هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

لا يليق (١) بالمتفقه فضلا عن الفقيه ، ولذا (٢) ذكر بعض الأساطين في شرحه على القواعد ، في مقام الاستبعاد : أنّ القول بالإباحة المجرّدة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك والبيع مستلزم لتأسيس قواعد (٣) جديدة : «

______________________________________________________

القولي صحيح ، والالتزام بالملك الآنيّ قبل التصرف فاسد. وعليه فإمّا أن يقال بإفادة المعاطاة لإباحة التصرفات وعدم حصول الملك أصلا حتى آنا ما قبل التصرف ، وإما أن يقال بإفادتها للملك من أوّل الأمر ، وحيث لا سبيل للالتزام بالأوّل تعيّن الأخير وهو إفادتها للملك من حين التعاطي.

(١) خبر «أنّ ما ذكر» ووجه عدم اللياقة هي الاستبعادات التي ذكرها الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره على المشهور القائلين بالإباحة.

(٢) أي : ولأجل فساد الملك آنا ما قبل التصرف ذكر كاشف الغطاء قدس‌سره في مقام الاستبعاد .. إلخ ، حيث نقل في شرح القواعد بعض الأقوال في حكم المعاطاة ، وقال : «والقول بمجرد الإباحة والاذن في التصرف من غير ملك ، كما ادعيت عليه الشهرة ونقل فيه الإجماع ، وهو مردود بالسيرة المستمرة القاطعة في إجراء حكم الأملاك على ما أخذ بالمعاطاة من إيقاع عقد البيع والإجارة والهبة والصلح والصدقة وجميع العقود وما يتعلق بتمليك الأعيان أو المنافع عليه ، وتعلق العتق والوقف والحبس والرهن والربا والنذر والأيمان والوصايا ونحوه به ، وكذا حكم المواريث والأخماس والزكوات واستطاعة الحج ، والنظر إلى الجواري ولمسهن ووطئهن وتحليلهن وتزويجهن ونحو ذلك. فيلزم إمّا إنكار ما جاز بديهة أو إثبات قواعد جديدة : منها : أن العقود وما قام مقامها لا تتبع القصود .. إلخ».

استلزام القول بالإباحة تأسيس قواعد جديدة

(٣) يعني : أنّ القول بالإباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة لم تكن مشروعة ، ومع استلزام القول بالإباحة لتأسيسها يتعيّن المصير إلى كون المعاطاة مفيدة للملك من أوّل الأمر.

وبعبارة أخرى : إباحة جميع التصرفات تستلزم قواعد غير مشروعة ، فعدم مشروعيتها دليل إنّي على فساد القول بإفادة المعاطاة للإباحة.

٤٢١

منها : أنّ العقود (١) وما قام مقامها لا تتبع القصود.

______________________________________________________

ثم إنّ هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها :

الأوّل : أنّ أصول استبعادات كاشف الغطاء قدس‌سره ثمانية ، وان انحلّ بعضها الى استبعادين أو أكثر كما سننبّه عليه إن شاء الله تعالى.

الثاني : أنّ جملة من هذه الاستبعادات قد نبّه عليها المحقّق الثاني قدس‌سره الذي التجأ إلى تأويل القول بالإباحة إلى الملك المتزلزل. ولكنّه قدس‌سره لم يذكرها بهذا الترتيب والبسط كما صنعه الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره.

الثالث : أن هذه الاستبعادات تدور بين ترتيب آثار الملك على غير الملك ، وبين كون التلف والتصرف مملّكا ـ عند التلف أو التصرف ، من دون ربط له بالإباحة بما هي. وعليه ينبغي أن يضاف إلى قوله : «التمليك والبيع» : وحصول الملكية قبل التلف أو التصرف.

القاعدة الاولى : عدم تبعية العقود للقصود

(١) هذا هو الاستبعاد الأوّل ، أي : القاعدة الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها لو قلنا بإفادة المعاطاة ـ المقصود بها الملك ـ للإباحة المحضة ، وحصول الملكية آنا ما قبل التصرف المملّك. وتوضيحه : أنّ العناوين الاعتبارية كالملكية والزوجية والحرية والبينونة لا تترتب على أسبابها ـ من الإنشاء اللفظي والفعلي ـ قهرا ، بل يناط ترتبها بقصد ذلك العنوان الإنشائي ، ولذلك أسّس الفقهاء «رضوان الله عليهم» قاعدة «أنّ العقود تابعة للقصود». وهذه الجملة تتكفل عقدين ، أحدهما : إيجابي ، وهو لزوم وقوع ما يقصده المتعاقدان. والآخر سلبي وهو عدم وقوع ما لا يقصدانه.

وعلى هذا فلو ترتّبت الإباحة المحضة على المعاطاة المقصود بها الملك لزم مخالفة كلا العقدين ، ولا بدّ من تأسيس قاعدة جديدة ، وهي : «أنّ العقود لا يلزم متابعتها للقصود» إذ المقصود هو الملك ولم يحصل ، والحاصل وهو الإباحة لم يكن مقصودا. ولا سبيل للفقيه أن يلتزم بهذه القاعدة الجديدة. ويتوقف إنكارها على القول بإفادة المعاطاة للملك من حين انعقادها.

٤٢٢

ومنها (١) أن يكون إرادة التصرف من المملّكات ،

______________________________________________________

القاعدة الثانية : مملّكية التصرف أو إرادته

(١) هذا ثاني اللوازم الفاسدة المترتبة على مقالة المشهور من إفادة المعاطاة لإباحة التصرف دون الملك ، ومحصله : لزوم تأسيس قاعدة فقهية جديدة لم تكن معهودة من ذي قبل ، وهي : كون إرادة التصرف ـ أو نفس التصرف أو هما معا ـ من الأسباب المملّكة. توضيحه : أنّ مقصود المتعاطيين ـ وهو الملكية ـ لم يحصل حسب الفرض. وحيث إنّ بعض التصرفات كالبيع والوقف والعتق موقوف على الملك ، فلا بد أن تكون مجرد إرادة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة موجبة لدخول المباح له في ملك مريد التصرف ، أو تكون تلك الإرادة مع نفس التصرف مملّكة بأن يكون كل من الإرادة والتصرّف جزء السبب المملّك.

وكلا الشقّين ممنوع ، لأنّ إدخال المال في ملك الآخذ قبل التصرف ـ حتى يقع ذلك التصرف في ملكه ـ لم يكن مشمولا لإذن المالك الأوّل الدافع للمال ، لأنّه قصد التمليك ، ولم يحصل حسب الفرض ، فالإذن الضمني في إدخاله في ملكه لم يكن موجودا حين التعاطي ، فكيف يجوز للآخذ إدخال مال الغير في ملك نفسه بمجرد تصرفه فيه أو بإرادة تصرّفه؟

فإن قلت : لا مانع من إدخال المأخوذ بالمعاطاة في ملك الآخذ بمجرد التصرف أو بإرادته ، لوجود الإذن في التملّك ضمنا من قبل الدافع ، نظير الإذن الضمني في التملّك في مسألتين :

إحداهما : فيما إذا أمر شخص غيره بعتق عبده من قبل الآمر.

وثانيتهما : فيما إذا أمره بالتصدق بماله عنه.

مثلا : إذا قال زيد لعمرو : «أعتق عبدك عنّي» كان أمره متضمّنا للوكالة في أمرين ، الأول : تمليك عمرو عبده لزيد ، الثاني : عتق العبد عن الآمر ـ وهو زيد ـ فالمأمور يملّك عبده لزيد بالأصالة ، لكونه مالكا للعبد ، ويقبل هذا التمليك ـ عن زيد ـ بالوكالة ، ثم يعتقه عن الآمر بالوكالة أيضا. وعليه فالإذن الضمني في إدخال العبد في ملك زيد متحقق.

وكذا الحال في مسألة الأمر بالتصدق.

وليكن المقام من قبيل هذين الفرعين المتسالم على صحتهما. يعني : أنّ من يدفع ماله

٤٢٣

فيملك العين (١) أو المنفعة (٢) بإرادة التصرف بهما (٣) ، أو معه (٤) دفعة (٥) ، وإن لم يخطر (٦)

______________________________________________________

للغير بالمعاطاة يعلم بترتب إباحة جميع التصرفات ـ حتى المتوقفة على الملك ـ على الدفع ، وهذا يتضمن كون الآخذ مأذونا في إدخال المال في ملك نفسه قبل التصرف المتوقف على الملك. ومع وجود هذا الإذن لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة ، وهي كون التصرف في مال الغير إحدى المملّكات.

قلت : قياس المقام بالأمر بالعتق والصدقة مع الفارق ، لوجود الإذن والتوكيل فيهما ، بخلاف المعاطاة ، فإنّ المقصود أمر واحد وهو التمليك بنفس التعاطي ، والمفروض عدم حصوله ، لأنّ الشارع ألغى هذا القصد وحكم بترتب الإباحة المحضة ، فكيف يتضمن الدفع إذنا للآخر في التمليك ، بل مقتضاه أمّا حرمة التصرف المتوقف على الملك ، والمفروض عدم التزامهم بها ، وإمّا جعل إرادة تصرّف الآخذ موجبة لدخول المال في ملكه. وهذا هو القاعدة التي لم تعهد من الفقهاء ، والتخلص منها يتوقف على إنكار الإباحة رأسا ، والالتزام بالملك كالبيع القولي.

(١) فيما إذا كان المعاطاة في البيع ، الذي هو تمليك عين بعوض.

(٢) فيما إذا كانت المعاطاة في الإجارة ـ التي هي تمليك المنفعة بعوض ـ كتمليك سكنى الدار سنة بدينار.

(٣) الباء بمعنى «في» أي : يتملّك الآخذ العين أو المنفعة بمجرّد إرادة تصرّفه في كلتيهما.

(٤) معطوف على «ارادة التصرف» يعني : لا فرق في لزوم تأسيس قاعدة جديدة بين الالتزام بمملّكية إرادة التصرف وحدها ، وبين جعل المملّك مؤلّفا من إرادة التصرف ونفس التصرف.

(٥) قيد لقوله : «فيملك» يعني : فيملك العين أو المنفعة دفعة. ولعلّ المقصود بالدفعة عدم دخل لفعل المالك المبيح في تملك صاحبه للمال أصلا.

(٦) إذ لو خطر ببال المالك المبيح الإذن في التصرف صارت المعاطاة نظير الأمر بالعتق والصدقة في اشتمالهما على التوكيل في التملك.

٤٢٤

ببال المالك الأوّل الإذن (١) في شي‌ء من هذه التصرفات ، لأنّه (٢) قاصد للنقل من حين الدفع ، لأنّه (٣) لا سلطان له بعد ذلك (٤). بخلاف (٥) من قال : أعتق عبدك عنّي ، وتصدّق بمالي عنك.

ومنها (٦) : أنّ

______________________________________________________

(١) حتى يكون إذنه دخيلا في تملّك صاحبه لما أخذه بالمعاطاة.

(٢) تعليل لعدم خطور الإذن ببال المالك في شي‌ء من التصرفات ، يعني : أنّ عدم الخطور إنّما هو لأجل كون المالك قاصدا للنقل حين إعطاء المال ، ولا سلطنة له بعد ذلك على المال حتى يخطر بباله الإذن في التصرف ، حيث إنّ المالك يعتقد ـ حين الإعطاء ـ صيرورة المال ملكا للآخذ وخارجا عن حيّز سلطنته.

(٣) أي : لأنّ المالك قاصد للنقل من حين الدفع لا من حين تصرّف الآخذ ، وهذا تعليل لعدم كون المالك معتقدا بمالكية نفسه بعد الإعطاء حتى يأذن للآخر في التصرف في المال ، بل يرى سلطنته منقطعة بعد الإعطاء ، فكيف يتمشى منه الإذن في التصرف في المال؟

(٤) أي : بعد الدفع.

(٥) مقصود كاشف الغطاء قدس‌سره بهذا منع تمسّك القائل بالإباحة لإثبات الإذن الضمني المالكي ـ في تملك المباح له قبل تصرّفه في المأخوذ بالمعاطاة ـ بمقايسته بما تسالموا عليه من صحة الأمر بالعتق والتصدق. ووقوعهما عن الآمر لا المأمور. وقد أوضحناه بقولنا : «فان قلت .. قلت .. إلخ».

القاعدة الثالثة : ترتيب آثار الملك على المباح

(٦) هذا هو الاستبعاد الثالث المترتب على القول بالإباحة ، والقاعدة الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها هي : الحكم بترتب عدّة من الأمور على ما في يد المباح له ، مع عدم كونه ملكا له ، مع أنّ هذه الأمور من آثار الملك وشؤونه ، ولازم عدم إفادة المعاطاة للملك هو تعلّقها بغير الملك ، لأنّ المال المأخوذ بالمعاطاة ـ مع بقاء عينه وعدم تلفها ـ باق على ملك مالكه الأوّل ، ولم ينتقل الى الآخذ ، ومع ذلك يتعلق به الأمور المذكورة في المتن ، وهي أحد عشر موردا.

فإن قلت : لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة وهي ترتيب آثار الملك على المباح ، وذلك

٤٢٥

الأخماس (١)

______________________________________________________

لأنّ المنسوب إلى القدماء وإن كان إفادة المعاطاة للإباحة المجرّدة عن الملك ، إلّا أنّهم قالوا بحصول الملك عند تلف إحدى العينين أو كلتيهما. وعلى هذا فالعين الباقية بحالها عند أحد المتعاطيين تصير ملكا له بمجرد تلف الأخرى عند الآخر ، أو تصرفه فيها.

مثلا إذ تعاطى زيد وعمرو جنسا زكويا كالحنطة والشعير بمائة دينار ، واجتمعت شرائط وجوب الزكاة في الحنطة والشعير ، فإنّهما تدخلان في ملك عمرو بمجرّد تصرّف زيد في الدنانير ، وعليه فإذا حكم الشارع على عمرو بوجوب إخراج زكاتهما لم يستلزم تأسيس قاعدة جديدة وهي إخراج الزكاة من المباح لا الملك ، بل كان وجوب الزكاة مترتبا على الملك ، لفرض دخولهما في ملكه بمجرد تصرف زيد في الدنانير.

قلت : مبنى هذا الاستبعاد هو بقاء العين وعدم تصرف الآخر أو الشك فيه ، إذ هنا صور ثلاث :

الأولى : العلم بتصرف زيد في الثمن أو العلم بتلفه.

الثانية : العلم بعدم تصرفه في الثمن أصلا والعلم ببقائه.

الثالثة : الشك في تصرّفه فيه وفي بقائه وتلفه. وتأسيس قاعدة جديدة يبتني على الصورتين الأخيرتين ، ضرورة أنّه مع العلم بعدم تصرف زيد في الثمن أو الشك فيه ـ وكذا مع العلم ببقائه ـ تكون الحنطة والشعير مباحة لعمرو وليستا ملكا له ، ومع ذلك يجب عليه إخراج الزكاة ، فثبت ما استغربه الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره من ترتيب حكم الملك ـ وهو وجوب إخراج الزكاة ـ على غير الملك.

(١) هذا هو المورد الأوّل من الموارد الأحد عشر ، وتوضيحه : أنّه إذا كان المأخوذ بالمعاطاة فاضلا عن مئونة سنته بأن بقي على حاله من دون أن يتصرّف فيه إلى أن مضت السّنة عليه ، فإنّه يجب عليه أداء خمسه ، مع أنّه ليس بملك له ، وإنّما أبيح له التصرف فيه. فيلزم تأسيس قاعدة جديدة ، وهي : عدم اختصاص وجوب الخمس بما يملكه الإنسان ويفضل عن مئونته ، بل يعمّ كل ما في يده سواء أكان ملكا أم مباحا ، وهو غريب.

٤٢٦

والزكوات (١) والاستطاعة (٢) والديون (٣) والنفقات (٤) وحقّ المقاصّة (٥) [المقاسمة]

______________________________________________________

(١) هذا هو المورد الثاني ، وقد ظهر المراد به آنفا.

(٢) هذا ثالث الموارد ، وتوضيحه : أنّه إذا كان الثمن في المعاطاة وافيا بمئونة الحج ، وبقي إلى آن خروج الرّفقة ، فإنّه لا بد أن يحكم على الآخذ بأنّه مستطيع واجد للزاد والراحلة ، مع وضوح عدم كونه مالكا لهما بالمعاطاة ، بل أبيح له التصرف في ذلك الثمن ، فيلزم ترتيب حكم الملك ـ وهو وجوب الحج على من له الزاد والراحلة ـ على غير الملك.

(٣) هذا رابع الموارد ، وتوضيحه : أنّ المديون يجب عليه أداء دينه ممّا يملكه ، فإذا اشترى بالمعاطاة شيئا وأراد أداء دينه به ـ مع عدم صيرورته ملكا له ـ لزم جواز أداء الدين بالمباح لا بالملك ، وهو كما ترى.

(٤) هذا خامس الموارد ، وبيانه : أنّه يجب على الزوج الإنفاق على زوجته ـ بل على غيرها من الأقارب مع التمكن ـ والنفقة إنّما تجب عند مالكيته لما ينفقه ، فلو تعامل بالمعاطاة واشترى الطعام والملبس ، وجب عليه صرفهما في النفقة الواجبة ، مع عدم دخولهما في ملكه ، بل وقعا في يده بعنوان الإباحة. فيدور الأمر بين عدم وجوب الإنفاق أصلا ـ لعدم كونه مالكا ـ وبين وجوبه عليه حتى في المباح ، ولا سبيل للأوّل ، والثاني هو معنى تأسيس قاعدة جديدة.

(٥) هذا سادس الموارد ، وتوضيحه : أنّ المديون الذي لا يؤدّي دينه ـ إمّا قصورا وإمّا تقصيرا ـ إذا باع بالمعاطاة شيئا ، وكان ثمنه وافيا بدينه ، فظفر به الدائن ، جاز له أخذه منه تقاصّا ، مع أنّ المأخوذ مقاصّة لا بد أن يكون ملكا للمديون حتى يجوز للدائن أخذه مقاصّة ، ولا يكفي مجرّد الإباحة ووقوع الشي‌ء في يد المديون.

هذا بناء على كون العبارة «حق المقاصة». وبناء على ما في بعض نسخ شرح القواعد من «حق المقاسمة» فبيانه : أنّه إذا اشترك اثنان في شراء شي‌ء مشاعا ، ثبت لكل منهما حق القسمة وإفراز حصته من حصة شريكه ، مع أنّه ليس ملكا له ، بل ثبت بالمعاطاة مجرد إباحة التصرف ، وعليه يلزم تعلق حق القسمة بما في اليد دون الملك.

٤٢٧

والشفعة (١) والمواريث (٢) والربا (٣) والوصايا (٤) تتعلّق بما في اليد ،

______________________________________________________

(١) هذا سابع الموارد ، وبيانه : أنّه إذا كانت دار مشتركة بين زيد وعمرو ، فباع زيد حصّته من بكر بالمعاطاة ، فيثبت لعمرو حق الشفعة ، ويستحق إرجاعها إلى نفسه ببذل مثل الثمن الى بكر. فعلى القول بإفادة المعاطاة للإباحة المحضة يلزم تعلق حق الشفعة بحصة الشريك ـ أي زيد ـ مع عدم خروجها عن ملكه ، ومن المعلوم أنّه لا بدّ في تعلّق حق الشفعة من خروج الحصة عن ملك الشريك.

(٢) هذا ثامن الموارد ، كما إذا اشترى زيد بالمعاطاة دارا ومات ، فإنّها تنتقل كسائر أمواله إلى ورثته ، مع أنّ هذه الدار لم تكن ملكا للمورّث ، بل كانت في يده مباحة ، فيلزم تأسيس قاعدة جديدة : وهي : تعلق الإرث بالمباحات وعدم اختصاصه بالأملاك والحقوق.

(٣) هذا هو المورد التاسع ، وبيانه : أنّه إذا كان العوضان في المعاطاة من جنس واحد مع التفاضل ، فإنّ الزيادة محرّمة ، فلو لم تكن المعاطاة مفيدة للملك لم يكن وجه لحرمة الزيادة ، لأنّ موضوع الحرمة هو المعاملة الصحيحة المؤثّرة في الملك لولا الربا ، ومن المعلوم فقدان الصحّة بدون الربا أيضا ، إذ المفروض عدم كون المعاطاة بيعا مؤثّرا ولو بدون الربا.

وكما إذا باع المأخوذ بالمعاطاة بجنسه مع التفاضل.

(٤) هذا عاشر الموارد ، وبيانه : أنّه إذا أوصى شخص بصرف المأخوذ بالمعاطاة في الوجوه البرّيّة ، أو أوصى بإعطائه لشخص بعد وفاته ، فإنّ المعاطاة لو أفادت الإباحة لزم كون الوصية بمال غيره لا بمال نفسه ، لفرض عدم دخوله ـ بمجرد المعاطاة ـ في ملكه (*).

__________________

(*) هذا هو المقصود ، لا ما عن المحقق النائيني قدس‌سره من التكسب به مرارا بالمعاطاة ، حتى يستشكل عليه بكونه مسبوقا بالتصرّف الذي هو المملّك.

٤٢٨

مع (١) العلم ببقاء مقابله (٢) وعدم (٣) التصرف فيه ، أو (٤) عدم العلم به (٥) ، فينفى (٦) [فيقى] بالأصل ،

______________________________________________________

(١) قيد لقوله : «تتعلق» يعني : أنّ تأسيس قاعدة جديدة يبتني على أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ :

الأوّل : العلم ببقاء العين الأخرى في يد المتعاطي الآخر ، وأنّها لم تتلف بعد ، ولم يتصرّف فيها أصلا.

الثاني : الشك في بقائها ، أو تصرّفه فيها.

فلو علم أحد المتعاطيين بأنّ العين الّتي أخذها المتعاطي الآخر قد تلفت أو تصرّف فيها لم يلزم تأسيس قاعدة جديدة ، لأنّ هذه العين أيضا تصير ملكا لزيد بمجرد تصرف عمرو في تلك العين. وقد أوضحنا هذا بقولنا : «ان قلت .. قلت ..» راجع (ص ٤٢٦).

(٢) أي : مقابل ما في اليد ، إذ مع تلف العين الأخرى عند عمرو يصير ما في يد زيد ملكا له قهرا.

(٣) معطوف على «بقاء» يعني : مع العلم بعدم تصرف عمرو في ما أخذه بالمعاطاة. والوجه في هذا العطف أنّ الموجب لتبدل الإباحة بالملك ـ عند المشهور أحد أمرين : إمّا تلف إحدى العينين ، وإمّا التصرف فيها.

(٤) معطوف على «العلم» يعني : أو مع عدم العلم ببقاء مقابله عند الآخذ ، فيحكم ببقائه بالاستصحاب. وعليه ففي كلتا الصورتين ـ وهما العلم ببقاء مقابله ، أو الشك في بقائه ـ يكون ما بيده ملكا للغير ، ومع ذلك يجري عليه أحكام الملك.

(٥) أي : عدم العلم ببقاء المقابل ، وعدم العلم بعدم التصرف في المقابل.

(٦) هذه الكلمة اختلف ضبطها في نسخ شرح القواعد ، ففي بعضها «فينفى» وفي بعضها «فيبقى» وعلى كل منهما لا يختلف المقصود. إذ لو كانت «فينفى أو فينتفي» كان الضمير المستتر راجعا إلى «عدم التصرف فيه» يعني : يحرز ـ باستصحاب عدم تصرف عمرو في العين ـ أنّ ما في يد زيد لم ينتقل إلى ملكه ، فيلزم ترتيب آثار الملك عليه مع كونه محكوما بالإباحة المحضة.

ولو كانت «فيبقى بالأصل» كان الضمير المستتر في الفعل المبني للفاعل راجعا إلى كل

٤٢٩

فتكون (١) متعلّقة بغير الأملاك. وأنّ (٢) صفة الغنى والفقر

______________________________________________________

من «بقاء مقابله ، عدم التصرف فيه» يعني : يحرز ـ ببركة الاستصحاب ـ بقاء العين الأخرى في يد عمرو على حالها ولم تتلف ، ويحرز أيضا عدم تصرف عمرو فيها ، ويترتب على كلّ ـ من البقاء وعدم التصرف ـ كون ما في يد زيد مباحا لا ملكا له.

ولعلّ الأوفق بسياق الكلام : «فينفى بالأصل» أي : فينفى بالأصل التصرف المشكوك فيه ، ويحرز الموضوع المؤلّف من وجودي وهو بقاء العين ، وعدمي وهو عدم التصرف فيه.

(١) هذا متفرّع على إحراز بقاء العين الأخرى في يد عمرو وعدم تصرفه فيها ، إمّا بالوجدان وإمّا بالتعبد ، إذ في كلتا الصورتين يلزم تأسيس قاعدة جديدة ، وهي تعلّق أحكام الملك بما ليس ملكا ، كما مرّ في الموارد العشرة.

(٢) الظاهر أنّه معطوف على قوله : «أن الأخماس» ولازمه أن يكون هذا أمرا على حدة في مقابل الموارد العشرة من الأخماس والزكوات. لكن حيث إنّ القاعدة التي يتعيّن تأسيسها في الجميع هي إجراء حكم الملك على ما ليس بملك كان المناسب جعل قوله : «وأنّ الغنى» المورد الحادي عشر لما تقدم عليه.

وكيف كان فتوضيحه : أنّ الاتّصاف بالفقر والغنى موقوف على الملك ، فإن كان الإنسان واجدا لمئونة سنته ولو بالقوة كان غنيّا وحرم عليه أخذ الصدقات ، والخمس إن كان هاشميا. وإن لم يكن واجدا لها ـ ولو بالقوّة ـ كان فقيرا وجاز له أخذها.

وعليه فإذا باع زيد بالمعاطاة شيئا من مئونته ـ ككتاب يحتاج إليه ـ بثمن غال لصرفه في نفقة عياله ، ولم يتلف الكتاب في يد المشتري ولم يتصرف فيه ، وبقي الثمن في يد زيد أيضا وهو واف بمئونة سنته ، فإنّه يلزم تأسيس قاعدة جديدة ، وهي : دوران الغنى والفقر مدار الإباحة دون الملك ، وذلك لأنّ الكتاب باق على ملك زيد حسب الفرض ، كما أنّ الثمن باق على ملك عمرو ، فلو صار زيد غنيّا بالمأخوذ بالمعاطاة كان معناه ترتّب الغنى على مجرّد كون المال في يده وإن كان ملكا للغير ، وصار عمرو فقيرا بشراء الكتاب مع أنّ الثمن باق على ملكه.

والحاصل : أنّه يلزم ترتب صفة الغنى والفقر على ما في اليد مع كونه ملكا للغير ، فيترتب وجود الغنى على المأخوذ بالمعاطاة ، ويرتفع به الفقر مع عدم كون هذا المأخوذ ملكا ،

٤٣٠

تترتّب عليه (١) كذلك (٢) ، فيصير (٣) ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك.

ومنها (٤) : كون التصرف من جانب مملّكا للجانب الآخر (٥). مضافا إلى غرابة (٦) استناد الملك الى التصرف.

______________________________________________________

فالآخذ غني وليس بمالك ، والمعطي للمال فقير مع عدم خروج المال عن ملكه.

(١) أي : على ما في اليد وإن لم يكن ملكا له.

(٢) أي : مع العلم ببقاء مقابله وعدم التصرف فيه ، أو مع الشك في البقاء والتصرف. وهذا إشارة إلى الصورتين المتقدمتين.

القاعدة الرابعة : مملّكية تصرف أحد المتعاطيين للآخر

(٣) هذا هي القاعدة التي يلزم تأسيسها لو قيل بإفادة المعاطاة للإباحة المحضة.

(٤) أي : ومن القواعد الجديدة ، وهذه رابع الاستبعادات ، وهو يتضمن أمرين لا بدّ من تأسيسها.

أحدهما : كون أصل التصرف في المباح سببا لدخوله في الملك ، وهو بعيد ، لأنّ الأسباب المملّكة المعهودة من الشرع محصورة في أمور اختياريّة وقهرية ، وليس التصرف منها ، فالاختيارية إمّا خارجية كحيازة المباحات ، وإمّا اعتبارية كالبيع والإجارة والمضاربة والصلح ونحوها. والقهريّة كالموت والارتداد. فكيف حكم المشهور بدخول المأخوذ بالمعاطاة في الملك بالتصرف فيه؟

ثانيهما : أن يكون تصرف أحد المتعاطيين في المأخوذ بالمعاطاة موجبا لصيرورة الآخر مالكا لما في يده. وهذا أكثر غرابة من الأوّل.

(٥) ولم يعهد كون التصرف من جانب مملّكا للجانب الآخر ، إذ لم يتحقق إلّا أمران ، أحدهما : المعاطاة ، والآخر : التصرف ، والمفروض أنّ الأوّل لم يؤثّر في الملكية ، فالمملّك هو التصرف.

(٦) وجه الغرابة أنّ التصرف مؤخّر طبعا عن الملك ، لأنّه مقتضى توقف التصرف على الملك ، ومع تأخّره عن الملك كيف يستند الملك إليه؟

٤٣١

ومنها (١) جعل التلف السماوي (٢) من جانب مملّكا للجانب الآخر (٣).

والتلف (٤) من الجانبين مع التفريط معيّنا للمسمّى

______________________________________________________

القاعدة الخامسة : ترتب آثار غير معهودة على التلف

(١) أي : ومن القواعد الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها بناء على القول بالإباحة ، وهذا الاستبعاد الخامس يتضمن قواعد أربعة تتعلق بتلف إحدى العينين أو كلتيهما.

الاولى : أنّ المشهور قالوا : «إذا تلفت إحدى العينين لزمت» والتلف الملزم أعم من الاختياري كالأكل والشرب ونحوهما من التصرفات الخارجية والاعتباريّة ، والقهري وهو ما لم يكن بإرادة الإنسان كالسيل والصاعقة والزلزال وشبهها من أنواع البلاء ، المعبّر عنها بالتلف السماوي.

ووجه الغرابة : أنّ تلف المال قهرا عند أحد المتعاطيين كيف يوجب دخول المال الآخر في ملك المتعاطي الآخر قهرا؟ فإنّ مملّكية هذا التلف السماوي أكثر مئونة من مملّكية تصرف أحدهما للآخر ، إذ التصرف فعل اختياري قد يتيسّر توجيه مملّكيته ، وأمّا التلف القهري فلا.

هذا وسيأتي بيان القواعد الثلاث الأخر التي تضمنها هذا الاستبعاد الخامس.

(٢) التقييد بالسماوي في قبال الإتلاف الأناسي فإنّه تصرّف في المال ، ويندرج في الاستبعاد الرابع ، وهو غرابة مملّكية التصرف.

(٣) فيلزم أن يكون أكل الهرّة مثلا للحم المأخوذ بالمعاطاة مملّكا للثمن الذي أخذه الآخر بالمعاطاة. ومن المعلوم أن كون التلف مملّكا وناقلا في غاية البعد. وأمّا بناء على إفادة المعاطاة للملك فلا يلزم هذا المحذور أصلا.

(٤) معطوف على «التلف» وهذا إشارة إلى القاعدة الثانية التي ينبغي تأسيسها ، وبيانها : أنّ مقتضى تأثير المعاطاة في خصوص الإباحة هو : أنّ العينين باقيتان على ملك مالكيهما ، وهما أمانتان عند المتعاطيين ، ومن المعلوم أنّ إتلاف الأمانة والتفريط في حفظها يوجب ضمان بدلها الواقعي من المثل أو القيمة ، لاقتضاء قاعدة «على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه» اشتغال الذمة بالبدل الواقعي ، لا بالمسمّى ، فإنّه مخصوص بالمعاوضة الصحيحة ، كما إذا باع زيد كتابا بدينار من عمرو ، وكانت قيمته الواقعية دينارين ، فتبيّن غبن زيد بدينار ، فإذا أتلف كلّ منهما

٤٣٢

من الطرفين (١) ، ولا رجوع إلى قيمة المثل (٢) حتى يكون له الرجوع بالتفاوت.

ومع حصوله (٣) في يد الغاصب

______________________________________________________

ما في يده مفرّطا في ذلك كان الضمان بالمسمّى ، ولا يرجع زيد على عمرو بدينار آخر وهو التفاوت بين المسمّى والقيمة الواقعية.

وعلى هذا فلو أتلف كل من المتعاطيين ما في يده لزم أن يضمن للآخر بدله الواقعي ، لعدم كون المعاطاة عقدا صحيحا مملّكا حسب الفرض ، بل هي مبيحة للتصرف ، ومعه كيف حكم المشهور بأنّ إتلاف المأخوذ بالمعاطاة لا يوجب انتقال الضمان من المسمّى إلى الواقعي؟ إذ مقتضى قاعدة «اليد» استقرار البدل الواقعي على العهدة ، ولا وجه لصيرورة الضمان معاوضيّا.

(١) مع أنّ مقتضى قاعدة «اليد» هو الضمان بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة ، وجواز الرجوع بالتفاوت.

(٢) يعني : كما هو مقتضى قاعدة المعاوضة الفاسدة حتى يرجع المغبون منهما الى التفاوت. مثلا : إذا أعطى كتاب المكاسب بدينار ، فأتلف كلّ منهما ما في يده مفرّطا في ذلك ، فالضمان على كل منهما يكون بالمسمّى ، فإذا كانت قيمة الكتاب دينارين مثلا لا يرجع مالك الكتاب على الآخر ـ الآخذ له ـ بدينار يكون ما به التفاوت بين المسمّى وبين القيمة الواقعية.

(٣) أي : ومع حصول المأخوذ بالمعاطاة في يد الغاصب ، وهذا إشارة إلى القاعدة الثالثة التي تضمّنها الاستبعاد الخامس ، وحاصل ذلك : أنّه إذا تعاطي زيد وعمرو كتابا بدينار ، فغصب بكر الكتاب ، سواء تلف عنده أم بقي بحاله. فإن قلنا بأن القابض بالمعاطاة ـ وهو عمرو ـ هو الذي يطالب الكتاب من الغاصب كان القول به بعيدا ، لأنّ غصب الغاصب للمأخوذ بالمعاطاة أو تلفه عنده كيف يوجب ملكية المأخوذ للقابض بالمعاطاة حتى تصير المطالبة من الغاصب للمالك؟ إذ لم يعهد نهوض دليل على كون الغصب أو التلف عند الغاصب من النواقل الشرعية.

وإن قلنا بأنّ المطالب هو القابض بالمعاطاة ـ وهو عمرو ـ مع فرض عدم تملكه للمأخوذ بالمعاطاة بسبب غصب الغاصب أو تلف المال عنده كان أيضا بعيدا جدّا ، حيث إنّ

٤٣٣

أو تلفه (١) فيها ، فالقول بأنّه (٢) المطالب (٣) لأنّه (٤) تملّك بالغصب أو التلف في يد الغاصب غريب (٥) ، والقول (٦) بعدم الملك بعيد جدّا.

مع (٧) أنّ في التلف القهري

______________________________________________________

المطالبة من الغاصب من شؤون سلطنة المالك على ماله ، فليس لغير المالك سلطنة المطالبة من الغاصب.

(١) يعني : تلف المأخوذ بالمعاطاة في يد الغاصب.

(٢) أي : بأنّ القابض بالمعاطاة.

(٣) بصيغة الفاعل ، والمراد به القابض بالمعاطاة.

(٤) أي : لأنّ القابض بالمعاطاة.

(٥) خبر «فالقول» وهذا إشارة إلى أحد الأمرين الغريبين ، وقد تقدم بقولنا : «فإن قلنا بأن القابض بالمعاطاة ـ وهو عمرو ـ هو الذي يطالب .. إلخ».

(٦) معطوف على «فالقول» وهذا إشارة إلى ثاني الأمرين الغريبين ، ووجه الغرابة : ما عرفت من أنّ المباح له إذا لم يصر مالكا للمأخوذ بالمعاطاة ـ بسبب غصب الغاصب أو التلف عنده ـ لم يكن له حقّ مطالبة تلك العين ـ أو بدلها ـ من الغاصب ، لأنّ الغاصب ضامن للمالك المبيح لا للآخذ المباح له. ومعنى هذا عدم جواز رجوع المباح له على الغاصب لاسترداد ماله. مع أنّه لا ريب في ثبوت حق المطالبة للآخذ ، وهو كاشف عن كونه مالكا لما أخذه بالمعاطاة ، ولا أثر من الإباحة في نظر العرف أصلا.

(٧) هذا إشكال آخر على مملّكية التلف القهري غير ما أفاده بقوله : «جعل التلف السماوي من جانب مملّكا للجانب الآخر» وهذه هي القاعدة الرابعة التي تضمّنها الاستبعاد الخامس. ومقصود كاشف الغطاء قدس‌سره إنكار أصل مملّكية التلف القهري سواء أكان التلف في يد الغاصب أم القابض.

وحاصل الاشكال : أنّه إن قلنا بأنّ القابض بالمعاطاة ملك المأخوذ بها قبل التلف كان عجيبا ، إذ لو حصلت الملكية بغير سبب لزم وجود المعلول بلا علّة ، ولو حصلت بسبب التلف لزم تقدم المعلول على علّته ، وكلاهما غير معقول.

٤٣٤

إن ملك التالف قبل التلف فعجيب (١) ، ومعه (٢) بعيد ، لعدم قابليته. وبعده (٣) ملك معدوم. ومع عدم (٤) الدخول في الملك (٥) يكون ملك الآخر بغير عوض.

______________________________________________________

وإن قلنا بحصول الملكية مع التلف كان بعيدا ، إذ لا موجب لها في خصوص زمان التلف دون ما قبله. مضافا إلى : أنّ زمان التلف هو زمان انتفاء الملكية لا حدوثها.

ومنه يظهر بطلان الملكية بعد التلف ـ لو قيل بها ـ لأنّ تملك المعدوم غير معقول.

وعليه لا يعقل مملّكية التلف القهري أصلا. لا قبله ولا مقارنا له ولا بعده.

(١) لما عرفت آنفا من أنّه إمّا من تقدم المعلول على العلّة ، وإمّا من وجود المعلول بلا علّة.

(٢) أي : ومع التلف فبعيد ، والأولى اقتران «بعيد» بالفاء ، لاقتضاء العطف على «قبل التلف» كونه جزاء لقوله : «ان ملك» فكأنّه قال : «وإن ملك التالف مقارنا للتلف فبعيد» والوجه في البعد ما أفاده بقوله : «لعدم قابلية» لأنّ آن التلف هو آن انتفاء الملكية بانتفاء المملوك ، فكيف تحصل الملكية مقارنة للتلف؟

(٣) أي : بعد التلف ، يعني : يكون حصول الملكية ـ بعد تلف المأخوذ بالمعاطاة ـ من ملك المعدوم ، وهو غير معقول. والأولى أيضا اقتران «ملك» بالفاء لما أشرنا إليه آنفا.

(٤) هذا بمنزلة نتيجة ما أفاده من عدم معقولية مملّكية التلف القهري ، يعني : ولازم عدم دخول المأخوذ بالمعاطاة ـ بسبب التلف ـ هو اجتماع العوض والمعوّض عند المتعاطي الآخر.

(٥) يعني : في صورة التلف إن بني على عدم صيرورة التالف ملكا للقابض لزم منه أن يكون ملك المتعاطي الآخر لما قبضه ـ من صاحبه ـ بلا عوض ، ولازمه الجمع بين العوض والمعوّض.

فإن قلت : إذا لم يكن التلف مملّكا لمن تلف عنده المال فليكن غير مملّك للمتعاطي الآخر أيضا بالنسبة إلى العوض.

قلت : لا سبيل لنفي ملكية الآخر لما عنده ، وذلك لوجهين.

أحدهما : قيام السيرة على صيرورة المال ملكا للقابض بمجرّد تلف إحدى العينين عند الآخر.

وثانيهما : بناء المتعاطيين على معاملة الملك مع المأخوذ بالمعاطاة.

٤٣٥

ونفي الملك (١) مخالف للسيرة وبناء (٢) المتعاطيين.

ومنها (٣) : أنّ التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقف على النيّة فهو بعيد ، وإن أوقفناه عليها (٤) كان الواطي للجارية (٥) من غيرها (٦)

______________________________________________________

(١) يعني : ونفي ملك المتعاطي الآخر لما قبضه بالمعاطاة مخالف للسيرة التي قامت على كونه مالكا له.

(٢) بالجر معطوف على «السيرة». أمّا كون نفي ملك المتعاطي الآخر لما قبضه بالمعاطاة مخالفا لبناء المتعاقدين فلأنّ المفروض كونهما قاصدين للتمليك بالمعاطاة كقصدهما له بالبيع القولي.

القاعدة السادسة : التصرف سبب مملّك قهرا أو اختيارا

(٣) أي : ومن القواعد الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها بناء على القول بالإباحة : أنّ التصرف .. إلخ. وهذا هو الاستبعاد السادس ، وهو ناظر إلى بعد مملّكية التصرف سواء أكان من النواقل القهرية أم الاختياريّة.

توضيحه : أنّ التصرف لا يكون مملّكا ولا ناقلا ، إذ لو قلنا بذلك ، فإن كانت مملّكيته قهرية ـ أي : بلا حاجة إلى نيّة التملّك ـ كان بعيدا ، إذ لا دليل عليه ، ومجرّد الإمكان لا يجدي في الوقوع.

وإن كانت مملّكيّته متوقفة على قصد التملك لزم منه ما لم يلتزم به أحد ، وهو كون الواطئ للجارية المأخوذة بالمعاطاة واطيا لها بالشبهة إذا لم ينو تملكها به ، وجريان حكم وطي الشبهة عليه.

وكذا لزم منه كون الجاني على ما أخذه بالمعاطاة والمتلف له جانيا على مال الغير ومتلفا له لا لمال نفسه ، وهذا خلاف ما جرت عليه سيرتهم ، ونتيجة ذلك بعد كون نفس التصرف مملّكا ، بل لا بدّ من القول بحصول الملكية من أوّل الأمر.

(٤) أي : وإن قلنا بتوقف ناقلية التصرف على النيّة لزم منه كون الواطئ للجارية .. إلخ.

(٥) المأخوذة بالمعاطاة.

(٦) أي : من غير النّيّة.

٤٣٦

واطيا بالشبهة (*) والجاني عليه والمتلف له (١) جانيا على مال الغير ومتلفا له (٢).

ومنها (٣) : أنّ النماء الحادث قبل التصرف (٤) إن جعلنا حدوثه مملّكا له (٥) دون العين فبعيد ، أو معها (٦) فكذلك (٧) ،

______________________________________________________

(١) تذكير هذا الضمير وضمير «عليه» باعتبار المأخوذ بالمعاطاة.

(٢) أي : لمال الغير.

القاعدة السابعة : مملّكية حدوث النماء

(٣) أي : ومن القواعد الجديدة التي لا بد من تأسيسها هو : أنّه لا بد من القول بمملّكية حدوث النماء ، وهو غير معهود ، توضيحه : أنّه يجوز للآخذ بالمعاطاة التصرف في نماء المأخوذ بها الحادث في العين قبل التصرف فيها ، وجواز التصرف في النماء إمّا لأجل كون حدوث النماء مملّكا له ، وإمّا لأنّ المالك الأصلي أذن له في التصرف في النماء كإذنه في التصرف في ذي النماء.

وعلى الأوّل فإن قلنا بكون حدوث النماء مملّكا للنماء فقط ـ أي بدون ذي النماء ـ كان بعيدا ، إذ لا وجه للتفكيك في الملكية بين النماء والأصل ، خصوصا في النماء المتصل. مع أنّه لم يعهد من مذاق الشارع الأقدس كون حدوث النماء من موجبات تملك النماء.

وإن قلنا بأنّ حدوث النماء مملّك له وللأصل معا كان بعيدا أيضا ، لمنافاته لظاهر أكثر الفقهاء القائلين بعدم حصول الملكية في المأخوذ بالمعاطاة من دون التصرف فيه.

وعلى الثاني ـ وهو أن يكون التصرف في النماء مستندا إلى إذن المالك ـ قلنا : إنّ شمول الإذن ـ في التصرف في العين ـ للتصرف في النماء أمر خفي ، فلا يمكن الالتزام به ، حيث إنّ المالك الأصلي لم يأذن للمباح له إلّا في التصرف في نفس المأخوذ بالمعاطاة لا في نماءاته المتكوّنة منه بعد التعاطي.

(٤) التقييد بالقبليّة لأجل كون التصرف قبل حدوث النماء مملّكا للأصل ، فلا يبقى موضوع للاستبعاد.

(٥) هذا الضمير وضمير «حدوثه» راجعان الى النماء.

(٦) أي : جعل حدوث النماء مملّكا له وللعين معا.

(٧) أي : بعيد.

__________________

(*) إذا كان جهله عن قصور ، وإلّا كان زانيا.

٤٣٧

وكلاهما (١) مناف لظاهر الأكثر. وشمول (٢) الإذن له خفيّ.

ومنها (٣) : قصر التمليك على التصرف

______________________________________________________

(١) أي : كون حدوث النماء مملّكا للنماء خاصة ـ أو مملّكا للعين والنماء معا ـ خلاف ظاهر الأكثر ، لأنّهم قائلون بمملّكية التصرف ، لا بمملّكية حدوث النماء.

(٢) هذا دفع دخل مقدر ، حاصله : عدم كون حدوث النماء مملّكا من جهة مخالفة المشهور ، ولكن نقول بجواز التصرف في نماء المأخوذ بالمعاطاة من باب إذن المالك في التصرف.

فأجاب قدس‌سره عنه بأنّ شمول الإذن المالكي لإباحة التصرف في النماء خفيّ ، خصوصا إذا كان حدوث النماء بعد وقوع المعاطاة بزمان طويل ، كما إذا تعاطيا سخلة بدينار فأحبلت بعد سنة ، أو تعاطيا على شجرة بدينار فأثمرت بعد أشهر ، فإنّه لم يعلم إذن المالك في التصرف في لبن الشاة أو ثمرة الشجرة ، لاحتمال ـ غفلته حين التقابض ـ عن التصرف في النماء حتى يأذن له.

القاعدة الثامنة : مملكية التصرف تستلزم اجتماع المتقابلين

(٣) أي : ومن القواعد الجديدة : قصر التمليك .. إلخ ، وهذا هو الاستبعاد الثامن والأخير من استبعادات كاشف الغطاء قدس‌سره وهو يتضمن استبعادين :

أحدهما : أنّه يلزم من مملّكية التصرف اجتماع المتقابلين في واحد ، أي صيرورة الموجب والقابل واحدا في المعاطاة.

ثانيهما : أولوية استناد الملكية إلى نفس المعاطاة من استنادها الى التصرف.

توضيحه : أنّه يلزم ـ بناء على إفادة المعاطاة للإباحة ، واستناد مملّكية التصرف إلى إذن المالك ، لأجل كون الإذن في الشي‌ء إذنا فيما يتوقف عليه ـ كون المتعاطي موجبا وقابلا ، لأنّه موجب من ناحية المالك المبيح ، حيث إنّه مأذون من المالك في تمليك المال لنفسه ، وقابل لتملّكه للمال.

لكنه ـ بناء على استناد مملّكية التصرف إلى إذن المالك ـ يلزم أن يكون نفس التعاطي مملّكا بالأولوية ، وذلك لاقتران التعاطي بقصد التمليك من المعطي ، دون التصرف الصادر بعد المعاطاة ، لانفصاله عنها ، بخلاف التعاطي ، فإنّ الإذن في التمليك مقرون به.

وبالجملة : فالإذن في التصرف المملّك يوجب مملّكية نفس المعاطاة بالأولوية

٤٣٨

مع الاستناد فيه (١) إلى : أنّ إذن المالك فيه (٢) إذن في التمليك ، فيرجع (٣) الى كون المتصرّف في تمليك نفسه موجبا قابلا ، وذلك (٤) جار في القبض ، بل هو (٥) أولى منه ، لاقترانه (٦) بقصد التمليك ، دونه» انتهى (٧).

والمقصود من ذلك كلّه استبعاد هذا القول (٨) ، لا أنّ الوجوه المذكورة تنهض في مقابل الأصول والعمومات (٩) ، إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف

______________________________________________________

(١) أي : أنّ التمليك المستند إلى الإذن في التصرف جار في القبض أيضا وهو الأخذ من المعطي ، لاقتران الإعطاء بقصد تمليك المعطي.

(٢) أي : أن إذن المالك في التصرف إذن في أن يتملّك المتصرّف المأخوذ بالمعاطاة.

(٣) يعني : أن مآل إذن المالك في التصرف إلى صيرورة المتصرّف موجبا وقابلا.

(٤) يعني : أنّ ما ذكر ـ من كون الإذن في التصرف إذنا في التمليك ـ جار في القبض.

(٥) أي : القبض المعاطاتي أولى من التصرف الذي تكون مملكيّته مستندة إلى : أنّ إذن المالك في التصرف إذن في التمليك. وجه الأولوية ما عرفته من اقتران المعاطاة بقصد التمليك دون التصرف ، فإنّ الإذن في التمليك وإن كان موجودا حين التصرف أيضا فيتملّك المتصرف المأخوذ بالمعاطاة ، إلّا أنّ الإذن في التمليك موجود في نفس زمان المعاطاة ، فليكن هو المملّك بوجوده الحدوثي ، لا بوجوده البقائي.

هذا ظاهر العبارة. لكن التعليل لا يخلو من مسامحة ، إذ الإذن المملّك موجود من زمان حدوثه بالمعاطاة إلى جميع الآنات المتأخرة ، ولا يعتبر حدوث إذن آخر في زمان التصرف حتّى تتجه الأولويّة.

(٦) أي : لأن القبض مقترن بالاذن المملّك ، دون التصرف ، فإنّ إذن التمليك غير مقترن به ، بل الاذن سابق عليه.

(٧) أي : انتهى ما ذكره بعض الأساطين في مقام الاستبعاد عن القول بالإباحة.

(٨) أي : القول بإفادة المعاطاة للإباحة.

(٩) وهي ما يأتي إليه الإشارة في كلامه من أدلة توقف التصرفات على الملك ، وعموم «على اليد» وغير ذلك. وليس المراد بها العمومات الدالة على صحة المعاطاة وكونها بيعا مفيدا للملكيّة كما قد يتوهم ، إذ لو كانت تلك العمومات دالّة على مملكية المعاطاة كانت

٤٣٩

القواعد المتداولة بين الفقهاء.

أمّا (١) حكاية تبعية العقود وما قام مقامها للقصود ففيها أوّلا (٢) :

______________________________________________________

هي المعوّل ولم تصل النوبة الى هذه الاستبعادات التي هي كالدليل الإنّي كاشفة عن فساد القول بالإباحة.

واعلم أنّ غرض الشيخ الكبير قدس‌سره من بيان الوجوه المزبورة هو : أنه لو لم يتم الاستدلال على مملّكية المعاطاة بما تقدم من آيتي الحلّ والتجارة وغيرهما كفى في إثبات مملّكيتها ما ذكر من الاستبعادات ، وإلّا لزم تأسيس قواعد جديدة. والمصنف قدس‌سره ناقش في ذلك بأنّ تلك الوجوه لا تفي بإثبات المقصود ، وهو إفادة المعاطاة للملك ، لأنّ لتلك الأمور نظائر في الشريعة ، فليست قواعد جديدة توجب رفع اليد عن القول بالإباحة.

المناقشة في القواعد المرتبة على القول بالإباحة

(١) أجاب المصنف قدس‌سره عن استبعادات كاشف الغطاء قدس‌سرهما بوجهين : أحدهما : بالتفصيل بالنظر في كل واحد من الأمور الثمانية ، كما ستقف عليه. والآخر بالإجمال ، وهو الذي تعرض له في آخر كلامه بقوله : «مع أنه لم يذكرها للاعتماد» وهو اعتذار عن كاشف الغطاء بأن مقصوده مجرّد الاستبعاد عن الالتزام بهذه القواعد ، لا أنّها تصلح لرفع اليد عن القول بالإباحة.

١ ـ المناقشة في ما يتعلق بقاعدة التبعية

(٢) قد أجاب المصنف قدس‌سره عن أوّل تلك الوجوه بجوابين ، أحدهما حلّي ، والآخر نقضي.

ومحصل الأوّل هو : أنّ المعاطاة ليست من صغريات تلك القاعدة ، لأنّ مورد تلك القاعدة هو العقود الصحيحة شرعا ، ومعنى الصحة ترتب الأثر المقصود عليها ، فإذا دلّ دليل على صحة عقد البيع فمعناه ترتب الأثر المقصود ـ وهو الملكية ـ عليه ، ويستحيل مع صحته عدم ترتب الأثر عليه ، إذ ليس ذلك إلّا التناقض. وأمّا إذا لم يدلّ دليل على صحة عمل بمعنى ترتب الأثر المقصود عليه ، ولكن حكم الشارع في مورده بالإباحة التي لم تكن مقصودة من ذلك العمل لم يلزم تخلف العقد عن القصد.

٤٤٠