالإباحة على الملك المتزلزل. فإن تمّ هذا التوجيه فهو ، وإلّا كان الدليل على الملك أمرين : العمومات والسيرة.

٤٧٥

عن أصالة (١) عدم الملك المعتضدة بالشهرة (٢) المحقّقة إلى زمان المحقّق الثاني ، وبالاتفاق (٣).

______________________________________________________

والعمدة من هذه الثلاثة عمومات البيع والعقود ، وجعل المصنف قدس‌سره السيرة وإجماع المحقق الكركي قدس‌سره مؤيّدين للعمومات.

أمّا السيرة فلإمكان الخدشة فيها بعدم إحراز الإمضاء ، وأنّها ناشئة من قلّة المبالاة في الدين.

وأمّا الإجماع فيمكن منعه بوجهين :

أحدهما : منع تحقق هذا الاتفاق ، بعد صراحة كلمات القدماء في الإباحة ، الآبية عن الحمل على الملك المتزلزل.

وثانيهما : كونه ـ يعد تسليمه ـ محتمل المدركية ، لاحتمال استناد المجمعين إلى السيرة والعمومات ، فيكون العبرة بالمستند لا بالاتفاق.

وحيث اتّضح أنّ عمدة الدليل على الإباحة هو الاستصحاب ، وعمدة الدليل على الملك هو العمومات ، تعيّن الأخذ بالثاني ، لعدم صلاحية الأصل العملي للمعارضة مع الدليل الاجتهادي حتى تصل النوبة إلى الترجيح أو التساقط ، لما تقرّر في الأصول من تقدم الدليل على الأصل العملي بالحكومة كما عليه المصنف ، أو بالورود كما عليه المحقق الخراساني.

ونتيجة البحث : أنّ المختار كون المعاطاة مؤثّرة في الملك ، لا في الإباحة.

(١) هذا الأصل عمدة وجوه القول بالإباحة.

(٢) هذه هي المؤيّدة الاولى لاستصحاب بقاء المأخوذ بالمعاطاة على ملك الدافع.

وتقييد الشهرة بزمان المحقق الثاني للتنبيه على انقطاع شهرة القدماء على الإباحة ، وحدوث شهرة اخرى على الملك المتزلزل.

(٣) هذا هو المؤيّد الثاني للاستصحاب المزبور. وقد تقدم كلام السيد في الغنية والشهيد في القواعد عند نقل الأقوال في المقام الثاني ، والفرق بينهما صراحة كلام السيد في الإجماع ، وظهور «عندنا» فيه في قواعد الشهيد.

٤٧٦

المدّعى في الغنية والقواعد هنا (١) ، وفي (٢) المسالك في مسألة توقف الهبة على الإيجاب والقبول مشكل (٣). ورفع (٤) اليد عن عموم أدلة البيع والهبة ونحوهما (٥) المعتضدة (٦) بالسيرة (٧) القطعية المستمرة (٨) ،

______________________________________________________

(١) أي : في حكم المعاطاة في خصوص البيع ، وغرضه من التقييد ب «هنا» التنبيه على إجماع المسالك في عقد الهبة.

(٢) حيث قال فيه : «وظاهر الأصحاب الاتفاق على افتقار الهبة مطلقا إلى العقد القولي في الجملة ، فعلى هذا ، ما يقع بين الناس على وجه الهديّة من غير لفظ يدلّ على إيجابها وقبولها لا يفيد الملك ، بل مجرّد الإباحة» (١). بناء على اتحاد حكم البيع والهبة في توقفهما على الصيغة وعدمه.

(٣) خبر «فالخروج» ووجه الإشكال : أنّ الاستصحاب حجة شرعية ، وإطلاقه يقتضي الحكم ببقاء المأخوذ بالمعاطاة على ملك الدافع. هذا كلّه في دليل القول بالإباحة.

(٤) معطوف على «فالخروج» وغرضه بيان وجوه القول بالملك.

(٥) كالإجارة. وهذه العمومات هي العمدة في القول بالملك.

(٦) نعت ل «أدلة».

(٧) هذه هي المعاضدة الاولى للعمومات ، حيث إنّ بناء العقلاء على معاملة الملك مع المأخوذ بالمعاطاة.

(٨) إلى عصر المعصومين عليهم‌السلام ، وليست من السير المستحدثة حتى يشك في إمضائها.

ولا بدّ أن يكون مقصود المصنف قدس‌سره من السيرة هنا ما يعمّ سيرة العقلاء والمتشرعة حتى تكون حجة في نفسها ، إذ لو كانت السيرة عقلائية لا متشرعية كانت مخدوشة بما تقدم عنه من أنّها ناشئة من قلّة المبالاة في الدين.

وأما سيرة المتشرعة فلا سبيل لهذه الخدشة فيها ، لأنّ بناء المتشرعة ـ بما هم متدينون ـ على أمر يكشف عن تلقّيه من الشارع ورضاه به.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٥ ، ص ١٠.

٤٧٧

وبدعوى (١) الاتفاق المتقدم عن المحقق الثاني ـ بناء (٢) على تأويله لكلمات القائلين بالإباحة ـ أشكل (٣) (*).

فالقول الثاني (٤) لا يخلو عن قوّة.

وعليه (٥) فهل هي لازمة ابتداء

______________________________________________________

(١) معطوف على «بالسيرة» وهذا هو المؤيّد الثاني للقول بالملك.

(٢) قيد ل «بدعوى الاتفاق» يعني : لو تمّ تأويل كلمات القدماء بالملك المتزلزل فهو ، وإلّا لم يكن إجماع المحقق الثاني على الملك ثابتا ، لفرض تصريح القدماء بالإباحة ، فأين الإجماع على الملك؟

(٣) خبر «ورفع» ووجه أشدية الإشكال ـ في رفع اليد عن العمومات ـ ما تقدّم من أنّها دليل اجتهادي حاكم على الأصل العملي.

فإن قلت : بناء على الحكومة لا إشكال في الخروج عن استصحاب بقاء الملك حتى يكون رفع اليد عن العمومات أشدّ إشكالا ، لفرض ارتفاع موضوع الأصل العملي ببركة الدليل الاجتهادي.

قلت : نعم ، لكن المصنف قدس‌سره متحرّز عن مخالفة المشهور ، فلذلك لم يكن عدم الاعتناء بالقول بالإباحة هيّنا ، وإنّما التزم بالملك لأجل الحجة الشرعية وهي العمومات.

(٤) هذه نتيجة المباحث المتقدمة في حكم المعاطاة ، وأنّه يتعيّن الأخذ بالعمومات المقتضية لنفوذ المعاطاة وتأثيرها في الملكية بعد صدق البيع والتجارة والعقد عليها عرفا ، على ما مرّ مفصّلا.

المعاطاة تفيد الملك اللازم أو الجائز

(٥) أي : وعلى القول الثاني ـ وهو إفادة الملك ـ فهل هي لازمة؟ يعني : بعد إحراز تأثير المعاطاة في الملك ، وبطلان سائر الأقوال تصل النوبة إلى البحث عن أنّ الملك المترتب عليها

__________________

(*) الصواب أن يقال : «أشد إشكالا» لأنّه لا يجي‌ء صيغة التفضيل من الأفعال المزيدة كما لا يخفى.

٤٧٨

مطلقا (١) كما حكي عن ظاهر المفيد رحمه‌الله ، أو (٢) بشرط كون الدال على التراضي لفظا ، كما حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني ، وقوّاه جماعة من متأخري المحدثين ، أو (٣) هي غير لازمة مطلقا ، فيجوز (٤) لكل منهما الرجوع في ماله ، كما عليه أكثر القائلين بالملك (٥) ، بل كلّهم عدا من عرفت (٦)؟

______________________________________________________

لازم كما في البيع بالصيغة ، أم متزلزل يجوز لكل منهما الرجوع؟ في المسألة أقوال ثلاثة :

أوّلها : إفادة المعاطاة للملك اللازم سواء أكان الدال على التراضي لفظا أم كتابة أم إشارة أم غيرها. وهذا منسوب الى الشيخ المفيد قدس‌سره من أنّها كالبيع القولي في اللزوم ، ولا جواز إلّا من ناحية الخيار.

ثانيها : إفادتها للملك اللازم ، بشرط كون الدال على التراضي لفظا ، حكاه الشهيد الثاني عن بعض مشايخه. ووافقه جمع ، وقد تقدّمت كلمات بعضهم في المقام الثاني عند بيان الأقوال.

ثالثها : إفادتها للملك الجائز دون اللازم ، سواء أكان الدال على التراضي لفظا أم غير لفظ ، ويتوقف اللزوم على طروء أحد الملزمات ، وهو منسوب إلى أكثر القائلين بالملك من عصر المحقق الثاني قدس‌سره.

واختار المصنف قدس‌سره القول الأوّل ، واستدل عليه بوجوه ثمانية كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(١) أي : سواء كان الدال على التراضي لفظا أم غير لفظ.

(٢) هذا هو القول الثاني الذي أبداه بعض معاصري الشهيد الثاني قدس‌سرهما.

(٣) هذا هو القول الثالث الذي نسبه المصنف قدس‌سره الى أكثر القائلين بالملك.

(٤) هذا متفرع على تأثير المعاطاة في الملك الجائز ، كسائر العقود الجائزة كالهبة في جواز الرجوع في العين ما دامت باقية.

(٥) حيث إنّ لزوم العقد موقوف على إنشائه باللفظ.

(٦) من المحقق الأردبيلي وجمع من علماء البحرين الّذين اعتبروا دلالة اللفظ على

٤٧٩

وجوه (١) أوفقها بالقواعد هو الأوّل (٢) بناء على أصالة اللزوم (٣) في الملك (*)

______________________________________________________

التراضي في اللزوم ، وإن لم تعتبر صيغة خاصة عندهم.

(١) مبتدأ مؤخّر لخبر محذوف ، فكأنّه قيل : «فيه وجوه ثلاثة».

(٢) وهو اللزوم من أوّل الأمر وإن لم يكن الدال على التراضي لفظا.

أدلة القول باللزوم

الدليل الأول : استصحاب الملك الحادث بالمعاطاة

(٣) المراد بهذا الأصل ما يعمّ اللفظي والعملي ، لأنّه قدس‌سره استدلّ على اللزوم بالاستصحاب ، ثم بالأدلة اللفظية الاجتهادية ، وعليه فقوله بعده : «للشك في زواله» ليس قرينة على إرادة خصوص الأصل العملي ، بعد صراحة قوله بعد الفراغ من الاستصحاب : «ويدل على اللزوم مضافا الى ما ذكر عموم .. إلخ».

__________________

(*) ثم إنّه ينبغي التعرض لأمور قبل الخوض في أدلة اللزوم.

منها : أن الغرض من البحث عن أصالة اللزوم وإن كان إثبات لزوم الملك بالمعاطاة كالبيع بالصيغة ، وعدم تأثير رجوع أحدهما فيما دفعه الى الآخر ، إلّا أنّ الأدلة المذكورة في المتن مختلفة المفاد ، فبعضها يختص بالبيع كروايات خيار المجلس. وبعضها يثبت لزوم الملك سواء أنشئ بالبيع أم بغيره من العقود المملّكة كالهبة والصلح ، وذلك كالاستصحاب ، وعدّة من الأدلّة الاجتهادية كآية التجارة عن تراض وحديثي الحلّ والسلطنة. وبعضها يفيد لزوم كل عقد شكّ في لزومه وجوازه كآية الوفاء بالعقود ، وحديث «المؤمنون عند شروطهم» كما لو أحرز زوجية امرأة ، وشكّ في دوامها وانقطاعها ، فإنّه ينبغي البناء على الدوام.

ومنها : أن مصبّ البحث عن أصالة اللزوم في الملك أو فيه وفي غيره هو العقود

٤٨٠