الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

بأن يعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى. أقول : أكثر الأخبار الواردة ظاهرة في مساواة الغلام للجارية في العقيقة.

ومنها ما رواه في الكافي (١) عن منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «العقيقة في الغلام والجارية سواء».

وعن سماعة (٢) في الموثق قال : «سألته عن العقيقة فقال : في الذكر والأنثى سواء».

وعن أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عقيقة الغلام والجارية كبش».

وعن عبد الله بن مسكان (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن العقيقة فقال : عقيقة الجارية والغلام كبش كبش».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد (٥) عن عبد الله بن الحسن عن علي ابن جعفر عن أخيه قال : «سألته عن العقيقة عن الغلام والجارية سواء؟ قال : كبش كبش».

وعن محمد بن عبد الحميد (٦) عن يونس بن يعقوب قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن العقيقة الجارية والغلام فيها سواء؟ قال : نعم».

وأما ما يدل على ما ذكروه من استحباب مساواة العقيقة للمولود فهو ما رواه في الفقيه (٧) عن محمد بن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن العقيقة؟ فقال : شاة أو بقرة أو بدنة ، ثم يسمى ويحلق رأس المولود يوم السابع ويتصدق

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٦ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٧ ب ٤٢ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٧ ب ٤٢ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٢٦ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٧ ب ٤٢ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٢٦ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٧ ب ٤٢ ح ٤.

(٥ و ٦) قرب الاسناد ص ١٢٢ و ١٢٩، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٨ ب ٤٢ ح ٥ و ٦.

(٧) الفقيه ج ٣ ص ٣١٣ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٨ ح ٧ وفيهما (محمد بن مارد).

٦١

بوزن شعره ذهبا أو فضة ، فإن كان ذكر عق عنه ذكرا ، وإن كان أنثى عق عنها أنثى».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (١) : وإذا أردت أن تعق عنه فليكن عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى.

قال الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ في الفقيه (٢) : ويجوز أن يعق عن الذكر بأنثى وعن الأنثى بذكر ، وقد روي أن يعق عن الذكر بأنثيين وعن الأنثى بواحدة. وما استعمل في ذلك فهو جائز.

وظاهره في المسالك (٣) عدم الوقوف على دليل الحكم المذكور ، حيث إنه بعد ذكر عبارة المصنف الدالة على الحكم المذكور قال : استحباب مساواتها للولد في الذكورية والأنوثية ، رواه الكليني مرسلا عن الباقر عليه‌السلام (٤) قال : «إذا كان يوم السابع وقد ولد لأحدكم غلام أو جارية فليعق عنه كبشا عن الذكر ذكرا وعن الأنثى مثل ذلك». وروى أخبار كثيرة على أجزاء الذكر والأنثى مطلقا ، ثم أورد صحيحة منصور بن حازم إلى أن قال : مع أن الرواية الأولى ليست صريحة في اعتبار المساواة ، بل الظاهر من قوله «والأنثى مثل ذلك» أن المستحب كونها ذكرا في الذكر والأنثى ، فيكون موافقا لغيره من الأخبار الدالة على التسوية بينهما ، انتهى.

واقتفاه سبطه في شرح النافع أيضا قال : وذكر جمع من الأصحاب منهم المصنف في الشرائع أنه يستحب أن يعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى ورواه الكليني مرسلا عن أبي جعفر عليه‌السلام ثم أورد الرواية التي أوردها جده ثم قال : وهي ضعيفة السند قاصرة المتن.

__________________

(١) فقه الرضا ص ٢٣٩ ، المستدرك ج ٢ ص ٦٢٠ ب ٣١ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣١٣ ذيل ح ٧ وصدر ح ٨.

(٣) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٧٩.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٢٧ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥١ ح ١١.

٦٢

والعجب أن الرواية مذكورة في الفقيه فكيف غفلا عنها حتى تمسكا بهذه الرواية ، والحق أن هذه المرسلة محتملة لكل من المعنيين المذكورين ، فهي متشابهة لا يمكن الاعتماد عليها في شي‌ء منهما.

الثالث : قد صرحوا بأنه لو عجز عنها في الحاضر توقع المكنة ولا يجزي التصدق بثمنها ، ويدل عليه ما رواه الكليني (١) في الحسن عن محمد بن مسلم قال : «ولد لأبي جعفر عليه‌السلام غلام فأمر زيد بن علي أن يشتري له جزورين للعقيقة ، وكان زمن غلاء ، فاشترى له واحدة وعسرت عليه الأخرى ، فقال لأبي جعفر عليه‌السلام : قد عسرت علي الأخرى فنتصدق بثمنها؟ فقال : لا ، اطلبها حتى تقدر عليها فإن الله عزوجل يحب إهراق الدماء وإطعام الطعام».

وعن ابن بكير (٢) في الموثق قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فجاءه رسول عمه عبد الله بن علي فقال له : يقول عمك : إنا طلبنا العقيقة فلم نجدها فما ترى نتصدق بثمنها؟ فقال : لا ، إن الله يحب إطعام الطعام وإراقة الدماء».

الرابع : قد ذكروا أنه يستحب فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب سمينة ، ولم أقف في الأخبار على ما يدل عليه ، بل الظاهر منها خلافه ، وهو الظاهر من الكليني أيضا حيث إنه عنون الباب فقال : باب أن العقيقة ليست بمنزلة الأضحية ، ثم ذكر فيه ما رواه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القماط (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أصحابنا يطلبون العقيقة إذا كان إبان تقدم الأعراب فيجدون الفحولة ، وإذا كان غير ذلك الإبان لم توجد فيعز عليهم ، فقال : إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية يجزي

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٥ ح ٨ وفيه «غلامان جميعا» ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٦ ب ٤٠ ح ٢ وفيه «غلامان».

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٥ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٥ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٢٩ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٣ ح ١.

٦٣

فيها كل شي‌ء».

وروى أيضا عن مرازم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «العقيقة ليست بمنزلة الهدي ، خيرها أسمنها». وحاصله أنه لا يشترط فيها ما يشترط في الهدي وإن كان الأفضل فيها الأسمن.

الخامس : يكره أكل الوالدين منها بل جملة العيال ، ويتأكد في الأم ، فروي في الكافي (٢) عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة ، وقال : وللقابلة الثلث من العقيقة ، فإن كانت القابلة أم الرجل أو في عياله فليس لها منها شي‌ء ، وتجعل أعضاء ثم يطبخها ويقسمها ، ولا يعطيها إلا لأهل الولاية ، وقال : يأكل من العقيقة كل أحد إلا الأم».

وعن الكاهلي (٣) في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في العقيقة ، قال : لا تطعم الام منها شيئا».

وعن ابن مسكان (٤) عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تأكل المرأة من عقيقة ولدها» الحديث.

وفي كتاب الفقه الرضوي (٥) «ولا يأكل منه الأبوان ، وإن أكلت منه الام فلا ترضعه». وبهذه العبارة أعني قوله «وإن أكلت منه الام لم ترضعه» عبر في الفقيه (٦) فقال : والأبوان لا يأكلان من العقيقة وليس ذلك بمحرم عليهما ، وإن أكلت منه الام لم ترضعه» ولم أقف على من صرح بذلك من الأصحاب غيره ،

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٠ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٤ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣٢ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٦ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٢ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٦ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٣٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٧ ح ٣.

(٥) فقه الرضا ص ٢٣٩ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦٢١ ب ٣٤ ح ١.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ٣١٣ ح ٨.

٦٤

ولا على خبر يتضمن ذلك غير ما في الكتاب المذكور.

ومما يدل على حمل النهي على الكراهة ما ورد من جواز أكل الأب منها كما رواه في الكافي (١) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المولود يسمى في اليوم السابع ويعق عنه ـ إلى أن قال : ـ ويبعث إلى القابلة بالرجل مع الورك ويطعم منه ويتصدق».

وعن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا ولد لك غلام أو جارية فعق عنه يوم السابع شاة أو جزورا وكل منها وأطعم» الحديث.

ومما يدل على جواز أكل العيال ما رواه في الكافي (٣) عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث عقيقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحسن والحسين عليهما‌السلام قال : «وعق عنهما شاة شاة ، وبعثوا برجل شاة إلى القابلة ، ونظروا ما غيره ، فأكلوا منه وأهدوا إلى الجيران ، وحلقت فاطمة عليها‌السلام رؤوسهما وتصدقت بوزن شعرهما فضة». والمراد أنهم نظروا في غير ما بعثوا به إلى القابلة فأكلوا منه وأهدوا فكأن «ما» هنا وقعت زائدة أو استفهامية.

ثم إن ما دل عليه خبر أبي خديجة من أن العقيقة تجعل أعضاء يعني لا يكسر لها عظم مما صرح به الأصحاب أيضا وحكموا بكراهته ، وعليه دل الخبر المذكور.

ونحوه ما رواه في الكافي (٤) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «واقطع العقيقة جداول (٥) واطبخها وادع عليها رهطا من المسلمين».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٩ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٩ ب ٤٤ ح ١ وفيهما «قال : يسمى».

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥١ ح ٧.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٣ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٨ ح ٤.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٢٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥١ ب ٤٤ ح ٨.

(٥) أقول : ما اشتمل عليه الخبر من لفظ «جداول» لا يخلو من اشكال ، فإن جداول جمع جدول وهو النهر الصغير ولا مناسبة فيه للمقام ، والظاهر انما هو جدول جمع جدل وهو العضو. قال في القاموس : والجدل ويكسر كل عضو وكل عظم معرق لا يكسر ولا يخلط به غيره ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٦٥

إلا أنه قد روى في الفقيه (١) مرسلا قال : «قال عمار الساباطي : وسئل عن العقيقة إذا ذبحت هل يكسر عظمها؟ قال : نعم يكسر عظمها ويقطع لحمها وتصنع بها بعد الذبح ما شئت». والظاهر أن هذا الخبر خرج مخرج التنبيه على الجواز فلا ينافي الكراهة.

السادس : من المستحبات طبخها وإطعامها المؤمنين. قال في كتاب الفقه الرضوي (٢) «وتفرق لحمها على قوم مؤمنين محتاجين ، وإن أعددته طعاما ودعوت عليه قوما من إخوانك فهو أحب إلي ، وكلما أكثرت فهو أفضل ، وحده عشرة أنفس وما زاد ، وأفضل ما تطبخ به ماء وملح». انتهى.

وفي كتاب الفقيه (٣) «وروي أن أفضل ما تطبخ به ماء وملح». والظاهر أنه إشارة إلى ما ذكره عليه‌السلام هنا.

وفي موثقة عمار (٤) «ويطعم منه عشرة من المسلمين فإن زادوا فهو أفضل وتأكل منه». وفي الخبر ما يدل على الرخصة للأب في الأكل ، وقد تقدم مثله.

وفي التهذيب (٥) «ولا تأكل منه». وهو على حسب ما دل عليه غيره من كراهة الأكل للأب أيضا. وقد تقدم في رواية عبد الله بن سنان «واطبخها وادع عليها رهطا من المسلمين». وفي رواية أبي خديجة المتقدمة «ثم يطبخها ويقسمها

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣١٤ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٢ ح ١٧.

(٢) فقه الرضا ص ٢٣٩ وفيه تقديم وتأخير ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦٢١ ب ٣٤ ح ١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣١٣ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٢ ح ١٦ وفيهما «ما يطبخ».

(٤) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ضمن ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٠ ضمن ح ٤.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٤٤٣ ضمن ح ٣٥.

٦٦

ولا يعطيها إلا لأهل الولاية». وفي حديث يحيى بن أبي العلاء المتقدمة أيضا «فأكلوا وأهدوا إلى الجيران». وظاهره إهداء اللحم من غير طبخ. وفي حديث حفص الكناسي المروي في الكافي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «ويدعى نفر من المسلمين فيأكلون ويدعون للغلام».

وقال في الفقيه (٢) «وإن شاء قسمها أعضاء كما هي ، وإن شاء طبخها وقسم معها خبزا ومرقا ولا يعطيها إلا لأهل الولاية».

أقول : وقد تلخص من ذلك جواز الجمع إلا أن الأفضل الطبخ في منزله وأن يضيف إلى اللحم شيئا من خبز أو أرز أو بعض الحبوب وأن يدعو لها المؤمنين في منزله ، وأن أقل من يدعوه عشرة لا أقل.

السابع : لا ريب في استحباب إعطاء القابلة جزء من العقيقة إذا لم تكن من العيال كما صرحت به رواية أبي خديجة المتقدمة لأن العيال لا يأكلون منها كما تقدم.

بقي الكلام في تعيين ما تعطى ، والروايات في ذلك لا تخلو من اختلاف ، ففي رواية أبي خديجة المتقدمة ثلث العقيقة. وقد تقدم أيضا في حديث يحيى ابن أبي العلاء في عقيقة الحسنين عليهما‌السلام «وبعثوا برجل شاة إلى القابلة». وفي رواية أبي بصير المتقدمة أيضا «ويبعث إلى القابلة بالرجل مع الورك». وفي روايته الثانية مما حذفناه منها «وأعط القابلة طائفا من ذلك» (٣). وهو إما بالفاء بعد

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ضمن ح ٥ وص ٢٩ ضمن ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٢ ضمن ح ١٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣١٣ ضمن ح ٨.

(٣) أقول : قد ورد في حديث العامة مثل ذلك ووجهوه بالوجهين ، قال في النهاية : وفي حديث عمران بن حصين «أن غلاما أبق له فقال : لأقطعن منه طابقا ان قدرت عليه» أى عضوا ، وجمعه طوابق ـ ثم قال في الطاء مع الياء المثناة والفاء أخيرا بعد ذكره في الحديث المذكور طائفا ـ هكذا جاء في الرواية «أي بعض أطرافه والطائفة : القطعة من الشي‌ء ، وروى بالباء والقاف وقد تقدم» انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٦٧

الياء المهموزة ، أو بالباء الموحدة ثم القاف كما ذكره في النهاية (١) وهو عبارة عن العضو أو القطعة.

وفي موثقة عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «ويعطي القابلة ربعها وإن لم تكن قابلة فلأمه تعطيه من شاءت ـ إلى أن قال : ـ وإن كانت القابلة يهودية لا تأكل من ذبيحة المسلمين أعطيت قيمة ربع الكبش». وفي رواية حفص الكناسي (٣) «واهدى إلى القابلة الرجل مع الورك». ونحوها موثقة سماعة (٤) وحسنة الكاهلي (٥) وأكثر هذه الأخبار على الرجل والورك ، والظاهر أن العمل بكل من هذه الأخبار حسن ، وأما ما اشتمل عليه موثقة عمار من أنه مع عدم القابلة فلأمه تعطيه من شاءت فهو مما صرح به الأصحاب أيضا.

قال في المسالك (٦) : والمراد أن الأب يعطيها حصة القابلة إن كان هو الذابح للعقيقة وتصدق به ، لأنه يكره أن تأكل منها ، وفي قوله عليه‌السلام «تعطيها من شاءت» إشارة إلى أن صدقتها به لا يختص بالفقراء بل تتأدى السنة بصدقتها على الغني والفقير ، انتهى.

الثامن : قد ذكروا أنه لو لم يعق الأب عنه عق عن نفسه بعد البلوغ ، وتدل عليه الأخبار المتقدمة المصرحة بوجوبها وأنه مرتهن بها ، فيبقى تحت عهدة الأمر حتى يحصل الامتثال ، وقد تقدم في الموضع الأول في موثقة سماعة (٧) أن الرجل

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ج ٣ ص ١٥٣ «طيف» وص ١١٤ «طبق».

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ضمن ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٠ ضمن ح ٤.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ضمن ح ٥ وص ٢٩ ضمن ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٢ ضمن ح ١٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٠ ح ٦.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٢٩ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٠ ح ٥.

(٦) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٧٩.

(٧) الكافي ج ٦ ص ٣٩ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٣ ح ١.

٦٨

إذا لم يعق عن ولده وقد كبر أنه إذا ضحي عنه أو ضحى الولد عن نفسه فقد أجزأ عن العقيقة ، ومفهومه أنه لو لم يضح عن نفسه ولا ضحى عنه أبوه فالخطاب باق.

ويؤيده ما ورد من أنه مع الشك في أن أباه هل عق عنه أم لا؟ فإنه يستحب له أن يعق عن نفسه كما تقدم في صحيحة عمر بن يزيد (١) بطريق الفقيه المذكورة في الموضع الأول. وقد صرحوا أيضا بأنه لو مات الصبي في اليوم السابع فإن مات قبل الزوال سقطت وإن مات بعده لم يسقط.

وعلى ذلك تدل ما رواه في الكافي والفقيه (٢) عن إدريس بن عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود يولد فيموت يوم السابع هل يعق عنه؟ قال : إن كان مات قبل الظهر لم يعق عنه ، وإن مات بعد الظهر عق عنه».

التاسع : فيما يستحب أن يقال وقت الذبح ، فروى في الكافي (٣) عن الكرخي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تقول على العقيقة إذا عققت : بسم الله وبالله اللهم عقيقة عن فلان لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه ، اللهم اجعله وقاء لآل محمد صلى الله عليه وعليهم».

وعن يونس (٤) عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا اذبحت فقل : بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر إيمانا بالله وثناء على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعصمة لأمره والشكر لرزقه والمعرفة بفضله علينا أهل البيت ، فإن كان ذكرا فقل : اللهم إنك وهبت لنا ذكرا وأنت أعلم بما وهبت ، ومنك ما أعطيت وكل ما صنعنا ، فتقبله على سنتك وسنة نبيك ورسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واخسأ عنا الشيطان الرجيم ، لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين». قوله «بفضله علينا أهل البيت» المراد

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣١٢ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٥ ب ٣٩ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣٩ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣١٤ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٠ ح ١.

(٣ و ٤) الكافي ج ٦ ص ٣٠ ح ١ و ٢، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٤ ح ١ وص ١٥٥ ح ٤.

٦٩

به أهل بيت نفسه كما نبه عليه بعض المحدثين.

وعن سهل (١) عن بعض أصحابه رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «نقول على العقيقة» وذكر مثله وزاد فيه «اللهم لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه وشعرها بشعره وجلدها بجلده ، اللهم اجعله وقاء لفلان بن فلان».

وروى في الكافي والفقيه (٢) عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أردت أن تذبح العقيقة قلت (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‌ءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك بسم الله وبالله والله أكبر اللهم صل على محمد وآل محمد ، وتقبل من فلان بن فلان ، وتسمي المولود باسمه ثم تذبح».

وروى في الكافي (٣) بسنده عن محمد بن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفي الفقيه (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يقال عند العقيقة : اللهم منك ولك ما وهبت وأنت أعطيت ، اللهم فتقبل منا على سنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وتسمي وتذبح ، وتقول : لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين ، اللهم اخسأ الشيطان الرجيم».

وروى في الكافي (٥) عن الكاهلي في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال في العقيقة : إذا ذبحت تقول (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما (وَما

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣١ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٥ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣١ ح ٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٣١٤ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٤ ب ٤٦ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣١ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٥ ح ٣ وفيهما «محمد بن مارد».

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٣١٤ ح ١٥ وفيه «اخسأ عنا» ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٥ ح ٣.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٣١ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٦ ح ٦.

٧٠

أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ) ، اللهم منك ولك ، اللهم هذا عن فلان بن فلان».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (١) «فإن أردت ذبحه فقل : بسم الله وبالله منك وبك ولك وإليك عقيقة فلان بن فلان على ملتك ودينك وسنة نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، باسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر إيمانا بالله وثناء على رسول الله ، والعصمة بأمره والشكر لرزقه والمعرفة لفضله علينا أهل البيت ، فإن كان ذكرا فقل : اللهم أنت وهبت لنا ذكرا وأنت أعلم بما وهبت ومنك ما أعطيت ولك ما صنعنا ، فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحتبس عنا الشيطان الرجيم ، ولك سفكت الدماء ولوجهك القربات لا شريك له».

تكملة في الرضاع

والكلام فيها يقع في موردين الأول في الرضاع نفسه ، والكلام فيه يقع في مواضع :

الأول : قالوا : إن أفضل ما يرضع به الصبي لبن أمه لأنه أوفق بمزاجه وأنسب بطبعه ، وهو غذاؤه في بطن امه.

أقول : ويدل عليه ما رواه الكافي (٢) عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه».

الثاني : المعروف من كلام الأصحاب أنه لا يجب على الأم إرضاع الولد. واستدل عليه مضافا إلى الأصل بقوله عزوجل «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى» (٣) ولو كان الرضاع واجبا عليها

__________________

(١) فقه الرضا ص ٢٣٩ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦٢١ ب ٣٣ ح ١ وفيهما «فاخنس ـ فاخسأ خ ل ـ» وكذلك «سكب» بدل «سفكت».

(٢) الكافي ج ٦ ص ٤٠ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٥ ح ٢.

(٣) سورة الطلاق ـ آية ٦.

٧١

لما حسن أن يقال «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ» إلا أنه يشكل ذلك بأن مورد الآية كما ينادي به سياق الكلام إنما هو المطلقة البائن ، وعدم الوجوب هنا مما لا خلاف فيه.

قال في كتاب مجمع البيان (١) «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» أي وإن أرضعن الولد لأجلكم بعد البينونة فاعطوهن أجر الرضاع يعني اجرة المثل. انتهى ، وهذا الكلام في الآية الثانية ، فإن السياق كله إنما هو في المطلقة ، وحينئذ فاستدلال أصحابنا بهاتين في المقام لا يخلو من نظر ، إذ محل البحث إنما هو الزوجة.

والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي (٢) عن سليمان بن داود المنقري قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرضاع ، قال : لا تجبر المرأة على إرضاع الولد وتجبر أم الولد». وهو صريح في المراد.

الثالث : يجب تقييد الحكم المذكور كما نبه عليه غير واحد من الأصحاب بأن ذلك مشروط بوجود الأب وقدرته على دفع الأجرة ، أو عدم تبرعها ، أو وجود مال للولد ووجود مرضعة سواها ، وإلا وجب ذلك عليها كما يجب عليها الإنفاق عليه إذا كان الأب معسرا أو مفقودا.

الرابع : إطلاق كلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين اللبأ ، وهو أول ما يحلب بعد الولادة وغيره عملا بإطلاق الدليل ، وأوجب جماعة منهم العلامة في القواعد والشهيد إرضاعها اللبأ ، محتجين بأن الولد لا يعيش بدونه ، ورده جمع ممن تأخر عنهما بأنه ممنوع بالوجدان.

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٠٩.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٤٠ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠٧ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٥ ب ٦٨ ح ١.

٧٢

قال في المسالك (١) : ولعلهم أرادوا الغالب ، أو أنه لا يقوى ولا يشتد بنيته إلا به ، ثم إنه على القول بالوجوب هل تستحق الأم اجرة عليه من الأب أو من الولد إن كان له مال أم لا؟ قولان : والأول مذهب الأكثر مستندين إلى إطلاق قوله تعالى «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» وبالثاني قطع المقداد في كنز العرفان محتجا بأنه واجب ، ولا يجوز أخذ الأجرة على الواجب.

قال في المسالك (٢) : وكليته ممنوعة ، فإن مالك الطعام يلزمه بذله للمضطر ، ولكن بالعوض باعتراف هذا القائل ، وإن كان فيه خلاف أيضا ، انتهى.

وتوضيحه أن الممتنع هو أخذ الأجرة على نفس العمل الذي يجب عليه القيام به ، مثل تغسيل الموتى ودفنهم ونحو ذلك لا أخذ عوض ما يجب بذله كدفع المال إلى المضطر ، واللبأ من قبيل الثاني لا الأول.

وأنت خبير بأن قضية الوجوب سقوط الأجرة إلا أن يقوم دليل على خلاف ذلك ، والآية المذكورة ليست من محل البحث في شي‌ء ، فإن المدعى وجوب الإرضاع عليها ، والآية المذكورة قد عرفت أن موردها المطلقة البائنة وعدم الوجوب عليها ظاهر ، وما ذكروه من بذل الطعام للمضطر إن وجد ما يدل على ما ادعوه من الأخبار فلا إشكال ، وإلا فللمناقشة فيما ذكروه مجال ، ولا يحضرني الآن شي‌ء من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة.

الخامس : لا خلاف ولا إشكال في جواز استئجار الأب الأم للرضاع إذا كانت مطلقة بائنة ، لأن منافعها مملوكة لها ولا تعلق للأب بها ، إنما الخلاف فيما لو كانت زوجة ، فالمشهور بين الأصحاب الجواز مستندين إلى عموم قوله «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ».

وفيه ما عرفت من أن مورد هذه الآية إنما هي المطلقة ، فهي دليل للأول من هذين الحكمين لا للثاني. نعم يدل على ذلك أصالة الجواز لأنك قد عرفت

__________________

(١ و ٢) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٨٠.

٧٣

بالخبر المتقدم أن الإرضاع غير واجب عليها ، فكما يجوز استئجارها لا رضاع غيره فكذا لا رضاعه ، ومنع الشيخ في المبسوط (١) من استيجار الزوج بها ، وكذا منع من استئجارها لخدمته وخدمة غيره وإرضاع ولد غيره ، مستندا إلى أن زوجها قد ملك الاستمتاع بها في كل وقت إلا ما استثنى من أوقات الصلاة والصيام ، فما عقدت عليه من المنافع لا يقدر على إيفائه ، وإذا لم تقدر على إيفائه كان العقد باطلا ، كما لو آجر نفسه شهرا ثم آجرها ذلك الشهر بغير المستأجر.

وأجيب بمنع ملك الزوج لجميع منافعها وإنما ملك الاستمتاع ولا يلزم من استحقاقه في جميع الأوقات ملك غيره من المنافع ، وما ذكره الشيخ قول لبعض العامة ولا ريب في ضعفه.

السادس : لا يخفى أنه على تقدير القول المشهور من جواز استئجارها لإرضاع ولدها ، فإن تعلقت الإجارة بها نفسها لم يكن لها إرضاع غيره ، فإن فعلت فلا اجرة لها ، وإن تعلقت بها وبغيرها بأن كان الاستئجار على تحصيل الرضاع كيف اتفق بها أو بغيرها جاز ، ومع عدم تعيين أحد الأمرين بأن أطلق إشكال ، ولا يبعد إلحاقه بالقسم الأول ، لأنه الذي ينصرف إليه ظاهر الإطلاق ، والمشهور على ما ذكره في المسالك (٢) جواز إرضاعها له بنفسها وغيرها ، قال : لأنها حينئذ أجير مطلق ، ومن شأنه جواز تحصيل المنفعة بنفسه وغيره. انتهى ، والأقرب الأول وهو اختيار سبطه في شرح النافع.

السابع : ينبغي أن يعلم أن الأجرة من مال الولد إن كان له مال وإلا فعلى الأب ، وظاهر بعض العبارات أنه مع حياة الأب فالأجرة على الأب ، ومع موته فالأجرة من مال المرتضع ، وهو على إطلاقه غير جيد (٣) بل الوجه هو

__________________

(١) المبسوط ج ٦ ص ٣٦.

(٢) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٨٠.

(٣) لانه مع حياة الأب ووجود مال للولد ، فالولد غنى لا يستحق على الأب نفقة فلا يجب على الأب شي‌ء وهو ظاهر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٧٤

ما قدمنا ذكره.

وروى في الكافي والتهذيب (١) عن ابن أبي يعفور في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في رجل توفى وترك صبيا فاسترضع له أن أجر رضاع الصبي مما يرث من أبيه وامه».

ورواه الشيخ (٢) بطريق آخر وزاد فيه «من حظه مما ورث من أبيه». وروى في التهذيب (٣) عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قضى علي عليه‌السلام في صبي مولود مات أبوه أن رضاعه من حظه مما ورث من أبيه».

وروى في الكافي (٤) عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل مات وترك امرأته ومعها منه ولد فألقته على خادم لها فأرضعته ، ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصي ، فقال : لها أجر مثلها وليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله».

وفي هذه الأخبار دلالة على عدم وجوب الرضاع على الام كما تقدم ، وجواز استئجارها للرضاع كما هو المشهور ، وظاهر صحيحة عبد الله بن سنان استحقاقها الأجرة وإن أرضعته بغيرها ، ومقتضى كلامهم حمله على كون الاستئجار وقع كذلك أو كونه مطلقا إلا أن الخبر لا يخلو من الإجمال.

الثامن : قد صرحوا بأن الأم أحق برضاعه إذا تبرعت أو قنعت بما يطلب غيرها ، ولو طلبت زيادة على ما يرضى به غيرها فللأب انتزاعه منها ، ويدل على

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٤١ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٧ ح ٥٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٩ ح ٢.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٠٦ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٩ ص ٢٤٤ ح ٣٩.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٤١ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٨ ب ٧١ ح ١ وفيهما «امرأة».

٧٥

الحكم الأول أعني أحقيتها بالرضاع إذا تبرعت أو قنعت بما يطلب غيرها قوله سبحانه «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (١) فإن الآية شاملة لهاتين الصورتين.

ورواية أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : المطلقة الحبلى ينفق عليها حتى تضع حملها ، وهي أحق بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أخرى ، يقول الله تعالى «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» (٣). لا يضار الصبي ولا تضار به في رضاعه ، وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين ، فإن أراد الفصال عن تراض منهما كان حسنا ، والفصال هو الفطام».

وعلى الحكم الثاني وهو انتزاعه منها لو طلبت الزيادة قوله تعالى «وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى» (٤).

ويدل على الحكمين معا ما رواه الشيخ (٥) عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارها إلا أن يجد من هو أرخص منها أجرا فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق بابنها حتى تفطمه».

وعن أبي العباس (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال : فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلقها : أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من يرضعه فهي أحق به». وهذه الرواية دليل على الصورة الثانية من الحكم الأول.

وحكى الشيخ في الخلاف قولا بأن الأم أحق بالولد متى طلبت اجرة المثل

__________________

(١) سورة الطلاق ـ آية ٦.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٩ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٨ ب ٧٠ ح ٧ وفيهما «لا يضار بالصبي ولا يضار بأمه».

(٣) سورة البقرة ـ آية ٢٣٣.

(٤) سورة الطلاق ـ آية ٦.

(٥) التهذيب ج ٨ ص ١٠٦ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩١ ح ٢.

(٦) التهذيب ج ٨ ص ١٠٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٩١ ح ٣.

٧٦

وإن وجد الأب من يأخذ أقل أو يتبرع ، تمسكا بإطلاق الآية المتقدمة والأخبار المذكورة ترده كما عرفت.

التاسع : لا خلاف ولا إشكال في أن للمولى إجبار أمته على الرضاع لأنها مع جميع منافعها ملك له سواء في ذلك منافع الاستمتاع وغيرها ، بخلاف الزوجة حيث اختص الاستحقاق بمنافع الاستمتاع ولا فرق في ذلك بين أم الولد وغيرها ، وقد تقدم في الموضع الثاني قوله عليه‌السلام في رواية المنقري (١) «وتجبر أم الولد». وذكر أم الولد لا يقتضي نفي ذلك عن غيرها.

العاشر : ظاهر بعض الأخبار استحباب الإرضاع من الثديين معا ، وهذا الحكم لم يتعرض له أحد من الأصحاب فيما أعلم ، ويدل عليه ما رواه في الكافي (٢) عن محمد بن العباس بن الوليد عن أبيه عن امة أم إسحاق بنت سليمان «قالت : نظر إلى أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا أرضع أحد ابني محمدا أو إسحاق ، فقال ، يا أم إسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد وأرضعيه من كليهما ، يكون أحدهما طعاما والآخر شرابا» ، ورواه في الفقيه (٣) مرسلا قال : «نظر الصادق عليه‌السلام إلى أم إسحاق وهي ترضع أحد ابنيها» الحديث.

قال في الوافي (٤) : لما كان في الجديد لذة كان اللبن الجديد مما يسيغ القديم كما أن الشراب يسيغ الطعام ، فصح بهذا الاعتبار أن يكون أحدهما بمنزلة الطعام والآخر بمنزلة الشراب ، انتهى.

وروى في الفقيه (٥) بإسناده عن محمد بن علي الكوفي عن إسماعيل بن مهران عن مرازم عن جابر بن يزيد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : «قال رسول الله

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٤١ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٥ ب ٦٨ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٤٠ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٦ ب ٦٩ ح ١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣٠٥ ح ٤.

(٤) الوافي ج ٣ ص ٢٠٧ ب ٢٢٠.

(٥) الفقيه ج ٤ ص ٢٩٦ ح ٧٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٦ ب ٦٩ ح ٢.

٧٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا وقع الولد في بطن امه ـ إلى أن قال : ـ وجعل الله تعالى رزقه في ثدي امه أحدهما شرابه وفي الآخر طعامه» الخبر.

الحادي عشر : قال في الشرائع (١) : لو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم فالقول قول الأب ، لأنه قد يدفع عن نفسه وجوب الأجرة. على تردد. قال في المسالك (٢) : منشأ التردد من كون الام منكرة لما يدعيه من وجود المتبرعة ، والأصل عدمه ، فيكون القول قولها لأنه المدعي ، ولأن الحق ثابت لها وهو يدعي إسقاطه بوجود المتبرعة ، والأصل عدم سقوطه إلى أن يثبت ، ومما ذكره المصنف من أن الأم تدعي شغل ذمة الأب بالأجرة وهو ينفي ذلك عن نفسه ، والأصل براءة ذمته منها ، ولأنه يعسر عليه إقامة البينة على ما يقوله فيصدق بيمينه وهو قول الشيخ في المبسوط وهو الأشهر ، انتهى.

أقول : الظاهر أن الأنسب بقواعدهم والأقرب إلى ضوابطهم هو ما قرره الشارح أولا ، فإن مقتضى صورة النزاع التي فرضوها هو أن الأب ادعى وجود متبرعة والام أنكرت ، فالأب هو المدعي والام هي المنكرة ، فيجب العمل بمقتضى القاعدة المنصوصة فيهما كما في كل مدع ومنكر ، وقضية ذلك أن القول قول الام بيمينها ، وأما جعل الام مدعية ـ لأنها تدعي شغل ذمة الأب بالأجرة ، وهو منكر لأنه ينفي بذلك عن نفسه ـ وليس هو صورة الدعوى التي فرضوها ، وإنما ذلك من لوازمها على أنه لا معنى لدعوى الام شغل ذمة الأب بالأجرة قبل الرضاع ، لأن هذا النزاع إنما وقع في أول الأمر قبل دفع الولد إليها ، وقبل تعيين الأجرة بأمره ، ومرجعه إنما هو إلى دعوى شغل الذمة لو أرضعت بعد دفع الولد إليها.

وبالجملة فإن عد الام مدعية والأب منكرا بهذا التقريب الذي ذكروه

__________________

(١) شرائع الإسلام ص ٥٦٦ الطبعة الثالثة سنة ١٤٠٣ ه‍ ، وفيه «لانه يدفع».

(٢) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٨١.

٧٨

ـ مع كون صورة النزاع الذي فرضوه إنما هو على الوجه الذي عرفت ـ لا يخلو من غموض وإشكال.

المورد الثاني : في مدته ، والكلام فيه أيضا يقع في مواضع :

الأول : لا خلاف نصا وفتوى في أن مدة الرضاع المحدودة شرعا وإن جاز النقيصة عنها والزيادة عليها حولان كاملان.

ويدل على ذلك قوله تعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ» (١) وما سيأتي من الأخبار المذكورة في المقام إن شاء الله تعالى.

الثاني : قد صرح الأصحاب بجواز الاقتصار على أحد وعشرين شهرا لا أقل لظاهر قوله تعالى «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» (٢) فإذا حملت به تسعة أشهر كما هو الغالب كان الباقي للرضاع أحدا وعشرين شهرا.

ويدل على ذلك أيضا جملة من الأخبار منها ما رواه في التهذيب (٣) عن عبد الوهاب بن الصباح قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الفرض في الرضاع أحد وعشرون شهرا ، فما نقص عن أحد وعشرين شهرا فقد نقص المرضع ، فإن أراد أن يتم الرضاعة له فحولين كاملين».

وما رواه في الكافي (٤) عن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الرضاع أحد وعشرون شهرا فما نقص فهو جور على الصبي».

وظاهر الخبرين تحريم ما نقص عن أحد وعشرين كما هو ظاهر الأصحاب أيضا لحكمه في الأول بأن الأحد وعشرين هو الفرض ، وفي الثاني بأن ما نقص منه جور وظلم للصبي.

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٣٣.

(٢) سورة الأحقاف ـ آية ١٥.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٠٦ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٧ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٤٠ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٧ ح ٥ وفيهما «واحد وعشرون».

٧٩

واستشكل ذلك في شرح النافع فقال : ولو قيل بجوازه إذا اقتضت مصلحة الولد ذلك وتراضى عليه الأبوان لم يكن بعيدا ، قال : ويدل عليه ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين ، فإن أرادا الفصال قبل ذلك عن تراض منهما فهو حسن».

أقول : الظاهر أن الوجه في الجمع بين هذا الخبر والخبرين الأولين هو تخصيص النقصان في هذا الخبر بما لا يبلغ النقصان عن ذلك الحد ، فإن الخبرين الأولين ظاهران بل صريحان في تحريم النقص عن ذلك المقدار.

بقي هنا شي‌ء يجب التنبيه عليه وهو : أنه قد تقدم في المسألة الاولى من المقام الأول الاستدلال بهذه الآية ، أعني قوله «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» على أن أقل الحمل ستة أشهر ، وأقصى الفصال عامان ، وهنا قد استدلوا بها على أن أقصى الفصال أحد وعشرون شهرا ، وأن يشكل أيضا ذلك على تقدير القول بأن أقصى الحمل سنة ، والقول بأن أقصاه عشرة أشهر ، وجواز أن تضعه لسبعة أشهر ، وفي جميع هذه الصور لا يتم أن الفصال أحد وعشرون شهرا ، ولهذا نقل عن ابن عباس أن من ولد لستة أشهر ففصاله في عامين ، ومن ولد لسبعة فمدة رضاعه ثلاثة وعشرون شهرا ، ومن ولد لتسعة هو أحد وعشرون.

قال في المسالك (٢) : وهو قول موجه جامع بين الآيات.

أقول : والأظهر عندي عدم الرجوع في الاستدلال في هذه المسألة إلى الآية المذكورة بل الاعتماد على الأخبار التي ذكرناها ، والمستفاد من النصوص الواردة في تفسير هذه الآية أن نزولها كان في الحسين عليه‌السلام كما ينادي به سياق الكلام في الآية قبل هذا الموضع وبعده ، ولا بأس بذكر خبر من تلك الأخبار.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٠٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٧ ب ٧٠ ح ١.

(٢) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٨٠.

٨٠