الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

وهو ما رواه في الكافي (١) بسنده إلى أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لما حملت فاطمة عليها‌السلام بالحسين عليه‌السلام جاء جبرئيل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إن فاطمة ستلد غلاما تقتله أمتك من بعدك فلما حملت فاطمة الحسين عليه‌السلام كرهت حمله ، وحين وضعت كرهت وضعه ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لم تر في الدنيا أم تلد غلاما تكرهه ، ولكنها كرهت لما علمت أنه سيقتل ، قال : وفيه نزلت هذه الآية «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» (٢). ونحوه غيره ، وعلى هذا فمحل الاستدلال بالآية إنما هو ما قدمناه في المسألة الاولى من المقام الأول من هذا المقصد ، وجميع ما ذكره من الإشكالات والاحتمالات في الآية باعتبار الاستدلال بها في هذا المقام فهو نفخ في غير ضرام.

الثالث : قد ذكروا أنه يجوز الزيادة على الحولين شهرا وشهرين لا أكثر ، وقيل : إنه مروي ، وقد اعترف السيد السند في شرح النافع بأنه لم يقف على الرواية ، وهو كذلك ، فإنا بعد الفحص والتتبع لم نقف عليها في شي‌ء من كتب الأخبار.

نعم قد روى الكليني (٣) وابن بابويه في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن الصبي هل يرتضع أكثر من سنتين؟ فقال : عامين ، قلت : فإن زاد على سنتين هل على أبويه من ذلك شي‌ء؟ قال : لا».

وظاهر هذه الرواية جواز الزيادة على الحولين مطلقا ، وهم لا يقولون به ، والأمر بالحولين في الآية والأخبار لا يقتضي المنع عما زاد.

الرابع : قد صرحوا بأن ما يجوز لها إرضاعه من الشهر والشهرين لا تستحق

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٤٦٤ ح ٣.

(٢) سورة الأحقاف ـ آية ١٥.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٤١ ح ٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٠٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠٧ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٧ ح ٤ ، وما في المصادر «يرضع».

٨١

عليه اجرة ، واستشكله على إطلاقه في المسالك (١) بأنه إنما يتم على تقدير عدم حاجة الولد إليه ، أما لو احتاج إليه لمرض ونحوه بحيث لا يمكن غذاؤه فيها بغير اللبن كان اللبن حينئذ بمنزلة النفقة الضرورية ، فعدم استحقاق الام عليه اجرة مطلقا لا يخلو من نظر ، إلا أن عمل الأصحاب ورواياتهم على ذلك ، فلا مجال لخلافه.

أقول : من الروايات التي استند إليها الأصحاب فيما ذكروه ما تقدم في صحيحة الحلبي (٢) من قوله عليه‌السلام «ليس للمرأة أن يأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين».

وما رواه في الكافي (٣) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث «أنه نهى أن يضار الصبي أو تضار أمه في رضاعه ، وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين ، فإن أرادا فصالا عن تراض منهما قبل ذلك كان حسنا ، والفصال هو الفطام».

وقد تقدم في رواية أبي بصير (٤) المذكورة في الموضع الثامن من المورد الأول نحو ذلك.

وأنت خبير بأنه وإن كان ظاهر هذه الأخبار هو عدم جواز أخذ الأجرة على هذه المدة الزائدة ، إلا أنه يجب تخصيصها بصورة عدم الضرورة للرضاع كما هو الغالب ، والأخبار إنما خرجت بناء على ذلك ، ويؤيده قوله في تلك الأخبار بعد هذه الكلام «فإن أرادا فصالا عن تراض قبل ذلك كان حسنا» فإن الكلام من أوله إلى آخره مبني على صحة الولد وسلامته ، وإلا فالمستفاد من الأخبار

__________________

(١) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٨١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٠٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٦ ب ٧ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٤١ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٧ ح ٣.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٩ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٨ ح ٧.

٨٢

أن الضرورات تبيح المحظورات ، وحينئذ فيجب عليها رضاعه في تلك المدة لمكان الضرورة ، ويجب على الأب الأجرة حسبما قرره ـ رحمه‌الله ـ أولا.

وأما ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من أن عمل الأصحاب ورواياتهم على ذلك فلا مجال لخلافه ، ففيه أن غاية ما يفهم من كلامهم ومن الأخبار المذكورة هو إطلاق القول بالمنع من أخذ الأجرة على هذه المدة ، وليس في شي‌ء منهما ما يدل صريحا أو ظاهرا على أن الأمر كذلك في صورة الاضطرار إلى الرضاع هذه المدة ، فالجميع قابل للتقييد بما ذكرناه ، فلا منافاة كما توهم ، وإلى ما ذكرناه يميل كلام سبطه في شرح النافع حيث قال : ولو اضطر الولد إلى الرضاع بعد الحولين لمرض ونحوه فالأقرب وجوب أجرتها على الأب لأن ذلك بمنزلة النفقة الضرورية. انتهى وهو جيد.

المقام الثالث : في الحضانة ، والظاهر أن أصلها من حضن الطائر بيضه ، أي ضمه تحت جناحه ، قال في كتاب المصباح المنير (١) بعد ذكر المعنى المذكور : والحضانة ـ بالفتح والكسر ـ اسم منه. وقال في المسالك : هي ـ بفتح الحاء ـ ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته ، وما يتعلق بها من مصلحته من حفظه وجعله في سريره ورفعه وكحله ورهنه وغسل خرقه وثيابه وتنظيفه ونحو ذلك وهي بالأنثى أليق منها بالرجل ، لمزيد شفقتها وخلقها المعد لذلك بالأصل ، انتهى.

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ، وكلام الأصحاب في المقام ، والكلام في ذلك بما يسر الله تعالى فهمه بتوفيقه وببركة أهل الذكر عليهم‌السلام.

فمن الأخبار ما رواه في الكافي (٢) عن أبي العباس البقباق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل أحق بولده أم المرأة؟ فقال : لا بل الرجل ، قال : فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلقها أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من ترضعه فهي أحق به».

__________________

(١) المصباح المنير ج ١ ص ١٩٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٤٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩١ ح ٣ وليس فيهما «قال» الثانية.

٨٣

وفي معنى هذه الرواية روايات تقدمت في الموضع الثامن من المورد الأول من التكملة في الرضاع.

وفي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الحلبي المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها ، وهي أحق بولدها حتى ترضعها بما تقبله امرأة اخرى ، إن الله عزوجل يقول «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» (٢) الحديث.

وما رواه في الكافي والتهذيب (٣) عن المنقري عمن ذكره قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يطلق امرأته وبينهما ولد أيهما أحق بالولد؟ قال : المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج».

ورواه في الفقيه (٤) عن المنقري عن حفص بن غياث أو غيره قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام» الحديث.

وما رواه في الفقيه (٥) عن عبد الله بن جعفر في الصحيح عن أيوب بن نوح قال : «كتب إليه بعض أصحابه أنه كانت لي امرأة ولي منها ولد فخليت سبيلها فكتب عليه‌السلام : المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرأة».

وما رواه المشايخ الثلاثة (٦) عن داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ» قال : ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩٢ ح ٥.

(٢) سورة البقرة ـ آية ٢٣٣.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٤٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩١ ح ٤.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٥ ح ٢ وفيه اختلاف يسير.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩٢ ح ٦.

(٦) الكافي ج ٦ ص ٤٥ ح ٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٧٤ ب ١٢٧ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩٠ ب ٨١ ح ١.

٨٤

بالسوية ، فإذا فطم فالأب أحق به من الأم ، فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة ، فإن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم وقالت الام : لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فإن له أن ينزعه منها إلا أن ذلك خير له وأرفق به أن يذره مع أمه».

وما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن داود الرقي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة حرة نكحت عبدا فأولدها أولادا ، ثم إنه طلقها فلم تقم مع ولدها وتزوجت ، فلما بلغ العبد أنها تزوجت أراد أن يأخذ ولده منها ، وقال : أنا أحق بهم منك إذا تزوجت ، فقال : ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها ، وإن تزوجت حتى يعتق هي أحق بولدها منه ما دام مملوكا ، فإذا أعتق فهو أحق بهم منها».

وما رواه الصدوق (٢) في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أيما امرأة حرة تزوجت عبدا فولدت منه أولادا فهي أحق بولدها منه وهم أحرار ، فإذا أعتق الرجل فهو أحق بولده منها لموضع الأب».

وما رواه في الكافي (٣) في الموثق عن جميل وابن بكير جميعا «في الولد من الحر والمملوكة ، قال : يذهب إلى الحر منها».

وروى ابن الشيخ في أماليه (٤) عن أبيه عن أبي الصلت عن ابن عقدة عن عبد الله ابن علي عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم‌السلام «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى بابنة حمزة لخالتها ، وقال : الخالة والدة».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٤٥ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠٧ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨١ ب ٧٣ ح ٢ وفيها اختلاف يسير.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٩٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨٢ ب ٧٣ ح ٣.

(٤) أمالي ابن الشيخ ص ٢١٨ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨٢ ب ٧٣ ح ٤.

٨٥

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر (١) من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم من مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام برواية الجوهري والحميري عن أيوب بن نوح قال : «كتب إليه ـ يعني بشار بن بشير ـ : جعلت فداك رجل تزوج امرأة فولدت منه ثم فارقها ، متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب : إذا صار له سبع سنين ، فإن أخذه فله ، وإن تركه فله».

هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، والكلام في هذا المقام بما يحيط بأطراف النقض والإبرام يقع في مسائل :

الأولى : في الحضانة وقت الرضاع وبعده ، (أما) الأول فقد صرح جملة من الأصحاب بأن الأم أحق بالولد مدة الرضاع قال في المسالك : ولا خلاف فيه إذا كانت متبرعة أو رضيت بما تأخذ غيرها من الأجرة.

أقول : ويدل على ما ذكره جملة من هذه الروايات المنقولة هنا ، وما تقدم في الموضع الثامن من المورد الأول من التكملة ، إلا أن ابن فهد في المهذب ادعى الإجماع أيضا على اشتراك الحضانة بين الأبوين مدة الرضاع ، قال : وقع الإجماع على اشتراك الحضانة بين الأبوين مدة الحولين ، وعلى سقوطها بعد البلوغ ، انتهى.

ويدل على ما قاله رواية داود بن الحصين (٢) وقوله عليه‌السلام فيها «ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية». إلا أنها تضعف عن معارضة تلك الأخبار الدالة على القول الأول سندا وعددا. وبالجملة فإنه لا إشكال بعد دلالة هذه الأخبار على أحقية الأم به مدة الرضاع إذا تبرعت أو رضيت بما رضي به غيرها.

وإنما الإشكال فيما إذا سقط حقها من الرضاعة واسترضع الأب غيرها بأن لم تتبرع ولم ترض بما رضي به غيرها ، فإنه قد تقدم في رواية داود بن الحصين أن للأب أن ينزعه منها ، وحينئذ فإذا زال حقها من الرضاع فهل يزول

__________________

(١) السرائر ص ٤٧٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ج ١٥ ص ١٩٠ ب ٨١ ح ١.

٨٦

أيضا حقها من الحضانة أم يبقى؟ قولان : وبالأول صرح المحقق في الشرائع وإلى الثاني ذهب ابن إدريس فقال : لا يسقط حقها من الحضانة ، لأنهما حقان متغايران ، فلا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر ، وهو قوي من حيث الاعتبار ، إلا أن ظاهر قوله عليه‌السلام في رواية داود بن الحصين أن للأب أن ينزعه منهما إن لم ترض بما رضي به غيرها يرد ما ذكره ، ويؤيده أيضا مفهوم رواية أبي الصباح الكناني (١) ورواية أبي العباس (٢) ، وإلى القول بما ذهب إليه المحقق مال السيد السند في شرح النافع لما ذكرناه ، وأيده بما يلزم من الحرج في تردد المرضعة إلى الأم في كل وقت يحتاج الولد إلى الرضاع والعسر المنفيين بالآية والرواية وظاهر جده في المسالك والروضة الميل إلى ما ذهب إليه ابن إدريس استضعافا لرواية داود بن الحصين ، وإمكان حملها على أن المراد نزعه من جهة الرضاع لا مطلقا ، قال : والضرر بذلك لا يبلغ حدا لإسقاط الحق الثابت ، وحينئذ فتأتي المرضعة وترضعه عندها مع الإمكان ، فإن تعذر حمل الصبي إلى المرضعة وقت الإرضاع خاصة ، فإن تعذر جميع ذلك اتجه سقوط حقها من الحضانة للحرج والضرر.

أقول : والأقرب هو ما ذهب إليه المحقق ـ رحمة الله عليه ـ لظاهر الروايات المذكورة ، وإن كان ما ذهب إليه ابن إدريس لا يخلو من قوة من حيث الاعتبار.

هذا بالنسبة إلى مدة الحولين ، (وأما) بعدهما فقيل : إن الأب أحق بالذكر والام أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن إدريس وابن البراج وابن حمزة والمحقق.

وقيل : إن الأم أحق بالذكر مدة الحولين ، وبالأنثى إلى تسع سنين وهو قول الشيخ المفيد (٣) وتلميذه سلار وقيل : إن الأم أحق بالولد ما لم تتزوج ،

__________________

(١ و ٢) الوسائل ج ١٥ ص ١٩١ ب ٨١ ح ٢ و ٣.

(٣) قال في المقنعة : وإذا فصل الصبي من الرضاع كان الأب أحق بكفالته من الام ، والام أحق بكفالة البنت حتى تبلغ تسع سنين الا أن تتزوج ، فان تزوجت كان الأب أحق بكفالة البنت حينئذ ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٨٧

ذهب إليه الصدوق في كتاب المقنع وقيل : إن الأم أحق بالبنت ما لم تتزوج ، وبالصبي إلى سبع سنين ، إختاره ابن الجنيد والشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وأنكر ابن إدريس في سرائره هذا القول وبالغ في رده فقال : ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه قول بعض المخالفين ، وما اخترناه هو الصحيح ، لأنه لا خلاف أن الأب أحق بالولد في جميع الأحوال ، وهو المولى عليه والقيم بأمره ، فأخرجناه بالإجماع الحولين في الذكر ، وفي الأنثى السبع سنين ، فمن ادعى أكثر من ذلك يحتاج إلى دليل قاطع ، وهو مذهب شيخنا في نهايته ، والعجب قوله في آخر المسألة «دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم» وهو مما يضحك به الثكلى ، من أجمع منهم معه؟ وأي خبر لهم في ذلك؟ بل أخبارنا بخلافه واردة ، وإجماعنا بضد ما قاله ـ رحمه‌الله ـ ورد العلامة في المختلف على ابن إدريس وبالغ في تهجينه والإزراء عليه بجرأته على الشيخ.

أقول : لا ريب أن كلام ابن إدريس جيد لكن الأولى الاقتصار على بيان المسألة من غير تعرض للإزراء بالشيخ ـ رحمة الله عليه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما تضمنه القول الأول من أن الأب أحق بالذكر ظاهر من الأخبار المتقدمة الدالة على اختصاص الام به مدة الحولين ، فإن مفهومها أنه بعد الحولين تصير الحضانة للأب ، وأما ما تضمنه من أن الأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين فلم نقف له على نص صريح ، وليس في الأخبار المتقدمة وهي أخبار المسألة كملا ـ مما يتضمن السبع إلا صحيحة أيوب بن روح وروايته المنقولة من مستطرفات السرائر ، وظاهرهما العموم لكل من الذكر والأنثى ، وأن الأم أحق بهما في هذه المدة ، وإلى العمل بهذه الصحيحة على عمومها مال السيد السند في شرح النافع ، والشيخ ومن تأخر عنه حملوها على البنت جمعا بينها وبين ما دل على أن الذكر بعد الحولين تصير حضانته إلى الأب ، وحينئذ فيصير الخبر باعتبار ذلك دليلا لما ذكره في النهاية.

٨٨

وأما القول الثاني فالوجه في حكم الذكر ظاهر مما عرفت. وأما الأنثى وأنها في حضانة الأم إلى تسع سنين فلم نقف على خبر يدل عليه ، وقد اعترف بذلك من تقدمنا أيضا ، ولعل شيخنا المفيد ـ رحمة الله عليه ـ وصل إليه خبر بما ذكره وإن لم يصل إلينا.

وأما القول الثالث ـ وهو مذهب الصدوق ـ فيدل عليه رواية المنقري (١) المتقدمة ، ورواية حفص بن غياث (٢) والشيخ ـ رحمه‌الله ـ قد حمل الرواية تارة على ما إذا كانت تكفله بما يكفله غيرها ، قال : ويحتمل أن يكون المراد بالولد هنا الأنثى ويحتمل أن يكون المراد به ما لم يفطم.

وأما القول الرابع فقد عرفت ما فيه من كلام ابن إدريس ، والأقرب عندي في الجمع بين أخبار المسألة هو أن يقال : إنه بعد الطلاق إن وقع التشاجر والنزاع بين الأبوين في الحضانة فالظاهر أن الأب أحق به إلا في مدة الحولين إذا رضيت بما يرضى به غيرها ، أو تبرعت ، فإنها تصير حينئذ أحق ، وإلى ما ذكرنا من أحقية الأب يشير قوله عليه‌السلام في رواية البقباق (٣) بعد أن سأله : الرجل أحق بولده أم المرأة؟ فقال : بل الرجل ، وإن لم يكن هناك تنازع بينهما فالأم أحق به إلى السبع ما لم تتزوج ، وعلى ذلك يحمل ما دل على السبع على عمومه ، ويؤيده ما ورد في جملة من الأخبار الدالة على ما ينبغي أن يفعل بالولد في مبدأ نشوه وتربيته.

ففي خبر يونس (٤) عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «دع ابنك يلعب سبع سنين وألزمه نفسك سبعا ، فإن أفلح وإلا فإنه لا خير فيه».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٤٠ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٥ ب ٦٨ ح ١.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٥ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٤٤ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩١ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٤٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩٣ ح ١.

٨٩

وفي الفقيه (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «يربى الصبي سبعا ، ويؤدب سبعا ويستخدم سبعا».

وفي رواية يونس بن يعقوب (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أمهل صبيك حتى يأتي له ست سنين ، ثم ضمه إليك سبع سنين ، فأدبه بأدبك» الحديث.

وفي رواية ابن أسباط (٣) عن عمه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الغلام يلعب سبع سنين ، ويعلم الكتاب سبع سنين ، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين».

فإنه لا يخفى أن السبع التي هي مدة التربية واللعب إنما يكون عند الأم لأنها هي المربية له ، وإليه يشير قوله «ثم ضمه إليك وألزمه نفسك» يعني بعد تلك السبع ، وهو ظاهر في أن الأب إنما يضمه إلى نفسه وتصير الحضانة له بعد تلك السبع التي مضت للولد عند امه ، ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى.

المسألة الثانية : قد صرح الأصحاب بأن حضانة الأم حيث تثبت لها الحضانة مشروطة بشروط :

الأول : أن تكون مسلمة إذا كان الولد مسلما كولد المسلم المحكوم بالإسلام لإسلام أبيه ، وعلل بأن الحضانة ولاية ، ولا ولاية للكافر على المسلم ، للآية (٤) وبأنها تفتنه عن دينه لأنه ينشأ على ما يألفه منها.

قالوا : ولو كان الولد كافرا تبعا لأبويه فحضانته على ما فصل إن ترافعوا إلينا.

الثاني : أن تكون حرة ، فلا حضانة لها لو كانت أمة لأن منافعها مملوكة

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣١٩ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩٥ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٤٦ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١١١ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩٣ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٤٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١١١ ح ٢٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩٤ ح ١ وليس في المصادر «ان».

(٤) سورة النساء ـ آية ١٤١.

٩٠

لسيدها ، فهي مشغولة بخدمته عن الحضانة ، ولأن الحضانة ولاية ، والمملوك ليس أهلا لها.

أقول : ويؤيده بل يدل عليه ما تقدم من رواية داود الرقي (١) وصحيحة الفضيل بن يسار (٢) ومقطوعة جميل وابن بكير (٣) والتقريب فيها أنه رتب الولاية في الحضانة على الحرية فمنع الأب من الحضانة ما دام رقا ، وأنما يجوز له بعد الحرية مع ما عرفت آنفا من أن الحضانة للأب إلا في مدة الرضاع

الثالث : أن تكون عاقلة ، فلا حضانة للمجنون لأن المجنون يحتاج إلى من يحضنه ، فكيف يحضن غيره ، قالوا : ولا فرق بين أن يكون الجنون مطبقا أو أدوارا ، إلا أن يقع نادرا من غير أن تطول مدته فلا يبطل الحق ، وفي إلحاق المرض المزمن الذي لا يجرى زواله كالسل والفالج بحيث يشغل الألم عن كفالته وتدبير أمره وجهان : من اشتراكهما في المعنى المانع من مباشرة الحفظ ، وأصالة عدم سقوط الولاية مع إمكان تحصيلها بالاستنابة ، ولعل هذا أرجح.

قيل (٤) ولو كان المرض مما يعدي كالجذام والبرص فالأظهر سقوط حضانتها بذلك تحرزا من تعدي الضرر إلى الولد ، وهو مبني على الخبر الوارد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) «فر من المجذوم فرارك من الأسد». ويحتمل بناء على خبر (٦) «لا عدوى ولا طيرة». وخبر من ذا الذي أعدى الأول عدم سقوط الولاية ، والشهيد في قواعده ذكر

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٤٥ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠٧ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨١ ب ٧٣ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٩٢ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٥ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٩ ح ٤.

(٤) القائل السيد السند في شرح النافع (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٨ ح ٤ ، الوسائل ج ٨ ص ٤٣١ ح ٢.

(٦) الوسائل ج ٨ ص ٣٧٠ ب ٢٨ ح ١.

٩١

هذا شرطا على حدة.

الرابع : أن تكون فارغة من حقوق الزوج ، فلو تزوجت سقط حقها من الحضانة.

أقول : ويدل على هذا الشرط ما تقدم في حديثي المنقري وحفص بن غياث الدالين على أن المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج ، ونقل الشهيد الثاني في الروضة الإجماع على هذا الشرط وإطلاق النص ، وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في سقوط حقها بالتزويج بين دخول الزوج وعدمه ، ويحتمل اختصاص السقوط بحال الدخول لأنه الذي يحصل فيه الاشتغال بحقوق الزوج المانعة لها من الكفالة.

بقي الكلام في أنه لو طلقت الام فهل تعود إليها الولاية لزوال المانع وهو التزويج؟ أم لا لخروجها بالنكاح عن الاستحقاق فلا تعود إلا بدليل؟ قولان : أولهما للشيخ ، والثاني لابن إدريس ، والشيخ إنما استدل هنا بأخبار العامة ، فاحتج بما رواه أبو هريرة (١) «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الأم أحق بحضانة ابنها ما لم تتزوج». قال : حد حقها بالتزويج ، فإذا زال التزويج فالحق باق على ما كان.

وعن عبد الله بن عمر (٢) «أن امرأة قالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء وحجري له حواء ، وأن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني ، فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي».

احتج ابن إدريس بأن الحق خرج عنها بالنكاح وعوده يحتاج إلى دليل ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل غاية الاستحقاق للحضانة التي تستحقها الام تزويجها ، وهذه قد تزوجت. فخرج الحق منها.

والعجب من الشيخ في استناده إلى هذه الأخبار العامية ، مع روايته للأخبار التي من طرق أهل البيت عليهم‌السلام في كتب الحديث.

قال العلامة في المختلف بعد نقل القولين المذكورين : والوجه ما قاله

__________________

(١) سنن أحمد ج ٢ ص ٢٠٣ وفيه «عن عمرو بن العاص» مع اختلاف يسير.

(٢) سنن ابن داود ج ٢ ص ٢٨٣ ح ٢٢٧٦.

٩٢

الشيخ لأن الحضانة جعلت إرفاقا بالصبي ، فإذا تزوجت الام خرجت باشتغالها بزوجها وحقوقه عن الحضانة للطفل ، فلهذا سقطت ، فإذا طلقت زال المانع فيبقى المقتضي سليما عن المعارض فيثبت حكمه ، وظاهر السيد السند في شرح النافع الميل إلى هذا القول أيضا حيث جعله الأقرب ، والظاهر أنه كذلك ، ثم إنه بناء على العود بالطلاق فظاهر كلام السيد المشار إليه أنه إنما يعود بمجرد الطلاق إذا كان الطلاق بائنا ، ولو كان رجعيا فبعد العدة.

وفيه أنه من الممكن ترتب الحكم على مجرد الطلاق في الرجعي أيضا بناء على أنها لا يجب عليها بعد الطلاق شي‌ء من حقوق الزوجية التي بها حكموا بزوال حضانتها بالتزويج ، وحينئذ فتكون فارغة لكفالة الصبي والقيام بأحواله.

الخامس : أن تكون أمينة ، فلا حضانة لمن لا أمانة لها ، قال في شرح النافع : وهذا الشرط لم يعتبره المصنف ، وقد اعتبره الشيخ في المبسوط وجماعة منهم الشهيد في القواعد ، ولا بأس به لأن من لا أمانة لها ربما خانت في حفظ الولد ، ولأن في التكليف بتسليم الولد إلى غير المأمونة عسرا وحرجا فكان منفيا.

أقول : لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة ، فإن الخروج عما ثبت شرعا لها من حق الحضانة بمثل هذه التعليلات لا يخلو من مجازفة ، على أنه من المعلوم الذي جبلت عليه الطباع حنو المرأة على ولدها وحرصها على القيام به واللطف به في جميع أحواله وحرصها على ما يصلحه وينفعه ، كل ذلك جبلة وطبيعة وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا مرية فيه ، وكيف مع هذا يتم ما ذكره من قوله «وربما خانت في حفظ الولد».

وبالجملة فإن كلامه ـ رحمه‌الله ـ عندي هنا غير موجه ، على أنه لو تم ما ذكروه من هذه التخريجات لجرى ذلك في الأب أيضا وهو معلوم البطلان ، ولعل ترك هذا الشرط هو الأظهر ، فإن الام لمزيد شفقتها وحنوها على ولدها طبيعة وجبلة يمنع مما توهمه علة لهذا الشرط.

٩٣

السادس : أن تكون مقيمة ، فلو انتقلت إلى محل تقصر فيه الصلاة سقط حقها من الحضانة عند الشيخ في المبسوط ، ثم نقل عن قوم أنه إن كان المنتقل هو الأب فالأم أحق به ، وإن انتقلت الأم فإن كان انتقالها من قرية إلى بلد فهي أحق به ، وإن كان من بلد إلى قرية فالأب أحق به ، لأن في السواد يقل تعليمه وتخرجه ، وقال ـ بعد نقل ذلك ـ : إنه قوي ، وحكى الشهيد في قواعده قولا بأن الأب لو سافر جاز له استصحاب الولد وسقطت حضانة الأم.

أقول : الظاهر أن جميع هذه التفريعات والتعليلات كلها من كلام العامة ، كما عرفت في غير موضع من الكتب السابقة ، جرى عليها الشيخ في المبسوط وتبعه غيره.

ولا يخفى ما في بناء الأحكام الشرعية عليها من المجازفة في أحكامه سبحانه المبنية على النصوص الواضحة من الكتاب والسنة ، كما استفاضت به أخبارهم عليهم‌السلام.

المسألة الثالثة : قد صرحوا بأنه لو مات الأب وقد صارت الحضانة له بأن كان الولد أكبر من سنتين والبنت أكبر من سبع ـ بناء على ما ذكروه مما تقدم نقله عنهم ـ فإن الحضانة تنتقل إلى الأم دون الوصي المنصوب من قبل الأب وغيره ، وكذا تكون الأم أحق لو كان الأب مملوكا أو كافرا وإن تزوجت ، إلا أن يعتق المملوك ويسلم الكافر.

أقول : أما الحكم الأول فلم أقف له على دليل في النصوص وهم أيضا لم يذكروا له دليلا ، وإن كان من الأدلة الاعتبارية الجارية في كلامهم ، والمقطوع به في النصوص هو أن الحضانة لها في مدة الرضاع كما تقدم ، وأن الأب لا يزاحمها فيها ، فلو مات في هذه الحال فالام باقية على ولايتها ، وليس للوصي معارضتها لأنها إذا كانت في هذه الحال أولى من الأب على تقدير وجوده فهي أولى من وصيه بطريق الأولى مع موته.

وكذا في السبع في البنت على ما يدعونه مما تقدم في كلامهم لعين ما ذكر ،

٩٤

وأما بعد هذه المدة فيما إذا صارت الولاية للأب لو مات الأب فلا أعرف دليلا على رجوع الولاية لها ، وأنها حق الوصي ، إلا أن ظاهر كلامهم الاتفاق على أنها للأم ، وفرعوا عليه أيضا عدم الفرق بين كون الام متزوجة أم لا ، وبهذا التعميم صرح العلامة في الإرشاد فقال : ولو مات الأب لم تسقط به يعني التزويج ، واستحقت الحضانة إلى وقت التزويج.

وأما الحكم الثاني ، فإما بالنسبة إلى كون الأب مملوكا فقد تقدم ما يدل عليه من الأخبار مثل رواية داود الرقي (١) وصحيحة الفضيل بن يسار (٢) ومقطوعة جميل وابن بكير (٣) ، وفي الأولى دلالة على الأولوية وإن تزوجت كما ذكروه ، وأما بالنسبة إلى كونه كافرا فاستدلوا عليه بمفهوم الأولوية من المملوك فإنه متى كانت الأم أولى من الأب المملوك فبطريق الأولى تكون أولى من الكافر ، لأنه أبعد من الولاية.

المسألة الرابعة : قد اختلف الأصحاب في حكم الحضانة مع فقد الأبوين اختلافا زائدا لعدم النصوص الواردة في هذا المقام غير رواية ابن الشيخ الطوسي في أماليه الواردة في ابنة حمزة ، والأكثر في هذه المسألة على تعدي الحكم إلى باقي الأقارب ، وترتيبهم على ترتيب الإرث تمسكا بظاهر قوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» (٤) فإن الأولوية تشمل الإرث والحضانة وغيرهما ، ولأن الولد يفتقر إلى التربية والحضانة ، فلا بد من أن يكون له من يقوم بذلك ، والقريب أولى من البعيد ، وعلى هذا فمع فقد الأبوين ينظر في الموجود من الأقارب ، ويقدر لو كان وارثا ، ويحكم له بحق الحضانة ، ثم إن اتحد اختص ،

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٤٥ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨١ ب ٧٣ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٩٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨٢ ب ٧٣ ح ٣.

(٤) سورة الأنفال ـ آية ٧٥.

٩٥

وإن تعدد أقرع بينهم لما في اشتراكهم من الإضرار بالولد.

قال في المسالك : وهذا القول هو المعتمد. وقيل : إنه مع فقد الأبوين تكون الحضانة لأب الأب مقدما على غيره من الاخوة والأجداد ، وإن شاركوه في الإرث ، وهذا هو الذي قطع به المحقق والعلامة في غير المختلف وجماعة منهم الشيخ في موضع من المبسوط وابن إدريس كما سيأتي في نقل كلامه. وقيل :

إنه مع فقد الأبوين ينتقل الحكم إلى الأجداد ، ويقدمون على الاخوة وإن شاركوهم في الميراث ، ولا يفرق بين الجد للأب وغيره ، ومع فقدهم ينتقل إلى باقي مراتب الإرث ، وهذا القول مذهب العلامة في الإرشاد ، وأجمل حكم الأجداد ، ولم يفصل الحكم في الأجداد مع التعدد والعلو ، ومن يتقرب منهم بالأب أو الأم. وقيل : إنه مع موت الأب تقوم امه مقامه في ذلك ، فإن لم يكن له أم وكان له أب قام مقامه في ذلك ، فإن لم يكن له أب ولا أم كانت الأم التي هي الجدة أحق به من البعد ، وهذا القول مذهب الشيخ المفيد في المقنعة. وقيل : إن من مات من الأبوين كان الباقي أحق به من قرابة الميت إلا أن يكون المستحق له غير رشيد ، فيكون من قرب إليه أولى به ، فإن تساوت القربات قامت القربات مقام من هي له قرابة في ولايته ـ إلى أن قال : ـ والام أولى ما لم تتزوج ثم قرابتها أحق به من قرابة الأب لحكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) بابنة حمزة لخالتها دون أمير المؤمنين عليه‌السلام وجعفر ، وقد طالبا بها لأنها ابنة عمهما جميعا ، وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : عندي ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي أحق بها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادفعوها إلى خالتها ، فإن الخالة أم. وهذا القول لابن الجنيد ، وفي المسألة أقوال أخر غير ما ذكرناه.

أقول : والمسألة لعدم النص لا تخلو من الإشكال إلا أن الظاهر أن ما ذكره ابن إدريس (٢) هنا هو الأقرب إلى جادة الاعتدال حيث قال ـ بعد أن نقل عن

__________________

(١) الوسائل ج ١٥ ص ١٨٢ ب ٧٣ ح ٤.

(٢) السرائر لابن إدريس ص ٣١٩.

٩٦

الشيخ في الخلاف كلاما طويلا يتضمن تعدية ولاية الحضانة إلى باقي الوراث وتقديم بعضهم على بعض ـ ما صورته : ما ذكره الشيخ في الخلاف من تخريجات المخالفين ومعظم قول الشافعي ، وبناهم على القول بالعصبة ، وذلك عندنا باطل ، ولا حضانة عندنا إلا للام نفسها والأب ، فأما غيرهما فليس لأحد عليه ولاية سوى الجد من قبل الأب خاصة.

قال في شرح النافع : ويظهر من المصنف في الشرائع الميل إلى هذا القول ، ولا يخفى وجاهته ، وإنما قلنا بثبوت الولاية للجد من قبل الأب لأن له ولاية المال والنكاح ، فيكون له ولاية التربية بطريق أولى ، وإنما كانت الأم أولى منه بالنص ، فمع عدمها وعدم من هو أولى منه تثبت الولاية ، وعلى هذا فلو فقد الأبوان والجد فإن كان للولد مال استأجر الحاكم له من يربيه من ماله ، فإن لم يكن له مال كان حكم تربيته حكم الإنفاق عليه ، فيجب على المؤمنين كفاية. انتهى وهو جيد ، ولهم هنا تفريعات على ما ذكروه من الأقوال أعرضنا عن التطويل بنقلها لما عرفت في الأصل المبني عليه في المقام من كونه في معرض التزلزل والانهدام.

المقصد الخامس في النفقات :

وأسبابها ثلاثة : الزوجية ، والقرابة ، والملك ، ولا خلاف بين علماء الإسلام في وجوبها : بهذه الثلاثة ، وحينئذ فالكلام في هذا المقصد يقع في مطالب ثلاثة.

الأول في الزوجية : والأصل في وجوب نفقة الزوجة الكتاب والسنة قال الله عزوجل «الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ» (١) وقال سبحانه «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» (٢).

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٣٤.

(٢) سورة الطلاق ـ آية ٧.

٩٧

وروى ثقة الإسلام في الكافي (١) عن إسحاق بن عمار في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال : يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها».

وروى في الفقيه (٢) في الصحيح عن ربعي عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قوله عزوجل «وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ» قال : إذا أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة ، وإلا فرق بينهما».

وعن عاصم بن حميد (٣) عن أبي بصير في الصحيح قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام أن يفرق بينهما». إلى غير ذلك من الأخبار التي تقدم جملة منها في الفائدة السادسة عشر من فوائد المقدمة.

إذا عرفت ذلك فتحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه في مسائل :

الأولى : لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط النفقة بالعقد الدائم ، فلا يجب لمتمتع بها نفقة ، وإليه يشير قول الصادق عليه‌السلام في رواية زرارة (٤) «تزوج منهن ألفا فإنما هن مستأجرات». وقول أبي جعفر عليه‌السلام في رواية محمد بن مسلم (٥) «لأنها لا تطلق ، ولا تورث وإنما هي مستأجرة». ومن المعلوم أن الأجير لا نفقة (٦) وإنما

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥١٠ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢٤ ح ٥.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٩ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢٣ ب ١ ح ١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٩ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢٣ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٥٢ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٨ ح ٤٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٦ ح ٢ ، وما في المصادر «فإنهن».

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٩ ح ٤٦ مع زيادة فيه ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٦ ح ٤ وما في المصادر «لا ترث» وهو الصحيح.

(٦) والصحيح «لا نفقة له».

٩٨

الخلاف بينهم في أنه هل تجب النفقة بمجرد العقد إذا كان دائما وإن سقطت بالنشوز ، أو أنه يشترط مع العقد التمكين الكامل؟ وعرفه المحقق في الشرائع بأنه التخلية بينها وبينه بحيث لا يختص موضعا ولا وقتا. فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان أو مكان دون آخر مما يسوغ فيه الاستمتاع لم يحصل التمكين قولان ، الأكثر على الثاني ، بل لم أقف على مصرح بالأول وإن ذكر بلفظ «قيل».

ثم إنه على تقدير القول المشهور فهل يتوقف حصول التمكين على لفظ من قبل المرأة يدل على ذلك مثل أن تقول : سلمت نفسي إليك في أي مكان شئت ونحو ذلك مع حصول التخلية أم لا؟ قولان ، وبالأول صرح العلامة في التحرير ، وصرح في المسالك بأنه ذلك ظاهر كلام جملة من الأصحاب ثم استشكل في ذلك (١).

أقول : بل يجب القطع بعدمه ، أما (أولا) فلعدم الدليل عليه ، والقائل به لم ينقل عنه ذكر دليل على ذلك ، ولو من الأدلة الاعتبارية الجارية في كلامهم وأصالة العدم أقوى مستمسك حتى يقوم الدليل الواضح من الكتاب أو السنة على ما يوجب الخروج عنه ، وهذه قاعدتهم في غير مقام من الأحكام.

وأما (ثانيا) فلأن الأصل المبني عليه هذا القول أعني القول بوجوب التمكين على الوجه الذي عرفت ، وأن وجوب النفقة متوقف على ذلك مما لم يقيموا عليه دليلا واضحا ولا برهانا لائحا ، غير مجرد الدعوى مع ظهور الأدلة على خلافه ، وهو ما قدمناه من الأخبار الدالة على ترتب وجوب النفقة على مجرد

__________________

(١) حيث قال : واعلم أن الظاهر من كلام المصنف وغيره بل صرح به بعضهم أن التمكين لا يكفى حصوله بالفعل ، بل لا بد من لفظ يدل عليه من قبل المرأة بأن تقول : كلت نفسي إليك حيث شئت وأى زمان شئت ، ونحو ذلك ، فلو استمرت ساكتة وان مكنت من نفسها بالفعل لم يكف في وجوب النفقة ، ولا يخلو ذلك من اشكال ، انتهى (منه ـ قدس‌سره ـ). راجع مسالك الافهام ج ١ وفيه «سلمت نفسي».

٩٩

الزوجية التي لا خلاف في حصولها بمجرد العقد.

قال السيد السند في شرح النافع : وقد اختلف الأصحاب في اعتبار هذا الشرط ، فذهب الأكثر إلى اعتباره ، وأن العقد بمجرده لا يوجب النفقة ، وإنما تجب بالتمكين ، إما بجعله تمام السبب أو سببا تاما أو شرطا في الوجوب ، وربما قيل بوجوب النفقة بالعقد كالمهر لكنها تسقط بالنشوز ، والمعتبر الأول اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، وليس فيما وصل إلينا من الأدلة النقلية ما ينافي ذلك صريحا ولا ظاهرا ، انتهى.

أقول فيه : إن الأخبار التي أشرنا إليها أظهر ظاهر في ترتب النفقة على مجرد العقد فإن ما اشتمل عليه جملة منها مما ذكرناه وما لم نذكره من قوله عليه‌السلام «حق المرأة على زوجها» يعني من حيث الزوجية ، لأن التعليق على الوصف يشير بالعلية ، وهو صريح في المطلوب ، ونحوه قوله «من كانت عنده امرأة فلم يكسها (١) ويطعمها ما يقيم صلبها» إلخ أظهر ظاهر فيما ذكرناه فإنه بمجرد العقد يصدق أنه عنده امرأة.

وبالجملة فدلالة الأخبار على ما ذكرناه أظهر ظاهر كما عرفت ، فدعواه أنه لم يصل إليه من الأدلة النقلية ما ينافي ذلك عجيب من مثله ـ رحمه‌الله.

وممن وافقنا على هذه المقالة ـ وإن غلب عليه رعاية الشهرة فتوقف فيما قاله ـ شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (٢) والحري أن ننقل جميع ما ذكره في المقام بلفظه وإن طال به زمان الكلام.

قال ـ قدس‌سره ـ بعد الكلام في المقام «ولا ريب في أن للنفقة تعلقا بالعقد والتمكين جميعا فإنها لا تجب قبل العقد ، ولو نشزت بعد العقد لم تطالب بالنفقة ، واختلف في أنها بم تجب؟ فقيل : بالعقد كالمهر لا التمكين ، لدلالة الأدلة السابقة

__________________

(١) والصحيح كما في الرواية المتقدمة «فلم يكسها ما يوارى عورتها ويطعمها.».

(٢) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٨٤ وفيه «لا بالتمكين».

١٠٠