هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

أنّ المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود (١) ، ولا من القائم مقامها (٢) شرعا ، فإنّ (٣) تبعية العقد للقصد وعدم انفكاكه عنه إنّما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى (٤) ترتب الأثر المقصود عليه ، فلا يعقل (٥) حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه. أمّا المعاملات الفعلية التي لم يدلّ على صحتها (٦) دليل

______________________________________________________

والمعاطاة التي لا تفيد الملكيّة ـ وتترتب عليها الإباحة شرعا ـ كذلك ، لأنّ الإباحة حكم شرعي تعبدي يترتّب على المعاطاة ، وليست هذه الإباحة عقديّة حتى يلزم من ثبوتها محذور مخالفة العقد للقصد.

وبالجملة : المعاطاة التي لم يترتّب عليها الملكية ـ التي هي المقصودة منها ـ موضوع لحكم الشارع بالإباحة ، نظير حكمه بجواز الأكل من أموال الناس في المجاعة ، وجواز أكل المارّة من ثمرة الشجرة التي يمرّ بها وإن لم يرض به المالك ، بناء على جواز الأكل مطلقا ، وعدم إناطته برضى المالك.

(١) خبر «أنّ المعاطاة» أي : ليست من العقود حتى تندرج في كبرى «تبعية العقود للقصود» فعدم ترتب الملكية على المعاطاة يكون من السالبة بانتفاء الموضوع ، إذ ليست عقدا حتى يجري فيها قاعدة التبعية.

(٢) كالوصية التمليكية بناء على كون قبول الموصى له شرطا لا جزء ، فإذا قبل الموصى له ترتب عليه أثر العقد الصحيح وإن لم تكن هذه الوصية عقدا حقيقة ، لأنّه مؤلّف من جزأين الإيجاب والقبول ، فلو كان القبول شرطا صار العنوان ملحقا بالعقد حكما. وعلى كلّ فالمعاطاة عند القائل بالإباحة ليست عقدا ولا قائمة مقامه ، بل هي إباحة تعبدية.

(٣) تعليل لقوله : «ليست من العقود» وقد عرفت توضيحه.

(٤) هذا مفسّر لقوله : «صحة العقد» يعني : أنّ معنى صحة العقد ترتب أثره الذي قصده المتعاقدان.

(٥) هذا نتيجة حكم الشارع بصحة عقد ، وأنّه يمتنع انفكاك الأثر عن العقد الصحيح.

(٦) على مذاق القدماء القائلين بإفادة المعاطاة للإباحة.

٤٤١

فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها (١) كما نبّه عليه (٢) الشهيد في كلامه المتقدم من : أن السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المعاملات.

نعم (٣) إذا دلّ الدليل على ترتب أثر عليه حكم به وإن لم يكن مقصودا.

وثانيا (٤) : أنّ تخلّف العقد عن مقصود

______________________________________________________

(١) أي : على المعاملات الفعلية.

(٢) أي : نبّه الشهيد قدس‌سره على عدم صحة المعاملة الفعلية ، وأنّ السبب الفعلي لم يقم دليل على صحته وتأثيره. حيث قال : «وأما المعاطاة في المبايعات فهي تفيد الإباحة دون الملك» (١).

وهذه العبارة وإن لم تكن صريحة في عدم قيام السبب الفعلي مقام القولي ، إلّا أنّها تدل عليه بالالتزام ، إذ السبب القولي ـ وهو الإيجاب والقبول ـ يؤثّر في الملكية المقصودة من البيع ، ولمّا لم تكن المعاطاة مشتملة على القول لم تكن مؤثّرة في الملكية ، وأمّا تأثيرها في الإباحة فهو تعبد محض ، ولولاه لكان مقتضى القاعدة فسادها وعدم تأثيرها أصلا حتى في إباحة التصرف.

(٣) استدراك على قوله : «فلا يحكم» وغرضه دفع التنافي بين عدم ترتب الأثر المقصود على المعاطاة وبين إفادتها لإباحة التصرف بدليل خاص وإن لم تكن الإباحة مقصودة ، إذ المقصود هو الملك ، ولم يحصل.

(٤) هذا هو الجواب الثاني ـ أي النقض بموارد ثبت فيها التخلف عن القصد ـ وحاصله : أنّه لا غرابة في تحلف العقد عن القصد ، لوقوعه في موارد ، نبّه المصنف على خمسة منها في المتن وسيأتي بيانها.

ولا يخفى أنّ ظاهر الكلام ذكر موارد النقض على قاعدة «تبعية العقود للقصود» وأنّها ليست كالقواعد العقلية الآبية عن التخصيص ، فورد تخصيصها بموارد خمسة ، ولتكن المعاطاة

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ١ ، ص ١٧٨ ، رقم القاعدة ٤٧ وعبارة المتن منقولة بالمعنى كما سبق التنبيه عليه.

٤٤٢

المتبايعين (١) كثير ، فإنّهم (٢) أطبقوا على أنّ عقد المعاوضة إذا كان فاسدا

______________________________________________________

سادسة تلك الموارد ، فهي عقد يقصد به الملك ، ولكنها تفيد الإباحة.

لكن في عبارة المصنف احتمال آخر تفطّن له المحقق الأصفهاني قدس‌سره وهو : أنّ غرضه من ذكر موارد النقض ليس تخصيص قاعدة التبعية ، بل انّ ترتب الإباحة على المعاطاة المقصود بها الملك تخلّف صوري غير قادح بعموم القاعدة ، فالقاعدة آبية عن التخصيص ولو بمورد واحد. والشاهد على إرادة هذا الاحتمال أمران :

أحدهما : صراحة كلام المصنف : «فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه» في أن الشارع إذا حكم بصحة عقد وترتّب أثر خاصّ عليه امتنع تخلف ذلك الأثر عن القصد. وأمّا ترتب أثر آخر ـ غير مقصود ـ على العقد فلا ينافي صحته أصلا.

وثانيهما : أنّ الموارد الخمسة المذكورة في المتن من هذا القبيل ، لأنّ العقد إمّا ليس بصحيح فلا يبقى موضوع للتخلف ، وإمّا يكون التخلف صوريا.

هذا ما احتملناه ، وعليك بالتدبر في كلام المصنف قدس‌سره لعلّك تقف على حقيقة الأمر.

(١) الأولي تبديله ب «المتعاقدين» ليشمل المورد الخامس وهو نسيان ذكر الأجل في النكاح المنقطع ، وكذا المورد الثاني ، لعدم اختصاص مفسدية الشرط الفاسد وعدمها بالبيع.

(٢) هذا شروع في بيان المورد الأوّل ، وهو انقلاب ضمان المسمّى إلى الواقعي عند فساد العقد ، توضيحه : أنّ المقصود في العقد المعاوضي هو الضمان بالمسمّى ، مع أنّه في فاسده واقعي ، فإذا باع متاعه بدينار ثمّ تبيّن فساد البيع كان ضمان كل من العوضين بقيمته الواقعية ، مع أنّ هذا الضمان لم يكن مقصودا ، بل المقصود كان ضمان المتاع بالدينار ، وبالعكس ، فتخلّف العقد عن القصد ، لأنّ المقصود منه هو الضمان بالمسمّى ، مع أنّ الضمان صار بالقيمة الواقعية ، وهو غير مقصود.

فان قلت : إنّ عموم قاعدة تبعية العقود للقصود باق بحاله ، ولم ينتقض بانقلاب ضمان المقبوض بالعقد الفاسد من المسمّى إلى الواقعي. وجه عدم النقض : أنّ ضمان القيمة الواقعية

٤٤٣

يؤثّر في ضمان كلّ من العوضين القيمة (١) ، لإفادة (٢) العقد الفاسد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه ،

______________________________________________________

لا يستند إلى العقد حتى يتخلّف عن القصد ، بل إلى قاعدة اليد ، إذ من المعلوم أنّ كلّا من المتعاقدين وضع يده على مال الآخر. ومقتضى وضع اليد هو الضمان الواقعي. وعليه فلا وجه للنقض على كاشف الغطاء قدس‌سره بما أفاده المصنف من تبدّل الضمان المسمّى ـ عند فساد العقد ـ بضمان القيمة الواقعية.

قلت : إن عموم القاعدة قد خصّص بمورد النقض ، وذلك لأنّ انقلاب ضمان المسمّى إلى ضمان القيمة الواقعية لا يستند إلى قاعدة اليد ، لدلالة كلماتهم على أنّ المؤثّر في الضمان الواقعي هو نفس العقد الفاسد ، وإقدامهما على الضمان. وإنّما ذكر بعض الأصحاب قاعدة اليد مستندا للضمان الواقعي ، ولا عبرة به ، إذ المهم رعاية نظر الأكثر. وقد عرفت أنّ مستندهم في هذا الانقلاب الى نفس الإقدام العقدي لا غير. وبه يتّجه صورة النقض على قاعدة التبعيّة.

(١) بالنصب مفعول «ضمان» والمراد به القيمة الواقعية ، قال في الجواهر في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد : «ولذا أطلق المصنف وغيره الضمان على وجه يراد منه الضمان بالمثل أو القيمة. بل لعلّه هو الظاهر من معاقد إجماعاتهم في المقام ، فضلا عن التصريح به من بعضهم ..» (١).

وعليه فضمان المقبوض بالعقد الفاسد بالبدل الواقعي كأنّه من مسلّماتهم ، ولذا كان الأولى التعبير «بالبدل» من التعبير بالقيمة ، إلّا أن يريدوا بالقيمة ماليّته الفعلية ، والأمر سهل.

(٢) تعليل لقوله : «يؤثّر» يعني : أنّ تأثير العقد المعاوضي الفاسد ـ كالبيع ـ في الضمان بالبدل الواقعي لا المسمّى إنّما هو لكونه من صغريات قاعدة مسلّمة عندهم وهي : «أنّ كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وأنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وحيث إنّ البيع الصحيح يؤثّر في الضمان بالعوض المسمّى كان فاسده مؤثّرا في الضمان بالعوض الواقعي من المثل أو القيمة.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٥٨ ، ولاحظ كلامه أيضا في ص ٤١٣ و ٤١٤ من نفس الجزء.

٤٤٤

مع (١) أنّهما لم يقصدا إلّا ضمان كل منهما (٢) بالآخر (*).

وتوهّم (٣) أنّ دليلهم على ذلك قاعدة اليد

______________________________________________________

(١) هذا هو محطّ الاشكال والنقض على قاعدة تبعية العقود للقصود ، حيث إنّ الضمان بالبدل الواقعي غير مقصود للمتعاملين بالعقد الفاسد ، وقد حصل ، والمقصود ـ وهو الضمان بالمسمّى ـ لم يحصل ، فتخلّف العقد عن القصد.

(٢) أي : كل من العوضين ، يعني : أنّهما لم يقصدا إلّا الضمان المعاوضي لا الواقعي ، فوقع ما لم يقصد ، وقصد ما لم يقع.

(٣) غرض المتوهّم الذّب عن عموم قاعدة تبعية العقود للقصود ، وعدم نقضه بتبدل ضمان العوض المسمّى بضمان البدل الواقعي في المقبوض بالعقد الفاسد ، وأنّ الموجب للضمان الواقعيّ هو قاعدة اليد لا العقد الفاسد. حتّى يتوهّم حصول ما لم يقصده المتعاقدان ، وقد تقدّم توضيحه بقولنا : «ان قلت .. قلت ..».

__________________

(*) فيه : أن سبب الضمان في العقود الفاسدة كما سيأتي إن شاء الله تعالى هو اليد لا العقد حتى يلزم تخلف العقد عن القصد ، ولذا لا يحكم بضمان المسمّى بنفس تحقق المعاملة بالإيجاب والقبول مع عدم تحقق القبض والإقباض ، فلو كان مجرّد الإقدام العقدي موجبا للضمان لكان الإقدام هنا على المعاملة متحققا ، فلا بد فيه من الحكم بالضمان مع عدمه قطعا.

والحاصل : أنّ مورد تبعية العقد للقصد هو ما إذا صحّ العقد ، إذ لا معنى حينئذ لعدم ترتب الأثر عليه ، وليس هذا إلّا التناقض ، لأنّ مرجع النقض إلى صحة العقد مع تخلفه عن القصد ، ومن المعلوم مناقضة الصحة ـ التي هي ترتب الأثر المقصود ـ مع تخلف العقد عن القصد ، فإنّ تخلفه عن القصد ليس إلّا عدم ترتب الأثر المقصود على العقد ، فكيف يجتمع الصحة مع التخلّف؟.

٤٤٥

مدفوع (١) بأنّه لم يذكر هذا الوجه (٢) إلّا بعضهم معطوفا على الوجه الأوّل ، وهو إقدامهما على الضمان ، فلاحظ المسالك (٣).

وكذا (٤) الشرط الفاسد ـ لم يقصد المعاملة إلّا مقرونة به ـ

______________________________________________________

(١) خبر «وتوهم» ودفعه ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «قلت : ان عموم القاعدة قد خصّص بمورد النقض ، وذلك ..».

(٢) أي : قاعدة اليد الموجبة للضمان الواقعي ـ لا المسمّى ـ في العقد الفاسد.

(٣) قال الشهيد الثاني في شرح قول المحقق قدس‌سرهما : «ولو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه وكان مضمونا عليه» ما لفظه : «لا إشكال في ضمانه إذا كان جاهلا بالفساد ، لأنّه أقدم على أن يكون مضمونا عليه ، فيحكم عليه به ، وان تلف بغير تفريط. ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (١) (*).

هذا ما يتعلّق بأوّل الموارد الخمسة من النقض على قاعدة التبعية.

(٤) معطوف على «فإنهم أطبقوا» وهذا هو المورد الثاني من موارد النقض ، وحاصله : أنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد عند أكثر القدماء ، مع أنّ ما قصد ـ وهو العقد المقيّد بالشرط الفاسد ـ غير واقع ، والواقع الذي هو ذات العقد ـ المعرّى عن الشرط ـ لم يقصد ، فتخلّف العقد عن القصد. نعم بناء على مفسديّة الشرط الفاسد للعقد لم يتوجّه هذا النقض على بعض الأساطين ، لكنّه خلاف التحقيق.

__________________

(*) الإنصاف أن هذا الكلام ظاهر بل صريح في استنادهم في الحكم بالضمان في المقبوض بالعقد الفاسد إلى دليلين : أحدهما الاقدام والآخر قاعدة اليد ، وتوجيهه تارة بما في المتن من أنّ المعتمد منهما هو الإقدام دون اليد ، واخرى بأن ذكر الاقدام ليس للاستدلال به مستقلا بل لإتمام الاستدلال باليد وبيان عدم كونها مجانيّة ، بلا شاهد ومما لا يرضى به صاحبه. والتفصيل موكول إلى مسألة المقبوض بالعقد الفاسد إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٤.

٤٤٦

غير (١) مفسد عند أكثر القدماء (٢) (*).

وبيع (٣) ما يملك وما لا يملك

______________________________________________________

(١) خبر «الشرط الفاسد» وجملة «لم يقصد» صفة للشرط الفاسد ، وضمير «به» راجع الى الشرط الفاسد.

(٢) قال في مفتاح الكرامة : «الأصحاب في البيع الذي تضمّن شرطا فاسدا على أنحاء : الأوّل : صحة البيع وبطلان الشرط. وهو خيرة الشيخ في المبسوط ، وابن سعيد في الجامع ، والآبي في كشف الرموز ، والمحكي عن أبي علي والقاضي ، وربما حكي عن الحلي ولم أجده في السرائر ، ووافقهم أبو المكارم في الشرط المخالف لمقتضى العقد أو للسنة .. ووافقهم ابن المتوج في الشرط الفاسد الذي لا يتعلق به غرض ، كما لو شرط أكل طعام بعينه أو لبس ثوب ونحوه ، فليتأمّل» (١). وعليه فنسبة الحكم إلى جماعة من القدماء في محلّها.

(٣) معطوف على «فإنهم» وهذا ثالث موارد النقض ، وحاصله : أنّ بيع المملوك وغير المملوك صحيح عند المحققين بالنسبة إلى المملوك ، وباطل بالنسبة إلى غير المملوك ، كما لو باع الشاة والخنزير ـ صفقة واحدة ـ من شخص. مع أنّ مقصود المتبايعين ـ وهو بيع المجموع ـ لم يقع في الخارج ، فما قصد لم يقع ، وما وقع لم يقصد.

__________________

(*) فيه : أنّ الشرط إن كان ممّا علّق عليه العقد كما إذا قال : «بعتك هذا الكتاب إن قدم الحاج» كان العقد باطلا لأجل التعليق.

وإن كان الشرط التزاما آخر في ضمن الالتزام العقدي ، فإن كان من باب تعدد المطلوب لا من باب تقييد الالتزام العقدي به لم يسر فساد الشرط الى العقد ، ولم يلزم تخلّف العقد عن القصد. وإن كان من باب وحدة المطلوب سرى فساده الى العقد ، ولم يجب الوفاء لا بأصل العقد ولا بشرطه ، ولا مورد حينئذ للنقض على قاعدة التبعية ، لاختصاص مورده بالعقود الصحيحة.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ٧٣٢.

٤٤٧

صحيح عند الكلّ (١) (*).

وبيع الغاصب (٢) لنفسه يقع للمالك مع إجازته على قول كثير (٣) (**).

______________________________________________________

(١) وفي الجواهر ـ بعد الاستدلال على الصحة فيما يملك ـ : «مضافا الى عدم الخلاف المعتدّ به بين من تعرّض له» (١).

(٢) معطوف على «فإنهم أطبقوا». وهذا رابع النقوض ، وهو ما إذا باع الغاصب لنفسه المال المغصوب ، فإنّ جمعا كثيرا ذهبوا إلى أنّ البيع يقع عن المالك فضولا ، وتتوقف صحّته على إجازته ، مع أنّ المقصود ـ وهو كون البيع للبائع ـ لم يقع ، والواقع ـ وهو وقوع البيع عن المالك ـ غير مقصود.

(٣) بل نسبه المصنف في بيع الفضولي إلى المشهور ، حيث قال : «المسألة الثالثة : أن يبيع الفضولي لنفسه ، وهذا غالبا يكون في بيع الغاصب .. والأقوى فيه الصحة وفاقا للمشهور».

__________________

(*) فيه : أنّ العقد ينحلّ إلى عقدين أحدهما صحيح ، والآخر باطل ، ولا يلزم تخلف العقد عن القصد.

إلّا أن يقال : إن مقصود المصنف النقض على كاشف الغطاء قدس‌سرهما بما إذا كان المقصود انضمام ما يملك وما لا يملك ، إذ يلزم حينئذ من إمضاء بيع ما يملك ـ دون ما لا يملك ـ تخلّف القصد عن الواقع ، فيتم صورة النقض.

لكن يندفع بخروجه عن قاعدة التبعية أيضا ، لاختصاصها بالعقود الصحيحة ، والمفروض عدم صحته فيما لا يملك.

(**) فيه : ما مرّ في تعريف البيع من : أنّه تبديل إنشائي بين عين متمولة وبين عوض متموّل في جهة الإضافة ، أو : تمليك عين بمال. وعلى كلّ فقصد وقوعه عن المالك أو البائع خارج عن حدوده ، فقصده لغو ، كما يأتي تفصيله في بيع الفضولي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٢٠.

٤٤٨

وترك (١) ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما على قول نسبه في المسالك وكشف اللثام إلى المشهور (٢) (*).

______________________________________________________

(١) معطوف على «فإنّهم أطبقوا» وهذا خامس النقوض ، ومحصله : أنّ العاقد إذا ترك ذكر الأجل في النكاح المنقطع انقلب دائما على ما أفتى به جماعة ، مع أنّ المقصود هو الزواج المنقطع لا الدائم ، فالمقصود غير واقع ، والواقع غير مقصود.

(٢) قال في المسالك : «ولو قصدا المتعة وأخلّا بذكر الأجل ، فالمشهور بين الأصحاب : أنّه ينعقد دائما ، وهو الذي اختاره المصنف ، لأنّ لفظ الإيجاب صالح لكل منهما ، وإنّما يتمحّض للمتعة بذكر الأجل ، وللدوام بعدمه ، فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني. ولأنّ الأصل في العقد الصحة ، والفساد على خلاف الأصل. ولموثقة عبد الله بن بكير .. الى أن قال : ليس فيه دلالة على أنّ من قصد المتعة ولم يذكر الأجل يكون دائما ، بل إنّما دلّ على أنّ الدوام لا يذكر فيه الأجل ، وهو كذلك ، لكنه غير المدّعى ، وحينئذ فالقول بالبطلان مطلقا أقوى» (١).

وعليه فليس انقلاب العقد دائما ـ عند ترك ذكر الأجل ـ مسلّما عندهم حتى يصحّ النقض به ، إذ لا بد في صحة النقض من تسلّم المورد ، ومع الخلاف لا يصح النقض به كما لا يخفى.

__________________

(*) ويدلّ عليه موثّق ابن بكير ، قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام في حديث : إن سمّى الأجل فهو متعة ، وإن لم يسمّ الأجل فهو نكاح بات» (٢).

لكن الانصاف ـ كما أفاده في المسالك ـ كون الحديث أجنبيا عن المدّعى وهو ما إذا قصدا المتعة وأخلّا بذكر الأجل انعقد دائما ، بل ظاهر الحديث كونه في مقام اعتبار ذكر الأجل في المتعة ، وعدم اعتباره في النكاح الدائم ، ولا دلالة فيه على أنّه إذا قصدا المتعة ونسيا ذكر الأجل انعقد دائما ، حتى يلزم فيه تخلف العقد عن القصد.

__________________

(١) مسالك الأفهام ، ج ١ ، ص ٥٣٩ (الطبعة الحجرية) كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ص ٥٠.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٤٦٩ ، الباب ٢٠ من أبواب المتعة ، الحديث : ١.

٤٤٩

.................................................................................................

__________________

فالذي ينبغي أن يقال : إنّ بناء العاقد إن كان على إنشاء النكاح المنقطع ـ ولكن نسي ذكر الأجل عند الإنشاء وقصد النكاح الدائم ـ فلا شبهة في وقوعه دائما ، لأنّه المقصود بعد نسيان ذكر الأجل. وإن كان بناء العاقد على إنشاء المتعة ، ولكن نسي ذكر الأجل أو تركه عمدا فالقاعدة تقتضي البطلان ، لأنّ المقصود بالفرض وهو المتعة لم ينشأ ، والمنشأ صورة هو الدوام ، لكنه غير مقصود ، ومن المعلوم أنّ الإنشاء هو إبراز الأمر النفساني في الخارج ، ومع فرض عدم قصد الدوام لا يكون ذلك مبرزا باللفظ. والمتعة وإن كانت مقصودة ، لكنها لم تبرز باللفظ ، فلا بد من الالتزام بعدم وقوع شي‌ء من الدوام والمتعة.

أمّا الأوّل فلعدم كونه مقصودا ، وقصد عنوان العقد ومضمونه لا بدّ منه في وقوعه.

وأمّا الثاني فلفقدان شرط صحته أعني ذكر الأجل ، على ما دلّت عليه الروايات.

فما عن المشهور كما في عبارة المسالك المتقدمة عند شرح كلام المصنف ـ من : أنّه مع البناء على إنشاء النكاح المنقطع لكنه غفل حين الإنشاء ولم يذكر الأجل انعقد دائما استنادا إلى الوجوه الثلاثة المتقدمة في المسالك : من أصالة الصحة ومن تعيّن الدوام بعد انتفاء الانقطاع ، للإخلال بشرطه وهو ذكر الأجل ، ولموثقة ابن بكير المتقدمة ـ في غاية الإشكال.

أمّا في أصالة الصحة : فلأنّها غير مشرّعة ، بل شأنها تطبيق الكبرى على الصغرى ، ومتعلق الخطاب على المأتي به.

وبعبارة أخرى : شأن أصالة الصحة إثبات مطابقة الواقع مع المأتيّ به ، وأمّا كون الشي‌ء الفلاني شرطا شرعيا لعقد أو لا فلا يمكن إثبات شرطيته أو نفيها بأصالة الصحة.

وأمّا في تعيّن الدوام بعد انتفاء الانقطاع : فلأنّ العقد لا يتمحّض لأحدهما إلّا بإنشائه بما يكون دالّا عليه ، والإنشاء منوط بالقصد ، والمفروض أنّ المقصود هو المتعة ، والقصور يكون في الدالّ ، لعدم ذكر الأجل نسيانا ، فلا يقع شي‌ء من النكاحين. أمّا الدوام فلعدم قصده ، وأمّا الانقطاع فلفقدان شرطه وهو ذكر الأجل.

وأمّا في موثقة ابن بكير فلعدم الدلالة كما عرفت آنفا.

فالحق بطلان العقد رأسا ، فأين تخلّف العقد فيه عن القصد؟ هذا.

٤٥٠

.................................................................................................

__________________

ثم إنّه قد يتمسّك للمشهور برواية أبان بن تغلب في حديث صيغة المتعة : «أنّه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : فإنّي أستحيي أن أذكر شرط الأيّام قال : هو أضرّ عليك. قلت : وكيف؟ قال : لأنّك إن لم تشرط كان تزويج مقام ، ولزمتك النفقة في العدة ، وكانت وارثا ولم تقدر على أن تطلّقها إلّا طلاق السّنة» (١).

بتقريب : أنّ الاستحياء ظاهر في ان مقصوده النكاح المنقطع ، لكن الحياء أوجب إهمال ذكر الأجل ، ومع ذلك يحكم بأنّ المترتّب على هذا الإنشاء هو النكاح الدائم ، فثبت المطلوب وهو تخلّف العقد عن القصد ، إذ المقصود هو المنقطع ، ولم يقع ، والواقع وهو الدائم غير مقصود ، هذا.

وفيه : أنّ المحتمل كون السؤال عمّا إذا بدا له القصد إلى الدوام حياء عمّا يعتبر في قوام المتعة من اشتراط ذكر الأجل ، فيقصد الدوام لذلك ، فيقع في لوازمه وأحكامه ، فنبّهه الامام عليه الصلاة والسلام على أنّ ذلك يضرّه.

وعلى هذا فلا يصح الاستدلال بهذا الخبر على انقلاب العقد المعرّى عن ذكر الأجل دائما مع كون المقصود المنقطع. هذا.

وقد يقال : إنّ مقتضى القاعدة هو ما ذهب إليه المشهور من انقلاب العقد دائما ، بتقريب : أنّ الزواج فيهما حقيقة واحدة ، وليس له إلّا قسم واحد ، وأنّ الزمان مطلقا ظرف وقوع الزوجية ، وليس قيدا فيهما أبدا ، وذكر الأجل مع ذلك ـ فيما يسمّى بالمتعة ـ حكم شرعي ، ويكون تنزيلا له عند ذكر الأجل منزلة ما يكون الزمان قيدا له.

ويدلّ على كون الدوام والانقطاع حقيقة واحدة قوله تعالى (عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) .. ، (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (٢) فإنّ الزوجية في المتعة والدوام لو كانت مختلفة الحقيقة لم يكن وجه لاستناد أصحابنا القائلين بمشروعية المتعة الى هذه

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٤٧٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المتعة ، الحديث : ٢.

(٢) المؤمنون ، الآية : ٧.

٤٥١

.................................................................................................

__________________

الآية الشريفة ، في قبال العامّة المنكرين لمشروعية المتعة. ولوحدة حقيقة الزوجية وعدم اختلافها استقرّ بناؤهم على عدم الحاجة في النكاح الدائم إلى اعتبار الدوام. ولو كانت نظير ملك المنافع لكان اللازم ذكر الغاية والدوام. هذا ما عن بعض الأجلّة على ما في فوائد (١) المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره.

لكن فيه ما لا يخفى ، فإن المتعة تباين النكاح الدائم في جهات ثلاث :

إحداها : في السبب الموجب للإنشاء ، فإنّ في عقد المتعة لا بدّ من ذكر المهر والأجل ، بخلاف الدوام فإنّه لا يعتبر فيه شي‌ء من ذلك ، بل يعتبر في الدوام أن لا يكون مغيّا بغاية وأجل.

ثانيتها : في المسبب ، فإنّ المنشأ في المتعة ـ وهو الزوجية المحدودة بوقت خاص الّتي تزول بمجرد انقضاء أجلها من دون حاجة إلى طلاق ـ مغاير لما ينشأ في الدائم ، لأنّ المنشأ فيه هو الزوجية غير المحدودة.

ثالثتها : في الأحكام والآثار ، لاختصاص الدوام بحرمة الخامسة ، وبالإرث ، ووجوب الإنفاق ، وثبوت الطلاق ، والقسم وغير ذلك. واختصاص المتعة ببذل المدّة ، وتنقيص المهر بالامتناع عن الاستمتاع.

وهذا الاختلاف الفاحش في هذه الجهات الثلاث يدلّ على كونهما نوعين متغايرين. ولا ينافي ذلك وضع لفظي التزويج والنكاح للقدر المشترك بين الدوام والمتعة ، وذلك لأنّه كلفظ التمليك الذي وضع للقدر المشترك بين الهبة والبيع ، فيكون تخصيصه بكل منهما بالقرينة.

وممّا ذكرنا ظهر : أنّ النكاح يكون جنسا للدوام والمتعة ، وهما نوعان له ، فهنا أمور ثلاثة :

أحدها : زواج مرسل ، وهو المسمّى بالنكاح الدائم.

ثانيها : زواج محدود بوقت خاص ، وهو المسمّى بالمنقطع.

__________________

(١) حاشية الرسائل ، ص ٢٩٩.

٤٥٢

نعم (١) الفرق بين العقود وما نحن فيه : أنّ التخلّف عن القصود يحتاج الى

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «وثانيا» أن تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير» وحاصله : أن مقتضى قابلية عموم «تبعية العقود للقصود» للتخصيص بالموارد الخمسة المتقدمة وإن كان جواز تخصيصها بمورد سادس وهو المعاطاة المقصود بها الملك ، حيث إنّها لا تؤثّر إلّا في الإباحة المجرّدة عن الملك ، إلّا أنّ في الخروج عن عموم قاعدة التبعية فرقا بين المعاطاة وبين تلك الموارد الخمسة. والفارق هو : أنّ التخلف في المعاطاة إنّما هو من جهة عدم المقتضي للتبعية ، لما تقدم من عدم قيام دليل ـ بعد ـ على صحتها وترتب الملك المقصود عليها ، والتخلف في الموارد الخمسة يكون من جهة وجود المانع ، وهو الدليل الدال على خروجها عن أدلة صحة العقود. فخروج المعاطاة عن قاعدة التبعية يكون بالتخصص ، وخروج غيرها عنها يكون بالتخصيص.

هذا ظاهر المتن أو صريحه في الفرق بين المعاطاة وموارد النقض.

__________________

ثالثها : زواج جامع بينهما متحد معهما في الخارج. لكن المنشأ للآثار والمحمول بالحمل الشائع ليس إلّا اثنين.

فالمتحصل من جميع ما ذكرنا : أنّ الدوام والانقطاع ماهيتان مختلفتان ، وليستا حقيقة واحدة ، فإذا قصد إنشاء المتعة ونسي ذكر الأجل ، أو تركه عمدا بطل العقد رأسا ، ولا ينعقد المتعة ، لفقدان شرطها وهو ذكر الأجل ، كما لا ينعقد الدوام لعدم قصده.

فما في الجواهر من كون الانقلاب على وفق القواعد مع اعترافه ظاهرا بكون الأجل في المنقطع قيدا وشرطا ، بتوهّم : «كفاية إنشاء أصل النكاح وعدم اشتراط الأجل في حصول الدوام ، وفي محل البحث قد أنشئ النكاح بلا شرط الأجل فهو الدائم» (١) لا يخلو من غموض ، لأنّ إنشاء القدر الجامع لا يكفي في إنشاء أحد أفراده ضرورة ، بل لا بدّ في وقوع الفرد وتحقّقه من إنشاء خصوصه ، لا الجامع بينه وبين غيره.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٠ ، ص ١٧٣ ، ١٧٤.

٤٥٣

الدليل المخرج عن أدلة صحة العقود (١) ، وما نحن فيه (٢) عدم الترتب مطابق للأصل.

وأمّا (٣) ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملّكا فلا بأس بالتزامه

______________________________________________________

لكن بناء على اختصاص قاعدة «تبعية العقود للقصود» بالعقود الصحيحة الممضاة شرعا استحال التخلّف عن القصد فيها كما نبّه عليه المصنف قدس‌سره بقوله : «لم يعقل».

وعليه فموضوع القاعدة خصوص العقود الصحيحة ، لا الأعم منها ومن الفاسدة ، فالعقد الفاسد ـ كالمعاطاة ـ خارج موضوعا عن عموم القاعدة. والفارق بين العقد الفاسد والمعاطاة حينئذ هو عدم صدق العقد على المعاطاة المفيدة للإباحة ، بخلاف العقد الفاسد ، فإنّه عقد عرفا وإن لم يكن صحيحا شرعا.

(١) كما دلّ في نسيان ذكر الأجل في المتعة ، بناء على ما عن المشهور من انقلابها قهرا بالدّوام.

(٢) وهو المعاطاة على مسلك القدماء من إفادتها الإباحة المحضة. هذا تمام ما أفاده المصنف في ردّ أوّل استبعادات كاشف الغطاء قدس‌سره ، وأنّه لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة ـ في قبال قاعدة تبعية العقود للقصود ـ بعنوان «أن العقود لا تتبع القصود» بل العقود الصحيحة لا تتخلّف عن القصود ، ولو تخلّفت لم يقدح ذلك في عموم القاعدة ، إذ ما من عام إلّا وقد خصّ.

٢ ـ التصرف مملّك للمتصرف

(٣) هذا شروع في مناقشة ثاني الاستبعادات المذكورة في شرح القواعد ، وهو : استبعاد كون إرادة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة مملّكة له للمتصرّف فيه.

ومحصل ما أفاده المصنف : أنّه وإن لم يدلّ دليل مستقل على مملّكية إرادة التصرف ، إلّا أنّه لا ينحصر الدليل الشرعي في ذلك ، بل الجمع بين الدليلين ـ أو الأدلة ـ لو اقتضى حكما شرعيا كفى في الأخذ به ، كما هو غير عزيز في الفقه.

والمقام من هذا القبيل ، لوجود طوائف ثلاث من الأدلة لا بد من الجمع بينها.

الاولى : استصحاب بقاء علقة كل من المتعاطيين بما دفعه للآخر ، كما إذا تعاطى زيد وعمرو كتابا بدينار ، فأصالة بقاء الكتاب على ملك زيد ، وأصالة بقاء الدينار على ملك

٤٥٤

إذا كان مقتضى الجمع بين الأصل (١) ودليل جواز التصرف المطلق (٢) وأدلّة توقف بعض التصرفات على الملك (٣) ،

______________________________________________________

عمرو تقتضي بقاء هذه الملكية وعدم زوالها أصلا إلّا بقيام حجة على قطع هذه العلقة.

الثانية : الإجماع على إباحة مطلق التصرف في المأخوذ بالمعاطاة سواء توقّف على الملك أم لم يتوقف.

الثالثة : الأدلة الدالة على توقف بعض التصرفات على الملك ، كالبيع والعتق والوقف.

ومقتضى الجمع بين هذه الطوائف الثلاث هو الحكم بأنّ المأخوذ بالمعاطاة يدخل في ملك الآخذ بمجرّد إرادة التصرف فيه بما يتوقف على الملك.

والجمع بهذا النحو قد التزموا به في مسألتين :

إحداهما : تصرّف ذي الخيار ـ فيما انتقل عنه بمثل البيع ـ تصرفا منوطا بالملك ، كما إذا باع مبيعه الخياري على شخص آخر ، فإنّ مقتضى الجمع بين سلطنته على فسخ العقد الأوّل وتوقف صحة بيعه ثانيا على دخول المال في ملكه هو : أنّ إرادة بيع ماله في زمن الخيار توجب فسخ العقد السابق وتملّكه له آنا ما حتى يصح بيعه ثانيا من شخص آخر.

وثانيتهما : تصرف الواهب ـ فيما وهبه لغيره ـ تصرّفا منوطا بالملك.

وعليه فكما أن تصرّف ذي الخيار ـ فيما انتقل عنه ـ بأحد التصرفات المتوقفة على الملك يكشف عن انفساخ العقد ورجوع المال الى مالكه الأوّل. وكذا تصرف الواهب في الهبة يكشف عن انحلال عقد الهبة وعود العين الموهوبة إلى الواهب ، ووقوع تصرفه في ملكه. فكذلك المقام ، أعني به المعاطاة ، فإنّ المتعاطي ـ الذي يتصرف فيما أخذه بالمعاطاة ـ يتملّك المأخوذ بها قبل تصرفه بإرادة التصرف.

(١) المراد به استصحاب بقاء كل من المالين على ملك المعطي ماله للآخر.

(٢) وهو الإجماع المدّعى في كلام بعضهم على إباحة مطلق التصرفات في المأخوذ بالمعاطاة.

(٣) مثل ما قيل : من دلالة «لا بيع ولا وقف ولا عتق إلّا في ملك» على اعتبار إضافة الملكية في نفوذ بيعه ووقفه وعتقه ونحوها من التصرفات.

٤٥٥

فيكون (١) كتصرف ذي الخيار والواهب فيما انتقل عنهما بالوطي (٢) والبيع والعتق وشبهها (٣) (*).

______________________________________________________

(١) يعني : فيكون الالتزام بمملّكية إرادة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة نظير الالتزام بمملّكية إرادة التصرف من قبل ذي الخيار والواهب.

(٢) هذا و«البيع والعتق» متعلق ب «تصرف ذي الخيار والواهب» يعني : أنّ ذا الخيار والواهب إذا لم يفسخا العقد بل تصرفا في ما انتقل عنهما تصرّفا متوقفا على الملك ـ كالمباشرة مع الأمة المبيعة ببيع خياري أو الموهوبة بهبة جائزة ـ كان ذلك التصرف فسخا فعليا ، وإرادة الفسخ توجب عود المال الى الملك ، فيقع التصرف في ملكي الواهب وذي الخيار.

(٣) كالوقف. وقد تحصّل : أن مملّكية إرادة التصرف ليست قاعدة غريبة يلزم تأسيسها لو قيل بإفادة المعاطاة للإباحة ـ كما زعمه كاشف الغطاء قدس‌سره ـ بل لا بدّ من الالتزام بها ، لاقتضاء الجمع بين الأدلة ذلك. مضافا الى وجود نظيره في الفقه.

__________________

(*) لا يخفى : أنّ جهة الاشكال إن كانت هي استبعاد مملكية إرادة التصرف فما أفاده المصنف قدس‌سره في رفعها ـ من كون ذلك مقتضى الجمع بين أصالة بقاء الملك الى زمان التصرف ، وبين دليل جواز التصرف المطلق ، وبين أدلة توقف بعض التصرفات على الملك من قبيل البيع والعتق ـ متين. إلّا أنّ ظاهر كلام بعض الأساطين عدم كون الاشكال من جهة كون الإرادة من المملّكات حتى يدفع ذلك بأنّه مقتضى الجمع بين الأدلة.

بل جهة الإشكال هي كون مملكية الإرادة خلاف سلطنة المالك على ماله ، حيث إنّ كلّا من المتعاطيين إنّما يقصد الملك حال التعاطي ، لا حال التصرف ، فوقوع الملك حال التصرف خلاف سلطنته على ماله. ولذا فرّق بين المعاطاة وبين قوله : «أعتق عبدك عنّي ، وتصدّق بما لي عنك» حيث انّ تمليك عبده لمن أمره بالعتق كان ناشئا عن إذنه. وكذا تملك المال الذي أمر بالصدقة به عنه كان بإذن المالك ، وليس فيه مخالفة للقاعدة المذكورة أعني سلطنة المالك.

٤٥٦

.................................................................................................

__________________

فقياس مملّكيّة إرادة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة على تصرف ذي الخيار والواهب ـ فيما انتقل عنهما ـ في غير محله ، إذ ليس فيه مخالفة لقاعدة السلطنة بعد فرض ثبوت الخيار وجواز الرجوع في الهبة.

والحاصل : أنّ الاشكال في المقام راجع الى تخصيص قاعدة السلطنة. بخلاف النظائر المزبورة.

وأمّا إذا بنينا على الملكية من أوّل الأمر فلا يلزم تخصيص عموم السلطنة أصلا ، لكون الملكية مقصودة للمتعاطيين ، فيتعيّن البناء عليه لدفع محذور هذا التخصيص ، فيبني على ثبوت الملكية من أوّل الأمر حتى لا يلزم تخصيص قاعدة السلطنة. فالجمع بين الأدلّة يقتضي الملكية من أوّل الأمر.

نعم يلزم منه خلاف استصحاب بقاء المال على ملك مالكه الى حين التصرف. لكن عموم قاعدة السلطنة يدفع هذا الاستصحاب ، فإنّ أصالة العموم وعدم التخصيص تصلح لإثبات الملكية من أوّل الأمر ، فلا يبقى شك في بقاء الملك على ملك مالكه حتى يجري فيه الاستصحاب. هذا.

مضافا الى : أنّ تنظير مملّكيّة إرادة التصرف بتصرف ذي الخيار والواهب لا يخلو من تأمّل آخر نبّه عليه المحقق الأصفهاني قدس‌سره ، وهو : أنّ تصرف ذي الخيار بالفعل إمّا بعنوان السبب أو بعنوان الكاشف عن قصد الفسخ والرجوع على الخلاف في المسألة ، وعلى كلّ فالفعل الاختياري الذي قصد به الفسخ محقّق ، بخلافه في المقام وهو : أنّ نفس تصرف أحدهما مملّك قهري ، لا أنّه يقصد التملك ، بل ربما يكون غافلا عنه ، فلا وجه لهذا التنظير.

والمناسب للمقام التنظير بباب الرجوع بالمباشرة في المطلقة الرجعية بناء على حصوله بمجرد الاستمتاع ولو لم يقصد به الرجوع أصلا ، فإنّ الشارع حكم على غشيانها أنّه رجوع إليها (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٢٩.

٤٥٧

وأمّا (١) ما ذكره من «تعلّق الأخماس والزكوات إلى آخر ما ذكره» فهو استبعاد محض.

______________________________________________________

٣ ـ تعلق الاستطاعة والغنى بالمأخوذ بالمعاطاة

(١) هذا شروع في ردّ ثالث استبعادات كاشف الغطاء قدس‌سره وهو لزوم تعلق الأخماس والزكوات ونحوهما بما في اليد دون الملك ، مع أنّ المعهود من الشرع تعلّقها بالملك.

وما أفاده المصنف قدس‌سره في ردّه أمران أحدهما : منع أصل الاستبعاد ، وأنّه لا مانع من الالتزام بعدم تعلق هذه الأمور الأحد عشر ـ المذكورة في الاستبعاد الثالث ـ بالمأخوذ بالمعاطاة بناء على إفادتها للإباحة كما عليها القدماء.

وثانيهما : المنع الصغروي ، بمعنى أنّ بعض الأمور المذكورة في كلامه لا مانع من الالتزام به ، وإجرائه في المأخوذ بالمعاطاة ، لعدم توقفه على الملك ، ومعه لا يبقى موضوع للاستبعاد ، لأنّه يتوقف على اختصاص الموارد الأحد عشر بالملك حتى يستغرب من عدم تعلقها بالمأخوذ بالمعاطاة ، فإذا لم تتوقف على الملك بل جرت في المباح أيضا التزمنا بترتبها على ما في اليد وإن لم يصر ملكا أصلا.

وتوضيح الوجه الأوّل ـ وإن لم تف به العبارة لقصورها ـ هو : أنّ الحكم بعدم تعلق الخمس والزكاة والاستطاعة ونحوها بالمأخوذ بالمعاطاة استبعاد محض ، فلا بأس بالالتزام بعدم التعلّق.

فان قلت : إنّ عدم التعلّق مخالف للسيرة القائمة على تعلق المذكورات بالمأخوذ بالمعاطاة ، فلا وجه لدعوى عدم التعلق ، مع قيام السيرة على تعلق هذه الأمور بالمأخوذ بالمعاطاة ، وهذا التعلق المستند إلى السيرة كاشف عن إفادة المعاطاة للملك ، لا لإباحة التصرف.

قلت : لا ريب في قيام السيرة على التعلّق ، ولكن على هذا تكون السيرة دليلا على التعلق وإن كان التعلّق مخالفا للقاعدة ، فتكون السيرة دليلا على تخصيصها. فالقاعدة تقتضي عدم التعلق ، ولكن في خصوص هذه الأمور نلتزم بالتعلق لأجل دليل تعبدي وهو السيرة.

٤٥٨

ودفعه بمخالفته (١) للسيرة رجوع إليها (٢). مع (٣) أنّ تعلّق الاستطاعة الموجبة للحجّ ، وتحقّق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة لا يتوقفان على الملك (*).

______________________________________________________

وحينئذ فالسيرة دليل على التعلّق ، لا على الاستبعاد المزبور الذي يريد بعض الأساطين جعله دليلا على مملّكية المعاطاة ، لأنّ غرضه كون الاستبعاد دليلا على إفادة المعاطاة للملك ، لا السيرة ، فجعل السيرة دليلا على الملكية من أوّل الأمر رجوع عن الاستبعاد إلى السيرة.

(١) هذا الضمير وضمير «دفعه» راجعان الى عدم التعلّق.

(٢) أي : إلى السيرة ، وأنّ الرجوع الى السيرة عدول عن جعل الاستبعاد دليلا على مملّكية المعاطاة إلى جعل السيرة دليلا على مملّكيّة المعاطاة.

(٣) هذا إشارة إلى الوجه الثاني وهو المنع الصغروي ، يعني : أنّ الأمور المذكورة في كلام كاشف الغطاء ليس جميعها متوقفة على الملك ، حتى يلزم تأسيس قاعدة جديدة لو قلنا بتعلقها بالمأخوذ بالمعاطاة المفيدة للإباحة لا الملك. ووجه عدم توقفها على الملك هو : أنّ الاستطاعة كما تحصل بملك الزاد والراحلة كذلك تحصل بإباحتهما بالبذل نصّا وفتوى.

وكذلك الغنى المانع عن استحقاق الزكاة ، لأنّ الظاهر صدقه عرفا بوجدان ما يحتاج إليه في مئونة سنته وإن لم يكن مملوكا له. وتفسير الفقير في كلمات الفقهاء ب «من لا يملك قوت سنته» يراد به من لا يجد ذلك ولو بنحو الإباحة ، فليتأمّل.

__________________

(*) ظاهر اقتصار المصنف قدس‌سره على الاستطاعة والغنى هو تسليم توقف غيرهما على الملك.

لكنّه يستشكل فيه. أمّا في توقف تعلق حق الديّان على الملك فبأنّ المباح له وإن لم يكن مالكا للعين ، لكنه مالك لأن يملكها باسترداد العوض أو بالتصرف فيما عنده ، فللغريم إلزامه بأحدهما.

وفيه : أنّ الإلزام فرع الحق ، وليس في المعاطاة حق ، بل حكم شرعي وهو السلطنة على الاسترداد أو التصرّف فيما عنده ، لكون الإباحة تعبّديّة لا مالكية ، ولذا ليس له إسقاطها ، فحديث التوقف على الملك في محله.

نعم إن كان المراد بالتوقّف على الملك كون الوفاء متوقفا على الملك بحيث

٤٥٩

.................................................................................................

__________________

لا يحصل الوفاء إلّا بما يملكه ، لا بما يباح له ففيه : عدم التوقف على الملك ، لجواز التبرع بالوفاء.

وأما النفقات فالظاهر عدم توقفها ـ بمعنى وجوب الإنفاق ـ على الملك ، كما هو قضية إطلاق قوله تعالى (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (١).

وأما حق الشفعة فالظاهر عدم ثبوتها للمباح له ، لاختصاصها بالبيع ، والمفروض عدم كون المعاطاة على هذا المبنى بيعا.

إلّا أن يقال ـ كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره ـ بكفاية البيع العرفي في تحقق الشفعة ، والمفروض أن المعاطاة بيع عرفي ، فيشملها دليل حق الشفعة (٢) ، هذا.

لكن فيه : أنّ حق الشفعة عبارة عن أخذ الشريك ما باعه شريكه من حصته وتملكه ولو قهرا ، فإنّ للشريك سلطنة على أخذ الحصة المبيعة من المشتري وتملكها منه ، وهو فرع صيرورة المأخوذ بالمعاطاة ملكا لمن اشتراه بالمعاطاة. ومجرد كون المعاطاة بيعا عرفيا مع عدم ترتب الأثر الشرعي عليها من الملكية غير مجد. فالشفعة لا تترتب إلّا على البيع المؤثّر في الملكية حتى يكون المشتري مالكا لموضوع حق الشفعة ، ويتسلّط الشريك على أخذه من المشتري ولو قهرا ، هذا.

ولو أريد من تعلق حق الشفعة ثبوته للمباح له إذا باع شريكه المالك حصّته من شخص ، فالحكم بعدم ثبوته أوضح ، لكون موضوع الحق هو الشريك الذي لا ينطبق ضرورة على المباح له.

وأما المواريث فتختص بالملك والحق اللّذين هما منفيّان بناء على الإباحة.

وأمّا الربا فهو إمّا مختص بالبيع ، وإمّا جار في مطلق المعاوضة. والمعاطاة بناء على الإباحة ليست بشي‌ء منهما.

وأمّا الوصية فهي متوقفة على الملك ، لعدم دليل على نفوذها في ملك الغير فالمرجع

__________________

(١) البقرة ، الآية : ٢٣٣.

(٢) حاشية المكاسب ، ص ١٣.

٤٦٠