هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والملكية الاعتبارية لا خارجية لها أصلا ، ولذا عدّوها دون مرتبة المقولات التي هي أجناس للموجودات الإمكانية‌؟ومع تباين هذه المطابقات لا وجه لدعوى صدق الملكية عليها بالتشكيك.

ولا ينافي تباين هذه الموارد سنخا صدق المفهوم عليها حقيقة ، بلحاظ‍‌ سعته وعمومه لمراتب الموجودات ، فينطبق على الموجود في وعاء الاعتبار وعلى المقولة ، وعلى ما هو خارج عن أفق المقولات طرّا. «ونظيره العلم ، فإنّه بمعنى الحضور ، وهو مفهوم عام صادق على مقولات مختلفة وعلى ما هو خارج عن حدود المقولة ، فحضور الصورة المجردة للجوهر العاقل من مقولة الكيف على المشهور ، وعلم الجوهر النفساني بذاته من مقولة الجوهر النفساني ، وعلم العقل بذاته من مقولة الجوهر العقلاني ، وعلمه تعالى بذاته وبمصنوعاته في مقام ذاته وجود واجبي خارج عن أفق المقولات ، بل علمه الفعلي في مقام الإيجاد بعين الوجود المنبسط‍‌ ، وهو لا جوهر ولا عرض» (١).

وبهذا يظهر غموض ما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه وتقرير السيد المحقق الخويي قدّس سرّه «من كون الملكية ذات مراتب أربع أطلق عليها بالتشكيك» (٢) لما تقدم من أنّ‌ الحقائق المتباينة بالذات لا تندرج تحت جامع أصيل. مع أنّ‌ جعلها مراتب لمقولة الجدة لا يخلو من تأمل آخر ، إذ ليست مالكية الباري تعالى للعالم إلاّ بالإشراق ، مع أنّ‌ الجدة المقولية هي الهيئة الحاصلة للجسم بسبب إحاطة جسم آخر بكلّه أو بعضه. كما أنّ‌ كون الملكية الاعتبارية مرتبة لمقولة الجدة محل بحث كما سيأتي.

الأمر الثاني : قد تقدم أن الملكية العقلائية والشرعية ليست من الأمور الاعتبارية بحسب اصطلاح أهل المعقول ، كالكلية والجنسية لأنها عوارض ذهنية لمعروضات ذهنية ، والملكية الشرعية والعرفية من عوارض الموجودات الخارجية سواء وجدت بالفعل أم بالقوة ، إذ الموصوف بالمالكية زيد الخارجي لا الذهني ، والموصوف بالمملوكية هو العين

__________________

(١) نهاية الدارية ، ج ٥ ، ص ١١٦.

(٢) المكاسب والبيع ، ج ١ ، ص ٨٤؛مصباح الفقاهة ، ج ٢ ، ص ٢٠ و ٤٤.

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخارجية أو المنفعة المتدرجة في الوجود.

وكذا ليست من سنخ المقولات العرضية سواء الموجود بوجود ما بحذائه أو الموجود بوجود منشأ انتزاعه كمقولة الإضافة ، وذلك لأنّ‌ الأعراض المقولية برمّتها يتوقف وجودها الناعتي على وجود معروضاتها خارجا. والملكية الاعتبارية لا تتوقف فعليتها على موضوع محقّق ، فقد يعتبرها المعتبر في ظرف عدم أحد طرفي الإضافة أو كليهما ، فتتعلق الملكية بالمعني المفعولي ـ أي المملوكية ـ بالكلي الذمي في بيع السلف ، للإجماع على صحته. وكذا تتعلق في أبواب الضمانات بالمثل أو القيمة ، وربما لا يكون له وجود خارجي. كما أن الملكية بالمعنى الفاعلي ـ أي المالكية ـ تتعلق بطبيعي السيّد والفقير في بابي الخمس والزكاة.

وعليه : فتمام المناط‍‌ في الاعتبارات الوضعية التي منها الملكية هو اعتبار من بيده الأمر عند تحقق الجهة المقتضية للاعتبار والجعل من عقد أو حيازة مباح أو إحياء موات أو موت مورّث ونحوها. ولا يعتبر فعلية طرفي إضافة الواجدية في جعلها كما عرفت.

وحيث كانت الملكية الادّعائية التنزيلية خارجة عن حدود المقولات العرضية فهل هي اعتبار لمقولة الكيف أو الإضافة أو الجدة أو غيرها؟لا يبعد أن تكون اعتبار الواجدية ، من جهة تبعية المملوك للمالك وكون زمامه بيده ، وبهذا اللحاظ‍‌ لا مانع من جعلها إضافة اعتبارية لما بينهما من الربط‍‌. والتفصيل في محلّه.

الأحكام الوضعية مجعولة بالأصالة أم منتزعة من التكليف

الأمر الثالث : في أن الأحكام الوضعية كالملكية والزوجية والحرية هل هي منتزعة من الأحكام التكليفية في مواردها ، أم هي بأنفسها قابلة للجعل‌؟نسب الى شيخنا الأعظم قدّس سرّه امتناع تأصلها في الجعل ، وكونها منتزعة من التكليف ، والأولى نقل كلامه ، قال في بحث الاستصحاب عند التعرض لكلام الفاضل التوني في الأحكام الوضعية ما لفظه : «فان لوحظت المعاملة سببا لحكم تكليفي كالبيع لإباحة التصرفات ، والنكاح لإباحة الاستمتاعات ، فالكلام فيهما يعرف ممّا سبق في السببية وأخواتها. وإن لوحظت لأمر آخر كسببية البيع للملكية والنكاح للزوجية والعتق للحرية ، وسببية الغسل للطهارة ، فهذه الأمور بنفسها ليست أحكاما

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

شرعية. نعم الحكم بثبوتها شرعي ، وحقائقها أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية ، كما يقال : الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه .. وإمّا أمور واقعية كشف عنها الشارع ، فأسبابها على الأوّل في الحقيقة أسباب للتكليف ، فيصير سببية تلك الأسباب في العادة كمسبباتها أمورا انتزاعية» (١).

وظاهره التردد في كون الملكية ونحوها من الوضعيات اعتبارا ذهنيا منتزعا من التكليف ، أو أمرا واقعيا كشف عنه الشارع بما أنه محيط‍‌ بحقائق الأمور ، كإخباره عن الطهارة والنجاسة اللتين هما حالتان في الجسم الطاهر والنجس.

وبناء على كلا شقي الترديد يتعيّن صرف الأدلة المتكفلة لترتيب أحكام تكليفية على الملكية ـ بمجرد إنشائها ـ عن ظاهرها إلى أنّ‌ المجعول بها نفس التكاليف التي هي منشأ الانتزاع ، لفرض عدم قابلية الاعتبارات الوضعية للجعل الاستقلالي.

واختار هذا المسلك جمع من الأعيان كالمحققين الميرزا الآشتياني والإيرواني قدّس سرّهما بل استدل عليه وشيّد أركانه الميرزا الآشتياني بتمهيد أمور ستة مدّعيا أنّها مجموع إفادات شيخنا الأعظم في مجلس الدرس والكتاب ، وملخّصه : أن الأحكام الوضعية كالسببية والشرطية والملكية اعتبارات منتزعة من التكليف ، إذ الأمر الاعتباري لا يقبل الوجود الخارجي ، وإنّما يكون وجوده باعتبار المعتبر ، بحيث لو لم يعتبره لم يكن شيئا مذكورا ، مع أنّ‌ الحكم الذي ينشؤه الحاكم موجود خارجي ، فكيف يوجد بالاعتبار بعد وضوح تباين الوجودات‌؟ (٢)

وكذا الحال لو كانت الأحكام الوضعية من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع ، كالملكية التي هي علقة واقعية بين المالك والمملوك ، وكالطهارة والنجاسة اللتين هما حالتان في الطاهر والنجس ، لما عرفت من أنّ‌ الحكم الشرعي فعل قائم بالحاكم ، وهذه الأمور ـ على التقدير المذكور ـ من الأوصاف الكامنة في متعلقاتها واقعا ، فيستحيل قيامها بالحاكم. نعم قد

__________________

(١) الرسائل ، ص ٦٠٣ ، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي بقم المقدسة.

(٢) راجع بحر الفوائد ، ج ٣ ، ص ٦٥ الى ٦٩ ، ونهاية النهاية للمحقق الايرواني ، ج ٢ ، ص ١٨٨ ـ ١٨٩.

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يصير الحكم كاشفا عن وجودها الواقعي بمقتضى علمه ، فهو إخبار حينئذ عن وجودها ، لا جعل له بالجعل الشرعي ، هذا.

وبناء على مسلك الانتزاع فالمجعول بالأصالة هو التكليف كجواز أنحاء التصرفات في المال حيث ينتزع منه الملكية ، وكحلية النظر والاستمتاع المنتزع منها الزوجية ، وهكذا.

ويكفي في الانتزاع وجود حكم تكليفي في المورد سواء أكان منجزا أم معلّقا على أمر غير حاصل فعلا ، فتنتزع ملكية البالغ من خطابه الفعلي بجواز التصرف ، وتنتزع ملكية القاصر كالصبي من خطاب تعليقي كقول الشارع : «إذا بلغت جاز لك التصرف» ولا منافاة بين فعلية الأمر الانتزاعي وتعليقية منشئه ، إذ المهم وجود الحكم التكليفي القابل لأن ينتزع منه الاعتبار الوضعي سواء أكان منجزا أم معلّقا.

هذا محصّل ما أفاده شيخنا الأعظم ، وقرّره عليه تلميذه الأجل قدّس سرّهما بل زاد الميرزا الآشتياني : انتزاع ضمان الصبي بالإتلاف من خطاب وليّه فعلا بدفع غرامة ما أتلفه المولّى عليه ، حتى لا يلزم التفكيك بين الأمر الانتزاعي ومنشئه بجعل الأوّل فعليا تنجيزيا ، والثاني تقديريا ، هذا.

أقول : الظاهر أنّ‌ منشأ إنكار قابلية الأحكام الوضعية للجعل الاستقلالي هو مقايستها بالاعتبارات الذهنية باصطلاح أهل المعقول ، كما يشهد بها تنظير الملكية بالسببية والشرطية ، مع وضوح الفرق بين الاعتبار باصطلاح الأصولي بينه باصطلاح غيره ، فالمقصود بالاعتباريات التي منها الأحكام الشرعية هو الوجود الادّعائي التنزيلي.

وعليه فالحقّ‌ هنا ما صنعه المحقق الخراساني قدّس سرّه من التفصيل بين ما عدّ من الوضعيات ، بأنّ‌ بعضها وجودات ذهنية تتقوّم بالتصور وتنعدم بالغفلة والذهول ، وبعضها اعتبارات عقلائية وشرعية موطنها وعاء الاعتبار. وليست الملكية والزوجية من قبيل السببية حتى يحكم عليهما بعدم قابليتهما للجعل.

وكيف كان فقد أورد على مسلك الانتزاع بوجوه :

الأول : ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه في مواضع من كلماته ، ومحصله ـ بتوضيح منّا ـ أن الحكم التكليفي ليس عين الحكم الوضعي ولا منشأ انتزاعه ، ولا مصحّح انتزاعه. فلا معنى

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

للقول بالانتزاع.

أمّا عدم كون الحكم التكليفي ـ كإباحة التصرف في المال ـ عين الحكم الوضعي كالملكية ، فلأنّ‌ حقيقة الملكية أمّا النسبة بين المالك والمملوك وإمّا الاحتواء أو السلطنة أو الواجدية ، وليس شيء منها عين مفهوم إباحة التصرف كما لا يخفى.

وأمّا عدم كون التكليف منشأ الانتزاع ، فلوجهين أحدهما : أن الأمر الانتزاعي كالفوقية ليس إلاّ حيثية القبول القائمة بالمتحيّث ، ولازمها صحة حمل العنوان الاشتقاقي ـ المأخوذ من الأمر الانتزاعي ـ على المتحيّث بها أعني به منشأ انتزاعه ، بلحاظ‍‌ تلك الحيثية ، كصحة حمل عنوان «الفوق» على السقف لأجل قيام مبدئه ـ أي الفوقية القائمة بقيام انتزاعي ـ بالسقف.

ومن المعلوم عدم تحقق هذا الملاك في المقام ، لأنّ‌ الحكم التكليفي ـ مثل جواز التصرف الذي فرض كونه منشأ الانتزاع ـ لا يحمل عليه عنوان المالك والمملوك. ويستكشف من عدم صحة الحمل أنّ‌ مبدأ العنوانين المتضايفين غير قائم بجواز التصرف بقيام انتزاعي.

ودعوى كون الملكية جواز التصرف ، والمالك من يجوز له التصرف والمملوك ما يجوز فيه التصرف ، فينتزع الملك بتبع إنشاء التكليف ، ممنوعة بأنّ‌ الملكية لو كانت إباحة التصرف كان ذلك عدولا عن الانتزاع الى دعوى العينية ، وهو ممنوع ، بعدم الترادف ، مضافا الى كونه خلاف الفرض.

ثانيهما : أنّ‌ الأمر الانتزاعي تابع لمنشإ انتزاعه فعليّة وقوّة ، ومن البديهي اعتبار الملكية والزوجية للصغير مع ارتفاع قلم التكليف عنه. وجعل منشأ الانتزاع خطابه التعليقي المتوقف فعليّته على البلوغ كما ترى ، لامتناع انتزاع الملكية والزوجية الفعليتين ـ لترتيب آثارهما عليهما ـ من الخطاب التقديري الذي لا حظّ‍‌ له من الوجود الفعلي.

كما أنّ‌ تصحيحه بما أفاده المحقق الآشتياني قدّس سرّه من «انتزاع ملكية الصبي من خطاب وليّه بإباحة التصرف فيه ، وانتزاع ضمانه لما أتلفه من خطاب الولي فعلا بالتغريم» غير ظاهر ، إذ لا يعقل قيام الحيثية المصحّحة للانتزاع بشيء ، والانتزاع من شيء آخر.

وتوجيه كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه من قابلية الخطاب التعليقي لانتزاع الملكية فعلا للصبي منه «للفرق بين الإضافة المقولية وبين الاعتبارات الشرعية ، فلا مانع من صحة انتزاع

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الملكية والزوجية من التكليف المتوقف فعليته على البلوغ ، فإنّ‌ للحكم التعليقي حظّا من الوجود في صقع الإنشاء ، فلا بأس بانتزاع ضمان الصبي فعلا لما أتلفه من خطاب الشارع بعد بلوغه : «أغرم ما أتلفته حين صباك» ممنوع ، فإنّ‌ تبعية الأمر الانتزاعي لمنشئه حكم عقلي لمطلق وجود الإضافة ، فالإضافة المقولية تتوقف على منشإ متأصل ، والإضافة الاعتبارية على منشإ اعتباري ، وليس قيام الأمر الانتزاعي بمنشئه من أحكام الوجود الحقيقي حتى يتوهم امتناع تسريته الى الاعتباريات.

هذا مضافا إلى إباء صراحة ما قرّره الميرزا الآشتياني قدّس سرّه عن هذا الحمل ، فإنّه جعل الملكية والسببية والشرطية من واد واحد وقال بأنها اعتبارات ذهنية.

هذا كله في استحالة كون التكليف منشأ الانتزاع.

وأمّا عدم كون الحكم التكليفي مصحّح الاختراع فلأنّ‌ لازمه كون الملكية مثلا من المقولات الواقعية الموجودة في جميع الأنظار كسائر المقولات التي لا خلاف فيها بين نظر ونظر آخر ، ومن المعلوم توقف العرض المقولي على معروض موجود ، مع أنّه لا شبهة في قيام الملكية العرفية والشرعية بالمعدوم كما تقدم.

وعلى هذا فإن أراد شيخنا الأعظم قدّس سرّه بقوله : «الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه» وحدتهما مفهوما ، وحكايتهما عن حقيقة واحدة ، فقد عرفت منعه ، فإنّ‌ الملكية عنده هي النسبة أو السلطنة ، وهما غير إباحة التصرف. مع أنه رجوع عن دعوى الانتزاع الى العينية.

وإن أراد كون التكليف منشأ الانتزاع كما هو ظاهره ، فالمفهومان متباينان ، ولكنهما متصادقان في الوجود ، ففيه ما عرفت من انتفاء ملاك الانتزاع بين التكليف والوضع.

ومنه يظهر الإشكال في انتزاعها من العقد القولي أو الفعلي. مضافا الى : أنّ‌ نسبة العقد إلى الملكية نسبة المسبب الى سببه ، بناء على المشهور من كون ألفاظ‍‌ العقود أسبابا لعناوينها ، والسبب مباين لمسببه كما لا يخفى (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٦ ، نهاية الدراية ، ج ٥ ، ص ١١٤ و ١١٥.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا محصل ما اعترض به المحقق الأصفهاني على إنكار قبول الأحكام الوضعية للجعل المستقل ، وانتزاعها من التكليف أو العقد. وهو في غاية المتانة.

الثاني : ما في تقرير شيخنا المحقق العراقي قدّس سرّه ومحصله : منافاة ظواهر الأدلة الشرعية ـ التي جعلت الملكية والزوجية ونحوهما من الإضافات الاعتبارية فيها موضوعات لأحكام تكليفية ، كقوله عليه السّلام : لا يحلّ‌ لأحد أن يتصرف في مال غيره إلاّ بطيبة نفسه ـ لانتزاع تلك الاعتبارات من التكاليف ، لوضوح أنّ‌ موضوع الحلية هو الملك أي المال المضاف الى الغير ، فلو كانت الملكية منتزعة من التكليف ، فإمّا أن تنتزع من تكليف آخر ، أو من نفس الحكم بحرمة التصرف ، المتأخر عنها رتبة.

وكلاهما محال. أمّا الأوّل ، فلاستلزامه اجتماع المثلين ، أحدهما التكليف الثابت في الرتبة السابقة ، وهو محقّق الإضافة ، وثانيهما التكليف المترتب عليها ، المدلول عليه بقوله : «لا يحل».

وأما الثاني ، فلاستلزامه تقدم المتأخر ، لفرض أنّ‌ مثل جواز التصرف متأخر عن الملكية رتبة ، لتأخر كل حكم عن موضوعه كذلك ، فلو كان هو محقّق الإضافة ومنشأ الانتزاع لزم تقدمه على الأمر الانتزاعي كتقدم وجود العلة على معلولها رتبة ، مع أن جواز التصرف متأخر عنها. واستحالة اجتماع المتقابلين في واحد من الأمور الواضحة سواء في التكوينيات والاعتباريات.

وعليه يتعين القول بأنّ‌ الملكية ونحوها من الاعتباريات المتأصلة بالجعل ، ولا وجه للتكليف وإتعاب النفس لإثبات انتزاعيتها من التكليف ، مع أنّه لا تكليف في مثل «من حاز ملك».

الثالث : ما في التقرير المذكور أيضا من أنّ‌ الملكية ونحوها اعتبارات متداولة بين العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم ممّن لا يلتزم بشريعة ، فلو كان مصحّح اعتبارها الخطابات التكليفية الشرعية لزم عدم وجودها في حقّهم ، وعدم ترتيب الأثر على معاملاتهم ، وهو كما

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ترى ، فلا مناص من القول بأن هذه الأمور مجعولة بالاستقلال ، قد أمضاها الشارع ، هذا (١).

أقول : أمّا الوجه الأوّل ـ مما أفاده شيخنا العراقي ـ فهو وإن كان متينا في نفسه ، إلاّ أنه لا بد أوّلا من إثبات أجنبية الاعتباريات العقلائية عن الأمور الانتزاعية عند أهل المعقول ، فمجرد مخالفة مسلك الانتزاع لظواهر الأدلة الشرعية لا يكفي في نفي نظر الشيخ الأعظم ومن وافقه ، لتصريح الميرزا الآشتياني بلزوم التصرف في ظهور الأدلة المتكفلة لأحكام تكليفية مترتبة على مثل الملكية والزوجية. وعليه فالمهمّ‌ على القائل بأصالتها في الجعل إبطال الانتزاع حتى تصل النوبة إلى إبقاء ظواهر الخطابات على حالها.

وأمّا الوجه الثاني فيمكن أن يقال فيه : إنّ‌ كون الملكية والزوجية من الاعتباريات المتداولة بين العقلاء حتى غير ذوي الأديان لا يكشف عن أصالتها في الجعل بالعقود المتعارفة بينهم وغيرها من الأسباب ، ولا يبطل به مسلك الانتزاع ، فإنّ‌ المقصود من التكليف الذي يفرض منشأ للانتزاع ليس خصوص الحكم المتعبّد به عند الكل ، فإنّ‌ الخطابات عامة لجميع المكلفين سواء من تديّن منهم بها ومن لم يكن كذلك.

والحاصل : أنّ‌ الأمور الاعتبارية لو قيل بانتزاعيتها من التكليف كانت الأحكام المشتركة بين الجميع منشأ الانتزاع وإن لم يلتزم بها بعضهم.

هذه جملة من الكلام في الملكية. وتلخص مما ذكرناه أمور :

الأوّل : أن الملكية العرفية والشرعية خارجة عن حدود المقولات ، فإنّ‌ موطنها وعاء الاعتبار ـ باصطلاح الأصولي ـ لا الاعتبار عند أهل المعقول بما له من الإطلاقات.

الثاني : أنّ‌ الملكية ليست مشتركة معنويّة مقولة على مواردها بالتشكيك ، بل هي مفهوم عام يكون مطابقها إشراقا تارة ، وجدة مقولية أخرى ، واعتبارا عقلائيا أو شرعيا ثالثة.

الثالث : أن الملكية اعتبار الواجدية ، وهي متأصلة في الجعل إما بجعلها تأسيسا أو إمضاء لما عند العرف ، ولا تنتزع من التكليف ولا من العقد.

هذا كله في الموضع الأوّل ، وهو البحث عن الملك.

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ج ٤ ، ص ١٠٣.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الموضع الثاني : في الحق

واستقصاء جهات البحث فيه يتم في طيّ‌ مقامات :

المقام الأوّل : في بيان ماهيته وحقيقته.

فنقول : عرّفه جمع من اللغويين بما يقابل الباطل ، ففي القاموس واللسان أنه «ضدّ الباطل» وفي الصحاح «أنه خلافه» (١) قال ابن منظور : «حقّ‌ الأمر ويحقّ‌ حقّا وحقوقا : صار حقّا وثبت. قال الأزهري : معناه وجب يجب وجوبا. وفي التنزيل : قال الّذين حقّ‌ عليهم القول ، أي : ثبت. ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين ، أي : وجبت وثبتت ..» (٢).

وعرّفه الراغب بأنّ‌ أصل الحق المطابقة والموافقة ، ويطلق على أمور أربعة :

أحدها : موجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة ، فيطلق عليه تعالى كما في قوله جلّ‌ وعلا ثُمَّ‌ رُدُّوا إِلَى اللّٰهِ‌ مَوْلاٰهُمُ‌ الْحَقِّ‌.

ثانيها : الموجد ـ بمعناه المفعولي ـ بحسب ما تقتضيه الحكمة ، ففعله تعالى حقّ‌ ، كما في قوله عزّ من قائل : ما خلق اللّه ذلك إلاّ بالحق.

ثالثها : الاعتقاد بشيء ثابت في نفسه كالثواب والعقاب وحوادث القيامة.

رابعها : الفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب ، كقوله تعالى حَقَّتْ‌ كَلِمَةُ‌ رَبِّكَ‌ ، و حَقَّ‌ الْقَوْلُ‌ مِنِّي (٣).

ولا يبعد أن يكون معناه المصدري الثبوت ـ كما احتمله المحقق الأصفهاني ـ ورجوع سائر معانيه إليه من باب اشتباه المفهوم بالمصداق ، ومعناه الوصفي هو الثابت ، فإطلاقه عليه جلّ‌ وعلا لكونه ثابتا بأفضل أنحاء الثبوت الذي لا يخالطه عدم ولا عدمي (٤). هذا بحسب اللغة.

وأما بحسب الاصطلاح الفقهي فهل هو اعتبار للثبوت الواقعي أم أمر آخر؟قد تقدم

__________________

(١) صحاح اللغة ، ج ٤ ، ص ١٤٦٠.

(٢) لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٤٩ ، القاموس المحيط‍‌ ، ج ٣ ، ص ٢٢١.

(٣) مفردات ألفاظ‍‌ القرآن الكريم ، ص ١٢٥.

(٤) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٩(رسالة الحق).

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

في بحث الملك أن حقيقة الاعتبار هو الادّعاء وفرض الوجود لما لا حظّ‍‌ له من الوجود العيني ، فيقال : إنّ‌ الملكية الاعتبارية اعتبار الواجدية ، في قبال الواجدية الحقيقية في مثل مالكية النفس للقوى ، والاعتبار يدور مدار ترتب الأثر. وعليه يقال : إنّ‌ الحق الاعتباري ليس اعتبارا للثبوت الواقعي ، للغوية اعتبار الثبوت المطلق كلغوية اعتبار ثبوت شيء لشيء ، فليس المراد من مثل حق التحجير اعتبار ثبوت الأرض المحجرة ولا ثبوتها للمحجّر ، بل المقصود إثبات سلطنته عليها أو ملكه لها أو أولويته بها من غيره ، فالمعنى الواقع في حيّز الاعتبار هو الملكية ونحوها لا مجرّد الثبوت ، ويستكشف منه عدم كون الحق المصطلح اعتبارا للثبوت الواقعي.

مضافا إلى : أنّ‌ الثبوت مفهوم عام يصح إطلاقه على كل ما له تقرّر في نفس الأمر ، فالملك والحكم التكليفي حقّ‌ أي ثابت في وعاء الاعتبار والتشريع ، ومنه قولهم في باب القضاء : للمدعي حق الاستحلاف ، وأن الصلاة حقّ‌ اللّه ، لثبوتها على المكلف بنفس إيجابها عليه.

فيعلم من هذا أنّ‌ الحق المصطلح اعتبار آخر أخصّ‌ من مفهوم الثبوت ، ويقع الكلام في أنّه اعتبار الملك أو السلطنة أو الأولوية وما شابه ذلك أو غيرها؟لم نقف في كلماتهم على تحديد جامع ومانع كما سيظهر بعد التعرض لجملة من الضوابط‍‌ المذكورة :

فمنها : ما نسب الى المشهور من كون الحق سلطنة ، وربّما تقيّد بالفعلية في بعض أقسامها كما تقدم في المتن بالنسبة إلى حق الخيار والشفعة.

واختاره جمع منهم السيد في أوّل كلامه وإن عرّفه في آخره بأنه نوع من الملك. فقال ما محصله : إنّ‌ الحق نوع من السلطنة على شيء متعلق بعين كحق التحجير ، أو غير عين كحق الخيار في العقود اللازمة ، أو على شخص كحق القصاص. وعليه فالحق مرتبة ضعيفة من الملك ونوع منه ، وصاحبه مالك لشيء يكون أمره إليه ، بخلاف الحكم ، فإنّه مجرد اعتبار الرخصة مثلا بلا اعتبار السلطنة كما في جواز الرجوع في العقد الجائز.

وقال في آخر البحث : «وبالجملة : الحق نحو من الملك ، بل هو ملك بحسب اللغة ، وكونه في مقابل الملك اصطلاح عام أو خاص ، ولا بدّ له من متعلّق ، سواء جعلناه إضافة ونسبة

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بين الطرفين ، أو سلطنة كما في الملك» (١).

ومقتضى تفسير الحق بالملك والملك بالسلطنة كون الحق سلطنة ، لا اعتبارا مغايرا للملك.

ومنهم المحقق الإيرواني قدّس سرّه حيث إنه جعل الفارق بين الملك والحق سعة دائرة متعلق السلطان وضيقها ، فالشيء إذا كان متعلق سلطنة الشخص بجميع حيثياته كان ملكا ، وإن كان متعلّقها ببعض شؤونه كان حقّا ، نظير الأمة والزوجة ، فالأولى ملك سيّدها ، لأنّ‌ له أنحاء التصرفات فيها من البيع والهبة والمباشرة ، والزوجة متعلق حق الزوج ، إذ ليس له إلاّ السلطنة على البضع (٢).

ولكنك خبير بأنّهم إن أرادوا بالسلطنة ما تكون فعلية غير مقترنة بالمانع فهو وإن كان صادقا على كثير من الحقوق ، لكنه ينتقض بما تسالموا عليه من انتقال حق الخيار بالإرث إذا كان الوارث صبيّا غير مميّز ، لحجره عن التصرف في كل ما انتقل اليه من مورّثه. ودعوى أن سلطنة القاصر سلطنة وليّه ممنوعة بأن المحجور مسلوب السلطنة لا مفوّضها ، ولا منشأ آخر لسلطنة الولي.

وإن أرادوا بالسلطنة ما هو أعم من الفعلية والاقتضائية ـ فالصبي غير المميّز وإن لم يكن سلطانا فعلا ، لكنه لا مانع من جعله سلطانا شأنا ، وتتوقف فعليته على زوال المانع وهو الصبا ، وبهذا الاعتبار يصح قيام وليّه مقامه ، لتشريع أصل السلطنة في حقّه ـ ففيه : أن الاعتبار هو الادعاء والتنزيل المنوط‍‌ بترتب الأثر ، كما في تنزيل الطواف منزلة الصلاة لمشاركته لها في بعض أحكامها ، فلو فرض سلب جميع آثار المنزّل عليه لغا الاعتبار. ولمّا لم تكن للصبي سلطنة على فسخ عقد مورّثه وإمضائه ولا على إسقاط‍‌ حقه ولا نقله الى الغير ـ بناء على كونه من الحقوق القابلة للنقل الى غير من عليه الخيار ـ لم يكن مصحّح الاعتبار والتنزيل موجودا حتى يتفصّى به عن محذور تفسير الحق بالسلطنة الفعلية إلى جعله سلطنة اعتبارية. وعليه

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٥٥ و ٥٧.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٧٣.

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا بد من كون الحق إضافة أخرى قد يكون ملزوما للسلطنة وقد لا يكون.

إلاّ أن يقال : ان السلطنة مجعولة للصبي فعلا وإن لم يكن قادرا على الإعمال بنفسه بل كان الأمر مفوّضا إلى الولي ، فالسلطنة الفعلية بيد الوليّ‌.

وأمّا ما أفاده المحقق الإيرواني فينتقض بمثل حق التحجير الذي التزم قدّس سرّه بجواز أنحاء التصرفات فيه بالبيع والهبة ونحوهما من النواقل ، إذ لو كان الفارق بين الحق والملك راجعا الى متعلق السلطان لا نفسه كان حقّ‌ التحجير من الملك المصطلح لا من الحقوق ، مع أنه قدّس سرّه جعله من الحقوق ، ولذا اعترض على المصنف قدّس سرّه في تردده في صدق المال عليه.

وقد تحصّل : أن تعريف الحق بالسلطنة لا مانع ولا جامع.

ومنها : ما اختاره جمع من الأعيان من كون الحق نوعا من الملك أو مرتبة منه ـ على اختلاف بينهم في التعبير ـ فمنهم السيد الطباطبائي قدّس سرّه في كلامه المتقدم ، ومنهم شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه في بعض تعابيره ، حيث فسّره بالملكية الناقصة وبالمرتبة الضعيفة من الملك ، وإن عرّفه في موضع آخر تارة «بالسلطنة الضعيفة» وأخرى «بالاعتبار الخاص الذي أثره السلطنة الضعيفة على شيء ، ومرتبة ضعيفة من الملك» (١).

ومنهم سيدنا الأستاد قدّس سرّه حيث فسّره بالملك ، وجعل الفارق بينهما اختلاف المملوك ، ومحصّله : أنّ‌ إضافة الملكية ـ وهي التابعية والمتبوعيّة ـ سنخ واحد في الملك والحق ، لاتحادهما مفهوما ، واختلافهما موردا ، وذلك لأنّ‌ طرف إضافة الملكية إمّا عين وإمّا عرض ومعنى ، وكلّ‌ منهما على ثلاثة أقسام ، فالعين إمّا خارجية كالدرهم والدار ، وإمّا ذميّة كالمبيع الكلي في باب السلف ، والثمن الكلّي في النسيئة ، وإمّا لا هذا ولا ذاك ، بل كحق الجناية المتعلق بالعبد الجاني ، وحق الزكاة المتعلق بالنصاب ، على بعض الأقوال.

والعرض والمعنى إمّا أن يكون ذمّيا كعمل الحرّ الأجير للغير ، وإمّا أن يكون قائما بعين خارجية من دون توقف الاعتبار على الإضافة إلى ذمّة ، كمنافع الأعيان المملوكة كالدار والعبد ، حيث إنّ‌ تعلق الملكية الاعتبارية بها منوط‍‌ بقابلية العين للمنفعة ، ويكفي اعتبار ملكية العين في

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٤١ و ٤٢ ، تقريرات المكاسب للعلامة الآملي ج ١ ، ص ٨٤ و ٨٧.

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إضافة المنفعة إليه. بخلاف مثل عمل الحرّ ، فإنّ‌ ملكيته الاعتبارية متوقفة على وقوع عقد عليه كالإجارة والصلح. وإمّا أن يكون اعتبار الملكية موقوفا على إضافته إلى مالك ، ووجود مصحّح الاعتبار كحقّ‌ الخيار القائم بالعقد ، وحق الشفعة القائم بالمبيع ، وحق القسم القائم بالزوج ، ونحوها من الحقوق ، فاعتبار الخيار لأحد المتعاملين منوط‍‌ بوجود غبن أو شرط‍‌ أو عيب ، ونحوها. كما أنّ‌ الشركة في مثل الدار تصحّح استحقاقه لحصّة شريكه المبيعة من الأجنبي.

إذا عرفت هذه الأقسام الستة فاعلم : أنّ‌ إضافة الملكية في جميعها على حدّ سواء ، فلا فرق بين أن تقول : زيد مالك للدينار الشخصي أو الكلّي ، أو لمنافع الدار التي استأجرها ، أو لعمل أجيره كخياطته ، أو لأخذ المبيع المشاع بالشفعة ، أو للاقتصاص من الجاني المعتمد ، أو لاستيفاء دينه من العين المرهونة ، أو للمضاجعة مع زوجته ، أو للتصرف في الأرض المحجّرة ، ولا تتفاوت إضافة الملكية بالشدة والضعف ، نعم تسمى في قسمين منها ـ وهما ثالث أقسام العين والمعنى ـ بالحق. فالحقّ‌ الاصطلاحي عين أو معنى متعلق بغيره على نحو يتوقف اعتباره على اعتبار ملكية لمالكه ، فاعتبار حق الجناية مثلا منوط‍‌ بالجناية المصحّحة لإضافة ملكية الاقتصاص ، واعتبار حق الخيار منوط‍‌ بإضافة ملكيّته لذي الخيار بسبب مثل الغبن والشرط‍‌ والمجلس ، هذا.

ويختلف الحق عن الذميات ـ حيث إنّها أملاك وليست بحقوق ـ بأن الذمة ظرفها لا موضوعها ، ولذا لا يكون الدين المستقرّ في ذمة الحرّ من الحقوق ، فلا يسقط‍‌ بانعدام ذي الذمة ، بل يقضى من تركته أو غيرها ، بخلاف الاقتصاص القائم برقبة الحرّ الجاني حيث يسقط‍‌ بموته. هذا (١).

أقول : الظاهر أنّ‌ التابعية والمتبوعية أوسع مفهوما من الملكية ، لشمولها لتصرفات الأولياء فيما لهم الولاية عليه ، كتصرف الفقيه الجامع للشرائط‍‌ في سهم الإمام «عليه الصلاة والسلام» من الخمس ـ على ما مال إليه قدّس سرّه في خمس المستمسك ـ وأنّه وليّ‌ على مصرفه

__________________

(١) نهج الفقاهة ، ص ٦ إلى ٨.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجهات المتعلقة به (١) ، وكتصرف وليّ‌ الموقوفة في عوائدها ، وكتصرف الأب والجدّ له في مال الصبي ، وغيرهم من الأولياء ، إذ لا ريب في سلطنتهم على التصرفات ، ونفوذها شرعا ، فإنّ‌ الأموال والأملاك تابعة للأولياء مع عدم كونهم مالكين لها.

ولو أريد من التابعية في الملكية خصوص الذاتية فسلطنة الأولياء وإن كانت خارجة عن دائرة الملكية ، لفرض كونها بالعرض ، وتكون التبعية الذاتية للمولّى عليه ، إلاّ أنه ينتقض بمثل حق الاختصاص بالخمر المنقلب عن الخلّ‌ ، المعدّ للتخليل ، حيث إنّ‌ التبعية موجودة قطعا ، مع عدم الملكية المصطلحة ، بشهادة تصريحهم بأنّ‌ الخمر الكذائي ليس بملك ، بل للمسلم نحو اختصاص به. ولو جعلنا التبعية أعم مما هو بالذات وبالعرض لانتقض بتصرفات الأولياء.

والحاصل : أنه إن أراد قدّس سرّه من التبعية الاعتبارية خصوص الذاتية انتقض بحق الاختصاص بالخمر ، وكذلك بحقّ‌ التحجير ، فإنّهم جعلوا هذا الحق مقابلا للملك ، وقالوا بتوقف تملك الرقبة على إحيائها ، وليس له قبل الإحياء إلاّ الأولوية بها. وإن أراد قدّس سرّه منها ما يعمّ‌ التبعية بالعرض انتقض بتصرف الأولياء ، فإنّ‌ الملك تابع للولي شرعا وعرفا ، مع أنّ‌ إضافة الملكية للمولى عليه دون الولي.

وهذا كاشف عن عدم كون الملكية الاعتبارية بمعنى التابعية ، بل اعتبار الواجدية ، فالمالك من يكون واجدا لشيء اعتبارا ، سواء أكانت له السلطنة على التصرف في مملوكه أم لا.

هذا بالنسبة إلى أصل جعل الحق من أقسام الملك.

ومنه يظهر حال تعريفه بالمرتبة الضعيفة منه. إذ فيه : أن الملكية الاعتبارية هي اعتبار الواجدية ، وهي ليست ذات مراتب حتى تسمى مرتبة منها بالملك ، ومرتبة اخرى بالحق.

نعم لو كانت الملكية اعتبارا لمقولة الكيف أمكن تفاوت أفرادها بالشدة والضعف ، لكن الظاهر عدم كونها منها.

وأمّا ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه فمقتضى تعريف الحق بالسلطنة موافقته لما نسب الى

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ، ج ٩ ص ٥٨٤.

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المشهور فيه ، ومقتضى تعريفه بالملكية الناقصة والضعيفة ـ مع تفسير الملكية باعتبار مقولة الجدة ـ هو كون الحق مرتبة ضعيفة من هذه المقولة ، وأثرها السلطنة. وهو موقوف على جريان الاشتداد والمرتبة في هذه المقولة. ومقتضى كلامه الآخر من كون الحق اعتبارا وضعيا مغايرا للملك والسلطنة هو العدول عما اشتهر في تعريف الحق بالسلطنة ، والميل الى ما أفاده المحقق الخراساني قدّس سرّه من كونه اعتبارا خاصا ـ مجهول الكنه ـ له آثار منها السلطنة ، قال قدّس سرّه : «هو .. اعتبار خاص ، له آثار مخصوصة ، منها السلطنة» (١).

وهو وإن كان سليما عمّا يرد على تعريفه بالملك والسلطنة ، إلاّ أن ظاهره كون ذلك الاعتبار الخاص واحدا سنخا ، فينطبق على أنحاء الحقوق ، لكونها مصاديقه وموارده ، والأثر المشترك بينها سلطنة ذي الحق على شؤونه ، وأقل مراتبها الإسقاط‍‌ وإخراج نفسه من طرفية الإضافة. ولا بأس به في مثل حق الخيار والشفعة والرهانة والقصاص ، إلاّ أنه لا يجري في مثل حق الولاية والحضانة ، بل يشكل حتى في حق الخيار الذي يرثه القاصر ، إلاّ بأن تكون سلطنة الولي سلطنة المولّى عليه لا غيرها.

ومنها : ما اختاره المحقق الأصفهاني قدّس سرّه ـ بعد تعذّر تصور جامع لشتات الحقوق حتى ينطبق الحق عليها انطباق الكلّي على مصاديقه ـ من أنه مشترك لفظي ، فهو في كل مورد نحو من الاعتبار له أثر مخصوص ، ولأجله تختلف آثار الحقوق ، فحقّ‌ التولية والولاية والرهانة والاختصاص والوصاية اعتبار لنفس هذه الأمور ، والإضافة بيانيّة ، فحقّ‌ الولاية للأب والجد والحاكم اعتبار ولايته على التصرف فيما يتعلق بالمولّى عليه ، وحقّ‌ الرهانة اعتبار كون العين وثيقة للدين أو محبوسة عليه ، وأثره جواز استيفاء الدين منه. وحقّ‌ الاختصاص نفس اعتبار اختصاصه بالخمر ، لسبق ملكه له قبل انقلابه عن الخلّ‌ الى الخمر. وحقّ‌ الوصاية اعتبار كون الشخص نائبا في التصرف عن الموصى. وحق التحجير اعتبار كون المحجّر أولى بالأرض من غيره في تملكها بالإحياء.

وحق الخيار والشفعة والجناية اعتبار للسلطنة ، فحق الشفعة اعتبار للسلطنة على ضمّ‌

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٤.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

حصة الشريك إلى حصة نفسه ببذل مثل الثمن للمشتري ، وحق الخيار اعتبار للسلطنة على الفسخ. وحق الجناية اعتبار للسلطنة على الاسترقاق ، وحق الاقتصاص هو اعتبار كونه سلطانا شرعا ، وهكذا (١).

ومنها : ما اختاره السيد المحقق الخويي قدّس سرّه من عدم مغايرة الحق للحكم سنخا ، فالكل أمور اعتبارية اعتبرها الشارع لمصالح خاصة ، وأنّ‌ الحق المصدري بمعنى الثبوت ، والوصفي بمعنى الثابت ، ويصح إطلاقه على كل أمر متقرّر في وعائه المناسب له. وإنّما الفارق بين الحق والحكم اختلاف آثارهما لا ذاتهما ، فالمجعول الشرعي إن كان قابلا للإسقاط‍‌ كان حقّا مصطلحا ، وإن لم يكن قابلا له سمّي حكما ، لأنّ‌ زمام الأمور الشرعية بيد الشارع حدوثا وبقاء ، فإن حكم ببقائه بعد إسقاط‍‌ المكلف له كان حكما ، وإلاّ كان حقّا ، وهذا المقدار من التفاوت في الأثر لا يوجب اختلافهما ماهية.

ويشهد له أنّ‌ جواز فسخ العقد في الهبة الجائزة وفي العقد الخياري اعتبار شرعي واحد ، وإنّما يطلق الحكم على الأوّل بلحاظ‍‌ عدم تأثير إسقاطه في ارتفاعه ، ويطلق الحق على الثاني بلحاظ‍‌ انتهاء أمده بإسقاط‍‌ من له الخيار. وكذا لا فرق بين جواز قتل الكافر الحربي وقتل الجاني قصاصا ، فالجواز في الجميع معنى واحد وإن اختلف أثرهما.

وأمّا فرق الحق والملك فهو أن متعلق الحق فعل من الافعال ، ومتعلق الملك أعم من العين الخارجية والفعل. (٢)

أقول : إن أريد بالحكم مطلق ما هو مجعول للشارع ـ سواء أكان تكليفا أم وضعا وسواء أكان إلزاما أم ترخيصا ـ فلا إشكال في شموله للحق ، فإنّه اعتبار وضعي تأسيسي أو إمضائي ، كغيره من الاعتبارات التي تنالها يد الجعل ولو إمضاء كالملكية والزوجية والحرّيّة ، فالحكم بهذا المعنى العام صادق على الحق والملك والتكليف على حدّ سواء.

وإن أريد بالحكم ما يقابل الحقّ‌ والملك ـ كما هو المقصود من تقسيم الأمر الاعتباري

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٤ و ٥ و ١٠ و ١١.

(٢) مصباح الفقاهة ، ج ٢ ، ص ٤٥ إلى ٤٨ ، المحاضرات ، ج ٢ ، ص ٢٠ و ٢١.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الى هذه العناوين الثلاثة ـ فلا إشكال في مباينتها ، لأنّ‌ الحق ـ كما قالوا ـ متقوّم بقابليته للإسقاط‍‌ وسلطنة ذي الحق عليه ، وهذا بخلاف مثل حليّة الماء والحنطة ، فإنّها أحكام على موضوعاتها ، ولا إضافة تصحّح اعتبار سلطنة أو ملك للمحكوم عليه.

والتعبير ب‍‌ «لزيد شرب الماء كما أن له حلّ‌ العقد والاقتصاص من الجاني» وإن كان صحيحا ، إلاّ أنّ‌ اللام في حلية شرب الماء تكليفا للتعدية والظرف لغو ، لتعلقه بمقدّر مثل «يحل ويجوز» كما هو الحال في إضافة الحلية إلى الأعيان في الذكر الحكيم ، قال عزّ من قائل : (أُحِلَّتْ‌ لَكُمْ‌ بَهِيمَةُ‌ الْأَنْعٰامِ‌) (١) ، ولكن الظرف في اعتبار حلّية العقد مستقرّ ، ويدل على اعتبار إضافة خاصة كالسلطنة أو الملك.

وعلى هذا فما أفاده قدّس سرّه ـ من كون الحق حكما حقيقة لأنه أمر اعتباري كاعتبار اللابدية والحرمان في باب التكاليف ، ولأنّ‌ الحق بمعناه الوصفي بمعنى الثابت ، وهو صادق على الحكم والحق ـ غير ظاهر ، ضرورة أنّ‌ مجرّد اعتبارية الحق لا يوجب وحدته مع الحكم ولا مغايرته مع الملك ، لوضوح أنّ‌ الاعتبارات الوضعية متقومة أيضا بالجعل ولو إمضاء ، مع أنه قدّس سرّه حكم بمغايرة الحق للملك ، لكونه سلطنة أو إحاطة. لكنك خبير بصدق «الثابت» على الملك الاعتباري كصدقه على التكليف المحض وعلى الحق أيضا ، إذ المناط‍‌ في جميعها هو التقرر في الوعاء المناسب له.

ومنه يظهر أنّ‌ الحق المصطلح ليس بمعناه اللغوي أي الثابت ، لكونه مفهوما عاما منطبقا على الجواهر والأعراض فضلا عن الموجود الادعائي ، هذا.

مضافا إلى : أنّ‌ جعل الحق هنا مقابلا للملك الذي هو السلطنة والإحاطة ينافيه تصريحه ـ في مسألة قيام حق القصاص بمطلق الوجود من الولي أو بصرف الوجود منه أو بالمجموع ـ بأنه سلطنة منحلة بعدد أولياء الدم. وهذا عدول الى جعل هذا الحق بمعنى السلطنة كما ذهب إليه المشهور ، والمحقق الأصفهاني الذي جعله مشتركا لفظيا.

وإلى : أنّ‌ جعل الحق عبارة عن الجواز واللزوم الشرعيين القابلين للإسقاط‍‌ قد يشكل

__________________

(١) المائدة ، الآية : ١.

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بتسالمهم على ثبوت الحق في موارد انتفاء التكليف مما يكشف عن تغاير سنخ المجعول ، فإذا كان حق الخيار بمعنى جواز فسخ العقد تكليفا لزم انعدامه بما يوجب زواله كالسفه الطاري ، الرافع للجواز التكليفي ، فإنّه لا يسقط‍‌ حقه ، وإنما يقوم وليّه مقامه.

ولا يبعد أن يقال : انه إن أريد بالحق المصطلح مفهومه العام الصادق على مطلق المجعولات الشرعية ـ ولو إمضاء ـ حتى إذا لم يقبل الإسقاط‍‌ ، فمن المعلوم أنّه ليس نوعا من الملك ولا مرتبة منه ولا سلطنة ولا مرتبة منها ، بل ينبغي تعريفه بما له ثبوت في وعاء الاعتبار ، سواء لوحظ‍‌ فيه حيثية التفويض الى المكلف في إبقائه ورفعه ، أم لا ، فيطلق الحق على وجوب الصلاة وإباحة شرب الماء وحرمة الربا وجواز فسخ العقد ونحوها على حدّ سواء ، لكونها أمورا اعتبارية.

وإن أريد بالحق المجعول الذي اعتبر فيه سلطنة ذي الحق أو كونه مفوّضا أو كونه أولى به من غيره بحيث كان زمامه بيده ـ وهو المسمّى في كلام الشهيد بحقّ‌ العبد في قبال حقّه تعالى ـ فمن المعلوم أنّه لا ينبغي تعريفه «بما هو ثابت في وعاء الاعتبار» لما عرفت من شموله لمطلق المجعول. بل إمّا أن يختص بالمجعول الذي استفيد من دليل اعتباره نحو سلطنة أو أولوية ، وحينئذ تخرج جملة معتدّ بها من الحقوق عن حريم البحث ، لفرض عدم قابليتها للإسقاط‍‌.

وإمّا أن يلتزم بما سلكه المحقق الأصفهاني من إنكار معنى وحداني للحق وكونه مشتركا لفظيا بين شتات الحقوق ، فكلّ‌ حقّ‌ اعتبار خاص له أثر مخصوص ، فكما لا جامع بين وجوب الصلاة وبين حق التحجير سوى كونهما مجعولين شرعيين ، فكذا لا جهة مشتركة بين حق الحضانة وحق الخيار إلاّ الثبوت في وعاء الاعتبار ، مع أنّهم عدّوا حق الحضانة من الحقوق ـ بالمعنى الأخص ـ المقابلة للحكم والملك.

ويتوقف حلّ‌ الاشكال على الالتزام بالاشتراك اللفظي ، أو جعل مثل حق الولاية والوصاية والأبوّة اعتبارا وضعيا أجنبيا عن الحق المصطلح ، حيث لا دخل لإرادة المكلّف في بقائها وارتفاعها.

أو يقال : إنّ‌ الحق بمعنى الأولوية منطبق على الكلّ‌ ، ومقتضاه جواز الإسقاط‍‌ والنقل ، إلاّ

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أن للمنع الشرعي مجالا آخر ، فتأمل.

هذا بعض الكلام في ماهية الحق ، وامتيازه ثبوتا عن الحكم والملك.

وأمّا الفارق الإثباتي فمنوط‍‌ بالفحص التام عن دليل كل واحد من الأمور المعدودة من الحقوق سواء أكانت تأسيسية أم إمضائية.

وقد يقال في ضابطه : إنّ‌ دليل التشريع إن كان متكفلا لإثبات شيء من عين أو فعل على المخاطب كان ظاهرا في الحكم ، كقوله تعالى شأنه وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ‌ رِزْقُهُنَّ‌ وَكِسْوَتُهُنَّ‌ بِالْمَعْرُوفِ‌ (١) ، وقوله عزّ من قائل وَلِلّٰهِ‌ عَلَى النّٰاسِ‌ حِجُّ‌ الْبَيْتِ‌ مَنِ‌ اسْتَطٰاعَ‌ إِلَيْهِ‌ سَبِيلاً (٢). وإن كان متكفلا لإثبات شيء كذلك له كان ظاهرا في الحق ، مثل ما ورد في مملكية الحيازة من قول أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين : «للعين ما رأت ، ولليد ما أخذت» (٣) ، فإنّ‌ العين المباحة الأصلية المقصودة ب‍‌ «ما» الموصولة حمل المكلف عليها ، وصارت تحت يده. ونحوه ما ورد في الخيارات ، كقول الصادق عليه السّلام في رواية الحلبي : «في الحيوان كله شرط‍‌ ثلاثة أيام للمشتري» (٤) ، وما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ، قال : «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : البيّعان بالخيار حتى يفترقا» (٥).

ولكنه لا يخلو من غموض ، إذ المثبت له إن كان عينا كان ظاهر اللام ملكيتها للحائز وليست حقّا مصطلحا. وإن كان معنى كان أعم من الحق ، لاحتمال كونه حكما ، إذ لا فرق بين قولنا : «للمغبون حلّ‌ العقد» و«لزيد شرب الماء» مع أنّ‌ مدلول الأول حق ، والثاني حكم. وعليه فمجرد كون لسان الدليل إثبات شيء للمكلف لا يدلّ‌ على أن المجعول حق.

فالإنصاف أنه لم يحرّر الى الآن ضابط‍‌ إثباتي للحق والحكم ، وإن كان الفرق بينهما ثبوتا من الواضحات ، فتمييزهما في مقام الإثبات لا بدّ وأن يكون بالنظر إلى خصوصيات

__________________

(١) البقرة ، الآية : ٢٣٣.

(٢) آل عمران ، الآية : ٩٧.

(٣) الكافي ، ج ٦ ، ص ٢٢٣ ، كتاب الصيد ، باب صيد الطيور الأهلية ، الحديث : ٦.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٤٩ ، الباب ٣ من أبواب الخيار ، الحديث : ١.

(٥) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٤٥ ، الباب ١ من أبواب الخيار ، الحديث : ١.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الموارد والأدلة ، هذا.

ولا يبعد أن يقال : ـ وإن كان محتاجا إلى الدقة والتأمل فيه ـ إنّ‌ مفاد الدليل إن كان ثبوت حكم لعين أو فعل من دون إضافته إلى فاعل مّا ، كأن يقال : «الماء أو شربه حلال ، والمعاطاة جائزة ، والتدبير والمضاربة والوكالة ونحوها من العقود والإيقاعات جائزة» كان ظاهرا في الحكم ، لظهور الدليل في كون الجواز حكما للطبيعة من حيث هي ، مع الغضّ‌ عن كل شخص. وأنّ‌ اشتمال الخطاب أحيانا على أشخاص لأجل الامتنان أو غيره من النكات كقوله تعالى : « أُحِلَّتْ‌ لَكُمْ‌ بَهِيمَةُ‌ الْأَنْعٰامِ »‌ ولذا كان الظرف لغوا لا مستقرا.

وإن كان مفاد الدليل إثبات شيء لشخص ، فان كان ذلك الشيء عينا خارجية أو ذمية كان ظاهرا في الملك. وإن كان معنى كان حقا ، مثل «للمغبون حلّ‌ العقد» وهذا الظاهر متّبع حتى يثبت خلافه.

هذا بعض الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني : في أقسام الحقوق

وحيث عرفت الفرق بين الحقّ‌ والحكم ثبوتا ، وعدم انطباق أحدهما على الآخر ، فاعلم : أنّ‌ الفقهاء «رضوان اللّه عليهم» قسّموا الحق باعتبار قابليته للسقوط‍‌ بالإسقاط‍‌ وعدمها ، ونقله الاختياري مع العوض وبدونه وعدمه ، وانتقاله القهري بالموت ونحوه وعدمه على أنحاء شتى. وقبل التعرض لها لا بأس بالتنبيه على أمر ربما يكون دخيلا في وضوح الحال ، فإنّ‌ كثيرا ممّا ذكروه من الحقوق خارج عنها ومندرج في الحكم ، وذلك الأمر هو ملاحظة ما ورد في الروايات من إطلاق الحق على كثير من الأحكام ، فلاحظ‍‌ باب جوامع الحقوق من كتاب العشرة من الوسائل ، الذي هو مختصر من جوامع الحقوق المدوّنة في بحار الأنوار ، فإنّ‌ الحق أطلق في تلك الروايات على حكم الأب بالنسبة إلى الولد وبالعكس ، وعلى عبادة اللّه سبحانه وتعالى ، وعدم الإشراك له ، وعلى ولاية الحاكم والسلطان ، وعلى الماء وكيفية شربه من الكوز وغيره ممّا لا ينطبق عليه ضابط‍‌ الحق المصطلح.

وبالجملة : يظهر بمراجعة الروايات المشتملة على إطلاق الحق على الحكم أنّ‌ التقسيم الى ما لا يسقط‍‌ بالإسقاط‍‌ وإلى ما يسقط‍‌ به ويجوز نقله ليس في محله ، لأنّ‌ ما لا يسقط‍‌ بالإسقاط‍‌

١٤٠